دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

دراسات ادبية

edit

الصور في قصيدة 
" أرصفة الشموع "
عمار دويكات
الصور الشعرية تعد احد العناصر الجمالية في القصيدة، فهي من تفتح الآفاق أمام القارئ ليهيم في فضاء القصيدة، فرغم بسطة اللغة التي يستخدمها الشاعر إلا أن الصورة تبقى ساطعة في القصيدة، العنوان يشير أن هناك مأتم جماعي، لهذا هناك "أرصفة الشموع" فالأموات كثر، وتم قتلهم بدون ذنب، فهم ابرياء، كما أن هذا القتل الجماعي لا يقتصر على مكان بعينه، بل يطال العديد من الأمكنة، وهذا ما نجده في "أرصفة" فهي جمع وليس "رصيف" مفرد، بسبب تفشي هذا المرض الفتاك (القتل) يفتتح الشاعر قصيدته قائلا: . 
"هي لحظةُ الصمتِ
المعبئ بالرحيلْ .."
بهذا الفاتحة يكون هناك توافيق بين "الصمت" وبين رهبة الموت، وكأن الشاعر اختار "لحظة" القصيرة وليس وقت طويل ليترك لنفسه المجال ليكون في الأرصفة الأخرى التي يوجد فيها "موتى"، فهناك زحمة في الموتى وفي اماكنهم تواجدهم، مما يجعل الشاعر في ضيق من الوقت، لهذا يتحدث عن "لحظة" وليس عن وقت طويل.
وهذا ما أوضحه لنا عندما قال:
" لا وقت في الساعات
يُمهلنا لنحمل حُلمنا ،" فضيق الوقت معطلة يعاني منها الشاعر، لهذا نجده في حالة فقر للوقت الذي يأخذ الموتى بسرعة عجيبة، ولهذا أصبح وداع الموتى يأخذ حالة "الحلم" فوداعهم ـ لكثرتهم ولتعدد الأماكن ـ أصبح الحصول على "وقت لوداعهم بمثابة "حلم".
لكن هل اقتصر الأمر على الوقت فقط، أم أن هناك معضلة أخرى تواجه الشاعر؟:
"حتى المحطات الكسيحةِ
يَسرقها الدخيل ْ..!!"
إذن هناك ضيق في الأماكن أيضا، فتبدو "كسيحة" غير قادرة على اعطاء ذاتها للموتى لكثرتهم، ومع هذا "يسرقها الدخيل" فالنادر أصبح أندر، والشحيح أصبح أشح، والقليل أصبح أقل، هذا هو واقع المكان على الشاعر، فالمكان والزمان والأحداث كلها تتأمر عليه بحيث لا يجد الوقت أو المكان أو الفسحة ليكون ذاته.
المشاهد السابقة تعكس حالة الواقع وكيف يراه الشاعر، كيف يشاهده، فهي مشاهد حقيقية، وليست من خياله، لكن كيف سيكون أثر هؤلاء الموتى وهذا الضيق في المكان والزمان عليه؟:
"والضوءُ تنعاهُ النوافذُ
لا نهار لليلنا" 
الحديث هنا يدور عن أثر "الموتى" والأحداث والوقت والمكان على الشاعر، وليس عن حدث حقيقي، لهذا نجده يستخدم التخيل من خلال الحديث عن الضوء والليل والنوافذ، فهي صور متخيلة وليس فيها شيء من الواقع، بل أثر الواقع، ما يتركه من احساس بالضيق والحصار، لهذا نجده يفتقد الضوء والنهار، وجعل النوافذ تنعاهما، وكأنها تشارك الشاعر حالة العزاء، وهنا نجد الشاعر "يتخيل/يتصور" أن النوافذ" تُآزره في محنته وفيما يعانيه من ضيق حصار.
يعود الشاعر إلى الحدث الواقعي فيقول:
"ماذا تبقى يا ترى
من بعد أن سرقوا السبيل ؟! ."
السؤال هنا يشير إلى حالة واقعية، فالسؤال واضح وينسجم تماما مع الواقع، المعناة التي يمر بها الشاعر، ففقدان السبيل يعني التيه والضياع، فلم يعد هناك بوصة يمكن الاعتماد عليها، وهذا ما يجعل الشاعر في الحضيض على كافة الأصعدة.
يعود إلى الصورة الواقعية الحقيقية من خلال:
"وحجارة ُ البيتِ المهدمِ
فوق أرغفةِ الطفولةِ"
الصورة واقعية، فالبيت مهدم وأرغفة الخبز تحت الركام، لكن الشاعر يحاول أن يستميلنا إلى موقفه من حالة الخراب والموتى المتفشية من خلال استخدامه "الطفولة" وهذه الاستمالة تشير إلى حالة الضيق والضعف التي يمر بها الشاعر، فكما قلنا: "الشاعر في الحضيض، على كافة الأصعدة" فلم يعد قادر على الاستمرار في الواجهة.
فهل يعلن الشاعر استسلامه وهزيمته؟، أم أن عليه أن يختار شكل جديد ليكون حاضرا، حتى لو كان هذا الحضور، هذا الفعل يشكل النبض الأخير له؟:
"تستفيقُ من الغبارِ
لترفع الأحزانَ
فوق أعمدة الدخان
وتختفي في المستحيل ْ.." 
نجد هذا النبض الأخير للشاعر في "تستفيق، لترفع، تختفي،" فهنا تخيل الأمل، وليس وجود الأمل بشكل حقيقي/واقعي، لكن الشاعر لا يريد أن يعلن استسلامه، هزيمته، لهذا اختار هذه الافعال المضارعة، ليعطي لنفسه قبل القارئ حالة من الاتزان ـ إن بقى هناك اتزان ـ في هكذا أوضاع.
يأخذنا الشاعر إلى عالم التخيل، العالم الذي به يستطيع أن يأخذ منه طاقة تساعده على الاستمرار في مواجهة الواقع، في كتابة القصيدة، لهذا نجده يستخدم أهم عنصر عنده "المرأة" التي يمكنها أن تُحدث الفرق وتقلب المعادلة رأسا على عقب، بحيث يبدو لنا الحال غير ما هو عليه، غير ما يمر به الشاعر، وغير ما وصفه لنا:
"وجميلةُ العينين
مِرودُها التراب ُ
وتجمع الحناء َ
تكتبُ في جدائلها
الوصيةَ للطيور ."
ف آخر "قصيدة" 
من خلال هذا المقطع يمكننا القول أن الشاعر يهيم في عالم من التخيل بحيث ـ خرج كليا ـ من الواقع ـ ولم يعد له أي أثر عليه، لهذا نجده يستخدم "جميلة العينين، تجمع الحناء، تكتب جدائلها، للطيور" فالألفاظ بمجملها جاءت بيضاء تماما، كما أن المعنى الذي تعطيه يحمل المضمون الأبيض، وهذا ما يجعلنا نقول أن الشاعر استطاع أن يتحرر كليا من واقعه، ويهيم في عالم "المرأة"، بعيد ان قتامة الواقع، فأخذ يحدثنا ليس عنها فحسب، بل عن الطيور وعن الكاتبة، وإذا ما توقفنا عند "المرأة والكتابة والطبيعة، يكون الشاعر قد استخدم ثلاثة عناصر من عناصر التهدئة، ويبقى عنصر "الثورة/التمرد" هو المفقود، غير المستخدم.
" لا بابَ نعبُرهُ إليها
كي نعيدَ وجوهَنا
ويعود في أعمارنا
الزمن الجميلْ ...!!"
لا أدري لماذا جاءت هذه الفقرة ما الداعي لها!، فهي تحدث خللا في بنية القصيدة، وتخرب ترتيب الجمال الذي كان، وهذا ما سنكتشفه في المقطع التالي:
"وشوارعُ النبض السليب
تقول في وجعٍ
لأرصفة الشموعِ :
سنعود يوماً
لو خيالا
فوق أجنحة الصهيل ْ.."
نجد حالة التمرد في الفاظ: "الشارع، النبض، توق، سنعود، الشموع، اجنحة، الصهيل" وهذا يشير إلى حالة التمرد/الثورة التي تعتبر العنصر الرابع لحالة الخروج عن الواقع وتجاوزه، وإذا ما أخذنا أن هذا (التخيل) بمجمله جاء بعد أن وصل الشاعر إلى الحضيض، يمكننا التأكيد على أن هناك اجتماع كافة عناصر التخفيف في القصيدة، المرأة، الطبيعة، الكتابة، الثورة، وهذا ما يجعلنا نقول أن السواد والقتامة التي جاءت في القصيدة لا يكفيها عصر واحد أو عنصرين للتخفيف من وقع الأحداث على الشاعر، فكان لا بد من استخدام كافة العناصر لتكون بمستوى الحدث "الموتى".
يختم القصيدة بهذا المقطع:
"فلترقُبينا ..
وارقبينا ..
حتى وإن نفذ الفتيل .."
الجميل في الخاتمة أنها جاءت تخاطب المرأة، المرأة التي كانت سبب احداث كل هذا البياض في القصيدة، وكأن الشاعر يستمد منها القوة ليواصل تقدمه إليها، إلى هدفه، ونجد اصراره على مواصلة الدرب/السبيل الذي فقده سابقا، فهو سيستمر، مستمدا قوته منها، إذن هو قويا وليس ضعيفا كما جاء في الفاتحة، لهذا نجده يؤكد على إبقاء مراقبة الحبية، منتظرة قدومه. 
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

المرأة في رواية "باب الحيرة" ليحيى القيسي: طوق نجاة وأمل مضيء في حاضر قاتم..!
رائد الحواري*
هناك العديد من الأعمال الأدبية تتجه نحو المرأة، فهي المخلص من ضغط الواقع، وهي من تمنحنا الهدوء في زمن "الصخب والعنف" والاتجاه إلى المرأة لا يقتصر على العلاقة الروحية فحسب، بل نجدها أيضاً من خلال العلاقة الجسدية، فمن خلال الجسد يمكن التخلص من الطاقة المكبوتة فيه، وإذا ما أخذنا الجمال والرقة التي تتميز بها المرأة، كل هذا يجعلنا نقول إن التعاطي مع المرأة في المنطقة العربية يأتي كتعبير عن حاجتنا إلى الحرية التي نفتقدها، لأننا من خلالها نعوّض على كل النواقص والخلل في حياتنا.
أعترف بأن رواية "يحيى القيسي" باب الحيرة قد فاجأتني إيجابياً، وهي بهذا المستوى من العمق، على كافة الأصعدة، فهناك لغة جميلة وتوازن بين دور المرأة والرجل، حتى إنّ الراوي يعطيها حرية سرد الاحداث بالطريقة واللغة التي تراها مناسبة، كما أن الاغتراب الذي يعاني منه كلا من "قيس حوران" و"سعيدة القابسي" يجعلنا ننحاز لهما ونتفهم طبيعة العلاقة التي أقاماها معاً، حتى لو كانت خارجة على المفهوم الاجتماعي والديني، فالدوافع التي جعلتهما يقومان بها يمثل تمرداً على الواقع، على العرف، على المجتمع، ورغم الثقافة الدينية التي يتمتعا بها إلا أنهما يقومان بعلاقة جسدية كتعبير عن رفضهما للواقع الاجتماعي، وكرد على حالة الهزيمة والانكسار المتواصلة والمتكرر التي يمران بها، هكذا نفهم تلك العلاقة، كما أن تركيز الراوي على الكتب التراثية التي تتحدث عن التراث الجنسي عند العرب والفكر تحديدا يعد تحديا للواقع الذي اختزل الإنسان بفكرة مبتورة.
قيس حوران
الشخصية الرئيسة في الرواية، التي تفكر وتتصرف بطريقة تتجاوز ما هو سائد، فهو يجد ضالته في: "إنني إذا جاءني الوجد، وهاجت بي الذكرى، وتناوشتني الأحزان، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، أحبّ أن أصعد جبلا منيفاً، فإذا وصلت قمته، رغبت أن أسمع موسيقى هندية لآلة الستار... وربما لا تصدقين أيضاً أنني أتمنّى سماع مدائح النقشبندي وسورة مريم بصوت عبد الباسط... يا "هاديا" أبدأ بالنشيج، فالبكاء، فالنواح بصوت عال تسمعه الخلائق فتبكي معي وعلي، حتى يرق لي الحجر والشجر والطير، وحين تنتهي النوبة أشعر بالهدوء والسكينة والتطهر، ويزول من صدري الغم والهم وقهر الزمان" ص12، الراوي يفضي بما فيه إلى امرأة "هاديا" وهذا يعطيه راحة تضاف إلى عملية افضاء ما في النفس من قهر، إذن الراوي يشعر بالراحة عندما يبكي، عندما يفضي ما فيه من ألم وقهر، خاصة عندما تكون المرأة بجانبه.
وإذا ما توقفنا عند ما جاء في عملية التفريغ "أصعد جبلا منيفا" يكون الراوي قد حصل على عناصر التخفيف المتمثلة في الطبيعة، والمرأة التي يخرج لها ما فيه من هم ووجع، ويبقى هناك الكتابة/القراءة والثورة/التمرد.
لكن ما سبب هذا الضيق والقهر الذي يمر به "قيس"؟ يجيبنا الراوي من خلال حديثه عن الجيش الذي كان من المفترض أن يحرر فلسطين من الاحتلال: "مرحى لمدرعاتنا ...، دبابات الجنزير ...، وين ع رام الله... ، وحنا للموت وحنا للسيف...، ربع الكفاف الحمر,,,ـ وهيه هيه يلا يا بو عبد الله بدنا نحارب" ص 14، هذا الأغاني والأهازيج التي كان يرددها في الجيش، والتي يبدو الجيش من خلالها مستعداً للقتال والتحرير.
يقدمنا الراوي أكثر من طبيعية الجيش فيحدثنا عن عملية التدريب قائلا: "صدقيني أنني كنت أمضي ساعات طويلة في تسويد وجهه، أنا أقصد البسطار ...، حتى يبيض وجهي أمام الضابط، ... كان الربط والضبط عالياً، والتدريب أيضا، لكنني لم أطلق رصاصة واحدة عليهم ...، أقصد الإسرائيليين ... انتظرنا الحرب طويلا ولم تأت، وحين أتت ذات مرة كنت طفلا,,, بالمناسبة فكرة القتل ترعبني، كيف يمكن للإنسان أن يقتل إنسانا آخر؟.
... قبل بزوغ الضوء، وصوت العريف "وحّد الله يا عسكري ... انهض " لا مجال بالتأكيد لمناداة أخرى، حتى لا يراق الماء البارد على الوجوه" ص14، هذا واقع العسكري العربي، فالضباط يهتمون بالتدريب النظري، أما التدريب على القتال فهو غير مهم، ورغم شدة وقسوة الظروف والاجراءات التي تفرض على الجندي العربي إلا أنه يتحملها فقط من أجل أن يستعيد ما سلب من الأرض العربية.
ويحاول "قيس" أن يبرر لهذا الجيش عدم خوض الحرب من خلال قوله: "بالمناسبة فكرة القتل ترعبني، كيف يمكن للإنسان أن يقتل إنسانا آخر؟." وكأنّه اصبح جزءاً من حالة الانهزام التي يمرّ بها العرب، هكذا يبدو للوهلة الأولى، لكن إذا ما دخلنا إلى الدوافع التي جعلته ينخرط في العمل الفدائي، تجعلنا نتأكد بأن "قيس" أراد القول إنه يؤكد على أن الواقع العربي هم من أوصله إلى هذه الفكرة، ولم تأت من خلال قناعة، بل من خلال عملية ضغط متواصلة، وهذا ما جاء بشكل واضح عندما قال: "... لكن الحرب لم تأت أبدا، فقد وقعت الدولة اتفاقية سلام، وقالوا لنا "انتهى كل شيء.. وما فيش حرب ولا ضرب..." وأنا أحسست حينها أن كل شيء راح هباءً منثوراً، وكأنّهم ضحكوا علينا ... وأراقوا ماء باردا فوق رؤوسنا، والحمد لله أن الحرب لم تقع.. أتدرين لماذا؟ لأنه كان سيحدث لنا بالضبط أو يزيد مثل ما جرى في عامين الشهرين 1948 وإلى 1967، ولا تظنيني متشائماً أو انهزاميا جبانا ...! قتلتنا العواطف والخطب والأدعية المجترة ...، والآن يا هاديا علينا أن نعترف بأننا أمة عربية مهزومة وذات رسالة خامدة" ص16و17، 
من خلال ما سبق يمكننا التأكيد أن "قيس" بطبيعة الحال كأيّ إنسان يريد أن يكون له كرامة، ليس كفرد فحسب بل كأمّة أيضاً، لهذا نجد حسرته على عدم خوض الحرب، وما تفسيره للحروب السابقة إلا انعكاس لحالة القهر التي يمر بها، وإلا ما كان قال "وأنا أحسست حينها أن كل شيء راح هباء منثورا، وكأنّهم ضحكوا علينا" فهو كأي إنسان في حالة الحصار عليه أن يجد لنفسه مخرجاً يخفف من وطأة الأحداث عليه، فأوجد هذا المبرر، محاولاً أن يقنع نفسه بأن ما جرى يعد حالة طبيعية في مسار أمة تلاحقها الهزائم والانكسارات.
إذا كان هذا الاستنتاج غير كامل المعالم، فإن "قيس" يحدثنا بصراحة مفرطة، وبطريقة مباشرة عما يعانيه كمواطن عربي: " أنا "قيس حوران"، ولدت في زمن الهزائم والانكسارت، والعلل والنكسات، كان عمري سبع سنوات حينما قرعت طبول حرب 1967، واحتل العبرانيون المدججون بالتوراة وأسلحة بريطانيا واميركيا ما تبقى من فلسطين، ...واندحرت جيوش العرب العاربة والمستعربة في أوكارها، وشرّد الخلق إلى كلّ مفترق، ومرّ بسهل حوران آلاف النازحين من يافا وصفد وطبريا وعكا ورام الله وجنين.. ومن قرى كانت تفيض عسلا ولبنا" ص20، 
إذن الهزائم العربية هي سبب القهر والألم الذي يعانيه "قيس" وليس أي سبب آخر، وإذا عرفنا أن أخاه العسكري "محمود" قد استشهد في معركة الكرامة التي حقق فيها العرب أول نصر على جيش الاحتلال، يمكننا التأكيد أن هناك جانب شخصي يضاف إلى المواقف الوطنية والقومية التي تدفع "قيس" ليتخذ موقفا حازما من خوض الحرب. ويضاف إلى هذا الأمر أن أخاه الثاني "ناصر" ذهب ليشارك في العمل الفدائي في بيروت.
يمكننا القول إننا امام أكثر من دافع ليكون "قيس" رجل حرب وصاحب مبادئ، فالحرب هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنه بها أن يجد ذاته، كمواطن شعر بالعار من خلال الهزائم المتلاحقة، وكرجل يريد أن يثأر لاستشهاد أخيه "محمود".
بعد كل هذا الوقائع يحاول "قيس" أن يجد منفذاً يخفف من وقع الأحداث عليه، فيقيم علاقة مع "سعيدة القابسي" لكنها تجد نفسها تموت في "تونس" فتهاجر إلى فرنسا، ويجد "هاديا" التي يحدثها محاولا أن يجد عندها شيئاً من السكينة، لكنّه يفشل في هذا الأمر وينتهي به الأمر بهذا الشكل: "نفسي هي أول من أنكرتني، بدأت بالرؤى والكوابيس، وانتهيت بطول التفكير، .. حتى ركنت إلى الجلوس في البيت، وترك الدروس في الجامعة، ...لكني أصبحت رجلا لا يطاق، كنت مريضا أكثر الوقت، أو منحل الجسد، قد هاجمتني الكآبة، والرغبة بالعزلة" ص98.
هذه النهاية تؤكد على أن هناك حالة قاسية ومؤلمة عاشها "قيس" بحيث لم يستطع أن (يتكيف) مع واقع الهزائم والانكسارات المتلاحقة، فهو كإنسان يريد أن تكون له كرامه، إن كان كفرد أو كأمة، لكنه لم يجدها، فحاول أن يعوض فقدانه الكرامة من خلال إقامة علاقة مع "سعيدة" و"هاديا" لكن عقله الباطن استمر بالسيطرة عليه وعلى ماضيه، فالشعب الذي شاهده يهجر وطنه مكرها، وصورة "محمود" الشهيد الملفوف بالعلم، ثم صورة اتفاق السلام الذي انهى حلمه في خوض الحرب، الحرب التي من كان خلالها سيجد كرامته الوطنية والشخصية، ويحقق العدالة بانهزام الجيش الذي قتل أخية، لكن كل احلامه تبخرت، فكان من الطبيعي أن يصاب بحالة الكآبة والعزلة.
"سعيدة القابسي"
امرأة تونسية عربية تحاول أن تتجاوز واقعها، من خلال تمردها ورفضها كل الأفكار الاجتماعية السائد عن المرأة: " مرة أتخيّلها من صنف المناضلات المسترجلات اللواتي ينسين أنوثتهن أو يسحقنها تحت وطأة الأفكار الكبرى والقضايا المصيرية، ومرة تبدو لي أنثى شهوانية الإيحاء، وأحيانا مثقفة أممية تناقش في الديالكتيك والنزعات المادية، والفلسفات الأوروبية، وربما تبدو في وقت آخر عروبية صرفة" ص39و40، إذن أول تمرد جاء من خلال اعتناقها لأفكار تعتبر متمردة على الواقع، كأنها من خلالها تريد أن تؤكد حضورها الاجتماعي والفكري والسياسي، فهي إذن ليست امرأة عادية.
بعد تمردها على الأفكار السائدة، تتمرد على واقعها كأنثى، متجاهلة مسألة "العذرية" التي يجب أن تلازم المرأة العربية حتى زواجها، فهي عنوان العفة والشرف: "...تسلمني جسداً جامحاً، وروحاً قلقة، وتركنين سعيدة المتوفزة خارج الباب، وفي عرصات المدينة، وتأتين وادعة، تتلوّين من فرط اللذة، وتعزفين بأناملك على أوكار الرغبات حتى تلين، وتنتفضين صاعدة إلى الأعالي، فمن يصدق أنك أنت هنا، غيرك هناك... وها انت تتمدين عارية من كل ما يعكر مزاجك، نصعد معا إلى مقامات اللذة، تعتذرين دون ندم عن عذريتك التي أطاح بها صديقك الأثير ذات ليلة بموافقتك" ص41.
هكذا وصفها لنا "قيس"، الذي يعاني من الهزائم والقهر، فهي بالنسبة إليه منفس، يخفف من وطأة الواقع الضاغط عليه. ونجدها تتحدث عن نفسها بكل جرأة فتقول: "صحوت على الحياة متمردة، رغم سطوة الذكور من حولي، لهذا رحت أتشبه بهم، .. تعلمت التدخين، وصار إدماناً عندي في لحظات اليأس، وكثيرا ما لجأت إلى الخمر، وعادة ما أدخل حانة وحدي لأشرب شيئاً من النبيذ أو البيرة دون أن أحسب لأحد حسابا، وقد يظنني بعض السكارى صيدا سهلا مثل أي بائعة جسد، لهذا كثيرا ما تعاركت معهم بالسباب، ..كنت اخرج من كل الحانة بنشوة هائلة، وأرغب بركل العالم كله بقدمي:ـ لماذا تعتبرون المرأة عاهرة إن تعددت علاقتها، ولا تطلقون على أمثالكم الرجال العواهر؟" ص43 -44.
بهذا السلوك كانت "سعيدة" تعبر عن رفضها وتمردها على واقعها، كما هو الحال بالأفكار التي تحملها، إذن كانت منسجمة بين أفكارها وسلوكها، وهذا ما جعلها تتقدم أكثر من ذاتها من خلال سفرها إلى فرنسا، على النقيض من "قيس" الذي كانت تصرفاته تعبر عن حالة (تنفيس) ليس أكثر، لهذا نجده يعود إلى حوران خائبا دون أن يقدر على خطبة "هاديا".
"سعيدة وقيس"
يكتب "قيس" خلاصة فكرته عن "سعيدة" فيقول: 
"كانت الضوء الذي
يضيء لي غربتي
وضيق الأمكنة علي
والهواء الذي ينفث 
فيّ الحياة
حينما تفترسني
بأنيابها
قطعان الحنين" ص40
إذن هي بالنسبة له الحياة من خلال "الضوء والهواء" لهذا كان من الطبيعي أن يفشل مع "هاديا" لأنّ علاقته بها جاءت نتيجة ضغط سابق، ولأنّ هذه العلاقة كانت تمثل ردة فعل لهجر "سعيدة" له، وكانت تمثل التمرد والثورة الحقيقية والناجحة في ذات الوقت، وتمثل حالة الانسجام بين القول والفعل، فهي تعوضه عن الهزائم الحربية التي منيت بها الجيوش العربية، لأنه لم تكن منسجمة بين القول/التنظير والفعل، بينما "سعيدة" المرأة المفترض أن تخضع للمجتمع وللدولة والدين وجدها تنجح في ثورتها وتمردها وتحقق ذاتها، متجاوزة كافة العوائق والحواجز التي تحول دون وصلولها لهدفها.
بينما تقول سعيدة: "...ربما تعذر قسوتي على نفسي أولا ثم عليك، رغم أنه فات الأوان لذلك الغفران... والآن وأنا أودعك لا أملك غير تذكر تلك الأبيات التي كنت تقرأها علي لشاعركم المنتحر السبول:
أنا يا صديقي
أسير مع الوهم
أدري
أيمم نحو تخوم النهاية
نبيا غريب الملامح
أمضي
إلى غير غاية" ص47
"سعيدة" تتخذ موقفا حاسما من السفر إلى الخارج، تاركة حبيبها "قيس" في الجحيم، فهي وصلت إلى قناعة أن هذه الدول بمجملها تعد قبرا للإنسان، فكان لا بد أن تبحث عن حياة أخرى، وهذا ما كان.
التناص مع القرآن لكريم
سنحاول أن نتحدث عن حالات التناص مع القرآن الكريم التي جاءت في الرواية، فهي بمجملها جاءت على لسان قيس، إذا ما استثنينا "لن تستطيع معي صبرا" ص93، التي جاءت على لسان "دليلته" :" وضاقت علي الأرض بما رحبت" ص12، "زيتونة شرقية ولا غربية" ص15، "نداء خفيا" ص27، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ص28، "إلا من أكره وقلبة مطمئن بالإيمان" ص77، "حتى وصلت مغرب الشمس، فوجدتها تغطس في بحيرة حمئة" ص87، "فكل شأن يغنيه" ص92، "لن تستطيع معي صبرا" ص93، "بلى ولكن ليطمئن قلبي" ص97، يستوقفنا هذا التناص الذي يشير إلى ثقافة "قيس" الدينية، فهل أرادنا الراوي أن نربط بداية، بين فشل "قيس" في مشروعه الوطني والقومي في تحرير فلسطين، ومن ثمة فشله في استدامة العلاقة مع "سعيدة وهاديا"، وفشله في اكمل دراسته، وفشله في تحرير ذاته من الضغط كما فعلت "سعيدة، من جهة وبين الثقافة الدينية التي يحملها، بمعنى أن ثقافته الدينية هي احدى الأسباب التي حالت دون تحقيق أيا من أهدافه، وأوصلته إلى الحضيض على كافية المستويات، على النقيض من "سعيدة" المرأة المضطهدة والمقموعة، التي تحمل أفكار يسارية وتحررية و التي استطاعت أن تحقق ذاتها كما تريد؟.
اعتقد أن هذا ما أرادنا الراوي الوصول إليه، ربط فشل "قيس" من خلال اعتناقه وإيمانه بالأفكار الدينية التي حالت دون تقدمه بشكل ثوري، بشكل سوي نحو اهدافه، العامة والخاصة، وهذا ما وجدناه في كلام أبوه عندما أراد منع "ناصر" من الذهاب ليشارك الفدائيين عملهم:
"ـ أنت تريد أن تلتحق بالشيوعيين الكفار وتفضحني عند خلق الله وعند الدولة..!" ص22.
**الراوية من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، دار الفارس للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2006
• كاتب من فلسطين

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 119 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الأسئلة في قصيدة 
"كيف يسهر الصبح - ؟"
عايد السراج
من العناصر التي تستوقف القارئ الأسئلة، فهي بطبيعتها تجعل المتلقي يتوقف عندها متأملا، وطبيعة الأسئلة في الشعر تأتي لتوكد على حالة يردها الشاعر أو يرفضها، والأسئلة غالبا ما تأتي لتعبر عن ذروة الرفض/الكره/الألم/الهم أو نشوة الانسجام/الحب/السعادة/الفرح، وبما أن واقعنا العربي في أسوأ حالاته، فإن الشاعر "عايد السراج" يعبر عن هذا الواقع في قصيدة "كيف يسهر الصبح؟" والتي يستوقفنا عنوانها قبل مضمونها:
"كيف أنسى وارف الظل , في شجر الفرات ؟"
تركيز الشاعر على المكان يعطينا صورة عن العلاقة الحميمية بينه وبين "الفرات" فالسؤال هنا بالتأكيد يمثل حالة الرفض للبعد عن "الفرات/العراق" وبطبيعة الحال فإن أهمية وحيوية وفاعلية وأثر المكان مجمع عليه من قبل كافة العراقيين، وحتى العرب، وتركيزه على النواحي الجمالية للعراق، يمثل حالة جذب وتقريب للمتلقي، فالشاعر يستخدم العناصر الجمالية ليجعل القارئ يتقدم أكثر وبسرعة من "الفرات".
" وهل يــُنسى الفرات , وهو ماء وطين"
هذا السؤال الثالث الذي يستوقف القارئ، والشاعر يتعمد أن يركز على "الفرات" على الماء الذي يعد مادة الحياة الأساسية، خاصة للعراقي الذي أوجد أقدم حضارة إنسانية، فإذا كانت الأنهار عند الشعوب تأخذ أهميتها من خلال زراعية وما تقدمه من تسهيلات لتأمين الغذاء، فإن "الفرات" يتجاوز هذه المسألة لأنه مادة الحياة للعراقيين، وهنا يقدمنا الشاعر من أسطورة الخليقة العراقية التي تقول أن الإنسان خلق من ماء وطين، وهذا البعد الأسطوري يقدمنا من الحالة الأدبية والفكرية والحضارية والثقافية التي وصل إليها العراقي قديما، مما يعطينا دفعة إضافية لنتقدم أكثر إلى الأمام، لنتقدم وبسرعة من العراق.
السؤال الرابع:
"كيف تلمّ غيمةٌ صبحها ؟
والمكلومة جرحها " 
هذا التوحد بين العراقي وفضاء "الفرات" يشير إلى حالة الحرية التي يجب أن تكون في "الفرات" وهذه الحرية هي من تجعل العراقي "يعفوا عما ظلمه" من أهل بيته، فوحدة العراقي بفضاء "الفرات" وحدة عضوي "لا انفصام لها".
كل هذا يحدثه "الفرات" في العراقي، وهكذا ينظر العراقي "للفرات" لكن يكيف سيكون حال العراقي إذا ما بتعد/تغرب عن "الفرات"؟
" ولا غرو, إذا ما ضيعتُ حسي 
وضاع الزمان, وضاع المكان 
وتناثرتُ, برقاً, ورعداً , وشؤماً 
وأشياء َ- أ خرْ,"
الإجابة، تيه العراقي في الزمان والمكان، وكأن الشاعر يقول أن كافة بقاع الأرض لا تعوضني عن "الفرات" وأن الزمان سيكون بلا معنى إذا لم أك في "الفرات" وليت الأمر توقف عند هذا الأمر، فنجد مشاعر الشاعر في حالة "تناثرت، برقا، ورعدا، وشؤما، وأشياء أخر" وهذا الألفاظ القاسة تؤكد على ألألم الذي يعانيه الشاعر/العراقي عندما يبتعد عن "الفرات"
يختم الشاعر القصيدة بسؤال:
"فهل أنسى , قصة عـُمـْر ٍ 
تباها بها الليل ُ, حكايا موت ٍ زُؤام ْ
هو الفرات ينوح علينا ولا يحلو له شدو الغرام"
في المقطع الأخير يحثنا الشاعر على التقدم من "الفرات" لأن الفرح والفضاء الرحب "للفرات" والتمتع بجماله لا يمكن أن يستبدل "بالنواح"،
ويستوقفنا المقطع الأخير لأنه يذكرنا بطقوس عبادة الإله "تموزي" الذي تقام له أيام الحداد والندب عندما يغيب/يذهب إلى العلم السفلي، ويحتفي بعودته، فتقام الأعياد في بداية شهر نيسان، شهر الربيع، وطقوس لزواج المقدس من "يحلو الغرام" فالشاعر يدعونا إلى اكمال "طقوسنا القديمة" فلا نكتفي بالندب والنواح، بل يجب أن نحتفي بالأعياد والعودة الحياة/الخصب للفرات"، وأعتقد أن هذا الترميز لأسطورة "تموزي" يعد استثنائيا، فالشاعر لا يعطي تفاصيل عن الأسطورة، بل أعطانا إشارة بسيطة من خلال "ينوح وشدو الغرام" لندخل نحن إلى متن الأسطورة، والذي يحثنا على الفعل والعمل لنتقدم من الخصب والأعياد. 
القصيدة منشورة على صفحة الكاتب على الفيس

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 23 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

أثر المكان في مجموعة 
"كرز"
سليم البيك
غالبا ما يأتي يتناول المرأة وما يتعلق بها بشكل ناعم وممتع وسلس، إن كان من خلال المضوع/الفكرة أم من خلال اللغة المستخدمة، أم من خلال طريقة واسلوب تقديم المادة الأدبية، ما يلفت النظر في هذه المجموعة أنها تتحدث عن المرأة، والمرأة هنا ليست أية امرأة بل تلك المثقفة، فنجدها في معارض الكتب ومعرض الرسم، وفي المكتبات، وفي المسرح، ونجدها صاحبة "جاليري" وتشارك في مسابقة التمثيل، ونجدها على شاطئ البحر، وفي المصعد، وفي الحديقة، وفي المقهى، وفي السيارة، وبما أن القاص لا يتحدث عن المرأة العادية بل تلك التي تقرأ وتشارك في المسرح وتشاهد معارض الفن، فبالتأكيد ستكون متحرر من فكرة (الشيطان ثالثهما)، ولن يكتفي القاص بالحديث عنها من الخارج، من خلال وصفها أو الحديث عن محاولاته للتقرب منها، بل نجده يقدمنا أكثر ليحدثنا عن العلاقة جسدية بينهما، إذن المجموعة تقدم المرأة بأكثر من حالة وأكثر مكان.
سنحاول التقديم من تلك الحالات وتلك النساء اللواتي جئن في هذه المجموعة، في قصة "عن الأسود وبنفسج" يحدثنا عن مرأة في معرض الكاتب، والطريقة التي تصرفت فيها: "...أحاول اختلاس نظرة إليه متفاديا انتباهها لذلك، وأطمئن لتظاهرها بعدم الانتباه.
تتواطأ معي" ص14، فهنا العلاقة بريئة تماما، فهي لا تتعدى النظرات، وتنجد الراوي والمرأة كلاهما أضعف من البوح بما يجمله من عاطفة.
لكنه عندما يقابلها على شاطئ البحر يأخذ حريته أكثر، يدور هذا الحوار في قصة "في قطرة اشتياق":
"ـ مالك؟
ـ ولا شي .. معك حق، الأخضر بس لعيونك..
نظرت إلى البحر وأكملت في تفسي: لا مبرر لخلق هذه اللون قبل خلقك وربما لإعادة خلقه من بعدك" ص17، فالمكان هنا اعطا القاص مساحة من الحرية أكثر مما كانت عليه في معرض الكتاب، ويبدو أن القاص على دراية تماما بأثر المكان على الشخصيات، ففي المعرض يكون الزوار من النخب المثقفة، لكنهم يبقوا منغلقين على الآخرين، الذين لا يعرفونهم، أما على الشاطئ، فمن يذهب إليه من النساء تكون متحررة ولا يشكل الحديث معها احراجا، وهذا يعود إلى المكان وطبيعة زواره.
وهذا ما وجدناه عند القاص حيث تقدم أكثر من تلك المرأة من خلال: "عادت إلى البحر... قطرات أصغر بدأت تتكثف على شفتيها الفاغرتين، قليلا تأهبا لقبلة طائشة قد تحدث أن تحط فجأة عليها، ... هي تنظر إلى البحر تظمئن أكثر أن لا خضر فيه، وأنا اتمعن في قرصين شفتين طحلبيين، وقطرات تتدحرج على خدين وشفتين صامتين." ص18، إذن طبيعة المكان الذي تجري فيه الأحداث له أثره على شخصيات القصة، وتحديد المكان وطبيعته له وقعه على الأحداث، فالمكان العام غير الخاص، كما أن طبيعة المكان ـ خاصة أم عام، من هم رواده، ذكور أم اناث، عاديين أم نخب ـ لها دور في مجري الأحداث وبما يقوم به الشخوص من أفعال وأقوال.
من هنا يأخذنا القاص إلى علاقة خاصة جدا بين فنان ومرأة، يفتتح قصة "P.S" بهذا الشكل:
" سلمى يا سلمى
يا حبيبتي
لو تعلمين ما يقترفه غيابك، منذ رحلت إلى لندن الكئيبة، وأنا معتكر المزاج... كم اشتاك إليك مستلقية أمامي بكامل عريك تفصلنا قطعة الكانفاس وتزكم أنوفنا رائحة الألوان، كانت تستثيرك، أما زالت تعبق في ذاكرتك تلك الروائح؟" ص21 فهناك يأخذ القاص مساحة من الحرية أكبر من تلك التي كانت في قصة "في قطرة اشتياق" فرغم أن المكان كان يعطي حرية للراوي، إلا أن طبيعته العامة تجعل الفعل أو القول يبقى أسير ضمن نطاق محدد، لكن هناك امكان وحالات يتقدم فيها القاص أكثر، حيث يتحدث عن علاقة خاصة، علاقة الفنان بالمرأة، وهذا ما وجدناه عندما تحدث عن ذكرياته قائلا: "كم أضعنا من الوقت وأنت هنا، اشتقت لفخذيك سلمى، ...تحبين حديثي حين يستقي مفرداته من جسدك، كم تحبين جسدك وكم أحبك تحبينه هكذا، وكم أغرقتني في غمام فخذيك البضين لأخرج بمزاج رسم صباح اليوم التالي.. لواحتي الإيروتيكية التسع رسمتها بعد ليال غرقنا في حلكتها سوية في سرسري المتهدل بصوته النحاسي، وزقزقته تتناغم مع موائك وصوت ارتطام جسدينا" ص24، الحديث يدور هنا عن ليلة فنان وعشيقته وما فعلاه، ومثل هذه التفاصيل لم تكن لتكون لولا طبيعية المكان وخصوصيته، والطبيعة الفنان وعشيقته، فهو يتحدث عن لوحات "إيروتيكية" والتي تقدم الجسد الإنساني دون ستائر والتي تركز على المناطق الحساسة فيه.
إذن البيت أو الغرفة الخاصة تعطي القاص مساحة كبيرة ليقول ويفعل ما يريد، وهذا ما وجدناه في قصة " كأنها لم تبق، لم ترحل" والتي يتحدث عن علاقة المرأة المثقفة بالمثقف، يحدثنا عن هذه العلاقة: "اقترب من الغرفة ببطء حذر، فرآها حانية رأسها تنظر إليه مبتسمة، وكتاب مفتوح بين يديها، أغلقته وقالت:
ـ حلوة؟
خرج من الحمام إلى الغرفة مترديا ملابسه نفسها.
ـ شو حبيبي/ ما تحممت؟
..اقترب منها وضع الكتاب على رف المكتبة، وطقت بيديها رقبته.. رفع إحدى يديه ليحفر في عمق ستيانتها وينتشل بكفه ثديا، ... نزل بفمه إلى الثديين يبتلعهما كثعبان يمتص ويعض ما أزهر عليهما من حبتي التوت، وهي تموء وتفرك بشعره يديها، رفع بيديه إلى ردفيها وحملها إلى الطالولة،..
ـ ع التخت حبيبي
جذب فخذيها إليه لتنزل... وهي تخلع عنه قميصه وتهبط بيديها إلى أزرار جينزه" ص47و48، تقديم العلاقة الجسدية بهذا الشكل وبهذه الطريقة تتناسب ولغة المثقف، فهو لا يستخدم لغة رديئة، بل لغة تدفع القارئ ليتقدم أكثر من المشهد، وكأن القاص يتعمد إثارة القارئ بما يقدمه من مشاهد، 
في قصى "انغماس مبلل" يحدثنا القاص عن مشاعر بطله في المصعد، فرغم أن المكان خاص، إلا أن طبيته تحول دون إقامة علاقة حميمة مع المرأة، فهو يبقى مكان مؤقت، يدخله "عموم سكان العمارة، القاص يقدم الطريقة التي ينظر إليها للمرأة: "بدأت رحلة الصعود عبر انحناءات جذعها الجانبية وقد جاءت كانسياب متقعر لتحدب خصرها، بدت كمنحدر مقلوب، لم يكن صعوده يسيرا، لكني وصلت إلى صدرها، ومن الطريق الجانبي.. لم يكن أمام لكي أطمئن إلى صلابة مهديها، غير أن أجسهما بعيني لأجدهما حجري صوان، مكورين، يقدحان شررا عند حفهما بقوة، وقد يملأ أحدهما كف يدي" ص37 و38" فالحديث يدور عن امرأة في المصعد، ليس بينها وبين الراوي أية علاقة، لهذا هو يتحدث عما في نفسه، دون أن يجرؤ أو يقدر على أن يقدم على خطوة فعليه اتجاهها، لهذا نقول أن "سليم البيك" قدم لنا أثر المكان على الشخصيات بطريقة مذهلة، فالمكان هو من يحدد طبيعة الحدث، والطريقة التي يجب أن تجري فيها الأحداث.
الفلسطينية
غالبا ما يأتي الفلسطيني على ذكر المكان، فهو بالنسبة يعد أحدى المكونات الأساسية لشخصيته، ليكانه، لوجوده، "سليم البيك" كفلسطيني ذكر لنا فلسطيني في أكثر من موضع في المجموعة، رغم أنها تتناول أحداث ميل وحب وعشق وعلاقة جسدية مع المرأة، لكنه كفلسطيني يجد نفسه ـ في العقل الباطن والعقل الواعي ـ يندفع نحو المكان، يقول في قصة "P S "
"احتجت مرة لونا بين الفستقي والأصفر ولم أجده، فأفرغت مرهما في فنجان وخلطته بقطرتين من زيت الزيتون الفلسطيني لا الأسباني، ودهنت اللوحة به" ص22، يحمل هذا الاستخدام شيء من الرمز، وكأن لون اللوحة لا يأتي معبرا إلا من خلال الزيت الزيتون الفلسطيني، ولا أي زيت زيتون آخر.
ويقول في قصة " مارشملو": "فتحت الحقيبة وأخرجت ألبوما يحوي صورا للوحاتي المعروضة في مسرح اللآز في عكا" ص86، وفي قصة العنوان "كرز تشييزكيك":ولها أسرارها الخبئثة، وككل أسرارها لا تكشفها لغيري: أن الكرز مثلا، لا يقبل بغير ذاك الذي يأتيها من قرية الجش في الجليل" ص102، ويقول في قصة "أدرت راسي لأراها": "ـ القدس مدينة وعاصمة فلسطين" ص107، ويقول في قصة "ليس هكذا تنتهي القصص" : "وصلته من بيت لحم لهذه المناسبة" ص121، كل هذا يجعلنا نقول أن الفلسطيني مسكون بالمكان، فهو لا يستطيع أن يكتب ـ بصرف النظر عن مضمون الأحداث ـ دون أن يذكر أحدى العناصر الأساسية التي ينتمي إليها، إلا وهو المكان. 
والفلسطينية لم تقتصر على ذكر المكان فحسب، بل جاءت من خلال اللغة المحكية، فهناك العديد من الحوارات تشير إلى فلسطينية المتحاورين، نجد هذا الحوار في قصة "مجيء وذهاب كجرح التام" : "ـ قلت للقمر ينسحب شوي شوي ... بلكي بتعتم أكثر" ص69، ونجد الفلسطينية أيضا ضمن السرد القصصي، جاء في قصة "أدرت رأسي لأراها" : "أنهيت ندوتي عن حق العودة وأوضاع الفلسطينيين في المخيمات" ص105، كل هذا يجعلنا نقول أن الشخصية الفلسطينية كانت حاضرة في المجموعة، رغم انها تتحدث عن علاقات حب وغرام.
المجموعة من منشورات الأهلية للنشر والتوزيع، عمان الأردن، مؤسسة عبد المحسن القطان، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2011.

 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 20 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

مناقشة ديوان القصائد النثرية "تعويذة الحب والياسمين"
للأديب هادي زاهر 
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها دار الفاروق تمت مناقشة قصائد نثرية للشاعر الفلسطيني "هادي زاهر", وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" الجلسة مرحبا بالكاتب الذي حضر النقاش قائلا: يعتبر "هادي زاهر" واحدا من الكتاب الفلسطينيين الذين لهم حضور شبه دائم في الساحة الفلسطينية ويعود ذلك إلى تعدد المواضيع التي يكتب فيها، فقد كتب في القصة القصيرة والرواية والمقالة واهو يكتب أخيرا في القصيدة النثرية ، كما أن المواضيع التي يطرحها في أدبه تعبر عن واقع الفلسطيني وما يعانيه من قهر الاحتلال، لهذا نقول أن كتابات "هادي زاهر" يمكن أن تصنف ضمن أدب المقاومة، فهو لا يكتب للرفاهية أو للمتعة فقط، بل لخلق حالة فكرية تعري واقع الاحتلال وممارساته القمعية بحق شعبنا.
وأضاف قائلا: إن هذا العمل ليس أول عمل له تصدره دار الفاروق بل هناك مجموعة من الكتب سبق إصدارها عن دار الفاروق منها "الرقص على الحبل، القاتل المجهول، أمطار أبابيلية" الطبل والأفاعي ، والعمل الأخير "تعويذة الحب والياسمين" هو العمل الأول في مضمار الشعر، ونجد فيه روح ما جاء في المجموعات القصصية، لهذا نجد الهم الفلسطيني حاضر وقوي في قصائده، فهناك العديد من الشخصيات التي تناولها الشاعر مثل "عهد التميمي ورازن النجار" وغيرهما، وهذا ما يجعلنا نقول أن الكاتب يهتم بالحدث الوطني الفلسطيني ويأخذ مكانه فيما يقدمه من أعمال أدبية.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الأستاذ "سامي مروح" الذي رحب بالكاتب هادي زاهر ثم قال:هذه قصائد نثرية ، فهيا متعة، وتحمل مضامين وطنية،، لغة الديوان تميل إلى اللغة المحكية، حيث يمكن لأي قارئ يجد نفسه فيها، فقد جاءت بلغة سهلة وواضحة، لكننا نجد ـ أحيانا ـ ينفعل في بعض القصائد فيعلو صوته ، لكن أيضا هناك قصائد جاءت تحمل شيئا من الرمز كما هو الحال في قصيدة "ألاعيب أبالسة وشياطين" عندما قال:
"كأنك من سلالة العقرب
تلك الحشرة الوحيد
التي لا تبني مسكنها
بل تسطو على مساكن الآخرين
تنفث السم فيهم" ص31
فهذه الكلمات السهلة والبسيطة تحمل شيئا أبعد بكثير من بساطتها، وتضعنا أمام ما يقوم به المحتل تجاه الفلسطيني، ورغم بساطة الرمز إلا أنه يوصل الفكرة، ويمكن التقاطها من القارئ، ونجد اعتزاز الشاعر في نفسه وفي شعبه في قصيدة "شربت من دمي ما يشبع ذئاب الأرض" والتي يقول فيها:
"أنا العربي الدرزي
عروبتي رأس مالي وكنزي
جذوري هنا في أحشاء الصخر 
في عروق ينابيع البحيرة والنهر
في بوح مشاتل الزهر" ص39،
فهنا يرد الشاعر على من يحاول أن يفسخ وحدة الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد مثل هذا القصيدة لها أثرها في المتلقي العربي ومكانتها الفاعلة، فهموم الطائفة الدرزية أحدى هموم الشعب الفلسطيني.
أما الشاعر "عمار خليل" فقال: نجد المباشرة في العديد من القصائد، وتفتقد للرمز أو الإيحاء، وهذا يعود إلى حالة الاحداث الساخنة التي يعيشها الشاعر، فنجده منفعلا ومتأثرا بما يكتبه، حتى يمكننا القول أنه متوحد في قصائده، ثم قرأ ورقة نقدية متكاملة جاء فيها: " لقد اختار الشاعرُ في ديوانه تعويذة الحب والياسمين أسلوب المباشرة ، إذ ابتعد عن الرمزية والجمل المركبة والصور الفنية ، فخرج النص متواضعا بسيطاً ، لكن الفكرة سرعان ما تصل للقارئ بكل ليونة وسهولة ، ولعل ذلك مرجعه الحالة التي يكتب بها الشاعر من لحظات انفعال وانغماس بالأحداث الجارية والمتفاعلة حوله . هنا أريد الوقوف على شكل هذا الديوان بعيداً عن مضمونه ، كأني أرى الشاعر متعجلاً في كتابته ، يريد مجاراة الأحداث ، فتراه يتناسب معها طريداً ، فأراه ما بين سطور ديوانه ، في حالات تختلف في أدائها ولكنها في مجملها انفعالية ووطنية ، فمرة أراه يعدو .. ومرة يرفع صوته ، ومرة يجلد ذاته العربية ، وغيرها من الحالات النفسية للشاعر . استطاع الشاعر توظيف بعض الدلالات التاريخية والدينية في النص ، واستطاع أيضا أن يعطينا كثيرا من الأسماء الوطنية والنضالية التي نجهلها . من أكثر ما لفت نظري ، هو العنوان الأنيق والتصميم الموحي لهذا الديوان ، ولكن برأيي لم يوفق الكاتب في إيجاد الحالة الشعورية والانسجام مع عنوانه ، فلو لبست القصائد داخل دفتي الديوان ثوبا غراميا مطرزاً بآيات الحب والياسمين ، لفهمت حينها أن هذه التعويذة العشقية هي سلاح الشاعر في محاربة الكراهية والحرب "
أما الأستاذة "فاطمة عبد الله" فقالت: إن الشاعر ابن بيئته وعصره، يهتم بالأحداث، فالحروف والكلمات حامية وصادقةـ تعبر عن واقع الفلسطيني، الوطني ومواجهة الاحتلال وتحديه، ونجد في هذه القصائد روح الشعر الشعبي الذي يلقى في المهرجانات الشعبية والمناسبات الوطنية، فالقصائد بسيطة ويمكن لأي قارئ أن يلتقطها ويستمتع بها، ويأخذ الفكرة التي تحملها، فهي بعيدة عن التعقيد، ونجد فيها العاطفة من خلال حديث الشاعر عن الأحداث الساخنة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، فالعديد من القصائد تحمل اسماء شخصيات تدفعنا للتعرف عليها للتقرب منها أكثر، وهذا يحسب للشاعر الذي يهتم بالأشخاص/بالإنسان كما يهتم بالمكان، ومن يقرأ الديوان من خارج فلسطين يشعر بحقيقة العنصرية التي يمارسها المحتل في فلسطين، ويتأكد بأن هناك احتلالا عنصريا يمارس ضد شعب اعزل ، وليس دولة ديمقراطية كما يدعي|.
ثم تحدث الأستاذ "نضال دروزة" قائلا: "الشاعر "هادي زاهر" شاعر مشاكس، يعاني من الاحتلال كأي فلسطيني، من هنا نجد في شعره الحماس والصوت العالي، وكنت اتمنى على الشاعر ان يقدم ما هو جديد في هذا الديوان، رغم حمى الاحداث الساخنة التي يتناولها.
أما الاستاذ رائد الحواري فقدم ورقة نقدية جاء فيها: 
كلما ابتعد الأديب/الكاتب عن الانفعال، تحرر من المباشرة والصوت العالي، لأن للعمل الأدبي شكلا غير شكل وطريقة الخطاب السياسي، "الشاعر هادي زاهر" يعيش في أتون الصراع، فهناك مواجهات يومية مع الاحتلال وصدمات، بحيث تجعله في حالة ساخنة مع الأحداث، وإذا ما علمنا أنه يكتب المقال الصحفي السياسي وبصورة دورية، نستطيع أن نتفهم وجود بعض القصائد المباشرة والتي جاءت بصوت عال، وخلوها من الصور الشعرية، فالفكرة تقدمية بالتأكيد، لكن الشكل الأدبي كان متواضعا، وهذا لا ينفي وجود بعض القصائد الجميلة والممتعة، فرغم بساطة اللغة إلا أننا نجدها جميلة كما هو الحال في قصيدة "في ذكرى تخيم الرحال" التي يقول فيها:
"أيها الواحد الأحد
كل ما يدب على الأرض
له بيت .. له سكن
وأنا يا إلهي غريب
ليس لي بلد" ص7،
الاستغاثة بالله يعطينا حجم الألم الذي يمر به الشاعر، وعندما اعطانا تفصيل وجعه، البيت والبلد، أوصل لنا همومه بكلمات سهلة وبسيطة لكنها قوية ومؤثرة في ذات الوقت.
ودائما الشعراء يتحدثون عن أدواتهم المتمثلة في كتابة "القصيدة":
"الشعر يسير في الطرقات
يتسلل إلى البيوت
يسهر في الشرفات
يتسلق أشجار الحديقة
يصعد ... يخترق زرقة السماء
يصبح غيما .. سحبا زرقاء
ويمطر ماء دافقا" ص18،
وكأنه من خلال هذه الفقرات يؤكد على دور الشعر في الحياة، واعتقد أن الشاعر عندما ركز على "زرقة السماء" أراد بها التأكيد على الفضاء الرحب وما تحمله من معنى للحرية، كما جاء تركيزه على السحب والمطر ليشير إلى حالة الخصب القادم، وهذه الثورية تعد الأجمل في هذه القصيدة، فحيث يجتمع الفضاء/الحرية ب"زرقة" والخصب/الأمل/التحرر في "السحب/المطر".
ونجد الشاعر يستخدم الأدب الساخر في قصيدة "نحن الصناع ..الزراع ... العمار":
تم بناء القصر
مصطبة وسقفا وجدارا بعد جدار
ما حاجتي "لسينمار"
وحده يعرف موضع اللبنة
وأين يكمن خطر الانهيار
وكيف يكون هذا القصر دمار
وأنت يا سينمار من سلالة غير مؤمنة
كيف نأمن لك وأنت من الأغيار!
والقصر وما علي خصه الله لشعبه المختار
ونحن من رضى الله 
قد خصنا بسننه
يسعى إلينا نسعى له
لنا الله وحدنا
ولا أحد قبلنا ولا بعدنا 
ولنا الجنة ولهم النار" ص63،
بهذه الكلمات يلخص لنا الشاعر الطريقة التي يفكر بها المحتل، فرغم بساطتها إلا أنها أوصلت الفكرة وبطريقة سلسلة وممتعة، لهذا نقول ليس
ونجد الشاعر يستخدم بعضا من رموز فلسطين فيقول في قصيدة "أيها المسافر في فلك دمي"\:
"بورك الزيتون والتين
في هذا البلد الأمين" 
فالشاعر هنا تحدث عن شحرتي التين والزيتون التي تشتهر بزراعتهما فلسطين، وربطهما بالقرآن الكريم ، من خلال "هذا البلد الأمين" ليعطي بعدا مقدسا لها، وهذا الجمع بين الرمز والدين يشير إلى أن القصيدة خصبة بالدلالات التي تحملها.
ونجد هنا جملا فيها أكثر من عنصر دلالي في قصيدة "عمدها بمسك وطيب الموج":
"أعرف بحري وحبه لي
وزرقته التي عمدت مولدي
... وقمطته الأرض طفلا
وتعمدت به خطى الأنبياء
وتوضأ بزرقته الأنبياء
ولاذت بذور الخليقة بهذا لترب
فأنجبت زيتونا وتينا ونخلا" ص82و83
هناك دلالة الحرية في البحر بزرقته وزرقة السماء، وهناك المسيحية في الطفل الذي تعمد بالماء، وهناك الإسلام في توضأ بزرقته الانبياء، وهناك توحيد ديني وجغرافي من خلال "الزيتون والتين والنخيل، هنا نجد مكامن الخصب في القصيدة.
ونجد في قصيدة "ملح وماء" الهم الفلسطيني والذي يمكننا أن نسقطه على الواقع العربي الآن، يقول:
"تركونا وحدنا على مائدة اللئام
وفي كل منفى نصبوا لنا الخيام
كم نحن وحدنا
لا قبلنا ولا بعدنا
كم نحاول جهدنا
أن تحسن القيام" ص90
كل هذا يجعلنا نقول أن هناك شيئا جديدا في الديوان، وكان يمكن أن يكون الشاعر "هادي زاهر" أكثر تألقا لو تخلص من حمى الأحداث وتحرر من واقعه، لكن، لكل شاعر/كاتب ظروفه الخاصة التي تجعله منفعلا حادا فيما يقدمه من أدب.
وفي نهاية الجلسة تحدث الشاعر هادي زاهر" قائلا: "شكرا للجنة الثقافية في دار الفاروق التي تهتم بالأدباء والأدب، فهذا العمل الثالث الذي يناقش لي فيها، وأنا سعيد بهذا الاهتمام وهذا النقاش، الذي يعبر عن واقع حقيقي للنقد، فهو بعيد عن المجاملة والتعظيم، لكن من حقي أن أدافع عن وجهة نظري وما جاء في تعويذة الحب والياسمين" أولا هو العمل الشعري الأول الذي أصدره، فإذا كان ضمن المستوى المتوسط فأنا سعيد بهذا الأمر، وبخصوص المباشرة التي تحدث عنها بعض الزملاء فهذا يعود إلى أن طبيعية الجمهور الذي اخاطبه، وأخص هنا "الطائفة الدرزية، التي يعمل الاحتلال على سلخها عن شعبها، فهناك عملية اعلامية هائلة تمارس التجهيل وتغريب دروز فلسطين عن محيطهم الفلسطيني والعربي، فكان لا بد من استخدم لغة سهلة بعيدة عن التعقيد، وأنا احاول في كتاباتي المتنوعة أن أوضح وأكشف طبيعة وحقيقة ما يجري. 
الديوان من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2018 "
١ ت

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 131 مشاهدة
نشرت فى 20 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

ديوان
"تعويذة الحب والياسمين"
هادي زاهر
كلما ابتعد الأديب/الكاتب عن الانفعال، تحرر من المباشرة والصوت العالي، لأن للعمل الأدبي شكل غير شكل وطريقة الخطاب السياسي، "الشاعر هادي زاهر" يعيش في أتون الصراع، فهناك مواجهات يومية مع الاحتلال وصدمات، بحيث تجعله في حالة ساخنة مع الأحداث، وإذا ما علمنا أنه يكتب المقال الصحفي السياسي وبصورة دورية، نستطيع أن نتفهم وجود بعض القصائد المباشرة والتي جاءت بصوت عال، وخلوها من الصور الشعرية، فالفكرة تقدمية بالتأكيد، لكن الشكل الأدبي كان متواضع، وهذا لا ينفي وجود بعض القصائد الجميلة والمتمتعة، فرغم بساطة اللغة إلا أننا نجدها جميلة كما هو الحال في قصيدة "في ذكرى تخيم الرحال" التي يقول فيها:
"أيها الواحد الأحد
كل ما يدب على الأرض
له بيت .. له سكن
وأنا يا إلهي غريب
ليس لي بلد" ص7، الاستجداء بالله يعطينا حجم الألم الذي يمر به الشاعر، وعندما اعطانا تفصيل وجعه، البيت والبلد، أوصل لنا همومه بكلمات سهلة وبسيطة لكنها قوية ومؤثرة في ذات الوقت.
ودائما الشعراء يتحدثون عن أدواتهم المتمثلة في كتابة "القصيدة":
"الشعر يسير في الطرقات
يتسلل إلى البيوت
يسهر في الشرفات
يتسلق أشجار الحديقة
يصعد ... يخترق زرقة السماء
يصبح غيما .. سحبا زرقاء
ويمطر ماء دافقا" ص18، وكأن ن خلال هذه الفقرات يؤكد على دور الشعر في الحياة، اعتقد أن الشاعر عندما ركز عب "زرقة السماء" أراد بها التأكيد على الفضاء الرب وما تحمله من معنى للحرية، كما جاء تركيز على السحب والمطر ليشير إلى حالة الخصب القادم، وهذه التورية تعد الأجمل في هذه القصيدة، فحيث يجتمع الفضاء/الحرية ب"زرقة" والخصب/الأمل/التحرر في "السحب/المطر".
ونجد الشاعر يستخدم الأدب الساخر في قصيدة "نحن الصناع ..الزراع ... العمار":
تم بناء القصر
مصطبة وسقفا وجدارا بعد جدار
ما حاجتي "لسينمار"
وحده يعرف موضع اللبنة
وأين يكمن خطر الانهيار
وكيف يكون هذا القصر دمار
وأنت يا سينمار من سلالة غير مؤمنة
كيف نأمن لك وأنت من الأغيار!
والقصر وما علي خصه اله لشعبه المختار
ونحن من رضى الله 
قد خصنا بسننه
يسعى إلينا نسعة إله
لنا الله وحدنا
ولا أحد قبلنا ولا بعدنا 
ولنا الجنة ولهم النار" ص63، بهذه الكلمات يلخص لنا الشاعر الطريقة التي يفكر بها المحتل، فرغم بساطتها إلا أنها أوصلت الفكرة وبطريقة سلسلة وممتعة، لهذا نقول ليس ضروريا أن تكون اللغة (معجمية) لتكون جميل، بل الطريقة اتي تقدم فيها هو المهم.
ونجد الشاعر يستخدم بعض من رموز فلسطين فيقول في قصيدة "أيها المسافر في فلك دمي"\:
"بورك الزيتون والتين
في هذا البلد الأمين" فالشاعر هنا تحدث عن شحرتي التين والزيتون التي تشتهر بزراعتهما فلسطين، وربطهما بالقرآن الكريم ، من خلال "هذتا البلد الأمين" لعطي بعدا مقدسا لها، وهذا الجمع بين الرمز والدين يشي إلى أن القصيدة خصبة بالدلالات التي تحملها.
ونجد هنا جميل أكثر من عنصر دلالي في قصيدة "عمدها بمسك وطيب الموج":
"أعرف بحري وحبه لي
وزرقته التي عمدت مولدي
... وقمطته الأرض طفلا
وتعمدت به خطى الأنبياء
وتوضأ بزرقته الأنبياء
ولاذت بذور الخليفة بهذا لترب
فأنجبت زيتونا وتينا ونخلا" ص82و83، هناك دلالة الحرية في البحر بزرقته وزرقة السماء، وهناك المسيحية في الطفل الذي تعمد بالماء، وهناك الإسلام في توضأ بزرقته الانبياء، وهناك توحيد ديني وجغرافي من خلال "الزيتون وانتين والنخيل، هنا نجد مكامن الخصب في القصيدة.
ونجد في قصيدة "ملح وماء" الهم الفلسطيني والذي يمكننا أن نسقطه على الواقع العربي الآن، يقول:
"تركونا وحدنا على مائدة اللئام
وفي كل منفى نصبوا لنا الخيام
كم نحن وحدنا
لا قبلنا ولا بعدنا
كم نحاول جهدنا
أن تحسن القيام" ص90، كل هذا يجعلنا نقول أن هناك شيء جديد في الديوان، وكان يمكن أن يكون الشاعر "هادي زاهر" أكثر تألقا لو تخلص من حمى الأحداث وتحرر من واقعه، لكن، لكل شاعر/كاتب ظروف تجعله منفعلا حادا فيما يقدمه من أدب.
الديوان من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2018

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 18 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

المرأة والمجتمع في رواية 
"أوراق خريفية"
محمد عبد الله البيتاوي
هناك أدباء ينتمون لواقعهم، لمجتمعهم، فتجد اعمالهم صورة عن المجتمع، لكنها صورة أدبية، تجد أصوات الناس فيه، وتجد مشاكلهم، همومهم، ذكور وإناث، همومهم الشخصية والوطنية والقومية، وبما أن المجتمعات العربية ما زالت تخضع لواقعها المتخلف فبالتأكيد سيكون هناك حديث عن الفساد والانتهازية، وإذا علمنا أن الراوي يتحدث عن فلسطين فسيكون هناك تناول لأحوالها وحياة الناس فيها، وسيفاجأ القارئ من خارجها بحجم الخلل الأخلاقي والأمني فيها.
هذه الروية تتحدث "غادة"، الفتاة النشطة في جامعة "النجاح"، والتي تختار الانتماء لحركة فتح لأن حبيبها "شوقي" ينتمي لهذا التنظيم، لكن ما أن يأخذ حاجته الجسدية منها حتى يتركها دون مقدمات أو ابداء أية اسباب فيسافر إلى أمريكيا ليكمل دراسته، وهنا تقع "غادة" في مشكلة اجتماعية، فهي تعلم أن المجتمع يرفضها لأنها فقدت "بكارتها" من هنا ترفض كل من يتقدم لخطبتها، لأى تنكشف جريمتها، وتستمر في رفض المتقدمين إلى أن تصل إلى حالة شبهة العنوسة، هذا هو العمود الفقري للرواية وهي من تسرد الأحداث، وبما أن الكاتب هو "محمد عبد الله البيتاوي" والساردة هي "غادة" سيكون هناك دخول إلى العقل الباطن "لغادة" حتى نرى هل نجح "البيتاوي" في تحرير شخصية "غادة" من هيمنته ككاتب/كذكر أم أنه اعطاها حررتها وحررها من هيمنته ككاتب/كذكر للرواية؟.
"غادة"
محور الاحداث ومركزها، هذه الفتاة المنتمية للحب ولحبيبها، تسلك سلوك المنتمي للحب وللحبيب، لهذا نجدها تقدم على التخلي عن ميولها من الجبهة الشعبية إلى فتح فقط لأن الحبيب "شوقي" هو في هذا التنظيم: "رغم قربي من الجبهة الشعبية ... لقد ملك إحساسي ومشاعري وفكري، وقعت في هواه بسرعة أذهلتني ولما كان فتحاويا، اضطررت للانظمام إلى فتح" ص13، بهذا العطاء كانت غادة" فهي تنفي ذاتها في سبيل الحب والحبيب، وليتها توقفت عند هذا الحد، بل نجدها تقدم ذاتها على طبق من ذهب إلى الحب والحبيب: "...يرتوي مني بلا حساب، كنت متيقنة من أننا سوف نتزوج بعد أن نتخرج في الجامعة، فنسيت حرصي الغريزي، وتحذيرات أمي ... وأسلمت روحي وجسدي له، ولكنه اختفى فجأة بعد أن أمضينا معا يوما في قمة السعادة والحب وهو يمشط تضاريسي بشغف وازهرت له روحي" 14، إذا ما توقفنا عند الفقرة السابقة سنجد هناك حديث عن المتعة الروحية/الحب والمتعة الجسدية، وسنجد أيضا حديث (شبه حيادي) عن الخطأ الذي اقترفته "غادة وشوقي" وكأن الساردة تبرر لنا ما حدث، فالمتع واللذة التي أخذتها في تلك الجلسة لم تكن لتنسى من ذاكرتها لأنها حصلت على النشوة، ليست الجسدية فحسب بل العاطفية، فمن تقيم معه العلاقة هو الحبيب والحب الأول، لهذا وجدناها لا تتحدث بألم أو بشعور بالذنب لما أقدمت عليه، لأنها ما زالت أسيرة لتلك الجلسة الرائعة والتي لن تنسى.
لكن بعد أن تمضي فترة النشوة وتذبل رائحة الحب الذي كان، نجد "غادة" أخذت تتوقف بشكل موضوعي على ما حدث، مما اقدمت عليه من جريمة بحق نفسها وأسرتها: "فأنني لن أنسى يومي الأخير معه.. لقد أمضيت معه أكثر من ثلاث ساعات ارتشفنا فيها الحب حتى ثملنا.. وغادر على أمل اللقاء في اليوم التالي .. ولكن اليوم التالي لم يأت أبدا.. فقد اختفى، وكان علي أن أبذل قصارى جهدي كي أنسى ما كان" ص15و16، أثر الحب ما زال مؤثر عليها، رغم معرفتها بأن الحبيب كان مخادع، وأن حبها ما كان إلا سراب، لكن عقلها يقول لها أن هناك خداع وخيانة اقدم عليها "شوقي" لكنها ما زالت أسيرة لتلك المتعة التي أخذتها، لهذا لم يكن موقفها حاسم من فعل الخيانة الذي اقدم عليه "شوقي".
لكن "غادة" لم تكن تريد أن تكون تلك النشوة لمرة واحدة، بل أرادتها لتكون مستمرة، إلى آخر العمر، وهنا تبدأ في الوقوف على حقيقة ما جرى: "لقد ضاع كل شيء.. وبقيت لي الذكريات الأليمة المريرة" ص 17، تبدو أن "الشربة دار مفعولها" في "غادة" لهذا نجدها تعي حالتها، تعي ما حدث لها ومعها، تعي ما أقدمت عليه، ما فعله "شوقي"، فهي كفتاة شرقية تربت على أن الشرف يكمن بين الفخذين، فإذا انفرجا فلن يكون هناك شرف: "هل أملك مؤهلات الزواج بعد أن فقدت عذريتي منذ زمن بعيد في مجتمع لا يرى عند البنت إلا إثبات عذريتها ليلة الزفاف؟ لقد أضعت كل شيء يوم استسلمت لعواطفي الجياشة ... كان الحلم لذيذا.. لم اتوقع أن أصحو من حلمي على واقع شديد القسوة والألم والمرارة " ص18، وهنا نطرح سؤال هل من حق المجتمع أن يكون بهذه القسوة على الفتاة التي تفقد عذريتها؟، أم إنه يجب أن ينظر إلى الفتاة كخاطئة، وأن ندمها وتوبتها تكفي للعفو عنها؟، اعتقد أن "غادة" في هذا القول تطرق جدران كان يجب أن تطرق منذ زمن، وأن يتقدم المجتمع من جديد إلى أفكار أكثر اجتماعية مما هو سائد.
إذن هناك حالة نفسية تعاني منها "غادة" وبالتأكيد ستنعكس على تصرفاتها، على رغباتها: "من يصدق أنني بت أعشق أفلام الرعب؟" ص19، وهذا أمر طبيعي ينسجم مع الحالة النفسية التي تعيشها "غادة" ولا أقول تمر بها، فهي تعاني من ماضي يجعلها أسر للحرمان من المتعة الجسدية والروحية معا، وتجد هناك (غول) في المجتمع الذي سيسحقها إذا ما علم بأنها فقدت (شرفها) الكامن بين فخذيها، وهنا اشارة من "غادة" إلى أنها إنسانية أولا وأخيرا، ولا يجوز أن تدفع ثمن "خطأ" اقترفته وهي فتاة إلى نهاية العمر، فهناك زمن محدد لأي جريمة تقترف، لكن أن يدفع الإنسان عمره كاملا لخطأ اقترفه، فهذه جريمة المجتمع بحق الأفراد.
الكابوس الذي خلفه "شوقي" لم يكن ليمحا بسهولة، لهذا نجده أثره في "غادة" من خلال هذا الكابوس: "...ولكن الليلة بقيت متنكدة مغمومة مهمومة بعد أن استيقظت .. أتكون رؤيتي لشوقي في المنام هي السبب؟" ص51، الحلم يعبر بطريقة ما عما نشعر به، نحس به، ما يقلقنا، وهذا الإتيان "لشوقي" في المنام يشير إلى أن أثر فعلته ما زال فاعلا ومؤثرا في "غادة"، وهذا ما يجعلنا نقول أن الساردة استطاعت أن تقنعنا بأنها راوية للأحداث، ساردة حقيقية تتقن فن السرد الروائي، وإلا ما استطاعت أن تدخلنا إلى أحلامها.
وإذا ما دخلنا إلى تفاصيل الحلم سنجد هناك صراع بين حاجتها كمرأة للعلاقة الجسدية والروحية، وبين ما تركته تجربتها مع "شوقي" من ألم وجروح لا تمحى لا من ذاكرة ولا من أثرها وتبعياتها حتى الآن: 
"ـ أريد أن أعود أليك .. أنت الوحيدة التي منحتني كل شيء دون مقابل.. ولكنني هجرتك بصفاقة تفتقر إلى أدنى درجات الكياسة والذوق ولا أقول الشفقة أو الرحمة ... أنت..
فقاطعته قائلة فيغيظ:
ـ لا داعي لنبش الماضي .. لقد نسيت أسيتك، فدعني أعيش حاضري الذي اخترته لنفسي.. أنت لم تعد شوقي بالنسبة لي وإنما بت شوكي، الذي يؤلمني وينغص راحتي .. لم تعد شوقي الذي كنت سعيدة به..
صحوت من نومي على جملتي الأخيرة .. لقد سبب لي هجره كآبة قاسية، عانيت منها كثيرا قبل أن أبرأ منها .. أيكون قد عاد ليعبث بحياتي التي بدأت أستعيد شيئا من استقرارها؟!!" ص52، من خلال ما قاله "شوقي" يمكننا الاستنتاج أنها ما زالت تحن إليه، لهذا جاء في الحلم بصورة ايجابية، بصورة النادم على جريمته، لكن بما أن هناك "الأديب" الذي أخذت تميل إليه، والذي يعطيها شيء من الحنان والمتعة الجسدية، مما أنساها الجرح الذي سببه "شوقي" فهي تفضل واقعها الآن مع "الأديب"، حيث واقع حقيقي وصادق، ولا يحمل أي شعور بالألم، وكأنها بخيارها بين "شوقي والأديب" تختار النقي الصافي، وتحجم عما سبب لها ويسبب الألم، وكأنها اكتفت بما أصابها، ولا تريد أن تقدم على تجربة مع شخص مجرب. 
إذا كان هذا خيارها في الحلم، في العقل الباطن، فما هو خيارها في الوعي،؟، تسرد لنا الطريقة التي استخدمها ليقترف جريمته، فيطوعها لتعطيه جسدها، وهي كامرأة يعد جسدها أغلى ما تملك: 
"ـ أنت الآن تتقمصين شخصية أمك، أمك التي تزوجت ولم تعرف أباك إلا في ليلة الدخلة ... هل تعتقدين بأن أمك اليوم تحب أباك؟ أنا أقول لك لا وألف لا .. أنها تعيش حالة ولدتها العشرة والعادة والألفة .. الحب الحقيقي فهو ما نعيشه الآن أنا وأنت، ولكنك تحاولين قتله بالمسموح والممنوع .. الحب عطاء بلا حدود" ص62، الذاكرة ما زالت تحتفظ بالواقعة، بالطريقة الناعمة والسلسة التي دخل بها إلى جسدها، لهذا كان وقع الفعل عليها شديد والوطأة: "لم يخطر ببالي أبدا بأنني لم أكن بالنسبة له أكثر من إناء يفرغ فيه شهوته ويرضي غروره... لهذا لم أعبأ بتحذيرات عقلي" ص63، إذن هناك انسجام وتوافق بين العقل الواعي والعقل الباطن، "غادة" تنسجم تماما بين حالتها النفسية والعقلية، بين خالة الوعي والا وعي، وهذا ما يحسب لها كراوية للأحداث، فهي تقنعنا بما تقدمه من مشاعر وتحليل.
لكن، لكل إنسان حاجته الجسدية والروحية، ولا يمكن أن نهمل الحاجة الجسدية، فهي وجدت في دمه، وحاجته إليها كحاجته للماء، للطعام، للهواء، فالإنسان لم يولد ناسك، لهذا نجدها تتحدث عن أثر مشاهدة ممارسة الجنس عند الأطفال، "قال عاصم: "تيجي نعمل بابا وماما"... وجدت زينة تخلع فستانها، وعصام يخلع سرواله، ثم تعانقا فجأة وراحا في قبلة طويلة" ص22، هذا المشهد حدث مع "غادة" عندما: "رأيت أبي راقدا فوق أمي وهما شبه عاريين.. صدمني المنظر" ص23، رغم أن هذا المشاهد جاءت ضمن حوار يدور حول ضرورة منع الاطفال من مشاهدة العملية الجنسية بين الأبوين، إلا أنها تحمل بين ثناياها الحاجة الملحة للمرأة، وكأن "غادة" من خلال هذا المشاهد تريد أن تقول أنها كمرأة من حقها أن تحصل على حاجته الجسدية كما هو حال الآخرين، وهذا ما نستشفه من عقلها الباطن، لأنها ركزت على تفاصيل الحدث الذي تم بين الطفلين "زينة وعصام". 
من هنا يمكننا القول أن هناك صدمة شديدة حدثت "لغادة" فكان لا بد من البحث عن وسائل/اشخاص/اعمال تخفف من وطأة ما حدث، فهي أولا وأخيرا إنسانية وليست جمادا، لهذا تبدأ بالبحث عن مخرج لأزمتها، فتجد في صديقها "الأديب" حاجتها: "تجربتي تلك لا أريد أن يعلم بها أحد.. ولكن ما بات يقلقني هو أن عواطفي قد بدأت تميل نحو ذلك الصديق الأديب.. ولكن هل هو قادر على أن ينسيني تجربتي الأولى" ص29، هناك حالة صراع بين الحاجة العاطفية الآن وبين تجربتها السابقة ، فهي تمر في حالة مخاض، حالة من عدم الاستقرار، لكنها بطبيعتها كإنسانية عليها أن تتخلص مما علق بها من بثور، فتجربتها السابقة ما زالت تدفع ثمنها، وما زالت عالقة بها، تجرها إلى الخلف، إلى الماضي، لتكون أسيرة له، بحيث تفقد رؤيتها إلى المستقبل.
هذا الصراع بين الماضي المتمثل "بشوقي" والحاضر المتمثل "بالأديب" نجده في هذا البوح الذي تحدثنا به: "ـ فهل كان من المكن أن تكتمل سعادتي الحقيقية، وأصل قمة نشوتي، بأن أموت بلذة بين يديه هو يرشف رضاب شفتي؟ هل كان ما حدث نتيجة لتفكير ووعي مسبقين مني، زرعهما العقل الباطن، أم أن الأمور قد ساح بعضها على بعض، فكان ما كان دون إرادة مني أو منه؟" ص96، تجربتها السابقة ما زالت مؤثرة وفاعله، لهذا رغم أخذها لحاجتها العاطفية والجسدية والنفسية إلا أنها غير متأكدة بصدق/بنقاء هذه التجربة الجديدة، فالماضي يعكر صفوة الحاضر، ويشوش المتعة والسعادة الحاضرة الآن.
العلاقة مع "الأديب" تأخذ منحى جديد، فهو المعالج النفسي لها، وهو من يستطيع أن يخرجها ويحررها من ماضيها المؤلم، وهذا ما نجده من خلال بوحها لما تحمله من عقدة الذنب تخبر "الأديب" بما جرى لها: " أكان من الممكن أن أفقد بكارتي لو أن شوقي كان يتمتع بشيء من الحكمة والتروي؟ ولكن لماذا أتهم شوقي ولا أتهم نفسي؟" ص119، بما أن "غادة" الآن تبوح بسرها، بما تحمله من ألم للأديب، فهي تتخلص من ماضيها، وتلقي به بعيدا، فكلنا يعلم أن الكلام يريح النفس، ويعطيها شيء من السكينة، وها هي "غادة" لأول مرة تبوح بسرها لإنسان، وهذا ما يجعلنا نقول أنها تتقدم بالطريق الصحيح لتتخلص من خطيئتها، وإذا ما أضفنا إلى أن هناك علاقة ملامسة وقبل بينهما يمكننا اقول أن "الأديب" هو المخلص والطبيب الذي استطاع أن يخرجها من ماضيها ويقدمها من المستقبل بطريقة سوية.
الفساد
ما يحسب للأدب الفلسطيني لحديث انه يتناول الفساد، واضعا المجتمع والأفراد والسلطة أمام حقيقة الوضع المزري الذي نعانيه، فعندما يمسى الفساد ظاهرة ويشكل طبقة فلا بد من ومواجهة، وهذا ما جاء في رواية "أوراق خريفية" من أشكال الفساد هذا الحادث:
"ـ عمن أبلغ الشرطة؟ وأين هي الشرطة أصلا.
ـ ألم تأخذ رقم السيارة التي ضربتك؟
ـ وكم سيارة تسير في هذه الأيام بأرقام حقيقية؟
ـ أهي من السيارات المسروقة؟
ـ الشرموط لم يكفيه ما فعل بالسيارة .. المصيبة أنه نزل يعربد وهو يشهر السلاح في وجهي" ص69ن احدى مظاهر الفساد التي تطال الأفراد والسلطة التي تتغاضى عن مثل هؤلاء الأفراد الخارجين على القانون، وعندما يتم تناول الحملات الأمنية على السيارات المسروقة نجد هذه الصورة: "... السبب يكمن في أن بعض رؤساء تلك الحملات أنفسهم، يهمهم أن يبقى الواضع على ما هو عليه، هذه سيارة فلان وهذه سيارة علان" ص71، هذا فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية، أمن المواطن، أما فيما يتعلق بالتخابر مع الاحتلال وتشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني فنجده بهذا المشهد: "...ما أكثر الصبية الذين باتوا يعتقلون عند الحواجز الاحتلالية وهم يحملون أحزمة ناسفة... كل مسؤولي التنظيمات أعلنوا احتجاجهم على تكليف الصبية بمثل هذه الأعمال، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى بات الشك واضحا في أن من يقوم بذلك إنما هم الإسرائيليون أنفسهم بواسطة رجال مخابراتهم، وقد يساعدهم في ذلك عملائهم الذين ما زالوا يعبثون بالشارع الفلسطيني، دون وازع أو رادع" ص161، وهذا الاختراق للمجتمع الفلسطيني يشير إلى تلكؤ السلطة في ملاحقة هؤلاء العملاء الذين ينتشرون ويتكاثرون يوم بعد يوم.
تتمادى الاختراقات الامنة إلى الفصائل المسلحة والتي فقدت العديد من عناصرها بسبب الخلل الأمني: "...أستطاع أن يزرعهم في أوساط حركة المقاومة .. فهو بهذا يضرب عصفورين بحجر واحد ..ز يتعرف على المقاومين ليقوم بتصفيتهم من جهة، ومن جهة أخرى لنقل صورة سيئة عن رجال المقاومة حتى يتحرك الشارع ضدهم" ص237.
الأقوال الدارجة في المجتمع
هناك أكثر من ثلاثين قول دارج في الرواية، وقد جاءت على لسان شخصيات الرواية دون استثناء، فكل الشخصيات تحدثت بأمثال أو آيات قرآنية أو كلام دارج، وهذا ما يقرب الشخصيات من القارئ، وتجعله يشعر بأن هذه الشخصيات قريبة منه، لأنها تتحدث بلغته، بثقافته، وهذا يحسب للراوية، من هذا الأقوال: "يا ريت الي جرى ما كان" ص23، "النساء يتمنعن وهن راضيات" ص28، "أن الصائبات أكثر من الخائبات" ص29، "البت إن ضحكت وبان نابها، إبطحها ولا اتهابها" ص33، "ألله جميل يحب الجمال" "لا تحنبلها أكثر من اللازم" ص44، "الجائع يأكل الصخر" ص55، "أنت لزقة انجليزية" ص56، "نارك ولا جنة غيرك" ص57، "قالوا لفبعون من فرعنك، قال؟ ما إلقيت حدا يردني" ص70، "ساعة لقلبك وساعة لربك" ص78، "الميه تكذب الغطاس" ص82، "القثرد بعين أمه غزال" ص93، "لغرض في نفس يعقوب" ص109، "إكفي القدرة على تمها، بتطلع البنت لأمها" ص143، "هنيئا لمن وفق رأسين بالحلال" ص152، "الشهر اللي مالك فيه، اتعدش أيامه" ص157، "صحيح أنو اللي استحوا ماتوا" ص176، "حكم قراقوش ولا حكمك" ص200، "أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" ص219، "أعرف من أين تؤكل الكتف" ص220، "الدرب اللي تودي ما اتجيب" ص227، "عسى أن تكرهوا أمرا وهو خير لكم"ص230، "عفا الله عما سلف" ص245، "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم" ص246، "المعدن الصلب لا يظهر إلا على المحك" ص251، "السلاح بايد الخرى بجرح" ص259، كل هذه الاقوال والامثال والآيات القرآنية متداولة شعبيا، ونجدها حاضرة في ثقافة المجتمع والأفراد، لهذا نقول أن الراوية كانت قريبا جدا من المتلقي ويشعر بالحميمة مع شخصياتها.
الرواية من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 196 مشاهدة
نشرت فى 16 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

حاجتنا إلى الشعر
وقفة مع نص للشّاعر فراس حج محمد
رائد محمد الحواري/ نابلس
أولا: النص
كلّ ليلة تنفتح الغيمةُ
أشرب نخب جمالك الجسديّ
أتذوّق طعم السّكر المعصور في شفتيكِ
طفلا ليس يعرف غير مائكْ
أبتهل كصوفيّ جريء بين أعضائكْ
خبزك ناضج كثمرة إلهيّة
خمرك مائدة للنّشوة تصحو
وتكبر
تكتبني سفر قصيدة عشق سماويّة
أيّتها المخلوقة من ورق الجنّةْ
محلّاة بعطر ملائكة اللهْ
لا تنامي قبل أن يغسلك اللّيل بي
لأصبح جذرا يرتوي من تربة وردكْ
ثانيا: القراءة
نحن دائما بحاجة إلى الشعر، لأنه يمتعنا، ويفرحنا، ويجعلنا نتقدم من الحياة، في هذه القصيدة نجد نصّاً مطلق البياض، فلا نجد إلا "ليلة، المعصور" جاءتا صعبتين رغم أنهما ضمن السياق وتخدمان فكرة البياض، ودونها تكون القصيدة ألفاظا ومعاني ومضمونا مطلقة البياض، وإذا ما توقفنا عند فاتحة القصيدة سنجدها تفتح أبوبها مشرعا لنا:
"كلّ ليلة تنفتح الغيمةُ" إذا ما توقفنا عند كلمة "غيمة" ستجعلنا نتجه إلى الماء وما يتبعه من أفعال ووصف:
"أشرب نخب جمالك الجسديّ" فالشرب متعلق بالماء، لكن الشاعر يقدمنا من حالة شرب أخرى، شرب ما هو لذيذ ومنعش، فكان جسدها.
إذن الشاعر يقدمنا من حالة شرب الماء العام، المتاح للكل الذي يشربه الناس وبقية المخلوقات الأرضية، إلى حالة شرب خاصة، تقتصر على من يهيمون في عالم استثنائي، من هنا جاءت "نخب" لتؤكد هذه الخصوصية، يدخلنا "فراس" أكثر إلى عالمه الاستثنائي من خلال:
"أتذوّق طعم السّكر المعصور في شفتيكِ" استخدم الشاعر للفعل المضارع "أتذوق" أراد به أن يؤكد استمرارية اللذة والمتعة التي هو فيها، لهذا أعطانا تفاصيل تلك اللذة الحاضرة "في شفتيك" ليتذوق حلاة السكر منها وفيهما.
يعطنا الشاعر صورته مع الحبيبة: "طفلا ليس يعرف غير مائكْ"، فالماء هنا يأخذنا إلى النهدين وإلى ما بين الفخذين، وعندما جعل من نفسه "طفلا" أراد أن يؤكد عدم معرفته إلا لهذا الغذاء/الشراب الموجود في جسد الحبيبة، وكلنا يعلم حاجة الطفل للتغذية.
يتقدم الشاعر أكثر من جسد الحبيبة، فيتوحد به كما يتوحد الصوفي مع ربه: "أبتهل كصوفيّ جريء بين أعضائكْ"، فالحبيبة هنا تتماثل والطبيعة الفسيحة، فهي تمنحه الشعور بمتعة الجمال، وأيضا تعطي حالة من التأمل بخالق، بموجد هذا الجمال، فتجعله "يبتهل" ممجدا هذا الجمال فيقول: "خبزك ناضج كثمرة إلهيّة "، فهذا أول تمجيد للحبيبة، ف"خبزها" ناضج، وبالتأكيد المقصود هنا غير الخبز، لأنه قرنه بالثمرة، والثمرة الناضجة إذا لم نقطفها تسقط، أو تشوه بقية الثمر، من هنا أراد بهذا الخبز الحديث عن جسدها، لهذا يكمل تمجيده لها فيقول:
"خمرك مائدة للنّشوة تصحو
وتكبر"
الشاعر يركز في ابتهالاته عليها من خلال استخدمه لحرف "الكاف" عندما وصفها بالخمر اعطاها حالة الهيام الكلي عن الوعي، وفي ذات الوقت النشوة العارمة والمتجددة والمستديمة، لهذا قال عن أثر الخمر "تصحو/ تكبر"
للشاعر أدواته، كتابة القصائد:
"تكتبني سفر قصيدة عشق سماويّة"
ذروة تمجيد الحبيبة جاء في هذا المقطع، فهي من تكتبه القصيدة، بمعنى هي من تمنحه صفة "شاعر" فبدونها سيفقد الإلهام/ لأنها هي من تكتبه، وليس هو من يكتب.
يتقدم الشاعر أكثر في تمجدها فيقول:
"أيّتها المخلوقة من ورق الجنّةْ" فهنا للورق أكثر من معنى، الورقة الذي يستخدمه الشاعر لكتابة قصائده، والورق الذي أراد به إخفاء عورة "آدم وحواء" وكأن الشاعر أرادها أن ليكتب عليها قصيدته، وأرادها ليغطي عورته/جسده بها، وهذا ما يقدمنا من فكرة التوحد الجسدي بينهما.
يعود بنا الشاعر إلى عالم اللذة والمتعة من خلال:
"محلّاة بعطر ملائكة اللهْ" وكأنه بهذا الوصف أراد أن يعطينا حالته بعد التوحد معها، فهي "محلاة" بحيث يبقى بحاجة إلى البقاء طويلا ليستمتع أكثر بهذه الحلاوة.
ينهي الشاعر ابتهالاته/ تمجيده لها، وينقلنا إلى حالة أخرى: "لا تنامي قبل أن يغسلك اللّيل بي"، فالاغتسال يمثل حالة الطهارة والانتقال من حالة الكفر إلى حالة الإيمان، فالشاعر أرادها أن تكون طاهرة بعد أن تغتسل به، وهذه من أجمل الصور التي استخدما "فراس" ففيها حالة التمازج والتوحد بين الجسدين.
يختم الشاعر القصيدة: "لأصبح جذرا يرتوي من تربة وردكْ"، وهنا تكمن العلاقة الحميمة بين الغيمة التي جاءت في فاتحة القصيدة وبين الجذر الذي يرتوي، ولا بدلنا أن نتوقف عند الماء الذي جاء في النص: "الغيمة، أشرب، مائك، يغسلك، يرتوي" فهو للتأمل والأمل عندما يكون في غيمة في السماء، وهو للشرب، يروي الظمأ، وهو للاغتسال، للطهارة والانتقال إلى حالة نفسية وفكرية جديدة، وهنا تجتمع كافة صفات وخصائص الماء، المادية والنفسية معا.
أما حالات التوحد فجاءت "أشرب، أتذوق، غير مائك، كصوفي، تكتبني، الليل بي، يرتوي" كلها تعطي مدلول على التوحد والانصهار، وهذا التوحد يأخذ الحالة الجسدية والرواية والجمالية، فالشرب والتذوق والليل بي، ويرتوي، متعلقة بالحالة الجسدية، أما "كصوفي" فهي متعلقة بالحالة النفسية، وتكتبني، متعلقة بالجمالية، فالمرأة هنا تمنح الشاعر عناصر الوجود الإنساني كاملة، بحث يكون إنسانا سويا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيسبوك

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 150 مشاهدة
نشرت فى 16 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الواقع في كتاب
"جمهورية ساندويتش الديمقراطية"
خلدون صبيحي
الأديب الجيد هو الذي يحاول التملص من الواقع، الذي يقدم مادة أدبية قبل أن تكون مادة سياسية، في هذا العمل الذي يقترب من عالم الرواية يقدم لنا "الصحفي في وكالة نيام " ثلاثة نماذج من الحكم، الأول يتحدث عن المجتمع الاستهلاكي في "جمهورية ساندويتش الديمقراطية" وما يحسب لهذا "الصحفي" أنه يعطي اسماء توحي لطبيعة هذا المجتمع، فنجده يحط "في مطار مرتديلا" ص9، وينزل في فندق " البصلة الضاحكة" ص15، والصحيفة الرسمية "كول واشكور" ص21 ونجده يخبرنا عن: "...صورة ضخمة تحتل نصف سقف المبنى الرئيس للمطار فاستنتجت انها صورة المارشال (أمان) رئيس جمهورية ساندويتش الديمقراطية" ص9، كل هذه المؤشرات تعطي مدلول للقارئ أن المقصود هو الدول العربية/دول العالم الثالث، التي تهتم بالمظاهر وتتجاهل المضمون، وهذا ما قاله مرافق/مراقب هذا الصحفي الذي اختصر عليه الكثير من البحث ومشقة وضع الأسئلة عندما قال له: " أنظر إلى شوارعنا ... أنها في حالة احتفال ... وهي هكذا دائما ... تقريبا ... فلماذا تحدثك نفسك أن تقترب من المواطنين أكثر ما يجب؟ ... وأن تطرح أسئلة لا داعي لها ؟ إن المرء يفسد اللوحة إذا لمسها بأصبعه، خاصة عندما يكون الدهان طريا" ص16، بهذه الكلمات يمكن تلخيص الواقع الرسمي والشعبي العربي, وأما الحكومة هذه الجمهورية فتمثلها " الغسيل النظيف" ص45.
أما المعارضة في هذه الجمهورية فتتمثل ب"حزب الحرية النائمة" ص41، التي تنجح في الوصول إلى السلطة، من خلال حزي 
"الأغلبية الصامتة" ص 90، وتقيم نظام (اشتراكي) فهناك اشارت كثيرة حول هذا النظام منها: "تحمل صحيفة (الرفيق) على الصفحة الأولى اسمها وتحته مباشرة عبارة بالحبر الأحمر وبأحرف صغيرة تقول (كل رفيق أمين) ... سيقوم بها الرفيق المعلم القائد بهتان إلى مقر الاتحاد العام لجمعات "احرث وادرس" الزراعية التعاونية" ص77.
بعد هاذين النظامين يأتي نظام "الدكتور" الذي يمثل العصر الآلي، عصر هيمنة الآلة "الإنسان الآلي" على جمهورية ساندويتش الديمقراطية" بحيث تخضع بالكامل لهؤلاء الآليين، فهناك "الحزب الأول الحاكم حوب البرغي أما حوب المعارضة فيدعي حزب المفك" ص104، لكن طبيعة الحياة بالنسبة للمواطن في هذه الجمهورية لم يبدل، فهو مقموع ومضطهد في العهود الثلاث.
أما المعارضة في هذه الجمهورية فتتمثل ب"حزب الحرية النائمة" ص41، التي تنجح في الوصول إلى السلطة، من خلال حزي 
"الأغلبية الصامتة" ص 90، وتقيم نظام (اشتراكي) فهناك اشارت كثيرة حول هذا النظام منها: "تحمل صحيفة (الرفيق) على الصفحة الأولى اسمها وتحته مباشرة عبارة بالحبر الأحمر وبأحرف صغيرة تقول (كل رفيق أمين) ... سيقوم بها الرفيق المعلم القائد بهتان إلى مقر الاتحاد العام لجمعات "احرث وادرس" الزراعية التعاونية" ص77.
بعد هاذين النظامين يأتي نظام "الدكتور" الذي يمثل العصر الآلي، عصر هيمنة الآلة "الإنسان الآلي" على جمهورية ساندويتش الديمقراطية" بحيث تخضع بالكامل لهؤلاء الآليين، فهناك "الحزب الأول الحاكم حوب البرغي أما حوب المعارضة فيدعي حزب المفك" ص104، لكن طبيعة الحياة بالنسبة للمواطن في هذه الجمهورية لم يبدل، فهو مقموع ومضطهد في العهود الثلاث.
رغم أن الكتاب يتحدث عن واقعنا الصعب، إلا الراوي استطاع أن يخفف على المتلقي من وطأة هذه الصعوبة من خلال استخدام تسميات ساخرة، لكن المأخذ على الكاتب أنه تجاهل دور رجال الدين والفكر الديني في تثبيت أركان العهود الثلاث، علما بأن الدين يعد ركن أساسي لاستمرار النظام الرسمي العربي وبقاءه.
الكتاب صادر في عمان، الأردن سنة 1991، دون اسم دار للنشر.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 159 مشاهدة
نشرت فى 15 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الموضوع واللغة في ديوان
"بانتظار المطر"
ماجد أبو غوش
هناك علاقة بين موضوع المادة الأدبية واللغة المستخدمة فيه، وهذا التناسق بين الموضوع واللغة يشير إلى أن الكاتب/الشاعر يتوحد مع نصه، بحيث يكون النص الأدبي هو من (يقرر) الخروج إلى الحياة، وما الكاتب/الشاعر إلا حامل لهذه النص، لكن هناك طريقة معينة لهذا الخروج، وهنا يأتي دور الكاتب/الشاعر، الذي عليه أن يستثمر حالة النضوج الفكرة/الحالة المخاض ليُخرج النص بطريقة وأسلوب يعطيه خصوصية وتميز عن غيره من النصوص، وعن غيره من الكتاب/الشعراء.
اعقد أن "ماجد أبو غوش" استطاع أن يقنعنا بهذا الديوان وأن يقدم قصائد لها خصوصية، تتمثل في التناسق والتناغم بين الموضوع من جهة وبين اللغة المستخدمة من جهة أخرى، فالشاعر يتناول في غالبية القصائد الأطفال والطفولة، وليس أي أطفال بل أولئك الذين تم قتلهم على يد المحتل، من هنا نجد الحدث مؤلم ، ولا يتحمل (تزويق) اللغة أو تجميلها، وبما أن الحديث يتمحور حول الأطفال فإن هؤلاء الأطفال قد جعلوا الشاعر يتجاوز/ينسى /يتجاهل دوره كشاعر، عليه أن يستخدم لغة استثنائية في شعره، فتوحد معهم ومع منطقهم فاستخدم لغة تتناسب وطبيعة تفكيرهم، فالديوان يمكن لأي فتى أو فتاة أن يصل إلى ما يريده الشاعر، وهذا ما يجعلنا نقول أن الديوان يعد حالة استثنائية في الدخول إلى النصوص الأدبية، حيث يمكننا أن نلاحظ العلاقة بين اللغة والفكرة والشاعر/الكاتب، بحيث يتوحدون ويمتزجون معا في خدمة المادة الأدبية.
سنحال إيضاح هذا الأمر من خلال الاستشهاد بشواهد من الديوان، يقول في قصيدة "أسعد":
"أمير صغير
يحلم بالعدل
بعالم أخضر
خال من القتل!" ص11، الفكرة تتمحور حول طفل، واللغة المستخدمة بسيطة وتتناسب تماما ومنطق الأطفال، كما أن الشخصية التي يتحدث عنها الشاعر هي "طفل" ونجد الأسلوب المستخدم اسلوب بسيط وسهل، ويوصل الفكرة التي يريدها الشاعر.
ويقول في قصيدة "تامر عرار":
كان اسمه تامر
....
ولد يركض خلف النحل
وخلف الغيمات السحرية!
ولد تعره النسوة 
وبنات الصف السادس
والغزلان البرية!
هو الآن في القلب
أزهار مرة
هو الآن على السفح
يلوح للشمس لآخر مرة!" 13، أذا ما توقفنا عند الفكرة التي يقدمها الشاعر نجدها موجودة خلف: "يلوح للشمس لآخر مرة!" فالشاعر يتعمد أن لا يتحدث عن الدماء أو الموت/القتل، فهو يستخدم منطق الأطفال، ولا يريد أن يخدش مشاعرهم، رغم أنه يريدهم أن يعرفوا ما حدث "لتامر"، وهذا الإيحاء ينم على ذكاء الشاعر من جهة، وعلى توحده من نصه من جهة أخرى، بحيث يجتمع الوعي وألا وعي معا في تشكيل وإخراج القصيدة إلى الحياة.
وإذا ما أخذنا الألفاظ المستخدمة في القصيدة سنجدها بيضاء إذا ما استثنينا ألفاظ "خلف، مرة، لأخر" وبقية الألفاظ جاءت بيضاء، وتعبر عن الفرح وعن الحياة، فمن خلال "الركض، الغيمات، السحرية، تعرفه، الصف السادس، الغولان البرية، في القلب، أزهار، السفح، يلوح، للشمس" كل هذا الفضاء الرحب يؤكد على أن الشاعر يراعي ويهتم ـ إن كان بوعي أو دون وعي ـ بمشاعر الأطفال، بحيث ينتقي ألفاظه بعناية فائقة، ويقدم فكرة (مؤلمة) لكن بلغة وأسلوب أبيض، يدفعهم إلى الحياة بفرح وبهجة.
ونجد في قصيدة "بهيرة" أيضا هذا الاسلوب الناعم والنقي، رغم ألم الحدث/الفكرة التي يريد تقديمها:
"كانت تهيء نفسها
للموعد الأول
كانت تحضن دفترها
وشرائطها الملونة
كأنها تستعجل النهار
كأنها صرخت...
كأنها نادت علينا
.....
الدفاتر والأقلام والطوابع الملونة
الواجب المدرسي ونصائح المعلمة
تجلس وحدها
على مقعد
كان ينتظر بهيرة!" ص82و83، الفاظ بيضاء تماما إذا ما استثنينا لفظ "صرخت" وهنا أيضا نجد الشاعر يتحرر من وقع الأحداث المؤلمة ويقدم نص منسجم وطبيعة الأطفال، فإذا ما أخذنا الألفاظ المستخدمة سنجدها تخدم فكرة البياض/الحياة/افرح، وكأن الشاعر ـ من خلال هذه الألفاظ ـ يدعو إلى التقدم من الحياة والابتعاد عن الموت، فحتى حادث القتل، لم يتناول تفاصيله وكتفى بوجود: "كان ينتظر بهيرة" التي اعطتنا فكرة الغياب الدامي، وهذا ما يوكد على أن "ماجد أبو غوش" استطاع أن يقدم ديوان استثنائي، إن كان على صعيد اللغة أم على صعيد الأسلوب.
لكن ليس دائما يستطع الشاعر أن يضبط لغته ويحررها من وقع الحدث عليه وعلى نصه، فكترة مشاهد الأطفال الموتى/القتلى جعله يتأثر بصورة أعمق بحيث خرج عن اسلوبه السابق، ـ إلى حدا ما ـ واصبح أسير لهذا المشاهد الدامية، يقول في قصيدة "أيمن فارس":
( كان ينتظر بلهفة موعد الذهاب ـ للمرة الأولى ـ إلى المدرسة، كان ينظر بشوق إلى ملابسه الجديدة قميص وبنطال قصير، جراب أبيض وحذاء رمع أسود، كان في كل يوم يتفقد المدرسة والشارع والحوانيت، كان يخاف عليها من الهدم.... بقيت الأشياء في مكانها ... أما هو ...!؟
(من أقوال والده الشهيد)
عندما ننهض جميعا
من الموت
نفتح دفتر الشهداء
ونقرأ بلا صوت
كان طفلا صغيرا
لكن قامته
كانت أعلى من النخيل!
كان يمشي 
في ظل جده
عندما قصف الغزاة
هذا الجسد النحيل!
كان يمشي بدلال
وكان حيث مال جده
يميل!
ما زال فراشه دافئا
وما زالت ملابسه
تزين حبال الغسيل!" ص31و32، اعتقد أن الشاعر عندما افتتح القصيدة بما قاله والد "أيمن فارس" تأثر به وتركت كلمات الوالد أثرا فيه، فكان الانفعال ظاهر في هذه القصيدة، "فهناك في غاية السواد "الموت، قصف، الغزاة" ونجد أثر قول الأب على الشاعر من خلال تركيز الشاعر على الفعل الماضي، خاصة عندما يتحدث عن "أيمن فارس" وهذه اشارة إلى أن "أيمن" أصبح من الماضي، لكن الشاعر عندما تحدث عنا نحن المتلقين/الأحياء نجده يستخدم فعل أبيض "ننهض، نفتح" لكن ما يتبع هذا الفعل الأبيض هو شيء/حدث مؤلم "الموت، الشهداء" وهذا ما يعطي دلالة إلى أن الشاعر في كيانه يميل نحو الحياة الطبيعية، الحياة الهانئة، لكن الاحتلال يعكر هذا الطبيعية وهذا الهناء.
الديوان من منشورات أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الثانية 2004

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 144 مشاهدة
نشرت فى 13 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الفعل الأسود في قصيدة
"خلف هذا الوقت"
عمار خليل
عندما يكثر استخدام افعال القسوة والألم في العمل الأدبي فهذا يعطي اشارة إلى واقع مؤلم وقاس، ويعطينا فكرة الضيق وعدم الراحة التي يعاني مها الشاعر، فهناك عدد كبير من أفعال الضيق في القصيدة: "احتاج، تعتليها، فتفرق، يسرق، هده، يتلف، تضيق، تتوه، يضيع، وتداس، تقيده" كل هذا يجعلنا نقول أن القصيدة سوداء، وإذا ما أخذنا الأسماء والصفات والحروف سنجدها أيضا تخدم فكرة السواد: "نصف، النهاية، خلاف، لذع، عقرب، عجاف، مقفلا، الاتلاف، رقابنا، الجزار، السياف، الصحراء، داحس، غبراءها، نعالنا، الأطراف، الذئاب، خراف، بلا، لا" ضمن هذا الواقع الأسود والموجع، كيف يتقبل القارئ/المتلقي مثل هذه القصيدة التي تذكره بواقعه الأسود، واقعه الذي يهرب منه بكل السبل والطرق؟، اعتقد أنه على الشاعر أن يجد عناصر محفزة/جاذبة تجعل القارئ يتقدم/يتقبل مثل هذه المواضيع، وهذا ما وجدناه من خلال استخدم "عمار خليل" للفعل المضارع، وليس الفعال الماضي، فدائما الفعل المضارع متعلق بالمستقبل، على النقيض من الفعل الماضي الذي يعطي مدلول انتهاء الفعل، بحيث لا يعود هناك جدوى من القيام بأي فعل/عمل لتغير ما جري، أما في الفعل المضارع فيمكن لهذا التغير/التبديل أن يحدث، فمثلا يمكننا إيقاف فعل "يسرق" ونمنع حدوثه، وهذا الأمر ينطبق على افعال "يلتف، تضيق، وتتوه، ويضيع، وتداس" وهنا يكمن دور الشاعر، فهو يستحدثنا على إيقاف تلك الأفعال السوداء، من خلال جعلها تحدث أمامنا، فالفعل مازال يحدث ومستمر، فإذا كنا غير راضين/قابلين بهذه الافعال فعلينا أن نوقفها، لا أن نهرب من مواجهتها، وهنا يكم ابداع الشاعر "عمار دويكات"،.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 126 مشاهدة
نشرت فى 13 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية 
المجلد التاسع - الجزء الثاني
شعراء العصرالحديث
.
بقلم د . فالح الكيلاني
.
( الشاعر سميح القاسم )
.
سميح القاسم من قرية ( الرامة ) في (فلسطين)
وروى بعض شيوخ عائلته أنَّ جدَّ عائلتهم الأول( خير محمد الحسين) كانَ فارساً مِن أسياد القرامطة قَدِمَ مِن شِبه الجزيرة العربية لمقاتلة الروم واستقرَّ به المطاف على سفح (جبل حيدر ) في فلسطين على مشارف موقع كانَ مستوطنة للروم. وما زالَ الموقع الذي نزل فيه معروفاً حتى يومنا هذا باسم (خلَّة خير)على السفح الجنوبي من ( جبل حيدر) وكان (ال حسين )معروفين بميلهم الشديد آلى الثقافة
ولد سميح القاسم سنة \1939 بقرية ( الرامة ) من (فلسطين ) وقيل أن والد سميح القاسم كان ضابطاً في قوّة حدود (شرق الأردن)، وفي إحدى رحلات العودة إلى فلسطين في القطار خلال الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بكى الطفل (سميح ) فذُعر الركَّاب وخافوا أن تهتدي إليهم الطائرات الألمانية. وبلغَ بهم حد الذعر درجة التهديد بقتل الطفل فاضطر والد ه إلى إشهار السلاح في وجوههم لردعهم، وحين رُوِيَت الحكاية لسميح القاسم بعد ان كبر ، قال:
( حسناً... لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، ولن يقوى أحد على إسكاتي) .
وتعلّم في مدارس (الرامة ) ومدارس ( الناصرة ). حتى اكمل دراسته ثم عين مدرسا ، ثم انصرف لمزاولة النشاط السياسي في (الحزب الشيوعي) ثم اعلن الخروج من الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي. يقول في احدى قصائده :
هنا.. في قرارتنا الجائعهْ
هنا.. حفرت كهفها الفاجعهْ
هنا.. في معالمنا الدارساتِ
هنا.. في محاجرنا الدامعهْ
نَبوخَذُ نصّرُ و الفاتحون
و أشلاء رايتنا الضائعهْ
فباسمكَ يا نسلَنا المرتجى
و باسمكِ يا زوجنا الضارعه
نردُّ الزمان إلى رشده
و نبصق في كأسه السابعه
و نرفع في الأفق فجر الدماء
و نلهمه شمسنا الطالعه
يعد سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينين المعاصرين حيثر ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضي فلسطين عام\ 1948. ويتناول في شعره الكفاح ومعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي .
سُجن القاسم أكثر من مرة، كما وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية والإعتقال المنزلي وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعري والسياسي وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل، داخل وطنه ( فلسطين ) وخارجه. يقول:
و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
* * *
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
* * *
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟!
وكان سميح القاسم من مؤسسي صحيفة (كل العرب) ورئيس تحريرها الفخري، إلى جانب إسهامه في تحرير صحيفتي (الغد) و(الاتحاد) ثم شغل رَئِسَ تحرير جريدة (هذا العالم) عام\ 1966. ثم عاد وعمل مُحرراً أدبياً في (الاتحاد) وأمين عام تحريرصحيفة (الجديد) ثمَّ رئيس تحريرها. و قد أسَّسَ منشورات (عربسك) في مدينة (حيفا )، مع الكاتب ( عصام خوري ) سنة \ 1973، ثم تسلم ادارة (المؤسسة الشعبية للفنون) في( حيفا ). ثم اصبح رئسا للإتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين منذ تأسيسهما. يقول في قصيدته ( اطفال سنة 48 ):
كَوَمٌ من السمك المقدّد في الأزقة . في الزوايا
تلهو بما ترك التتار الانكليز من البقايا
أُنبوبةٌ.. و حطام طائرةٍ.. و ناقلةٌ هشيمه
و مدافع محروقة.. و ثياب جنديٍّ قديمه
و قنابل مشلولة.. و قنابل صارت شظايا
* * *
((يا اخوتي السمر العراة.. و يا روايتيَ الأليمه
غنّوا طويلاً و ارقصوا بين الكوارث و الخطايا ))
لم يقرأوا عن (( دنُ كشوت )) و عن خرافات القتال
و يجنّدون كتائباً تُفني كتائب في الخيال
فرسانها في الجوع تزحف.. و العصيُّ لها بنادق
و تشدّ للجبناء، في أغصان ليمونٍ، مشانق
و الشاربون من الدماء لهم وسامات الرجال
* * *
يا اخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمه
و اليتم.. و الرؤيا العقيمه
فلنجنِ من غرسِ الجهالة و الخيانة و الجريمه
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
* * *
يا اخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض رايه
يا اخوتي المتشرّدين و يا قصيدتيَ الشقيّه
ما زال عند الطيّبين، من الرثاء لنا بقيّه
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الروايه
توفي الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، بعد صراع مع المرض الذي اصيب به ( سرطان الكبد ) لمدة ثلاث سنوات أدى إلى تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة وانتصر عليه المرض اخيرا فوافته المنية يوم الثلاثاء الموافق التاسع عشر من شهرآب ( اغسطس ) 2014 .
صَدَرَ له أكثر من (70 )كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّدات عن دور نشر عديدة في القدس وبيروت والقاهرة. كما تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى.
سميح القاسم حف بهالة من الالقاب والمسميات الكثيرة بحيث كان الشاعر الوحيد الذي تظهر في أعماله ملامح ما بعد الحداثة في الشِّعر العربي فكان ( قيثارة فلسطين ) و( متنبي فلسطين ) و(شاعر العرب الاكبر ) و( الشاعر المبدع ) و( مغني الربابة وشاعرالشمس ) و( شاعر المقاومة الفلسطينية ) و(شاعرالقومية العربية ) و( الشاعر العملاق ) وكثير غيرها فهو بحق الرجل المتفوّق في قوة مخيلته والتي يصعب أن نجد مثلها لدى شعراء آخرين ويمتلك هذه العمارة وهذه القوة التي تسمح له بأن يكون البطل الدائم في عالمه الشعري فهو بحق الشاعرالمبدع والشاعرالعملاق والشاعر الذي أعطى الشعر صفوة الروح والعمر، فانتصبت القصيدة شجرة عطاء لا ينضب. فهوالشاعر الإنسان لا يبرح الشباب وعنفوان الإنسان الممتلئ بالحيوية والمرح والأمل، فكان بحق شاعر المقاومة ورئة الكلمة الصامدة يقول في احدى قصائده :
طعام الشهيد يكفي شهيدين
يا أمنا الريح .. يا هاجر المتعبه
أعدي الطعام القليل لأبنائك العائدين 
على عربات المنافي
خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة
قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي..
إنهم متعبون جياع
أعدي لهم وجبة من بقول الخراب
أعدي كؤوس العذاب
وإبريق أحزانك المرعبه
سيجمعنا الخبز والملح عما قريب
وتجمع أشلاءنا لقمة العودة الطيبه
واختم بحثي بهذه القصيدة الجميلة ( صوت الجنة الضائع ) :
صوتها كان عجيباً
كان مسحوراً قوياً.. و غنياً..
كان قداساً شجيّاً
نغماً و انساب في أعماقنا
فاستفاقت جذوة من حزننا الخامد
من أشواقنا
و كما أقبل فجأة
صوتها العذب، تلاشى، و تلاشى..
مسلّماً للريح دفئَه
تاركاً فينا حنيناً و ارتعاشا
صوتها.. طفل أتى أسرتنا حلواً حبيباً
و مضى سراً غريبا
صوتها.. ما كان لحناً و غناءاً
كان شمساً و سهوباً ممرعه
كان ليلا و نجوما
و رياحاً و طيوراً و غيوما
صوتها.. كان فصولاً أربعه
لم يكن لحناً جميلاً و غناءا
كان دنياً و سماءا
* * *
و استفقنا ذات فجر
و انتظرنا الطائر المحبوب و اللحن الرخيما
و ترقّبنا طويلا دون جدوى
طائر الفردوس قد مدّ إلى الغيب جناحا
و النشيد الساحر المسحور.. راحا..
صار لوعه
صار ذكرى.. صار نجوى
و صداه حسرةً حرّى.. و دمعه
***نحن من بعدك شوق ليس يهدا
و عيونٌ سُهّدٌ ترنو و تندى
و نداءٌ حرق الأفقَ ابتهالاتِ و وجْدا
عُدْ لنا يا طيرنا المحبوب فالآفاق غضبى مدلهمّه
عد لنا سكراً و سلوانا و رحمه
عد لنا وجهاً و صوتا
لا تقل: آتي غداً
إنا غداً.. أشباح موتى !!
.
امير البيــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــد روز
.
.********************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 161 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

((((( شاعر))) و (((( ناقد ))))
شاعرنا الليلة من تونس الشقيق متمكن من الشعر بانواعه وجميل وساحر البيان 
الاستاذ (( محمد الخذري ))وناقدنا عرفناه سابقا استاذ في الادب (( الاستاذ صالح أحمد ))
القصيدة ..........
" رياح الصّبّ "
سألْتُ حَرْفيَ كيْف العشْق يُسْكرني
أنّى هوًى يوْطن الوجْدان يحْـرقني
مـا حيـلة القلْب والأشْواق تسْكنــه
والنّبْض يشْـدو وبالألْحان يٌطْربني
يا مُهْجة الرّوح لا الأشْجان تُرْهقني
ولا وهيـج جروح الرّوح يُدْركني
بي حرّ شوْق إلى ليْلاك أرْقُـبـهـا
مدًى إليْك ريـاح الصّبّ تحْملُـني
يا عاشق اللّيْل والأشْعار مُذْ زَمنٍ
أراك تعْـبُـر بِكْر الدّرْب تسْــألُــني
عنْ ذكْريات صبانا عنْ هوى وطني
عنْ أغنيات سَرَتْ لحْنًـا مدى الزّمـنِ
حـان الوداع فصوْت منْـك أيْـقظني
منْ نشْـوتي وجنـاح اللّيْـل يسْترني
فإنْ يكُنْ طلبي للوصْل مُمْتـنـعًــا
فارْحلْ فإنّ لذيــذَ الحُلْـمِ زهّـــدني
بقلم : محمّد الخذري
القؤاءة النقدية
:::::::::::::::::::::::::::::::::
" رياح الصّبّ "
تعددت والعبارات التي تعبر عن حالات الحب ودلالاتها في اللغة العربية... ولكن بقيت كلمة (الصبابة) أكثرها عمقا واتساعا في الدلالة.. فالصبابة في معاجم اللغة تعني: "حَرَارَةُ الشَّوْقِ وَمُكَابَدَتُهُ" كما تعني: "رِقَّةُ الْحُبِّ وَالْهَوَى" وصدق القائل:- "لاَ يَعْرِفُ الصَّبَابَةَ إِلاَّ مَنْ يُكَابِدُهَا". ليستطيع ان يحدد: أتبعث في قلبه حرارة الشوق فيكابدها صابرا... أم تمنحه رقة الحب والهوى.. فيذوب وجدا.. ويصبر هوى وشوقا؟
نحن هنا أمام شاعر يكابد الصبابة بكل حالاتها.. والدليل: (رياح الصب) فالرياح لا تستقر على حال.. ولا تمكن السائر في أجوائها من تحديد مقدار احتماله لجنونها وتقلباتها... ومدى صبره في ظل تشعباتها وأجرياتها.. ولا إلا أين تحمله... وأين يكون مستقره تحت جناحها؟... إنه في حالة تشتت دائم.. فالريح تهب في كل اتجاه... وفي كل موسم.. وهي تختلف بين شدة ولين.. قوة وضعف.. حر وبرد.. مُنعِش ومُضجِر.. مريح ومُتعِب...
عنوان مفتوح على كل الاحتمالات.. وهنا تأتي لباقة الشاعر وفطنته.. التي تحمله قسرا على البحث عن موقفه وسط الرياح.. والباحث.. لا بدّ له من السؤال ليجد ضالته.. والتساؤل.. حيلة الحيران الباحث عن الهدى...
سألْتُ حَرْفيَ كيْف العشْق يُسْكرني
أنّى هوًى يوْطن الوجْدان يحْـرقني
مـا حيـلة القلْب والأشْواق تسْكنــه
والنّبْض يشْـدو وبالألْحان يٌطْربني
"سألت حرفي".. سألت لغة التعبير مفتاح الوعي (إقرأ)... بوابة المنطق.. "كيف العشق يسكرني" ومع حالة السكر (سكر الهوى وسكر القلب ... من المصطلحات الصوفية .. الدالة على ان شاعرنا أوغل في حال التجلي الوجداني والشعوري المفارق للحس الجسدي إلى الحس الروحي...)
"أنى هوًى يُؤطِنُ والوجدان يحرقني" "يؤطن" هنا جاءت بمعنى يطمئن.. كيف لهوى أن يبعث الطمأنينة في وجداني.. وهو يحرقني.. ويتركني بلا حيلة.. لا حول لي ولا قوة.. مسلوب الإرادة موزع الذهن والحس بين هوى يحرقني.. وشوق يملك عليَّ قلبي ونبضي.. ويطربني بألحان وعوده الموزعة بين سكينة مرجوة.. أو احتراق منشود بلوغا لحالة الانصهار في بوتقة الوجد:
يا مُهْجة الرّوح لا الأشْجان تُرْهقني
ولا وهيـج جروح الرّوح يُدْركني
وهو بين هذا وذاك.. بين رقة الاشجان.. حينا.. ولوعة وحرقة الشوق حينا.. يبقى هائم الروح، مشغوف الصبابة..
بي حرّ شوْق إلى ليْلاك أرْقُـبـهـا
مدًى إليْك ريـاح الصّبّ تحْملُـني
"ليلاك" لمن يعود الضمير "الكاف".. إنه عائد إلى (حرفي) وحرفي هنا يتضح معناها : إنه يعني بها لغة الشوق والحنين.. و"ليلاك" تجسيد حسي لحال الشوق والحنين والصبابة.. يعيشها وجدا.. كما يعيشها ارتقابا... فالصوفي يخرج من حال وجد إلى حال أمل .. إلى حال شوق.. إلى حال طلب وارتقاب..بلوغا ووصولا إلى حال الجذبة فالوصل.. وهكذا تتجدد الأحوال.. وبتجددها يتجدد الوجد وتشتعل الصبابة...
وما أبدع التعبير "مَدًى" بلا حدود.. لا بداية، ولا نهاية.. افق يتسع ولا يضيق.. لا يحده حد .. ولا يحيق به جهد ولا جد.. هو في تجدد دائم.. واتساع بلا توقف... وفي هذا سر جذبته، وسر تعلق الروح به.. فهو: "ريح الصب" تجعله في قلق دائم.. يصاحبه شوق يتعاظم.. ووجد متصل.. وصبابة لا تفتر..
يا عاشق اللّيْل والأشْعار مُذْ زَمنٍ
أراك تعْـبُـر بِكْر الدّرْب تسْــألُــني
عنْ ذكْريات صبانا عنْ هوى وطني
عنْ أغنيات سَرَتْ لحْنًـا مدى الزّمـنِ
وتحت جنح الليل يقر القلب.. ويستقر الوجد ويسكن الرّوع.. فتنتشي الصبابة سكينة وهدوءً ولذة في طهر الطريق (بكر الدرب) الدرب الواصل بين شوق القلب .. وسرمدية الصبابة .. وأبدية العشق.. حين يجذب الوجدان ليصبح له وطنا وطريقا .. وقلبا وروحا.. ويصبح العمر لحظة وجد هي المدى.. وهي الزمن ... " أغنيات سَرَتْ لحْنًـا مدى الزّمـنِ" وإيقاع الزمن المتجسد نبضا به نحيا... وصبابة بها نَتَرَسَّم الطريق .. طريق الحياة في ظل العشق ومراقي الوجد..
حـان الوداع فصوْت منْـك أيْـقظني
منْ نشْـوتي وجنـاح اللّيْـل يسْترني
فإنْ يكُنْ طلبي للوصْل مُمْتـنـعًــا
فارْحلْ فإنّ لذيــذَ الحُلْـمِ زهّـــدني
"منك" مرة أخرى... إشارة إلى "الحرف".. لغة اليقين والحس.. جسر الوصل السرمدي في مراقي الصبابة.. "الوداع" وداع التردد .. وداع التشوق... وداع التشتت... إلى حال الاستقرار الوجدي.. وداع "السكر" والغيبة .. إلى اليقظة والوعي.. وداع النشوة .. إلى حال الصحوة.. وداع البحث .. إلى حال الوصل.. وهل يصلح غير ستر الليل إطارا لهذا التجلي الوجداني؟ تحت جنح الليل حيث الوصل الوجداني.. الوصل الروحي .. حيث غيبة الوجود .. في حضرة الحبيب الموجود .. حيث يغيب الوصل الحسي .. ليحضر الوصل الروحي .. في "لذيذ الحلم" ومن نال لذة وصل الروح في لذة الحلم.. يزهد طبعا بكل وصل مادي دون ذلك..
...................
كنا مع قصيدة صوفية موغلة في العمق الوجدي .. عمق الصبابة وأحوالها.. والعشق ومراقيه.. في معارج الحرف (اقرأ) حيث تجليات روح الوصل بسر الحرف.. وسر الروح الساكنة خبايا النبض المتواصل حلما ولذة في مدى العشق .. وصولا إلى (ليلاه) معارج مراقيه وتجلياتها.. 
شاعرنا.. شاعر صوفي أعاد للقصيدة الصوفية الرمزية معارج العشق الإلهي الروحي وصبابته ولذاذاته ... 
شكرا شاعرنا الراقي محمّد الخذري.. لقد أمتعتنا وبحق.. دمت راقيا شامخ الحرف والروح
...صالح أحمد (كناعنة).....

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 153 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

اللغة والفكر في ديوان
"هي عادة المدن"
خالد جمعة
اللغة هي الأداة الحاملة للمادة الأدبية، وهي من تحمل الفكرة وتقدمها لنا، ويكفي أن تكون اللغة جميلة لنستمتع بالعمل الأدبي، في هذا الكتاب تأخذنا اللغة إلى فضاء رحب، نهيم فيه محلقين في عالم الشاعر "خالد جمعة" وإذا ما أخذنا الأفكار الإنسانية التي يحملها الكتاب نكون أمام عمل يستحق أن نقف عنده.
المرأة
المرأة لها حضورها ، وكلنا يعلم الحيوية التي تخلقها عندما تحضر، فهي أن جاءت بواقعية أم في الأدب أم في الخيال تبقى لها هيبتها ومكانتها، فحضورها مرحبا به أينما حلت وكيفما جاءت:
"احتاج إلى حبك كي أميز بين حزني وانكساري، احتاج عينيك كي أرسم العالم من أدراج لم يصعدها أحد، ولم يغن على ظلالها أحد" ص16و17، فالمرأة هي البلسم الشافي للشاعر، وهي من يستطيع أن يخرجه ويحرره مما علق به، ويحتاجها لمسألتين، الأولى متعلقة بالمعرفة التي يستطيع من خلالها أن يحد موقفه/موقعه، والاحتياج الثاني جاء ليرتقي إنسانيا وثقافيا، فهو يريد رسمها بصورة خاصة مميزة، والجميل في هذا التناول لمرأة أنه الشاعر يرى العالم من خلال عيونها هي وليس من خلال عيونه.
المرأة هي الباعث والخالق لكل العناصر الجميلة في الحياة، فمنها وبها يجد الجمال والهدوء والسكينة، هذا ما يقوله الشاعر:
"كميت لا يموت
كان الليل بحاجة إلى قصيدة ليغسل ليله، ليمد حنينه البعيد إلى روح هذا الجمال الكامن فيك، وحين أسأل بسذاجة المبتدئين: من أين تأتين باستثناءاتك كل فجر، تحيطين الوجود ببسمة وتكتبين على الهواء: من أين يأتي النبع بمائه منذ مليون سنة؟" ص29، الجميل في هذا المقطع أنه جاء من خلال ثلاثة أصوات، الراوي، والشاعر، والحبيبة، وإذا ما توقفنا عند المقطع الذي جاء على لسان الراوي، نجده المذكر "الليل" يبحث عن أنثى "قصيدة" وهذا ما يشير إلى أن الشاعر في العقل الباطن يعطي المرأة أهمية ومكانة عالية، وهي لا يتوقف عند هذا الأمر، بل يجعل الهدف/الغاية من كتابة "القصيدة" لتتخصب/لتتغنى بالحبية، ومن ثمة تقدم لها، وكأن الجمال يأتي/ينبعث/يولد من المرأة، لهذا هو جمال، ولهذا يقدم لها، فهي الخالق والباعث والواجد للجمال، كما أنها تقبل (قربان) الجمال فقط.
وإذا ما توقفنا السؤال الذي طرحه "الشاعر" سنجد "السذاجة" تتناسب وطبيعة تركيب الفقرة التي جاءت بها، "وحين أسأل بسذاجة المبتدئين" فلا نجد فيها أي فنية أو ابداع، بل فقرة عادية تعبر عن حقيقة (سذاجة) السائل، لكن السؤال بحد ذاته جاء بشكل متألق ورائع: "من أين تأتين باستثناءاتك كل فجر، تحيطين الوجود ببسمة وتكتبين على الهواء" فالسؤال حيوي وينم عن ثقافة عالية، وكأن الشاعر بهذا أراد أن يقول بأنه يمكن أن يقدم على فعل عادي، لكنه سرعان ما يتدارك نفسه ويتقدم من ذاته كشاعر.
أما الصوت الثالث فجاء على لسان الحبية التي تكتب: "من أين يأتي النبع بمائه منذ مليون سنة؟" فنجد اللغة الأنثى حاضرة من خلال حديثها عن النبع "المذكر وعن "مائه" وهنا كان صوت الأنثى حقيقي وصادر عن امرأة وليس عن رجل، وهذا ما يجعل الفقرة حقيقة صادرة عن انثى وليس عن ذكر، وهذا ما يجعلنا نقول أن الشاعر ينسجم ويتوحد مع ما يكتبه، من هنا علينا التوقف عنده وليس المرور عليه مرور الكرام. 
ألم الشاعر
الشاعر والكاتب يمتلك احساسا مرهفا يمكن لأي حدث/فعل/صوت/قول/صورة أن يخدشه ويسبب التعكير له، فما هو التعب/الأم الذي يعني منه "خالد جمعة"؟:
" تعبت
حين ضممتك ولم أجد غير الهواء الخفيف يعبئ المساحة بين يدي.
تعبت
من علب الحنين على رفوف القلب، تنز فريق الأفق، وينام السواد في غيه وأنام.
التعب مجيئك في ذهابي، وحضورك دون رائحة.
التعب ذوبان العاشق في نهر كسول
التعب جوع الروح إلى البدايات
التعب حنين الماء إلى أمه الغيمة
التعب أن تحب 
تعبت وحين تكسرني المسافات أقبل الندى في يديك الخائفتين فأنجو" ص19-24، اللغة الشعرية حاضرة، والشاعر يقدم أفكارا بشكل مختزل ومكثف، فهو يتحدث بلغة شعرية هادية وناعمة، رغم القسوة والألم الكامن بين حروف كلماته، فالعاطفة والحنين والحب هما ما يؤرقه ويسبب له التعب/الألم، فيبدو لنا وكأنه النبع المتدفق ولا يجد من يغترف ليشرب منه، وهنا يكون دور الشاعر المعطاء الذي يفيض بالحنان والحب والعطاء، فهو كالأم/كالأرض التي تعطي لأن طبيعتها العطاء.
ما جاء فيما سابق جاء بشكل (مباشر) عن وجع وألم الشاعر، لكن كيف يكتب الشاعر "خالد جمعة" عن هذا الألم؟ وكيف يعبر عن ألمه؟:
"الغارة تفسخ الدوري والموجة والبنات والندى والضوء والأمس واليوم، يتعثر الرجل بالظلمة كي يفهم فصلا في رواية طويلة، تخذله الكهرباء وزوجته والطحين/ جثة الوقت ملقاة على حبل التلفزيون كأية جثة أخرى، ...أزواج من حمام ولغة تتبخر على الأسفلت، تصاب اللغة في مقتل وتموت بعيدة ووحيدة وباردة مثل ماموث مدفون في ثلج مصنوع من ثلج.. بأم عيني رأيت عشرة مفردات يتسللن إلى قاموسي دون أن أحرك إصبعا كي أمنعها... يجلس شاعر وحده محاط بالهواء الساخن، أمامه برتقالتان هما كل ما تبقى من مظاهر الحضارة، فيغامر فيأكل واحدة فتشعر الأخرى بالوحدة وتقول لنفسها: هذا القاتل لا يرحم.
تعلق امرأة رعبها على الشباك كي لا يراه الصبية الذين يعللون ارتجافهم بالبرد لا بالخوف، يسقط الرعب عن حافة الشباك، يتكسر في أرض الغرفة شظايا كل شيء وكل وقت، الساعة على الجدار قررت أن تستريح بعد أن أصبح عملها لا ضرورة له" ص54و55، 
صورة الناس/للإنسان الذي يتعرض للغارة والكيفية التي يكون بها، فنجد استحالة القراءة ـ وهي فعل إنساني ـ ونجد الرجل يحمل هم تأمين الطعام لأسرته وسلامتها، ونجده يتألم بمشاهدة الحمام على الإسفلت، هذه الصور تجسيد شبه واقعي، لكن هناك طريقة للشاعر حلق بها بعيدا فيؤنسن الأشياء والجماد والتي تعبر عن حجم المأساة التي يعيشها الشاعر/الإنسان، فهناك اللغة الأداة والوسيلة التي يكون/يجد فيها الشاعر ذاته تموت بعد أن تصاب في مقتل، وهنا الشاعر يفقد ذاته لأن ادواته من المفترض أنها لم تعد موجوده، فهل حقا أصبح "الشاعر" غير شاعر، لفقدانه لغته؟، أم أنه مصاب بحدث عظيم سيفجره كشاعر بحيث يتجاوز كل ما هو عادي ومألوف؟
اعتقد بأن الاحتمال الثاني هو الذي سيكون عليه "خالد جمعة"، وهذا ما وجدناه عندما "جعل مفردات (دخيلة) تتسلل، وعندما جعل البرتقالة تتكلم كإنسان تماما، وتبدي غضبها على فعل قتل أختها!!، ونجد المرأة تعلق "الرعب"، الذي يسقط كالزجاج، ونجد الساعة التي تتوقف عن العمل بإرادتها هي، كل هذه الصور (المجنونة) تؤكد على عبقرية الشاعر وعلى تمكنه من أدواته الشعرية، فقدم لنا صور في غاية الروعة رغم قتامتها، وهنا يكمن أبداع الشاعر، تقديم صورة قاسية ومؤلمة لكن بصور شعرية جميلة تخفف من وطأة الحدث، المشهد على القارئ.
حكم الشاعر
الشاعر هو مفكر وفيلسوف وعبقري وأديب، لهذا الشعراء هم أعلى مرتبة إنسانيا وحضاريا، "خالد جمعة" يقدم لنا فلسفته كشاعر من خلال قوله:
" لمن سنقول الشعر حين يموت الذين نحبهم؟" ص30، وكأن الشاعر يدعو إلى التشبث بالحياة، ويرد على كل من يطالبنا بالموت، فالحياة هي التي تجعل الشاعر يقول/يكتب الشعر، وتجعلنا نحن أحباءه نستمتع بهذا الشعر.
ويقول على لسان المرأة: "أريد من يسرقني لا من يحرسني" ص38، فهذا الكلام الصادر عن المرأة يشير إلى حاجتها إلى الحرية وعدم وضع القيود والحواجز أمامها، وعبر أيضا حاجتها إلى من يأخذها إلى عالم/فضاء يحررها من الواقع، بحيث تهيم في فضاء الحب والحبيب، وحاجتها روحية وجسدية.
ونجد فلسفة الشاعر في "أعتقها فمتمرتين": 
"قال: أما زلت لا ترى أحدا في مرآتك؟
قال:
آخر مرة نظرة لي في المرآة خرج شبحان يعضان المسافة بين وبين المرأة
قال: رأيت العدم في علبة الكلام على الطاولة ولم تزل عاشقا؟
قال: أفرغت نفسي من نفسي لأملأها بها، ففاضت عني
قال وما الحقيقة؟
قال: أن تكون ما تعي أنك هو" ص42، هذا الكلام أبعد من أن يؤخذ بمعناه العادي، بل هو كلام عميق يأخذنا إلى مكان آخر، فيبدو الشاعر صوفي تماما، وهذا ما جاء من خلال فكرته عن البصر العادي والبصيرة التي في "المرآة"، ونجد الصوفية أيضا من خلال حديثه عن الفراغ والامتلاء، وكذلك فكرته عن الحقيقة التي تكمن في الذات، الواعية، الذات العارفة. 
الومضة
من أصعب أنواع الكتابة، والقلة هي التي تتقن هذا النوع من الكتابة، لكن الشاعر "خالد جمعة" الذي امتعنا بما قدمه بالتأكيد هو متمكن من هذا النوع من الكتابة:
"
ـ1 ـ
عيناك زمن خائف
أطمئنه بقبلة
فيخاف أكثر" ص61، الفعل والفعل المضاد هما الجميل في هذه الومضة، فالشاعر يتحدث عن عيناها، وهذا بحد ذاته له وقع خاص في المتلقي، كما أن فعل "قبلة" له أثر في الحبيبة وفي القارئ معا.
الديوان صادر عام 2009، دون اسم دار نشر، مطبعة الأخوة رام الله، فلسطين

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 119 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

القصيدة المجنونة
"آن لي"
عبود الجابري
في عالم مجنون، ليس للعقل أو للمنطق مكانا فيه، لا بد أن مواجهه بعين الجنون، فلم يعد مكان للعقل في هذا الواقع، في هذا العالم، خاصة في منطقتنا العربية ، ولن نفتج جروحنا، فكلنا يعرفها، "عبود الجابري" يرد على هذا الواقع بصفعة مدوية، بحيث نجد في هذه القصيدة شيء من العدل، من رفع الظلم الذي وقع علينا، ففي هذه القصيدة سنجد ذاتنا، سيجد كل مواطن عربي نفسه خارج "اللوحة"، فلم يعد يحتمل ذلك الإطار الذي يقيده، فلم يعد يُحتمل أن نكون مجرد صورة كاذبة تعبر عن واقع مزيف، والشاعر لا يكتفي بهذا الخروج من اللوحة، بل نجده يتحرر كليا، ويمارس طقوس الحرية، من خلال القول ومن خلال الفعل، حتى أنه يحلق "بأجنحة من حجر"، بهذا الشكل "عبود الجابري" "يشفي صدورنا"، والآن لنتأمل القصيدة المجنونة:
" آنَ لي
أن أخرج من اللوحة
وأنزل إلى الأرض
هناك سيكون بمقدوري
أن أصف الماء جارياً
وأروي سيرة الغبار
عندما يغشى الأبصار "
صورة لفعل مجنون، لكنه فعل إنساني، فعل لا يصدر إلا عن عبقري، يعرف كيف يواجه واقعه، فالشاعر يثور على واقعه في اللوحة، ويأخذ مكانه على الأرض، على الجغرافية، في المكان، وهذا الفعل بحد ذاته فعل ثوري، فعل متمرد، لا يأتي إلا ممن لا يعرف القيد أو السكون، وبما أن الراوي هو شاعر فسيهتم بالحديث/التكلم بلغته الشعرية، لهذا نجده يريد أن "يصف الماء جاريا" وهنا رد طبيعي على حالته السابقة داخل اللوحة، وإذا ما توقفنا عند رمزية "الماء، جاريا" يمكننا القول أن الشاعر يركز على عنصر الحياة، وهذا التركيز لا يقتصر على الماء كعنصر للحياة فحسب، بل على جمالية الماء وهو "جاريا"، وهذا الجمع بين طبيعة الماء كعنصر للحياة، وكعنصر جمالي في الطبيعة، يؤكد على أن الشاعر لا يهتم بالحياة العادية، بل بالحياة وبجماليتها، بالوجود فيها والتمتع بجمالها، ومن ثمة التحدث عن هذا الجميل لنستمتع نحن القراء بهذا الجمال أيضا، والخطوة التالية جاءت من خلال فضح الواقع البائس، فلم يعد هناك تحمل عند الشاعر ليكون "في اللوحة"، ليكون مجرد صورة، وكأنه بهذا افعل أراد أن يعوض عن بقاءه في اللوحة، وأيضا أصبح على قناعة بضرورة العمل على عدم العودة إلى حالته السابقة، من هنا ذكر:
" وأروي سيرة الغبار
عندما يغشى الأبصار "
اللوحة الثانية في القصيدة جاءت بهذا بهذه الصورة:
" آنَ لي 
أن أشكر الرسام على حسن ظنّه 
ساعة ألبسني ألواناً زاهية 
ولم يفكّر بالسواد الذي تراكم 
في روحي "
وهنا نتوقف عند "الرسام" هل هو الرسام المعروف؟، أم هو الله؟، أم هو شيء آخر؟، الفكر؟، المبدأ؟، الأخلاق والقيم؟، ولماذا يُشكر الرسام الذي وضعه في اللوحة؟، ألس هو من جعله أسيرها، حتى لو رسمه بالوان زاهية؟.
واللوحة الثالثة جاءت لتصور حالة الانسلاخ الكامل عن الماضي، عن الحالة الأولى:
" آن لي أن أحمل حقيبتي التي تعفّن فيها المتاع 
وأمضي إلى أعالي الشجر
حتى وإن كنت طائراً
يحاول التحليق 
بجناحين من حجر "
الجميل في الصورة السابقة أن هناك فعل وفعل مضاد، فالحقيبة وما فيه عامل حيوي لفعل "أمضي" وهذه المضي، ليس سلبي بل إيجابي، "إلى أعلى الشجر، وهنا يجدر بنا أن نتأمل الفضاء الرحب الذي سيكون عليه الشاعر، وما سيمنحه هذا الوجود في المكان، وهذه الحالة من شعور بالحرية والانطلاق إلى الفضاء، وإذا ما علمنا وضع الشاعر، حالته وهو أسير في اللوحة ، وما سببته له من ألم، يمكننا أن نتفهم ونستوعب اصراره على التحليق بصورة مجنونة "التحليق بجناحين من حجر".
وإذا ما توقفنا عند حالة الشاعر في بداية القصيدة ونهايتها يتأكد على أن هناك فعل ثوري، نابع وناتج عن فكر ثوري، لهذا جاءت الخاتمة تمثل الرد الطبيعي والمناسب لوجوده في اللوحة.
وتستوقفنا الصور في القصيدة مع ما جاء في المدرسة السريالية التي تجاوزت العقل وقدمت الإنسان ومشاكله وهمومة بطريقة متمردة، من هنا يمكننا القول أن "عبود الجابري" يمثل حالة التمرد على والواقع من خلال ما يقدمه من قصائد متمردة، قصائد مجنونة، لكنها تمثل الرد المناسب على واقعنا.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الذاكرة الخصبة في ديوان
"الذاكرة المنسية، بيت الريش"
محمد العامري
احيانا نميل إلى حياتينا السابقة، رغم ما فيها من شدة، ولا أدري السبب وراء هذا الميل، هل هو ناتج عن وقع لحياة الصعبة الآن، فنجد الماضي أقل صعوبة؟، أم أن ذاكرتنا بعد عقود، تعمل على محو تلك القسوة، فيبدو لنا الماضي أجمل؟، أم لأننا كنا في حينها نحمل أحلاما وآملا كبيرة، والآن أصبحنا نجتر العيش لننهي مهمتنا؟، الشاعر "محمد العامري" يحاول أن يقدم لنا تعليلا/تفسيرا لهذا الميل إلى الماضي في قصيدة "كثرة البيوت" والتي قول فيها:
"...
حبيبي
أنا أول الورد في كفل النهر
خذني قليلا إلى شمعدان الطفولة والطين .. خذني
قليلا ... سأروي إليك فراغي
فقل للذين أسورهم بالعقيق
إني الطيور التي حلقت في البعيد
لتلقي على الماء أسمالها وتشيخ
قليل علي الغناء
كثير علي الهواء" ص80و81، هذا المقطع بفكرته مطلق البياض، بحيث نجد كل المعاني تحن إلى المكان، إلى الماضي، إلى الطفولة، إلى الطبيعة، إلى الفن والإحساس الجمالي والتمتع به، لهذا نجد الشاعر يميل إلى ماضيه، فهو الآن يفتقد هذا الأشياء أو يفتقد بعضها، وهذا ما جعله يحن إلى الأشياء/العناصر الحيوية التي لم تعد موجودة.
في هذا الديوان هناك شيء جميل، أليس فقط ذلك الماضي، بل اللغة التي استخدمها "محمد العامري" والاسلوب الذي قدم به قصائده، فهناك تناسق بين اللغة والأسلوب والأفكار التي يتناولها الشاعر، ونجد في هذا الديوان العديد من تراثنا، العاب الطفولة، عمل الأمهات، علاقتنا بهن، التعليم، المكان/الجغرافيا، وعلاقتنا به، الطبيعة والبيوت، لهذا نجد غياب المرأة/الحبيبة، لكن الشاعر يحدثنا بشكل مستفيض عن أمه، وهذا ما يجعل الديوان منسجما ومتناسقا.
قبل الدخول إلى الديوان نتوقف قليلا عند عناوين القصائد والتي تخدم الفكرة التي أراد الشاعر تقديمها، فكرة ميله إلى الريف، إلى قريته، إلى بيته، إلى أمه، إلى ألعابه، إلى النهر الذي تعمد به، فأصبح ذلك الماء (مقدسا) للشاعر، فنجد حضور البيت في أكثر من عنوان، "رائحة البيت، بيت الريش، كثرة البيت، باب البيت" وهذا يشير إلى العلاقة الحميمة بين الشاعر وبيته الريفي، ونجد الطبيعة من خلال "النهريون، رحيل الغائب في نهر الفضة، تمرينات نهرية، الشتوة الأولى، الثعلب، فخاخ الأب، القليعات مملكة الطير، شتاء الراعي، ممحاة البازلت" ونجد الحياة الاجتماعية في "تمائم جدتي، فخاخ الأب، اخوتي، الشتوة الأولى، طقس الختان" إذن من خلال العناوين يمكننا أن نأخذ فكرة عن طبيعة القصيدة والمادة التي سيقدمها الشاعر، فهي مجتمعة تخدم عنوان الديوان، "الذاكرة المنسية، بيت الريش"، وكأن الشاعر يريدنا أن نتذكر ما نسيناه، ما كانت عليه طفولتنا، وبالتأكيد هناك أفكار تتبع هذا التذكر، وتجعلنا نتوقف متسائلين عما آلت إليه أحوالنا، فمثلا عندما قال في قصيدة "فخاخ الأب":
" نهرب أجسادنا باتجاه الشريعة مأخوذين بالسمك 
والبط المائي" ص40، فأين أصبحنا من الشريعة؟، وأين أصبحت منا؟"، من منا يستطيع أن يصلها الآن؟، أنها (محرمة) لقد أمست "من الماضي، وهنا يكمن ابداع الشاعر، هو لا يتحدث ـ بطريقة مباشرة ـ عن ضرورة العودة إلى الشريعة، لكن الفكرة تصلنا، تثيرنا، تستوقفنا، وتجعلنا نتألم إلى ما آل إليه ذلك المكان، ما آل إليه حالنا، وهذا ما يجعل الماضي الذي أفضل مما هو الآن، وإذا ما توقفنا عند المكان، نجد الشاعر لا يتعاطى معه بشكل مجرد، بل هناك علاقته حميمة بينه وبين الشاعر/الإنسان، فالمكان والإنسان يجتمعان معا في تأكيد العلاقة بينهما.
الأم
غالبا ما تأتي الأم بصورة بهية، فهي من تمنح الحنان، وهي من تعطي لأن العطاء حالة طبيعية عند الأم، لهذا تجد العديد من الكتاب والشعراء يقدموها بصورة جميلة، :محمد العامري" يقدم لنا أمه في قصيدة "العين الأولى" بهذه الصورة:
"لم أزل أذكر صياح الديك
كانت أمي تهيء للتو قهوتها
وصرة من طحين وملابس ترشقها الريح بأصابعها العمياء
أمي التي تحمل في وجهها وشم العزة،
تخيط لزمن قاد
مناديل الأعراس الطين والصبيان
وعرائش من الخيش والبامياء الملظومة بالكتان
تراتيل للنوم وهدهدة للنعاس
رائحة حليبها الدافئ، وصحون التوتياء، حركات يديها على الصاج ورائحة الخبز الشفاف، تقاسيم وجهها، ثوبها المطرز بالعصافير والديكة، الخرز المتدلي من قراطها ميزان حب بالقسطاس" ص32، من يقرأ هذه المقاطع يتمنى أن تكون هذه أمه، رغم أن أمهاتنا اعطيتنا مثل هذا وأكثر، لكن الطريقة التي قدم بها الشاعر أمه، هي التي تجعلنا نتمنى أن تكون أمنا، فنبدو كأننا عاجزون عن وصف امهاتنا كما وصف الشاعر أمه، فقد ربط بين نشاطها وبين صياح الديك بطريقة رائعة، ويحدثنا عن كافة الأعمال التي تقوم بها، من اعداد قهوة الصباح، إلى العجين، والغسيل، حلب الماعز، تجفيف الخضار للموسم الشتاء، هدهدتها لينام بسكون وهدوء على انغام صوتها، هذا على صعيد الأعمال التي تقوم بها، لكن أيضا نجد هيئة/شكل الأم يعطي الشاعر احساس بالجمال وتقدمه من العطاء والانتماء والإخلاص في العمل، فعطاء الأم لا يقتصر على الماديات فحسب، بل نجد عطائها في الروحانيات، لهذا نقول أن الشاعر قدم أمه بطريقة جعلتنا نتمنى أن تكون أمنا.
الأب
الأب على النقيض من الأم، فغالبا ما يقدم بصورة سلبية، وهذا ما نجده عند "محمد العامري" الذي تحدث عن الأم بصور ايجابية وفي أكثر من قصيدة، بينما تناول الأب في قصيدتين وبصورة سلبية، يقول في قصيدة "فخاخ الأب":" ...
كنت أتسلل من فراشي إلى تفاصيل القرية الهادية
كنت أنجو من فخاخ أبي
أعد نفسي لغزوات يومية.
غزوات اللعب بالطين والبنانير وعربات السردين
وعجلات المطاط المصنوعة من أحذية الجدة وأمي
...ها هو أبي
قامة من السنديان، جبروت منحوت من الصخر
نهرب أجسادنا باتجاه الشريعة مأخوذين بالسمك
والبط المائي
ندخل رحمه كأم لنا
....
نسحب أقدامنا باتجاه البيت
نقرص قفل الباب بطيئا .... بطيئا
ندخله كقطن يشرب ماءه
نتحدر في بطن الغرفة
مسكونيين بالحرارة والارتجاف
...
الآن سيأتي وصوته العالي
أين كنتم؟
في النهر يا أبيتي
لماذا؟
نتعلم فن العوم
يعلو صوته في الغرفة
وتهتز الحيطان
لن نفعل هذا يا أبتي
ستقرأ ما تبقى من سفرك في الغرفة
نعدك بالطاعة والإذعان
لكن في اليوم التالي
نعاود نفس اللعبة" ص 39 -42، 
خروج الشاعر من البيت كان للعلب مع الأصدقاء، وهذا امر طبيعي وضروري لأي طفل، فهو يجد المرح والفرح معهم، كما أن الطبيعة الجميلة تأخذه إلى عالم التمتع بالجمال، كما أن النهر يمنحه النشوة، إذن خروج الطفل/الشاعر من البيت يعد حالة مفيدة له، فهي تغذيه نفسيا وروحيا وتمنحه قدرة على تنمية احساسه بالجمال.
لكن الأب كان (يعكر ويصعب) هذه المتعة من خلال: "كنت اتسلل، كنت أنجو، نسحب اجسادنا، نسحب أقدامنا باتجاه البيت، نقرص قفل الباب بطيئا .... بطيئا، مسكونيين بالحرارة والارتجاف" من خلال هذه المقاطع يمكننا تبيان الحالة النفسية التي (تعكر، تنغص) على الشاعر تلك المتعة، فهو بعد أن يحصل على فرحه، يتعرض لهذه الغصة من الأب، وهذه المشاعر بالتأكيد تعطينا فكرة سلبية عن صورة الأب.
وإذا كان غياب الأب يسبب كل هذه الخوف والترقب، فكيف سيكون حضوره؟:
"...
الآن سيأتي
بسياطه وصوته العالي
أين كنتم
...
يعلو صوته في الغرفة
وتهتز الحيطان" فالأب عامل مانع للفرح، حاجب للتمتع بالطبيعة، بالنهر الذي يفتقده الشاعر الآن بعد أن أصبح التقدم منه يعني الموت، وكأن الشاعر يقول للأب: "لماذا لم تتركنا يا أبي نأخذ كفايتنا من السباحة في النهر والتمتع به" فالشاعر إلى غاية الآن يستمتع بالحديث عن النهر، ويتغذى على ومن تلك الذكريات التي ما زالت حية في وجدانه، وهنا نطرح سؤال، هل هناك علاقة بين دور الأب الذي كان يمنع الشاعر من الذهاب إلى النهر، وبين الوضع القائم الآن، الوضع الذي يمنع الشاعر من الذهاب إلى النهر؟.
ونجد صورة الأب القاسي في قصيدة "اخوتي" والتي جاء فيها:
"...
يذهبون إلى الدرس مندهشين من عصا الأستاذ.
... 
أبي سينام على ظلي
ويسألني عن دروس الحساب
عصا تتهجى اليدين في الضرب والتقسيم
ماذا تفعل يا أبتي
فالدرس المرقوم على اللوح المحفوظ ... محفوظ
كفي يا أبي
لا تكفي محفظة الرأس لكل الأرقام
...
تعبنا من الضرب .....
من صف الأدراج على الدور
ومن مسح الألواح
نعود إلى البيت المشنوق على التل
تذبحنا شمس وتقودنا طريق" 52 و53، 
الشاعر يجمع بين قسوة الأستاذ والأب، فكلاهما يسبب له الكآبة والإحباط، فطريقة الضرب العصا كانت وما زالت تسبب له ألم، الجميل في المقاطع السابقة أن الشاعر يتجاوز الزمن، فيحدثنا عن الطريقة القاسة التي عُومل بها من الأب، لكنه الآن يقول له "كفي يا أبي" فهذا القول لم يكن ليجرؤ أن يُقال حينما كان الشاعر طفلا، طالبا، لكنه الآن بعد أن أصبح شابا يريد على الطريقة السيئة التي عومل بها من الأب والأستاذ معا.
وإذا ما توقفنا عند قول الشاعر عن البيت " نعود إلى البيت المشنوق على التل" يتأكد لنا حالة الإحباط والقهر التي كان يجدها في المدرسة وفي البيت، وهذا هو التعبير الوحيد الذي وصف البيت بصورة سلبية، مما يؤكد على أن الشاعر كان يتعرض لضغط شديد من الأب.
النهر
النهر جاء عنوان لأكثر من قصيدة، وهذا له مدلول إنساني، بمعنى أن الشاعر والنهر ساهما معا بتكوين شخصية الشاعر "محمد العامري" من هنا نجد النهر والأم تم تناولهما في أكثر من قصيدة، فما هو السر وراء ذلك؟، وما سبب هذه العلاقة الحميمة بينهما؟، نجد بعض الاجابات في قصيدة "تمرينات نهرية" والتي يقول فيها:
"وحيدا على كتف النهر أرصد تمرينه
أرصد الجريان بأمعائه
وأرى شجرا يهطل الآن سيلا من الظل فيه
رعاة تذوب بناياتهم سجف الريح
والأفق خيط نعاس
ينوء بلا هودج للحنين
مراياه...
وحدته...
فضته...
ساحل للتزين سهوا على عشبة المستطيل
وأعضاؤه درج للمياه الرقيقة
سهوا دخلناه ...
نفتح قمصاننا المستريبة
ندخل باب المياه بمفتاحه المتآكل من بهجة الصفو
نحو خطوط العبور بريش الإوز
قرأنا تراتيل خلوته وكتبنا على جسمه لثغة....
تتعثر بالماء..." ص96، 
حالة الوحدة اعطت الشاعر قدرة على تأمل النهر، ومن ثمة تشكلت علاقة خاصة بينهما، فالشاعر وجد في النهر ضالته، الاحساس والتمتع بجماله وجمال الطبيعة، فبدون النهر ما كان ليكون هناك شاعر اسمه "محمد العامري" هكذا يبدو لنا أثر النهر في الشاعر، وهذا ما وجدناه من خلال الألفاظ التي استخدمها الشاعر: "كتف النهر، الجريان بأمعائه، شجرا يهطل، تذوب بناياتهم، خيط نعاس، ينوء بلا وهج" كل هذه العبارات تحمل شيء من اللغة الشاعرية، وما كان لها أن تكون عند الشاعر دون وجود النهر. 
من هنا يمكننا القول أننا أمام ديوان مميز في لغته وفي اسلوبه، وفي الأفكار التي يقدمها، فالشاعر يحدثنا بإنسانية عن ماضيه، عن أمه، عن النهر، عن المكان، عن الطبيعة التي أكلتها المدينة وذوبها الواقع، وكأنه يدعونا إلى التقدم من ذلك الجمال الذي فقدناه، لكن هذه الدعوة لم تظهر بشكل مباشر، وإنما جاءت بإيحاء، فنصل إلها من خلال جمالية الديوان، من خلال اللغة الشاعرية التي تعبق فيه، من خلال الصور التي امتعتنا، فكانا أمام لوحة طبيعية خلابة، هذا ما يمكن أن يقال عنه: الذاكرة الخصبة، "الذاكرة المنسية" الذاكرة التي نحتاجها الآن كحاجتنا للهواء، حاجتنا لماء النهر.
الديوان من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت لبنان ، ودار لفارس للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 1999.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

جدلية الرعب والأمان..
الحبيب بالحاج سالم/ تونس
قراءة سردية أنثربولوجية في نص: هل تكفي هذه المسافة لحدوث الأمان؟ للكاتب: فراس عمر حج محمد
• النص:
عندما سألتني صديقتي المقرّبة عن سبب البعد وعدم ردي على اتصالاتها. أجبتها: لأنّني صديق، وأحافظ على مسافة آمنة حتى لا يكون هناك حادث عاطفيّ مؤسف.
- أنت يا صديقي، لا تعرف الاعتدال، متطرف، "يا بطّخه يا بتكسر مخّه"!!
- بالطبع لا، ولكن لا بد من (الفرملة)
- البعد بهذه الطريقة ليس جميلا، ولا تنس أنك (مفرملٌ) أصلا، ولا أشعر بالخوف منك، لتعلق قلبك بمن تهوى.
- عندما تصلين إلى السّرير وأبدأ باستنشاق رائحة جسدك، يرعبني ذلك، فأبتعد، فالشهوة ليس لها أمان يا صديقتي. ولعلها في لحظة ما لم تعد تفرق بين صديقة وحبيبة، إذا اختلطت الصورتان وتقابلتا في الحضور والغياب، فأنا شخص سرعان ما أنزلق على كل جسدٍ عطريٍّ، ناضجةٌ كُمَّثْراه.
- احذر إذن من أن يصيبك الأذى، شيء من الرضوض والكسور.
هنا تضحك بخبث غواية امرأة شهيّة، ربما شعرت برعشة خفيفة تحرك أعضاءها للنشيد!
- لا أظنّ ذلك، لأنّني إن وقعت وقعت على حريرٍ، فيلتهمني ذلك الجسد، فلا أصاب إلا ببعض ألم شهوة مجنونة.
- احذر جيدا يا صديقي، هذا الحرير محرم إِلَّا على لابسيه!
لذتُ ولاذت إلى الصّمت، ربما أرادت هي أيضا المحافظة على المسافة الآمنة، وربما زادت في تلك اللحظة رعشتها!
فمن ذا الذي يستطيع أن ينيم الوحش إن صحا؟
• القراءة:
"الخطيئة الأصلية تبرئنا.."
(موريس كلافال)
تبدو الإشكالية في هذا النص الحواري، في ظاهرها عتيقة أخلاقية سلوكية نكاد نقول فقهية
(في النهي عن الاختلاط بالنساء مثلا، وفي هذا الفهم ظلم بيّن للنص إن أسقطناه عليه لأن شاغل الكاتب نحسبه أبعد وأعمق من ذلك..)، ولكنها على أي حال ليست مفاضلة ساذجة بين الصداقة والحب، أو محاولة في الإجابة عن أسئلة من قبيل: هل تستقيم الصداقة بين الرجل والمرأة؟...
الطابع الإشكالي ينبثق من الصيغة الاستفهامية المفتوحة، من حيث المنشأ والمقصد باعتبار حواريتها المكثفة، على الإيجاب والسلب، بحسب الثقافات والعقائد المتفاعلة ،أي تلك التي يرد عليها الكاتب أو تلك التي يستثيرها، فيقول بعضهم إنها تكفي.. ويقول آخرون بكل بساطة: قطعا لا تكفي..وقد يكون في استراتيجية الكاتب ومن خلال العلاقة بين النص والعنوان إنه، قد حسم أمر الإشكالية، فجاءنا منتصرا للسلب، فتتفجر الإشكالية الأم وتنفجر عنها فرضيات كبرى منها:
النص إعادة كتابة لقصة الخطيئة الأصلية باعتبارها أصلا لاهوتيا مشتركا بين الأديان الكبرى ودرسا في الأخلاق والرفعة الروحية والتنزه الفلسفي، وفي منزلة الإنسان يتردد بين الحيوانية والألوهية، كما يشاء الفكر المثالي أن يفهم الإنسان وتاريخه وأصله ومصيره...وكأن الإنسان، في طبقة ما من طبقات المعنى في هذا النص، يحيا قدرية تراجيدية من طراز كوني، وهي أنه آثم أمس واليوم وغدا، وأن عليه أن يعمل على اجتناب المصير الكارثي، فيفعل وهو يعلم أنه قاصر على ذلك، ساقط في مستنقع الخطيئة، هالك في النهاية..
وكل القصص "العصرية" هي استعادة للنصوص القديمة المؤسسة للوعي واللاوعي الإنساني من حيث هو وعي أو لا وعي معذّب، يعذبه الشعور بالإثم والعبودية والانتفاء المطلق للحرية، مقابل الانصياع الكامل لجبرية مذلة وحتمية قاتلة..ويتنزل ضمن ذلك سؤال الاختيار وسؤال الخير والشر، وسؤال المقدس والمدنس، وسؤال الظلم والهيمنة والاستعمار والجريمة والقتل..لأن كل ذلك امتداد لغريزة الشهوة..شهوة كل شيء مختزلة في شهوة الفرج..
النص أصولي لاهوتي بامتياز، ولكنه محكوم بمنطق أنا (كذا)لا بمنطق عليّ أن أكون (كذا..) لأن ما أنا به كائن هو الأصل في تكويني، وهو جذر محنتي، وهو صليبي الذي أظل أجرجره أبدا.. أما ما عليّ أن أكون فهو مسألة أخلاقية فلسفية عقلية آتية من خارجي، حتى وإن صدرت عن عقلي أنا..وفي ذلك فيض من القول في الطبيعة والثقافة.. وإلا فبماذا نحن آدميون؟؟ ننتسب إليه انتسابا سلاليّا وتكوينيا ووراثيا، وأعظم ما أورثنا إياه الخطيئة الأصلية، نأتيها مثلما أتاها، أو نصبو إليها وإن انضبطنا أو قمعتنا الدولة دونها...
كذا يجيب الكاتب إجابة سردية كامنة عن سؤال محوري: ما مأتى الشر؟؟ وما السبيل إلى اجتنابه؟ ويعيش قلقا مبتدعا مستطرفا، في بنية سردية حواريّة مخاتلة غير مفصحة عن مكامنها إلا باستدراج وانتباه إلى "الجوقة" الحواريّة المتفاعلة في تشكيل الخطاب المتعدد الأصوات، وتوجيه دلالته إلى حيث لا منتهى ولا مستقرّ..
ولنا في حواريته باب إلى الأصوات الكبرى المتجاوبة فيه، وما اكتنّ في كنفها من أصوات فرعيّة..
والقصة كما يعيد الكاتب كتابتها، ولا نعني استنساخها، هي قصة آدم وحوّاء، باعتبارها قصة الإنسانيّة في بحثها الأبدي عن "الأمان" المفقود..
ويبرز صوت آدم، صوت راو/شخصيّة، يحكي قصته، ويتقلب في وجوه، هي وجوهه، وينشر فينا فكره ورؤيته لذاته وللعالم، فيحتجّ فيقع من "الإقناع" موقعا ما..
صوت آدم:
1) كما يقدمه الراوي:
يبدو شخصية مركبة تركيبا ثنائيا، فهو من جهة أولى، محافظ (أحافظ على..) منضبط، محترم لقوانين "السير" يخشى الوقوع في المحضور والمحذور، فلا يرد على الاتصالات ( يخالها إغراءات وغوايات شيطانية..) يلوذ بحجة "الصداقة" ثوبا قيميا ثقافيّا حديثا طارئا على الأصل التكويني الغريزي، باحثا عن "الأمان" ضديدا للخطورة وما تعنيه من هلاك ووقوع في الإثم الممكن والمودي بصاحبه إلى نار الندم ونار جهنّم..وهو يعتبر "المسافة" ضمان السلامة واجتناب الحوادث(المنكرات التي ليست بمعتادة..كذا تعرف المعاجم الحدث والحادث..) وهذه المسافة (مسافة الأمان ) هي الفاصل بين الكون الملائكي والكون الغريزي للمخلوق الآدمي، ينهى عن القرب من الشجرة (والقرب حين حصوله خرق لقانون المسافة) وفي الثقافة الجماعية تقترن الشجرة والثمرة والمرأة في إطار "وسوسة الشيطان" وقوة إغوائه، ليخرج الإنسان من حال الملائكية الساكنة المطلقة الخالدة، إلى حال البشرية البهيمية الأبدية المعذبة..
وكذا يعيد الكاتب كتابة القصة مستثمرا عالم المدينة و"زحمة المرور" (ضمن ما نعتبره استعارة كبرى ذات فروع، وهي استعارة القيادة أو السياقة...) والاكتظاظ والالتحام البشري في الفضاءات العمومية، وما قد تعنيه من تقارب مثير مزعج للباحثين عن الأمان المستحيل أصلا..
وهو يعيش خوفا أبديّا واستعدادا لا يني "للفرملة" باعتبارها فعلا قمعيّا تسلطه الذات على الرغبة، بالقوة المستوجبة، كلما رأت خطرا محدقا متخذا شكل امرأة..
وهذه الفرملة هي أصوات عدّة ونصوص كامنة في الأعماق، هي خطابات زاجرة ناهية محذرة متوعدة ملوّحة بمرّ العذاب وأقسى الألم، ترقد في العمق، وتستثار عند الحاجة..
ولكل ما تقدّم أصل هو أصل الأصول وأم الحوادث، وعلّة العلل، نكتشفه بتعاقب المخاطبات وتداعي الأفكار وتناسلها تبريرا وتفسيرا واحتجاجا. فللخوف والحذر والقلق والرهبة وسوء الظن بالذات وبالآخر (أي بالأخرى) مردّ إلى الشهوة الواقعة في المركز من تكوين الإنسان. وليس في هذا ما يستطرف سوى أن الراوي يقدم صورة عن نفسه، هي على قدر عظيم من الصدق والعلم بالسريرة والحرص على اجتناب خطاب العفّة الرسميّ الذي حفظه عن درس الأخلاق في مؤسسات المجتمع:
"عندما تصلين إلى السّرير وأبدأ باستنشاق رائحة جسدك، يرعبني ذلك، فأبتعد، فالشهوة ليس لها أمان يا صديقتي. ولعلها في لحظة ما لم تعد تفرق بين صديقة وحبيبة، إذا اختلطت الصورتان وتقابلتا في الحضور والغياب، فأنا شخص سرعان ما أنزلق على كل جسدٍ عطريٍّ، ناضجةٌ كُمَّثْراه.."
إنه صوت "الإنسان الاجتماعيّ" الذي تغلبه مصالحه الضيقة وتهزم قيمه الثقافيّة، فيتحرك فيه "الشرّ الأصليّ" المتجذر المنحدر إلى أبعد كهوف التاريخ والزمان، فإذا هو جسد وحسّ بل حواسّ وغريزة ورعب وهروب..وبكل الصدق والتعرّي تتحدد الهويّة بلا تردد ولا مواربة ولا "حياء":
"أنا شخص سرعان ما أنزلق على كل جسد عطريّ.."
تلك هي الخطيئة الأصلية المتكررة أبدا والمسرودة سردا تكرريّا لحكي ما كان وما سوف يكون، ما دامت شروط الفعل/ الحادث ثابتة عاملة أبدا..
ولا يخفى ما في هذه اللوحة/ القصّة من أبعاد "إيروتيكيّة" غير خافية على ذي نظر، ولكنّ البعد الأبرز والأدل فيها هو ذاك الذي تقترن فيه الشهوة بالرعب والهروب وإنكار الحال وهي ماثلة حاصلة، فهي الهويّة وعنوان الكيان واختزال التاريخ والحضارة والصراع والقتال والفناء...
وما الرعب والهروب سوى رد الفعل الثقافيّ الأخلاقيّ القمعي الذي يعيه الراوي ويعلم عبثيته ولامعناه، ولكنه لا يتنكر له وإن كرهه، بل هو يتمسك به ويجاهد ويجهد في سبيل إعلاء كلمته وتغليبه..إنه جاعل منه إيروسا سماويّا تطهيريّا يعرج به ومنه إلى السماء بعد أن يتخبط دهورا في أوحال الرذيلة..
ذاك هو برنامج الشخصية/ الإنسان يغويه الجسد والثمرة المحرمة، فيقبل ويهمّ وقد يقع وقد يمتنع..ولكنه بين هذا وذاك متردّد بين نزول وصعود، ووقوع ونهوض، وتطهر وتدنّس وقوة وضعف..وهو بعد كل ذلك "مؤمن" بخلاصه وعودته إلى أصله السماوي الإلهيّ قبل أن يكون..
إنه "إيروس" دينيّ ثنائيّ ضدّي مضن، ولكن الكاتب يقدم له صيغة "شخصيّة" لا تنكر فيها لأصل التكوين، بل هو جاعل من الشهوة موضوعا للشهوة، لأنه إن لم يشته مات، وانتفى معنى أن يصبو ويعلو شبقه واغتلامه، ففي كل ذلك معنى الوجود والجهاد والسعي لبلوغ النجاة.. فيقبل على المغامرة راغبا في رعب، مجنونا في عقل، آملا أن يفنى جسدا في جسد:
"إن وقعت وقعت على حريرٍ، فيلتهمني ذلك الجسد، فلا أصاب إلا ببعض ألم شهوة مجنونة"
وكلما تقدمنا في المخاطبات لاحظنا مزيدا من التعري والتحدي والصدق والتنصل من قشور الثقافة والأخلاق، ويكون ذلك أول ما يكون، في تصوير الذات على حالها الأصلية الأصيلة..ويتجاوب حرفا النص، ويجيب الراوي/الكاتب عن استفهام(العنوان) باستفهام هو آخر القول وفصل الخطاب:
فمن ذا الذي يستطيع أن ينيم الوحش إن صحا؟
وهذا الاستفهام، الاختتامي خطابا والابتدائي فكرا واحتجاجا، تكثيف للقصة والأطروحة والحجة والإنسان والأصل والتاريخ، ما أتى وما سيأتي..ففي معنى الانتفاء أو الاستحالة إثبات الهوية "الوحشية" للإنسان من وجهة نظر أنثربولوجية، بلا حكم قيمي، وفيه شعور حاد بالألم ووعي معذب يقترن بالإصداع بالحقيقة المرعبة..وانتشارا للنسق الإيروسي الخصب، يحاور الراوي "وحشه" النائم (الوحش صورة إيروسية متعددة الأبعاد تماما كالكمثرى صورة للجسد والعضو
الانثويين..) أي هو كما كان وكما هو الآن مغمورا تحت طبقات التحضر والتثقف والسياسة والتربية والعقل والدين..وكان ينبغي أن تتضافر كل هذه القوى لكي تنيم الوحش ولا تقتله، ويظهر الإنسان"العصري" العاقل لينشر قيم المحبة والصداقة والتواصل والسلم والتعايش بين الأفراد والشعوب.. فيصدق نفسه أحيانا، ويصدقه السامعون، بغباء، كثيرا..
وفي بنية الشرط احتمال حدوث كارثي.. فحين يصحو الوحش ينهار كل البناء الورقي اللفظي الزائف، ويظهر الإنسان في وجهه البدائي البدئي العدواني الغريزي، وتعلو فيه شهوة كل شيء، فيعربد ويغتصب النساء والأمم، ويعلن نفسه امبراطورا سيدا للأرض.. فيفتح ما يفتح حتى يسقطه وحش أشدّ..
كذا بدا لنا النص كثيرا خصبا وإن شحّ ظاهرا واكتسى ثوبا دلاليّا مغالطا متداولا في الصحف السيارة ومنتديات الدردشة النسويّة (أتكون صداقة بين الرجل والمرأة؟)..
ونعتقد أن مقاصد الكاتب أكثر من ذلك، وأن النص رامز في استحياء وبساطة مقصودة، ساكت منتظر أن تقوله أنت، فاللغة تقول ما استطاعت، وهي تاركة لك أن تقول ما يبقى، وهو الأعظم..
والنص لذلك مفتوح على آفاق دلالية رحبة، جامع سابح بنا في عوالم النساء والحضارة والتاريخ والسياسة..وأقصى ما يمكن بلوغه منها أن الإنسان لا يتطور، وهذا معلوم، وأن سيرورة الترقّي الروحي والعقليّ شاقّة مضنية، يمكن أن تنكسر وترتد في أي لحظة، والتاريخ المعاصر بل الراهن الإعلامي بما يقدمه من معطيات عن العنف والاغتصاب في سلوك الأفراد والدول، يؤكد فكرة الكاتب ورعبه وهو يعي "الوحش" وإن نام..
2) كما تقدمه المحاورة (نسميها حواء)
هي صورته الخارجية، أو هو كما يبدو في عين المحاورة العاقلة الصديقة المدنية الحريصة على التواصل، القلقة لانقطاعه، وأشد ما يقلقها تطرفه ووقوعه ضحية تفكيره الثنائي القطعي الحاسم، وهي تجد في المأثورات الشعبية التي لا تخلو من إيحاء ما يبين عن أزمة الراوي، ولك في التباس الضمائر مجال للعب التأويلي الطريف:
"يا بطّخه يا بتكسر مخّه"!!
وهو إلى ذلك "مفرمل أصلا" لا يثير الخوف، فيه نبل العاشقين ووفاؤهم، مميز بين صورة الحبيبة وصورة الصديقة، عاقل كسائر المواطنين الصالحين، إذ يحترم قواعد العيش معا ويلتزم تقاليد التواصل السلمي بين الجنسين..
وتعنينا هذه الصورة "الثانية" من حيث أنها خارجية ساكنة واثقة لا قلق فيها، ولكنها قاصرة عن بلوغ الحقيقة، ولا ترى صاحبتها، من زاوية نظرها، الوحش النائم في الأعماق.. وكذا سائر الناس أو معظمهم، لا نرى فيهم أو منهم إلا ما "يسرّ.." ولا تأتينا لحظة الصدق إلا من الذات تسبر غورها، وتقول: هذا أنا كما أنا، فاحذروني..وذاك ما كان من الراوي وهو يعترف
اعتراف المتطهر الناشد للسلامة والغفران والرقيّ.. وفي انتظار ذلك يقول ما يخجل ولا يخجله، ويجهر بما نكتم، فنكذب وإن صدقنا...
صوت حواء:
نسمعه صوتا ثانيا، يحكيه صوت الراوي/الكاتب، فهي تقول ما يريد أن تقول لأنه صانعها ومنطقها حين يشاء بما يشاء.. وهي رغم ذلك خلاصة لأصوات كثيرة تقول قولها، وتقول هي قول نساء كثيرات، لما للمتخيل من روابط معقدة بما يسمى الواقع..
نراها هنا في بعدين:
الأول: تبدو فيه هادئة ثابتة واثقة متمكنة من "براديغم" تفكيرها، متعالية على الراوي المتخلخل والمهلهل من وجهة نظرها، لذلك هي مشفقة عليه في سخرية لطيفة.. ولكنها مطمئنة إليه آمنة شره، فلا شر فيه لأنه "مفرمل" ومحبّ، ولا يمكن أن يقع في ما يخل بأصول الصداقة..وهذا البعد يحكم سلوكها التواصلي الخطابيّ، فنراها تغذو ذاك الخطاب مفردات حاملة لقيم "عصريّة" (تواصل، اعتدال، نبذ التطرف، صداقة، عقل...) فلا تشعرنا في الشطر الأول من خطابها أنها تعيش في مجتمع قمعيّ مثلما لمسنا في خطاب الراوي، ولا تكشف عن أي قلق أو صراع أو توتّر.. وهذا أمر يحتاج نظرا، وهو ما يتولاه الراوي..
الثاني: نحتاج فيه إلى صوت الراوي العليم لنكتشف ما حجبه الخطاب المنقول، فإذا هي مسكونة مثله تماما بالوحش، فتتحول، وهو يراها، من معلمة حكيمة صديقة، فتستعيد أو تصعّد صورتها البدائيّة، فإذا هي في الأدغال من التاريخ، بعيدا عن قيم الحداثة، تقودها المحركات القديمة إذ يتثاب فيها "الوحش" فيها ليصحو:
"تضحك بخبث غواية امرأة شهيّة، ربما شعرت برعشة خفيفة تحرك أعضاءها للنشيد!"
وبعين الحصيف العليم المنتصر تراجيديّا، يتابع السيرورة التراجيدية لانهيار منظومة الصداقة وانتفاض وحش الغريزة المدمّر..:
"وربما زادت في تلك اللحظة رعشتها!"
كذا يكذبها ويكشف لنا زيفها وورقيّتها، فيستحيل التقابل بينه وبينها تماثلا، صديقان مسكونان بالوحش، لا يعلمان متى يصحو.. ولك أن تعدها في أوضع أفضل من حيث السلوك، وأن تعده في وضع أفضل من حيث العلم.. وقد تكون في مرقى التحضر في درجة أرفع، ولكن الراوي لا يعترف بهاته الفوارق، لأن السقوط ممكن في أي لحظة...
هي تقول قول الشاعر وتطلب طلبه: كن صديقي.. وهو يهرب من المطلب ولا يأمن نفسه ولا يأمنها هي أصلا.. أليست أصل الغواية؟؟ كذا يقول في نفسه...
هكذا بدا لنا هذا النص: خفيفا بميزان، ثقيلا بميزان، ضيقا بمقياس، واسعا بمقياس..
وكذا هو الأدب، بل كل قول...
الحبيب بالحاج سالم/ تونس

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 116 مشاهدة
نشرت فى 7 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الصوت والصدى في ديوان
"مطر بن الوردية"
حمدي مخلف الحديثي
الشعر احدى الوسائل التي تخرجنا من قتامة الواقع، فيه ومن خلاله وبه يمكننا أن نتحرر مما يحاصرنا، مما يثقل كاهلنا، فنكون أكثر سوية وأقرب إلى الحالة الطبيعية، الشاعر "حمدي الحديثي" لا يقدم الواقع كما هو، بل يضفي عليه لمسة جمالية أدبية، فيجعله ينساب إلى النفس والعقل، مستمتعين بما نقرأه أو نسمعه ـ رغم حالة الألم والقسوة ـ كل هذا يجعل الشعراء هم القادرون على امتاعنا وفي ذات الوقت تقديم صورة عما تعيشه.
واقع العراق بعد الاحتلال الاميركي أصبح في غاية الصعوبة، فأصبح القتل بالمجان منتشرا، حتى أننا بتنا نسمع عن مقتل واصابة العشرات في اليوم الواحد، فقد تفشت ظاهرة الموت، وأهلنا في العراق يشاهدونه يوميا، في كل مكان وفي أي وقت، يصور لنا الشاعر هذا الموت:
"صوت 2 
الأهل يموتون بلا أكفان
تسلب في الليل الأكفان
صدى 2
دفنوا المغدورين بأكفان دموع الأمهات
لا أحد يشتري القماش الأبيض
لا كافور
الكل .. في الليل بلا أكفان" ص18، 
نص مطلق الاسواد تنسجم فيه الفكرة مع الألفاظ، لتأكيد فكرة الموت، فإذا ما استثنينا لفظ "أبيض" الذي سبقه حرف النفي، نجد بقية الألفاظ والمضمون تعطي صورة سوداء لما يمر به العراقي، وإذا ما قارنا الصوت الذي جاء بكلمات أقل وبمقطعين فقط، بالصدى الذي جاء بكلمات أكثر وبأربعة مقاطع، يتأكد لنا أن الموت/الأكفان/الليل تتوالد وتتكاثر ولا تتوقف عند حد "الموت" بل أن هذا الموت هو سبب في موت آخر جديد، لموت ثاني وثالث.
يمكننا أن نضع الصوت والصدى بهذا الترتيب:
الصوت: " الأهل يموتون بلا أكفان"
الصدى: " دفنوا المغدورين بأكفان دموع الأمهات
لا أحد يشتري القماش الأبيض
لا كافور"
فرغم أن الصوت محدود إلا أن رد الصدى كان متواليا ومتتابعا، بحيث جاء الموت بأكثر من صوت/صورة، فهناك "دفن/ والأموات أصبحوا مغدورين، وجاءت دموع الأمهات لتكون بديلا عن الأكفان، ونجد توضيح: أن القماش الأبيض لا يشتريه أحد.
الصوت: " تسلب في الليل الأكفان"
الصدى: "الكل .. في الليل بلا أكفان" الفرق واضح بين الصوت المحدود الذي يتحدث عن سلب الأكفان في الليل، بينما جاء الصدى ليؤكد على شمولية الحدث من خلال "الكل".
كل هذا يعطي دلالية إلى الواقع القاسي الذي يعيشه الشاعر.
المرأة أهم عنصر يخفف من وطأة الواقع، فدائما يتجه إليها الشاعر لتكون وسيلته للخلاص مما علق به ألم، لكن المرأة في الحالة العراقية جزء من المأساة، يقدمها لنا الشاعر بهذه الصورة:
" صوت
هذه آخر العربات .. القطار توقف
والنسوة المثقلات بزينتهن الرديئة ..
يجمعن أمتعة السفر المتناثرة
من قصيدة تفاصيل في صورة السيدة.
صدى
توقف قطار العمر ... عند محطة الخيانة
تتزين النسوة برماد الاجساد المحروقة
والسفر إلى المقابر بمركبات وقودها الدمع
متعب..
أي والله..
هو أرخص الوقود" ص33و34، 
الفرق بين الصوت والصدى، القطار يتوقف بصورة عادية في الصوت، لكن الصدى جاء توقف قطار العمر/الحياة، قدوم الموت، والسبب غير عادي، فهناك خيانة.
وفي الصوت نجد النسوة يقمن بالتزين بصورة عادية/مقبولة، لكن في الصدى نجد زينتهن برماد الأجساد المحروقة، وهذه صورة في غاية القسوة والبشاعة، كما نجد في لصوت تجميع امتعة السفر بشكل عادي، فهي متناثرة هنا وهناك، لكن في الصدى نجد السفر إلى المقابر، ودموعهن هو زادهن، وعندما أخبرنا الشاعر عن مشاعره:
"متعب ..
أي والله.." أعطانا صورة ما يعانيه كشاعر حساس/ مرهف المشاعر، وفي نهاية الصدى فسر لنا سبب ألمه ووجعه:
"هو أرخص الوقود" كإشارة إلى كثرة الدموع، كثر عدد الأموات، كثرة عدد الأمهات اللواتي يبكين أولادهن.
الفرق بين ما عاشه العراقي في الماضي الجميل والواقع البائس الآن يمثل حالة عذاب إضافية:
"صوت 2
أوصد الباب ..
ثم مضى في الطريق إلى مدن لم يجدها
فأقام على صفحة من نشيد المياه..
بلادا..
صدى 2
كان بابه مفتوحا للأحبة
أوصدته .. عاصفة هوجاء" ص57، 
الآن حالة العراقي بائس، لهذا نجده يوصد الباب، ويبحث عن مدن أخرى، لعله يجد فيها راحته، لكن هيهات، فالهجرة بحد ذاتها رحلة ألم، والدافع/الصورة التي كانت تقابل هذه الهجرة هي الاستقرار وانتظار الاحبة، فكانت الأبواب مفتوحة ومشرعة، قبل أن تصدها "عاصفة هوجاء" وهنا يذكرنا الشاعر "بعاصفة الصحراء" التي شنتها التحالف الامبريالي الرجعي العربي على العراق، وكان ما كان.
إذن بدأ لشاعر في الخروج قليلا من حالة القتامة التي هو فيها، الشاعر يقدمنا أكثر من حالة البياض من خلال:
"صوت 4
من أي باب أنت داخله.. سأدخل..
لا خيار وليس غيرك من خيار
من قصيدة سمكة الليل والنهار
صدى 4 
كدخولك من الباب
كدخول الحب في القصيدة
راح يقرأ العشق
قصائد ... لا تمحوها عاصفة الكذب الآن" ص59.
نجد البياض في غالبية الألفاظ المستخدمة والتي تخلوا من الألفاظ السوداء إذا ما استثنينا "لا، تمحوها، عاصفة، الكذب" وهذا يشير إلى أن الشاعر في عقله الباطن يتجه نحو البياض، لهذا استطاع أن يتحرر بشكل جزئي من واقعه ويقدمنا نص شبه ابيض، وهذا ما نجده في أدواته كشاعر: "القصيدة، يقرأ، العشق".
للمكان أهمية استثنائية عند الشعراء خاصة عندما يتعرض الوطن للاحتلال، هذا ما نجده في الشعر الفلسطيني وشعراء جنوب لبنان، الشاعر "حمدي الحديثي" الذي عاش احتلال العراق من قبل الاحتلال الامبريالي الاميركي يتقدم من الجغرافيا/ من المكان ليؤكد على العلاقة الحميمة التي تجمعهما:
"صوت 6
طيور مشاكسة .. وطيور وديعة
قصائد رائعة .. وقصائد 
المدفعية وشم على صفحة الصمت
والبصرة وشم على لغتي
من قصيدة صباح بصري
صدى 6 
وديعة .. هي الطيور التي تحط على شرفات منزلك
الغربان مشاكسة ... تتعلم الانتحار
البصرة وشم على لغتك
كذلك القدس وبغداد" ص51.
إذا ما عدنا إلى التراث الثقافي العراقي سنجده زاخرا بحالة الصراع، هناك صراع بين الإله "تموزي" والشياطين الذي سحبوه إلى العالم السفلي، وهناك الربة "عشتار" التي يقابلها "أرشكيجال" ربة العالم السفلي، والعراقي القديم راقب الطبيعة وفسرها على أنها بطبيعتها تتصارع، فهناك الصيف والشتاء، الربيع والخريف، الليل والنهار، البدر والمحاق، الشروق والغروب، كل هذا جعل العراقي يتعاطى مع الصراع كحالة طبيعية/عادية. 
من هنا نجد طيور وديعة وغربان مشاكسة، ونجد قصائد شعرية ومدفعية، لكن كل هذا العناصر مكانها هي الأرض/الجغرافيا، فالمكان هو الحاضن لكل ما يجري، وإذا ما توقفنا عند الصوت والصدى المتعلق بالمكان، نجده في الصوت اقتصر على البصرة، لكن الصدى ردد "البصرة والقدس وبغداد" وهذا ما يشير إلى أن الشاعر يهتم بالواقع ويتحدث بالهم الوطني العراقي كما يهتم بالهم القومي العربي، لهذا نجده يذكرنا بالقدس، المدينة المقدسة، المدينة التي ما زالت محتلة.
الديوان من منشورات دار دجلة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2014.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

دار الفاروق تناقش ديوان "وأنت وحدك أغنية"
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تم مناقشة ديوان "وأنت وحدك أغنية" للشاعر الفلسطيني "فراس حج محمد، وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" قائلا: لا أستطيع أن أقول أن الشاعر "فراس" من الشعراء المخضرمين لأنني ما زالت أراه شابا تتدفق روحه بالعطاء وشعره بهذا التجديد والحيوية، فهذا الديوان جاء تعبيرا عن روح أصالة الشاعر، من هنا نجد فيه أكثر من شكل وأسلوب شعري.
ثم فتح باب النقاش؛ فتحدث الشاعر "جميل دويكات" الذي قال: سبق وأن ناقشنا ديوان "مزاج غزة العاصف" للشاعر "فراس حج محمد" ووجدنا فيه الكثير من الثغرات والملاحظات، ولم أشعر بأي ميل إليه، ورغم ميل المجتمع الفلسطيني للتعاطف مع أهلنا في غزة، إلا أنه لم يشفع لديوان ليأخذ مكانته في التميز، وهذا ما يؤخذ على العديد من الشعراء والأدباء الذين ينساقون وراء الحدث متجاهلين أهمية اللغة والصورة الشعرية وشكل تقديم المادة الأدبية، فالفكرة وحدها لا تكفي لنقول إن هذا العمل جيد، بل يجب أن يكون هناك لغة وأسلوب، وطريقة تقديم، وشكل يتناسب والأفكار المطروحة، لكن في هذا الديوان نجد الشاعر قد استفاد من الملاحظات التي قدمناها، فكان ديوان "وأنت وحدك أغنية" مميزا وفيه شكل وأسلوب ومضمون تجعلنا نتوقف عنده، وهذا التطور في الديوان يشير إلى أننا أمام شاعر يمكنه الاستفادة من تجاربه السابقة ويقدم ما هو جديد.
وأضاف الشاعر جميل دويكات قائلا: الشاعر يبحث عن أنثاه، لهذا نجد حضور المرأة في العديد من القصائد، فيقدمها لنا إنسانا، تعرف ما لها وما عليها، فهي ترفض أن تكون (مشاعا مباحا) لأي كان، بل تريد أن تكون ذاتها، هذه هي المرأة التي يقدمها لنا الشاعر في الديوان، وأعتقد أن هذا الأمر بحد ذاته كافيا لأن نقوب إن الديوان رائع.
ثم تحدث الأستاذ "سامي مروح" الذي رحب بالشاعر "فراس" محيي اهتمام الشاعر بما يتم مناقشته في دار الفاروق، لهذا كانت هذه الجلسة الثقافية، ثم أضاف قائلا: هذا الديوان يمثل نقلة نوعية إذا ما قورن بديوان "مزاج غزة العاصف"، فهو ممتع وسلس، وهناك ما يقال عنه، فأهم عنصر في العمل الأدبي وجود المتعة التي جاءت من خلال تعدد أشكال القصائد ووجود الصورة الشعرية واللغة التي أذهلتنا، وإذا ما أضفنا حضور المرأة التي منحت الديوان لمسة ناعمة يمكننا القول إننا أمام ديوان يعد استثنائيا، من هنا يمكننا القول إن الشاعر كان رومنسيا فيه، إنْ كان من خلال الموضوع المطروح أم من خلال اللغة التي استخدمها، حتى أننا نجده أحيانا يقترب من الصوفية في تناوله للعلاقة مع المرأة، وتساءل الكاتب عن استخدام الشاعر لعبارة "الليل غول"، علما أن الشعراء يميلون لتناول الليل بطريقة ناعمة وهادئة، فالليل عند الشعراء يمثل ذروة الرومنسية والتناجي مع الحبيب، وقبل أن أختم أقول إن الشاعر كان بإمكانه أن يقدم ما هو أفضل من هذا الديوان بعد أن عرفنا حجم ونوعية الثقافة التي يمتلكها.
ثم تحدث الروائي "علي شحادة" الذي قال: الديوان جميل وممتع وسلس وعميق، التشبيهات بحد ذاتها تستوقف القارئ وتجعله يهيم فيها مفكرا، وهذا ما يجعل أي قارئ للديوان يستمع به وبما
يطرحه من أفكار، وفعلا وجدت فائدة كبيرة لي من خلال مقدرة الشاعر على الصياغة العبارات بهذه اللغة الجميلة والرائعة.
أما الشاعر "عمار دويكات" فقال: الديوان ممتع وجميل وعميق، حضور المرأة كسيدة مطلقة في الديوان يعد إنجازا يحسب للشاعر، ليس لأن الموضوع مهم فحسب، بل لأن الطريقة واللغة التي استخدمها تعد حالة فريدة، ونجده يتعامل مع القصيدة ككائن حي، كإنسان، وهذه ميزة إضافية، وهذان الأمران "المرأة والقصيدة" جاءا على حساب المكان، فقد تجاوز الشاعر المكان ليكون نصه أقرب إلى العالمية، لكن هذه العالمية لم تأت لأنها هلامية بل لأن هنالك نفس إنساني.
ثم تحدثت الأستاذة "فاطمة عبد الله" فقالت: يبدو الديوان كأنه رواية، فهو يتناول المشاعر بحالات متباينة، وهناك اللغة الشعرية ولغة النثر، والقصائد الغنائية، ونجد التناص مع القرآن الكريم بشكل وطريقة جديدة، وهناك صورة المرأة بأكثر من حالة ومكانة، وقد جاءت بأكثر من صورة وأكثر من القصيدة، فالديوان يعبر عن ثقافة الشاعر الواسعة وعلى قدرته الفنية في التعامل مع اللغة، فهناك مفردات نادرة الاستخدام استطاع الشاعر أن يوظفها في قصائده، كما هو الحال في استخدامه "الأرجوان" الذي يأخذ بأكثر من وجه، وهذا التباين يحسب للشاعر. كما أن العنوان بحد ذاته "وأنت وحدك أغنية" له أثره على المتلقي، ويجعله يتوقف أمام الشاعرية التي فيه.
ثم تحدث الكاتب "رائد الحواري" قائلا: إن هذا الديوان يعد حالة استثنائية في الشعر الفلسطيني؛ لتعدد الأشكال وتنوع أسلوب الشاعر، كما أن حضور المرأة بهذا الحجم وهذا الشكل ينم على أننا أم شاعر يتعاطى معها بطريق حديثة عصرية، فهي ليست جسدا فحسب، وليست روحا، بل هو شيء نتوحد به ومعه فيتشكل شيء جديد.
وفي نهاية اللقاء رد الشاعر "فراس حج محمد" قائلا: هذه الجلسة تعتبر تحرري وخروجي من العزلة التي مررت بها منذ عامين، فدار الفاروق صاحبة فضل علي، لأن أول قصيدة نشرتها كانت في مجلة "نوافذ" التي كانت تصدر عن دار الفاروق. وفيما يتعلق بديوان "مزاج غزة العاصف" قال حج محمد: كتبت الديوان وأنا في حالة نفسية صعبة، وهذا ما انعكس على الديوان، إن كان من خلال اللغة أو الفكرة أو الأسلوب، وهذا الأمر نجده عن العديد من الشعراء الذين بالضرورة يتأثرون بالأحداث العامة والخاصة، فهناك أربعة وخمسون قصيدة كتبت في أربعة وخمسين يوما، فقد كنت أريد أن أوصل الجحيم الذي عشته مع أهلنا في غزة إلى القارئ، بحيث يجد هذا الجحيم في اللغة والصور المؤلمة والقاسية.
ويتابع قائلا: "إن كل ما يكتبه الشاعر هو من وجه نظره جيد، ولكن يأتي دور القارئ والناقد ليقول فيه كلمته، وما يراه في العمل الأدبي، فالشاعر لا يكرر نفسه، أستذكر ما قاله الناقد إبراهيم جوهر عن ديوان "أميرة الوجد" أنه ديوان عذري، أما في هذا الديوان فإنني أحتفي بالأنوثة وليس بالمرأة كامرأة، وإن كان موضوعه امرأة معينة، لهذا فإن كل تجربة شعرية لها حالتها الخاصة، وتعبر عن حالة الشاعر النفسية، وعن تجربته الشخصية. ولذلك فإن الملاحظة حول خلو الديوان من حضور المكان هي ملاحظة ذكية، وذلك راجع للظروف التي عشتها وأنا
أكتب هذه القصائد، فأنا كائن إلكتروني، فمن الطبيعي أن يختلف مفهوم الوطن ليتحول إلى وطن في اللغة، وفي المرأة ذاتها، وربما في فكرة الأنوثة المحتفى بها.
وأشار كذلك إلى الدائرية التي تحكم الديوان، فقد بدأ بالعنوان: "وأنت وحدك أغنية" وانتهى بهذه الجملة، فصار حلقة دائرية مكتملة يبقى يدور في فلكها القارئ كما يدور الصوفي حول الحقيقة. كالصوفي الذي يبحث عن التوحد مع الله من خلال الدوران وهو منتش بالغناء ومنسجم مع ذاته الهائمة في ملكوت الله، فيتحرر من مواقعه ليتوحد مع ذات الخالق نفسه. وأخيرا أقول إن الديوان هو نتيجة قصة حب حقيقية عشتها، ومنحتني كثيرا من الفيض اللغوي والشعري.
وقد تقرر أن تكون الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 18/8/2018 لمناقشة ديوان "تعويذة الحب والياسمين" للشاعر الفلسطيني هادي زاهر.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 112 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

الرسالة الثامنة
طبيعة الكتابة الشعرية والروائية
الجمعة: 3-8-2018
فراس حج محمد/ فلسطين
الغالية التي تضن عليّ بكلماتها، على الرغم من أنها شهرزاد الحكاية، تحية ملؤها الحبّ والشوق، أما بعد:
لقد سرّني عندما نشرت مقالتي الجديدة حول كتاب "يوم من حياة كاتب" أن أحد طلابي في المرحلة الثانوية عندما كنت معلما منذ عشر سنوات خلت، قد أبدى رأيه في بعض أفكار المقال، موضحا وجهة نظره، لقد كان أيام الدراسة طالبا ذكيا، في بدايات اشتعال جذوة الشعر في خاطره، كنت قد دخلت وإياه في إحدى حصص اللغة العربية بمهمة مشتركة، أن نكتب معارضين القصيدة القومية المشهورة "بلاد العرب أوطاني"، واتفقنا على مرأى ومسمع من الطلاب أن يكون المطلع "بلاد العرب أكفاني"، وفي اليوم التالي يكتب قصيدة سلسة بارعة، وأكتب أنا أيضا. فرحت لقصيدته جدا، إنه واحد من الطلاب الذين أثمر فيهم التعليم، فصار شاعرا، وهو اليوم يعمل في سلك التربية والتعليم سكرتيرا في إحدى المدارس، وشارك في أمسيات شعرية، وفاز على مستوى مديرية التربية والتعليم التابعين لها (جنوب نابلس) بمسابقة "الشعراء المعلمين". إن هذا الأمر مفرح جدا يا عزيزتي. إنه الشاعر "لطفي مسلم".
ها هو يكتب لي هذا الرأي: "الكتابة الشعرية لها طبيعة تختلف اختلافا جوهريا عن طبيعة كتابة الرواية، فهي بحاجة إلى استقطاب عناصر كثيرة ودمجها في بوتقة واحدة، ذلك لأنها لا تعتمد فقط على مجرد أفكار يحتاج الكاتب لسردها، بل إلى قالب فني يشكل هذه الأفكار ويخرجها إلى العالم بالصيغة التي تعطي هذا الفن عوالمه المختلفة... وهو ما يسهل انتشار أدب الرواية على حساب الأدب الشعري عربيا وعالميا".
أما أنا فقد كتبت له ردا مسهبا فرحا ومنتشيا بما كتب: "ربما ليس هذا هو السبب، فلو اطلعت مثلا على الحوارات الرائجة في التسعينيات، ولو عدت إلى فترة الثمانينيات إلى المجلات والكتب النقدية والصحف لوجدت حضور الحوارات الشعرية بشكل لافت، بل لم تكن تلك المحامل تعنى بالرواية إلا عناية متواضعة. وكان للشعراء في هذه الحوارات طقوس للكتابة بل ربما هي طقوس أكثر خيالية وسحرية من طقوس كتابة السرد التي تجنح نحو العلمية والموضوعية. كان عالم الشعراء زاخرا بما هو مثير حقا، والكل يسعى للشاعر، القارئ والناقد والصحفي. أما الآن أين هم الشعراء إنهم ثلة من المساكين الضائعين على موائد الروائيين، بل إنهم يحاولون التسلل إلى الرواية، وعندما يكتشف أمرهم يطردون من الحلبة شر طردة، يركلهم النقاد والقراء إلى هامشية المشهد، فيزدادون غما على غم، ووهنا على وهن، فيجهضون القصيدة المكسورة الخاطر التي تبحث عن قارئ مشغول بالرواية، وناقد مفتون بالرواية، وناشر مفتون بالروائيين، ومحررين وصحفيين لا يرون مكانا لذلك السيل من غامض الكلام في الصفحة الأدبية إلا خجلا ونادرا".
كم أشعر بالفخر يا عزيزتي وأنا أرى بعض الطلاب ممن علمتهم متألقين في مواقعهم، لحسن حظي أنني كنت معلما جيدا، وكثير من الطلاب على ما أظن يحملون عني أفكارا إيجابية، وما زالت تحياتهم تصلني بعد أكثر من ثلاثة وعشرين عاما من التدريس. ما زال طلاب أول مدرسة علمت فيها يتذكرونني، ويشيدون بي. على الرغم من أنني ربما أحبطت كثيرين، لكنني كنت في كثير من الأحيان أشجعهم على ألا يخافوا، وعلى أن يناقشوا، وعلى أن يتابعوا اهتماماتهم.
كنت في فترة كتابتي لبحث الماجستير قد استأجرت منزلا، وعشت فيه عاما كاملا وحدي بين الكتب، قارئا وكاتبا، كان بعض الطلاب المبدعين يزورني، أحدهم أيضا كان شاعرا، وآخر كان يحب الموسيقى والغناء، شجعته على أن يتابع موهبته بعد الثانوية العامة، وها هو اليوم يعمل في هذا المجال.
ما زلت أومن يا عزيزتي أن المعلم ذو دور كبير، داخل الغرفة الصفية وخارجها، إن الطالب يبحث عن قدوة تحفزه على المضي قدما في درب الحياة، يتطلع إلى معلمه ليساعده، ويمنحه الطاقة الإيجابية، لم أبدُ يوما من الأيام أمام طلابي بائسا أو يائسا، حتى أنني كنت دائما مهتما بأناقتي إلى أبعد حد، أكثر بكثير من هذه الأيام، كنت أعرف أن المظهر الخارجي للمعلم له أثر في نفوس طلابه، تخيلي معي لو أن معلما رث الثياب غير مرجّل الشعر، يدخل على الطلاب ويتمطى بائسا شاكيا، سيكون بالفعل مملا، وعنصر إحباط. لم أكن كذلك أبدا، وأما ما قد أكون أحبطت البعض فيه هو تشددي في التدريس وفي الحرص على التعليم والاهتمام بالواجبات، والشرح المستفيض، وربما هي صعوبة الاختبارات التي كنت أعدها للطلاب، والأبحاث والمهمات التي كنت أطالبهم بها. كنت كثيرا ما أحدثهم عن قراءاتي المتعددة، فيما يتصل بالتعليم، كنت مهتما يوميا بنشرات الأخبار، وأبدأ معهم بخبر طريف ونادر، وعندما كانت إحدى الطالبات تكتب حكمة اليوم على السبورة، يجب أن ألتفت إليها وأناقشها، وأصحح ما كان فيها من أخطاء، وندير نقاشا حول المضمون لبضع دقائق. كان الطلاب يدخلون إلى الحصة وهم مهيأون للمعرفة، وكانت نتائجهم إيجابية.
لقد أسرفت كثير في الحديث عن نفسي معلما، ولكن الحديث ذو شجون، لاسيما وأنا أحدثك، وأجد متعة في السرد بين يديك.
علي أن أخبرك أن الشاعر لطفي زارني في بيتي ومكثنا طويلا نتحدث حول الشعر وغواياته وتطلعاته كشاعر، إنه يا للمصادفة يحمل أفكارا مشابهة فيما يخص صنعة الديوان، تلك التي حدثتك عنها، في أن يكون الديوان ذا موضوع واحد، ويحمل فلسفة واحدة، إنه يعي كونه شاعرا يريد أن يؤثر في الناس، وليس فقط أن يكتب شعرا وينشره. لقد أسهب في الحديث عن أحمد مطر وتأثيره، ونزار قباني وتأثيره، ودرويش وتأثيره. هو كذلك يطمح أن يجعل الشعر متغلغلا بين الناس. إن ما يحلم به هذا الشاعر الواعد كبير، ويلزمه الإصرار، وأنا على يقين أنه قادر على أن يفعل الكثير.
دمت جميلة كعهدي بك، راجيا أن تسعديني ببعض الذكريات حول التعليم والمعلمين والشعر إن أمكن، فإن هذا يسعدني كثيرا.
المشتاق: فراس حج محمد

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

557,265