دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

دراسات ادبية

edit

أسئلة الكتابة الإبداعية ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتابة الإبداعية الراقية نشاط يلامس قمة الذكاء الإنساني عند المنتج والمتلقي على حد سواء. لذا؛ هي تنطلق من عاملين جوهريين لا يغني أحدهما عن الآخر. 
أول العاملين هو الملَكَة أو الموهبة أو العبقرية وفق التسميات المختلفة للاستعداد الذاتي الخاص بالقدرة الفطرية على ممارسة الإبداع الأدبي بانمياز وامتياز، وهذا أمر غير وراثي وغير مكتسب لأن الأديب المبدع الحقّ وُلد ليكون هكذا إذا توفر له الحد الأدنى من الظروف المساعدة، وقد طرحت النظريات المفسرة لأصل الإبداع بعض الآراء في هذا المجال لكنها تبقى نسبية محدودة جدا، وهو ما ترك مسألة الإبداع مرتبطة بغيبتها الثابتة عبر التاريخ البشري.
وثاني العاملين هو الصناعة الرفيعة الواعية المتمثلة في التعلم المستمر وممارسة تجارب الحياة بأوسع معانيها المتاحة، وهذه الصناعة تتفرع إلى فرعين متكاملين أحدهما عام والآخر خاص. فالصناعة بمفهومها العام هي التربية والتكوين وممارسة التجارب ومجموع النشاطات التي تجعل من الإنسان إنسانا، كلّ بحسب ظروفه وثقافة انتمائه ومستوى حضارته ومساحة طموحاته الفردية والمجتمعية، ومن تأخّر في هذه الصناعة العامة المرافقة للإنسان - فردا كان أو مجتمعا - يعشْ في التخلف والهامشية وما يجري هذا المجرى وفق درجة تأخّره، وهذه الصناعة يشترك فيها المبدع وغير المبدع، وليست هي التي تنتج عبقريا متفردا حتى لو كان موهوبا وإنما تبقى هي الممر الضروري إلى التميّز في هذا الحقل أو ذاك. 
والصناعة بمفهومها الخاص والمتخصص في الإبداع الأدبي دون غيره هي ما تقاربه أسئلة الكتابة الإبداعية، وهذه بعضها :
السؤال التمهيدي : من أين ينطلق الكاتب المبدع ؟
ينطلق الكاتب المبدع من صناعة خاصة تتعمق وتتطور تدريجيا مع مساره، وقد تبدأ باكرا في حياته أو تتأخر قليلا أو كثيرا وفق ما يقتضيه الواقع، وتتمثل في فهم تذوقي روحي يخترق قوانين اللغة ليتغلغل في تلافيف مكوناتها الجمالية من خلال اكتشاف تراكم إبداعها التاريخي الأنيق لا من خلال التقعيد فقط وإنما بالوصول بالبصيرة إلى ما وراء التقعيد المقنن للكتابات السابقة وما يمكن نسجه وتشكيله من المستكشف الجديد الذي يضيف من غير أن يكسّر ما سبق أو يحدث معه قطيعة تنكّرية تضرّ بالقديم والجديد في آن معاً، كما تتمثل هذه الصناعة في إدراك الروابط المرئية واللامرئية الموجودة بين لغة الكتابة وما حولها من إنتاج ثقافي حضاري خاص بها مضافا إلى ما بينها وبين غيرها من اللغات والثقافات والحضارت من تفاعلات فيها ثراء وانفتاحات مؤدية إلى قراءة عالمَي الشهادة والغيب باستثمار أكبر عدد ممكن من الزوايا، وذلك ليسير الكاتب المبدع نحو تجسيد رؤية متفرّدة لم يتميّز بها سابق ولن تصبح بطاقة هوية ذاتية ثقافية للاحق.
وبالتوازي مع هذا المنطلق يرحل المبدع متمرّنا مع الكتابة التجريبية حتى يدفعه تزاوج وتمازج قدراته الفطرية والمكتسبة للاهتداء إلى الحقل الأدبي الذي يكون فنه الأول بصورة طبيعية تبدو للبصر المجرد أمرا عاديا لكنها في نظر البصيرة أمر معقد في تركيبه متميز في جماله سامق في إدراكه متطور في استشرافه رقراق في أدائه لرسالة الفن في الحياة، كما يتضح من باقي أسئلة الكتابة.
السؤال الأول : لما ذا يكتب المبدع ؟
تحدث المهتمون بهذه المسألة كثيرا وطويلا، فمنهم من ردّها إلى الضرورة الواقعية ومنهم من ربطها بالمتعة ومنهم من جعلها وسيلة لجلب إعجاب الآخر بغية السيطرة عليه ومنهم من لخصها في الرسالة الآنية ومنهم من جعلها في خدمة المصلحة وما ينحو هذا المنحى الذي يقف غالبا عند جزئيات واستثناءات ومرحليات. وتبقى الكتابة الإبداعية أكبر من كل هدف مباشر لأن صاحبها يحمل هواجسها بعنف صاخب في صمت وتحمله هواجسها بصور لا تخلو من عنف وصخب وصمت بحكم إدراكه اللامحدود لتناقضات الحياة وتداخلات جمالها بقبحها... من هنا؛ تبقى سببية الكتابة الإبداعية العظيمة سرّا غامضا في أكبر جوانب مساحتها المبهمة إلا أن هذا الإبهام السرابي الضبابي لا يحرم الكاتب المبدع من تحديد موقف وجودي يتخذه مَعْلما في مساره، وأجمل ما كتب له بنو الإنسان وسيظلون يكتبون له في شتى أصقاع المعمورة هو ارتقاء إنسانية الإنسان كي يصل أو يقترب على الأقل من رحاب التكريم الذي خُصّ به دون غيره من الكائنات، وأعظم ما يجب أن يكتب عنه حملة الحرف العربي المبدع في هذا العصر هو الدفاع عن وجودهم التاريخي الراهن بوصفهم أمة ذات حضارة لها عقيدتها الرئيسة ولغتها الرئيسة وثقافتها الرئيسة وطموحاتها المستقبلية الرئيسة وهويتها الخاصة الرئيسة من غير أن تجعل الأقليات المتعايشة معها منذ قرون خارج اهتماماتها المركزية مع ضمان احترامها الكامل لها باحترام خصوصياتها منفردة ومجتمعة، كما حدث في أزهى العصور الذهبية. 
السؤال الثاني : لمَن يكتب المبدع ؟
عادة ما كتب المبدعون لقارئ واقعي أو قارئ مفترض في حيز محدود دونما أن يأخذوا غالبا بالحسبان صدام الحضارات والديانات والثقافات واللغات والأمم المتصارعة بمختلف آليات الصراع من أجل الهيمنة على الآخر بما يترتب على ذلك من جرائم وامتيازات، واليوم لقد تغير الأمر كثيرا إذ أصبح الإنسان المبدع يكتب للإنسان في حاضره ومستقبله بصفة عامة، فما ينزل النص الهام إلى الأنترنيت حتى تتخطفه اللغات مترجمة له ويلف العالم في لحظات معدودة ويمر أمام عيون الأصدقاء والأعداء كما يمر أمام عدسات المخابر والمخابرات وغير ذلك... من هنا بات للكتابة الإبداعية الهامة ذات التأثير قارئ آخر لا يمكن تصوره بدقة، لا واقعيا ولا افتراضيا ... ومن باب حسن إدارة الصراع القائم الذي لا مفر منه في الزمن القريب ولا نجاة من آثاره الخطيرة إن استمر وضعنا الوجودي على ما هو عليه من اهتزازات زلزالية تفتح الثغرة وراء الثغرة؛ علينا أن نكتب إلى القارئ الإنسان في كل مكان وفق صورتين متداخلتين : إحداهما موجهة للأنا الجمعي ليعيد إلى الأمة مقاييس وجودها الموحد بدفاعها عن نفسها ومساهمتها في الحضارة البشرية انطلاقا من هويتها وخصوصيتها وحاجاتها وطموحاتها، والثانية موجهة للآخر في أشكاله المتعددة من أجل تقديم أنفسنا بأنفسنا إليه وتصحيح صورتنا عنده إذا كانت مشوّهة بفعل فاعل وتعميق تجليات خصوصيتنا حتى لا نذوب في هذا الآخر المهيمن ونخرج من مسرح التاريخ. 
السؤال الثالث : كيف يكتب المبدع ؟
الكاتب المبدع فنان، والفنان المدرك لماهية الفن ورسالته تكون بالضرورة أدواته جميلة تنتج التشكيل الجمالي وليس التشكيل الذي لا جمال فيه أو جماله نازل تحت الحد الأدنى الذي يترقبه المتلقي. وهذا الجمال المرتقب في الإبداع الأدبي لا يجسده إلا الأداء اللغوي بأدبيته الراقية وإتقانه للمعلوم بالضرورة من علوم لغة الكتابة ومعارفها الخاصة بها... وهذا الجمال اللغوي ليس واحدا في كل الأقوال والأحوال بل هو متعدد بتعددها فالشعر له تشكيله الفني والسرد له تشكيله الفني والتمسرح له تشكيله الفني وهكذا دواليك في بقية أنواع الكتابة الإبداعية وأجناسها ... وبقدر ما كان القاموس ثريا منفتحا على انزياحات جديدة والقواعد صحيحة والخيال حرا والزاد المعرفي واسعا والقابلية للتطور والإضافة حاضرة والهاجس الإبداعي مؤطرا باستعداداته وعزمه ورؤيته ورسالته بقدر ماكانت الكتابة إبداعا عظيما يخترق حدود الزمان والمكان والثقافات والحضارات ... أما عن ظروف الكتابة ومحفزاتها وأوقاتها فالمسألة تبقى شخصية متغيرة باستمرار الاستمرار حتى عند الكاتب الواحد أحيانا. 
السؤال الرابع : بم يودّع المبدع النص الذي أنجبه ؟
الحفل الذي يقيمه المبدع بعد كل إبداع جديد ليس هو البهرجة الإعلامية الإشهارية في مستواها الضيق او مستواها الواسع وإنما هو مجالسته على انفراد لإبداعه بوصفه الوحيد الذي عايشه منذ اللحظات الجنينية الأولى إلى غاية ولادته، وأيضا بوصفه أول المتلقين له مباشرة بعد الولادة، وهذا لينظفه مما فيه من أدران ويلبسه لباس الخروج الذي لا عودة بعده. 
السؤال الخامس : ماذا يحدث بعد انفصال المبدع عن نصه ؟
بعد خروج الإبداع من يد المبدع إلى رحاب الحياة؛ على المبدع ألّا يصبح عالة على إبداعه أو حارسا على ثغوره أو موجها لمساراته أو منتظرا ما يترتب على خروجه إلى الحياة بل الأفضل للنص والناص على حد سواء أن تحدث شبه قطيعة بينهما بترك النص يفتح طريقه بنفسه كي لا يسقط بعد سقوط الوصاية عليه عاجلا أو آجلا وبتوجه الناص نحو أفق أبعد وأوسع بطموحات جديدة وعزم أرقى من سابقه... وهكذا ينجو كلاهما من اللف والدوران حول ذاتيهما في مساحة ضيقة وتستمر الحياة الإبداعية متجددة متحررة من قيود المكتسب الذي أصبح قديما بمجرد اكتماله وخروجه إلى الناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ . د . بومدين جلّالي - الجزائر

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 114 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2018 بواسطة magaltastar

قراءةُ لقصيدةِ الشاعر الجزائري
بو مدين جلالي
عزف الشفاء 
.... .......حميد شغيدل الشمري..العراق
المدنيةُ ضربت وتمددتْ في كلِ مفاصل ِألحياةِ أثرت فيه سلباً وأيجاباً وأمتد َهذا التاثيرُ على خيلاءِ ألعقولِ ألتي ما إن يسرح الفكرُ حتى يصطدمُ بالتطورِ الهائلِ في كل زاويةٍ من زوايا المجتمع ووصلَ هذا الى الأدبِ بكلِ أنواعهِ ومنه ألشعرُ وبالتحديدِ الشعرُ العموديٌ حيثُ بدأت تدخلُ ألمُصطلحاتُ ألحديثةُ بدلاً من الصورِ ألرائعةِ القديمةِ التي تثيرُ العواطفَ وتتربعُ على القلوبِ منشدةً اغاني وابتهالات لازالتْ تناغمُ الذاكرة َ.
مُقدمتي هذهِ اردت من خلالها أقولُ هل ْهناك من لم تاخذهُ هذه التغيرات ؟هل هناك من إحتضن الادبُ وضلَ متمسكاً باطلالهِ وبنائهِ الرائع؟.
. نعم ْوالأملُ زادَ وأنا أقرأ نص ألشاعر الجزائري.(بو مدين جلالي)
ألنصُ لمْ يكُ طويلاً مملاُ محشواً بالفاظٍ تخدشُ ألمشاعرَ بل جاءَ متسلسلاً شفافاُ وكأني في خميلةٍ عباسيةِ يدورُ حولي ألبحتري وابي تمام.ثم تقفزُ بي الذاكرةُ الى ابو نواس ..هو ذا الشعُر الذي نحتاجهُ الأن ..بدأ شاعرنا ..بيومٍ جميلٍ إبتداءاً من تسبيحِ الطيورِ ولم يقل تغريد ليوصلَ الينا قوله تعالى 
(ما من طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم) أخذتْ هذه المفردةُ بعداً اخراً البعدُ الأيماني في وصفِ ماحولهُ
وزادَ ذلكَ بأعطائهِ للصباحِ جلالا مهيباً وروعةً إنتشت ْروحهْ بها..(جلال الصباح)
فطارتْ ألروح ُهائمةً ركبت ألرياحُ لأنها تسامتْ ولم تنتقلُ بمراحلِ الأنتقالِ لكونها لم تستطعْ أن تقاومَ هذا ألجَمالُ الآخذُ بسحرهِ الالبابُ كل شئٍ تذللَ للصباحِ الزهرُ والطيرُ وروحهُ الهائمةُ بشدو ألطيور.ِ والطبُ بوخزُ اللقاح للشفاءِ هنا أرادَ الشاعرُ أن يضيفَ نغمة ًأخرى من شدو طيرٍ ألى وخزةِ نحلٍ (فيها شفاء للناس) لم يترك ْالشاعرٌ إيمانه كما قلنا في بداية القراءةُ بل عمقها واكدها.(ترابط بين المقدمةِ وما بعدها.) كنت أتمنى أن تختمَ القصيدةُ بهذا البيتِ .
ألوصفُ ليسً سهلاً أراه ُمن أصعبِ أبوابِ ألشعرِ لأن الشاعرَ عليهِ أن يُحرِكَ الأحاسيس للمتلقي ويجعلهُ يعيشُ في موقعِ الوصفِ ..ان الشاعر (بومدين جلالي ) وكما قلتُ بالرغم ِمن قصرِ قصيدتهِ إلا إنهُ أوفى وأمتعَ واجادَ.
تحيةُ من القلبِ لشاعرنا ولاخي الدكتور حسين ابو ليث الذي اتحفني بالنص.
قبول اعتذاري للاختصار وربما لم اعط للنص كامل حقه
النص
عَزْفُ الشِّفاء ...
.................
سَبَّحَ الطّيْرُ في جلالِ الصّباح // فَانْتَشَتْ روحي مِنْ جمالِ الصُّداح
هَزَّني عَذْبُ اللّحْنِ هَزَّ سُرورٍ // وحُبـــورٍ، فَطِرْتُ فوْقَ الرِّيـــــاح
رَفْرَفَ القلْبُ في جُنونِ الْمَعاني // وسَقاني مِنْ سِحْرِ زَهْرِ البِطـاح
يا إلَهي ما أجْمَـلَ الشَّدْوَ لمَّـــــا // يَنْجَلـي كالأشْواقِ حِيـــنَ الرَّواح
نَشْـوَةٌ في الفُؤادِ، ثُـمَّ سُمُـــوٌّ، // فشُعــــورٌ يَرْوي خَبــــايـا الجِراح 
وشِفــاءُ الْحَكْيِ الْمُلَــحَّنِ يُغْنِي // عَنْ شِفـــاءٍ بِطبِّ وَخْزِ اللّقـــــاح
فكَأَنِّي مَا قدْ رأَيْتُ جِراحــاً // ودَهاني مـــا كــانَ كَسْـرَ الجَنــاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : بومدين جلّالي / الجزائر

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 21 مايو 2018 بواسطة magaltastar

 

دراسة ذرائعية بورغماتيكية لديوان (مناجم في حوض الشتاء )
عنوان الدراسة : الصناعة الرمزية والتعدين الخيال والذات 
في ديوان :

(مناجم في حوض الشتاء ) للشاعر أحمد بياض 
الدراسة من إعداد الناقد الذرائعي : عبدالرحمن الصوفي / المغرب
1 – مقدمة
الشعر العربي في الوقت الحاضر يختلف اختلافا كبيرا عن شكله المتعارف عليه في العصور السابقة ، خاصة مع ظهور موجات شعرية وافدة متعددة الأسماء والمسميات ، ومضة ، غمضة ، هايكو ، الواكا ، حر ، نثري ، ثلاثي ... لذلك سنقدم لمحة موجزة عن التطور الذي عرفه الشعر العربي عبر مختلف العصور التاريخية .
الشعر العربي القديم حرص على الوزن والقافية ، وإذا خلا منهما النص لا يعتبر شعرا ، بل يخرج إلى الخطابة أو الفصاحة أو الحديث ، ومن أجل هذا الغرض ظهرت عدة كتب تدرس الأوزان والقوافي ، وكتب أخرى تجمع وتدون وتصنف الشعر إلى مجموعات بالاعتماد على الأغراض وموضوعات الشعر . نجد المؤرخين قد اعتبروا الشعر العربي القديم حاملا لمضمون الإمتاع والنفع والتعقل والتبصر والحكمة ... كما أن الشعر العربي القديم يحمل الأخلاق والقيم العربية ، والافتخار بالانتماء للمكان المشكل لهوية وشخصية الشاعر ومجتمعه العربي .
عرف الشعر الجاهلي بالقصيدة المتكونة من أبيات ، كل بيت مستقل عما قبله وبعده في التركيب ، وتتصل الأبيات كلها في المعنى ، وتنتهي القصيدة كلها بحرف واحد في القافية ، وتمتاز بموسيقى تتحدد مع البحر المتبع .
أما شعر صدر الإسلام فارتبط بظهور الدعوة الإسلامية ، فأصبح الشعر مسايرا للجهاد لنصرة الدين الجديد ، والفخر بالرسول صلى الله عليه وسلم ، بلغة واضحة وسهلة بعيدة عن الغموض والغرابة . أما الشعر الأموي اتسعت مواضيعه ، وتطورت أساليبه تبعا للمظاهر السياسية والثقافية والفكرية ، وأضاف الشعراء العباسيون أساليب شعرية كان مصدرها الاطلاع على ثقافات أجنبية ، وخاصة الفلسفة اليونانية التي وسعت مدارك الشعراء ، كما أنهم نحوا نحو التفنن في المحسنات البديعية والتجديد في الألفاظ .
أما الشعر الأندلسي فظهر في ظروف جديدة لا مثيل لها في المشرق العربي ، ظروف اتصلت بالأندلس وتنوعا الطبيعي والثقافي والسكاني ... فجمعت قصائدهم بين الذاتي والطبيعي والمجتمعي بهوية شعرية عربية .
عرف القرن الماضي أكبر تطور عرفه الشعر العربي مع ظهور الشعر الحر الغير ملتزم بنظام القافية الواحدة ، فتنوعت القوافي في القصيدة الواحدة ، وتتنوع معها كذلك الموسيقى الشعرية ، كما أن هذا النوع لا يعتمد نظام الشطرين بل يقوم على نظام الشطر الواحد الذي يطول أو يقصر حسب اكتمال المعنى وبحسب الإيقاع الموسيقي معتمدا الوحدة الوزنية لكل بيت تقوم على التفعيلة الواحدة .
قصيدة النثر تتميز بإيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية التي تعتمد الألفاظ وتتابعها والصور وتكاملها ، الحالة العامة للقصيدة بناء يتميز فيه شاعر عن آخر من حيث الصنعة و التوهج والإيجاز والخيال والرمز والعاطفة ...
أما في العصر الحالي فيعيش الشعر ظهور أشكال جديدة وافدة من ثقافات أخرى ، وهي تجارب موضوع نقاش وجدال بين الباحثين و المهتمين .
– توطئة
قد يتساءل الكثير من القراء عن سبب اختياري للرؤية الذرائعية التحليلية للناقد العراقي عبد لرزاق عودة ألغالبي ، أترك الجواب لصاحب النظرية بنفسه يقول :
(... خرجت بفهم يقرأ أهمية النص الأدبي العربي الإنساني للمجتمع ، مقابل النظريات النقدية المادية التي تطغى على المنظومة الفكرية والأدبية العالمية ، وهذا الشيء غاب عن ذهن المتلقي العربي الذي لا يعي معطيات تلك النظريات التي لا تلائم الدين الإسلامي ، ويعتبر التفكيك أهم نظرية حديثة تحترم النص المبني على اللوغوس ، والذي يجعله غير منسجم مع الرؤية العربية الإسلامية ، كون التفكيك قلد تيارا عرف ب( ما بعد البنيوية ) ، وهو ضد النظرية البنيوية التي استكانت لافتراض التناسق في بنية النص الأدبي بناء عل منطق وقوانين لغوية صارمة وحاسمة لا تقبل النقض أو التغيير أو التعليل ، ولا يذكر شيء خارج نطاقها ، لذلك نحت النظرية التفكيكية إلى التشكيك بالعلاقة اللغوية ذاتها ، وفي منطق أنساقها وقوانينها ، إذ لم يعد النص في نظرها يمثل بنية لغوية متسقة لغويا ، تنطوي في داخلها على متناقضات وصراعات وكسور وشروخ وتغيرات عديدة ، يجعل من النص قابلا للتأويلات والتفسيرات التي لا نهاية لها ، وليس هناك من نص يستعصي على التفكيك كي تخرج من باطنه ما تخفيه ، لذلك تبدأ النظرية التفكيكية بتكسير السطح اللامع للنص الأدبي كي تبلغ أعماقه والتي لا يبوح بها . من ثمة تختلف الرؤية الذرائعية البرغماتيكية ، فهي تحترم الظاهر والباطن معا خصوصا النصوص القرآنية والكتب المقدسة الأخرى .
الكثيرمن النقاد والمهتمين لا يعرفون مضمون تلك النظريات وخطورتها على النص الأدبي العميق ، فأتباع تلك النظريات يقود نحو الهرطقة وتهديم الشكل الجميل للنص الأدبي العربي ، لذلك حاولت الذرائعية تعديل المسار الجائر والتعريف بالنص وماهيته وإقرار أهميته سواء بين القراء أو النقاد .
لا بد من الإشارة إلى أن المناهج النقدية الحديثة وما بعد الحداثة كانت اتجاهاتها مادية بحثه حين تعاملت مع الأدب نتاجا ونقدا ، وأهملت النقد الأدبي وما يحمله من قيم وفلسفة ، لأنها اعتبرته شكلا لغويا ، فظلمت الأديب من خلالها ، ومعها ماتت الكلمة النقدية على رأس قلم الناقد ... )
من هنا انطلق أنطلق المنظر والمفكر عبدا لرزاق عودة ألغالبي واضع النظرية الذرائعية المتجهة صوب الخيمة العربية الإسلامية ، محترما الشكل والمضمون ، الظاهر والباطن .
– السيرة الذاتية للشاعر
الشاعر أحمد بياض من مواليد مدين مكناس 
أستاذ وباحث في مجال التربية والتكوين
خريج المدرسة العليا للأساتذة 
له مؤلفات عديدة في طريقها للنشر.
ديوان ( مناجم في حوض الشتاء ) يقع في 120 صفحة من الحجم المتوسط
لوحة غلاف الديوان للفنان محمد سعود .
2_ البؤرة الثابتة في النصوص
البؤرة الثابتة المقصود بها الاستاتيكية المؤطرة للنصوص بديناميكية التنصيص ، سواء أكانت في الأفكار أو في الأيديولوجيات الإنسانية والبناء النظري الفلسفي ...بهذه البؤرة نلمس أيديولوجية الكاتب الأدبية والفكرية ونظرته اتجاه ذاته ومجتمعه الذي هو جزء مكون للمجتمع العربي الكبير ، ونظرته الحاملة لرسالة إنسانية .
البؤرة الثابتة في نصوص ديوان (ديوان مناجم في حوض الشتاء ) رسالة إنسانية شاملة اجتماعية إصلاحية ، تنطلق من عمق التجارب الذاتية والتصورات الفكرية الثقافية والسياسية وخاصة الهزات التي عرفها العالم العربي سواء قبل ما سمي الربيع العربي أو بعده . رسالة إنسانية ذات عمق وحس مرهف وشعور فياض راصد للذات الاجتماعية وهزاتها وآلامها المشتركة وأحلامها التي تكسرت على صخرة الواقع العربي المؤلم .
إن الفكر يتصرف ويمارس قدراته الواعية في جدلية متناغمة مع الواقع ، علاقة بين الفكر والوجود كإنسان ذي فكر يطاوع دعوة الوجود وينشدانه ليقول حقيقته ، فالتفكير في الوجود الذاتي هو التهيؤ الموجود للقول والإفصاح عن الذات من اللغة الجامعة لهذه الثنائية المتشابكة الذاتي والموضوعي أي الفاعل والمفعول اللذان يظلان رهينين بالشعر. إن تاريخ الوجود هو الذي يتحمل كل ظرف وشرط إنساني متمحور حول رؤية فلسفية وثقافية وتاريخية ، وذلك ما سنلاحقه في مدخل الاحتمالات المتحركة .
3– المدخل البصري والبناء الفني والجمالي لقصائد الديوان
الديوان المعنون ب(مناجم في حوض الشتاء ) يحتوي على مائة وعشرين صفحة ، تتوزعها ثمان وثلاثين قصيدة نثرية تختلف من حيث الطول والقصر ، وهذه القصائد هي : وقع الغيم – شهاب طقوس على ريح مساء راحل – خلايا غائبة عن جسد الكلمة – غربة الأنين – عزلة – أديم – سبع زهرات – وشل – فواصل – ضريح ليل عاري – إياب – رماد الشمس – عزف على أوتار الليل – همس – ضريح العنفوان – حنين على المعاصم – أغصان – أقواس – سبايا الدمع – خريف – غيث آخر – أن....وتئن الحروف – خلخال الفجر – رماد – غربة شاعر – زنجبيل – ريح الصدى على أوراق الجفون – أوردة المنفى وطقوس الريح – جدران – سيل الخطى على ضريح الليل – على ثوب زهرة في اصفرار الحقول – شفرة انتظار عالق – رعشة – غروب – هواء منكسر – زهرة المناسك وحلم صامت – بقايا عطر –
_التجنيس الأدبي للنص
إن النصوص الماثلة بين أيدينا هي قصائد نثرية دلنا عليها الشكل البصري للنص ، وتناسق الألفاظ والسياقات الشعرية...
كل القصائد ذاتية إنسانية وجدانية تحمل الحس والهموم الفردية والوطنية والعربية ، بمسحة فلسفية مالت إلى الـتأمل تنبع من نظرية الفن للمجتمع . كما أن الديوان لم يخل من علامات الترقيم بكل أنواعها والحاملة لدلالات تتعدد بتعدد النصوص والمقاصد .
_درجة العمق والانزياح نحو الخيال والرمز
إن رمزية الذات في الفلسفة هي إرادة الحياة والعيش والبقاء ، ولا تكون أسباب العيش إلا بوجود نفس قادرة على إدراك الخير والشر. يرى بوذا أن الذات تتحقق من خلال قهر اللذة دون ألم ، ويرى سقراط أن الذات عبارة عن خليط من قدرات الإنسان وملكاته الشخصية ، وإنما ترتبط بقدراته على التحليل وبناء المنطق . أما الذات في الدراسات الحديثة فيمكن تقسيمها إلى ثلاث ، الذات الواقعية والذات المثالية والذات الخاصة . أما الفلسفة الإسلامية فحصرت مكونات الذات فيما هو عقلي أو ما هو أخلاقي . لا يمكن للطموح أن يحقق الذات بدون جرعات من الألم والمعاناة.. . وجد الرمز في الخيال مجاله الخصب وعالمه الواسع الذي يشتمل على تصورات تسكن العقل البشري عموما ، أي التفكير في مجالات تكون شرعية ومقبولة في جنس الشعر ، وتعد عمقا أدبيا مقبولا ومحمودا ، وهو مصدر اللذة والتشويق النصي ، وذلك ما سنلاحقه في تحليلنا .
يقول الشاعر أحمد بياض في قصيدة (ضريح العنفوان )
ما اسمك
الذي تردده
الشفة القانطة
من عزوف شوق الكلمة
ما اسمك
إن النصوص الشعرية قصائد وجدانية بامتياز كبير ، فلا غرابة أن تميل إلى الخيال والرمز الضارب في عمقها ، ونسجل أن النصوص تجاوز حدود رمزيتها التسعين في المائة ، وتتجلى أهمية الخيال ، حين يحول الشاعر المألوف اليومي إلى صناعة شعرية ، يبت فيها الحركة والحياة ...ولخدمة أغراضه الشعرية التجأ الشاعر إلى الأسلوب الخبري والإنشائي ، مما أكسب القصائد حيوية وحميمية منعشة ، من خلال الأخيلة والصور التي نقلتنا لفضاءات يسرح فيها الخيال ، وتحيا بها الطبيعة وتتجسد المجردات ، يطوعها الشاعر بين يديه ، أداة تأثير علينا ووسيلة إقناع لنا بأفكاره ...ولم يغفل الشاعر الزج بعواطفه وأحاسيسه وآرائه ، ونظرته الخاصة إلى ذاته ومجتمعه والعالم .
– 4 الاحتمالات المتحركة في النصوص شكلا ومضمونا
سننطلق في البداية من عنوان الديوان( مناجم في حوض الشتاء) ، وبعدها سنغوص في حلقات ومجربات النصوص الداخلية دون إهمال أي رمز أو دلالة ...
عنوان الديوان مناجم في حوض الشتاء مركب مبتدإ وخبره . المنجم أنفاق تحت الأرض تحتوي على مواد خام من معادن مختلفة وهي من الموارد الطبيعية ينبني عليها الاقتصاد ، اللغة بدورها منجم ومادة خام يقوم عليها اقتصاد الفكر الفردي داخل المجموعة البشرية . ولقد أثرت كلمة مناجم في الأفكار العامة للنصوص وربطت بين حلقات أفكارها ، وأماطت اللثام عن سياق العاطفة والأحاسيس . أما الشتاء كفصل فهو الفصل الذي استهوى معظم الشعراء وأصبح مصدر إلهامهم بل استلهموا منه قصائدهم ، والمتعارف علية إن فصل الشتاء فصل الأمطار والسحاب والبرق والرعود والفيضانات ...يمكن إعطاء شكل هرم لعنوان الديوان قائم الذات ، الزاوية الأولى كلمة (حوض) والزاوية الثانية (شتاء) والزاوية الثالثة (مناجم ) . من خلال هذه الهرمية سنلاحق قصائد ديوان الشاعر أحمد بياض ، وسنربط القصائد بعنوان الديوان من خلال غوصنا وملاحقتنا لمجريات النصوص الداخلية ، أي ملاحقة الأفكار المتصلة فيما بينها بالتحليل ، وجمع الأفكار واللهاث خلف الدلالات والرموز والأفكار المتعاقبة والمكملة لبعضها ، نسلك طريق صياد اللؤلؤ ، كلما غاص عميقا كان صيده وفيرا .
الزاوية الأولى .......حوض
أما الحوض فهو مجمع مائي في منخفض طبيعي من الأرض ، محاط بجبال أو تلال عالية من كل الجهات ، وقد يمثل منطقة مناجم فحمية أو معدنية ، وهو كذلك تجويف عظمي في جسم الإنسان يحيط بأسفل البطن ، وتطلق الكلمة كذلك على حوض الأذن وحوض الحمام وحوض السباحة ، وحوض أو حياض الوطن أي حرماته ومقدساته ...
يقول الشاعر أحمد بياض في قصيدة (عزلة )
قائم ...فالحب 
أنا وأنت 
بحر ثالثنا 
على خذ الميمنة 
أنين شمس 
وشوقنا الأسير 
ميسرة
ريح تناجي ريح 
أشواق قبل 
لثمت قصر الموت
وما عانق السائرون روحك ...
لديك 
الماء والحطب
يتسم رمز الحوض الجامع للماء بحضور لافت لمفهوم الماء ضمن مفردات القصائد باعتباره مكونا طبيعيا يؤثر في وجدان الشاعر ، من خلال علاقته الجمالية بالعديد من المكونات والمفاهيم بحسب قصائد الديوان ...يتفاوت حضور الدلالة الرمزية للماء في القصائد ضعفا وقوة أو قلة وكثرة ، الماء مكون يسهم أحيانا في عزلة الشاعر، وزيادة المعاناة الذاتية ، ويفتح باب التأمل ومغادرة المكان إلى أفق آخر. وتبرز جمالية الماء من حيث كونه بحرا حينا أو نهرا أو مطرا أو حوضا حينا آخر، وما تتصف به البيئات المحيطة من جمال أو قبح ...وتأثيرها في نفسية الشاعر المعذبة أو المتألمة . الماء هو وطن الموت الكامل الذي يكونه البحر اللامتناهي أو النهر الهادر أو الأمطار المنهمرة . وحدة الماء تستطيع تخليص التراب الذي خلق منه الإنسان وإليه يعود .
_ الزاوية الثانية......شتاء
تمركز الذات في المتن الشعري بمظاهرها وتجلياتها المتعددة ، والتي أصبح فصل الشتاء مصدر وحي وإلهام ، وكأن الغيوم وتساقط الثلوج والأمطار من كبد السماء إذانا بانهمار الأفكار والرؤى الشعرية ، ولوقع الشتاء سحرها الخاص في نفوس الشعراء بحضوره الجلي في روائع نصوصهم ، وإن تفاوتت علاقتهم به من حيث من حيث التوجس والأمان والحب والكره...
يقول نزار قباني
إذا أتى الشتاء
وحركت رياحه ستائري
أحس يا حبيبتي
بحاجة إلى البكاء
ويقول محمد الماغوط
بيتنا الذي كان يقطن على ضفة النهر
ومن شقة الأصيل والزنبق الأحمر
وتركت طفولتي القصيرة
تذب في الطرقات الخاوية
كسحابة من الورد والغبار
غدا يتساقط الشتاء في قلبي
تنتمي الذات الشاعرة إلى شخصية الشاعر ، يسهم فيها الوعي الشعري والرؤية الشعرية على صعيد الفضاء الخارجي والداخلي للنصوص ، يسعى الخارج الشعري بتنوعاته المختلفة ، فتشتغل الأنا الشاعرة أساسا على فكرة الانتماء وإعلان المسؤولية الكاملة في حالات الذات وأوضاعها المختلفة .
يقول الشاعر أحمد بياض في قصيدة( وقع الغيم )
وسيمفونيتي المتهالكة 
بما ارتوت من أحلامي 
وشهوة الغسق
التي تقضم 
أوكار ذهني
فكري 
وزهرة حبي
صحارى موجي
وقصائدي العالقة 
تحت 
وقع الغيم
حضرت سيمفونية تصور ذاتها مرتوية بالأحلام وشهوة ليل دامس يقضم أوكار الذهن ، لكن الأمل والطموح الذاتي حاضر بقوة ، بزهرة حب وولادة قصيدة تحت غيم ينذر بمطر قصائد في شتاء الخير..شاعر يقدم رؤيا شعرية لإعادة تشكيل الواقع وخصائص الوجود وظواهر الكون وفق رؤية إبداعية وجودية الأحاسيس والمشاعر ، رؤيا عامة بعيدة عن التفاصيل والجزئيات .
ومن قصيدة ( خلايا غائبة في جسد الكلمة )
يا زائري 
هل قرأت ديواني الغائب 
بين تابوت الفصول 
وواد الحجر
الذات الشاعرة في سكة تعبيرية ، تعمل وفق آليات تضمنت التهذيب في صورة جسدية ، تأكدت في منظومة الكلام الذي أظهرته عاطفة مشحونة بالانفعال والحيوية .
الزاوية الثالية .......مناجم
المناجم هي مصادر استخراج المعادن القيمة من باطن الأرض عادة ، وتكون خاما ، تساهم مساهمة في اقتصاد الدول ، ويرتبط بها التعدين وهو نشاط إنساني منذ أقدم العصور. 
وتختلف المناجم من حيث قربها من سطح الأرض أو التعمق في جوفها ، وهذا النوع الأخير تتخذ فيه إجراءات متعددة لحماية العمال . ولقد ارتبط بكلمة مناجم نوع من الإبداع سمي أصحابه بأدباء المناجم ، ونخص بالذكر مبدعو مناجم جرادة بالمغرب . لقد حملت العديد من قصائد الديوان أحاسيس وهموم الإنسان المغربي والعربي عموما ، سواء قبل ما يسمى بالربيع العربي أو بعده ، على أساس أن الشاعر فاعل في مجتمعه ، وتحمل الكثير من حروفه وكلماته المتاعب والتضحيات التي تقتضيها العروبة ومصلحة المجتمع . الإنسان المبدع ليس مجردا أو معزول الأحاسيس عن مجتمعه ، ولا يستطيع الهروب عن الآلام والأحزان الجمعية المشتركة ، يقول إيليا أبو ماضي
كلوا واشربوا أيها الأغنياء وإن ملأ السكك الجائعون
يقول الشاعر أحمد بياض في قصيدة ( أغصان )
شابت 
على أعين الموج 
فرسان الطليعة
غبار النقع
فاجعة الأشواق
ليل على الأرجاء سهلا 
والربيع يورق الاحتماء
تقاسم شفاه الزهر
قبلة على صبار الأنين
وبقايا نهار 
يعالج سقم الأشعة
وعلى وشم الظلال
ضحايا رخام 
على تابوت الصدر.
ويقول الشاعر أحمد بياض في قصيدة (أوردة المنفى وطقوس الريح )
على رماد المدن العارية
تفك السنابل مخالب الريح 
في سراب حكاية 
يتعثر مهد الأشواق
تشكر الأفواه صيحة الغربة 
يرافق شقة الخيام لثام قبلة 
على خذ الضريح .
الرمز في قصائد الديوان يحل محل كل شيء آخر للدلالة عليه بطريقة غير متطابقة ، إنها إيحاء ووجود علامات عرضية ، وعادة استعمل الرمز بملموس نحو مجرد حامل لدلالات متعددة نفسية وفكرية ومجتمعية وإيديولوجية وفلسفية ...الرموز تحمل علامات دالة على المعقول ، تندرج ضمن المعقول المدرك المحسوس ، وهو بذلك يعكس الشعور ورغبة الشاعر في اختيار الرموز وصناعتها .
_ 5 المدخل اللساني واللغة الشعرية
حسب علم اللسانيات ، تعمل المهارات الميكانيكية الحسية في العقل الإنساني المتلقي للأدب بشكل عام ، والشعر بشكل خاص ، بأربع مهارات ميكانيكية تعمل على استلام المعلومات المؤثرة بالإحساس حسب نوع اللغة وجنسها ، منها الجانب الحسي المرتبط بالدلالة المرسومة من جهاتها المختلفة لتقرر هوية اللغة الحاضرة . يختلف الأديب عن الإنسان العادي في التعبير طبقا لمعايير علمية ن وقد برع الشاعر أحمد فياض في صياغة مفرداته الوجدانية الرقيقة المدروسة في التعبير عن إرهاصاته الإنسانية بشكل مؤثر ، دون أن يحس ، حتما اكتسب ذلك من موهبته الأدبية المسورة بسور الخبرة في كتابة الشعر المكثفة ، والمتلاحقة والقراءات المستمرة ، لذلك جاءت جمله بشكل مدروس ، بأنظمة تكوينية قصيرة مغناة بمفردات متنافرة ومتماثلة من خيالية كاملة ، أو إخبارية كاملة . كل الألفاظ التي وردت في قصائد الديوان فصيحة من قاموسه اللفظي الغزير بعيدة عن الابتذال ، حتى حين يبلغ قصائده أحيانا قمة الغضب ، لم يستعمل ألفاظا دونية ، فبقي محافظا على اللباقة الأدبية الشعرية .
لقد انفرد الشاعر بصناعة المفردات والجمل بشكل يختلف عن القول العادي أو ما نقرؤه لمعاصريه في نفس التجربة الشعرية ، وهذا التفرد صار واضحا في كل القصائد المشكلة برمزية غاية في الصنعة .
_ الموسيقى الشعرية
أما الإيقاع الموسيقي الشعري عند الشاعر أحمد فياض في قصائد الديوان فتتميز بالانسيابية والتنوع ، جمل موسيقية معبرة ، تتخلل جمل النص ، وتنتقل أحيانا بين ترانيم ترتكز على أصوات متعددة متناغمة ، ونهاية الترنيمات الموسيقية المتقاربة والمتباعدة تتغير من قصيدة إلى أخرى سعيا وراء المعنى ، تزاوج بين المفردات تحمل صوتا مسموعا مع الموسيقى ، وكأن الشاعر يعزف للكلمات وهي تتراقص بين أسوار الجمل . 
ومن خلال قراءتنا الديوان لاحظنا بسهولة إن القصائد تنتظم في غالب الأمر في جمل قصيرة أولاها الشاعر عناية خاصة وفائقة . نغم خفي تحسه النفس عند القراءة أو الإلقاء ، نغم يشعرنا أحيانا بالحزن والكآبة ، وآخر بالحماس ...اختار الشاعر كلمات بعيدة عن التنافر وسهلة إخراج حروفها الموزعة بين الهمسية والصفيرية والقوية المسموعة ...ونقدم مثلا من الموسيقى الشعرية قصائد ديوان ( مناجم في حوض الشتاء ) من قصيدة ( رماد الشمس )
تنتشر الخيام 
جسور الصبر
مرآة أرض خالدة 
وراء الضباب
قطر المدى
على خد الورد
ورعشة الجسد
نلاحظ مقدرة الشاعر على التلاعب بالشكل والمضمون والمعنى والموسيقى، بمضمون محبوك مغلق ببداية ونهاية ، فيجعل معنى الكلمات مدورا بالمعنى يسرق الحس والوعي ، ويجعل المتلقي يحس كيف سخر الشاعر الموسيقى لخدمة المضمون العام للقصائد ..
_ الصور البلاغية والإنسانية في النصوص الشعرية
تزخر نصوص الشاعر أحمد بياض بجمالية التعبير والصور النصية ، فقد استطاع الشاعر بموهبته وخبرته الشعرية رسم أجمل الصور بالكلمات والتعابير، حيث استطاع أن يخلط ببراعة بين الكلمات والألوان والألوان والأنغام معا ، استخدم علم الجمال والبلاغة وعلم البيان والبديع في بوتقة وواحدة ووظف الطباق والجناس والتشخيص والتشابه والاختلاف والقياس وعناصر بلاغية أخرى ، بخبرة ومهارة وحرفنه واتزان ، لذلك حين نقرأ لهذا الشاعر، وجدنا أنفسنا وجدنا نفسنا كأننا نسمع نغما ملونا مرسوما بأبعاد مختلفة مرسومة بلون فرشاة ، مدروسة فنيا وأدبيا ، وتلك سمة واضحة وإستراتجية واضحة في كل القصائد ، والسبب يعود إلى الاهتمام الكبير بالصناعة الشعرية وجملها ، باهتمام منقطع النظير ، لذلك يحس القارئ بحلاوة النصوص وتأثيرها المباشر والمحرك للحس والوجدان . يقول الشاعر في قصيدة ( عل ثوب زهرة في اصفرار العقول ) .
وأصنع من الزجاج يتم يدي 
وأشاطر الحفاة نرد الغبار...
معطف غجري على جسدي 
تنهيدة شتاء 
حين تورق على الحجر صلاة الغائب
وعلى مرآة الأرغفة 
ما تبقى من شبح الهياكل .
_ الصور الشعرية
الصور الشعرية في شعر الرمز والخيال يمكن تقسيمها إلى ثلاث مستويات :
المستوى الحسي المباشر : يتم فيه تصوير الأشياء كما هي بعيدة عن الابتذال ، ونأخذ كمثل نموذج من قصيدة ( حنين على المعاصم ) من ديوان ( مناجم في حوض الشتاء ) .
هل ستعود ليلى
على أقراص الليل
فتنحني القطاف 
برعشة الجسد
ليستحم الفراغ
في وهج الطفولة
حضور دلالة العنصر الحسي في الصورة الفنية متوزعة بين قصائد الديوان ، بين صور بصرية وذوقية وشمية وسمعية . إن الصورة المستمدة من عمل الحواس تجسد رؤية رمزية تستمد فعاليتها من التداعي السيكولوجي ، وتكرار الكثير من الصور في الديوان مثلها مثل اللوازم النغمية ، ووسيلة من وسائل البناء الجمالي الحامل للكثير من الدلالات في القصائد . إن الجانب الحسي التي تقدمه الرؤية البصرية هو أبسط هذه الدلالات وأقربها إلى ذهن المتلقي وتساعده على تذوق البناء الجمالي الفني ...
المستوى الاستعاري : أي التفاعل مع الواقع الخارجي تفاعلا مجازيا ، ونأخذ نموذجا من قصيدة (عزف على أوتار الليل )
في الحانات المكسوة بالتراب
شفتي الريح
لثمة حارقة 
تائهة
في ضباب الذاكرة
الليل يطفو على سطح البحر
كسير محيا نجمة
لم تعانق الضوء
يتضمن الديوان تعابير وأساليب بلغة رمزية غير حقيقية تقريرية مباشرة ، تتضمن استعارات ومجاز وكناية وأساليب بلاغية معروفة ...صور شعرية خيالية عبر عنها الشاعر بواسطة انفعالات ، سواء كانت تلك الصور تشبيها أو مجازا أو استعارة ...بكلمات رمزية فنية متماسكة ، تنم على تجربة شعرية تستخدم طاقة اللغة وإمكانياتها في الدلالة والتركيب والإيقاع...
المستوى الرمزي : أي التعبير بمنطق يتخطى حدود الحدس والعقل كلها في إدراك الوعي لها ونأخذ مثلا من قصيدة ( رماد الشمس )
آذار صوت الشمس 
ولغة النحيب 
صوت وراء الأسوار 
معلقات طفولة 
خط تراب 
نشيد يبحث عن لغة 
وينحت في الجسد 
رحم الكلمة 
لا أرض لك .
لقد وظف الشاعر الصورة الشعرية في نصوصه الشعرية بتكثيف تفصيلي مانحا إياها حركة الإحساس بعاطفة ازدحمت فيها الصيغ لتدخل التشكيل الشعري ، والصورة الشعرية في هذا المستوى من أصعب مفتح النصوص الشعرية ، نظرا لاختلافها وتنوعها وعمقها المرتبط بقوة الشاعر وعمق تجربته الشعرية . وتوضح أن أسلوب الشاعر في هذا النوع يرتبط بأسلوب التجديد والابتكار . وحضرت صورة الشاعر لذاته في صور مشكلة بالدهشة والمفاجأة والحلم.
• _6 - الموضوع ومقاييس الدقة في الإبداع الشعري
المقصود بها الرسالة الإنسانية التي يضمنها الشاعر لنصوصه الشعرية ، بين الحروف والكلمات ، أي من خلال استعراض الأفكار الجزئية التي تترابط فيما بينها مكونة فكرة كلية . الشعر الذي يخلو من الرسالة الإنسانية أو فكرة كلية هو شعر ينزل إلى دون المستوى المطلوب . إن الشعر لا تقتصر القيمة على المعنى التعليمي ، بل تتعداها إلى قوة التأثير في النفس الإنسانية ، وتلك هي غاية الأدب الهامة ..
أ _ مقياس الصحة والخطأ
التزم الشاعر بالحقائق كلها سواء كانت ذاتية أومجتمعية أو تاريخية أو لغوية أو علمية لأن الخطأ يضر بالحقيقة الشعرية ويفسد الشعر، ويخرجه من حيز الثقة والمقبولية عمد المتلقي . لقد توخى الشاعر أحمد بياض هذه الحقيقة بحذر شديد ، وهذا يعود إلى ثقافته العالية . لم نسجل على قصائد الديوان خروجها عن الحقائق الذاتية والمجتمعية الموضوعية وآلام الإنسان العربي سواء قبل ما سمي الربيع العربي أو بعده .
ب-مقياس الجدة والابتكار
ليس مطلوبا من الشاعر أن يقدم معان شعرية جديدة ، لم يسبقه لها أحد من سابقيه ، فهذا طبعا شبه مستحيل ، لكن المطلوب أن تكون للمعاني الشعرية مكانة نقدية متميزة ، أن تتصف بالجدة والابتكار.
لقد قدم الشاعر معان في غاية الأهمية بأسلوب فيه طموح الخلق والابتكار وخاصة على مستوى الصورة الشعرية والرمز والخيال .
ج- مقياس العمق والسطحية
المعنى العميق هو المعنى الذي يذهب بالمتلقي بعيدا ، بدلالات رمزية ومعنوية عالية التأثير، تستدعي إلى ذهن المتلقي معان وخواطر كثيرة ، تثيرها الرموز والدلالات السيميائية التي يستشفها الناقد من خلال المخبوءات في النصوص الشعرية . المعنى العميق يعكس موهبة الشاعر وتميزه ، وقدراته العقلية والذهنية وثقافته العالية ، تكون النصوص عميقة إذا اعتمدت التأمل الفلسفي الموشح بالحكمة التي تختزل بقدر كبير التجربة الإنسانية ، وتقديمها في عبارة موجزة .
مقاييس نقد العاطفة
المقصود بالعاطفة الحالة الوجدانية التي تدفع الإنسان إلى الميل للشيء أو الابتعاد عنه ، وما يتبع ذلك من حب أو كره ، وسرور وحزن ، أو رضى أو غضب ، ومن أبرز مقاييس نقد العاطفة ما يلي :
أ-مقياس الصدق الكذب
الدوافع التي دفعت الشاعر لكتابة نصوصه ، دوافع حقيقية ، وليست زائفة ، تؤكد صدق العاطفة ...الدوافع كلها حقيقية وتتجلي في تتبع كل قصائد الديوان المشكل عاطفة من هموم ذاتية من عمق واقعها المجتمعي المغربي والعربي ، وخاصة جروح الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بعد النكسة العربية ، وتعاظمت المأساة بعد وقبيل ما يسمى بالربيع العربي ، لوضع تاريخي حرج تمر منه معظم البلدان سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي...وويلات التطرف والحروب الدامية ..
ب-مقياس القوة والضعف
المقصود بها مدى تأثير النصوص الشعرية في نفس القارئ ، فإن هزت وجدانه كانت عاطفتها قوية ، هذا المقياس يتأثر طبعا بأمزجة الناس وطباعهم ، فمن الناس من يحب الشعر الثوري ، ومنهم من يعشق شعر الغزل ، ومنهم من يعشق شعر وصف الطبيعة...أما قصائد الديوان فلا بد أن القارئ سيجد ضالته في قصيدة تسكن وجدانه ، وتثير في عقله أسئلة فكرية ووجدانية وفلسفية عميقة ...
ج- التجربة الإبداعية في نصوص الديوان الشعرية
إن الانفعالات والعواطف التي اعتملت في صدر الشاعر عند إنتاج القصائد ، نقلت لنا جدية وعمق وصدق ووضوح الرؤية الشعرية عند أحمد بياض ، وليس المطلوب من الشاعر أن يضيف جديدا لم يسبقه له أحد ، ولكن أن يموقع تجربه الشعرية في إطار جامع للرواد القدوة في التجربة .
لقد وردت في الديوان قصيدة إهداء للشاعر الكبير أحمد المجاطي ، يقول أحمد بياض في قصيدة ( جدار )
أمام رحاب الفناء
المعكوس على السمرة ،
وهاد عينيك 
حين تهوي الأدراج
فتى النجوم 
كم شعاع لديك على سماد الشتات ؟
يعتبر أحمد المجاطي من المؤسسين لحركة الحداثة الشعرية بالمغرب . حركة تتجاوز الصور البيانية المرتبطة بالذاكرة التراثية عند الشعراء الإحيائيين ، والتجارب الذاتية عند الرومانسيين ، إلى صور تقوم على ترسيخ مدلولات الكلمات من خلال الرموز والأساطير وتوظيف الصورة / الرؤيا وتجاوز الرموز التقريرية المباشرة إلى لغة الإيحاء ...وجاء في قصيدة الشاعر أحمد بياض ( أغصان )
شابت 
على أعين ألموج 
فرسان الطليعة
غبار النقع 
فاجعة الأشواق ...
ليل على الأرجاء سهلا
والربيع يورق الاحتماء .
7 _ المدخل العقلاني
نقصد بها تجربة الأديب المكتسبة من الاتجاهات الأدبية والفكرية من قراءاته وثقافته السابقة المتوازية ، والتي أثرت عل إنتاجه الأدبي المتوازي أو التناص مع أدباء آخرين ، ويضاف كذلك إرهاصاته الإنسانية كفرد في بنية فكرية وثقافية .
التناص عملية وراثية للنصوص أو النص المتناص ، ويكاد يحمل بعض صفات الأصول ، والتناص أنواع عديدة نذكر منها ، تداخل النصوص والنص الواحد ، والنص الغائب ، والنص المهاجر، والنص المتضافر، ونص الحالة المزاجية العاطفية ... وقد عرفت نصوص الديوان تداخلا مع نصوص متناصة من جانب الرمز بدرجات تختلف من قصيدة إلى أخرى ، بشكل ديناميكي متحرك ومتفاعل مع تيمات نصية مختلفة مرتبطة بالتغيرات والمستجدات التي عرفها تطور الشعر العربي والتي تطرح تساؤلات عديدة تهدف إلى خلق واقع من التطلعات .
التناص هو قراءة استرجاعية تبدأ فاعليتها بقراءة النص ، ثم ترتد عنه إلى روافد سابقة عليه ، سواء كانت قديمة أو حديثة تكاد تجاور زمن النص الحاضر ، على أن يكون الوعي في تلازم القراءة المرجعية مع القراءة التأويلية التي تلاحق المفردات والمركبات وللنص في شموليتها .
ونأخذ من قصائد الديوان نموذجا من قصائد الديوان على التناص الميت
يقول الشاعر أحمد فياض في قصيدة ( فواصل )
وحدك 
تمشي
في تعب الريح 
وحدك 
تمشي 
في انصهار الطريق
وحدك
والآتي غريق
وقال أبو الطيب المتنبي
أنا الغريق ما خوفي من البلل به الذي بي وما بي غير منتقل
الشعر وعاء وإناء العقلانية والخلق والتواضع والمثل العليا ، يمتاز بالتوازي مع خبرات الآخرين لمواكبة الرقي والارتقاء والاغتناء ، تحت خصوصيات فكرية وفلسفية وأيديولوجية وتجارب إنسانية وأدبية متوازية تكون بوابتها التناص بكل أنواعه وتجلياته .
8 المدخل السلوكي
الأدب سلوك وتساؤلات إنسانية فكرية ، فنجد التساؤلات التي طرحها الشاعر أحمد فياض في نصوص ديوانه فلسفية وجدلية واجتماعية وذاتية ، وإجاباتها التي ترصدناها في نصوص الديوان ، إجابات مطبوعة بالوضع والبيئة الشعرية الاجتماعية والأدبية والفلسفية التي أثيرت في النصوص . رد فعل بين الشاعر والمظاهر المجتمعية والإنسانية والذاتية وكل السائد في المحيط المجتمعي . لقد شكل الرمز قنطرة عبور لكل التساؤلات المشروعة .
يقول الشاعر :
هل ماتت اللغة 
في صحوة الزفير
أم انتحرت الأشواق
في تلال النشيد 
هل شيدت بابل 
ليلا 
من معدن الأشواق
ويقول أحمد بياض في قصيدة (خريف )
هل كانت تمشي 
على ريش البحر
هل كانت تؤدي
تلك المناسك
في رعدة الخريف
هل كانت تنظر 
إلى مرآة 
عرسها اليتيم ...
المنظور الاستنباطي التقمصي
ونعني به نقديا مجموعة العبر والحكم والدلالات الإنسانية التي نستشفها من نصوص الديوان وأركانها التعبيرية ، لقد وظف الشاعر مقدرته الفكرية والأدبية والعقلانية في إنتاج نصوص تدخل المتلقي في تقمص وجداني ، فالإنسان يلاحظ سلوكه المادي المباشر ، ويربط سلوكه بإيحاءات رمزية سيكولوجية ، من خلال مشاعره وعواطفه ، فيصبح لسلوكه الإنساني معنى يصب في معنى الذات ، فيتصل بالآخرين ويلاحق سلوكهم المادي ، وعلى أساس تفسيراته السلوكية السابقة لسلوكه .
ويمكن القول أن الإنسان له المقدرة على فهم نفسه عن طريق تحليل سلوكه الذاتي ، وإمكانه كذلك الخروج باستنتاجات عن سلوكيات الآخرين ، تقوم على أساس التقمص الوجداني ، ولقد عشنا مع الشاعر في كل قصائده نفس الحالة النفسية الوجدانية وخاصة حين تميل هذه القصائد لمكافحة التهميش والظلم والطغيان والحروب الغبية المتاجرة بالدين ، وسيادة الجهل والأمية واستفحال الفساد والخوف الذي تعيشه العقول والقسوة التي سكنت القلوب والعزلة التي أصبح يعيشها المثقف العربي.... ومن قصائد أحمد بياض نذكر قصيدة ( أن ....وتئن الحروف)
أن أقرأ
لك آخر حلمي
أن أمشي 
ترفضني الطريق.....
أن أسأل الليل 
والقمر
عن فستان آخر نجمة 
كانت محلقة
الخلقية الأخلاقية للنصوص
المتعارف عليه أن النصوص الأدبية الرصينة برمتها تبنى على شكل متكامل ، يساهم في تثبيت القوائم الأخلاقية في المجتمع ، وذلك واجب الأدب الرصين الملتزم بالقيم والأخلاق المثلى المجتمعية والإنسانية العليا. لقد التزم الشاعر في كل نصوص الديوان بالأخلاق والمثل العليا ولم يتعرض لها بسوء ، ولم نسجل أي تجاوز أو فكر هدام يمكنه أن يخترق بنية الأعراف والتقاليد والقوانين والأخلاق البانية لواقعنا المغربي والعربي بكل أطيافه . أو ينشر العداء والتفرقة بين الناس . والشاعر في ديوانه ملتزم بفطرة وفكر العقيدة ، محترم لكل الأعراف الأخلاقية .
التحليل الرقمي الساند
بعد أن أنهيت تحليل الديوان عبر مباحث ثلاث ، أسند تحليلي إلى جدار نقدي علمي قوي ، أولا أختبر هذا التحليل بجمع جميع الدلالات المتعلقة بالرمز والخيال في ديوان ( مناجم في حوض الشتاء ) .
الدلالات الطبيعية الرمزية....................223 دلالة
الدلالات الحسية ألإيجابية الرمزية...............183 دلالة
الدلالات الحسية السلبية الرمزية .............................104 دلالة
الدلالات / الذات الرمزية .............................173 دلالة
الدلالات الوجودية الرمزية ........................... 114 دلالة
الدلالات الرمزية/ الشتاء...........................156 دلالة
مجموع الدلالات الرمزية .................953 دلالة
ما نسجله أن الشاعر مال بدرجة كبيرة نحو الرمز والخيال الوجداني ، والميل كذلك للعمق التأملي الفلسفي الفكري والأيديولوجي المرتبط بهموم الذات والوطن والعروبة .
خاتمة
أنهي دراستي الذرائعية لديوان ( مناجم في حوض الشتاء) مقتنعا أن الديوان يستحق الاستفاضة أكثر ، لكن الكمال لرب العزة ، ونحن إلا بعض خلقه وما أوتينا من العلم إلا القليل ...نستنتج مما سلف أن الأديب لا يكتب شيئا وينشره من فراغ ، وإنما يمر بمراحل تجديدية كثيرة ، فالأديب الرصين هو دوما ساع إلى التجديد ، ولا يرضى عما يكتبه أبدا ، فتراه ينقد كل كلمة يكتبها ، ويبدلها في كل قراءة ، حتى يستقر النص بعد أيام أو أشهر ، فلا نتصور أديبا ينشر مجموعة شعرية بشكل عجول جزافا ، وقد عمد النقاد المعتدلين والذين ليهم انحياز للتجديد واحترام الأدب والأديب كجزء من التراث الإنساني ، لا يمكن تجاهله أو التعرض له بأي شكل من الأشكال ، ولقد كان سبيلنا لهذا منهجنا الذرائعي الحامل لأغراض سامية ، وهذا المنهج يتبع ويهتم بتجزئة النص إلى فقرات ، وفصل كل مكوناته الفكرية واللغوية ، ومن ثم إرجاعها إلى أسبابها وملابساتها بشكل حذر ودقيق ، في ضوء السياق التي وردت فيه النصوص ، مع مراعاة عدم الخروج عن إطارها العام ، والناقد ينتقل في تحليله من المركب إلى البسيط ومن الجزئي إلى الكلي .
ديوان ( مناجم في حوض الشتاء )
الشاعر المغربي : أحمد بياض
عبد الرحمن الصوفي / المغرب

 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 140 مشاهدة
نشرت فى 21 مايو 2018 بواسطة magaltastar

التقدم من التراث في قصة 
"ما قاله الإله إيل"
سعادة أبو عراق
لأول مرة أقرأ قصة وأصاب بهذه الدهشة، دهشة التراث، دهشة الجذور، دهشة الفكرة، دهشة عودة المسروق منا ومن تراثنا ومن تاريخنا ومن أدبنا ومن وجودنا على هذه الأرض، "سعادة أبو عراق" قدمنا من حقيقة اضعناها بعد أن فقدنا اهتمامنا بتراثنا وتاريخنا وجذورنا، في هذه القصة يقدم لنا مادة أدبية وكأنها كتبت منذ أيام "إيل والبعل" وصدقا لم أتصور أن تكون جودة القصة واتقان تقديمها وشكلها ولغتها بهذه الجودة، حتى أنني حسبتها منقولة من أحدى النصوص الكنعانية، من هنا أقول أن هذه القصة تشكل نقلة نوعية في القصة الفلسطينية/السورية/الكنعانية.
العنوان بحد ذاته "ما قاله الإله إيل" مثير ومدهش، وما أتبعه القاص بعبارة "الرقيم الأول، الناموس الثاني" اعطا مدلولا على المكان الكنعاني الذي انبثق منه هذا النص/القصة، وأيضا قدمنا من ذاك الزمن العظيم الذي يؤكد جودنا الحضاري والثقافي والإنساني على أرض كنعان، فهو يربط بين الجغرافيا الكنعانية والإنسان الكنعاني، من خلال تنامي العلاقة بين الأرض والإله والإنسان، ليتوحدوا معا في تشكيلة حضارية ثقافية مميزة.
متن القصة يبدأ بمشهد أسطوري تاريخي تراثي ديني يتناول العلاقة بين الإله الكنعاني "إيل" وشعبه "من عليائه يرقب الإله إيل العابرين إلى فلسطين ، يرقبهم واحداً واحداً وهم يحملون قرابينهم نحو معبده في ذروة الجبل عند منبع النهرين ، قرابين يحملونها على رؤوسهم وعلى دوابهم وعلى عرباتهم ، قرابين تمتد مابين البائس والثمين ، طيورا وحيوانات ومأكولات ، ذهبا وجواهر وأحجارا كريمة ، عطورا وملابس وبهارات" عين المشاهد التي تحدثت عن تقديم القرابين في الهلال الخصيب، وعين الألفاظ استخدمها القاص، لهذا نقول أنه نص كنعاني، رغم أنه انتج وصيغة بلغة معاصرة.
يستمر القاص في رسم المشاهد الأسطورية اثناء مجرى احداث القصة "ها هو رجل آخر ، يجيء حاملا فوق رأسه إناءً مملوءً بالخمر ، يحاول جهده أن يسبق غيره نحو المذبح ، ليقدم قربانه ، لعله يفوز ، كان اللهاث قد أنهكه ، حينما رأى قربان الدم الرائع ، أدهشته الفكرة ، فأيقن أنه مستثنى لا محالة، فقال متمحكا" وهنا يأخذنا إلى حالة من الصراع بين هذا الرجل وصاحبه، وهي حالة لازمت كافة القصص/النصوص الأدبية والأساطير التي وصلتنا من الأدب الكنعاني، فهناك صراع بين الخير والشر، الخصب والجذب، لكن النصر في النهاية يكون للخصب/الخير.
وما يلفت النظر حضور الإله لهذا الخلاف، فالخلاف ناتج عن السابق في التقرب إليه، لهذا سنجده راضياً عن هذا الخلاف، فبعد أن ينسكب الخمر من الأناء الذي يحمله الرجل، ويصبح في حالة من اليأس لعدم وجود قربان يقدمه للإله "إيل" يتصرف الإله بطريقة يرضي بها عباده، والتي جاءت بهذا الشكل: "ذات صباح في آذار ، أفاق فوجد الأرض حمراء كالأرجوان ، لم يجد معنى لزهر الحنون الذي غطى الأرض ، إلا أن الأرض قد لفظت قربانه على هذا النحو أو أعادته إليه . هم بجمع الحنون إلا أن الإله إيل هتف له من معبده :
{ قبلنا قربانك ، وجعلناك كما تشتهي فلسطينيا ، ستبقى هنا وغيرك هم العابرون" نهاية سعيدة تتماثل مع النهايات التي جاءت بالأدب الكنعانية التي وصلتنا، والمهم في هذه القصة أنها جاءت تخدم الفكرة الكنعانية التي تتحدث عن فكرة وجود شقائق النعمان "الحنون" فما جاء في الأسطورة الكنعانية أن زهرة "الحنون" شقائق النعمان نبتت بعد أن قتل الإله بعل وسال دمه، فظهر مكان الدماء الزهرة الحمراء، فالقاص يعيد انتاج الأسطورة بشكل جديد يخدم الفكرة الأسطورية، وما يحسب لهذه القصة أنها جاءت تقدم فكرة الدين بصورة عصرية ولا تتعارض مع فكرة التوحيد التي طرحتها الديانة المسيحية والإسلامية، فتبدو منسجمة تماما مع فكرة التوحيد كما هي منسجمة مع الأسطورة الكنعانية القديمة. 
ولكي يستمتع القارئ أكثر نقدمه له القصة كما جاءت على صفحة الكاتب "سعادة أبو عراق" على الفيس
قصة المساء
سعادة أبو عراق
الرقيم الأول
الناموس الثاني
من عليائه يرقب الإله إيل العابرين إلى فلسطين ، يرقبهم واحداً واحداً وهم يحملون قرابينهم نحو معبده في ذروة الجبل عند منبع النهرين ، قرابين يحملونها على رؤوسهم وعلى دوابهم وعلى عرباتهم ، قرابين تمتد مابين البائس والثمين ، طيورا وحيوانات ومأكولات ، ذهبا وجواهر وأحجارا كريمة ، عطورا وملابس وبهارات ، لكن الإله لم يجد فيها تعبيرا عن إحساسهم بعظمته ، وفهما أرقى لمعنى ألوهيتة .
يأتون حجيجا ضارعين ، آملين من الإله إيل أن يأذن لهم بالبقاء مواطنين في فلسطين ، لكنهم كانوا عابرين ، لم يمكثوا أكثر مما وسعتهم خطواتهم العابرة من تلكؤ . فالإله هو الذي يختار ساكني أرضه المقدسة .
من بعيد ، يطل عابر أعياه ما يحمل على رأسه ، إناء مملوء بالدم القاني ، سكبه قومه طازجا من عروقهم التي فصدوها حتى امتلأ الإناء ، وهم يرتلون { أيها الإله إيل ، هذا ماء الحياة ، إنه قربان لا يوهب إلا لإله } 
اغتبط الإله إيل وهو يرى هذا القربان الثمين ، ذي الدلالة العظيمة ، والرمز الموحي ، فأي شعراء هؤلاء القوم الذين تساموا فوق المحسوس والمعدود والملموس ، وتناولوا لغة القلب والوجدان ، فحق لهم أن يعبروا قلب الإله إيل قبل أن يعبروا إلى فلسطين .
ها هو رجل آخر ، يجيء حاملا فوق رأسه إناءً مملوءً بالخمر ، يحاول جهده أن يسبق غيره نحو المذبح ، ليقدم قربانه ، لعله يفوز ، كان اللهاث قد أنهكه ، حينما رأى قربان الدم الرائع ، أدهشته الفكرة ، فأيقن أنه مستثنى لا محالة، فقال متمحكا :
- ما هو قربانك ؟ لعلك تحمل ما أحمل ؟
ولم يشأ أن يجيب عن سؤال سخيف ، يقطع عليه ابتهالاته .
- كنت أظنك تحمل خمرا كما أحمل ؟
تجاهل تمحكاته وراح يرفع إناءه فوق رأسه والعابر يسأله .
_ ألا أعينك ؟
لم يمانع كثيرا ، لكنّ ذا الخمرة أضمر حيلة ، أضمر أن يوقع الإناء عن رأس صاحبه ، كي لا يتركه يمضي بالقربان إلى المعبد ، وهكذا فعل ، حيث أوهى يده من تحت الإناء فانقلب وسال القربان على الأرض ، فامتصه التراب بشراهة ، واكتسى بلونه الأحمر، تفطر قلبه على قربان لم يصل ، راح يفكر بالانتقام ، هب إلى إناء الخمرة فركله ، فانسابت الخمرة في شقوق الأرض ، تصارعا ردحا من الزمن، حتى أنهكهما العراك ، والإله إيل يرمقهما وكأن له في ذلك شأناً.
ذهب ذو الخمرة نحو بساتين الكرمة يعصر من عناقيدها سلافا رائقا ، يعبئه في إنائه بعيدا عن غريمه ، ويمضي به نحو (منبع النهرين) ، وبسفحه على المذبح ، تاركا غريمه حائرا فيما يفعل ، يأكل مهجته القنوط، متعجبا من دهاء ذاك الذي عوّض تلك الخمرة المعتقة بعصير أحمر ، فكيف يسترد من التراب دم قومه الذي لن يعود ؟. وكيف أستطاع هذا الآبق أن يخاتله ويدمر طموحه وطموح من أرسلوه؟ 
انتظر هذا المسكين طويلا ، فلا يمكنه العبور أو المكوث أو الرجوع إلى قومه ، ليشرح لهم خيبته ، فلا مناص إلا أن يقفز نحو السماء أو يغور في باطن الأرض ، 
ذات صباح في آذار ، أفاق فوجد الأرض حمراء كالأرجوان ، لم يجد معنى لزهر الحنون الذي غطى الأرض ، إلا أن الأرض قد لفظت قربانه على هذا النحو أو أعادته إليه . هم بجمع الحنون إلا أن الإله إيل هتف له من معبده :
{ قبلنا قربانك ، وجعلناك كما تشتهي فلسطينيا ، ستبقى هنا وغيرك هم العابرون }

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 133 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

بساطة اللغة في 
"أمل"
نور التوحيد يمك
جمالية النص لا تخضع لمعايير بعينها، فهناك كتاب/شعراء يقدمون نصوصهم بلغة وشكل عادي لكنهم يمتعون المتلقي وتصل فكرتهم، ولا أدل على ذلك من الشاعر "عبود الجابري" الذي أصبح له خط متميز في الشعر يستخدم فيه لغة عادية وأدوات بسيطة، لكنه يمتع ويدهش القارئ، فتبدو قصائده وكأنها لوحات سريالية بحاجة إلى وقفة متأملة لنحصل مزيد من المتعة التي تحملها، من هنا نقول: ليس مهم أن تكون اللغة عالية المستوى ليوصل الكاتب/الشاعر فكرته، أو ليمتع القارئ، فيمكن ان يكون النص عادي جدا، لكنه يستوقفنا، سنجد في هذا النص توافق غير عادي بين الفكرة واللغة والأسلوب الذي تستخدمه "نور التوحيد يمك"، وكأن القدسية/الهيبة التي يحملها مشهد "الطفل" جعلت النص يتواضع إلى هذا حد، فهناك اشتباك بين طفل وجنود ـ مفترضين ـ مدججين بالسلاح ويمتلكون احدث المعدات الحربية، لكنها لا تذكرهم أم تصفهم لنا، وكأنها بهذا الإهمال لا تريد أن يلوثوا نصها أو يشوهوه، فقدمت لنا الطفل و
"مع جموع الغاضبين
الثائرين
القابضين"
فقط، متجاهلة جنود الاحتلال، وما يلفت النظر أن الكاتبة تجاهلت أيضا تناول مشاهد الاشتباك، وتوقف نصها عند هذه الفقرة: 
" يمّمَ وجه شطر الأرض
المنهوبة
مع جموع الغاضبين
الثائرين
القابضين
على شرعيّة الحق"
وهذا ما يجعلنا نتأكد أن شخصية الأنثى الناعمة والهادئة تجعلها تعزف عن تناول/رسم/تصوير مشاهد أو أحداث أو أشخاص قساة متوحشين، فهي تريد لنصها أن يكون أبيضا ناصعا كما هو حال شخوصها وما يتعلق بهم، لهذا نقول أن نص "أمل" يستحق التوقف عنده.
ولتبيان ما طرح آنفا نقدم النص كما ورد على صفحة الكاتبة:
"أمل 
الطفل الّذي وُلِدَ
بعد حرب الاخيرة
يُقحم نفسه في
مسيرة العودة ويهتف
بصوتٍ مشروخ
"الأرض لنا"
انتماء فطريّ
يشدّه إلى الجذور
ويُشكِّل ملامح الوطن
فيه
منذ الأمس
وهو يغذي ولاءه
خدشته الجملة المجازية
التي أصاخ لها السمع 
في ذكرى الفاجعة
شَعَرَ بعجز آذار
وهو يحزم خيبته ويرحل
مُخَلّفاً ورائه جرحاً وندبة
تحرّكت الوطنية في دمائه
يمّمَ وجه شطر الأرض
المنهوبة
مع جموع الغاضبين
الثائرين
القابضين
على شرعيّة الحق"

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 83 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

السواد في ديوان
"يتنفس الحزن فضاءاته المعتمة"
خليل إبراهيم حسونة
هذا الديوان الثالث الذي اتناوله للشاعر الفلسطيني "خليل إبراهيم حسونة" فهناك عناصر مشتركة وأخرى مختلفة مع الديوانين السابقين، من العناصر المختلفة حجم السواد الحاضر في هذا الديوان، ورغم هذا نجد الشاعر يمتعنا بما يقدمه لنا، فاللغة الجميلة والصور الشعرية كلها عناصر تخفف من وطأة السواد على المتلقي، وتجعله يتقدم من الديوان وبشف، وهنا تكمن عبقرية الشاعر، الذي يراعي مشاعر القارئ واحاسيسه، ويعمل على تقديم المشاهد القاسية بلغة وصورة شعرية، وهذا ما يجعلها تقرأ بغير تعب أو إرهاق.
من ميزات الشاعر أن ما يصدره من دواوين شعرية هي أقرب إلى عالم الرواية الفسيح والواسع، فنجد المكان المترامي الأطراف، والأحداث التاريخية، واقتباسات من التراث والأساطير والكتب المقدسة، ونجد عدة اصوات تخاطبنا في الديوان، كلها عناصر تعد ركائز في العمل الروائي، وهذا ما يجعلنا نقول أن "خليل إبراهيم حسونة" شاعر روائي، يجد في الشعر مساحة كافية تعطيه الفسحة ليتحدث بكل ما يريد كما هو الحال في الرواية.
من الصور السوداء ما جاء في قصيدة "لها وللبلابل":
"غناء مختلف
(1)
هو الجرح غنى:
الغزاة غربان شؤم، تحوم حول الجثث الحريقة
عناوين شهادة دون وتر وعيون الصبايا الدليقة
ترشف لظاها، كلما قام الخليفة عن عرشه 
صارخا في عيون تهادت
لحظات التجلي باحتمال مخاتل.." ص7،
أن يفتتح الشاعر ديوانه بهذا القصيدة القاتمة يعد مغامرة، فهل يعقل أن يجد قارئ ـ في عصر الهزائم والخراب والموت ـ يتقبل مثل هذه الصور؟، لكن شاعرنا الواثق بشعره يتقدم بنا إلى الأمام من خلال هذه الصور، واثقا بلغته وبصوره الشعرية التي يستطيع من خلالها جذب المتلقي، الملفت للنظر أن الشاعر لا يتحدث عن الغزاة فقط، بل ربط وجودهم "بالخليفة"، وهذا "الخليفة" ما جعل القارئ يشعر أنه أمام شاعر جريء.
وبما أن هناك خليفة فلا بد من الحديث عن النظام الرسمي العربي ودوره في الخراب الحاصل والموت المتفشي فينا، من هنا يأخذ القارئ دفعة تقربه من الديوان، فهناك حديث عن ما هو محرم ومحظور، لهذا سيجد ما (يفش غله) في هذا الديوان، كما أن حديثه عن "عيون الصبايا" يثير عاطفة القارئ ويستميله عاطفيا تجاه ما يطرحه في الديوان.
" (2)
، تقدح لحم طفل، يحتمي يزيد الروح "القيازين"
.. يعضه الجوع فترسل أنيابها لمقلتيه المنايا ،
ولا أحد يبتسم لعينيه، ويطلق لعقة من لظى" ص8
صورة متشعبه للسواد ومؤثرة، فمن خلال ل"طفل" يجعلنا الشاعر ننحاز للمظلومين ونقف إلى جانبهم، فهو يستخدم العاطفة لاستمالتنا كما فعل عندما تحدث عن "الصبايا" في المقطع الأول، فالجانب الإنساني هو الأهم عند الشاعر، لهذا نجده يركز عليه، لكن هل هذا يكفي لاستمالت القارئ وجعله يكمل قراءة الديوان (الأسود)؟، بالتأكيد لا، فلا بد من وجود محفزات جمالية تخفف من حدة المشاهد السوداء، وهذا ما نجده في الصور الشعرية التي جاءت في المقطع الثاني، فحالة الصراع بين "لحم الطفل" الذي يحتمي بالزبد تستوقفنا، فكيف لطفل أن يحتمي بالزبد؟، والمقطع الثاني الذي جعل الجوع يعض وتتكالب الأنياب عليه، ولا يجد من يتعاطف معه أو يتقدم لمساعدته، صور متداخله ومركبة تجعل المشهد في غاية الألم، لكن الصور الشعرية جاءت لتدفعنا إلى الأمام، لمعرفة المزيد عن هذا السواد.
إذا ما توقفنا عند الصور السابقة نجد أن هناك ـ راوي ـ يحدثنا عنها، لكنه ليس مشارك فيها، بل راصد لها كما نحن المتلقين للنص الشعري، نتألم لها كما يتألم الشاعر، لكنه في قصيدة العنوان: "يتنفس الحزن فضاءاته المعتمة" نجده يتحدث عن نفسه، عن "خليل حسونة" فيستخدم "ياء" الأنا في القصيدة:
" (1)
. حزين لأنى لم انم في العراء/ ..
وألم في جعبتي الحروف الأبجدية ... والمزاريب تهمي،
....
حزين لأن السماء/..لا تمطر الخبز،
على الأشقياء" ص36.
بعد أن استمالنا الشاعر للقضايا العامة وما يتعرض له الوطن و"الصبايا والطفل"، يحدثنا عن ذاته، فقد أصبحنا نحن هو مشتركين في حمل الهموم، وبما أننا اقتربنا من بعضنا، فهو يريد أن يفرغ همومه لنا، فنحن الأقرب عليه بعد حديثه السابق، لهذا وجدنا أهل للاستماع له، لكن ما هذا الكلام الذي يتحدث به!!، هو حزين لأنه "لم انم في العراء"!!، ما هي اسباب والدوافع والمبررات لهذه الصورة من الحزن؟ سؤال يتركه الشاعر للقارئ ليجيب عليه.
فرغم أن الحزن الثاني جاء بشكل منطقي إلا أن الشاعر عندما قال "لا تمطر الخبز" أذهلنا من جديد، فكيف للسماء أن تمطر الخبز، رمزية الخز واضحة، وهي قريبة المعنى، لكن التركيبة التي أبدل بها الماء بالخبز هي المذهلة والمهمة، وهي تشير إلى عدة حاجات لهؤلاء "الأشقياء" وليس إلى حاجة بعينها، وهنا يعود بنا الشاعر إلى حالة الهم العام، نشاركه ويشاركنا الهموم، وكأنه بهذا الأمر يريدنا أن نقترب منه ويقترب منا أكثر.
"(2)
حزين لدمعة كسيح هربته السماوات في منافي الشتاء ../ 
فصار الجنون حدائق نجم، ، وصرت الرصيف ..
، وقعت ...لم اتقدم خطوة ،
عانقتني الموانئ، والحقائب..
خاصرتني القبلات اللصيقة..
برصاص عينيها، تصفعني المطارات.
فأبحر في عتمة من رجاء/..
حزين أنادي هواي الذي صار نثاراً
غائما في الهواء."ص36و37
بعد أن أصبحنا والشاعر أقرب ما يكون، أخذ يحدثنا بطريقة حميمة، فنجده يجمع بين حالته الشخصية والحالة العامة بحيث ينصهرا معا، فهو يحزن لدمعة الكسيح، ثم صبح الجنون حالة عادية في ظل هكذا أحداث دامية، ونجد الشاعر يتماهي مع المشاهد ليكون داخلها وليس خارجها، "عانقتني الموانئ، خاصرتني القبلات" كل هذا يخدم فكرة التماهي بين الشاعر والحدث، وأيضا يدخلنا نحن المتلقين إلى الداخل الأحداث، ألم نصبح نحن هو اقرباء على بعضنا، ونعرف هموم بعضنا البعض؟، من هنا لا نقول: أن القصيدة كتبها الشاعر فحسب بل أن القصيدة هي من كتبت الشاعر، ونحن ـ القراء ـ كنا أمام ناظيره، لهذا أدخلنا إلى المشاهد وجعلنا نشاركه الأحداث. 
هناك مجموعة من الأشياء التي تخدم فكرة الهجرة القصرية فيما سبق، "المنافي، الجنون، الرصيف، وقعت، خطوة، القبلات، تصفعني، المطارات، ابحر، رجاء" فنجد المكان والحالة النفسية التي يكون بها "المنفي" والأوضاع/الحالات التي يتعرض لها، وكلها صور شعرية تستوقف القارئ وتجعله ينبهر بالشكل الذي جاءت به.
ونجد في الأفعال المستخدمة الفعل الماضي والمضارع، وكأن الشاعر يريد أن يقول لنا أنه تعرض للألم وما زال يتعرض، هو وشعبه/أمته لم يعيشوا حياة عادية/طبيعية كباقي الناس، فكانت حياتهم قاسية ومازالت، وهذه دعوة لنسرع في انقاذه وانقاذ شعبه/أمته.
لا يكتفي الشاعر بالحديث عن الناس فقط، بل يتناول الحياة الطبيعية أيضا:
"(3)
حزين لأن الفراشات تبكي،
والعصافير تلثم الجمر،
لم تعد تغني هواها...، والمدى الأخيلي..
الذي صبح توبة، والحنين أرتعد..
يعانق وجهك الريان، أنسام طير الرعد" ص37. 
وعندما يكون هذا الجمع المتنوع بين الاشقاء يتوجب علينا نحن المتلقين أن نستعجل العمل، فالحالة ملحة ولم تعد تحتمل.
ومن المشاهد القاسية هذا المشهد:
" (24)
...
وعجوز تمزقه النائبات يعوي على الأبواب/ يبتسم لعينه الجريحة 
ظفر
وناب ..، الابرياء تناثرت أشلائهم عبر الأزقة، والشوارع تتخطى
المواقع
للاهبات .. فيذوب الذي غاب هواهم والحنين أرتعد..،
صار وجعا يعض الجوانح ويجافي الولد
فيقطر الحزن للذين تاهوا في دروب الشوك عبر الزحام..
يعانقهم القيظ، وللأرض حبل من مسد..، عذابهم يهد الجبال
ويحملون ولا أحد يقرأ حلمهم" ص55 
المشاهد متتابعة ومتلاحقة بحيث يكمل كل مشهد المشهد السابق، فنجد ال"واو" و"فاء" جاءا ليخدما فكرة التواصل وتكامل الأحداث السوداء وتتابعها، في المشهد الأول العجوز الذي يمر بحالة مزرية وبائسة ـ ومن المفترض ان تتعاطف معه ـ لأن الشاعر بدأ المأساة بلفظ عيون وبفعل يبتسم، واللذان يوحيان لبداية مشهد إنساني متعاطف، لكنه يفاجئنا بلفظ "ظفر وناب" فيزيد السواد قتامة، ويدهشنا بهذا الأمر، حتى أننا لا نتصور أو نتوقع ان يكون هناك سواد بهذه القتامة، فالدهشة والذهول يستوقفنا، فكيف استطاع "خليل حسونة" أن يأتي بمثل هذا المتناقضات ويجملها معا لنكون أمام هذه البشاعة المركبة من ألفاظ سوداء وأخرى بيضاء!!.
وإذا ما توقفنا عند بقية المشاهد سنجدها تتابع تواليا، ونجد في الألفاظ وكأننا أصبحنا في الجحيم بعينه: "فيذوب، ارتعد، وجعا، يعض، يجافي، فيقطر، تاهوا، الشوك، الزحام، القيظ، حبل، مسد، عذابهم" كل هذه الأفعال والأوصاف والكلمات حاضرة في الجحيم الرباني، لكن الشاعر نقله إلى الجحيم الأرضي وجعلنا نشاهده من خلال هذه الصور.
يستخدم الشاعر شكل الومضة في قصيدة "رؤى ليست ناعمة" ليعطينا صورة سوداء بأقل عدد ممكن من الكلمات، وهذا النوع من الشعر يحتاج إلى مقدرة خاصة على التكثيف والاختزال، وقدرة على الصياغة الشعرية لتقديم الفكرة:
"تخفق الجوانح، مخفورة بالسلاسل،
منذ عقود الفجيعة..
تصرخ الجنازير .. فيبول عصفور على ذؤابة شجرة" ص91، تركيز الشاعر على المأساة في الماضي "منذ عقود" والحضر "تخفق، تصرخ، فيبول" أراد به حثنا على التقدم منها والعمل على وضع حد لها، أفلا يكفي أنها مستمرة/ممتدة منذ عقود!!. 
ويقول في قصيدة "لها وللبلابل":
" (17)
تجلل الأقواس أقواسها البهية،
وتربط عقدها بالمدد..
روابي عيبال، صخرة الأقصى،
شهادة المثلى، تحتضن ذلك الموت الزؤام..
وغياب الغمام..
حالة من النعاس
لرجل أمرهم عليه التبس/..
وتوالى جنوح الهمم..
يسير إلى الحالمين بضرب الجمون التعس" ص30.
يقدم لنا الشاعر فاتحة بيضاء، لكنه صراعان ما يتحول إلى السواد، وكأنه بهذا يريدنا أن نشعر بحجم وقع السواد ليس على الأشياء "الأقواس، وروابي عيبال، والصخرة الأقصى" بل علينا نحن، المتلقين، فعندما يكون اللون الأبيض بجانب الأسود يمكننا معرفة المساحة التي تفصل بينهما أكثر من حالة تقديم اللون الأسود لوحدة أو الأبيض. 
كما أن تناول الشاعر للجغرافيا الفلسطينية "نابلس/جبل عيبال والصخرة/القدس" أراد به أن يشعرنا بأهمية المكان وقدسيته، ليست الدينية فحسب بل الوطنية والإنسانية، لهذا ربط بين المكان المقدس "صخرة الأقصى" وبين "جبل عيبال".
ويقول في قصيدة العنوان "يتنفس الحزن فضاءاته المعتمة":
" (7)
حزين لأنا لصبح رجله مكسورة قام يحبو ..
والهوى على حد سواء/ ..
يخامرني كل فجر سارق النار، بشأبيب جراح
تضع على جبينه أريج الشمس، ساعة قيظ مجهدة..
تموز يعقر ناقته،
يعفر لحاظه بليل غاب فيه المدى، 
الأرض تمد جدائلها، وعناة عينها مرمدة." ص40.
بداية في غاية الأبداع، فالشاعر يتفنن في رسم صورة السواد، "صبح رجله مكسورة" وكأن هناك اصرار عند الشاعر على اقران السواد بالبياض، ليبين المفارق الكبيرة بينهما، كما أن استحضار الأسطورة السومرية/البابلية/الكنعانية "تموز/البعل وعشتار وعناة" خصب النص الشعري وجعل المتلقي يتقدم من جذوره التاريخية الأدبية، فنجد تموز/البعل يغيب طويلا على غير عادته، كدلالة على الوقع الكبير الذي يحدثه غياب "تموز" على الخصب ومسار الحياة على الأرض.
ونجد حضور للمكان في قصيدة "آخر الكلام":
" (3)
ومضة أخرى ..تصرخ يافا وحيفا..
القيان تتجلى راعفات أرجلهن..
يطربن ليل العرب..
ومع كل نخب ونخب..،
على حمى لقاء الكؤوس...،
فتتيه الرؤوس..،
بما لها من علل وشظايا شغب
أطفال الندى يرسلون عيونهم
نحو صخرة الأقصى بحب نهادى" ص105.
المكان الفلسطيني يصرخ من الألم، بينما ليل العرب في حالة طرب وشرب انخاب، أيضا نجد الصور متناقضة بين الحالتين، السوداء/فلسطينية والبيضاء/العربية، لكن البياض في الحالة العربية لم يكن نقي، بل جاء بياض مخادع، بياض مغشوش، لا يعبر عن حالة حقيقية، بل عن حالة مشوشة ومغشوشة، فرغم أن الفعل يبدو أبيض في الحالة العربية، إلا أنه يعطي مدلول أسود يعمق الهوة التي تقصل الحالة العربية عن واقعها الحقيقة.
الشاعر لا يتوانى عن ذكر الجغرافيا التي تهم الفلسطيني ويتواجد فيها، فيذكرنا بعدة أماكن تهم الفلسطيني:
" (9)
أيها اليرموك..
خذني اليك..
أطلق جراح روحي المشعة.
ضمد جسدي، علق شظاياه على صفحات
المساجد والكنائس..
الأمهات يرسلن إليك ألف زهرة ممتدة من
دير ياسين، وشاتيلا تلقى عليك السلام، 
صخرة الأقصى لم تفك الجدائل..
عكا ترسل إليك طير الحمام" 110.
كل هذه الامكان عانى ويعاني فيها الفلسطيني، وقد مورست بحقه أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر، وكعادة الشاعر يجمع المتناقضين "الأسود والأبيض" بين مجزرتي "دير ياسين وصبرا وشاتيلا" وبين السلام، بين "الصخرة وعكا" الأسيرتين وبين الفرح الكامن في "فك الجدائل وطير الحمام" لهذا نقول أن وقع السواد على القارئ يكون أقوى، لكنه في ذات الوقت يقدم الصور السوداء بطريقة سلسلة، أو من خلال أدوات سهله يتقبلها القارئ، وهذا ما يحسب للشاعر.
إذن ما يميز هذا الديوان أنه قدم لنا مشاهد في غاية القتامة،، لكن الصورة الشعرية التي استخدمها الشاعر، والشكل الأدبي والمتمثل باستخدام المتناقضات، واللغة الشعرية السلسة كلها تجعل ديوان "يتنفس الحزن فضاءاته المعتمة" يعد نقلة نوعية في الشعر الفلسطيني خاصة والعربي عامة.
الديوان من منشورات دار الكلمة للنشر والتوزيع، غزة، فلسطين الطبعة الأولى 2016.
"

 

 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 23 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

مناقشة رواية "توليب" في دار الفاروق
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تم مناقشة رواية "توليب" للروائية الفلسطينية "خلود نزال" وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبدالله البيتاوي" مستفقدا الشاعر "جميل دويكات" الذي ذهب للعلاج في الأردن متمنيا له الشفاء العاجل، تم تناول موضوع الرواية مبينا أن رواية توليب" أخذت المرتبة الثانية في مسابقة "عزت الغزاوي" للرواية التي تعقدها دار الفاروق فالرواية تناولت موضوعاً حيوياً في المجتمع الفلسطيني الذي يمارس فيه الذكور دور الأسياد الذين يقمعون المرأة وينظرون إليها نظرة دونية، مضيفا أن الرواية تتناول المكان بتفصيله إن كان في فلسطين أم في تركيا، وأن الشخصيات لها مسارات خاصة بكل شخصية، والنسائية منها جاءت لتعطي مثلا على حالة الاضطهاد التي تتعرض لها المرأة، وعلى قدرتها على المواجهة وعلى السير بعيدا عن هيمنة الذكور.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الأستاذ "سامي مروح" قائلا: نبارك للروائية على إنجاز هذه الرواية، حيث انها تمتلك كافة عناصر الرواية، من مكان وزمان وشخصيات، وصراع، ولغة وصور أدبية، فنجد الشخصيات مستقلة وحرة فيما تتحدث وتقوم به، بعيدا عن هيمنة الراوية، التي وقفت وحيدة في مواجهة المجتمع، فقضية المرأة المطلقة والطريقة التي ينظر بها المجتمع لها تعد من القضايا المهمة في المجتمع الشرقي، لكنننا وجدناها في الرواية امرأة "ندى" استطاعت أن تواجه وستنتصر على هذا المجتمع، رغم أن هذه المواجهة كانت سليمة، وتنسجم مع الطبيعة الناعمة والرقيقة للمرأة فاستقلالية المرأة التي تناولتها الراوية تعد من أهم القضايا الاجتماعية التي تقدم المجتمع وتحرر المرأة في ذات الوقت.
ما يلفت النظر أن هناك استحضاراً للثقافة الدينة في الرواية، وهذا يعكس الحالة الإيمانية التي تتمتع بها الراوية، كما أن المقاطع الصغيرة التي تفتتح بها الفصول جاءت لتعطي جمالية استثنائية لشكل الرواية وتحمل من المتعة ما يوازي النص الروائي، كما أن الراوية استطاعت أن تصف لنا المكان "تركيا" بطريقة رائعة وجميلة، حتى أنني وجدت في وصفها نفسي امام أدب الرحلات. 
لكنني وجدت هناك تدخلاً مباشراً من الراوية جاءت في الصفحة 61و63، ما جعل الشخصيات تابعة لها، كما أن هناك في بعض الأحيان وجدت طرح أفكار مباشرة وصريحة مما جعلني أبدو أمام مواعظ دينية.
ثم تحدث الأستاذ "حسان محمد نزال" قائلا: نبارك لخلود على الرواية الاجتماعية، والتي تطرق بابا مهما موجعا في ذات الوقت، مشكلة المرأة المتعلمة والمثقفة التي تتعرض للقهر والاستبداد من المجتمع الذكوري، فالعلاقة الزوجية تعتبر إحدى أشكال القهر الذي يمارس على المرأة الشرقية لأنها تخاف من نظرة المجتمع إلها إذا ما تم الانفصال، فهي تحاول بأكثر من طريقة أن تصلح العلاقة مع الزوج لكن دون طائل، فكان لا بد من اتخاذ الخيار الأصعب.
ونجد الراوية تصف المكان بطريقة دقيقة وشيقة في ذات الوقت، خاصة المكان الخارجي "تركيا" وكنا نتمنى عليها أن تعطي الجغرافيا الفلسطينية عين الاهتمام والدقة التي تحدثت فيها عن تركيا، أما بخصوص اللغة فنجد تنوعا واضحاً فجاءت بأكثر من مستوى، فكل شخصية تحدثت بلغتها هي ليس بلغة الراوية، فنجد اللغة الفصحية والمحكية والقوية والعادية.
أما الاستاذ "محمد شحادة" فقال: أن الرواية فها كافة عناصر الرواية، وهذا بحد ذاته أبداع ويعطي متعة للقارئ، ونجد هناك تركيزاً خاص على المكان "تركيا" وقد قدمته لنا الراوية بشكل ملفت بحيث جملته أمامنا وجعلتنا نتشوق لزيارته، أما بخصوص الشخصيات فغالبية شخصيات الذكور قدمت لنا بشكل سلبي، حتى أننا نجد سائق السيارة يوصف "يسرق نظراته" بينما جاءت الشخصيات النسائية بصورة ايجابية وبصورة الضحية التي تتعرض القهر والظلم، لهذا وجدنا الحوار عميقاً ويبين الحالة النفسية التي تثقل كاهل المرأة، ونجد صورة الأنثى من خلال الحديث عن أم كلثوم الذي جاء بلغة ناعمة وهادئة، وهذه اللغة تؤكد على الرقة والنعومة التي تمتاز بها المرأة في مجتمع ذكوري.
أما الشاعر "عمار دويكات" فقال: نبارك للكاتبة غلى هذا الانجاز الأدبي، فالغلاف الذي يقدم صورة قاتمة للذكر، بينما نجد صورة الأنثى المختبئة خلف الوردة، هذا له دلالات تخدم الفكرة التي تحملها الرواية، فالمجتمع الذي يمارس القمع على المرأة تعريه الراوية في "توليب" وتفضح العديد من السلوكيات التي يمارسها مجتمع الذكر بحق المرأة، "ندى وضياء" يمثلان حالة التناقض التي يفرضها الأهل والمجتمع علي المرأة، فرغم أنهما متعلمتان ومثقفتان إلا أن سلطة الزوج كانت تحول ندى" إلى مجرد امرأة شرقية يجب أن تخضع له في كل شيء، واعتقد أن الحديث عن المطقة يعد "طرق الجدار" من المفروض أن يكون طرق قبل زمن وليس الآن، لها نقول أننا أمام رواية تتناول موضوعاً حساساً وحيوياً.
أما فيما يتعلق باللغة فنجد هناك أكثر من مستوى في الرواية، من اللغة الفصحية إلى اللغة المحكية، واعتقد بأن هناك علاقة بين عنوان الرواية "توليب" والفتاة الصغيرة، وكنا نتمنى على الراوية أن تجعله "توليب" فتى وليس فتاة.
أما الاستاذ "نضال دروزة" فقال: نبارك للأخت خلود على العمل الروائي الجميل والمهم، فالغلاف الذي يصور المرأة المكسورة والرجل القاتم والصلد يعطينا لمحة عن ثقافة الاستبداد التي تمارس على المرأة الشرقية، فالغلاف منسجم تماما مع الأفكار التي تحملها الرواية، فالكتابة بهذه الموضوع "المرأة الطلقة" يعد تمردا على تقاليد المجتمع الذي لا يعرف إلا ثقافة العيب والحرام والممنوع، فمثل هذه الرواية تعد صرخة مدوية في مجتمع ذكوري متخلف، فعندما جعلت الراوية غالبية شخصيات الذكور سلبية كانت تحمل في عقلها الباطن الألم والقهر الذي تعانيه المرأة الشرقية.
أما الاستاذ "سمير عودة" فتحدث مبينا أن الغلاف يعطي إشارة إلى حالة الظلم التي تتعرض لها المرأة فنجد إيجابية "ندى وضياء وحسنا" بينما شخصيات الذكور "زياد، محمود، ناصر" جاءت بصورة سلبية، فالمجتمع ينظر إلى المرأة من خلال جسدها، وجمالها، وليس من خلال كونها إنساناً له حقوق كما للرجل، أما فيما يتعلق بجمالية اللغة فقد وجدنا لغة ناعمة وهادئة رغم صخب الأحداث الحالة القهر الذي تتعرض له "ندى وضياء" ومع هذا بقيت الراوية مسيطرة على الاحداث وعلى السرد الهادئ والذي اعطى جمالية لهذه الرواية.
فهناك جمالية في حديثها عن "توليب" وعندما ربطتها بالطفلة كانت بطريقة ما تدعو إلى ضرورة الحفاظ على هذا الجمال الكامن في الطفلة "توليب" من الخدش أو التشويه كما حدث مع "ندى وضياء".
ثم تحدثت مديرة مركز المنارة للثقافة والابداع "لينا الشخشير" قائلة: أن اللغة الشعرية التي صيغت بها الرواية كافية لإمتاع المتلقي وجعله يأخذ طاقة من الجمال تجعله ينحاز للمرأة، فمن يكتب بهذه اللغة الناعمة والهادئة ويتعرض للقهر لا بد أن نقف إلى جانبه مدافعين، وهناك جمالية استثنائية استخدمتها الراوية عندما جعلت بداية الفصول تبدأ بمقاطع صغيرة فكانت كالفاكهة اللذيذة والجميلة في ذات الوقت، وتحمل جمالا على صعيد الشكل والمضمون.
ولي مداخلة عابرة على بعض الكتاب الذين لا يتقبلون النقد بالمطلق، ويريدوننا أن نكون من المداحين والمجملين والمصفقين، والذين يبنون روايتهم فقط على الفكرة الوطنية، وكأنهم من خلال طرح الفكرة يريدون أن يحصلوا على شهادة "روائي" متجاهلين اللغة وطريقة السرد والفكرة والمكان والزمان والشخوص والحدث والحبكة والصور الأدبية، لكنني وجدت في هذا اللقاء شيئا لم أعهده من قبل، فهناك مداخلات موضوعية تعتمد على النص الروائي. 
وتحدثت الروائية "عفاف خلف" قائلة أن هناك لغة مميزة في هذه الرواية، لغة شاعرية تجذب القارئ، كما أن مضوع الرواية حيوي ويمثل تمرداً على واقع المرأة التي يقع عليها العبء الأكبر في تحمل تبعات الزواج إذا كان الزوج يمارس دور الذكر وليس دور الرجل، واعتقد أن الصور السلبية التي قدمت بها الذكور تشير إلى أن الراوية تميل إلى جنسها الذي يضطهد ويقمع من قبل المجتمع الذكوري.
لكن هناك خللاً في طريقة السرد في الصفحة 121 و158، فاللغة كانت رقيقة أكثر من العادي ما يعطي اشارة إلى ميل الراوية إلى استخدام لغة واحدة، واختم بأن النهاية المفتوحة في الرواية كانت الاجمل والأهم، لأن فكرة اعادة انتاج الاستبداد الذي نمارسه يوميا في حياتنا مسألة يجب التوقف عندها ووضع الحد لها.
أما الاستاذ "سعيد سعادة" فطرح مجموعة من الأسئلة على المتحدثين: "هل تم طرح مسار الشخصيات بشكل يخدم الفكرة في الرواية؟، الشخصيات هل كانت لغتها مميزة أم كلها تتحدث بذات اللغة؟، هل هناك هيمنة للراوي على الشخصيات؟، هل، لأن الراوية امرأة قدمت الرجال بصورة سلبية أم هناك شيء آخر؟، وأين المساحة بين الفكرة والطريقة التي قدمت بها هذه الفكرة؟
وتحدث الاستاذ "رائد الحواري قائلا: إذا ما تطرقنا إلى اللغة الناعمة والجميلة التي جاءت على لسان "ندى وضياء" وربطناها بحالة القمع القسوة التي مورست عليهما من المجتمع يتأكد لنا حجم القمع الممارس على المرأة، وحجم الظلم الواقع عليها.
وفي نهاية الجلسة ردت الكاتبة "خلود نزال" على مداخلات الزملاء مبدية سعادتها بهذا اللقاء الحيوي والحيادي، والذي تحدث عن الإيجابيات والسلبيات في الرواية، مضيفه أنها استفادت كثيرا من الملاحظات التي قدمت، 
تم تقيم الجلسة من قبل المشاركين الذي ابدوا سعادتهم بهذا اللقاء الأدبي والحيوي والذي يأتي ليزيل المساحة بين الكاتب والقارئ كاشفا العديد من القضايا الجمالية والفكرية التي يحملها النص الأدبي.
وقد تم تحديد الجلسة القادمة يوم 5/5/2018 لمناقشة رواية "اسطورة الأموات" للروائية الفلسطينية "انشراح لداده، والتي حازت على المرتبة الثالثة في مسابقة "عزت الغزاوي" للرواية.
ملاحظة يمكن الحصل على الرواية من دار الفاروق بفروعها

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 403 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

المتعة في قصيدة
"يا شادنا"
مصطفى العجان 
من سمات الجمال في القصيدة إحداث المتعة عند القارئ وجعله يستمتع بما يقرأه من شعر، سنجد في هذه القصيدة ذروة المتعة والتي تشير إلى عناية الشاعر "مصطفى العجان" بمزاج القارئ، فهو يختار أسلوب خاص به يجعل القصيدة في غاية المتعة، وهذا ما جعل القارئ يتقدم منها لأكثر من مرة.
يتجه بعض الشعراء إلى محاكاة نصوص شعرية تراثية، وهذا يقربنا من النص القديم، وفي ذات الوقت يقدم لنا شكل وطريقة ومفهوم جديد للقصيدة، في هذه القصيدة سنجد "مصطفى العجان" يتألق في اللغة التي يستخدمها وفي استخدامه لصيغة الحوار الدائر بينه والمحبوبة المفترضة.
صيغة لنداء تقرب المتلقي من النص، فالعنوان "يا شادينا" لوحده كافيا ليثير انتباه المتلقي للقصيدة، ففيه من المعاني ما يعطي صورة محببة عن هذا ال"شادينا"، يفتتح الشاعر القصيدة بهذا المقطع:
"ياشادناً حسنهُ أَجَّ الـــهـوى فـيـنا
من بـعـد ما للـهـوى كُـنّا تناسـينا
إنْ جِـئتَ تختالُ لـهواً في ملاعبنا
فـنـظرةٌ منكَ بالعـيـنـيـن تُـرديـــنا
أو جِـئـتَ تَخطبُ وِدّاً من محبّـتنا
فالحُـبُّ نحنُ صَـنَـعـناهُ بأيـديـــنـا" 
هناك لغة وأسلوب جميل تمتع القارئ وتجعله يتقدم من هذه الأسلوب الناعم والسلس، فاستخدام صيغة السؤال والرد عليها كانت رائعة وتحمل بين ثناياها البياض المطلق، وبما أن الحديث يدور عن الحب والعشق فبالتأكيد سيندفع القارئ أكثر للتمتع بالقصيدة، ورغم أن هناك لفظ قاسي "تردينا" إلا أن مكانه والطريقة التي قدم بها كانت ناعمة وجميلة، بحيث تم إزالة الخلل الذي يحدثه فعل "تردينا".
"سَـلِ الـعَـنادِلَ مـنْ للشدّوِ عَلّمَـها ؟
تُعطيكَ لحناً .. وتنبيكمْ أسـامـيـنا
منْ عَـلّمَّ الشّعَراءَ البوحَ في غَزَلٍ ؟
من أين يَستلهمُ الشّعرُ الشياطينا ؟"
السؤال والجواب والفخر الذي يأتي من خلالهما يجعل القصيدة في غاية التألق، فنجد العظمة والفخر في القصيدة، واللذان يشيران إلى قدرة "مصطفى العجان" على الصياغة وعلى امتاع المتلقي فيما يقدمه من شعر. 
الأدوات التي يلتجأ اليها الكاتب/الشاعر المرأة، الكتابة، والطبيعة، الشاعر جعل المرأة/الحبية مصدر وملهمته لكتابة، وجعل الشعر أيضا احدى اشكال الحب المتبعة:
"فَاضَتْ مَـحَـبَّـتـنا فيهمْ مُـوَزَعَـــةً
فالعِشقُ مَـصـدَرُهُ دوماً قـوافـيـنا"
هناك توحد بين كتابة الشعر والحب والذي يشير إلى تماهي الشاعر مع القصيدة والحبيب معا. من هنا وجدناه مصدر العشق يكمن في قوافي الشاعر.
والصورة الأجمل في القصيدة كانت من خلال هاذين البيتين:
"فَاضَتْ مَـحَـبَّـتـنا فيهمْ مُـوَزَعَـــةً
فالعِشقُ مَـصـدَرُهُ دوماً قـوافـيـنا
ولتسألِ الـوَردَ عن أسباب حُمرَتهِ
هل كان مَـوردهُ إلّا الشـرايــــيـنا ؟" 
استخدام الشاعر لصيغة الجمع "محبتنا، قوافينا، شرايينا" كلها تترك جمالية خاصة عند القارئ، وتجعله أمام نص شعري يتجاوز العادي والمألوف.
يختم لنا الشاعر القصيدة بهذا البيت:
"ياشَـادِناً ما علِـمـنا قَصد غـايــتـهِ 
فينا الودادُ كما الأنفاس يُحـيـينا"
الجميل في الخاتمة أنها جاءت منسجمة مع النداء "يا شادنا" الذي جاء في الفاتحة، وكل المتعة والجمال الذي جاء في القصيدة ناتج عن "شادنا" الذي ألهم الشاعر ليقدم لنا هذه القصيدة الرائعة.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 97 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

الشكل والمضمون في قصيدة
"أي سلام"
ناصر دياب
لا بد أن يكون هناك أثر للواقع في النص الأدبي، وخاصة الشعري، فالشاعر عندما يكتب تكون القصيدة هي التي تكتبه، وليس هو من يكتبها، من هنا نجد العديد من الشعراء يستخدمون ألفاظا معينة في قصائدهم، متجاوزين ذاتهم ولغتهم كشعراء، فيكون الحدث سيد الموقف في هذه القصائد.
سنجد في هذه القصيدة لغة عادية جدا، بعيدا عن الصور واللغة الشعرية التي نعرفها، وكأن الشاعر من خلال اللغة يعبر عن قرفه وحنقه على الواقع، لهذا قدم لنا لغة تناسب الفكرة، الحدث الذي يتناوله، يفتتح الشاعر القصيدة فيقول:
"اي سلام
والوطن يستباح!
كل يوم
و في كل ليلة
تكون فيه
القيامة
ومحشر من الدم
له بداية
ولكن
ليس له نهاية
هناك" 
الألفاظ السوداء تطغى على القصيدة من خلال: "يستباح، القيامة، محشر، الدم" وإذا ما توقفنا عند هذه المقاطع سنجدها خالية من الصور الشعرية أو اللغة الشعرية.
يكمل لنا الشاعر حالة الواقع:
"هناك في وطني
ثائر مناضل
معلوم
يخشاه الردى
على كل باب
يهرب منه
فهو جريء
جريح مظلوم
ومفقود مجهول
لا ذنب له
إلا انه من غير الحاشية
ليس مدعوم" 
يركز الشاعر على حرف الميم في "معلوم، مظلوم، مدعوم، مفقود، مجهول، فحالة ضم الشفتين التي نستخدمها عندما نلفظ حرف "الميم" تعبر عن ألم وحنق الشاعر على الواقع، أضافة إلى الفكرة التي تحملها الكلمات، كل هذا يجعل الألفاظ والحروف والمضمون تتوحد في تبيان حالة القرف واليأس التي يمر بها الشاعر.
يكمل الشاعر القصيدة :
" قد يكون شهيدا
أو أسيرا
ونذل عميل
مهزوم
كمفتي يدّعي العلم
في كل الأمور
باع الله والدين
والضمير" 
ذروة القرف نجدها في صفات الأشخاص الذي يسقطها الشاعر عليهم "نذل، عميل، مهزوم، كمفتي باع" فهو يعبر عن سخطه على هؤلاء المخربين من خلال تقديمهم بلغة عادية تتناسب ومكانتهم الوضيعة.
يقدمنا الشاعر من لغة رفيعة وشعرية من خلال حديثه عن الوطن:
"في وطني
الشريف يلفظ أنفاسه
صامت 
وفي صمته مكلوم
سلاحه
النار و الدم
عزمه خلق أخرس
مكتوم
حزنه غطى الفضاء
واخترق عنان السماء
لا تلوموا الإنسان
إن بكى
الطفولة.. والنساء.. والشيوخ
إنه عالم
يرى الحق 
مسروق
يسير
في الديجور"
إذا ما قارنا هذا المقطع مع السابق، سنجد هناك فرق واضح في اللغة، فرغم أن حالة القرف والسخط واضحة في كلا المقطعين، إلا أن لفظ "الوطن" جعل الشاعر يتخلص ولو قليلا من أثر الواقع عليه، وجعله يتقدم من اللغة والصور الشعرية:
"في وطني
الشريف يلفظ أنفاسه
صامت "
"وفي صمته مكلوم
سلاحه"
"حزنه غطى الفضاء
واخترق عنان السماء"
"يرى الحق 
مسروق
يسير
في الديجور"
كل هذه الصور جاءت بأثر "الوطن" الذي أحدثه في نفس الشاعر، فجعله يتحرر من الواقع ويتقدم من الصور الشعرية قليلا، بحيث تتجاوز حالة القنوط والسخط المطلق.
وعندما وجد الشاعر ذاته ولغته في المقطع السابق، أخذ يتقدم أكثر من الفرح الذي يحدثه لفظ "الوطن" في نفسه، فهو البلسم الشافي من مرض الواقع، لهذا نجده يتغنى بهذا "الوطن" ويتألق متجهاً نحو البياض الناصع والمطلق، مبتعدا عن قتامة الواقع البائس:
" منذ زمن مضى
كان هناك 
زقزقة عصافير
وقوس قزح يعكس لوحة
فيها كل ألوان الحياة
بطيفها الجميل
والمياه تعبر النهر بموسيقا الخرير
و الطعام على بساطته
هانىء له طعم لذيذ
والقمر يغازل الفاتنات
يحلمن وهن نائمات
بعاشق يكسوهن 
بأجمل الزهور
من الياسمين و النرجس الجميل"
المقطع الأخير جاء مغاير تماما لفاتحة القصيدة، وكأننا أمام نص شعري آخر وجديد، وأمام شاعر آخر ليس له أي علاقة بما كتبه في فاتحة القصيدة، "زقزقة، العصافير، قوس قوح، الألوان، الحياة، طيفها، الجميل، المياه، النهر، الموسيقا، خرير، بساطته، هانئ، ، لذيذ، القمر، يغازل، الفاتنات، بعشق، يكسوهن، الزهور، الياسمين، والنرجس" كل هذه الألفاظ والمعاني البيضاء جاءت بسبب لفظ واحد هو "الوطن" فتحرر الشاعر كليا من قتامة الواقع، وأصبح شاعر البياض والجمال بعد أن كان شخص عادي يتحدث بلغة عادية وتشاؤمية.
يختم لنا الشاعر القصيدة:
"واليوم يسأل أهل وطني
أيطول هذا الظلام
أم قريبا
سيبزغ الضوء
ويسطع النور؟؟؟!!!"
لغة واقعية وعقلية تبتعد عن العاطفة أو الإثارة، لهذا استخدم الأسئلة كدعوة غير مباشرة للتفكير والتوقف أمام الواقع، وكأن الشاعر صحا من سكرة الشعر التي أحدثها حضور "الوطن" ووقف امام الواقع، لكننا نجد وقفته تحمل بوزغ لأمل، بهذه المقاطع الثلاث يؤكد لنا "ناصر ديب" شعاريته وإنسانيه في ذات الوقت، لهذا بدأ القصيدة بشكل عادي، ثم قدمنا من بياض اللغة والشاعر، ثم خاطبنا بلغة العقل والواقع.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

البياض في قصيدة
"إلى أمنا فلسطين"
خليل قطاني
موضوع القصيدة يفرض على الشاعر استخدام ألفاظ بعينها، كما ان الحالة النفسية التي يكتب بها الشاعر لها مساحة في القصيدة وأثر، سنجد في هذه القصيدة مساحة بيضاء كبيرة، تؤكد على النقاء الذي يحمله الشاعر لفلسطين، فهو يتحرر من الواقع بصورة شبه كاملة، ويقدم لنا نص شعري يكاد أن يكون مطلق البياض، تنسجم فيه الفكرة مع الألفاظ، فتجعلنا نحلق عاليا في سماء صافية وجميلة.
يفتتح الشاعر القصيدة:
"عشتار تولد من جديدْ 
وربيعها قمح يلوّح في حناياها سعيد 
وبظلها يجري السرور معانقاً 
روح الخلائق كلها " 
استحضار أسطورة كنعانية يعطي مدلول على تجذر الكنعاني/الفلسطيني في هذه الأرض، ووجوده هنا ليس عابر، بل كحالة حية متفاعلة ومتطورة في ذات الوقت، فربة الخصب "عشتار" أوجدها الكنعاني القديم متماثلة مع الطبيعة الكنعانية الخلابة، لهذا جاءت ألفاظ الخصب "تولد، ربيعها، قمح، سعيدة، السرور، روح، لخلائق" وكلها صفات متعلقة بالربة الكنعانية "عشتار".
وإذا ما توقفنا عند إقران فلسطين بعشتار في القصيدة نجد أن الشاعر ـ في العقل الباطن ـ يتجه إلى التاريخ، التراث، إلى الماضي ليتحرر من قتامة الحاضر وثقله، ولكي يؤكد تواصله وارتباطه بالمكان، فلسطين.
استخدام الشاعر لصيغة المنادى "أماه" تحمل شيء من الألم في داخله، لأن حرف "ه" يعطي اشارة إلى الألم، ونجد هذا الألم من خلال كلمة "عائد، وشهيد" التي تعطي مدلول إلى أن هناك شيء غير محبب حدث، فكان لا بد من العودة، ومع هذا يتجاوز الشاعر هذا الأمر، ويقدمنا من عالم الأم التي تريدها أن تكون سعيدة وهانئة:
"أماه : إني عائد في ريش قبّرةٍ
على إيقاعها يحلو النشيدْ 
مع كل أنّة زنبقةْ 
أو رقصة للسهلِ 
أو زغرودة ٍ
أدّت طقوس زفافها الورديّ سراً 
عند أهداب الشهيدْ "
الألفاظ البياض حاضرة في هذا المقطع من خلال "ريش، قبرة، إيقاعها، يحلو، النشيد، زنبقة، رقصة، للسهل، زغرودة، زفافها، الوردي، أهداب" لكن فكرة البياض هنا لم تكن بصفاء الفاتحة، بل جاء فيها بعض الخطوط الرمادية "عائد، شهيد"، لكن الطابع العام للمقطع يبقى أبيض.
والملفت للنظر أن الشاعر استخدم في بداية المقطع كلمة "عائد" وهي تنسجم تماما مع حالة "عشتار" التي تأتي ـ بعد عودتها ـ بالخير، وهو يقرن حضورها بالخصب المادي والروحي، المادي والجمالي، وأيضا نجد حضور "عشتار" من خلال الرقص والنشيد والزفاف وكلها أفعال أقامها الكنعاني احتفاءً بقدومها.
يبدأ الشاعر بالتقدم أكثر من الواقع من خلال :
"أماه ثار الأوفياء ..فأرضعينا ثورةً 
نسقي الروابي من تعابير الفداء
ولن نكون 
حتى يكون العزّ مزهوّ البنود " 
لهذا نجده يستخدم ألفاظ وأفكار تحمل شيء من القسوة "ثورة، ولن نكون" بعد هذا المقطع نجد عالم آخر في القصيدة، عالم الصراع والإرادة:
"ولتأت يا وجه الزمان على جراح المرحلة 
إنا على شوق لهاتيك الحدود 
إنا لنعشق فيك مسرانا وقبتنا وأنفسنا
وأنغام القصيدْ 
إنا لنحفر ذاتنا في صخرك الفتّانِ 
يا أم الكرامةِ أم تموز الجديدْ 
وندقّ جرح الكبرياء بعيدك الجبار يا
معنى الوجود "
فنجد "جراح، لنحفر، صخرك، الجبار" وكلها الفاظ قاسية، لكن في المقابل هناك فضاء رحب من خلال "وجه، شوق، مسرانا، وقبلتنا، وأنغام، القصيد، أم، الكرامة، الجديد، الكبرياء، بعيدك" فحجم البياض في القصيدة يتفوق على السواد، لهذا نقول أن القصيدة بيضاء، والمهم في هذا البياض أنه لم يأتي بسهولة، بل جاء بعد صراع وألم، وكأن الشاعر من خلال هذه القسوة يريدنا أن نشعر بأن البياض لم يأتي بسهولة، بل بعد تعب وألم، لهذا علينا المحافظة عليه.
والجميل أن الشاعر في قصيدته جمع بين "عشتار" "أم تموز" الكنعانية وفلسطين الإسلامية "قبلتنا، مسرانا، صخرك" لكن لماذا جعل الشاعر من عشتار أخت تموز وليس بحبيبها/زوجها كما جاءت به الأسطورة؟، اعتقد بأنه أرادنا أن نأخذ الجانب الاخلاقي، وليس المادي، فعلاقة الأخوة تبقى بعيدة عن العلاقة الجسدية التي تشير ـ بطريقة ما ـ إلى شيء من القسوة، واعتقد أن هذا التغريب للأسطورة يجعل القارئ يقف متفكرا فيما يقدم له، وهذه الدعوة للتفكير، تجعل القارئ/المتلقي يتوقف عند الأفكار أكثر مما ينفعل بها.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 160 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

وجه نظر السوفييت 
"الأدب وقضايا العصر" 
من المهم أن نلتجأ إلى النظريات الأدبي لكي نطور مفاهيمنا النقدية، ولكي نتأكد أن هناك تغيير وتطوير مستمر لهذه النظريات، وهذا التطوير يتماثل مع العصر ويواكبه، الجميل في هذا الكتاب أنه يمثل أكثر من وجهة نظر، فهو مجموعة عن مقالات لكتاب ونقاد سوفييت كلا يتحدث برأيه عن الواقعية، وبعضهم حاول أن يقارنها بالمدارس الأخرى، مبينا أهمية أن يكون الأدب خدمة الجماهير.
اجتهدت فخترت بعض المقاطع المهمة والتي يمكن أن نأخذها بها لتطويرها، كما علينا أن نأخذها بشكلها نسبيا ـ حسب الزمن والمكان ـ لكنها تبقى فكرة علينا التوقف عندها مثل هذه الفقرة: "اسلوب الواقعية يمكن الفنان من إدراك النزعة قبل أن تصبح ظاهرة، والعبير عن موقفه من هذه النزعة، وهكذا فإن الفنان الواقعي لا يستطيع أن يغلق عينيه عن أي مظهر للحياة، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لان هذا سيناقض التصوير الحقيقي للواقعية" ص9.
ومن الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها الواقعية: "أن الواقعية مهددة لا بالنقل لحرفي السطحي فقط، بل وبتغليب العام، الذي قد ينحط إلى درك التجريد، والكليشه" ص35.
هناك تقديم للطريقة التي يجب أن تتبع لرسم شخصيات الرواية/القصة: " ... إن جاباييف ليس مجرد رجل شجاع، فهو ينمو أمام عني المشاهد، أنهه ينمو خلال الصراع، خلال التصادمات، فالمؤلف يكشف عن شخصية بطله في تطور الحركة" ص16.
ويضيف أيضا: "إن الكاتب لا يستطيع أن يقول إطلاقا: (سأكتب عن سانكا أو ماتيا) أبدا، ان عليه أن يتحسس حياتهما كما لو كانتا حياته الخاصة، يجب أن يتحول نفسه تماما إلى هاتين الشخصيتين" ص83.
ويتحدث عن الإرادة التي يجب أن يمتلكها الكاتب الأدبي: " ... إن من يكتب، بحاجة إلى شجاعة أكبر من ذلك الذي يدخل في صراع مع خصم جبار على حلبة من الجليد الصناعي" ص19.
وعن الموهبة وضرورة تطويرها: "فالموهبة تنال من خلال بذل جهد هائل، ومن خلال رفض أبي وثابت لكل المباهج الدنيوية، والكاتب بتكريسه نفسه للفن، يتقبل، بشكل ما، موته الخاص" ص20.
وعن حالة الازدواجية التي تفرض على كل إنسان يقول: "إن تقسيم الوجود إلى قسمين، واحد رفيع مكرس للفن والآخر متعدل مكرس للحياة الدنيوية، يؤدي إلى استنتاج المثير للكأبة والقائل بأن الفن شكل لازدواجية الفرد، ولقد قال شخص ما ذات يوم أن الناس لو كانوا أقل ازدواجية بقليل، لكتبوا شعرا أقل، .. وازدواجية الكاتب تصنع، بالضبع، ازدواجية القارئ" ص20و21.
وهناك نصائح تتعلق بضرورة أن يكون الكاتب نفسه، ليس بمقلد أو مشابه لكتاب آخرين: "والفنان الذي يعتزم أن يكتب مسرحية أفضل مما كتب شكسبير، لن يكتبها أبدا، فباعتزامه القيام بهذا يكون قد دخل تنافسا، وما أن يتنافس، حتى تغشى عقله العتمة" ص21.
ويحدثنا عن ضرورة الخيال في العمل الأدبي: "...أنني بالطبع، أعرف الكثير من الحقائق عن الحياة الروسية بين عامي 191001919، لكني فقط بالتهويم في عوالم الخيال استطعت ابتداع اناس لم يسبق أن قابلتهم قط، أناس لم أرهم في حياتي مطلقا، ولكنهم كانوا بالتأكيد يبدون لي كما لو أنهم قد عاشوا ذات مرة" ص86.
أما فيما يتعلق بحالة الكتابة فأنه يلخصها لنا بهذا الشكل: "فالشيء الوحيد الذي يستطيع كاتب أن يفعله هو أن يصغي إلى الحياة، أن ينحني فوقها باهتمام، أن يراقبها، أن يسجلها" ص21.
وعن أهمية دور الأدب في المجتمع والأفراد يقول: "ليس هناك من شيء يمكنه باستمرار تذكير الإنسان بالكرامة الإنسانية أفضل من الأدب، ولكنه، لكي يفهم هذه الرسالة السامية، ينبغي أولا وقبل كل شيء أن يتذكر ما يتعلق بكرامته الخاصة" ص110. 
ويخلص لنا دور الكاتب بهذا الأمر: "والفنان الحقيقي يرى أن تكون مهمته الأهم هي أن يجسد في كلمات على نحو حيوي وحدة كاملة من الفكر والصور وأن يمارس تأثيراً فعلاً حياً في أولئك الذين هم على اتصال بعمله الأدبي أو الفني. وهنا فالقضية ليست قضية الوظائف المختلفة لظواهر الأدب بمقدار ما هي قضية توجيه للقارئ" ص38و39.
لكن ما هو الهدف من الواقعية، واقعية الأدب؟: "أن أدبا لا يأخذ بنظر الاعتبار السلوك الأخلاقي وإلى زيادة درجة حساسية الروح هو شيء لا يمكن تصوره" ص47.
أما الرمز فيفضل أن يكون بهذا الشكل من وجه نظر السوفييت: "إذ يجب أن يكون للرمز والشيء المرموز له شكل ما منطقي مشترك" ص25.
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة والأعلام، الجمهورية العراقية، سنة الطباعة 1981، سلسلة الكتب المترجمة 109

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 82 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

الحروف في قصيدة
"البيان قبل الأخير"
سميح القاسم
من الجميل أن يتم تناول قصائد الآباء العظماء الذي قدموا ويقدموا الكثير لنا، والأجمل أن نحاول أن نقدمهم بشكل جديد، سأحاول في هذه المداخلة أن أبين الألم الذي يحمله الشاعر في قصيدته، وأيضا أثر الحروف عليه، كلنا يعلم أن حرف "الهاء والتاء المربوطة" يعطي فكرة الألم، لأنهما يخرجان بصورة قريبة من لفظ "أه"، فنجد في القصيدة أكثر من خمس وثلاثين كلمة تنتهي "بالتاء المربوطة" "وهي : "العشرة، المبعثرة، مجزرة، المبعثرة، دبابة، مجنزرة، غيمة، غيمة، شجرة، قاذفة، مدمرة، المدبرة، المظفرة، فراشة، مزهرية، المكسرة، المفكرة، مكررة، مزورة، الضغينة، الحزينة، القرية، المدينة، الأهزوجة، الشعبية، القضية، العتمة، الكآبة، السحابة، الشرارة، الحجارة، المحررة" وهذا ما يشير إلى حالة القهر الذي يحمله الشاعر رغم النبرة العالية التي جاءت في القصيدة، فهذا الكم من التاءات لم يأتي من فراغ، بل هو يشير إلى أن الشاعر متألم ومتوجع، لهذا جاء هذا الكم الكبير من استخدام التاء، وإذا ما عرفنا أن هناك كلمات مكررة، كما هو الحال في "عشرة، مجزرة، مزورة" يتأكد لنا أن هناك حال من الألم تلازم الشاعر وتنعكس في هذه القصيدة.
ونجده أيضا يركز على واو الجماعة في القصيدة، وكأنه من خلالها يستنجد بنا نحن المخاطبين بالقصيدة، "تعدوا، انطلقوا، تدفقوا، تدفقوا، تزوجوا، أنجبوا، حاولوا، عللوا، قاتلوا، قتلوا، عدوا، خذوا، دبجوا، سمعوا، هدموا، اطلقوا، تعدوا، تسألوا، تقبلوا، تعبأوا، اقتحموا، التحموا، أخطئوا، اتهموا" ورغم أن هذه الأفعال جاءت لنا نحن الفلسطينيين وللمحتلين، إلا أنها تمثل طلب العون والنجدة من الشاعر ـ بطريقة غير مباشرة ـ فهو عندما خاطبنا بلغة الجمع وخاطب المحتل بعين اللغة أرادنا أن نكون جميعا معه في وجه المحتلين الذين يعيثون فساد في الأرض، ويوقعون به وبشعبه أشد أنواع التنكيل. 
وهناك استخدام مكثف لحرفي "الشين والسين" وهما يشيران إلى حالة الصراع والاضطراب التي يمر بها الشاعر، والملاحظ أن هناك تقنين في استخدام هاذين الحرفين في بداية القصيدة، لكنه في منتصفها يستخدم الحرفين بصورة ملفتة للنظر، "الورشات، للشوارع، النسكة، السياج، الشرائع، الأشياء، الأسماء" وهو هنا في ذروة الصراع لأنه قدم مقاطع سريعة ومربوطة بواو العطف، ولتبيان هذا الأمر نقدم المقاطع كما جاءت في القصيدة:
"
إذَنْ، فَلْيَخْرُجِ الْقَتْلَى إِلَى الشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ.. لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَقْلاَمُ وَالدَّفَاتِرُ الْبَيْضَاءُ
وَالأَصَابِعْوَلْتَخْرُجِ الْمَكَاحِلْ
وَخُصَلُ النَّعْنَاعِ وَالْجَدَائِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَفْكَارُ وَالأَشْعَارُ وَالآرَاءُ
وَالْفَصَائِلْ
وَلْيَخْرُجِ الْمُنَظِّرُ الْمُبَشِّرُ الْمُقَاتِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَحْلاَمُ مِنْ كَابُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الأَلْفَاظُ مِنْ قَامُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الْبُيُوتُ وَالْوَرْشَاتُ والْمَزَارعْ
وَلْتَخْرُجِ الْمِحْنَةُ وَاللَّعْنَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ النَّكْبَةُ وَالنَّكْسَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الدَّجَاجُ وَالسِّيَاجُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الْبُطُونُ وَالأَفْخَاذُ وَالأَحْلاَفُ
وَالأَحْزَابْ
وَلْتَخْرُجِ الأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَشْيَاءُ وَالأَسْمَاءُ وَالأَلْقَابْ

قد يبدوا أن هذا الشاهد بحاجة إلى ما يدعمه، وهذا ما كان من الشاعر عندما استخدم الألوان بطريقة استثنائية:
"
وَلْيَخْرُجِ الْحُبُّ عَلَى أَجْنِحَةِ الضَّغِينَهْ
أَبْيَضَ فِي أَزِقَّةِ الْمُخَيَّمْ
أَسْوَدَ فِي كُوفِيَّةِ الْمُلَثَّمْ
أَخْضَرَ فِي حَارَاتِنَا الْحَزِينَهْ
أَحْمَرَ فِي انْتِفَاضَةِ الْقَرْيَةِ
وَالْمَدِينَهْ
نلاحظ لفظ الحب يتبعه الضغينة، واللون الأبيض مقرن بأزقة المخيم، والأسود بكوفية الملثم، والأخضر بحارتنا الحزينة، والأحمر بانتفاضة القرية والمدينة، لكل هذا يشير إلى حالة الاضطراب والتوتر التي يمر بها الشاعر، فهو يقرن ويجمع المتناقضات معا، وكأنه من خلالها يقول لنا أن ثقل الواقع عليه جعله بهذا الوضع المؤلم وغير العادي.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 102 مشاهدة
نشرت فى 16 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

الرفض في قصيدة
"قد طاف"
سامح أبو هنود
الرفض يأخذ أكثر من شكل، فمثلا يمكن ان تكون صيغة فعل الماضي التي نستخدمها، تشير إلى أننا ـ في العقل الباطن ـ نريد أن ننهي وجود وأثر هذا الشخص/الحدث/الفعل/الأمر بشكل مطلق، فلم نعد نتحمل وجوده، لهذا نتحدث عنه بصيغة الماضي وكأنه قد انتهى تماما من حياتنا، هذا ما افتتح به الشاعر "سامح أبو هنود" قصيدته: 
" قد طاف في طول البلاد وعرضها
..............وأشاع شراً في الورى وضلالا" 
فعل "طاف" ماضي، كما أن التفاصيل اللاحقة تشير إلى أن هذا الشخص أخذ حقه من الحياة من خلال: "طول البلاد وعرضها" هذا على مستوى المفهوم العام، فما بالنا عندما يكون هذا الطواف يحمل بين ثناياه الشر والاذية والخراب والموت للوطن والمواطن وللشعب وللأمة؟.
يستمر الشاعر في استخدام فعل الماضي من خلال "أشاع" فهو يريد "ولي العهد" أن ينهي عهد "ولي العهد" والأثر السيء والسلبي الذي أحدثه، والمتمثل في "الشر والظلال".
يكمل الشاعر الأفعال السيئة التي يقوم بها "ولي العهد" من خلال:
"وأتى الى "الظهران" يلبس زيفَهُ
................ .ورمى العباءَةَ خلفهُ واختالا " 
نجد فعل الماضي "أتى، ورمى" وهما يشيران أيضا إلى أن هناك ميل عند الشاعر لينهي وجود "ولي العهد" ويتخلص منه، لهذا أقرنه بحالة "الزيف، ومختالا" فهو يقدمه لنا بصورة قذرة لنشاركه في موقفه من هذا الشخص السيء المحدث للشر وللخراب.
يستوقفنا الشاعر من خلال استخدامه صيغة فعل المضارع في البيت الثالث، الذي يقوم فيه: 
"يُبدي الهوان أمام سيده الذي 
................... أضفى عليه مهابةً وجلالا "
فهو جعل الفعل "يبدي" متعلق بسيد "ولي العهد" مرتبط به، لأنه ما زال "يبدي الهوان أمام سيده" فالشاعر يريدنا أن نشعر باستمرار الأذية التي يقوم بها "ولي العهد" بنفسه وبنا، وعندما استخدم فعل "يبدي وأضفى" قصد به "السيد" فالسيد فعليا هو يهابه ويتملق له "ولي العهد" وله مكانته وهيبته. لهذا استخدمت صيغة المضارع. 
يقدمنا الشاعر أكثر من حقيقة "ولي العهد" من خلال قوله:
"أما هنا فأتى ليسرج خيلَهُ 
..................للقدسِ واستل َّالخداعَ نِصالا " 
نجد فعل المضارع أخذ يحل مكان الفعل الماضي، فقد أوصل لنا الشاعر فكرته عن "ولي العهد" ورفضه من خلال البيتين السابقين، كما أنه يريدنا أن نعلم ونعرف أن الأفعال الشريرة التي يقدم عليها "ولي العهد" ما زالت مستمرة ومؤثرة وفاعله من خلال صيغة المضارع.
الصيغة الثالثة التي يستخدمها الشاعر كانت فعل الأمر، وهل يعقد أن يأمر شاعر "ولي الأمر" ؟، اعتقد بأن مثل هذا الولي يؤمر ولا يأمر، لأنه:
"نم يا "ولي العهد" ربك قد عفا
.................... جنس النساء مشقةً وقتالا" 
بهذا الخطاب يكون الشاعر قد قدم لنا حقيقة "ولي العهد"، لكن هناك مسـألة مهمة في هذا البيت والذي يليه، وهو أن هناك استحضار للرب الذي يستخدمه "ولي العهد" وزلمه لتحقيق وتبرير ما يقومون به من شرور، ففي هذا البيت نجد صيغة السخرية والتحقير معا، لكن في البيت الأخير نجد صيغة اليقين والإيمان:
"فالله قيّض حين أنشأ أرضها 
.............. للذود عن أرض الرباط رجالا" 
فالشاعر ينهي قصيدته بفكرة اليقين التي تعتمد على الإيمان وبحتمة الخلاص من أمثال "ولي العهد".

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 16 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

الشاعر المتيم
عبد الكريم موس سويلم
التمتع بعذاب الحب حالة حاضرة عند العديد من الشعراء، قديما وحديثا، وليس هناك أدل من "قيس بن الملوح" الذي هام في "ليلى" حتى اصبح عذابه حالة طبيعة بالنسبة له، فلا يستطيع أن يكون، أن يعيش بدون هذا العذاب، فهل الدافع لبقاء هذا العذاب واستمراره هو الحب؟ أم أن الشاعر يجد ذاته ـ كشاعر ـ في هذا العذاب الذي يفجر الشعر فيه؟، وهل هذا العذاب حالة طبيعية ام أنه حالة متعلقة بالشعراء (المجانين)؟.
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال القصيدة، يفتتح لنا الشاعر قصيدته بهذه الأبيات التي تؤكد حالة الألم الذي يمر به:
"أيا رهمُ ما للقلبِ باتَ مولّعا :: وجفني بحرِّ الدمعِ صارَ مصدّعا 
تعبت صراخا والعيون بها دم :: يسيل على الخدين حتى تطبّعا 
وكنت انا والحب والليل ثالث :: والحزن من وقع الصدود تربعا" 
لنتوقف عند الالفاظ المستخدمة وهي "مولعا، الدمع، مصدعا، تعبت، صراخا، دم، يسيل، تطبعا، الحزن، وقع" كلها الفاظ مؤلمة وحزينة، فشاعر وجد في عذاب الحب ما يستطيع أن يفجر ما فيه من شاعرية، لهذا كتب ثلاثة ابيات كاملة تتحدث عن الألم والعذاب، فهو في العقل الباطن يريد/يبحث عن حدث/فعل/شيء يستطيع من خلاله ان يجد ذاته كشاعر، فكان الحب، ـ وهو ظاهرة إنسانية نبيلة ـ الوسيلة المناسبة والملائمة التي بها سيجد/يطور/يظهر "عبد الكريم سويلم" كشاعر.
يستحضر الشاعر رفاقه ـ وهم له ناصحون ـ ليحدثهم، ويحدثوه عن أزمته وضرورة أن يتخلص منها:
"يسألني صحبي اذا رمت مجلسا :: نرى القلب مسلوبا وعقلك ضائعا 
فأغضي عن الجرح والهمّ واقع :: والبس وجه الغير وجها مقنّعا 
فيا ليتهم يدرون قلبي وما به :: لكان الذي في العذل يهوى التواضعا"
بهذه الابيات يحسم لنا الشاعر مسالة اختياره "لعذاب لحب" فقد اصبح هو العذاب متوحدا معا، بحيث يستطيع من خلال هذا الحب أن يجد في داخله شاعر آخر، شاعر يتجاوز العادي غلى ما هو متألق، فكان الحب هو الوسيلة لهذه الغاية. 
والتأكيد الثاني على ما ذهبنا إليه أنفاً هذين البيتين:
"رحلت فلا صبرٌ يعود على الفتى :: وما كان دمعي في فراقك نافعا 
عزمتُ فؤادي ان ابوح بسرّهِ :: ولكن من خوف الصدود تمنّعا"
يتحدث الشاعر عن نفسه وكأنه شخص آخر "رحلت فلا صبرٌ يعود على الفتى" وهذا ما يؤكد على أن لعبة (الم/عذاب الحب) وسيلة الشاعر الوحيدة ليظهر ما فيه من شاعرية، لهذا نجد بداية البيتين "رحلت، عزمت) وهما فعلين متناقضين، الرد الطبيعي على فعل "رحلت" هو فعل "الوداع" لكن الشاعر يرد عليه ب "عزمت" والتي تفيد الاستمرار بتحمل مزيد من العذاب والألم، أليس كل هذا دليل على أن الشاعر يتمتع بهذا العذاب، فهو وجد ذاته كشاعر في هذا العذاب، فأراد أن يستمر فيه كشاعر وليس كحالة حقيقية.
يتماهي الشاعر مع عذابه أكثر فيقول:
"فلستُ أرى في الناس مثلك سارقا :: أخذتِ فؤادي ثم راح مودّعا"
فعل السرقة لا يتناسب مع فعل الوداع، لكن الشاعر يتوغل أكثر في حالة العذاب، فمن خلالها يستمر في تألقه كشاعر وكمحب ـ وهما صفتان حميدتان ـ وهو هنا يمارس شيء من الخداع، فلو كان على يقين بان فعل السرقة حدث معه، وأن تلك الحبية سرقت قلبه، ، وأنه خسر شيء عزيز ومهم بالتأكيد سيرد عليه بعنف يماثل فعل العنف الذي قامت به الحبية، لكنه في حقيقة الأمر يقف بالحياد، متفرج على ما يحصل، وكأنه هناك شخص آخر حدثت معه سرقة القلب، لأنه يريد الشاعر، ولا يريد الشخص "عبد الكريم سويلم" العادي.
يبدا الشاعر في كشف حقيقة علاقته بالحبية، فلم تعد لعبة العذاب مخفية كما كانت في فاتحة القصيدة، وظهرت لنا على حقيقتها، يقول:
"ومذ قلتِ انّا منك في القلب حاجة :: ركبت المنى حتى عن اللهو اقلعا 
وكيف أزيل الحبّ بعد تعلق :: فكيف يزول الوشم عمن ترصّعا 
فما كان حظي منكِ في العيشِ وافرا :: ولا كان جهدي منك للحبّ صانعا"
نجد هدوء في هذه الابيات على النقيض من سابقاتها، فكافة الألفاظ المستخدمة جاءت أفاظ عادية، لا تحمل أي قسوة أو ألم، على النقيض مما سبقتها، والتي جاءت حامية ومشتعلة وكأن الشاعر في حالة حرب.
يختم لنا الشاعر قصيدته بهذا الأبيات فيقول :
"عشقتكِ في عامين قلبا و خاطرا :: أ في لحظة يلق الفؤاد المواجعا؟ 
ولم اك يوما في الهيام معلما :: ولكن نبضي بالهيام تسارعا 
فلست اجازى ان اكون بمثله :: ولست اجازى ان اكون مبايعا 
فبعتك نفسي دون ربح وانني ::غدوت بعرف العشق للنفس بائعا"
خاتمة واضحة وضوح الشمس، لقد اكتملت قصيدة الشاعر، ولم يعد بحاجة إلى مزيد من العذاب أو الألم، لهذا وجدناه يستخدم آخر لفظ فيه ألم "المواجعا"، ويحرر الشاعر من تحمل "عذاب الحب" ويأخذ يحدثنا بطريقة عادية وكأنه الاحداث لا تعنيه، فقد اكملت القصيدة، وكانت متألقة بالمشاعر الحميمة التي جاءت فيها، ولا يريد أكثر من ذلك.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 108 مشاهدة
نشرت فى 6 مارس 2018 بواسطة magaltastar

العناصر الروائية في مجموعة
"أبعاد"
خليل إبراهيم حسونة
هذا العمل الثاني الذي أقرأه "لخليل إبراهيم حسونة" فاللغة المستخدمة كافية لوحدها لتشدني للمجموعة، حيث أن الكاتب يستطيع أن يمتعنا من خلال اللغة، ومن خلال الأسلوب الذي يستخدمه، وبما أن المرأة كانت حاضرة في غالبية قصص المجموعة أعطا القارئ دفعه اضافية ليتقدم أكثر منها، وإذا ما أضفنا إلى ما سبق الهم الوطني الفلسطيني، إن كان من خلال حضور المخيم بسكانه إن كانوا صغارا أم كبارا، أم من خلال حديثه عن فلسطين كما جاء في قصة "الممر" التي يتحدث فيها عن معناة الفلسطيني العائد لوطنه والطريقة التي يعامل بها على الجسر، وعدم تمديد فترة تصريحه، وإذا ما توقفنا عند هذه العبارة: "لم يسمحوا له بتجديد إقامته في وطنه" ص35، لوحدها كافية لمعرفة واقع الفلسطيني والحرمان الذي يعاني منه، فإذا كان سيجدد إقامته في وطنه فما باله في الأماكن الأخرى!!، إذن هو في وطنه يعتبر غريب، وهذه القصة رغم أنها كانت قاسة في فكرتها إلا أن القاص قدم فيها بعض المشاهد التي تخفف من قسوة الأحداث كما جاء في هذا المشهد: "بدأت السيارة تنهب الأرض بجنون.. كل يلذ له أن ينظر من الشباك...الطريق متعرج يضع على جانبيه بساتين الزيتون و "بيارات" البرتقال. وأطفال الصهاينة يقطفون فرحا كان لنا.. من هنا وهناك" ص32، الإشارة التي جاءت في نهاية المشهد تعطي فكرة واضحة على أن هذه الأرض/الخير/الفرح لنا وليس للمحتل، ومن ثمة علينا العمل على أخذ حقنا المغتصب.
كما نجد اللغة المستخدمة استثنائية، والتي تخففت من وطأة الأفكار والأحداث الصعبة التي يطرحها القاص كما جاء في بداية القصة: "أرضية الجسر مصابة بذهول أزلي.. هي ضيقة حتى الاختناق، رمال ركعت لتصلي فركعت فوقها امرأة مقطوعة من جذع حلمها "المجدلي" ورموش "عكية" تبتهل بعينين مقلوعتين حيث يصبح القهر اليومي قضية وطن" ص27، من هنا نقول أننا أمام مجموعة استثنائية ليس بسبب الأفكار التي تحملها فحسب بل لأن اللغة الجميلة المستخدمة فيها، وبسبب الصور الأدبية التي ينثرها القاص بين ثنايا الأحداث.
في قصة "التراب" نجد القاص حاضر بعقله الباطن أكثر من عقله الواعي، فهو يكرر لفظ "التراب" ومشتقاته بشكل ملفت، فيبدأ القصة بهذا المشهد: " عندما تتمدد ذاكرتك عبر شواطئ النسيان وحده التراب يظل عالقا بها، تتغير ملامحك، تتبدل كلماتك.. أناس يجيئون...آخرون يذهبون ..أشياء تتزاحم، وأمور كثيرة تنطلق من عقالها، تستقر الأمنيات عبر جذوع النوى... وتدخل رائحة التراب كل شيء" ص15، إذا ما توقفنا عن عبارة " تتغير ملامحك، تتبدل كلماتك" والتي تشير إلى مرور الزمن وتغير المكان، ومع هذا يبقى التراب/الوطن حاضرا في الوجدان، وهذه الأسلوب يكاد أن يكون أقرب إلى أسلوب الشعراء من كتاب القصة أو الرواية، فالقاص يتعمد أن لا يحدثنا عن مشاعره بشكل مباشر وبالصوت العالي، وكأنه يقول من خلال هذه الاشارة إلى أنه يخجل/يضطرب/يتألم من الخوض في التفاصيل المتعلقة بالوطن والغربة، لهذا أوجد هذا الشكل الأنسب له وللمتلقين، ويقول في موضع أخر: "تتلصص مع الليل عبر ذاتك. يطحنك النوى. برد همجي يلبس ثوب وجلك، يلسع عظامك وأطرافك. وفجأة تحتضنك رائحة عطرية نفاذة...تراب أرضك... تحس بدفء أنفاسك... تتحسسها تحتويك قسماتها... فترسها علامات على الصدر، وفي القلب" ص23، فهنا جعل القاص رائحة التراب هي التي تخلصنا من ألم البرد، وتحول الشدة إلى متعة، فالتراب ليس شيء جامد بل حي وله مفعول وأثره فينا حاضرا.
المرأة كانت حاضرة وفاعلة في المجموعة، ففي قصة "الحاجز" كانت "زينب" هي الشخصية الأهم في القصية، وتتمحور حولها الأحداث، يقول عنها الراوي: "وزينب ليست من النوع الذي يذهب عندما يغلق الباب... إنها ضحت وتضحي... والتضحية قاسية مهما كانت نبيلة" ص185، "فزينب" كانت أقوى من الأحداث وأقوى من رجلها، لأنه انزلق في وحل الحياة، بينما هي وقفت في وجه الاعصار وصمدت. ويخلص لنا القاص حالة "زينب" الصامدة في معترك الحياة فتقول لرجلها: "دعني أبكي فقط هذه المرة من أجلك، لأنك نسيت، ولم تتعلم من الماضي... ضاعت تجربتك بين التبغ الرخيص والفاخر... بين الحب الحقيقي والبغاء" ص183، وكأنها بهذا المشهد تقول نحن النساء أقوى وأنقى من الرجال، الذين سرعان ما ينزلقون عند أول منحنى يواجهون. 
من الأفكار الرائعة التي يقدمها القاص فكرة الصراع الداخلي، إن كان عند زينب أم عند رجلها، يقدم لنا القاص هذه الصراع من خلال هذا المشهد: "الوهج الروحي يمطر أحيانا من خلال النكسات، وتنكسر النفس.. لكن المطر ينزل، وأمواج البحر تقع. وحده ماء البحر قادر على غسلك من الخطايا" ص181، وإذا ما توقفنا عند فعل "غسلك" والذي يعطي هنا مدلولا للظهارة الجسدية والروحية معا، يتأكد لنا قدرة القاص على استخدام أدوات غير مباشرة في التعبير عنما يريده من أفكار، تخدم أحداث القصة وأيضا تمتع القارئ.
إذن هناك طابع خاص لهذه المجموعة يتمثل في اللغة الشعرية التي تحلق بنا عاليا، وتقدم لنا متعة توازي القسوة الحاضرة في الأحداث وعند الشخصيات، كما أننا نجد هم الفلسطيني إن كان في المخيم، أو في المعتقل العربي الرسمي، أم في معتقل الاحتلال كما جاء في قصة "مرايا" التي تتحدث عن معتقل انصار الذي اقامه الاحتلال في جنوب لبنان، ونجد المرأة بصورتها البهية والناعمة، وأخيرا هناك الرمز الذي يمكننا أن نسقطه على الواقع الرسمي العربي، أو على واقع الفلسطيني وهمومه الشخصية أم الوطنية.
المرأة
سنحاول أن نتناول المجموعة كوحدة واحدة، وليس كمجموعة قصصية، وسنبدأ بالمرأة التي خففت من وطأة المشاهد والأحداث الصعبة، والتي منحت شخصيات المجموعة طاقة ليواصلوا عملهم في معترك الحياة، فهي العطر الذي نشتم طيبته فيريحنا من نتانة الواقع، وهي السماء التي تعطينا آفاقا لكي نبقى نحلم بما هو أبعد، لهذا المرأة شيء استثنائي بالنسبة للرجل، والرجل أيضا يعد شيء استثنائي بالنسبة للمرأة.
أن تتقدم المرأة على الطبيعة وتتجاوزها، خاصة عند السجين هو حدث يوكد على المكانة التي تأخذنا عند الرجل، فهي أهم وأكثر ضرورة له من الفضاء، نجد هذا المشهد في قصة "العاشق" : "كانت المرة الأولى التي أعود فيها إلى بيتي منذ خمس سنوات، في الليل لم أحلم بالسماء، وإنما حلمت بها، ان كفي بكفها ونحن في رحلة طويلة" ص7، هذا المشهد كان فاتحة القصة، وهو يشير إلى المكانة الرفيعة التي أعطاها القاص للمرأة، فأن تكون بهذا المكان، وأن تأتي في فاتحة القصة ليس بالأمر العادي، وأن تكون أول قصة في المجموعة تفتتح بحضورها، كلها اشارات تؤكد على أن المرأة عنصر لا يمكن للرجل أن يكون/يفعل/يتألق بدونها.
لكن لماذا كل هذا الاهتمام بالمرأة؟، أليست الطبيعة تمنحنا ما تمنحه المرأة؟ أم أن لكلا منهما خصائص معينة"، يجيبنا القاص فيقول: "لقد خسرت بابتعادي عنها كل شيء، كل وسائل الدفء والراحة متوفرة في وجودها. 
وهل العيون الجميلة إلا جنة وارفة الظلال، لماذا أفكر فيها دائما، تبدو دوما وكأنها المكان المناسب... وعندما فتحت السماء زرقتها كان وجهها يملأ أفقي" ص10، إذن المرأة هي ن تمنح الدفء، وهذا الدفء ليس العلاقة الجسدية فحسب، بل العاطفية الروحية، فهو عندما تغزل بعيونها تجاوز الجسد إلى الجمال، وعندما ربط السماء بوجهها أراد أن يقرن الطبيعة بها، وأن يؤكد بأن السماء/الأفق/الحرية بدونها تكون ناقصة ومبتورة.
لكن من الضروري أن يقدمنا القاص أكثر من فكرته تجاه المرأة، فهناك ما يضاف، "سكبت عصير قلبها من أجلي، كم أراحتني على صدرها" ص12، المقطع الأولى عاطفي، روحي، والثاني اعطانا شكل هذا العطاء الروحي والعاطفي.
ونجدها في قصة "أبعاد" من خلال الحوار الذي يجري : 
"ـ أنت حبي الوحيد كيانك عندي وكياني معك.
ـ أنت التي أحب يا كوثري، وأنت التي أعبدها، فوحدك تعرفين أن مشاجبي امتلأت بياقات كثيرة، وفساتين موجية، وأوسمة ملونة، ومع هذا لونك وحده الذي اخترقني حتى الصميم" ص46، إذا ما توقفنا عند هذا الحوار، سنجد بدايته جاءت من المرأة، وهذا التقديم يعد احتراما لها، وإثارها على نفسه، وسنجد رد القاص يأتي بطرية غير مألوفة، فهو يستخدم لفظ "فساتين، اخترقني" وهما متعلقان بالمرأة وليس بالرجل؟، اعتقد أن القاص تعمد أن يخاطب المرأة بلغة قريبة منها، وبأشيائها الخاصة، ليكون حديثه/أفكاره متوافقة مع الأدوات التي تستخدمها، وهذا ما يجعل القاص يتماهي أكثر معها. 
ونجدها حاضرة في وجدان القاص في قصة "المرايا" التي تتحدث عن معتقل أنصار وما تعرض له من تعذيب جسدي ونفسي ومع هذا كان حضورها حيوي وضروري: "... رغم هذا عبر كل الأشياء أراك.. تظل تحتلني.. تخترقني عيناها كغابتي نخيل ساعة السحر... مثل موجات البحر تأتي فجأة وبلا مقدمات" ص117، استحضار قصيدة "انشودة المطر" للسياب يعطي المرأة أهمية أخرى تضاف إليها، فهي من أوجد عنصر آخير للراحة والسكونة للقاص، لأن القراءة/الكتابة عنصر من عناصر تخفيف الألم والضغط، وهي من قدم القاص من هذا العنصر المهدئ.
القاص يجمع بين الطبيعة والمرأة، يقدمهما لنا كعنصر واحد يقول في قصة "المرآب": " عصرت شفتيها في حديقة من الكرز الأحمر،.. برقت شقائق النعمان في وجنتيها عن ابتسامة تختال بين الفؤاد وضوء القمر، تنظر في عينيها تعبق عيناك بطهر الماء المتدفق، تبتعد عنك قائمة التعب العلني وألاعلني، يقتلك الاشتهاء، وتصمم على البقاء معها ربما إلى الأبد" ص119، قلنا في السابق أن القاص جمع بين المرأة والقراءة، وهما عنصران يمنحان الرحة والسكينة، وها هو يضيف العنصر الثالث، الطبيعة، لكن الطريقة التي تناول بها القاص عناصر التخفيف كانت المرأة هي الباعث والخالق لها، فبدونها لا يمكن للقراءة، للطبيعة أن تؤثر ايجابيا على القاص.
ولا يكتفي القاص بالحديث عن المرأة، بل يقدمنا منها أكثر فيسمعنا صوتها في قصة "الحاجز": "وبرغم ما هو موجود فأنت حبيبي الغالي، صوتك يأتني من بعيد، يدفئ وحدتي رغم الشتاء القاسي، فوحدتي أعانيها فقط، ولذا فأنا بحاجة لدفء عينيك ووجود قربي" ص198، وكأن القاص من خلال صوتها يريد أن يبرر لنا ارتباطه الوثيق بالمرأة، فهذا القول يشعرنا بأنها ضعيفة وبحاجة إلى الحبيب، وبما أنه إنسان مبدئي ومخلص فلا بد أن يستجيب لندائها.
المبدئي
البطل في هذا المجموعة إنسان مبدئي، يخوض الصراع مع ما هو قائم، ويتصارع مع النظام، ويواجه الفساد الاجتماعي، نجد هذا المبدئي في قصة "العاشق" يقول الأب لابنه: "يجب أن نمارس التحمل، فالرجل من يتحمل الصعاب" ص17، الأهم فيما قاله الأب أنه أقرن الحياة بتحمل الصعاب ومواجهة الواقع، فهو يهيأ الأب لما هو قادم.
إذا كان الحديث السابق متعلق بمتطلبات الحياة العادية، فأن القاص يقدم لنا مواجهة أخرى، مواجهة من الانظام الرسمي، والتي تحتاج إلى قدرات أكبر بكثير من تلك التي تحتاجها مواجهة الحياة العادية، الاقتصادية، يقول في قصة "أبعاد" ـ انتفض واحصل على حقك بشرف...انتفض فلن تجد ذاتك إلا إذا اقترنت بالأرض، وتقدمت إليها" ص41، دعوة للمواجهة والاستبسال، والتوجه إلى الأرض، الأرض التي يحتاجها الفلسطيني ليكون موجودا، حيث وجوده مقترن بالأرض.
ونجد في قصة "وعد .. ووجوه أخرى": المعلم يوجه طلابه إلى هذه المفاهيم فيقول: "فأنتم يا أبنائي من سيغسل العار والمآسي، أنتم طموح الأرض وأحلامها" 164، المعلم هنا يقوم بدوره بحيادية، فهو لم يعد قادرا على العطاء الجسدي، لهذا اعطا الدور لجيل المستقبل.
وإذا ما توقفنا عند الاقتباسات السابقة، سنجدها بمجملها جاءت على لسان الآخر، بمعنى أن القاص لا يتحدث بصوته مباشرة، بل يترك المجال للآخرين يتحدثوا، وكأنه يقول بأن أبطال قصصه ليسوا كاملين بعد، لكنهم سيكون فاعلين في المستقبل، لهذا يتم تقديم التوجيهات الأخلاقية والفكرية لهم. 
القمع/النظام الرسمي
الفلسطيني أينما وجد تعرض لقمع وللبطش من النظام الرسمي العربي، ونادرا ما نجد فلسطيني عاش بطريقة عادية/طبيعية، إن كان في وطنه أم في الشتات، فالحريات احدى اهم المسائل التي تؤرق المواطن العربي، فهي من الممنوعات التي تتعارض مع النظام الرسمي، يقول في قصة "العاشق"ـ أليس من حقي أن أسلك الطريق الذي يعجبني، ما دام هذا السلوك لا يؤذي أحدا؟.
ـ أنه مؤذ بالنسبة لهم... ألست تنظر إلى التمثال، يعني هذا أنك تتحدى... وسيف التمثال لا يرحم" ص8و9، هذه احدى المفاهيم التي تعيق فاعلية الإنسان في المجتمع، لكن هناك صور أخرى يمارسها النظام، مهنا هذه الوسيلة: "هراوات لا ترحم تتلاعب بالأذرع النحيلة... كل هذا لأنهم أرادوا أن يحطموا التمثال، ورفضوا عبادة الصنم" ص11، هنا القمع يأخذ الصورة الأذية الجسدية، فبعد أن فشلت وسائل القمع العادية والتي تتمثل بالتخويف والإرهاب الفكري نجد النظام يظهر حقيقته ويمارس بطشه ضد المواطنين.
وهناك قمع اجتماعي يمارسه النظام بحق المواطنين، والذي يتمثل بالفساد، يقول في قصة "وعد.. ووجوه أخرى": "لم يستطع المدير أن يصمد أمام جحافل التوصية، وجيوش الهدايا... فذهب دوري.. وصرت أجول هنا وهناك.. على أن أنسى أنني ظللت انتظر" ص151، هذا ايضا احدى الوسائل ـ العادية ـ التي تمارس بحق المواطن، وكل من يفكر بأن يتحدث عنها أو يواجهها، سيكون مصيره: " في الدوائر المسؤولة الغير بعيدة.. مقاعد مزروعة بالتماثيل ودروب تؤدي إلى ساحل الأباطيل، هراوات غليظة تزحف في مطاردة الاخضرار" ص 153.
بطش المحتل
يحدثنا القاص عن أحوال المعتقلين الفلسطينيين عند الاحتلال في قصة "السياط" حيث يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب والبطش من قبل عدو لا يرحم: "وفجأة تأخذه حركة غير عادية للمساجين... طرقعة أحذية الجنود تودي بالراحة وتقتل الأنفاس، تسرق الحلم من المخادع" ص78، الأهم في هذا المشهد ان المحتل يستخدم جنوده في قمع المعتقلين، وكأنه لا يكتفي باعتقالهم، بل نجده يستخدم تلك الآلات التي لا تعرف إن أن تنفذ الأمر وبدقة متناهية، ليكون الأذى أكبر وأشد على الفلسطيني.
ويقم لنا القاص صورة السجان بهذا الشكل: "سحبه من تفكيره صوت السجان الغليظ القلب، وقرقعة السياط التي تدعو لتوزيع الطعام على المضربين بالقوة، وتذكر أن الأضراب سيدخل غدا بعده الشاعر" ص89،
الحديث عن اضراب المعتقلين الفلسطينيين عن الطعام يؤكد على أن الفلسطيني أينما كان وحيثما حل يمارس دوره النضالي، دون أن يأبه للمكان أو الظرف الذي يمر به.
معتقل انصار
من أقذر المعتقلات التي اقمها المحتلون على مر العصور، فهذا المعتقل يوازي المعتقلات النازية التي أقامها هتلر في ألمانيا إن لم يكن أكثر هولا وبطشا، القاص يخصص قصة "المرايا" ليحدثنا عن واقع الأسرى فيه، فكيف كان حال المعتقلين فيه؟: ""أنصار" زحام قوي يلتصق بالعرق والضجيج والجحيم الوثني... القبلات لها عضات مميته...تهم بقسوة تقسوها على الانسكاب في رحاب صوتك الحزين.. وأنت كيف الانتشار في عروق الوجوه المميتة، مطر القهر يهطل على كل الأبواب والأدراج والنوافذ.. يستظل الخوف.. يتمدد.. يعانق ذاته... يموت فيه الترقب والنطق والتشنج فتصبح عفيا أكثر" ص97و98، رغم جمالية اللغة التي يستخدمها القاص، إلا أن المشهد يبقى مؤلم مؤذي للقارئ، فهو ملوث بكل ما هو وحشي وبكل الجرائم، ولا يمكن لماء العالم أن يغسله، لهذا وجدنا لفظ "الجحيم الوثني" والذي يأخذنا إلى ما هو أشد وافظع من الجحيم التوحيدي.
مكان الاعتقال، يمثل حالة صراع بين الفريسة والمفترس، وبالتأكيد الأقوى سيمارس سادية غير عادية تجاه المغلوب: "الوعي الحيواني في كل مكان في "أنصار" يصطدم بالوعي الآدمي لرجال آمنوا بقدرهم" ص101، صورة عامة تبين حالة التناقض بين الحيواني والآدمي، لكن ما هي الطريقة/الصورة/الشكل الذي يمكن من خلاله أن نرى هذا التناقض؟، يجيبنا القاص من خلال هذا المشهد: "تتحامل على نفسك... تتذكر كلما عضتك قروح "الكرابيج" أن الساحة آمنة... تعرف بطلاقتها ووحشيتها إن البقاء للأقوياء والأمل.. لكن الواقع بكل قساوته يأتي ليحكم تلك الأحلام وينتزعها من أمنيات الضعفاء" ص104، إذن أنصار هو غابة حقيقية، لكن من يعيش فيها يأخذون صورة البشر، فكل ما هو وحشي وحيواني في الغابة موجود في أنصار.
لهذا سنجد الآدمي/الإنساني يتألم نفسيا وروحيا كما يتألم جسديا: "تمارس القلق واليأس والاحساس بالموت وتحمل تبعات "أنصار"" ص113، فهذا المكان لا يكتفي بما يحدثه بالإنسان الآن، بل سيكون له تبعات تستمر مدى الحياة، لهذا هو مؤذي ومتوحش.
الفلسطيني
شخصيات المجموعة بمجملها فلسطينية، وكلها تعاني وتتألم لابتعادها عن الوطن، فالغربة والتشرد والفقر كلها تسبب المعاناة للفلسطيني، فنجد صورة المخيم في قصة "التراب" والتي جاءت بهذا الشكل: "تتنهد ...ينتشر اغترابك... تسير.. فتسير معك بيوت المخيم، شوارعه المتربة، ورائحته النافذة المنبعثة من لحم الأرض، تشعر بامتلاك نفسك فتمتد إليك رائحة التراب، الأطفال، وعثاء الاغتراب .. فتقف أمامك جبلة المخيم متضرعة لا تستطيع مفارقتك" ص22، صورة المخيم جاءت قاتمة، وارتباط القاص فيه جاءت من باب الواجب وليس من باب الحنين أو الرغبة، وكأن القاص مفروض عليه أن يقوم بدوره في المخيم.
وهناك صورة الفلسطيني في الشتات، فهو يصارع الزمن والمكان والناس لكي يحافظ على كيانه، على فلسطينيته، يقول في قصة "أبعاد" "...وبغتة يتوحد في الزمن كي يحاول تأكيد إنسانيته في عالم لا إنساني" ص38، على الفلسطيني أن يعيش في حالة صراع على اكثر من جبهة، الاقتصادية، السياسية، والوطنية، فهو مطارد اينما كان، وعليه أن يثبت ذاته ويصمد أمام التحديات. 
ونجد جوع الفلسطيني للوطن في قصة "سياط" والتي جاء فيها: "...وأنه من الجمال الصادق أن يكون للإنسان وطن، فأرضه موجودة.. هي هناك! لكنها مغلولة اليدين معتقلة، حولها الكثير من الأسيجة والزرد المسلسل" ص76، من المهم اجد أن يتفهم البعض ممن يعتقدون أن مشكلة الفلسطيني في المبيت أو اللبس أو الطعام، فهو بحاجة إلى وطنه أكثر من أي شيء آخر، وهذا الحرمان يعد جريمة بحقه وعلى الآخرين أن يتفهموا هذا الجوع، هذه الرغبة، هذه الحاجة الإنسانية.
الصور الأدبية والرمز
اجمل ما في هذه المجموعة الصور الأدبية التي يقدمها القاص، محاولا أن يخفف من وطأة الأحداث التي يقدمها للقارئ، كما أن الرمزية التي يقدمها القاص تبعده عن المباشرة والتحدث بالصوت العالي، هناك العديد من الصور، يقول في قصة "أبعاد": "..فالاختيار هو وحده الذي سيمكنك من التقاط خيوط الشمس كي تصنع منها بيوتا وأشجارا ومحبين ابتعدوا أو غاصوا في لحم الأرض" ص41، إذا ما توقفنا عن هذه الصورة، سنجد أن القاص يستخدم ألفاظ بيضاء وناعمة إذا ما استثنينا لفظ "لحم، وغاصوا" وهذا يشير إلى أن القاص في العقل الباطن يميل نحو الحب والفرح أكثر من العنف والألم، لهذا نجده يستخدم الألفاظ الناعمة والجميلة.
وحتى عندما يتعرض لحدث قاس فأننا نجده يقدم بطريقة استثنائية: "رجل أهوج يخرج من خرم رأسه... وجموح أزلي يلهيك عن كل شيء، الشمس في صبح عابق.. ونهار عطري يتماوج بين الندى والسنابل.. عالم سحري يحتضن لغة البراءة... يغتسل في طهر جداولها وشمسها العذراء، الأريج أبيض واعد برحلة المجد وعبر حفيف الشجر تواعدت عطور العصافير مع ألق الأنوار في كهوف سرمدية تتواثب في الأعماق لتكشف الشوق لمحني بالأديم في معلقة وتقحمه مستلة من الخلود هاجس النخبة والحنين" ص43، من اجمل الصور التي جاءت في المجموعة، وإذا ما توقفنا عندها سنجدها طويلة، وكأن القاص تماهى معها، بحيث لم يستطع أن يقطع الصورة التي أخذت تتمدد وتتسع شيئا فشئيا لتزداد بهاءً وتألقا.
صورة الحزن من المفترض أن تكون مؤلمة وذات وقع حاد على المتلقي، لكن القاص يقدمها بطريقة أخرى، تجعلنا نستمع بالشكل الذي قدم فيه: "انسحب الطيف الحاني وهو يتمتم ببقايا كلمات لم يسمعها جيدا، دموع كسح المطر تنسكب في ملاحقة طيف الشيخ...يتذكر ..يحاول أن يغمس سبابته ووحدته بغمامة غجرية من عند الله .. والطريق تتلوى لاهثة في منعطفات الهوى الخانق" ص52، اللغة والشكل التقديم يخففان من قسوة المشهد، وكأن هناك حدث مؤلم يقدمه القاص من وراء ستار، بحيث يخفف من حده الحدث، مما لا يؤثر سلبا على المشاهد/القارئ، لهذا نقول أن الصور الأدبية ضرورية في العمل الأدبي، لأنها تحجب القسوة وتمتع القارئ.
ويقول في قصة "الزمن والشظايا": "خذوا دمي.. ودعوا التراب يصير قلبا نابضا أو سنبلة" ص65، دعوة غير مباشرة لتقديم النفس في سبيل الفكرة.
ويقول عن المرأة في قصة "المرايا": "الوطن امرأة طيبة كالماء الطهور" ص94، من اجمل ما قيل عن الوطن والمرأة معا.
بقى أن نقول: أن مجموعة "أبعاد" بتوحد مواضيعها، وتماثل شخصياتها، وطريقة تقديمها، وبالغتها الناعمة والجميلة، يمكننا القول اننا أمام رواية مجزأة، لهذا أمكننا أن نتحدث عن مواضع محدد في كافة القصص وكأنها كيان واحد، دون أن نغبش الصورة أو الحدث على القارئ. 
المجموعة من منشورات الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان. طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى 1987.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 94 مشاهدة
نشرت فى 6 مارس 2018 بواسطة magaltastar

الكاتب في رواية
"موتي وقط لوسيان"
محمود شاهين
احيانا يكتب الكاتب نفسه، ما يشعر به، ما يؤرقه، ما يحمله في العقل الباطن، ما يفكر به، "محمود شاهين" في هذا الرواية يحدثنا عن محمود الفلسطيني، عن طفولته، عن الأب القاسي، عن الحياة الصعبة التي عاشها في ضواحي القدس، يأخذنا إلى عالم الواقع وما فيه من ألم ووجع، يحدثنا عن الرعي والأغنام، عن الفحل "دهمان" وابنه "مرداس"، وهو الحديث الأطول في الرواية والامتع، حتى أنه يتحدث عن تفاصيل دقيقة عن تلك الفترة، وإذا ما توقفنا عند تناوله للرعي سنجد فيه أحداث مشوقة ومحبوكة بشكل دقيق، حتى أن القارئ يجد فيها متعة من خلال حديثه عن علاقته مع القطيع، ومن خلال المصارع الاكباش التي يتناولها بطريقة مذهله. وكأن الراوي أراد بها أن يهرب من الحاضر إلى الماضي، إلى مغامراته مع الخراف، يريد أن يستعيد وجوده على الأرض التي تركها مكرها وغصبا، هذا ما نلمسه في هذه الرواية.
موضوع الرواية يبدأ في الحديث عن "لوسيان" التي يموت قطها "محمود" وتطلب من الراوي أن يحضر ليساعدها في دفن القط النافق، لكنه يرد عليها بجفاء، وبعدها يأخذ في الاتصال بها ليطمئن عليها، لكنها لا تجيب، فيبدأ بالحديث مع نفسه، مستذكرا ماضيه، علاقته الطيبة مع الحيوانات، القطيع، الكلب "فيدل" كلب حيدر حيدر، مع قطة طفولته، ورغم كل هذه العلاقة الحميمة مع الحيوانات إلا أنه تعامل بجفاء تجاه موت "القط محمود"، ولم يبد أي اهتمام بمشاعر "لوسيان"، لماذا؟، وما هو لظرف الذي كان فيه؟، وكيف حدث هذا الانقلاب عند الراوي؟.
الواقع
سنجيب عن هذه الأسئلة من خلال الرواية، ونبدأ من الواقع الذي ينعكس أثره على الراوي من خلال الكابوس "فقد رأيت في نومي لحاماً يحمل على كتفيه رجلين مذبوحين ومسلوخين، ويدخل بهما إلى الملحمة، كان رأس الرجلين يتدليان على ظهر اللحام وقد بدا تماما أنهما ذبحا من الوريد إلى الوريد" مشهد قاتم وموحش، لكن ما هي المؤثرات/المشاهد/الأصوات/الأحداث التي تجعل فنان وأديب تأتيه مثل هذه الكوابيس؟.
واقع الفلسطيني الذي تعرض للتشرد والقتل على يد الأعداء والأشقاء أينما تواجد وعلى مر السنين، هو السبب: "...لأفتح المذياع متفقداً أخبار الموت الفلسطيني، أو لأقل أخبار القتل...أخذت اخبار القتل تتوالى عبر المذياع، رباه كم كان هناك من القتلى، قتلى في جامعة بير زيت، قتلى في غزة، جرحى في أماكن أخرى من الأرض المحتلة، عشرات القتلى في مخيمات: عين الحلوة، الرشيدية، برج البراجنة، شاتيلا" ضمن هذا الواقع لا بد للراوي أن يتأثر، ومن ثمة تأتيه الكوابيس، فهل يعقل أن يسمع ويشاهد كل هذا الكم والعدد من القتلى والجرحى ولا يتأثر؟.
الفلسطيني
رغم التضحيات الكثيرة والسنوات الطوال التي خاضها الفلسطيني ليتحرر ويتقدم من وطنه إلا أن النصر ما زال بعيد المنال، فكيف يفسر/يحلل لنا الراوي هذا الامر؟
"رباه (أقول لنفسي) ورغم كل هذا صرعه داود بالمقلاع؟! اللعنة، هل يكمن قدرنا في أنه كتب علينا القتال مدى الحياة دون تحقيق النصر؟! وبالتالي لا يمكن لحياتنا أن تجدد إلا بالموت، طالما أن اليهود لم يفنونا رغم طول هذا الصراع عبر التاريخ...قضيت حاجتي وأنا اتصفح كتابا عن المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين"، ضمن هذا الواقع، وهذا التاريخ، وهذا النص الديني لا يمكن للفلسطيني إلا أن يكون في حالة صراع، وكأنه والمحتل يخوضان صراع الإلهة "البعل" رمز الخصب، والإله "يم" يمز الموت.
الراوي
يعيش الراوي في إحدى احياء دمشق الشعبية، حيث باعة (المازوت) يطلقون زامور مزعج وحاد، مما يسبب حالة من التوتر للراوي، ورغم أنه يمتلك "مسدس" إلا أنه كان : "كم مرة أطلقت النار على باعة الزفت هؤلاء، أطلقتها في خيالي طبعا، إذ لا اتصور أن اقتل أحداً من هؤلاء التعسين حقيقة، بالتأكيد لن افعلها" بهذا المكان غير المريح لكاتب وفنان يعيش الراوي، وعليه أن يتكيف بالطريقة التي يجدها مناسبة، فيضع على أذنيه قطع من القطن.
إذن الراوي لا يجد المكان المناسب لحالته ككاتب، فهو بحاجة إلى الهدوء لكي يستطيع أن يمارس عمله الإبداعي، من هنا سنجد أثر الواقع لخارجي "القتل والموت" والظرف الحالي "الاصوات المزعجة" يفرضان ذاتهما عليه، وهناك عامل أخر هو وحدة الراوي، فهو يعيش في منزله وحيداً دون امرأة أو ابناء: "...كل هذا الكم من النساء (زوجات والحبيبات والصديقات) والأولاد، عدا الأخوة والأخوات، تموت وحيدا، وحيداً يا محمود أبو الجدايل! وحيدا بائسا متعبا مرهقا مدمرا، لا احد يقدم لك حتى كأس ماء" ضمن هذا الواقع سيكون حال الراوي في غاية الصعوبة، وهذا ما عبر عنه عندما قال: "اللعنة علي وعلى أبي الذي يدعي أنه أنجبني" وإذا كان ما قاله في السابق ناتج عن غضب وتوتر، فأنه يحدث بواقعية فيصف حالته: "...ولست الآن إلا ابن النكبات، ابن الثورات المهزومة، الثورات المجوفة، ثورات الخيبة" 
يحلل لنا الراوي نفسيته والأثر الذي تركته الأحداث والظروف التي مر بها فيقول: "آه يا لوسي . ربما أصبحت شريرا ، إذ ليس من المعقول أن لا تترك الأحداث التي مررت بها خلال أربعين عاما أية آثار سلبية على نفسيتي ، فهي أحداث مهولة يا لوسي ، عشت فيها عشرات المجازر ، وشاهدت مئات الجثث ، ولا أظن أنني قادر على التأثر لموت قط حتى لو لم أكن أكرهه" فهل أراد الراوي أن يبرر "للوسيان"، أم يبرر لنفسه، أم يبرر لنا عدم تأثره بموت القط محمود؟، أم أراد أن يكون كل هذا الحديث مبرر ليحدثنا عن مأساته كفلسطيني؟، ككتاب وفنان؟ كأب؟ كابن؟ كزوج؟ كإنسان؟.
وهل موقف "لوسيان" منه مبرر؟، موضوعي؟، منطقي؟ يجيبنا الراوي: "وكم بودي أن أتخلص من أفكاري الحمقاء وأنسى قطك ، بل وأنساك ايضا ، ولأكن شريرا ، ولأكن مجرما ، فلست الشرير أو المجرم الوحيد في هذا العالم المليء بالأشرار ، بدءا بي إذا شئت ، مرورا بالملايين ، وانتهاء بمغتصبي وطني وكل أصحاب السيادة ! لم يبق أحد كما ترين ، فالجميع أشرار . العالم كله أشرار يا لوسي" اعتقد أن الراوي أرد من "موت القط" أن يحدثنا عن نفسه، عن "محمود شاهين" الفلسطيني، المشرد، الفنان، الروائي والقاص والمفكر والفيلسوف، الذي يعاني على اكثر من صعيد، ويعيش بوضع غير مناسب، المكان، الظرف، الحالة الاجتماعية.
وإذا ما توقفنا عند مشاعر "لوسيان" تجاه موت قط وتغافل العالم وما يطلق عليه "المجتمع الدولي" تجاه الفلسطيني الذي يقتل منذ عام 1919 ولغاية الآن ولا يبدي العالم/المجتمع الدولي أي فعل على ارض الواقع، يتأكد لنا حجم الهوة التي يعيشها هذا الفلسطيني وبين نظريات وقوانين دولية/إنسانية.
المرأة/الأم
قلنا في موضع غير هذا ان المرأة تمنح الكاتب الهدوء والسكينة، وعندما اختار الراوي أن يحدث "لوسيان" كان منسجما مع حالته الصعبة، فهو يريد من خفف عن نفسه ويخلصها من حالة الكآبة والضغط التي يمر بها، فوجد في "لوسيان" المتنفس، لهذا نجده كثيرا ما يقول "آه يا لوسي، يا لوسيان" رغم عدم تواجدها المادي/الجسدي في حالات النداء، لكنه في العقل الباطن ـ يرد أنثى، لهذا استعان بها وأحضرها وخاطبها، مرة في اليقظة ومرة حقيقة، فوصفها لنا: "ولوسيان امرأة ناعمة كحرير الشام ، وشفافة كماء زمزم ، يمكن أن تخدشها نسمة هواء في غير أوانها" فمن تكون بمثل هذا الوصف تستحق ان تكون الأقرب والأكثر حميمة من الكاتب.
لكن هناك امرأة أخرى لها مكانتها عند الراوي وقد حدثنا في رواية "أديب في الجنة" انها أم "محمود شاهين" وقد حدثنا عنها وعن القسوة التي عاشتها كمرأة في مجتمع ذكوري متخلف، وحدثنا عن الطريقة التي عوملت بها من الأب القاسي، لكنها كانت حنونة معه، يقول عنها: "آه يا امي لو انك إلى جانبي لتواسيني بكلمة منك ، لتغدقي علي حنانك ، لتضمي رأسي إلى صدرك المترع بالأمومة والحنان ، وتملسي بيدك البلسمية على صلعتي ، أنا حزين ووحيد ومتعب يا أمي ." في حالة اليأس، الوحدة، نحتاجها، كبارا كنا أم صغار، واعتقد بأن الراوي كان في ذروة الحاجة لها عندما قال: "وتملسي بيدك البلسمية على صلعتي" فرغم عمره الكبير إلا أنه ما زال بحاجة إلى حضورها، وجودها، وهذا ما قاله "للوسيان": "خرجت من الأرض المحتلة للمرة الثانية أواخر عام 1970 ... ، ولن يستقبلني صدر أمي كما كان" فقدان الأم عند الراوي له أثر كبير، حتى اننا نجد علاقته الحميمة مع "لوسيان" ناتجة عن فقدانه لصدر الأم، فوجد فيها ما يماثل تلك الأم، لكنها بالتأكيد ليست ما يرده، ما يحتاجه.
الأب 
بشكل شبه كامل يأتي الأب بصورة سلبية، والراوي هنا يؤكد هذا الأمر، فيقدم انا الأب بصورة الرجل القاسي والذي يتحارب كل المخلوقات: "فقد كان أبي يضرب كل شيء : نحن وأمي يوميا لأتفه سبب. البغل إذا أحرن أو سطا على أكياس الشعير ، الكلب إذا غفل عن القطيع أو نام في غير المكان الذي حدده له ، الدجاج إذا دخل حقول الحنطة أو الشعير أو التبغ ، القط إذا اختلس قطعة جبن أو لم يفلح في اصطياد الفئران التي كانت تعج في عزبة أبي . الأغنام إذا لم تدر الحليب المطلوب ، الكبش إذا لم يكن فحلا كما يريده ، والزرع إذا لم يحمل جيدا ، واخيرا الأرض إذا لم تخصب !!" وكأننا في المنطقة العربية كتب علينا أن نعاني من الأب كما نعاني من النظام الرسمي، فكلاهما وحشي في تعامله ولا يعرفان إلا البطش.
الرواية منشورة على الحوار المتمدن على هذا الرابط

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2018 بواسطة magaltastar

القدس في مجموعة 
"عشاق المدينة"
نزهة الرملاوي
بشكل شبه دائم يهتم الفلسطيني بالمكان أكثر من الآخرين، لأن صراعه مع المحتل مزدوج، صراع بشري/سكاني، وصراع مكاني/جغرافي، فنجد في اسم الكاتبة "رملاوي" مثلا يعطينا نموذج على اهتمام الفلسطيني بالمكان، فجاء حضور مدينة الرملة في الاسم كتعبير عن انتماء وتمسك الكاتبة بالمكان/بالجغرافيا التي تنتمي إليها، وغالبا من نجد الفلسطيني ينسب ذاته إلى المكان أكثر منه إلى لعائلة.
في هذه المجموعة تقدم لنا الكاتبة المكان غير العادي، المكان المقدس، لهذا سنجد حضوره ومكانته وهيبته وأثره بشكل واضح، فهي تجعله ـ احيانا ـ أقرب إلى الإله، لهذا نجدها تتغنى به من خلال تراتيل مكانية، فتبدو لنا وكأنها الإله المعبود الذي نمجده لذاته، لما فيه من صفات، لجماله، لما يمنحه فينا من وجود، لما يعطينا من راحة وطمأنينة، فالمكان، القدس، مدينة مقدسة، ليس بصفتها الدينية فحسب، بل بصفتها الاجتماعية أيضا، فمن خلالها استطاعت "نزهة الرملاوي" أن تقدم لنا هذه المجموعة القصصية، أليس ذلك كافيا لتأكيد حضور ومكانة وأثر المكان عليها على "نزهة الفلسطينية"؟.
القدس المقدسة
المجموعة مكونة من خمس وعشرين قصة، وجميعها تتحدث عن القدس، حتى لو كانت الشخصيات بعيدة عنها فهي حاضرة في الوجدان كما هي حاضرة بالمشاهدة وبالوجود فيها. وهذا ما جعل المجموعة تبدو وكأنها رواية، فالمكان "القدس" حاضرة في كافة الأحداث والشخصيات، فهي بوصلتهم لمعرفة الجهات الأربع، وهي الهواء الذي يتنفسون، وهي من تمنحهم القدرة على التأمل في الحياة. فهم والقدس شيء/كائن/عنصر واحد لا يمكن أن ينفصلا.
لكن ما هو الأثر الذي تحدثه هذه المدينة بساكنها؟ تجيبنا القاصة في قصة "عشاق المدينة" فتقول: "... فهي الساحر التي تأسر العيون بجاملها، والسلطانة التي تحكم القلوب بعشقها الأبدي، ... لا استطيع التنفس بهواء غير هوائها، ولا استطيع النوم إلا بين أحضانها، ولا النمو إلا تحت شمسها، ولا السمر إلا بين نجومها وقمرها، ولا استطيع سماع شيء إلا سماع مآذنها وأجراس كنائسها، ماءها سر وجودي، واسوارها وآثارها عنواني وتاريخي" ص15، فالمكان ليس شيء جامد، صم بلا حياة، بل يعطي الكثير من عناصر الحياة، ويمنح الشعور بالوجود الشخصي/النفسي، وأيضا الوطني، لهذا نجدها تختم المقطع بقولها: "ولا استطيع أن اعيش في بلد آخر" ص15.
هذا عن الأثر المادي والنفسي الذي تحدثه القدس في ساكنها، فكيف سيكون حضورها في نفوس ساكنيها؟، وكيف سيرد أهلها هذا الجميل الذي تحدثه فيهم؟ تجيبنا "نزهة الرملاوي" في قصة "عطر الماضي" فتقول: "للقدس عيون ترقب عشاقها وأبناءها أينما حلو، لا يحبطها الانتظار، ولا يهمها طول المسافات ولا تقلب الفصول، مدينتنا أنثى ليست كأي أنثى...تبقى على العهد لأوفيائها، عاشقة ولادة للخير ومعاني القدسية، تزرع من نور شمسها أملا تتجلى في جذوره انتصارات الحياة، وتحتضن النجوم الغياب في سمائها، يشتمون عطرها كلما هبت نسائم الشوق لحضرتها، طلة مقدسة تظل من شرفاتها الخالدة، تتمايل دلالا في ليلها الذي يشع نورا من نجومها التي تتلألأ خلف مضاجع ألمها، أملا بالنصر وابتهاجا بمواسم الوفاء، تجرها خيول عربية الملامح نحو الحرية" ص71، أليست هذه تراتيل للمكان، كما هو الحال في تراتيل الإله؟، فكل الصفات الحسنة والخير نجدها حاضرة في هذا المقطع، وهذا الخير ناتج/قادم/خارج من المدينة فقط، ولا يمكن لأي مكان/مدينة أخرى أن تمنحه، لهذا نقول نحن أمام ترتيل مكانية، وهذه سابقة تحسب "لنزهة الرملاوي" لم يأتي بها أي كاتب روائي أو قصصي من قبل.
وهناك عطاء متبادل بين المدينة وسكانها، فكلا منهما يأخذ ويعطي، فهما شيء، جسد واحد، تقول الكاتبة في قصة "في حجرة مقدسة"...أيقنت أن عشاق المدينة وإن رحلوا عنها ذات يوم، وعادوا بعد ألف غياب تتذكرهم وتضمهم بين ذراعيها كأم طيبة، تحميهم من لهب شمس في نارها، وبرد قارس تحت ثراها، وتعد للراحلين عنها حكاية ممزوجة بالعتاب كم هي معشوقة مدينتنا، حين تراها لا تستطيع إلا أن تركع بين أحضانها حامدا شاركا الله أنك في ثراها تتجول، وإن صليت في مكان ما على ترابها فإنك تتحدى كل إبعاد قد يصيبك، إن ابعدوك عن مسجدها وقبتها وكنائسها وروحها وعظمتها وقداستها اللامتناهية... يا لك من مدينة رائعة ملهمة للشعراء والأدباء، يا ندى معطر من أريج السماء، لك معنى آخر في وجدان ساكنيه وعشاقك على مدى الدهر" ص30، قد يبدو أن المعطي هو المدينة فقط، والآخذ هم السكان، لكن أليس عندما تعطينا الأم الحنان تجد ذاتها ومكانتها في هذا العطاء، فبدونه تفقد شيء من ذاتها، لهذا عندما تعطي المدينة/الأم هي تكون آخذة في ذات الوقت، وعندما يتغنى بهذا الشعراء بعد أن تلهمهم، أليس هذا أخذ وتبادلا العطاء؟، وعندما تمجد كإله أليس هذا أخذ ممن يمجدها؟، من هنا نقول أن مدينة القدس ليس مدينة كأي مدينة، فهي مكان تجتمع فيه العديد من العناصر المانحة والمشكلة للحياة الاجتماعية والدينية والنفسية والوطنية.
بين القصة والرواية
عندما تتحدث المجموعة القصصية عن أي فكرة، حدث، مكان، زمان، شخص، مجتمع واحد تمتع القارئ وتجعله يتماهى من النصوص، وتكون أقرب إلى الرواية منها إلى مجموعة قصة، في هذه المجموعة نقترب من عالم الراوية رغم عدم توافقها من شكل الرواية، لكن نجد روح السرد، وتعدد الأحداث، وتنوع الشخصيات والاحداث كلها مرتبطة بمكان واحد، هو القدس، فالطريقة التي استخدمتها "نزهة الرملاوي" بالحديث عن المكان تعتبر استثنائية، فهي تقدمنا من كافة الشرائح الاجتماعية التي تعيش في المدينة، تتناول الأطفال، المراهقين، الآباء والأمهات، الزوج والزوجة، الجد والجدة، الفقراء والأغنياء، الحاضرين والغائبين، المناضلين والاحتلال، كل هؤلاء نجدهم في القدس، وكأنها الأم التي ينتظرها الأبناء.، لهذا نجد كافة الشخصيات تربطهم علاقة حميمة بالقدس، الغني والفقير، والمرأة والرجل، الطفل والشيخ، فكل ما نريده في الرواية حاضر في المجموعة القصصية، تعدد الشخصيات، تعدد الرواة، المكان، الزمن المترامي، الأحداث المتنوعة، الصراع، لغة السرد، كل هذا حاضر في المجموعة.
دائما نقول أنه من الصعب تناول مجموعة قصصية كاملة، لأن ذاك يوجب على الكاتب أن يتحدث عن كل قصة على حدة، وعندما ستكتب عن خمس وعشرين قصة بالتأكيد سيكون ذلك بحاجة إلى جهد وطاقة ووقت كبير، في مجموعة "عشاق الدينية" تسهل علينا الكاتبة هذا الأمر من خلال وحدة المكان، الذي نجده حاضر في جميع القصص، كما أن العنوان "عشاق المدينة" نجده في بداية كل قصة، ثم اسم القصة ورقمها، وهذا يشير بطريقة ما إلى وحدة المجموعة القصصية وتكاملها، فعندما حدثتنا عن مرحلة المراهقة وكيف كانت تفرح بأعمال ذلك الفتى الذي يغازلها فتقول عنه في قصة "قمر يشاكس ظلي": "...أختبئ خلف القنطرة حتى لا يراني، وإذا به ينتظرني خلف القباب، أخجلني ذلك العاشق في سماء مدينتنا. أعاود الجري ويعاود من جديد، فتدوي ضحكاتنا لتملأ الساحات برسائل حب لا تنتهي، لم أكن أتوقع أن أنظر للقمر أثناء المشي والركض سيؤدي بي إلى الوقوع أرضا" ص34، واهم كل من يعتقد أن القدسية تكمن في كل ما هو جاد وصارم، فمثل هذا السلوك المراهق هو طبيعي وضروري، لأنه يؤكد على تنوع الحياة الاجتماعية في المدينة، فليس كل من هم فيه راشدين، فمنهم أطفال ومراهقين، والحديث عن هذه الشرائح يعطي حيوية ومتعة لنص الأدبي. 
ونجد في قصة "عطر الماضي" هذا المشهد: " ...كيف كان يدنو من سور بيتنا ويختبئ خلفه.... وكف كان يعاود التقدم بين الحين والآخر، ليراني من خلف النافذة فيلوح لي بمنديله المبلل بالعرق صيفا، وبقبعته السوداء شتاء، وكلما داست أقدامه حينا، امتدت يده إلى الرود الجوري في بستان الجيران، في لحظة غفلة منهم، يقطفها، ويقذفها نحو نافذتي ضاحكا ويلوذ بالفرار" ص74، 
في القصة السابقة استخدمت القاصة لغة الأنا في السرد، فهي من سرد لنا القصة وقدمتها لنا بطريقة جميلة وناعمة وبريئة، لكن كيف ستروها لنا عندما تكون من يقوم بهذا السلوك هي طالبة عندها، وهي المسؤولة عنها؟، تجيبنا في قصة "الحب المسموح": "إلا أن عيني امسكتها بها سريعا، فأفكاري ترافقها وتتحرك معها، فترشدني إليها إذا حاولت الإفلات من مجال رؤيتي" ص84، تحاول المعلمة أن تحد من سلوك الطالبة ولا تريد أن تمنعه بالمطلق، فهي مرشدة وليست سجانة، لهذا نجدها مشاعرها تتعاطف مع الطالبة: "أحسست أن قلبها ينبض في صدري وروحها تعانقي وتقلب في وجداني صورا كادت تموت، فدبت فيها الحياة من جديد، وراحت تتنفس" ص84، إذن المعلمة وجدت في سلوك الطالبة نفسها عندما كانت بمثل عمرها، فتعاطفت معها، لكن هل ستكتفي المعلمة بالتعاطف فقط، أم ستمنحها مزيدا من الحرية؟.
"سأسمح لمشاكستها الطفولية أن تلاعب نظراته من بعيد، وسأـسمح لوهج مراهقتها الصاعد دون استئذان أن ينير عتم ذكرياتي المغبر من زمن بعيد" ص85، دائما الحديث عن علاقة الحب يفرح المتلقي كما يفرح الكاتب/ة، لهذا سنجد القاصة تتألق في هذه القصة، فتربط ذاتها بالأحداث فهي جزء منها، وتجد في الطفلة المراهقة ما تفتقده الآن، وهي في سن الرشد، لهذا سنجد شيء من الأنانية في تعاملها مع الطالبة،: "ترى ما الذي يدفعني للمراقبة؟ أهي المسؤولية؟ أهو الانضباط والالتزام؟ أهو الخوف عليها من طريق تجهل معالمه؟ أهو الاشتياق الذي يقودنا إلى زمن بعيد من عمرنا إن أرد الدخول إلينا؟" ص85، الأجمل في هذه الأسئلة أنها تدفعنا للتفكير والتوقف عندها، فالقاصة لا تريد أن تبين لنا حقيقة مشاعرها بشكل مباشر وصريح تجاه ما يجري، لهذا ارتأت أن تطرح هذه الأسئلة، والتي منها يمكننا أن ندخل إلى حالة عقلها الباطن، خاصة إذا ما ربطنا هذه القصة بقصة "قمر يشاكس ظلي" التي جاءت على لسانها وهي طفلة مرهقة.
فما قامت به الطالبة أعاد المعلمة إلى ما قامت به، إلى ما تحب أن تقوم به الآن، رغم رشدها، من هنا نجدها تعبر عن هذا الحب لذاك الفعل الطفولي، المراهق في هذا الفعل: "احتضنت طفلتي بين ذراعي، وأخذت أراقصها كما أراقص الأخريات، على انغام تدغدغ فرخنا بالحب والشتاء، وأقطف من احمرار خديها وردة جورية، أحفظه في ذاكرتي، كلما قرأت سطورها في كتاب كنت قد خبأته في أدراج النسيان يوما ما" ص86، فنجدها تستخدم عبارة "الوردة الجورية" التي جاءت في قصة "عطر الماضي" وكأنها تغذي ذاكرتها بما تقوم به الطالبة الآن، وما يحسب لهذه القصة أنها تقدم مخرج من مأزق الطرح المباشر، وأيضا جمالية هذا المخرج، فالقاصة أخرجت أفكارها ومشاعرها بطريقة ذكية، فهي تحرر ذاتها من الرسمي والروتين، وتقدم لنا حقيقتها كمرأة، كأنثى بحاجة بشكل دائم إلى من يغذي أنوثتها بالحب، إن كان من خلال القول أو العمل.
لهذا نقول يمكننا التعامل مع هذه المجموعة كرواية وليس كقصص مستقلة عن بعضها البعض، فهناك ما هو مترابط ومتصل، والأحداث والمشاهد والشخصيات تلتقي في أكثر من قصة.
المجتمع الذكوري
دائما هناك دور للكاتب/ة يتمثل في كشف عيوب المجتمع، وهذا الكشف يأخذ عدة اشكال منها ما هو مباشر، يأتي من خلال أحداث القصص أو الروايات أو المسرحيات أو من خلال القصائد، "نزهة الرملاوي" تحدثنا عن أوجاع المرأة في مجتمع يسود فيه الذكور والافكار المتخلفة، فنجد في قصة " زقاق البوس" الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع المرأة، وهي من القصة المؤلمة والقاسية، لكنها تعرينا نحن مجتمع الذكور، وتفضح عيوبنا من خلال هذا المشهد: "استوقف الهدوء أنين صبية لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها تبكي بحرقة، وزوجها الثمل يركل جسدها دون رحمة، بدأ صوتها يخرج ببطء، مع انها تدرك أننه من العيب إسماع الجيران القاطنين حول منزلها صوتها أو بكاءها، ويجب عليها ان تصبر وأن تكتم تلك الهموم الساكنة في داخلها، هذا ما لقنت به قبل الزفاف، وعلى الرغم من حرصها على كتم أنينها وصوت بكائها، فقد اخذ يعلو من الألم وانفجر مستغيثا، وكلما علا صوتها واشتد بكاءها ورجاءها، ازدادت الضربات واللكمات،" ص63، هذا واقع المرأة في المجتمع الذكوري، فالكاتبة تنحاز إلى المظلومين، وتقف ضد كل ما هو متخلف، وبالتأكيد ستقف إلى جانب المرأة لأنها امرأة، وتتعاطف معها، وهذا كانت واضح في قصة "زقاق البوس".
لكن هناك قصة أخرى تقدم فيها مجتمع الذكور القاسي والعنيف بطريقة غير مباشرة، ففي قصة "يا عيب الشوم" نجد الشخصيات الفاعلية من الذكور، صغار وكبار، تتحدث القصة عن الطفل "ماجد" الذي يسرق الخبز من الفرن، فيمسك به صاحب الفرن "أبو هاشم" والذي كان قد حلف يمين بأن "أن أمسكت بالسارق لأخلعن عنه ملابسه وأخرجه للملأ مضروبا على قفاه" ص59و60، وعندما يشاهد "أبو هاشم" يخلع حزامه ويعري الطفل "ماجد" السارق، تبدأ الأفكار السوداء بالانتشار وتأخذ المشاهدين إلى ما هو ابعد من الحدث، إلى أن يتم تحل الإشكال وتوضح الأمور للمختار ولأهل الحي.
إذا ما توقفنا عند هذه القصة الذكورية سنجد فيها قسوة، رجل يجلد طفل، حتى لوكان سارق، ويجلده وهو عارا، ونجد قسوة المجتمع الذكوري الذي أخذ يفكر بطريقة شيطانية، دون مراعاة مكانة وعمر "أبو هاشم" المعروف لهم، لهذا نقول أن الكاتبة، تنحاز للمرأة وتقف ضد الرجل/الذكر، حتى في عقلها الباطن.
الصور الأدبية
هناك مجموعة كبيرة من الصور الأدبية، من هذه الصور،: "نحن في زمن اصبحت فيه المشاعر كالصورة القديمة باهتة الألوان" ص32.
"فتحت الباب الكبير وخرجت من المنزل، يا لها من إشراقة شمس لوحت لي من خلف النافذة" ص39.
"لك الله يا أيام! على مقاعد الدراسة غفت جدائلي، وعلى أدراجها راحت يدي تخط ما أمرت به من واجبات وكتابات وألوان عبث بها طفولتي، فخبأتها من مارد النسيان، وتوجتها ملكة متحدية في عرش العلم والمعرفة" ص43.
"ظلت قدماي سائرتين بلا هدف، وبقى يتبعني كقمر خبأته غيوم الشتاء خلفها، حتى لا يستنير به أحد غيري" ص88و89.
الأب والأم
قلنا في موضع غير هذا أن الأب غالبا ما يقدم بصورة سلبية، صورة الأب القاسي العنيف، على النقيض من صورة الأم التي تأتي بالبهاء والحنان، وتقدم بصورة جميلة حانية.
"...حتى لا يستعدي والدي، ذلك المارد الأزرق، فيزلزل صراخه أرجاء المدرسة وجدران البيت العتيق، يتطاير رذاذ بصاقه أمام وجوه الواقفين، ولا أخفي عليك خوفي الشديد على أمي، ان تقع من صفعة قوية إن اختبأت خلفها" ص21، 
"الأب ينطلق الشرر من عينه الحمراوين ويتوعد الزوجة بالطلاق إذا ما انتهك عرضه" ص50 
"...أتخيل يد أبي تشدني غلى الخلف، وتقذف بي الأرض...ما زال صوت ابي يزمجر في الفضاء، فتزلزل الأرض تحت أقدام العابرين" ص89.
إذن الأب قاسي وعنيف، ولا يراعي الأنوثة أو الطفولة، وهذه الصور جاءت تؤكد على أن المجتمع الذكوري الذي قدمته "نزهة الرملاوي" هو مجتمع متخلف ويستحيل أن يقدما إلى الأمام قيد أنملة.
من هنا كان البديل في الأم، تلك التي تعطي دون أن تأخذ، التي تمنح الحنان والحب، فكانت في قصة "فناجين على صواني الذاكرة" الأم التي تحرص على اطفالها حتى وهم في المدرسة، تراقبهم، وعندما تتذكر بأنهم نسوا الشطائر في المنزل: تبدأ بالبحث عن طريقة توصلها لهم ، فتقذف بها من فول سطح المنزل، لكنها لا يصل، وتسقط في ساحة مهجورة للمدرسة، فتنادى على المعلمة لكي تخرج الشطائر، والتي بدورها تنادى على الآذن والذي يقوم بإحضارها من الساحة. وبعد أن يعيدها الآذن نجد الأم تواصل عملها من خلال هذه المشهد: "شكرت أمي المعلمة صاحبة القلب النبيل، لكنها لم تبرح سطح المنزل، حتى أخذت الشطائر من الآذن، لمحت أمي من بعيد تؤشر بيدها إلى فمها أن أتعجل بتناول الشطيرة" ص44. اشارة الكاتبة إلى فعل "شكرت أمي المعلمة" يأتي على أنها تحفظ الجميل وأنها شاكرة، كما أن الإشارة التي قامت بها لابنتها تأتي كدليل على أن الأمهات يقمن بعملهن كامل دون ان يتركن أي جزء منه.
التنوع والتعدد
طبيعة المجتمع المدني التعدد والتنوع، ومن تحرص "نزهة الرملاوي" على تقدم مدينتها بشكلها الحضاري، فنجدها عندما تتغنى بالمدينة تذكر صوت المآذن والأجراس، وعندما تريد أن تتحدث عن جمالها تأتي بذكر المساجد والكنائس، لكن الكاتبة لا تكتفي بهذا بل نجد في قصة "جياد على أدراج المدينة" تحدثنا عن طبيعة المجتمع في مدينة القدس، فالجميع منسجمين في علاقة اجتماعية مدنية واحدة لا يفرق بيتهم أي دين أو ملة، تحدثنا عن أم الولايا فتقول: "قررت أم الولايا أن تزور (أم جروج) أخت ماريا في حارة النصارى" ص101، وهذه اشارة إلى طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي توحده الحياة الاجتماعية وتثريه وتقويه، بحيث لا يمكن لأي عابث بهذا المجتمع أن يدخل من باب الدين أو الطائفة ليخلخل اركان مدينة المدينة، ورغم قلة الحديث عن حياة التنوع والتعدد الاجتماعي في المدينة، تبقى الإشارات التي تكررت في الكثير من القصص حول المساجد والكنائس تكفي لتؤكد على هذا التعدد والتنوع الذي يمتاز به المجتمع الفلسطيني. 
قبل النهاية أشير إلى أن مجموعة "عشاق المدينة" مجموعة مميزة، فاللغة وطريقة التقديم والأحداث والشخصيات كلها كانت قريبة منا، فنجد العديد من الأغاني الشعبية والألعاب التي مارسناها أيام زمان،"الغماية، الغميضة، عالي واطي، أنا النحلة أنا الدبور، نط الحبل، السبع حجار، الفنة، الطائرات الورقية، كلها هذا يقرب المجموعة منا أكثر ويجعلها حميمة إلى قلوبنا. 
المجموعة منشورة عام 2017، القدس، فلسطين، الإخراج الفني والطباعة مؤسسة الناشر للدعاية والإعلان.

 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 182 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2018 بواسطة magaltastar

- جُنُونُ العَظمةِ - أعراضُهُ وحالاتهُ وأنواعُهُ - 
( بقلم : حاتم جوعيه - حاتم جوعيه - المغار - الجليل - فلسطين )
تعريفٌ : جنونُ العظمةِ هُوَ مرضٌ عقليٌّ كما يَعتبرُهُ علماءُ النفس يعودُ في أسبابهِ لداخل الفرد ، أو هو جوابٌ لِحادثةٍ ما إذ يُرَى في هؤلاء المرضى غرور ورهافة حِسٍّ غير طبيعيَّة تؤثِّرُ في كيفيَّةِ التفكير والتعبير . وَيُرَى في التفكير ِ والتعبير ِ والفعاليَّة والرَّغبةِ فيهم هذيان شعوري مُزمِن ، ثابت ، شامل يُصِرُّ المريضُ على ترديدِهِ باستمرار ، نفس الموضوع بنفس الوتيرةِ مُقدِّمًا البراهين التي يحاولُ بها أن يُثبتَ هذيانَهُ … وهذا الهذيانُ غير معقول ولا يمتُّ للواقع بصلةٍ وَيُرَى هذا الهذيان في أغلب الأحيان بعد سنِّ الثلاين . وفي بعض ِحالاتِهِ قد يتشابهُ " بالشينروفريني "... أي انفصام الشَّخصيَّة حتى َليَصْعُبُ التمييزُ بينهما، وهو بدون هلوسةٍ ولا يصلُ إلى حدِّ الخرفِ ، ولكن بعضَ حالاتِهِ ( paraphreni ) تقودُ إلى الخرف . 
علائِمُهُم وَحالاتُهُمْ : مثلا ً - مريضٌ مُعَيَّن كانَ يدَّعي أنهُ يسوع المسيح عليهِ السَّلام ويُقدِّمُ كإثباتٍ أنهُ يطيرُ وأنهُ يدورُ في مكانهِ ولكن أتباعهُ فقط يمكنهم أن يروهُ وهو يصعدُ إلى السَّماء . 
وهنالكَ آخرون ينحصرُ جنونُ العظمةِ فيهم في هذيان ٍ فكريٍّ يدَّعونَ أنهم مُصلِحونَ ... يُقدِّمونَ حلولا ً في طاقةِ البشر تنقيذها ... مثلا ً يدَّعي أحدُهُم أنهُ الوحيد الذي يستطيعُ حلَّ مشاكل بلدهِ الإقتصاديَّة ... ويعيشُ هذيانهُ هذا ويُقدِّمُ الحلولَ للكثيرين ، يعرضُ أفكارَهُ الغريبة َ في كتبٍ يطبعها ويُرسِلها ويُوزِّعُها للمسؤولين وكبار الموظفين ولِرجال الحكومةِ وزعماء الدولة … وإن كان رجلا ً عسكريًّا يُحاولُ القيامَ بانقلابٍ عسكريٍّ لتنفيذ ِ خططهِ وأوهامِهِ … وهوَ في هذيانهِ قد يتطرَّقُ إلى كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ ولا يغيبُ عن ذهنهِ كلُّ التفرُّعاتِ مهما صغرَت وينحصرُ همُّهُ كلُّهُ في هذيانهِ هذا . ( مثال على ذلك الرئيس الليبي الرَّاحل " معمَّر القذ َّافي - فقد قام بإنقلاب عسكريٌّ وقد ساعدتهُ الظروف والأضاع السياسيَّة والإقتصاديَّة والإجتماعيَّة التي كانت سائِدة ً آنذاك - زمن حكم السنوسيِّين - بنجاح انقلابه هذا ) . 
ونجدُ نحنُ في هؤلاءِ المرضى ظاهرة ً أخرى هيَ تلفيقُ الأحاديث الكاذبة - مثلا ً : يُرْوَى أنَّ امرأةً هنديَّة كانت تدَّعي الأصالة َ فتسردُ وتتبجَّحُ أنها إبنة " مهراجا " خُطفت من قصر والدِهَا وبيعَت إلى بلاد أخرى .. وتخترعُ أنَّ أثرَ جرح ٍ في يدها نتجَ عن عَضَّةِ أسدٍ كانت تداعبهُ عندما كانت في قصر والدها ( بينما هذا الجرح حصلَ بعد َ أن عضَّت نفسها ) . وهنالك ظاهرة ٌ أخرى موجودة ٌ فيهم أيضًا وهي ظاهرة ( الهجرة ) ، وذلك للتهرُّبِ من عدوٍّ يتوهَّمونهُ يُلاحقهم وَيسعى لإيذائِهم فيُبَدِّلونَ بإستمرار أماكنَ سكنهم أو مدنهم أو قراهم وحتى بلادهم ... وأحيانا يتنكَّرون ويُغيِّرون طبيعة عملهم ، ولكنهم في كلِّ ما يلجؤون إليهِ فيُعاودونَ الكرَّة من جديد ... ويُلاحَظ ُ في هؤلاء المَرضى الثرثرة وكثرة الحركة ، يتكلَّمونَ ، يكتبونَ ويعترضونَ إن أخذوهم إلى المُستشفى ويتشبَّثونَ بكلِّ وسيلةٍ للخروج ، ومستوى الذكاء في هؤلاء المرضى، في بعض الأحيان ، يكون عاليا جدا وليس دائما، وهم عادة ً لم يحصلوا على نجاح ٍ وإنجاز يتناسبُ مع ذكائِهم . وتظهرُ عليهم منذ ُ طفولتِهم بوادرُ المرض : إذ يُرَى ويُلمحُ فيهم العناد والقسوة والشِّدَّة َ... وعصيانٌ لوالِدهم ومُعلِّميهم... وحقدٌ وعدم إنسجام في اللعب مع أترابهم .. ومع تقدُّمِهم في السِّنِّ يتَّضحُ فيهم أكثر إعجابهم بأنفسهم ونرجسيَّتهم وعجرفتهم وتصلُّبهم بآرائِهم... وإن ام تتحقَّقْ رغباتهم ونزواتهم وإن هُضِمَ حقٌّ لهم في الحياةِ غمرَهُم سوء ُ الطالع ونسَبوا هذا إلى أنَّهم غُدِرُوا من قبل ِعدوٍّ أو حاسدٍ أو حاقدٍ . ويُعطونَ معنى لكلِّ حركةٍ أو بسمةٍ للغير (( مرحلة للتحليل والشَّك)) ويضنون لدرجة أنَّ كلَّ حديثٍ في الإذاعةِ أو مقال ٍ في الصُّحف أو أيَّ كلام عاديٍّ في أيَّةِ مناسبةٍ بين مجموعةٍ من الناس من بعيد هو يقصدُهم ويعنيهم وأنَّ هنالك شبكة ٌ من الأعداءِ تتعقّبهُم لتعذبهم (( مرحلة التَّظلُّم )) . وإذا أصابَهُم أيُّ عارض ٍ جسدي ( إسهال أو إمساك أو قيىء مثلا ) لسبب ما كما يُصيبُ كل إنسان توهَّموا وادَّعوا أنَّهم سُمِّمُوا من قبلِ جهةٍ ما أو أنَّ أحدًا ما عملَ لهم سحرًا ... حتى أنَّهم بتفكيرهم المريض والشَّاذ قد يرسمونَ الحطط َ للإنتقام وقد يرتكبونَ جرائمَ عديدة ً بحقِّ أناس ٍ أبرياءٍ لا ذنب لهم ... وحتى ضدَّ أقرب المُقرَّبين إليهم . ولا تنمو أفكارُ المُصابِ المريضةِ هذه في تفسير خاطىء لحوادث فحسب ، بل يريطها بحوادث وأشياء سابقة أيضا ويستنتجُ منها أحكاما كثيرة ً (هذيان الماضي ) ..ومع الزَّمن يمرُّ للمرحلةِ الثالثةِ وهي:( مرحلة الإعجاب والكبر والعظمة ) - ويدَّعي " هؤلاء المُصابون بهذا المرض" أنَّ كلَّ ما يُعانونهُ إنَّما هو حسدٌ لهم لذكائهم الخارق الفذ ّ، أو لثروتهم ولجمالهم ولأصالتهم .. فيُخاطبونَ غيرهم بسخريةٍ وازدراءٍ ، ويُعلنونَ أنهم مُصلحون وَرُوَّادٌ بُعثوا وأرسلوا للإصلاح والتنوير ولإرشاد البشريَّةِ نحو الصلاح والتقدم والرّقيّ، والبعض منهم قد يُرشِّحُ نفسَهُ لمركز مرموق وحسَّاس ٍ ولوظيفةٍ عاليةٍ كالسُّلطةِ المحليَّةِ أو للبرلمان، ويُوسوسُ لهُ عقلهُ المريض ( للمرشَّح ) أنَّهُ سيفوزُ . 
أشكالُ وحالاتُ جنون العظمةِ : 
إنَّ حالات جنون العظمة بعضها حادّ والبعض مُزمن ، والحادُّ منها قابلٌ للشفاء خلال بضعةِ أشهر، أمَّا المزمن فيُشَخِّصُهُ ويُقسِّمُهُ خبراءُ وعلماءُ النفس إلى عدَّةِ أشكال وأنواع ، وهي : 
1 ) التظلُّمِي :- يُسَيطرُ هنا على المريض أوهامُ التظلُّم والإجحاف بحقِّهِ من دون سببٍ ، يُردِّدُ أنَّ بيتهُ ملاحق وأنَّهُ مظلومٌ مهظوم الحق . 
2 ) الغيرة :- المريضُ هنا مثلا يغارُ على زوجتهِ من الجميع ... حتى من أقاربها فيُراقبُ حركاتها وتصرُّفاتها دائما، يوهمها أنَّهُ سيُغادرُ القرية َ أو المدينة َ ( بلده ) في عمل ٍ ضروري ثمَّ يبقى ليُراقبَ بيتهُ من مسافةٍ قريبةٍ .. يكثرُ الظنَّ بزوجتهِ من دون مُبَرِّر ٍ..حتى أنَّهُ قد يرتكبُ الجريمة . . 
3 ) الإكتشافي : - يدَّعي المريضُ في هذهِ الحالةِ أنَّهُ صاحبُ ابتكار واختراع ٍ مُعَيَّن وأنَّهُ مُوحًى لهُ بفكرتِهِ وَمُخطَّطِهِ ( يأتيه الوحيُ والإيحاءُ ) وإذا أدخِلَ للمشتشفى فيدَّعي في المستشفى أنَّهُ إتَّخَذ َ لنفسهِ صفة َ مجنون ... أي تظاهرَ هو بالجنون لأنَّ لديهِ اختراعًا يشفي المجانين وبذلك يؤَمِّنُ ويضمنُ دخولهُ بينهم دونَ شبهةٍ وريبةٍ . والعديدُ أيضًا ، من المُصابين بهذه الحالةِ ، يتصرَّفون بشكل ٍ مُضحكٍ وأحيانا خطير ٍعلى المجتمع فيدَّعونَ أنَّ بإمكانهم اختراعات وهميَّة خارقة ، مثل : صُنع قنبلة ذريَّة ... صاروخ .. أو اكتشاف أبجديّة ولغة قديمة ضائعة لم يذكرها المُؤِرِّخون وعلماءُ الآثار ونسيتها البشريَّة ُ... أو وضع وتأسيس أبجديَّةٍ ولغةٍ جديدةٍ للناس أفضل من جميع اللغاتِ الموجودة على كرتنا الأرضيَّة ...أو اكتشاف بحور وأوزان شعريَّة جديدة لم يعرفها عالمٌ نحويٌّ وشاعرٌ من قبل ، ومنهم من يُؤَلِّفُ الكتبَ ويكتبُ المقالات المضحكة في هذا الصَّددِ، وقد يُقنعُ بعضَ الأغبياءِ أحيانا بصحَّةِ توهُّماتِهِ وتهيُّآتِهِ فيُكتبُ عنهُ بعضُ المقالات والدراسات عن إختراعِهِ واكتشافهِ العظيم ، في البعض من وسائل الإعلام المخدوعة أو الصفراء التي ترغبُ وترحِّبُ بمثل هؤلاء الأشخاص الشَّاذين وغريبي الأطوار . وكما أنَّ من بين هذه النوعية المذكورة وهؤلاء الأشخاص الشاذين نرَى ونجد ُ المريضَ والمُعقَّد المزمن والخطير على المجتمع والناس والذي يُكيلُ الشتائمَ والمسبَّات والكلمات الجارحة والسوقيَّة للجميع ، وهنالك شخصٌ من هذه النوعيةِ يدَّعي المعرفة َوالإلمامَ في الأدبِ والنقدِ وفي إكتشاف بحور شعريَّةٍ جديدة كان ينتقدُ ويشتمُ الأدباءَ والشعراء وجهابذة الفكر والإبداع ويتهمُ معظمَ الكتابِ والشُّعراء والفنانين والعلماء بالقصور وعدم المعرفةِ . فيتهمُ مثلا بعضَ الشُّعراء والأدباء الكبار بسرقةِ الشعر وعدم المعرفةِ وأنهم يخربشون ويكونُ هو الذي يسرقُ الشِّعرَ ويُخبِّصُ .. وأحيانا يتهمُ فنانا ومُخرجًا سينمائيًّا عالميًّا نالَ الكثيرَ من الجوائز العالميَّة التي لا تحصَى بعدم المعرفةِ والفهم في مجال الإخراج والتمثيل ... وإذا اطلعَ على بعض المقالاتِ الأدبيَّة والنقديَّة لكاتبٍ وأديب مُبدع ومحبوب فيُصاب بالهستيريا والجنون الخطير والكريزا لأنَّهُ ربَّما أخفقَ وفشلَ في كتابةِ النقد الأدبي وغيره فيكتبُ تعليقا أرعنَ في موقع للأنترنيت وباسم مستعار على هذه المقالات الإبداعية أو القصائد الرائعة كله شتائم دون ذكر اسمه أو باسم مستعار فكأنهُ بهذا قد يفشُّ غليله ويُبرِّرُ عن رواسبِهِ ونقصِهِ وعقدِه النفسيَّةِ .. وإذا حققنا وفحصنا في هويَّة هذا الشخص( أو من على شاكلتِهِ وأمثالهِ في هذا التصرُّف الجنوني والشَّاذ ) ومستوى ثقافتِهِ ودراستهِ فنجدُ انَّهُ لم يُكمل المرحلة الإبتذائيَّة ... . بل لم يُنهِ الصف الأول الإبتذائي وبصعوبة يستطيعُ أن يفكَّ الحرفَ وقد يكون شكلهُ ومنظرهُ الخارجي قبيحا وبشعا ومُقرفا جدًّا فنشأت وتكوَّنت عندهٌ ظاهرة ٌ خطيرة ٌ عدوانيَّة ٌ لمهاجمةِ الغير بدون سبب أو مُبرِّر فيرمي عقدَهُ وجنونهُ وتخلُّفهُ وشذوذهُ ورواسبَهُ الدفينة َعلى الناس والمجتمع .( وهنالك الكثيرمن العيّنات والأمثلة في مجتمعنا عن هذه الحالة . 
4 ) الأصالة ُ :- قد يتهوَّمُ المريضُ هنا في هذهِ الحالة أنهُ سليلُ ملكٍ أو عائلةٍ كبيرة ...وهنالك قصص وروايات كثيرة عن أشخاص يُعانون من هذه الحالة ... فمثلا ً : يُحكى عن شخص ٍ كان يروي بحماس ٍ كيف اختطِفَ عندما كانَ يلعبُ في الحديقةِ وأعطيَ لوالديهِ الحاليّين ليتبنّوهُ ، وأنَّ حقيقة َ نسبهِ العريق الكريم ستظهرُ عاجلا ً أم آجلا وسيعرفها الجميع . 
5) الديني :- في هذه الحالة َيرى المريضُ نفسهُ عظيما خُلِقُ وَوُجِدَ لأجل ِ إنقاذ البشر وبُعِثَ لنشر الفضائل والقيم وأنَّهُ نبيٌّ أو أنّهُ السيِّد المسيح وَيُخاطبُ مَن حولهُ ليُقنعهم للإيمان بهِ . وأحدُ الأشخاص المُصابين بهذه الحالةِ تفاقمَ عنده المرضُ فكان يخرجُ عاريا من ملابسهِ للشارع كما وُلِدَ ويتمشَّى في الحاراتِ وبين البيوت ويتوهَّمُ أنّهُ السيّدُ المسيح فيهرعُ وراءَهُ أهلهُ وذووهُ وأقاربهُ ويجرُّونهُ بالقوَّةِ إلى البيت ، وكانت نهايةُ المطاف به أن ألقى نفسه من علو عدة طوابق وقضى نحبَهُ . 
6 ) العاطفي : - يتصوّرُ المريضُ ، في مثل هذه الحالةِ أنَّ امرأة ً تفوقهُ إجتماعيًّا واقتصاديًّا تعشقُهُ ، ويفسِّرُ هذا إذا لاطفتهُ بكلمةٍ أو ببسمةٍ بريئةٍ على سبيل المجاملةِ فيكتبُ الرسائل ويبعثُ المراسيل إليها ... وحتى إذا ردَّت إليهِ رسائلهُ وأوصدوا الأبوابَ دونهُ أو رَمَاهُ ذووها أو العاملونَ والموظفون للشارع أو إشتكوا عليه للشرطةِ وأخذوهُ للمستشفى فإيمانهُ بحُبّها لهُ يبقى ولن يتغيِّر . 
7 ) المقاضاة : - يبدأ المرضُ هنا لدى خسارةِ المريض لدعوى ما وقد يرصدُ ويكرِّسُ حياتهُ في ملاحقةِ هذه الدَّعوى ( القضيَّة ) ليكسبَها ويُقاضي الكثيرين سواءً كان أو لم يكن لهم علاقة ٌ بالموضوع - حتى ليقاضي القاضي الذي حكمَ في قضيَّتِهِ . 
8 ) الوَسْوَاس : - فمثلا يتوهَّمُ المريضُ أنَّ الأطبَّاءَ أخطؤُوا في علاجهِ أو في إجراءِ عمليَّةٍ لهُ ويشتمهُم ويُهدِّدُهُم وقد يُحاولُ قتلهم بشتَّى الطرق ِ إن لم يحسنوا التصرُّفَ بلباقةٍ معهُ . 
9 ) الإنتحالي : حيث يسرقُ المريض أشياء وأمورا ليست لهُ وينتحلها وينسبها لنفسه ويدَّعي أنه وهو الذي ابتكرها وصنعها وبعد فترة زمنيَّة قصيرة يصدق نفسه وافتراءاته وأنه هو الذي وضع وابتكر هذا العمل والإنجاز ....وهذه الظاهرة موجودة في مجالات عديدة ، مثلا :في المجالات المهنيَّة والثقافيَّة والأدبيَّة وغيرها..ونلمسها بكثرة ، في الفترة الأخيرة ، في المجالات الأدبيَّة . وأنا بدوري أعرف أشخاصا عن كثب فيهم هذا المرض وهذه العقد والرواسب الدفينة.. فمثلا هنالك شخص مهووس وموسوس والكل يعرفه أنه مضطرب نفسيًّا وعنده خلل عقلي وهو كل شهرين أو ثلاثة أشهر يصدر ديوان شعر جديد والقصائد التي ينشرها باسمه في وسائل الإعلام وفي الدواوين التي يطبعها معظم أبياتها مأخوذة ومسروقة حرفيًّا عن قصائد لشعراء آخرين مع تغيير وتعديل بسط . والمضحك أنَّ هذا الشخص الغريب الأطوار بعد فترة قصيرة أصبح يصدق نفسه أنه شاعر كبير وعالمي وفي مستوى شكسبير وبابلو نيرودا وهو وريث لنزار قباني ومحمود درويش .
وهنالك شخصٌ آخر يدَّعي أنهُ طبيبٌ وحاصلٌ على شهادة الدكتوراة في الطب وأنه مختص في المسالك البولية والكلى وأحيانا في أمراض القلب ... وأحيانا يقول عن نفسه أنه دكتور في الأدب العربي ومحاضر جامعي متقاعد وشاعر وأديب كبير .. وهو في الحقيقة لم يكمل دراسته للمرحلة الإبتذائية ويعمل في السحر والشعوذة وعندهُ الكثير من العقد والرواسب والمشاكل النفسيَّة والتشوُّهات الخلقيَّة ولا أحدٌ من المجتمع يسلم من لسانه البذيىء وكلامه السوقي والقذر الذي يعكس شخصيته ونفسيَّته المشوهة وشكله ومنظره المُقرف والممسوخ .وكلُّ من احتكَّ به شخصيًّا قال عنه: إنه مجنون بكل معنى الكلمة.وقد أسَّسَ هذا الشاذ وغريبُ الأطوارجمعيَّةً وهميَّة غير موجودة على أرض الواقع أسماها ( مجلس الإعلام ) وبعد فترة قصيرة جدا اكتُشِفَ على حقيقته المشينة والمضحكة على نطاق واسع وأنه شخص كاذب ودجال ونصاب وعميل يدَّعي الوطنيَّة زيفا وبهتانا ويتهم كلَّ الناس وكلَّ عرب الداخل وجميع الناس الشرفاء والأنقياء بالعمالة ويطلق على نفسه لقب المناضل واللواء وعميد الأدب العربي وأمير الشعراء وشيخ المناضلين وهو يسرق الشعر عن غيره وينسبُ القصائدَ التي سرقها لنفسه ولقد صدَّقَ نفسه أنه شاعرٌ كبير . وقد سرق قصيدة لي كانت منشورة في العديد من وسائل الإعلام ، وهي قصيدة طويلة جدا تتجاوز ال 150 بيتا وأخذ وسرق منها أكثرمن 70 بيت ونشرها باسمه . والشيىء العجيب والمُثير للضحك انَّ هذا المعتوه والممسوخ والزنديق كان يكتبُ تعليقات سخيفة وتافهة في بعض مواقع الأنترنيت تحت أسماء مستعارة وينتقد فيها شعراء وكتابا وأعلاما كبارا وأنه يريد أن يصحِّحَ لهم أخطاءهم النحويَّة والعروضيَّة وهو لا يعرف حرف النصب من الجر والمبتدأ من الخبر وبحر الكامل من الرَّجز أو البسيط ، وتعليقاته كلها تكون خاطئة وغير صحيحة ..وسرعان ما كُشِفَ على حقيقته وعُرفت هويته ومن هو وما هو، والكثيرون من الكتاب والشعراء الذين تناولهم بهرائه وحماقاته وجنونه لم يردُّوا عليهم لأنهم يعرفونهُ أنه مجنون ويحتاج لمستشفى وَمَصَحٍّ عقلي .
وهنالك أيضا امرأة مهووسة وشبه أميَّة لم تكمل دراستها للمرحلة الإبتذائيَّة ولا تعرف قواعد اللغة ونحوها وصرفها ولا تعرف المبتدأ من الخبر وحرف الجر من النصب وترفعُ الفاعلَ وتنصبُ المفعول به وترفعُ الإسمَ المجرور وتنصبُ المبتدأ والخبر ولدرجة أنها لا تعرفُ كتابة الإملاء وتقوم بنسخ ونقل قصائد لشعراء آخرين من عدة كتب ودواوين حرفيا فتنسخها خطأ ويكون هنالك الكثير من الأخطاء الإملائيَّة . فمن كل قصيدة تأخذ مثلا جملتين أو ثلاثة وترتب هذه الجمل والأبيات المنقولة وتدرجها في قصيدة واحدة مع تغيير بسيط في بعض الكلمات ولا يكون أيُّ تنسيق وانسجام وتسلسل في المعاني بين الجملة أو البيت الشعري والبيت والجملة التي تليها. وكانت تتصلُ بي تليفونيًّا لأصَحِّحَ لها الأخطاء اللغويَّة والإملائية من القصائد التي تنسخها وتأخذها عن غيرها وتنسبها لها، وكنت أتفاجأ أنها لا تعرف أيضا كتابة الإملاء عدا كونها لا تعرف أسس وقواعد اللغة العربية إطلاقا، فابن صف أول أو ثاني ابتدائي يعرفُ اللغة العربية وقواعدها اكثر منها ..وكنتُ في البداية أصَحِّحُ لها الأخطاءَ من باب حبِّ المساعدة وهي لم تقل لي كلمة شكر إطلاقا.. ولم تقل أبدا أمامَ أحد أنني أساعدها وأصَحِّحُ لها أخطاءها الكتابية المأخوذة والمسروقة عن غيرها ..وكنتُ أواجهُ بعض الإنتقادات من الإصدقاء في صدد هذا الموضوع وأنه يجب عليّ ألا أصحح لها شيئا لأنها ليست شاعرة ولا كاتبة بل مجرد سارقة وامرأة مهووسة ومضطربة وأنانيَّة ولا تستحق أيَّة مساعدة وفي تصحيحي لأخطائها الإملائية الشنيعة واللغويَّة فكأنني أشاركها في التزييف واقتباس وسرقة القصائد وانتحالها ..وبالفعل أنا توقفتُ عن مساعدتها في التصليح لإدراكي واقتناعي جيدا أنها ليست شاعرة ولن تصبحَ في يوم ما شاعرة وكاتبة وبعيدة مليون سنة ضوئية عن الأدب.. ولكن المضحك أن هذه المرأة أصبحت تصدق نفسها أنها شاعرة كبيرة ومبدعة وتضاهي كتاباتها الشعريَّة مستوى الشاعرات الكبيرات في العالم العربي، مثل: نازك الملائكة وفدوى طوقان وغيرهما... والمضحك أيضا انَّ إحدى الجمعيَّات ( التسكيفيَّة ) العميلة والمأجورة والمعادية لقضايا شعبنا المصيرية والتي هدفها تدمير الثقافة والأدب والفن والإبداع من خلال سياسة ونهج ومخطط مرسوم وذلك عن طريق التعتيم على كل موهبة فذة بإمكانها خدمة وإفادة وإنارة شعبها وقتل ووأد كلّ عمل إبداعي ورائع في أيِّ مجال يفيد مجتمعنا ... وبالمقابل الترويج والتطبيل لكل شيىء سخيف وتافه وعقيم لا توجد له أيَّة علاقة مع الادب والثقافة والفكر والإبداع قد قامت بتكريم هذه الشعرورة البلهاء فعملوا لها إحتفالا حضرهُ بعضُ الأشخاص الذين لا تربطهم أيَّةُ صلة مع الثقافة والادب وبضعةُ نويقدين وصوليِّين ومتسلقين ومنتفعين وانتهازيِّين ومتقلّبين ومتلوِّنين كالحرباء يلهثون ويتراكضون وراء الشهرة والأضواء امتدحوها في أمسية التكريم زيفا ونفاقا وفي غيابها يقولون عنها دائما كما يقولون عن غيرها من الشعرورين المهووسين والبلهاء أمثالها من وراء الظهر : إنها ليست شاعرة إطلاقا وما تكتبة هو اقتباسات وسرقة واختلاسات وتخبيص وهراء .
الخاتمة ُ : كثيرٌ من حالاتِ مرض جنون العظمةِ وانفصام الشَّخصيَّةِ لم يكن لها علاجٌ ناجعٌ سابقا . ولكن في الآونةِ الاخيرةِ تطوِّرَ العلمُ والطبُّ كثيرًا وحققا تقدما وقفزات نوعيَّة رائعة وبدأ العلماءُ والاطباءُ المُختصُّون يستعملونَ وسائلَ طبيَّة مُتطوِّرة وعلاجات نفسيَّة حديثة ، مثل : التداوي بالصدمة الكهربائيَّة والتحليل النفسي . وقد وفقوا إلى حدٍّ كبيرٍ جدًّا في تحسين حالةِ المرضَى وشفاء الكثيرين منهم شفاءً تامًّا .
( بقلم : حاتم جوعيه - المغار - الجليل )

 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 28 فبراير 2018 بواسطة magaltastar

{{{{{{ شاعر وقصيدة }}}}}}
{{{شاعر هذا الاسبوع الاستاذ بكري دباس }}}}
{{{بقلم الاستاذ صالح أحمد }}}
شماتة
ﻣﺎ ﺷﺌﺘﻤﺎ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒيَّ تَكَلَّما 
مِنْ نَظْرَةٍ أضْحى الكَلامُ تَلَعْثُما
لَوْ ذُقْتُما مِمّا ابْتُليتُ مِنَ الهَوى
لَمْ تَشْمَتا في السِّرِّ مِنّي رُبَّما
لَوْ قُلْتُ لِلقَلْبِ الجَموحِ أما كَفى 
ﻫﻴﻬﺎﺕ أنْ ألْقى لِقَلْبي مَلْجَماً
فَتَرﻭﻡُ طَعْني ﻓﻲ لِحاظِكَ طَعْنَةً 
في مُهْجَتي حَتّى تُضَرِجُّها دَما
مازِلْتُ أرْجو وَصْلَهُ بَعْدَ النَّوى 
فَمَضى الزَّمانُ وَلَمْ يَعُدْ بي مُغْرَما
ﻻ تَسْفِكَنَّ ﺩَﻣﻲ بِدونِ جَريرةٍ
قَلبي لِسَيْفِ غَرامِكُمْ قَد سَلَّما
ﺩﻋﻨﻲ ﺃﻛﺎ بد ﻓﻴﻚ ﻣﻦ نارِ اللَّظى
ﺣرقًا ﺷﺒﺒتَ بِلاعجي فَتَضَرَّما
أنْتَ الَّذي مازِلْتُ أرْجو عَدْلَهُ 
لَوْ طالَ بي جَوْرُ الزَّمانِ وَأظْلَما
ﺣﺎﺷﺎ لِحُسْنِكَ ﺃَﻥْ أُهانَ ﺑِﻈِﻠِّﻪِ
ﻭﺃﻛﻮﻥ مِنْ ﺃَعْطافِهِ مُتَألِّما
وَتَقَرُّبي يُضْني فُؤادي صَدُّهُ 
هَلّا لإبْعادي تَرﺍﻩُ مَغْنَما
ﻣﺎ ﻛﻨت ﺃﺣﺴﺐ ﻗﺒﻞ ﺭﺅيَةِ ﻭَﺟْﻬِﻪِ
أنّي سَأحْيا في الهُيامِ مُحَطَّماً
ﻳﺎ ﻫﺎﺟﺮﻱ ﺁﻥ الأوانُ لِنَلْتَقي 
رُحْماكَ لَوْ صارَ الوِصالُ مُحَرَّما
م.بكري دباس
:::::::::::::::::::::::::::::::::
لا أحد يمكنه أن ينكر أن شعر الحداثة قد فتح أمام الشعراء آفاقًا تعبيرية وإبداعية رحبة.. ومكن الشاعر من الانطلاق في آفاق حرية التعبير المنطلقة المتحررة من قويد الوزن والقافية والروي والتفعيلة.. وغيرها.. بحيث جعل الفكرة.. والكلمة هي الأساس.. وهي المنطلق والهدف معا.. وحمّل الكلمة مراقي التعبير كما حملها جمالية الجرس الموسيقي والحس النغمي والذوقي.. 
ولكن... وفي خضم هذا التنوع التجديدي والحداثي.. بقي للقصيدة العمودية.. القصيدة الأم والأصل العربية الجذور والأصول والفروع.. حضورها الطاغي.. ورونقها الآسر.. وموسيقاها ونغماتها الأخاذة.. التي جعلت القلوب تحن إليها.. وتطلبها.. وتتلذذ بتذوقها.. الأمر الذي اذي فرض ضرورة رقيها والتألق بها والتحيلق في فضاءات إبداعية وتعبيرية تليق بالعصر والزخم الشعوري والتعبيري.. وكانت مطواعة.. لأنها الأصالة التي احتضنت المعلقات.. والزهراوات (مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم.. كما احتضنت التنويعات الأدبي في العصور الإسلامية.. الموشحات الاندلسية ... كما تألق وتفنن من خلالها الأدب المهجري ليقدم لنا أروع الروائع.. هكذا بقيت القصيدة العمودية تتطور مع الزمان لتبقى الأصل الأجمل..
شاعرنا المبدع (م.بكري دباس) اتحفنا برائعة من الشعر العمودي .. اعتبرها نموذجا للقصيدة العمودية المتجددة عبر الزمان.. تتجلى فيها الروح الرومانسية.. إلى جانب الجزالة اللغوية.. مكللة بالموسيقى الطاغية لتفعيلة البحر الكامل (متفاعلن) الحماسية، والمتدفقة نغما وإيقاعا.. 
القصيدة على قصرها .. مكنت الشاعر من بث شكواه.. والتغني بعواطفه وشرح أحاسيسه وبث أمانيه بكل روعة واناقة تعبيرية.. 
إنها قصيدة غنائية راقية .. أتخيل أنها ستجد من يلحنها.. ويترنم بها من الملحنين المبدعين.. فهي تستحق وأكثر..
تحيتي لشاعرنا المبدع..
وكل التحية للأستاذة نفن.. وأسرة عشتار الراقية
على اللعهد نلقاكم
:::::::::::::::::::::::

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 91 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2018 بواسطة magaltastar

{{{شاعر وقصيدة }}}}
{{شاعرنا هذه الليلة الشاعر محمد محجوبي من الجزائر }}}
{{ تحليل النص بقلم الاستاذ صالح أحمد }}
وبقي يلوح بتيهه الكثيف من فتنة الأرض يتصعد وهج الشحنات على بداياتها الخلاقة ..
رغم ذبول المشي ' كانت وبقيت ترش خلاياها 
مثل الصنوبرة التي ترتعش بنكهة الظلال 
مثل المراحل المسجونة التي تلوح بقصائدها كمنديل وردي ثمل بليله الوريف 
. . .
كم هو غابر موسم الماء يحيي ضلوعا واعدة بحياة 
لا بد أن تتكلم الوردة 
تحكي فرحها كيف مات 
تلوم الشموس عن سفريات مريحة بين غيوم 
تقص وهجها _ كيف تسلى ببوحه دهره المسكين 
. . .
المكان فواصل مقمرة لو نال السدنة هذيانهم بين سطو الليالي ' لو تقصانا فجر الركاب الذين يدسون عرق المتعبين حتى يمتصهم حيز الانفلات 
. . . 
فمتى تضيفين مداد سوسنة تبكي على مدامع مسخرة الأرق البهيج 
ونحن نكبر نصفين 
بين همهمات وعراجين 
كمن يناجي انطلاقة غصنه في شامة الريح ويجلو من عنب الخيال بدون حلكة أجراس تبطل الطهارات وتنغص الماء على حمامة الروح . . 
. . .
فليتك امتلكت نافورة المساء 
وعابثت رذاذ الأنس بوصلك العنيد ' ربما سترقص أحشاء الاشجار وتبيض المواسم عنفوان التحدي 
فنأخذ النصيب الأخاذ من زقزقات مرسلات فينا 
وينتصب الاحتواء خيمة للضياء 
نبرم للأعياد مواقيتها على وجنات النسيم الوسيم 
فيكون مدلول الشهقة ارتواء 
والضحكة تمسي أفقا في نضارة تزين فردوس الرجاء
محمد محجوبي 
الجزائر
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
شاعرنا محمد المحجوبي أديب موغل بالحداثة.. مولع بالتراكيب اللغوية.. والتعبيرية المستحدثة.. مولع بالجري وراء الجمالية الاسلوبية والتعبيرية.. فتجده يكثر من الاستعارات والتشابيه التي تفرضها رمزيته من ناحية.. والحس الجمالي الذي يسكنه من ناحية أحرى.. إضافة إلى التحليق الذهني والخيالي الذي يعشقه ويتمسك به بقوة...
لذا تجد كتاباته غنية بالحقول الدلالية التي هي عمود أساسي في بناء نصه.. فلكل كلمة عنده حقل دلالي واسع.. 
انه مولع بالتركيب الدلالي الذي لا يمكن فك شفرته إلى باتباع الأسلوب والنهج التفكيكي للنص.. فهو يتعمد تركيب الجملة تركيبا دلاليا أفقيا.. (الأهم فالمهم).. 
بمعنى: أنه يبدأ تعبيره بما يريد للقارئ أن يركز عليه وفيه فكره وخياله ووعيه.. إذا أراد أن يدرك ما وراء الكلمات من تعابير ومعانٍ ، كقوله:
" المكان فواصل مقمرة لو نال السدنة هذيانهم بين سطو الليالي ' لو تقصانا فجر الركاب الذين يدسون عرق المتعبين حتى يمتصهم حيز الانفلات"
نجد أنه قدم الجواب على الشرط... فهو يريد أن يقول .."لو نال السدنة هذيانهم.. لكان المكان فواصل مقمرة...)
وهو بهذا يريدنا أن نركز في قراءتنا على ما بدأ فيه الحديث.. والتعبير.. كأنه يريدنا أن نفهم أننا لو أردنا أن يكون المكان فواصل مقمرة.. أي تشع نورا بلا حدود.. نورا يشمل الجميع.. بشمولية الأماكن.. علينا أن نكون سدنة حق .. لا ينال منا الهذيان حين تخيم الليالي بظلامها.. ولا حين يمتص الفجر عرق المتعبين وهم يسعون إلى طرق حيتهم.. وكسب قوتهم والعالم ذاهل عن معاناتهم..
وهو يوظف أنواع البلاغة توظيفا دلاليا .. وليس محرد توظيفا عاديا كمحسنات لفظية وتعبيرية ..
فهو يحمل كل تعبير له شحنة دلالية منها يتجلى الجمال التعبيري كقوله: 
- (رغم ذبول المشي) دلالة على التعب.. والارهاق.. والتراخي..
- (كم هو غابر موسم الماء) دلالة على تأخر عناصر الحياة والحيوية والنماء.. والرفاه.. فالماء عنصر الحياة.. {وجعلنا من الماء كل شيء حي} صدق الله العظيم
هكذا يجعل من عناصر الطبيعة رمزًا ناطقا موحيا.. يثري نصه بعمق الدلالة ورقي التعبير..الذي يزخر بها نصه .. وكذلك كل نصوصه.. ما يجعلها بحاجة إلى قارئ مثقف حساس ليدرك أعماقها ومراميها..
*
أكتفي بهذا العرض
لنترككم مع نص أديبنا الراقي .. ليتحفنا كل بما تذوق من أطياف جماله ومعانيه..
لكم التحية

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 19 فبراير 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

577,913