جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الأسئلة في قصيدة
"كيف يسهر الصبح - ؟"
عايد السراج
من العناصر التي تستوقف القارئ الأسئلة، فهي بطبيعتها تجعل المتلقي يتوقف عندها متأملا، وطبيعة الأسئلة في الشعر تأتي لتوكد على حالة يردها الشاعر أو يرفضها، والأسئلة غالبا ما تأتي لتعبر عن ذروة الرفض/الكره/الألم/الهم أو نشوة الانسجام/الحب/السعادة/الفرح، وبما أن واقعنا العربي في أسوأ حالاته، فإن الشاعر "عايد السراج" يعبر عن هذا الواقع في قصيدة "كيف يسهر الصبح؟" والتي يستوقفنا عنوانها قبل مضمونها:
"كيف أنسى وارف الظل , في شجر الفرات ؟"
تركيز الشاعر على المكان يعطينا صورة عن العلاقة الحميمية بينه وبين "الفرات" فالسؤال هنا بالتأكيد يمثل حالة الرفض للبعد عن "الفرات/العراق" وبطبيعة الحال فإن أهمية وحيوية وفاعلية وأثر المكان مجمع عليه من قبل كافة العراقيين، وحتى العرب، وتركيزه على النواحي الجمالية للعراق، يمثل حالة جذب وتقريب للمتلقي، فالشاعر يستخدم العناصر الجمالية ليجعل القارئ يتقدم أكثر وبسرعة من "الفرات".
" وهل يــُنسى الفرات , وهو ماء وطين"
هذا السؤال الثالث الذي يستوقف القارئ، والشاعر يتعمد أن يركز على "الفرات" على الماء الذي يعد مادة الحياة الأساسية، خاصة للعراقي الذي أوجد أقدم حضارة إنسانية، فإذا كانت الأنهار عند الشعوب تأخذ أهميتها من خلال زراعية وما تقدمه من تسهيلات لتأمين الغذاء، فإن "الفرات" يتجاوز هذه المسألة لأنه مادة الحياة للعراقيين، وهنا يقدمنا الشاعر من أسطورة الخليقة العراقية التي تقول أن الإنسان خلق من ماء وطين، وهذا البعد الأسطوري يقدمنا من الحالة الأدبية والفكرية والحضارية والثقافية التي وصل إليها العراقي قديما، مما يعطينا دفعة إضافية لنتقدم أكثر إلى الأمام، لنتقدم وبسرعة من العراق.
السؤال الرابع:
"كيف تلمّ غيمةٌ صبحها ؟
والمكلومة جرحها "
هذا التوحد بين العراقي وفضاء "الفرات" يشير إلى حالة الحرية التي يجب أن تكون في "الفرات" وهذه الحرية هي من تجعل العراقي "يعفوا عما ظلمه" من أهل بيته، فوحدة العراقي بفضاء "الفرات" وحدة عضوي "لا انفصام لها".
كل هذا يحدثه "الفرات" في العراقي، وهكذا ينظر العراقي "للفرات" لكن يكيف سيكون حال العراقي إذا ما بتعد/تغرب عن "الفرات"؟
" ولا غرو, إذا ما ضيعتُ حسي
وضاع الزمان, وضاع المكان
وتناثرتُ, برقاً, ورعداً , وشؤماً
وأشياء َ- أ خرْ,"
الإجابة، تيه العراقي في الزمان والمكان، وكأن الشاعر يقول أن كافة بقاع الأرض لا تعوضني عن "الفرات" وأن الزمان سيكون بلا معنى إذا لم أك في "الفرات" وليت الأمر توقف عند هذا الأمر، فنجد مشاعر الشاعر في حالة "تناثرت، برقا، ورعدا، وشؤما، وأشياء أخر" وهذا الألفاظ القاسة تؤكد على ألألم الذي يعانيه الشاعر/العراقي عندما يبتعد عن "الفرات"
يختم الشاعر القصيدة بسؤال:
"فهل أنسى , قصة عـُمـْر ٍ
تباها بها الليل ُ, حكايا موت ٍ زُؤام ْ
هو الفرات ينوح علينا ولا يحلو له شدو الغرام"
في المقطع الأخير يحثنا الشاعر على التقدم من "الفرات" لأن الفرح والفضاء الرحب "للفرات" والتمتع بجماله لا يمكن أن يستبدل "بالنواح"،
ويستوقفنا المقطع الأخير لأنه يذكرنا بطقوس عبادة الإله "تموزي" الذي تقام له أيام الحداد والندب عندما يغيب/يذهب إلى العلم السفلي، ويحتفي بعودته، فتقام الأعياد في بداية شهر نيسان، شهر الربيع، وطقوس لزواج المقدس من "يحلو الغرام" فالشاعر يدعونا إلى اكمال "طقوسنا القديمة" فلا نكتفي بالندب والنواح، بل يجب أن نحتفي بالأعياد والعودة الحياة/الخصب للفرات"، وأعتقد أن هذا الترميز لأسطورة "تموزي" يعد استثنائيا، فالشاعر لا يعطي تفاصيل عن الأسطورة، بل أعطانا إشارة بسيطة من خلال "ينوح وشدو الغرام" لندخل نحن إلى متن الأسطورة، والذي يحثنا على الفعل والعمل لنتقدم من الخصب والأعياد.
القصيدة منشورة على صفحة الكاتب على الفيس
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية