ليله مع ابليس
سر الظلمة والنور
الجزء الاول
جلس العجوز الوقور علي صخره كان معتادا للجلوس عليها بمحازاه شاطئ القناه
سلبه التفكير نعاسه فجلس يسترجع من ذاكرته سبعين خريفا وماض طويل امضاه في طاعه الله حتي اشتعلت راسه شيبا
كانت الليله مظلمه وقد خلت من ضوء .سوي بعض نجمات تناثرت في الكون البعيد لترصع رداء الليل الاسود فتزيده سوادا وقتامه
صمت مطبق يحيط المكان بهاله من الجلال والرهبه ولم يكن يقطع هدا الصمت الا نقيق الضفادع وصوت حفيف خافت ترسله الاشجار المتراصه علي جانبي القناة من اثر الريح التي تعبث بأغصانها لتغلف المكان بهاله من الرعب والرهبه
من خلف العجوز الوقور ينبعث ضوء واهن قادم من سراج نفطي معلق علي باب كوخه المتواضع المصنوع من الطمي والمسقوف بسيقان البوص وقش الارز.
داخل الكوخ المكون من حجره واحده لايملك صاحبنا الا اسفنجه ملقاه علي الارض عليها غطاء مهلهل وبجانبهما موقد كيروسين وبضع أواني فخاريه يجلب فيها الماء من داخل القريه كلما نفد .
لاشيئ اخر في ارجاء الغرفه الا الفراغ فصاحبنا لايعرف للترف سبيل
دقائق قبل الفجر حتي يدهب ليصلي بالناس فقد كان الامام الوحيد للمسجد الوحيد لتلك القريه دات الاقليه المسلمه التي كان غالبيه سكانها يعتنقون دينا اخر
علي شاطئ الترعه حيث جلس صاحبنا بدات الاشجار المتراصه علي الجانبين تهدئ من حفيفها حتي صار هادئا مريحا فكاد يسلمه هدا الحفيف الي النوم لكنه ظل يقاوم دغدغاته لجسمه باستعراض السبعون عاما التي امضاها كلها في طاعه الله
اغراه الصمت فطفق يحاور نفسه في امور ماذهب اليها احد وعاد سالما من رحلته
---- الي اين يا صاحبي ؟اتراك كنت تركض علي خطوط تمتد مابين الانهايات؟
-ماجدوي عمرك الذي انفقته محاولا الابحار خلاله لتفك طلاسم هدا الكون السرمدي؟
-هل هناك حقا نهايه لتلك الرحله الشاقه؟ ام انك كنت تبحر نحو الاشيئ؟
ها انت ذا قد وصلت الي منتهي العمر لتكتشف بالاخير ان الغايه من بدئك هي ان تنتهي
انفقت عمرك في طاعه الله لم تقترف يوما اثما ولا دنب
كيف جئت ؟ ولمادا جئت ؟والي اين ستدهب؟ولمادا ستدهب؟
ما الجدوي من وجودك؟-بالاحري ماسر وجودك؟ وما النفع من خلقك مادمت ستمضي؟
ولم تزل غربان افكاره السوداء تحلق داخل راسه حتي اسلمته الي بحور من الحيره واليأس
التفت الي كوخه من خلفه فبدا له كانما يراه لاول مره قاتما موحشا في وسط غلاله ضوء خافته تنبعث من سراجه النفطي
ابتسم باسي وسخريه مسائلا نفسه
- اتلك املاكك يا صاحبي؟ كوخ طيني؟ لم تستمتع يوما بزوجه وليس لديك اولاد يشيعونك عند موتك .انك ان مت الان لن يشعر بك احد حتي تنبعث لك رائحه
راح يقاوم الصوت المنبعث من داخله بكل ما اوتي من قوه
ياله من صوت اثيم قادم من اعماق الجحيم جاء ليسلبه اعز املاكه -(تلك السبعون الدي امضاها في طاعه الله)
وفجاه
وبينما هو غارق في بحور افكاره الخبيثه اذ بعمود من لهب محاط بدخان ازرق يمتد نحو يسراه
ظل خيط اللهب يتجسد ويتخذ ملامح ادميه .ـ أمعن التحديق بدهشه ورعب كاد يمزق اوصاله داخل هدا الخيط الدي ظل يتلاشي من حيث اتي ويتجسد حيث انتهي عن يسار الشيخ
اخيرا اصبح لخيط الدخان كتله وابعاد امعن الشيخ التحديق فلم يستطع الا ان يميز سوي انها ملامح ادميه توشك ان تتشكل
تملكه الهلع والرعب
انحني بذعر ورهبه الي الوراء
-يا الله أي شيئ انت؟
اعود بالله من الشيطان الرجيم
من تكون؟
ظل يردد بزعر
بربك قل ؟ من تكون؟
- صوت كفيح الافاعي يردد
-الا تعرفني؟
-بربك قل من تكون؟
- انا اللون الاسود من كل الاشياء .انا الظلمه -انا الشر - انا الفناء انا كل شيئ اسود في تلك الحياه
- يا الله لكنئك انت ابليس ؟
- نعم انا هو
- ويرد الشيخ الصالح بذعر مصحوب بغضب اذهب عدو الله الا تجد غيري لتأتيه؟
-ولماذا ترفضني وانا نصف الحياه ؟
- انت ابليس الا تفهم ؟ابليس
-نعم انا هو وقد اتيتك اجيبك عما كان يدور بخلدك الان
- انت؟انت من المضلين وانا من العاكفين المصلين
-نعم انا من المضلين لكن الم تكن تسأل الان عن جدوي وجودك ؟الم تكن من هنيهات تسأل عن الغايه التي ستصل اليها؟الم تكن تسأل عن كنه حياتك؟ ولماذا انت ولماذا انا؟
نظرا لطول القصه ساكتفي بهذا القدر
م/سعيد دعبس
نشرت فى 30 نوفمبر 2019
بواسطة magaltastar
الرسالة الرابعة والعشرون
حصول الكاتب على جائزة ربما هي لعبة عبثية لا أكثر
الثلاثاء: 20-11-2018
فراس حج محمد
العزيزة الغالية، أسعدت أوقاتا، وكل عام وأنت بخير ورضا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، أعاده الله عليك وعلى الجميع باليمن والبركات. أما بعد:
لقد أحببت رسالتك المقتضبة الأخيرة، كانت غاية في الروعة؛ حتى وأنت يتملك شعور بالخوف من هذه الرسائل، أتفهمك جيدا، وأنت تقولين: "كم أخشى من رسائلك هذه التي تنشرها، بقدر ما أحبها إلا أنني أخشاها وأخشى ما ستتركه من ظلال على حياتي، فالمتربصون بي كثر، لكن لا بأس، فلتكتب ما دام ذلك يؤجج قدرتك على الكتابة وشهيتك لها". أقدر ما أنت فيه من هذا الشعور المؤلم، ومن مشاق العمل، وربما لم يترك لك فرصة لقراءة الرسائل السابقة بتأن، وقد أثارني ردك الذي أبلغتني فيه أنك قرأت الرسالة وأنت تغالبين النعاس، والتعب، جعلني أتذكر قول شوقي:
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى أبدا أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم
الحبيبة الغالية:
ما زلت مهموما في البحث عن الرواية، وأتابع ما كتب حول بعض الروايات الفائزة بالجوائز، ولذلك كلما قرأت مقالا له علاقة بهذا الموضوع، أحب أن أطلعك عليه، ومن ذلك المقال الذي كتبه الناقد الأردني مهند النابلسي حول رواية إبراهيم نصر الله "حرب الكلب الثانية"، إنه مقال صريح وجريء ونقدي انتقادي، وأنا أعرف الكاتب وجرأته وعدم ممالأته أو محاباته للكتّاب، فهو يكتب ما وجده حقا، وتظل له وجهة نظره التي بسطها في وقفته تلك. قد نتفق معها قليلا أو كثيرا. فلا أعتقد أنه قد تجنى على الكاتب كما بدا في رسالتك. فلا أظنّ أن في هذا النقد أي تجنٍ لسبب بسيط أن الكتّاب عموما يكتبون من أجل الجوائز. كثير من الكتاب لا يكتبون إلا من أجل الحصول على الجوائز. إنها مقبرة أخرى للكاتب أحذرك من متابعة أوهامها، ليس كل رواية فائزة هي رواية تستحق وليس كل رواية أهملت هي رواية رديئة. هذا أمر صعب جدا وشائك ومعقد، ولا أدري كيف يمكن لكاتب أن يفكك ما وراء هذه الظاهرة من جنون أو تلاعب أو توجيه.
بعد أن قرأت هذا المقال للكاتب مهند النابلسي في صحيفة "صوت العروبة"، أشعر أننا بحاجة إلى أمثاله في البعد عن المجاملة والمدح الذي يطيل عمر الزيف والوهن في الحياة الثقافية. إنني أثق بآراء هذا الصديق ثقة كبيرة. فهو ضليع في متابعة الخيال العلمي في الأفلام، وخاصة الأفلام الأجنبية، وله في هذا مقالات متعددة، وهو إضافة لذلك ناقد جيد أعرفه من أيام مجلة عود الند الثقافية، وهو ناقد جريء يصدح بآرائه حادة وقوية من على صفحته في الفيس بوك، يقول ما يريد قوله، ومقتنع فيه تماما.
لقد كشفت مقالات كثيرة عن تلك المشاكل التي تعتري الروايات الحالية، وألخصها في مشكلتين تبدوان على طرفي نقيض. فالروايات المعاصرة إما أنها تعاني من التكثيف والنزوع نحو الخطاب الأيديولوجي الفكري البحت، وتأخذ الروائي نحو الفكرة فينسى الصنعة الروائية المتقنة، فيخبت الفن الرّوائي، وعلى ذلك روايات كثيرة كأمثلة صارخة، وإما أن تطول الرّواية وتنوء بحمل لغتها المترهلة، وعلى ذلك روايات كثيرة أيضا بأمثلة مملة، لقد أصبحت هذه الروايات تعاني من الحشو الزائد الذي يضر بالرّواية وسلاستها ورشاقة أسلوبها. على كل حال ليست الرواية العربية هي وحدها التي تعاني من الخلل سواء في البنية أو في الأسلوب، فقد كتب الكاتب والروائي الإنجليزي جورجل أورويل مقالاً عام 1940 تحدث فيه عن الروائي هنري ميللر جاء فيه: "أن خمسة آلاف رواية تنشر كل عام في إنجلترا، وأن أربعة آلاف وتسعمائة منها هراء". إذا كانت هذه هي حال الروايات الإنجليزية، فكيف تبدو حالة الروايات العربية؟ لو كان جورج أورويل حاضرا، ويتقن اللغة العربية لقال أكثر من ذلك! فلا تغترّي بحصول الكاتب على جائزة، ربما هي لعبة عبثية لا أكثر.
ما يهم هو أن تأخذي هذا النوع من النقد وهذه الملحوظات بعين الاعتبار، وتبحثي عنها كثيرا في مقالات الكتاب، لتكوني محصنة تحصينا جيدا من الوقوع في الكوارث السردية والخطايا الروائية، فما زلت مقتنعا أن الرواية عمل صعب وشاق ويحتاج إلى الكثير من التعب والصنعة والإتقان.
لا أريد أن أطيل كثيرا في هذه الرسالة، حتى لا أرهقك في القراءة. وسأرجئ الحديث عن بقية رسائل يوسا في رسالة خاصة، لقد أسعدني جدا قولك: "أريد أن تكمل لي ما كتبه يوسا". وأحب أن أبلغك أنه في الأسبوع القادم سأتسلم كتابي الجديد من المطبعة، ففي هذا الكتاب أيضا تحدثت عن الرواية، وعما يتصل بهذا الفن من أفكار نقدية، وربما وجدت فيه ما هو مفيد حقا. كما أنني حصلت على نسخ من مجلة أدبية، ولك في ذمتي نسختان منها، سأوصلهما جميعا لك مع نسخة من كتابي الجديد في قادم الأيام بعون الله وتوفيقه.
قبل أن أنسى أعجبني جدا صوتك وأنت تترنمين بأغنية نجاة الصغيرة "عيون القلب". سبع دقائق ونصف نقلتني فيها إلى مرابع الجمال والشجن والحب، فيا لله ما أصفى هذا الصوت الملائكي الذي أعشقه بكل ترنيماته الشعرية والغنائية، حتى وأنت تتحدثين حديثا عاديا تكاد الموسيقى ترقص على شفتيك، وترقّص كل أوصالي. مفاجأة سارة جدا لم تكن متوقعة أعادتني إلى سنوات مضت، وأنت تغنين لي بعض أغاني نجاة وعبد الحليم وأم كلثوم. كنت في غاية اللطف والحب والبهجة والسعادة.
دمت بود وجمال، وإلى لقاء قريب، عساه يطفئ شيئا من لوعة الأشواق.
فراس حج محمد
نشرت فى 23 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
الرسالة الثالثة والعشرون
زيدي رقّاص القفز واكتبي بشهيّة من يمارس الحبّ بشغف
السبت: 17-11-2018
فراس حج محمد
مجنونتي الحلوة، وشاعرتي النقية:
أيّ امرأةٍ ألذّ منك في هذا الوجود؟ صباحك أجمل من الجمال، وأشهى منه عناقك بلذيذ الوصال. ومساؤك عسل أيتها العسلية، الحبيبة التي أشتاق رائحة جسدها المتدفق كل حين بفضل الحب، كأنه سرد كوني أبدي في سفر الوجود، أما بعد:
فما زالت بيَ رغبة أن أحدثك عن السرد ومشقّاته وأهواله، فالسّرد خطِرٌ، بل أخطر أحيانا من الشعر، وهو غير مأمون العواقب إذا جرى الكاتب مع شهوة اللاوعي، فلتحذري هذه المطبات. أسعدني جدا أن المقال الذي أرسلته لك أمس قد أعجبك، إنني دائم التفكير بما تفكرين فيه، لقد شعرت بأهمية أن تقرئي هذا المقال إنه يطرح أسئلة على السارد، عليه أن يقف عندها مليا، ويفكر بها كثيرا. لقد أعجبني جدا ما ورد في المقال من قول الكاتبة الأمريكية توني موريسون: "لو كنت ترغب في قراءة كتاب لم يكتب بعد، فما عليك إلا أن تبدأ بكتابته بنفسك"، إنه مقتبس كفيل أن يلخص حياة كل كتاب وكاتب، ومن الطبيعي إذن أن تقولي في رسالتك المقتضبة: "أشعر أنني في دوامة السرد أتخبّط بلذّة من يقفز على نطّاطة في كل قفزة أرتطم بها بحدث". يا له من تصوير لحالة الكتابة التي أراها تنبجس ينابيع سرد من مخيلتك الخصبة.
تكمن متعة السرد يا عزيزتي في ذلك التدفق، ولكن عليك بصنع القوالب المناسبة التي تستطيع أن تجعل هذا التدفق تماثيل فنية نابضة بالإبداع، هنا فلتسمحي لي أن أستعرض لك رسائل يوسا الاثنتي عشرة التي بعثها لروائي ناشئ، وما دام أنك لم تصدري رواية إلى الآن أو مجموعة قصصية، فإنك ما زالت في طور الروائي الناشئ الباحث عن صيغته ومبتغاه.
يؤسس يوسا لهذه الرسائل برسالة أولى يوضح فيها أهميتين، الأولى تتعلق بالرقابة، وخطر الرقيب، ولك أن تتصوري الرقيب وانشغاله بالأدباء والأديبات تحديدا، إنها مسألة في غاية الخطورة، عليك أن تحسبي لها حسابا، وأهم أنواع الرقيب، "الرقيب النقدي" الذي يقف شامتا أو صامتا، أو مجاملا، أو مؤلفا الإشاعات الحارقة، هنا تذكري جيدا ما قاله يوسا حول "الميل الأدبي"، وهو الأهمية الثانية: "فالميل الأدبي ليس تزجية للوقت، وليس رياضة، ولا لعبة راقية تمارس في أوقات الفراغ"، إن ثمة حياة يدفعها الكاتب وهو يكتب كتابه، إنه بالضبط كما قال يوسا: "الميل الأدبي يتغذى على حياة الكاتب". أو كما قال فلوبير: "الكتابة هي طريقة في الحياة". عليك أن تقفزي أكثر وبتركيز أكبر فوق النطاطات لعلك تعثرين على الكثير من الأحداث، بل الكثير من الحياة. إن الروائي والقاص دائم الاشتغال على تطوير ذاته، ولذلك فقد أخذ يوسا في المقارنة بين الشعراء والروائيين في هذه الرسالة بقوله: "أما ذلك الشيء الآخر الغامض الذي نسميه الموهبة، النبوغ، فلا يولد على الأقل لدى الروائيين بصورة مبكرة وصاعقة، وإن كان ذلك ممكنا أحيانا لدى الشعراء والموسيقيين". عليك التقاط هذه الفكرة وأن تظلي في شغل دائم في تطوير أدوات السرد وتقنياته. فلم يوجد الروائي العظيم إلا بعد التعب
والمجاهدة والإعادة، أحد الروائيين أعاد كتابة رواية من رواياته عشر مرات، هذا درس مهم لكل من يريد أن يكون عظيما في فن الرواية ويترك بصمة فيه.
أظن أن هذا أمر مهم أن تفكري به على هذا النحو. أدرك أن مشروعك السردي القادم ذو فكرة إنسانية واقعية، لا تخافي من ذلك، فليس كل أدب يمتح من مفردات الواقع هو أدب خالٍ من الفنية والإبداع، ما رأيك إذن بما قاله يوسا في الرسالة الثانية حول هذه النقطة بالذات، إذ يبين علاقة الروايات بتجارب كتّابها الحقيقية، وكيف يجب التعامل مع تلك التجارب، ليتوصل إلى هذه الجملة البديعة: "أصل كل القصص ينبع من تجربة من يبتكرها"، أرأيت كيف جعل الأمر وكأنه ابتكار للواقع من جديد، إعادة خلق له، ليبدو كأنه خيال؟ لقد ناقشتُ هذه المسألة في بحث مطول حول علاقة الكتّاب برواياتهم، وكل الكتّاب العظام أجمعوا على أنهم كانوا يوظفون حياتهم الشخصية فيما يكتبون من قصص. تحدّث هنري ميللر خلال حوار معه كيف أنه تخفى مرة بثياب القس يوم الأحد في الكنيسة ليستمع إلى اعترافات المذنبين، بحثا عن فكرة وحدث. إنه كان يقفز على نطاطة خاصة به ليرتطم بأحداث لها طزاجتها. لقد نجح في التلصص ليسبر الأرواح الغارقة في الظلمات كما قال. لا تخافي إذن من تلك الأفكار الواقعية، إنها روح القصص وجسدها أيضا.
إن الكتابة بحاجة إلى خبرة وتجربة، ومتعة في الصناعة والخلق، اصطدمي أكثر، لتنبجس الأفكار حرة وشهية وطازجة، ولكن عليك أن تكوني مقنعة، ها أنا أدخل إلى الرسالة الثالثة ليوسا، وقد خصصها لأمر يبدو مهما جدا، إنه "الإقناع". صحيح أننا نكتب أدبا متخيلا له صلة بالواقع من جهة ما، ولكن لا بد من أن يكون مقنعا، فإقناع القارئ مهمة ليست بسيطة، تأملي جيدا ما يقوله يوسا، لك ولكل روائي ناشئ: "الرواية الرديئة التي تفتقر إلى قوة الإقناع، لا تقنعنا بقوة الكذبة التي ترويها لنا، وعندئذ تظهر لنا تلك الكذبة على حقيقتها مجرد "كذبة"، خدعة، بدعة تعسفية، وبلا حياة خاصة بها، تتحرك بتثاقل وخرافة مثل دمى محرك عرائس سيئ". إن الإقناع يفترض أنك أصبحت داخل العمل، وأن القارئ يتخيل نفسه داخل العمل، إن توقف عن القراءة ضاع أو شعر بنوع من الهوس والجنون إلى متابعة القراءة. الإقناع أن تكتبي من داخلك إلى داخل القارئ، تجعلينه بعقلك وتستوطنين عقله، هل بمقدورك أن تجعلي كل القراء أحبارا على مائدة كتابك أو على الأقل تلاميذ منصتين بشغف لروعة ما يقرؤون؟
هذه يا عزيزتي أبرز الأفكار التأسيسية في الرسائل الثلاثة الأولى لأي روائي ناشئ كتبها روائي حاز على جائزة نوبل يوما ما. يتابع يوسا في الرسائل المتبقية مناقشة مجموعة من الأساليب الروائية، وضرورة البحث عن الأسلوب الخاص بكل كاتب، وكنت قد تحدثت لك عن أهمية خلق أسلوب مميز يخصك وحدك في الرسالة السابقة، ولن أزعجك بأحاديث النقد التفصيلية حول الأساليب والتقنيات السردية للكتّاب العظام، فقد بسطها يوسا بسطا جيدا في رسائله من الرسالة الرابعة وحتى الحادية عشرة، ليصل في الرسالة الثانية عشرة إلى "النقد" وأهميته وكيف يكون، كما يراه. ولكن إن أحببت أن تتعرفي على تلك الأساليب، فسألخصها لك في رسالة قادمة، فالأمر يعود إليك، فاكتبي لي إن أحببت التعرف إلى ما قاله يوسا حول ذلك.
سأورد هنا وجهة نظره حول النقد بتلخيص شديد، لأن النقد نشاط إبداعي مهم، لا بد من أن يواكب أي عمل إبداعي، مع أن يوسا، سامحه الله وعفا عنه النقاد، يلمز بهم كثيرا، فهم المتحذلقون الذين "ابتدعوا تسميات متعددة لشيء يمكن لأي طارئ أن يتعرف عليه دون أدنى
مشكلة". إن يوسا يتعامل مع النقد والنقاد بنظرة المبدع، فلذلك طغت عليه "الفوقية الإبداعية" في النظرة إلى النقاد، وبدا ذا منطق براغماتي في حديثه عن النقد، إنه مع النقد وضده في الوقت ذاته، يريد من النقد أن يكون خادما له وللمبدعين، لاحظي مثلا نبرته وهو يحدد معالم النقد وأهدافه: "لست أعني بالطبع أنه لا جدوى من النقد، وأنه يمكن الاستغناء عنه، لا شيء من هذا، بل على العكس, إذ يمكن للنقد أن يكون مرشدا عظيم القيمة في النفاذ إلى عالم المؤلف وأساليبه، ويمكن للبحث النقدي بحد ذاته أحيانا أن يكون إبداعيا مثل أي رواية قيمة أو قصيدة رائعة دون زيادة أو نقصان". هل تظنين أنه مع النقد والنقاد؟ إن يوسا مع ذلك يعتبر النقد قاصرا في نهاية المطاف، ما دام أن المبدع له "عالم" ومجموعة "أساليب" والناقد يتحتم عليه ولوج تلك العوالم ويفكك تلك الأساليب، إنه أشبه بالميكانيكي من وجهة نظر يوسا، كاشفا عن روعة الإبداع، لا شيء أبعد من ذلك.
إن تلك العوالم أحيانا عصية على الناقد من وجهة نظر يوسا: "إن النقد بحد ذاته حتى في الحالات التي يكون فيها شديد الصرامة والصواب لا يمكن له التوصل إلى استنفاد ظاهرة الإبداع وتفسيرها بشموليتها، فهناك على الدوام في الرواية أو في القصيدة الناجحة عنصر أو بُعْد لا يمكن للتحليل النقدي العقلاني أن يمسك به، لأن النقد هو تمرين للعقل والذكاء، بينما يتدخل في الإبداع الأدبي وبصورة حاسمة أحيانا إضافة إلى هذين العاملين الحدس والحساسية والتخمين وحتى المصادفة، وهي عوامل تفلت دائما من أكثر شباك البحث النقدي دقة".
ماذا يريد أن يقول يوسا يا عزيزتي عن النقد؟ ربما أراد أن يقول لذلك الروائي الناشئ، كن على ثقة أن من يصنعك هو أنت وليس النقاد، فما النقاد إلا تابعون لك، يتلصصون على نتاج عقلك ولغتك، وأحيانا ربما أغبياء، صدقا أحيانا النقاد أغبياء جدا، عندما يحمّلون النص أكثر مما يحتمل، أو يهملون عملا أدبيا دون احتفاء أو احتفال لدعاوٍ سقيمة وذاتية وأنانية، ومصلحية مقيتة. فكم من كاتب جميل أماته النقاد، وكم من كتاب رديء سوّقه السفهاء منهم، وربما كانوا يعملون ذلك مدفعوعي الأجر من هؤلاء "الكتّاب".
وأخيرا أيتها القصصية القادمة إلى بحر من السرد متلاطم الموج، تأكدي أنك تسبحين وحدك في هذا العالم، أو كما قال يوسا نفسه: "لا يمكن لأحد أن يعلّم أحدا الإبداع، وأقصى ما يمكن تعليمه هو القراءة والكتابة، وما تبقى يعلّمه المرء لنفسه بنفسه، ويعثر ويسقط وينهض دون توقّف". كوني على استعداد كامل للمواجهة، مواجهة الكتابة، ومواجهة النقد والنقاد المتطفلين.
زيدي رقّاص القفز، واكتبي بشهية من يمارس الحب بشغف، وستنجحين بلا شك، فمخزونك العقلي والسردي واللغوي يؤهلك للنجاح والإدهاش، لنحارب معا ضد الرداءة وأشباه الروايات والروائيين الساعين بلا توقف إلى الكتابة وعيون أغلبهم على الجوائز التي يسيل لها لعابهم القذر المدجج بالفيروسات اللغوية المميتة.
دمت متفوقة أيتها المرأة الشجرة، الكاتبة المثمرة سردا شهيا طازجا. أحبك سامقة ومبدعة بهية.
فراس حج محمد
نشرت فى 19 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
ق.ق.ج
#جزاء
يبني سلم المجد ويرتقيه، ينساب إلى عليائه بتفاني، يبذلُ الغالي والنفيس لأجل الوصول للقمة، يأبى إلا أن يحمل معه كل من أحب، عندما اقترب من القمة، صعدوا على أكتافه وعادت قصة سنيمار تروى عنه من جديد..
رائد العمري
نشرت فى 16 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
الرسالة الثانية والعشرون
سيكون مناسبا جداً أن أراك قريباً
الخميس: 15-11-2018
فراس حج محمد
عزيزتي الغالية، أسعدت أوقاتا
ألوذ إليك، مشتاقا لأحدثك عن بعض تلك الأفكار التي تضج في رأسي، متآزرة في وجعها مع وجع الأضراس، هذا الوجع المؤلم إلى حد فقدان القدرة على التركيز، وانهيار نشوة الفرح والسعادة بقراءة الكتب.
يعاودني الألم بين الفينة والأخرى، أستغل الوقت لأكتب لك، متناسيا هذا الألم الحاد الذي يضرب الفك الأسفل الأيمن كله، لا أدري ماذا أصابه؟ وأي جن يسكن تحت هذه العظمة الناتئة التي تبدو حقيرة كأنها ناب قط؟
لقد أفسد هذا "الألم الملحد" الذي لا يرأف لتوسلاتي لأن يهدأ، أفسد متعتي بقراءة رواية الكاتبة السورية حميدة نعناع، أتعرفينها؟ أنا لم أكن سمعت باسمها، لولا صديقي الطليعي قد حدثني عنها في إحدى جلساتنا، وأعارني روايتها المذهلة: "الوطن في العينين". إنها الرواية الثانية التي يعيرني إياها هذا الطليعي المهووس بالكتب، بعد رواية "من يتذكر تاي" للكاتب السوري ياسين رفاعية، روايتان تشتركان في أنهما تبحثان في القضية الفلسطينية، لقد كانت حميدة نعناع صحفية وعضوا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكتبت تجربتها في العمل العسكري، وخصوصا موجة خطف الطائرات، لقد كانت قائدة عملية "جنيف"، هل سيصيبك الحنين هنا في هذه النقطة؟ لا أدري لكنها كتبت أوجاعا كثيرة عن المناضلين والثورة وأمراضها، والدكتاتورية داخل الفصائل المسلحة، ربما ليست ديكتاتورية، فلا يوجد شيء اسمه ديمقراطية في العمل المسلح، أظن المسألة لا بد لها من حسم وبصورة حازمة. هذا هو العمل العسكري مع أنني لم أجربه إطلاقا، فأنا لا أصلح لأي أعمال عسكرية. أتذكر ضابط المخابرات الإسرائليلي الذي قابلني في عام 1994 كنت في السنة الأخيرة من المرحلة الجامعية (البكالوريوس)، دخلت عليه كان طويلا وعريض المنكبين درزيا يتقن العربية. قال لي بعد حوار طويل وهو يمد رجليه في وجهي على طاولة مكتبه: "لو كنت صحيحا لخربت الدنيا". ضحكت قليلا، ولم أجبه، لم أعد أتذكر أنني رددت على كلامه.
على أية حال، هذه الرواية تفتح الجرح الفلسطيني من الداخل، لترى وجع الثائرين وصورتهم الحقيقية، وإنهم ليس قديسين، ولا أنبياء، أو أنهم "لا يأكلون ولا ينامون ولا يحبون النساء"، إن لهم أوجاعا كبيرة، كما أن لهم تفاصيل صغيرة يهتمون بها، إنهم بشر كبقية البشر، لهم حزنهم، وعاطفتهم تجاه الأشياء والأفعال والناس. ولكن لحساسية مهامهم تكون النتيجة كارثية ومؤلمة لو حصل أن أصبح ثائر وثائرة عشيقين، كما حدث في الرواية بين ناديا و(أبو مشهور). لعل أهم درس من رواية "الوطن في العينين" هو: أن للمثقف خيانات أخرى، كأنْ يتنازل عن أفكاره في حين يشقى بهذه الأفكار مؤمنون كثيرون. هذا يشبه نبيا دعا قوما إلى دينه ثم تخلى عنه! إنها رواية "نقد الأخطاء وانتقادها" فيما يخص الأعمال العسكرية، وخاصة تلك التي حدثت في أوروبا من مثل خطف الطائرات.
قرأت الرواية يا عزيزتي دفعة واحدة في جلسة واحدة، متذكرا قول الكاتب الإنجليزي جورج أورويل: "عندما أجلس لكتابة كتاب لا أقول لنفسي: سوف أنتج عملا فنيا. أكتبه لأن هناك كذبة أريد فضحها. حقيقة ما أريد إلقاء الضَّوْء عليها. لكن ليس بإمكاني القيام بمهمة تأليف أو حتى مقالة طويلة لمجلة ما لم تكن أيضا تجربة جماليّة". لقد اجتمع في هذه الرواية الأمران: فضح الكذب وإلقاء الضوء على الحقائق، مع مفارقة الرواية للبناء التقليدي للرواية، لذلك جاءت الرواية مختلفة في تقنياتها الفنية التي اعتمدت على أسلوب الرسالة الذي استهلك من البنية الروائية أكثر من تسعين بالمئة منها، وعندما وصلت إلى توقيع المرسلة/ ناديا، قلت في نفسي هنا يجب أن تنتهي الرواية، لكنها للأسف لم تنته، بل بقي منها ما يزيد عن ثلاثين صفحة تحدثت فيها عن صديق ناديا فرانك، هذا الثائر القديم، ليقرر الالتحاق بها في لبنان، لينضم إلى الثورة.
تذكري حديثنا قبل أيام، عن طبيعة عملك الأخير، وهل يصلح أن يكون رواية أو لا، لا تفكري بجنسه الأدبي، فكري أن يكون فقط عملا فنيا بارعا، ذا قالب غير تقليدي، فكلنا يعرف الأفكار، ولكن ليس كلنا يعرف الأساليب والأشكال، فابحثي عن قالب روائي قصصي سردي يخصك، ليكون العمل مميزا، ولا تستندي إلى موضوع العمل وما يثيره من عواطف، فالناس تتأثر بالأخبار التلفزيونية أيضا. عليك التفكير بالفن أكثر من الموضوع.
لقد نجحت الكاتبة، على ما أتوهم، في أنها خرجت من أسر القوالب الكلاسيكية للرواية، مع أنها كتبتها في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، وكانت الرواية الكلاسيكية في توهجها المحفوظي، ولم يكن المثقفون بعد قد اطلعوا على الرواية الأجنبية بشكل كاف، ولم تكن الترجمة رائجة رواج اليوم. ربما أكون مخطئا ولكنني هكذا أقدر من خلال متابعاتي الأدبية والثقافية.
حبذا لو تبحثين أكثر في الأساليب الروائية غير التقليدية، وعليك إن كنت معنية بأني تكوني روائية جيدة البحث عن قالب روائي جديد، فلا تكوني متقنة للعبة أتقنها قبلك الكثيرون، ولكن كوني مبدعة للعبتك الخاصة، هنا تقفين في منطقة وحدك، ليقول الأدب ها أنا ربحت كاتبة متميزة.
أتمنى لك التوفيق في قادم أعمالك، ولا تتعجلي الوجبة، فالوجبات السريعة في الأدب مضرة تماما كما هي الوجبات السريعة في المطاعم المنتشرة على جوانب الطرق السريعة.
سيكون مناسبا جدا أن أراك قريبا، بعد أن تنجزي المسودة، لعلني أكون أول من يطالعها ويراجعها، ولكن ربما هناك "وحوش سرد" أفضل مني سيقدمون آراءهم حولها. لا يهم. المهم أن تكون النتيجة في صالح العمل، وصالح قضيتك السردية ومجدك الأدبي، لتنضمي إلى كوكبة الروائيات المبدعات من أمثال مليكة مقدم ورضوى عاشور وبثينة العيسى وليلى العثمان. وأخريات كثيرات.
أوشك على النهاية، أشعر أن هذه الرسالة قد أفلحت في هزيمة ألم الأضراس الحاد المؤلم.
أشتاق إليك أكثر، حتى وأنا في معتزلي هذا أراقبك عن كثب. قبلاتي الحارة لشفتين من ناعم الورود.
فراس حج محمد
نشرت فى 16 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
" بطل مختلف " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
----------------------------------
( آخر ما جادت به قريحة الكاتب ولم يسبق نشر النص من قبل ) .
تنويه :
النص جاء انعكاسًا للأحداث الجسيمة التي تعرض لها " رجال المقاومة " الفلسطينية في غزة .. إثر ذلك الاعتداء الوحشي اللئيم الغادر للعدو .
إهداء :
إلى كل شهداء الحدث ..
إهداء خاص :
إلى الشهيد البطل .. بطل النص ... " بطل مختلف " ...
( الكاتب )
---------------------
" بطل مختلف " ؟؟!!
رويدك يا سيدي .. رويدك بالله عليك .. يبدو بأنك ومنذ البداية تعطيني أكثر من حقي .. وتصفني بصفة أكثر مما أستحق بكثير .. فلست أنا بالطبع بالبطل الذي تحاول أن ترسم صورته البطولية في ذهن القارئ ( المتلقي ) من جانبك .. ولست أنا بالمقاوم البطل الذي يحمل المدفع ويقارع العدو .. فلست أنا سوى إنسان عادي .. عادي جدًا يا سيدي .. ولم يدر في خلدي في يوم من الأيام أن أكون بطلاً .. ولم يخطر ببالي بأن يكتب عني أحد ما .. ويصفني بالبطل .. فأنا لست سوى إنسان عادي .. يعيش في الظل .. ويسعى على رزقه ورزق عياله وتحصيل قوت يومه ..
كل ما في الأمور ؛ بأن القدر قد ساقني إلى ذلك المكان قدرًا .. ذلك المكان الذي حدثت فيه المجزرة .. تلك المجزرة التي ارتكبها العدو اللئيم بغدر وخسة ونذالة ضد ثلة من رجال المقاومة الأشاوس .. فقد كان قدري أن أكون على مقربة من موقع الحدث .
لقد شاهدت الحدث بأم عيني ومنذ بداية الموقف ..
لقد كان الحس الوطني وشفافية الحضور لدى مجموعة رجال المقاومة تلك .. عالي التحسب لما بدا عليهم من يقظة وانتباه ؛ فبمجرد اقتراب تلك الحافلة من مكان تجمعهم أصابت أفراد المجموعة عوامل الريبة والشك ... وكان الحدس قد سيطر على كل مشاعرهم وكأنه الوحي الروحي الذي شخص لهم الأمر بأن تلك الحافلة هي حافلة مشبوهة ولم تكن بريئة بما فيه الكفاية ؛ فساورهم الشك بركاب الحافلة رغم مظهرهم العادي الذي لم يكن يوحي بالريبة والشك .
مجموعة من الرجال هم من ترجلوا من الحافلة بعد أن أمرها رجال المقاومة بالتوقف وترجل الركاب منها .
ثمة مجموعة من الرجال بدوا في مظهرهم كمواطنين عاديين جدًا لا يثيرون الريبة أو الشك وقد ارتدوا الملابس والأزياء المحلية ... ومنهم من كان يحمل العصا يتوكأ عليها ويبدو كشيخ هرم .. وآخر كان يبدو على شكل مريض ومصاب وكان يسير على " العكاز الطبي " .
الأمر وبشكل عام كان يبدو طبيعياً جدا لسكان محليين يتنقلون في المكان وبشكل عادي .. ولكن الريبة والشك كانت لا تزال تعشش في قلوب وأذهان وعقول رجال المقاومة ..
بشكل مفاجئ وغريب وبدون سابق إنذار .. لم يلبث أن تغير الحال .
فبعد ترجل أولئك الرجال من الحافلة ولم يتبق سوى بعض النساء بالداخل .. لعلهن كن أربع نساء .. كانت الأمور تأخذ منحىً غريباً ومفاجئاً .
قامت النسوة المتواجدات بداخل الحافلة بفتح نيران أسلحتهن الرشاشة وبشكل غزير على رجال المقاومة الذين فوجئوا بالأمر رغم أن الريبة والشك كانت لا تزال تسيطر عليهم ..
سقط من سقط من رجال المقاومة شهيدا .. وما إن استعاد بقية رجال المقاومة رباطة جأشهم ... وتبدد تأثير المفاجأة حتى كانوا يقومون بفتح نيران أسلحتهم الرشاشة على الحافلة ومن فيها وذلك بعد أن اندفع إلى داخل الحافلة أولئك الرجال الذي كانوا قد ترجلوا منها .. وقاموا بالفرار من المكان بسرعة جنونية وبشكل غريب .
المشهد برمته كان على مرأىً ومسمعٍ مني ... فما أن تمالك رجال المقاومة زمام الأمور حتى بدأوا بمطاردة الحافلة الهاربة فأمطروها بوابل من الرصاص ..
ويبدو بأن المفاجآت لم تنته ولم تتوقف عند هذا الحد .. فلقد بدأت السماء ترعد وتبرق وتعصف وتمطر .. وتطلق وابل نيرانها الكثيفة على رجال المقاومة الذين كانوا يطاردون الحافلة ؟؟!! .
لم يكن رعد وقصف وجحيم نيران السماء سوى ذلك القصف الصاروخي والمدفعي للطائرات الحربية العسكرية وطائرات الاستطلاع للعدو .. والتي أمطرت رجال المقاومة بوابل من الصورايخ والقذائف المتلاحقة .
لقد تداخلت الأمور وبشكل سريع ومفاجئ ؛ فقد بدا الأمر واضحًا جليًا بأن تلك الحافلة كانت تقل عددًا من رجال المخابرات والأجهزة الأخرى للعدو .. وأصبح الأمر واضحًا جليًا بأن أولئك الأشخاص الذين كانوا يستقلون الحافلة كانوا بصدد القيام بمهمة استخبارية معقدة وحساسة .. بقصد اختطاف بعض رجال المقاومة العسكرين والسياسيين على حدٍ سواء من رجال الصف الأول .. بهدف الحصول منهم على معلومات استخبارية هامة .. والقيام بالمهام السرية الأخرى من أجل اختراق الجبهة الداخلية .
ولعل من تلك الأهداف ؛ هو خطف بعض الشخصيات الوطنية الحساسة ذات العلاقة الوثيقة بالمقاومة من أجل المساومة عليهم في قضية الجنود الأسرى للعدو والموجودين لدى المقاومة الفلسطينية ومنذ الحرب المجنونة الأخيرة على غزة قبل أكثر من أربع سنوات .
ولكن العناية الإلهية تدخلت لكي تفشل خطة العدو اللئيم وتم اكتشاف أمر تلك الخلية للمجموعة المدربة تدريبًا عسكريًا واستخباراتيًا وعلى أعلى المستويات .. فاصطدمت بحاجز رجال المقاومة الذين شكوا في أمرهم واشتبكوا معهم .. وأدى الأمر في النهاية إلى استشهاد مجموعة من رجال المقاومة وقتل ضابط صهيوني برتبة عالية وإصابة آخرين من رجال العدو .
.. وما إن همت الحافلة بالفرار ومغادرة المكان وذلك بعد أن حاول جنود العدو الفرار تحت ستار كثيف من قصف الطيران الحربي العسكري .. وبعد أن اشتبك معهم رجال المقاومة الأشاوس .. حتى كانت مجموعات أخرى من رجال المقاومة تقوم بمطاردتهم وإطلاق نيران أسلحتهم الرشاشة نحوهم .
... في خضم تلك الأمور المتسارعة ... وجدتني وبحركة غريبة أبادر بملاحقة تلك الحافلة وركابها وأنا الأعزل من أي سلاح اللهم سوى سلاح الإيمان والحس الوطني المرهف .
وسيلة المطاردة خاصتي ؛ لم تكن سوى تلك الدراجة " التكتك " التي كنت أستعملها في العادة لنقل البضائع والحاجيات للسكان المحليين مقابل أجور رمزية تكفي بالكاد لإعالة أسرتي كبيرة العدد ..
شعرت وكأن قوة خفية رهيبة تدفعني لملاحقة تلك الحافلة وأنا الأعزل من أي سلاح .. وسط إطلاق نيران كثيف نحوي من ركاب تلك الحافلة المشبوهة .. ووسط إطلاق نيران كثيف نحوي من الطائرات الحربية للعدو .. فكنت أشعر بتلك الرشقات والزخات من الأسلحة وهي تتناثر من حولي في كل اتجاه .. وأشاهد وأسمع ذلك الصخب المدوي من حمم الجحيم التي كانت تتساقط من سماء المعركة .
كم كنت أشعر وفي قرارة نفسي بالفخر والسعادة وأنا أقوم بهذه المهمة الوطنية بمطاردة تلك الحافلة وأولئك الأشرار .. وشعرت بأن جنود الله من الملائكة كانت تقف إلى جانبي وتقوم بحمايتي على مدار الوقت ..
وفي لحظة من اللحظات التي هي من وراء الزمن ؛ شعرت بأنني قد أدركت تلك الحافلة واستطعت اللحاق بها بالفعل .. فقمت بالاصطدام بها بوسيلة المواصلات البدائية والبسيطة خاصتي ( التكتك ) التي كنت أقودها بسرعة كبيرة .. فشعرت بقوة الاصطدام ومدى تأثيرها على تلك الحافلة التي أخدت بالاهتزاز والاضطراب .. وبدوري .. فقد صممت على ملاحقة تلك الحافلة من جديد .. والاصطدام بها مرة أخرى .
يبدو بأن الأمور كانت تتلاحق بسرعة غريبة .. فقد شعرت بأنني أصحبت خفيفًا كعصفور رقيق .. شعرت بأن روحي قد انفصلت عن جسدي وأصبحت حرة طليقة تهيم في الفضاء الفسيح وتصعد إلى أعالي السماء وقد تحررت من جسدي الذي كانت قد اخترقته عشرات العشرات من مقذوفات الرصاص والقذائف .. فتلتقي بأرواح أولئك الشهداء الذين كانوا قد سبقوني إلى الشهادة قبل قليل .
حدث هذا .. بعد أن شاهدت إحدى طائرات العدو المروحية وهي تحاول انتشال مجموعة جنود العدو المذعورين .. بينما كان رجال المقاومة يقومون بإمطارهم بوابلٍ من زخات الرصاص الذي اخترق أجسادهم النجسة مما أدى إلى مقتل كبيرهم وإصابة آخرين بجراح خطرة .
... هل عرفت من أنا يا سيدي ؟؟ ..هل عرفت كيف أنني كنت قد قمت بهذا العمل بحسي الوطني فحسب ...
فها أنا بكفي الأعزل ... وبهذا " التكتك " الواهن قد تحديت آلة العدو وسلاحه وطائراته ..
فاكتب يا سيدي .. اكتب عني .. ولكن لا تقل عني البطل ... فأنا لست سوى إنسان عادي قمت بواجبي الوطني بجهودي وإمكانياتي المتواضعة .. بل المتواضعة جدا ..
اكتب يا سيدي عني ... ولكن قبل أن تكتب عني أكتب عن أولئك الشهداء الأبطال الميامين ... الذين استحقوا البطولة والشهادة عن جدارة .. وسبقوني إلى الجنة ...
... انتهى النص ... وما زال صوت سائق " التكتك " الشهيد يطاردني بقوة :
فاكتب يا سيدي .. اكتب عني .. ولكن لا تقل عني البطل ... فأنا لست سوى إنسان عادي قمت بواجبي الوطني بجهودي وإمكانياتي المتواضعة .. بل المتواضعة جدا ..
اكتب يا سيدي عني ... ولكن قبل أن تكتب عني أكتب عن أولئك الشهداء الأبطال الميامين ... الذين استحقوا البطولة والشهادة عن جدارة .. وسبقوني إلى الجنة ...
نشرت فى 15 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
المدرسة الواوية
بقلم عبد الامير الشمري
مهندس استشاري
كالعادة العراقيون في لهجهتم المحلية يسمون أبن آوى أي الثعلب بالواوي لكثرة حيله ومكره.
اجتمع الواوي الكبير برعيته من الواوية الذكور ... وقال لهم أن العالم في تقدم كبير وتغزوه التكنولوجيا والمعرفة بشكل لا يوصف ولغرض اللحاق بركب الحضارة والتقدم لابد من مواكبة المسيرة واللحاق بها لكي نستطيع أن نبني مجتمعاً متقدماً وراقياً... وأني بصدد الموضوع قررت أن نؤسس جيل متقدم من الواوية فنكون مدرسة نموذجية كما موجود في العالم لكي يتخرج أبناءنا وهم مسلحين بالشهادة والمعرفة ويخوضون التجربة في البناء وهم في مأمن من هذا العالم.
تحدث الواوي وقال لهم ما هو رأيكم بهذا الطرق وافق الجميع وقرر المجتمعون لقاء إناث الواوية ليطرحوا عليهم الفكرة ... فاستجابوا لنداء كبيرهم وقالوا نحن مستعدون لتسليم أبناءنا الآن وبهذه السرعة. إلا واحدة منهم قالت أنت لست ضد الفكرة ولكن معها 100% ولكن من الذي يعطينا حقوقنا إذا أخذتم أبناءنا ... صمت الواوي الكبير ... وقال سنرد عليك الجواب لاحقاً ... اجتمع مع رعيته ثانية وقال لهم ... أن لها الحق في طرح ما تقول وعلينا كل واحد منا أن نتبنى واحدة منهم ... فوافق الجميع ... وعلمت الواوية بالخبر ورحبت بالفكرة إلا واحد منهن قال أنا لا يكفيني زوج واحد وإنما أرغب بأكثر من واحد ... اجتمع الواوي الكبير ثانية برعيته وأعلمهم بالموضوع وقال لهم بدون إحراج أني سأقوم مقام أربع أزواج ... ثم قال الأخر ثلاث أزواج ... والأخر اثنان والبقية زوج واحد ... أعلمت الواوية بالخبر ... وقالت أحدهن كيف يضمن هذا الزوج أن يؤدي واجبه عوضاً عن الأربعة أزواج وما هي الضمانة ... وأخيراً قال الواوي الكبير ... أن طرحها صحيح ... نحن لا نضمن وعلينا أن نتنازل واحداً بعد الأخر ... قال كبيرهم سأعوض عن ثلاث بدل أربعة والأخر اثنان بدل ثلاث والأخر واحد بدل اثنان والبقية على واحد. واستمر الموضوع يتعلق بالضمانات إلا أن قرر الواوي الكبير أن يرجع إلى الواحد ورجعوا البقية كلهم إلى الواحد. انتهت القصة.
السؤال: لماذا رجعوا الجميع إلى الواحد بدل ثلاث أو اثنان أو أربعة؟
نشرت فى 15 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
الكلب الوفي
في أحدى محطات القطار في اليابان وبالتحديد في العاصمة طوكيو... يوجد نصب لكلب في أحدى الساحات القريبة من تلك المحطة المزدحمة عادة بالمسافرين ، سألت عن سبب وجود تمثال هذا الكلب وماذا يمثل ... قيل لي أنه كلب وفي كان يعيش مع صاحبه الغير متزوج ... يعيشون مع بعض في البيت ومعه في كل مكان. هذا العامل الذي هو صاحبه يشتغل في أحد المصانع خارج طوكيو ... يومياً يأتي العامل مع كلبه إلى المحطة ويودعه وبعد الانتهاء من العمل الساعة السادسة مساءً... ينزل العامل ويجد كلبه في انتظاره يأخذه ويذهب معه إلى البيت ... استمرت تلك العلاقة سنين دون توقف ودون ملل ودون أي مشاكل ... الكلب وصاحبه متفقون على كل شيء. في الأكل في المشرب في الملبس وفي التنزه وفي النوم ... حالة قائمة وكأنها يوم زوج وزوجته أو بين أب وأبنه اليتيم ... هكذا هي الحالة. ذات يوم وعلى عادته جاء الكلب إلى المحطة لينتظر صاحبه العامل بعد الانتهاء من عمله ككل يوم ... لم يجد صاحبه يترجل من القطار إلا أن أخليت المحطة من جميع المسافرين والكلب عينه على صاحبه فلم يجده...
بقى في المحطة لأكثر من يوم واقفاً بنفس المكان دون أكل وشرب ونوم لحين موته في المحطة ... هذا هو وفاء الكلب لصاحبه العامل. لماذا توفي الكلب
نشرت فى 11 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
" ماسحة الأحذية ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
---------------------------------
( أخر ما جادت به قريحة الكاتب ؛ ولم يسبق نشر النص من قبل )
" النص ليس بريئاً بما فيه الكفاية .. ؟؟!! .. فالنص " رمزي مرمز " .. والكاتب لا يعني به أي بعد سياسي .. ولا يقصد به المس ( برأس الهرم ) ؟؟!! .. اللهم إلا إذا كان للقارئ رأيًا غير ذلك ؟؟!! .. فالكاتب ليس مسؤولا عن آراء الآخرين .. " .
تنويه :
النص مستوحى من تلك الصورة التي تم نشرها على بعض المواقع .
إهداء خاص :
.. إلى بطلة النص " المفترضة " .. " ماسحة الأحذية " .
.. وإلى الأستاذ الراقي الأديب المبدع " مجيد الزبيدي " الذي أوحى لي بفكرة النص من خلال الصورة التي قام بنشرها .
تقديم :
أحداث وشخوص النص - قد تكون - حقيقية ؛ ومن المحتمل أن تكون قد حدثت على أرض الواقع ... رغم أنها محاولة أدبية ذاتية من خيال الكاتب - قد تكون - مطابقة للواقع ؟؟!!.
مقدمة :
النص لا يعالج " قضية شخصية " لسيدة / فتاة بحد ذاتها .. ولكنه يعالج " قضية اجتماعية عامة " لمجتمع / مجتمعات .
( الكاتب )
--------------------
" ماسحة الأحذية " ؟؟!!
.. ماذا بك أيها الرجل تحملق بي هكذا ؟؟!! ... ماذا بك بالله عليك ؟؟!!
.. وما الغرابة في الأمر يا هذا ؟؟!!
لماذا تحملق بي هكذا وأنا أجلس مطرقة إلى الأرض منكسة الرأس هكذا ؟؟!! .
.. هل أعجبك منظري يا هذا ؟؟ .. أم تراه قد أعجبك قوامي وقدي وجمالي وشكلي بعد أن قمت باستعراض جسدي من أخمص قدميّ حتى قمة رأسي ؟؟ .. ورحت تستطلع وتستكشف مواطن الجمال في جسدي ؟؟!! .
أم تراك كنت تود لو أن لا أكون مطرقة إلى الأرض هكذا لكي تكتمل الصورة .. لكي يكتمل مشهد وصورة الجمال من وجهة نظرك ؛ وذلك عندما تشاهد وجهي .. عيوني .. ؟؟ .
.. يا لك من رجل نهم حقًا .. ويا لك من رجل متطفل بالفعل .. فيبدو جليًا واضحًا بأنك لم تكتفِ بمشاهدة جمال جسدي فحسب .. واستبد بك الطمع والجشع أن تشاهد جمال وجهي وعيوني أيضًا ..؟؟ لكي تشبع نهمك وترضي غرورك وفضولك . .. فيا لك كم رجل طماع وجشع حقًا.
عجبي بأنك لم تهتم بالجوهر ؛ وكان اهتمامك منصبًا على المظهر فحسب .. وعلى القشور .. فاكتفيت بالتمتع بمشاهدة الجسد مني ومحاولة مشاهدة الوجه والعيون أيضًا ... وهذا هو كل ما يهمك ؟؟ .
لم تحاول أن تدخل إلى أعماق نفسي كي تعرف سر هذه الحالة التي أعيشها وأحياها .. لم تحاول أن تدرك أبعاد المعاناة وحجم المأساة التي أعيشها .. ولم تكلف نفسك عناء التفكير بما حدا بي لأن أكون على هذه الحالة .. وما الذي دعاني أن أكون " ماسحة أحذية " ؟؟!! .
أم تراك تظنه مجرد " ترف " مني أن أفعل هذا ؟؟!! .. أم تراك تحسبه مجرد استعراض " صورة " للذكرى أظهر بها كي أزين بها جدار بيتي المتآكل المتهاوي المتهدم الآيل للسقوط ؟؟!! .
" ماسحة أحذية " ؟؟!! .. نعم ؛ فالصورة توحي بذلك بشكل جيد .. اللهم إلا إذا كان بك " عمى ألوان " .. أو " عمى قلب " .. أو لعله " عمى البصيرة " .
.. سطحي ... رجل سطحي أنت يا هذا ... مثل الكثيرين من أمثالك .. تكتفون بالمظهر دون الجوهر .. تكتفون بقشور الأشياء فحسب .. فتفكيرك العقيم لا يتعدى موطئ قدميك فحسب .
إن تفكيرك العقيم لم يدرك مدى الفاقة والعوز الذي أعانيه .. والذي أدى بي إلى هذا الحال .. وإلى هذا المآل .. لأن أكون " ماسحة أحذية " ... وهي مهنة شريفة في كل الأحوال .
هاها .. هاها ... ها أنت تتقدم مني ببطء شديد وأنت ما زلت تمعن النظر بي .. وأنت تحاول أن تصدر حركات متعمدة مفتعلة .. كي تسترعي انتباهي وتلفت نظري وتجعلني أرفع رأسي عن الأرض كي أرحب بالقادم الجديد الذي يود أن " يمسح الحذاء " خاصته .. ويبدو بأنك قد وطدت العزم وفي قرارة نفسك أن تتمتع بمشاهدة وجهي الذي صورته لنفسك بأنه " وجه القمر " .. وأن تستمتع بالنظر إلى سحر عيوني .. التي تصورت بأنها " عيون المها " .. أو ربما أكثر جمالًا من هذا وذاك .. وأن تشنف أذنيك بسماع صوتي الذي توقعته أن يكون " كصوت العندليب " .. أو " صوت الكروان " ...أو لعله أكثر جمالًا ؟؟!! .
.. خاب فألك يا هذا ... فسوف لا يحدث أي أمرٍ من هذه الأمور بالمطلق ؛ فلن ترى وجهي يا هذا .. لا ولن ترى عيوني ولن تسمع صوتي .. فإن كنت راغبًا وبحق أن تقوم " بمسح الحذاء " خاصتك .. فما عليك سوى أن تضع أحد قدميك فوق هذا الصندوق ؛ ثم القدم الآخر .. كي تترك لي المهمة .
.. قد تسول لك نفسك – المريضة – أن تحاول ( المناكفة ) و ( المشاكسة ) بعد انتهائي التام من القيام بالمأمورية المنوطة بي " بمسح الحذاء " خاصتك بالتأهب للمغادرة دون أن تدفع لي أجر ما قمت به من جانبي من عمل ؛ لهدف – غير نبيل – تنتويه في سرك ؟؟ .
لعلك تقصد من تلك الحركة المفتعلة التي تنتويها أن أرفع رأسي وعيوني عن الأرض ؛ وأنظر إليك أسألك الدفع .. ولعلك كنت تنتظر مني أن أستعطفك وأتوسل إليك أن تقوم بدفع الأجر ؟! .. ولكن " خاب فألك " يا هذا .. فأنا لن أفعل مثل هذا الأمر ولا ذاك .. فليس من شيمتي أن أفعل شيئًا من هذا بالمطلق ..
فكرامتي وعزة نفسي وإبائي وشيمتي تحول دون هذا وذاك ولا تسمح لي بأن أفعل أي أمرٍ منها .
حقًا بأنني " ماسحة أحذية " .. من أجل كسب قوتي وقوت أسرتي اليومي بالشرف والعرق لا بالابتذال الرخيص والاستجداء .
.. أوه .. ما هذا ؟؟!! .. يبدو بأن ما توقعته من جانبي وفي نفسي قد حدث بالفعل .. فها أنت تغادر المكان بعد أن أتممت من جانبي عملية " مسح الحذاء " خاصتك وبشكل جيد .
.. فها أنت تغادر دون أن تدفع لي أجر ما قمت به بدوري من عمل ؟؟!! .. وهذا ما كنت أتوقعه في سري بالفعل ؟؟.
.. فها أنت تحث الخطى مغادرًا .. وها أنا أسمع وقع خطواتك المتسارعة وأشاهد أقدامك دون أن أرفع رأسي ونظري عن الأرض .. كي أسألك الدفع .. أن أستعطفك .. أن أتوسل إليك - حسبما كنت تعتقد - ؟؟!! .
مهلًا يا هذا .. عليك أن تعود إليّ .. إلى هنا حيث أجلس .. فأنا لم أكمل المهمة بعد ..
.. فلقد سهى عليّ أن أقوم بعملية إزالة الأوساخ والغبار والمسح ؛ ليس لحذائك أعني يا هذا .. ولكن ... لضميرك ؟؟!! .
نشرت فى 8 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
هات المسدّسَ... أنت بهذا التّسليم و الضّعف تحتاج قتلا فوريّا، و ها أنا ما أزال أرحمك.. أتعرف لماذا أفعل؟ لأنّ فيك روحا مختلفة، فيك قناديل معلّقة يمكن أن تُضيء ليَ مسافة الظّلمة المتبقّية.. في كتاباتك موسيقى تستدعي أنوثتي الغائرة وتزرع شغفي بالعالم.. ولذلك أنا أتردّد.. للمرّة الأولى يُصيبني خزيُ التردّد و الإرجاء.. ربّما كنتُ أحبّك.. ربّما صرتُ كذلك منذ الفترة القليلة التي عرفتكَ خلالها.. في الحقيقة أحببتكَ أنا منذ قراءتي لنصوصكَ.. أحببتكَ فيما هم يدرّبونني على كراهيّتكَ، على فنون التخلّص من كلّ ما يكرهون.. لماذا أتردّد في حَسْم أمركَ على أنّ أمركَ محسوم سلفا؟ لا.. لن أعجّل بقتلك.. لا.. لن أقتلكَ حتّى أشبع من ضوءِ روحكَ.. حتّى أتعلّم منك أنّ لي سرّا جميلا يجدر بي اكتناهه من خلالك.. أريدك أن تُعلّمني فنّ الوجود.. علّمني المتعةَ المحضَ.. درّبْني على اختبار جسدي الآخر، بودّي أن أتحسّس خارطتي و أكتشف الجغرافيا الخافية.. أرومُ اختبار تضاريس الرّوح و ملامسة موسيقى التّناغم البعيد في خلايا الكون.. ثمّة رائحة شذيّة في نصّك عليّ استنشاقها قبل قتلكَ.. خذني من هنا إلى هناك الأخرى، إلى الأمازون، إلى أدغال العالم المخفيّة المجهولة.. علِّمْني أن أشمّ رائحتكَ، رائحة رجلٍ فريد، هو مَنْ في وسعه أن يمزّق روحي الآن بقلمِه.. مزّق روحي الآن، يا راجح.. أريد أن أنسى.. افتضَّ بكارتي الثّانية..
- لا أستطيع.. لستُ أقوى. لم أعد قادرا على شيء... أنتِ جمعتِ ضدّيْن لا يجتمعان: المسدّس و القلم.. الكتابة و النّفي.. الجسد الجليل و الموت الرّخيص.. حينها سيكون الجسد فنّا عاليا تحت تهديد سافل.. وستكون الرّوح مرتعشة، تخفق من ذعر.. لا. ليس هذا عالما جماليّا منشودا..
______
سيف الدّين العلوي
من رواية ناجزة
نشرت فى 8 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
" جيفارا " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
=======================
( أعتذر سلفا للقراء لطول النص )
مقدمة :
أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
إهداء متواضع :
لبطل النص الحقيقي .. الشهيد البطل الذي أعتز به كثيرًا وأفخر .. وتشرفت بمعرفته عن كثب .
ابن وطني فلسطين الحبيبة .. ابن بلدي " حيفا " الغالية ... ابن غزة الأبية الشامخة .. الشهيد البطل / محمد الأسود .. الملقب " جيفارا غزة " رحمه الله .. ولكل شهداء فلسطين الميامين .
تنويه :
ارجو ان أقوم بالتنويه بأن هذا النص كان من المكانة والاهتمام الشديد بحيث استحوذ مني على أكثر من ثلاثة أشهر من البحث والتنقيب علاوة على ما امتلكه من معلومات شخصية ... من أجل الوصول للتوثيق الصحيح والجيد والصادق ..
( الكاتب )
-------------------------------------------
" جيفارا " ؟؟!!
قوات عسكرية كبيرة من جنود الاحتلال الصهيوني يربو عددهم على المئة جندي مدججين بكافة الأسلحة والعتاد العسكري .. - معززين بطواقم رجال المخابرات الإسرائيلية والمروحيات العسكرية الحربية .. والمصفحات العسكرية - تهاجم المنزل بعد أن طوقته من جميع النواحي .
أتت هذه الإعدادات والتجهيزات لمهاجمة المكان بعد تعقب حثيث ومكثف لكافة أجهزة المخابرات الصهيونية وعملائها على مدار سنوات عديدة .
اندفعت كافة القوات المؤللة نحو المنزل المستهدف ترافقهم فرقة كاملة من جهاز الهندسة العسكرية الصهيونية .
الجنود يثيرون الفوضى العارمة والرعب الشديد في المنزل ؛ يحطمون .. يكسرون .. يحفرون ... يهدمون ... يفعلون كل ذلك وأكثر بوحشية وعنجهية .. بهدف الوصول إلى الهدف المنشود .
... كل المجهودات المكثفة لم تأت بنتيجة ..
وكان الأمر وكأنهم يبحثون عن إبرة في كومة قش ؛ فقد باءت كل المحاولات المضنية بالفشل الذريع .. رغم التدمير الشديد الذي أحدثه جنود العدو .
استبد بهم اليأس .. خاصة بعد تلك الجهود المضنية التي بذلوها على مدار الوقت لساعات طوال ... وبعد محاولات يائسة استمرت منذ منتصف الليل وحتى ساعات انبلاج الفجر الأولى .. وبعد أن قاموا بحفر كل زاوية من زوايا البيت وكل جهة .. وكل حائط من البيت وحتى البيوت المجاورة .
ثمة ملاحظة جانبية لفتت نظر أحد جنود العدو عند مغادرة الجميع للمكان ؛ فقد لاحظ بأن هناك جداراً من الطوب قد تم وضعه بطريقة غريبة ؟؟!! .. وذلك عند مدخل ( بيت الدرج ) بطريقة سحرية وخفية يصعب ملاحظتها ..
فعندما ركز ذلك الجندي النظر وبشكل جيد على ذلك الجدار المموه . وشعر بأن هناك أمراً غير طبيعي ؟؟!!.. فلم يكن لذلك الجدار تداخل وتلاصق مع الأرضية التي وضع الجدار عليها .. ولم يكن ملاصقاً للأرض تماماً ؛ مما أوحى له بأن هذا الجدار هو جدار وهمي قد تم وضعه بقصد التضليل والتمويه فحسب ..
سارع لإبداء ملاحظته تلك إلى قائد المجموعات الذي عاد ادراجه بسرعة بعد أن كاد أن يغادر المكان ... وراح بدوره يدقق النظر وبشكل جيد إلى ذلك الجدار ... وفي النهاية تأكد تماماً بأن هذا الجدار هو جدار وهمي قصد به التمويه والتضليل فحسب وليس جداراً حقيقياً ..
أصدر القائد أوامره لأفراد المجموعة .. - والذين كانوا قد غادروا المكان بالعودة للمكان بسرعة من جديد - ... وبتفجير الجدار ومهاجمة من كان يختبئ خلفه .
في لحظات سريعة .. كان الجنود يقومون بتنفيذ الأوامر الصادرة إليهم .. وتفجير الجدار بعبوات ناسفة شديدة الانفجار .. فغطى المكان ضباب ودخان كثيف وغبار شديد ..
اندفعت مجموعات جنود العدو إلى ما وراء الجدار الذي تهاوى بعد تفجيره وهم يطلقون النيران وبكثافة من أسلحتهم الرشاشة ..
من وراء الجدار الذي تم تفجيره ؛ ثمة مجموعة من رجال المقاومة كانت تخرج من داخل " النفق " الذي كان يشبه " الوكر " والذي كان يتحصن بداخله رجال المقاومة .
عندما اندفع رجال المقاومة إلى خارج " الوكر " كانوا يشتبكون مباشرة مع قوات العدو وبشكل مباشر .. مستعملين كافة أنواع الأسلحة الرشاشة من رصاص وقنابل يدوية وبكل قوة وكثافة .
.. وبعد معركة طويلة أبدى فيها أبطال المقاومة كل دروب الشجاعة والفداء .. ورغم كثرة عدد جنود العدو وتفوقهم عدداً وعدة .. استطاع المقاومون الصمود لوقت طويل وإيقاع الإصابات المباشرة بعدد كبير من جنود العدو ما بين قتيل وجريح .
.. وبعد وقت طويل من الاشتباك .. هدأت الأصوات الصاخبة الهادرة ... وهدأ أزيز الرصاص وتفجير القنابل اليدوية .. وساد المكان صمت وهدوء رهيب .
تقدم جنود العدو المرتجفين نحو المكان بحذر شديد وهم ما زالوا يصوبون أسلحتهم الرشاشة نحو المكان الذي كان يقذفهم بحمم الموت قبل قليل .. والذي هدأ أخيراً ... وهم يتحسبون لكل أمر .. ويتوقعون حدوث مفاجآت جديدة .
بعد أن تيقن الجميع من انتهاء المأمورية بشكل تام ؛ قاموا باستدعاء القائد العام خاصتهم والذي كان يصل إلى المكان على وجه السرعة .. فقام على الفور بمعاينة جثث الشهداء الأبطال .. ولم يلبث أن قام باستدعاء صاحب البيت لكي يتعرف على جثث الشهداء الذين سقطوا في ساحة المعركة .
وصل صاحب المنزل إلى المكان ... يحيط به ثلة من جنود العدو يتقدمهم وزير الدفاع الصهيوني " موشيه ديان " ... الذي كان قد استدعي على عجل .. واستقل طائرة عسكرية مروحية " هليوكبتر " للعدو للوصول إلى المكان .
وقف الجميع أمام جثث الشهداء الأبطال .. طلب وزير الدفاع من صاحب البيت أن يتعرف على جثث الشهداء .. ؟؟!!
راح صاحب المنزل يدقق البصر ويمعن النظر في جثث الشهداء الأبطال المضرجة بالدماء ؟؟ أطرق الرجل طويلاً .. ساد المكان صمت كصمت القبور .. دمعت عيناه .. تمتمت شفتاه بما يشبه الصلاة .. وقراءة الفاتحة ...
تمتم الرجل بصوت تخنقه العبرات الحارقة .. وبهمس متحشرج وكأنه يأتي من وراء الجبال ... أو من داخل القبور ..
" .. إنه .. إنه .... " جيفارا " ....
راح الرجل يكفكف دموعه الحارقة الملتهبة .. وهو ما زال يتمتم بما يشبه الهمس :
" نعم ... إنه " جيفارا " .. وهذين هما رفيقيه ومساعديه .. " عبد الهادي الحايك " ... و " كامل العمصي " ..
... لم يكن الرجل صاحب البيت سوى " الدكتور رشاد مسمار " .. ولم تكن الجثة .. سوى جثة الشهيد المطارد المطلوب رقم واحد ... الشهيد البطل .. " القائد العام " لقوات المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة ... " جيفارا غزة " ؟؟!! .
عندما تأكد وزير الدفاع الصهيوني " موشيه ديان " وجنود العدو من تشخيص جثة الشهيد البطل " جيفارا" ...ورفيقيه .. قاموا على الفور بنصب حلقات الرقص الماجن وشرب الخمور فوق جثث الشهداء ... ؟؟!!
-------------------
وقف الجميع أمام جثث الشهداء الأبطال .. طلب وزير الدفاع من صاحب البيت أن يتعرف على جثث الشهداء .. ؟؟!!
راح صاحب المنزل يدقق البصر ويمعن النظر في جثث الشهداء الأبطال المضرجة بالدماء ؟؟ أطرق الرجل طويلاً .. ساد المكان صمت كصمت القبور .. دمعت عيناه .. تمتمت شفتاه بما يشبه الصلاة .. وقراءة الفاتحة ...
تمتم الرجل بصوت تخنقه العبرات الحارقة .. وبهمس متحشرج وكأنه يأتي من وراء الجبال ... أو من داخل القبور ..
" .. إنه .. إنه .... " جيفارا " ....
راح الرجل يكفكف دموعه الحارقة الملتهبة .. وهو ما زال يتمتم بما يشبه الهمس :
" نعم ... إنه " جيفارا " .. وهذين هما رفيقيه ومساعديه .. " عبد الهادي الحايك " ... و " كامل العمصي " ..
... لم يكن الرجل صاحب البيت سوى " الدكتور رشاد مسمار " .. ولم تكن الجثة .. سوى جثة الشهيد المطارد المطلوب رقم واحد ... الشهيد البطل .. " القائد العام " لقوات المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة ... " جيفارا غزة " ؟؟!! .
عندما تأكد وزير الدفاع الصهيوني " موشيه ديان " وجنود العدو من تشخيص جثة الشهيد البطل " جيفارا" ...ورفيقيه .. قاموا على الفور بنصب حلقات الرقص الماجن وشرب الخمور فوق جثث الشهداء ... ؟؟!!
كان هذا الأمر يحدث في ليل الثامن من شهر آذار ( مارس ) سنة 1973م .
فلتكتب عني يا سيدي .. اكتب عني يا هذا ..
ألا تعرفني يا سيدي ؟؟ .. كيف هذا بالله عليك ؟؟ .. كيف تدعي بأنك لا تعرفني ؟؟ .. وأنا الذي طبقت شهرتي الآفاق ؟؟ .
كيف تدعي ذلك بالله عليك وأنا ابن مدينتي الحبيبة السليبة " حيفا " والتي هي مدينتك أيضاً ؟؟ .. ليس هذا فحسب ؛ بل نحن أبناء جيل واحد .. فكان مولدنا – أنا وأنت – في منتصف العقد الخامس من القرن الماضي ..
ليس هذا فحسب ؛ بل وكلانا أبناء بلد واحد ... مخيم واحد .. مخيم نازحين واحد .. " مخيم الشاطئ " .
كيف تنكرني وتدعي بأنك لا تعرفني وقد كنت لي صديق الطفولة منذ الطفولة المبكرة ؛ وزميل الدراسة في المرحلة الابتدائية والإعدادية ؟؟ .
فاكتب عني يا سيدي .. اكتب ..
فأنا " جيفارا " ... " جيفارا غزة " فهذا هو لقبي .. أما اسمي فهو " محمد " ... " محمد الأسود " .. وإن أردت الاسم كاملاً فأنا " محمد محمود مصلح الأسود " .. فهل تراك مصمماً على أنك لا تعرفني ؟؟!!.
بدورك ؛ فلقد قمت بالكتابة عن شخصيات عديدة .. الأدبية منها .. الثقافية .. العسكرية .. السياسية .. العلمية .. الاجتماعية .. وحتى الشخصيات العادية .. فهل تراني أقل شأناً من هذه الشخصيات أو تلك ؟؟!! .
لقد كتبت بدورك عن الحب .. العشق .. القتل .. الموت .. عن البحر والطير والشجر .. وكتبت عن قصص وحكايا المحبين والعشاق .. والمجرمين والعملاء والأفاق .. المظلومين والظلمة .. الحكام .. وعن الوطن ... فهل تراها حكايتي أقل شأناً من تلك الحكايا ؟؟!!
فلقد كتبت بدورك في أعمالك الأدبية العديدة عن الشخصيات العديدة المتباينة .. فلماذا أراك تضن بالكتابة عني .. وأنت تعلم يقيناً من أنا ؟؟!!..
فلتكتب عني يا سيدي ...لتكتب عن شخصي ... ولتكتب عن حكايتي ..
فلتطرح قضايا العشق والحب جانباً .. ولتنح حكايا العشاق والمحبين .. وليكن لي ولحكايتي مساحة من قلمك .. من ورقك .. من كتاباتك .. من أدبياتك .
أعرف بأنك تتساءل في سرك .. في قرارة نفسك .. تتساءل بحيرة .. " من أين نبدأ الحكاية ؟؟!! " ..
حسناً يا سيدي ... حسناً .. فهل تود أن نبدأ الحكاية من النهاية ؟؟؟ كما يفعل الكثير من الأدباء والكتاب ؟؟ - وكما تفعل أنت أحياناً - ؟؟ أم تود أن نبدأ الحكاية من البداية ؟؟؟ كما جرت عليه العادة .. فلك مطلق الحرية يا سيدي باختيار هذا الأمر أو ذاك .. فليس هذا هو المهم ... المهم أن تبدأ الحكاية ...
لعلك لا زلت تذكر تلك المقولة .. العبارة الشهيرة الي تفوه بها في حينه وزير الدفاع الصهيوني " موشيه ديان " والكثيرين من قادة جيش العدو المحتل .. بأن العدو المحتل يحكم غزة في النهار .. بينما يحكمها في الليل " جيفارا غزة " ورجاله ؟؟.
فأنت تعلم كما الجميع بأنني قد دوخت جيش الاحتلال الصهيوني إبان مدة لا يستهان بها أثناء احتلال قطاع غزة في الخامس من يونيو عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين .
ولا شك بأنك تعلم بأنني قد أصبحت قائداً لإحدى المجموعات الفدائية المقاتلة في منظمة ( طلائع المقاومة الشعبية ) وذلك بعد نكسة يونيو 1967م ؛ ثم أصبحت قائداً في ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ) وقمت – برفقة مجموعة من رجال المقاومة – بتنفيذ عدة عمليات جريئة خلال بداية العمل المسلح ضد العدو المحتل الغاصب .. تلك العمليات التي كانت قد أدت إلى وقف سيل الزوار الصهاينة لقطاع غزة .. والتي كان العدو يقصد من خلالها فرض سياسة الأمر الواقع للاحتلال وتصوير الأمر أمام العالم الخارجي والرأي العام بأن الأمن مستتب في قطاع غزة تحت وطأة حكم العدو المحتل ؛ وبذلك أكون والرفاق قد أفسدنا خطط العدو المحتل وكشفنا زيف مخططاته وبطلانها .
لا شك بأنك ما زلت تذكر بأن أعمال المقاومة كانت على أشدها في حينه .. وبأنني كنت أقود العمل الفدائي في أعمال المقاومة ضد العدو المحتل .
وكردة فعل ؛ كان العدو المحتل يقوم بحملاته المكثفة من أجل ملاحقة ومطاردة رجال وشباب المقاومة وإلقاء القبض عليهم ؛ وبالطبع ؛ فإنني كنت على رأس قائمة المطلوبين .. وفي المحصلة وبعد مطاردات عنيفة ومكثفة ومطولة .. تم القبض عليّ وذلك بتاريخ 15/1/1968م .. وتم إصدار الحكم ضدي لمدة عامين ونصف السنة حتى تم إطلاق سراحي بعد انقضاء مدة المحكومية بالكامل .. وذلك في شهر تموز ( يوليو ) سنة 1970 م .
أنت تعلم – كما الجميع - بأنني كنت قد واصلت العمل النضالي الفدائي في المقاومة بعد خروجي من السجن مباشرة في صفوف ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ) وقد قمت بنشاط مكثف في إعداد وتجهيز المجموعات العسكرية الفدائية وتثقيفها وتدريبها .
بعد ذلك ؛تدرجت وبجدارة في المواقع التنظيمية بعد أن اعترف الجميع بنشاطي المميز وانضباطي العالي وجدي واجتهادي .. علاوة على تقديري للمسئولية والقدرة على الإبداع والمبادرة .. حتى توليت قيادة العمل العسكري في الجبهة .
اكتب يا سيدي ... اكتب .. هل تراك مللت الكتابة عني ؟؟!! .. هل تراك تراني لا أستحق الكتابة حتى بعد طول هذه المدة التي لم تكتب فيها عني ؟؟؟
إذا كنت قد مللت الكتابة بشكل عام .. فما بالك والأمر يتعلق بي من مشوار العمل النضالي الطويل في درب المقاومة ..
فأنت لم تنس دوري الهام بقيادة الثوار والفدائيين من رجال وشباب المقاومة والمطاردين بشكل ديناميكي لا يعرف الملل ولا الكلل أو اليأس ... رغم جو المطاردة العنيفة المشحون من قبل قوات العدو المحتل .
وقد استطعت بدوري وبسرعه ربط التنظيم السياسي والعسكري .. وقمت بالاهتمام الشديد بإنشاء اللجان العمالية والنقابية والنسائية والاجتماعية ورعاية أسر الشهداء والأسرى .
ولم أهمل الجانب العسكري والتثقيفي السياسي والحزبي .. فقمت بترتيب مكتبة مركزية رئيسة وعدة مكتبات فرعية .
لا شك بأنك تعلم بأنني قد استطعت أن أكسب ثقة وحب أبناء غزة .. وهذا بالطبع ما مكنني من لعب دور ريادي في التصدي لمخططات العدو المحتل التي كانت تهدف إلى تهجير سكان غزة .. وذلك من خلال تنظيم المظاهرات والمسيرات والإضرابات ..
وثمة مهمة أخرى خطيرة وشاقة كنت أقوم بها ؛ وهي التصدي لعملاء العدو المحتل والذين كانوا ركيزة الاحتلال في تنفيذ مخططاته .
لم يكن عملي في الجبهة قاصرًا على العمل الفدائي والعسكري فحسب ؛ فقد كنت أهتم كثيرًا بشئون العمل العسكري والواجبات التنظيمية اليومية والعمليات الفدائية ... إلا أنني كنت ألتهم ما يصلني من الكتب بذهنية متفتحة ؛ وكنت ملتزمًا بالنقد والنقد الذاتي من خلال العمل التنظيمي .
هل تريد أن تعرف عني أكثر وأكثر .. رغم أنني أعلم بأنك تعرف كل شيء عني بحكم الجيرة والصداقة وزمالة الدارسة والسكني في نفس المنطقة ؛ ولكن رغم هذا وذاك فإنني سأسرد عليك كل الأمور ...
فلتكتب عني يا سيدي .. اكتب ..
فأنا مولود في مدينة " حيفا " .. المدينة الفلسطينية السليبة .. عروس البحر المتوسط ..نفس المدينة التي ولدت أنت فيها أيضاً ..
كانت ولادتي في السادس من يناير سنة 1946م .. وهو التاريخ المقارب لتاريخ ميلادك أيضا .. بفارق شهرين فحسب ...
لقد نزحنا سوية .. أعني أن أسرتينا مع العديد من الأسر والعائلات الفلسطينية التي نزحت إلى قطاع غزة ؛ وذلك بعد أن قام العدو الصهيوني بطردنا عنوة من " حيفا " الحبيبة ومن فلسطين السليبة .
فاكتب يا سيدي ... اكتب عن ذلك المشهد الذي كان في يومٍ ما ... والذي لا يمكن أن ينمحي أبداً من الذاكرة ... ذاكرة الشعوب الحرة الأبية .. و1اكرة شعبي ...
اكتب عن ذلك المشهد الذي وقف فيه الجميع أمام جثث الشهداء الأبطال .. طلب وزير الدفاع من صاحب البيت أن يتعرف على جثث الشهداء .. ؟؟!!
راح صاحب المنزل يدقق البصر ويمعن النظر في جثث الشهداء الأبطال المضرجة بالدماء ؟؟ أطرق الرجل طويلاً .. ساد المكان صمت كصمت القبور .. دمعت عيناه .. تمتمت شفتاه بما يشبه الصلاة .. وقراءة الفاتحة ...
تمتم الرجل بصوت تخنقه العبرات الحارقة .. وبهمس متحشرج وكأنه يأتي من وراء الجبال ... أو من داخل القبور ..
" .. إنه .. إنه .... " جيفارا " ....
راح الرجل يكفكف دموعه الحارقة الملتهبة .. وهو ما زال يتمتم بما يشبه الهمس :
" نعم ... إنه " جيفارا " .. وهذين هما رفيقيه ومساعديه .. " عبد الهادي الحايك " ... و " كامل العمصي " ..
... لم يكن الرجل صاحب البيت سوى " الدكتور رشاد مسمار " .. ولم تكن الجثة .. سوى جثة الشهيد المطارد المطلوب رقم واحد ... الشهيد البطل .. " القائد العام " لقوات المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة ... " جيفارا غزة " ؟؟!! .
عندما تأكد وزير الدفاع الصهيوني " موشيه ديان " وجنود العدو من تشخيص جثة الشهيد البطل " جيفارا" ...ورفيقيه .. قاموا على الفور بنصب حلقات الرقص الماجن وشرب الخمور فوق جثث الشهداء ... ؟؟!!
اكتب يا سيدي ... اكتب ... اكتب ...
(( انتهى النص ولم تنته الملحمة والأسطورة )) ..
-----------------------
تذييل /
أعدك أيها الشهيد البطل بأن أكتب عنك .. مطولا ... بنص روائي طويل ... إن كان في العمر بقية ... إن شاء الله تعالى ...
( الكاتب )
نشرت فى 6 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
لرسالة الحادية والعشرون
لا تجعلي غربتي غربتين كنصوص السيد أزرق
فراس حج محمد
الجمعة: 2/11/2018
مساؤك وصباحك قبلة ووردة وقصيدة، أما بعد:
لم أحظَ منك برد على رسائلي السابقة، لكن لا يهم، يكفي أنك تقرئين ما كتبت، ولا يفوتك منه شيء، هذا بحد ذاته دافع للاستمرار في الكتابة. مر عليّ هذا الأسبوع نكدا طويلا، كأنه ظل كثيف الغيم، سرعان ما تبدد في حضورك على مدى يومين باتصالك الهاتفي، كم كنت محتاجا لتنقذيني مما وقعت فيه أخيرا من شرك السفاهة والتفاهة والبلادة. ولتسمحي لي أيتها الحبيبة أن أبلغك شيئا عما جرى.
بالتحديد يوم الثلاثاء الفائت، كان يوما أسود، تافها، قذرا، شعرت فيه أنه يوم هجائي بليد لا طعم له، بل إن له طعم الحنظل المنعقد في ذاكرتي، كلما تذكرته حتى أشعر بالاختناق والضيق والغثيان ووجع في المعدة. كان يوما طويلا مُمّلاً، قضيته برفقة أحد المعارف في المدينة، تحولت دفعة واحدة إلى شيء عديم الفائدة والقيمة، كم أتمنى لو أنسى ذلك اليوم. اليوم أكتب لك عنه لأنني أصبحت قادرا على مسك ذاكرتي بين إصبعين من أصابعي وأفتتها بكل رفق ولذة وربما بلا رحمة دون أن أشعر بالامتعاض. أكتب لك عن يوم كنت فيه أبله، وكان يوما متفوقا في البلاهة على كل حال. دعيني أسمه لك "الثلاثاء الأسود"، والغبي أيضا. لقد ضاع من حياتي سدى، ولم أشعر في أي يوم من أيام حياتي كلها أنني عشت يوما أسوأ من يوم الثلاثاء الماضي.
في ذيل ذلك اليوم، حضرت لقاء أدبيا للكاتب الشاب أحمد جابر لمناقشة مجموعته القصصية "السيد أزرق في السينما"، كان لقاء متواضعا على كل حال بالحضور كمّاً ونوعا، وأغلب الحضور كان رفّاً من "الحمام الإلكتروني" كما قال أحمد نفسه "جمهور من الفيس بوك"، فتيات، قارئات، متابعات للكاتب، جئن وحضرن اللقاء، شكلن نسبة جيدة في الحضور، هنا تبدو نظرة رونان ماكدونالد صائبة تماما في إعطاء القارئ العادي قيمة للعمل الأدبي بعيدا عن النقد الأدبي الرصين. هنا يمكن للمرء أن يفهم تلك العوالم المشوهة في القصص، وسطحية الرؤى في تلك النصوص.
ثمة ملاحظات كثيرة على المجموعة القصصية التي فازت بجائزة القطان، ورأيت أن ما قالته لجنة التحكيم عن المجموعة مبالغ فيه كثيرا، فلم تكن فسيفساء المجموعة معبرة بشكل عميق عن ذلك الرأي "المهول جدا" في وصف المجموعة القصصية، ولكن لا بأس.
ولعلك تسألينني ماذا وجدت في المجموعة من ملاحظات؟ لا شك أنني سأسرد لك في عجالة أبرز ملاحظاتي على تلك المجموعة، وإن أتيحت لك الفرصةُ قراءتها فلنتبادل الآراء حولها في قابل الأيام.
أحسست وأنا أقرأ في نصوص المجموعة أن "القصة القصيرة" في مأزق إبداعيّ، فليس هناك نماذج لقصص قصيرة بارعة كتلك التي سادت في الثمانينيات أو ما قبلها، أصبحت القصة
القصيرة قليلة الحضور وباهتة البناء، وكتابها قليلون، يكتبونها ربما للبحث عن فكرة روائية كما حدث مع أحدهم، فبعد نجاح إحدى قصصه القصيرة، قام بوضعها في قالب الرواية، فمطّها وأمَلّها، وخرّب القصة والرواية معا. هذا ذكرني بزملاء عملوا في تأليف مقررات اللغة العربية الحالية، لقد كانت معضلتهم إيجاد نماذج من القصة القصيرة، لقد اتصل عليّ بعضهم، ولكن ذائقتهم وذائقة من يعملون معه ربما لم تكن كما ينبغي أن تكون، فرفضوا كل اقتراحاتي، ليستقر رأيهم أخيرا على نماذج باهتة وركيكة أو مكررة أو اعتماد مقالة بدل القصة، ولهذا الأمر وقفة أخرى غير هذا الموقف.
أغلب القصص في مجموعة "السيد أزرق في السينما" لا تتجاوز قامتها السردية صفحة وبضعة أسطر، وتقوم على ملامح باهتة للشخصيات ببعديها النفسي والخارجي، عدا ما تتمتع به أغلب الشخصيات من أزمة نفسية تقربها إلى عالم اللامعقول، وأحب أن أستخدم مصطلح "اللامعقول" حتى لا تظني أنني لو استخدمت غيرها كالفنتازيا مثلا، أن النصوص من الأدب الفنتازي، هي لا معقولة فقط، بمعنى أنها لا رؤيا لها، تلك الرؤيا التي يستند عليها "الأدب الفنتازي"، لقد بقيت هذه النصوص سردية سابحة في خيال غريب، حتى وإن حاول الكاتب إدخالها في الرمزية ومبدأ الإسقاط الواقعي، فإن شيئا ما لن يساعده في ذلك. فطبيعة السرد المقتطع غير المستند إلى إشارات نصية تجعل النصوص مبتورة سابحة في فضاء أسود لا تستطيع الاستقرار على معنى معين.
ثمة ملاحظات أخرى لا تبدو ذات أهمية، وإنما أحببت أن أوضح وجهة نظري المغايرة لمديح لجنة التحكيم "الكبير" للمجموعة، مع ملاحظة أن المجموعة تغص بعنصر "التغريب" الذي أشعرني بوجع ما، وكنت قد ناقشت ذلك منذ مدة، عندما تناولت بالقراءة إحدى الكتب الفيسبوكية.
لقد اعتمد الكاتب بكليته المعرفية على الأدب المترجم، فبناء جمله، والفضاء المكون للقصص، وأسماء الشخصيات، كلها تسحب قارئها إلى عوالم الكتّاب الأجانب، كما صرح الكاتب نفسه أنه قد تأثر في قصة من قصص المجموعة بإحدى القصص المترجمة، وما يظهر كذلك من استعراض حياة "كافكا" في أول تلك القصص، لتبدو قصة "الشبّاك الخامس" قصة غريبة عن المجموعة، كأنه النص النشاز في غابة تعج بالمناخ الغريب جدا، لتصبح الغرابة غَرابتين وغُربتين. ربما أراد الكاتب أن يستعرض ثقافته على القارئ، فليكن.
لقد لاحظت إحدى القارئات هذا الملمح في القصص، أيضا، فلماذا كان الكاتب منحازا لذلك المناخ السردي اللامعقول المنغمس في الأدب المستورد؟ على كل حال يا عزيزتي، ربما سيكون لك موقفٌ آخر من المجموعة.
أرجو لك الخير دائما، منتظرا رؤيتك، ربما أتاحت لنا الظروف لقاء طويلا نتبادل فيه الأفكار والشعر والأغنيات، ولا تجعلي غربتي غربتين كنصوص السيد أزرق هذه.
المشتاق لراحة يدك الدافئة
فراس حج محمد
نشرت فى 6 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
" شاحنة الموت " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
إهداء ..
لأرواح الشهداء السوريين السبعين الذين كانت لهم الشاحنة مقبرة وقبر كبير ... وإلى كل الشهداء الذين يموتون في ( بحور الوهم ) في رحلات المغامرات اليائسة للنزوح عبر البر والبحر ..
تنويه :
أحداث وشخوص النص حقيقية وحدثت على أرض الواقع وليس من فضل للكاتب على النص .. اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
( الكاتب )
===============
" شاحنة الموت "؟؟!!
أين أنت يا سيدي .. وأستاذي ومعلمي وملهمي .. ؟؟
أين أنت يا سيد القلم والحرف والكلم .. ؟؟!!
أين أنت أيها الكاتب والأديب الملهم الراقي ؟؟!!
أين أنت يا من كتبت ( رجال في الشمس )
فأبدعت الكتابة وأتقنت الحرف وسلبت العقول والألباب ؟؟!!
أين أنت يا من كتبت عن أولئك الـ ( رجال في الشمس ) الذين كانوا لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ؟؟!! .. أين أنت لتكتب الآن عن ( شهداء الشاحنة ) الذين يربو عددهم على السبعين ما بين رجل وامرأة وعجوز وطفل .. كلهم ماتوا في القبر الكبير الكبير دون أن يقوم بتكفينهم احد أو أن يودعهم أحد الوداع الأخير ؟؟!!...
أنا أستعين بك كـ ( صديق ) وكاتب وأديب راقٍ لتكتب عن شهداء الشاحنة أولئك ... وقد عجزت بدوري عن الإتيان بالحرف .. أو العثور على الكلم الذي يناسب الحدث الرهيب المميت حتى الموت ..
فلأول مرة في حياتي أشعر بأنني كاتب فاشل .. بل لا يحق لي أن أكون مجرد كاتب .. لأني أشعر بالفشل الذريع بالتعبير عن الحدث والحادث ...
تعال يا سيد الحرف وأميرالقلم لتكتب عنهم .. عن شهداء الشاحنة .. ( شاحنة الموت ) كما كتبت سابقاً عن الشهداء الذين قبلهم ( شهداء الخزان ) .. وأقسم لك بأن نصك هذا في هذه المرة سوف لا يقل روعة عن نصك السابق ..
قمت بدورك بتوجيه اللوم والعتاب العنيف لأبطال نصك الراقي ( رجال في الشمس ) .. الذين ماتوا اختناقا في الخزان ... عندما قلت لهم معاتبًا : ( لماذا لم تدقوا الخزان ) ؟؟!!
كنت عاتباً عليهم بشدة لأنهم لم يدقوا الخزان .. ؟؟!! .. ولكن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال ( شهداء الشاحنة ) قاموا بالتأكيد بدق جدران الحافلة ( لم يدقوا جدران الخزان لأنهم لم يكونوا في خزان بل كانوا في شاحنة الموت ) لقد دقوا جدران الشاحنة .. " شاحنة الموت " حتى كلت أيديهم .. وصرخوا بأعلى أصواتهم حتى بحت أصواتهم .. وحتى الأنفاس الأخيرة وحتى الموت اختناقًا وألمًا ..
لقد ماتوا اختناقًا في قبرهم الكبير .. في الشاحنة اللعينة التي باتت لهم قبرًا جماعيًا ... وتُركوا على قارعة الطريق داخل القبر الكبير دون أن يقوم احد بتغسيلهم أو تكفينهم أو وداعهم ولو بكلمة واحدة ؟؟!!
تعال يا سيد القلم وأمير الحرف لتكتب عنهم .. أم تراك تريد أن نتركهم بلا وداع .. ولو بكلمة .. نص .. أو مجرد رثاء ...؟؟!!
تعال يا سيدي .. وأستاذي ... تعال لتكتب نصاً عن أولئك الشهداء ... شهداء ( شاحنة الموت ) ؟؟!! ..
فلقد خذلني الحرف .. وخانني القلم .. ولم أعد أعرف شيئاً اسمه الكتابة ؟؟؟!!!
نشرت فى 6 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
ليله مطيره
قطرات مياه مشوبه ببلورات ثلجيه تطرق زجاج نافدته .
عويل رياح عنيفه يخترق مسامعه من الخارج .
وكْانها الزكرى تنهض من قمقمها لتقض مضجعه .
ليله عنيفه زارته لتسلبه نعاسه فقام يسترجع في مخيلته دكرى ماض عزيز سحقته اقدام الدهر .
ولم تزل به الذكري .
تستنفر احزانه .
تحرق اعماقه حتي سقطت من مقلتيه دمعه .
حمد الله ان تلك الدمعه قد سقطت لانها لو لم تسقط لاحترق واحترق فؤاده معها .
يال المسكين .كل شياطين الاحزان قد تربصت به في تلك الليله .
احتالت حتي فتحت بوابه احزانه فسقط مغشيا عليه
نشرت فى 6 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
22. الخيانة الزوجية
بقلم عبد الامير الشمري
مهندس استشاري
الحارات البغدادية عادة ما تكون مغلقة ولها منفذ واحد للدخول والخروج وللحارات البغدادية اكتفاء ذاتي ويحتوي على البقال إلى الحوانيت إلى الحلاق إلى المقهى إلى الخباز ... بياع الطرشي وغيرها من الأمور. وعادة ما يوصف الحلاق في الحارة بالثرثار لكثرة الكلام ونبش الماضي ... هذه عادة جميع الحلاقين في الحارات البغدادية أي أبواق تنشر الإشاعة في كل مكان ... إذا ما رأى شيء غريب خاصة في الحارة الكلمة الواحدة يعد منها ألف كلمة أي يتمادى في الوصف أكثر مما تستوجب.
كان دكان الحلاق مقابل أحد بيوت الحارة صاحب البيت يحلق عنده باستمرار وذات مرة وعند المباشرة بالحلاقة همس الحلاق في أذن صاحبه وقال له عند مغادرتك البيت ألاحظ شخص غريب يدخل بيتك ... وعلى الفور صاحب البيت نزع الفوطة (الخاولي) من على وجهه وصفع الحلاق بكف أدار وجهه وقال له بالحرف الواحد كيف تجرؤ وتتحدث عن شرفي دون أن تعرف أن الغريب الذي يدخل البيت هو خال الأولاد أي أخو زوجتي ... فصمت الحلاق وهذا أول مؤشر قام به صاحب البيت بإيقاف الإشاعة وتناقلها من فم هذا الحلاق الثرثار. ثم بدأ صاحب البيت يراقب بيته حتى مسك زوجته بالجرم المشهود. فأعطى لعشيقها الفرصة والأمان ... وقال له لو كانت هذه المرأة عاهرة ... كم من المبلغ تعطيها ... أجب ولك الرأي والأمان ... لا تخف. قال كجميلة مثل زوجتك تستحق ربع دينار (كان الدينار في الأربعينات له موقع) قال أني أكتفي بدرهم واحد (أي خمسون فلساً .. لأن الدينار العراقي يساوي 1000 فلس). أخذ صاحب البيت أي الزوج الدرهم وأطلق سراح عشيق زوجته.
أخذ صاحب البيت أي الزوج الدرهم وأطلق سراح عشيق زوجته.
بدأ الزوج الحائر والمسكين كلما دخل البيت وخرج منها أو طلب حاجة يكون مؤشره الدرهم يرفع بيده وينزله أي باللهجة العراقية (طرة كتبة) ... أصبح هذا المنظر مألوف أمام أولاده وزوجته بحيث أصبحت الزوجة في حالة يرثى لها من هذا الموقف والمنظر الذي يقوم به زوجها دون أن يتحرش بها أو يؤذيها أو حتى تأنيبها على فعلها ... عاشت الزوجة في حالة من الكآبة وأصبح جسمها ينحف ووجهها يصفر أي المرض النفسي بدأ يداهمها ويأخذ الكثير من عافيتها دون أن تنطق بكلمة لا أمام زوجها ولا أولادها ... وفي يوم من الأيام دخل الزوج وقال لزوجته أن أهلك دائما يزورونا ولو بالشهر مرة فلماذا هذا الانقطاع ولماذا لا ندعوهم إلى العشاء أو الغداء معنا... أنني مشتاق أليهم كثيراً وخاصة عمي وعمتي ... تلعثمت الزوجة لهذا المقترح وعلى عمى عيونها اتصلت بأهلها ودعتهم إلى وليمة غداء في بيتها وعند الحضور لاحظت أم الزوجة ... النحافة والاصفرار على وجه أبنتها فقالت لزوجها ما هذا يا أبو فلان ... هل تؤذي زوجتك ... قال لا والله يا عمه ولكن الدرهم في يده يصعد وينزل ... أسألوها هي أفضل ما تجيب واستمرت هذه الحالة والاستفسارات من أب الزوجة وأخوتها وأخواتها على ما حدث وما هي أسباب المرض والنحالة في الجسم والاصفرار ... يسألون أولادها ... يقولون لا نعرف شيئاً يا جدتي ويا جدي ويا خالي ويا خالة ... الأمور تسير بشكل عادي في البيت وأبي نظامي وجيد مع أمي ومعنا ... لم تتحمل الزوجة هذا الموقف ولم تستطع الإجابة على كل هذه الاستفسارات وبعد فترة من الزمن انتحرت الزوجة بإلقاء نفسها من الشرفة ومات كل شيء وخاصة السر وبهذه الروحية استطاع الزوج أن يحافظ على شرفه وسمعته وسمعت أهله وأهلها ونقاوة أطفاله .. ومستقبلهم على المدى.
السؤال: ما هي القوة التي تمتع بها الزوج لمعالجة مشكلة زوجته بدون مضاعفات؟
بقلم عبد الامير الشمري
مهندس استشاري
نشرت فى 5 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
ما من قضية
—————
أمتدت عروق النخيل بين خطوط الضوء ،
زاد في عشقه الظمأ ،
كلّم المطر ذات مرة عن رحلةٍ لن تطول السفر مع حقيبة الملح ،
لم يجب له عذرا ، خفت جناحات الرطب ،
طار مع العصافير ينقر خدود القمح ،
كي يشبع من خيالات الحنين ،
لا خيار أمام التحليق ،
ألا تراها فزاعة الخوف تكمن خلف سعف الغروب ،
يغني المنجل مع صيحات الفجر المبحوحة ،
دخان القطار يعانده الرّيح عند بوابة المدينة ،
لا يدخلها الداخلون ،
إلا الرافضون دخول أقواس القهر المبني من عظام الحروب ،
توجعُ الردة في مواسم الفعل كأنه نصف حديث على متن صحيفة محلية ،
غيمة لن تذوب تحت أقدام السماء ، ولا يكترث الضباب لألسنة الشمس ،
عاشرت عند رحيل زوجها المقاتل أشباح الأطياف دون وسائد الأرق ،
هو الليل أنجب لحنَ غناء الروح وهو أيضاً أنجب دمعةَ غصة اللوعةِ ،
يا أيتها العتبة التائه في سلالم الإرتقاء ،
يا أيها العجب في أروقة العدل ،
يحمل النّهار من كلّ زوجين أثنين أحدهما أبكم والآخر أصم يتحدثان طويلاً عن فصل من فصول السنابل حينما تدنت رقابها دون ساعات العجاف ، مناشير الصوت تبرر العويل ،
حفنة من صفيرٍ بيد صبي يلهث وراء عيوب لعبته الجائرة ،
أنهم يسلخون جلدَ القلم تحت مرأى ومسمع السبورة الشاخصة على صدر الجدار ، لأجله الصيف يمزق حرارته والشتاء يحرق الصقيع ،
الحاضر يخنقُ الماضي بأوتارٍ صوتية ،
كل شيء تمام ، فالسفينة الورقية تستدل على الدليل ،
كان ينحتون لزعيمهم زعيقاً يشبه الطلقة الرحيمة التي أغتالت خريطة النهر ، ولم يدرك ذلك الزمان قبل أن تغفو شهرزاد في عيون شهريار تفتش بين الضلوع عن نبضة متروكة في جيوب الموت الأنفية كي تتنفس الطينَ بكل حرية وإنسيابية ، تلك مصيبة خسوف الظلّ إذا حلّ بنيران الشموع لن يعطِ للحب عطراً ولا للعاطفة لمسة يقين ، الحرف النازل من لسان الموج ليس له دور إلا الجماد فوق الشطآن ، البحر هنا يرتق ثيابه بمحارات منسية ، بينما خوابي العطش تمكث دائماً في عتمة الأقبية ،
الرمال يتبعه الغاوون ،
أنتهت القضية !!…
—————
عبدالزهرة خالد
البصرة / ١-١١-٢٠١٨
نشرت فى 1 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
" بحور الوهم " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
=====================
تنويه :
أحداث وشخوص النص حقيقية .. حدثت على أرض الواقع ... ولا فضل للكاتب على النص ... اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
مقدمة :
هي قضية من قضايا الساعة .. لمجتمع - بل مجتمعات - ..مثقل بالهموم والإرهاصات والإشكاليات التي تثقل كاهله .
إهداء :
إهداء خاص إلى أرواح الشهداء التونسيين الذين قضوا نحبهم في الحادث الأخير ...
وإلى كل من يعيشون وهم العيش في " بحور الوهم " علهم يتعظون ويعتبرون ..
فهل من متعظ ؟؟
وهل من معتبر ؟؟
( الكاتب )
===============
" بحور الوهم "
... يعدو في الأزقة والحواري في الحيّ الكبير من المدينة .. مهرولاً في كل اتجاه دون هدف أو مقصد .. يعدو الأطفال والصبية من خلفه وهم يلاحقونه بالصراخ والضجيج بعبارات من الهزء والسخرية والتهكم .. والمزيد من العبارات البذيئة من الألقاب والألفاظ النابية .. ولا تلبث الأمور أن تتعدى هذا وذاك إلى الضرب بالأيدي والركلات بالأرجل والقذف بالحجارة والزجاجات الفارغة وما يكون في متناول الأيدي .
الشاب الغض .. كان يحاول الفرار من كل هذا وذاك بدون جدوى .. فجموع الأطفال والصبية المتحلقة به والتي تحيط به من كل حدب وصوب تحول بينه وبين الفرار .. فلا يلبث أن يصدر أصواتاً غريبة غير واضحة المعاني بشكل هستيري وجنوني أقرب ما تكون إلى صوت الحيوانات منها إلى لغة البشر .
فإذا ما تملكه التعب والإرهاق واستبد به اليأس والقنوط وأخذ منه التعب كل مأخذ .. سقط على الأرض وهو يتخبط ويصدر حركات عصبية غريبة بيديه وقدميه .. فيقترب منه الأطفال والصبية فأكثر وأكثر .. وقد استبدت بهم نشوة غريبة من السعادة ؟؟!! .. ولا يلبث الشاب أن يهدأ شيئاً فشيئاً .. فيزداد صراخ الأطفال والصبية أكثر فأكثر .. إلى أن يستكين الشاب ويتوقف عن الحركة والصراخ بشكل تام .. مغشياً عليه وهو أقرب ما يكون إلى الموت منه إلى الحياة ...
* * *
اكتب ... اكتب يا سيدي .. مالك تقف هكذا فاغراً فاه الدهشة كالأبله وأنت تشاهد الموقف وتبتسم ابتسامة بلهاء حمقاء ؟؟!! .
اكتب يا سيدي ... اكتب عن هذا المشهد الذي تراه بأم عينك .. أم أن ما تراه لم يهز مشاعرك ولم يحرك فيك ساكناً ؟؟!! .
أنا أعرف جيداً يا سيدي بأنك كتبت للوطن .. للحب .. لقضايا المجتمع ومشاكله .. وللحرب .. فلماذا تقف الآن هكذا كالأبله بسذاجة وحمق دون أن تحرك ساكناً .. ودون أن تخرج الورقة والقلم لكي تكتب ؟؟!! .
اكتب .. اكتب يا سيدي .. فهل نضب معين فكرك ؟؟.. وهل جف مداد قلمك ؟؟.. وهل نفد ورقك .. ؟؟!!
سأهبك قلماً وورقة مني .. فقط عليك أن تكتب .. فاكتب يا سيدي .. اكتب ..
مالك تسألني ببلاهة وحمق .. تسألني " ما شأني بهذا الأمر " ؟؟!!
يا له من سؤال ساذج .. ويا لك من كاتب غر أحمق حقاً ..
إنه ولدي !! .. نعم .. هو ولدي يا سيدي ... ولن أقول لك بأنه ولدي الوحيد كي تظن بأني أستدر عطفك وشفقتك ... فإن لديّ من الأبناء أربعة غيره .. ولكنه ولدي في كل الأحوال .. سواءً أكان الأكبر أم الأصغر أم الأوسط .. فهو في كل الأحوال ولدي ..
مالك تحدق بي هكذا كالأبله مرة أخرى ؟؟ ألم تعرف ما حدث له وما حدث لي ؟؟ .. الكل يعرف .. فلماذا لم تعرف أنت بذلك بالله عليك ؟؟!! .. أم أن مثل هذه القضية لا تهمك ولا تشغل بالك .. ولا تستحوذ انتباهك .. ولا تستحق منك الكتابة ؟؟!! .
سأوضح لك الأمر .. فلقد عاش ولدي هذا الوهم .. بل " بحور الوهم " .. وبنى القصور والقصور من الوهم والخيال والأحلام .
عاش وهم الحياة في مدينة " أفلاطون " التليدة .. " المدينة الفاضلة " .. التي يحياها البشر فيما وراء البحار .. واعتقد بأن تحقيق ذلك الأمر ميسور .. بل في منتهى البساطة ... فكل ما عليه هو أن يعبر " بحور الوهم " كي يصل إلى بر الأمان المزعوم فيما وراء البحار ؟؟!! .
خرج من المنزل .. ومن المدينة خلسة .. دون أن نشعر به أو أن يشعر به أحد .. فقد تسلل خفية في دياجي الظلمة الحالكة وقد أعد العدة حسب الخطة ؟؟!!
ولدي لم يكن يعيش السجن ولا القهر ولا الظلم ... ولا شظف العيش والحياة المطبق ... فلقد كنا نعيش حياة متواضعة كالجميع من حولنا .. رغم القهر والبطش والظروف العصيبة المحيطة بنا من كل جانب ...
كان قد وقع في الشرك والمصيدة كما وقع الكثيرون فيها ..
فلقد استطاعت الأفكار السوداء أن تغزو فكره ولبه .. والتي كانت قد زرعتها فيه فرقة الشر من " المافيا " التي أخذت تغزو أفكار شباب المجتمع بطريقة شيطانية .. واستطاعت الوصول إلى إقناعه بأن الأمر سوف يكون في منتهى السهولة واليسر .. فكل ما عليه هو أن يعبر الحدود .. وأن يعبر " بحور الوهم " كي يصل إلى بر الأمان في الشاطئ الآخر القريب من جنة الأحلام المزعومة ؟؟!! بعد أن يقوم بدفع المبالغ الباهظة المطلوبة والتي تفوق كل الإمكانيات المادية المتاحة وغير المتاحة .. فجل هم رجال عصابة المافيا الشريرة تلك .. هو الحصول على المال فحسب ؟؟!!
اكتب .. اكتب يا سيدي .. مالك تفغر فاه الدهشة كالأبله هكذا من جديد ؟؟!! ... اكتب .. اكتب يا سيدي ..
لقد غرق المركب .. غرقت السفينة يا سيدي ... ألم تسمع بذلك ؟؟!! .. ألم تشاهد ذلك ؟؟!! لقد عرف الجميع بذلك .. سمعوه وشاهدوه .. فما بالك لم تعرف بالأمر ولم تسمع به ولم تشاهده ؟؟!! .
لقد غرقت " شبه السفينة " التي رصت فيها الأجساد البشرية بشكل أبعد ما يكون عن الآدمية والإنسانية .. لقد رص قراصنة المافيا في " شبه السفينة " تلك ؛ المئات والمئات من الشباب الذين غرروا بهم والذين يعيشون وهم وحلم عبور " بحور الوهم " ... بعد أن استحوذت على الأموال الطائلة منهم .
.. " شبه السفينة " كانت غير قادرة على متابعة رحلة الوهم بسبب الأعداد الهائلة على ظهرها .. ولأنها كانت غير مهيأة للإبحار لسوء وضعها وقدمها وتلفها .. ولأن عمرها الافتراضي كان قد انتهى ومنذ عهد بعيد ؟؟!! .
لقد غرقت السفينة يا سيدي .. وغرق كل من كان على ظهرها .. رغم نداء الاستغاثة المدوي الصاخب المجلجل .. فلم يهب أحداً لنجدتهم .. اللهم سوى أسماك البحر المتوحشة ؟؟!! .
.. لا .. لم يغرق ولدي معهم – وليته غرق مثلهم - ... فلقد كان ينتظر عودة السفينة مرة أخرى لتنقله ومجموعة أخرى كبيرة من الشباب أمثاله ممن يعيشون وهم " المدينة الفاضلة " بعد عبور " بحور الوهم " .. لأنه تأخر في الوصول إلى المكان الذي كانت تنطلق منه السفينة لتوصلهم إلى بر الأمان المزعوم ..
غرقت السفينة .. وغرق كل ركاب السفينة .. وغرقت أحلامهم وأمانيهم في " بحور الوهم " ..
عصابة " المافيا " الشيطانية قامت بإبلاغ ولدي وبقية الشباب الذين كانوا ينتظرون السفينة للعبور .. أخبروهم بغرق السفينة وكل من على ظهرها من الشباب من أقرانهم ...
وأخبروهم بأن رحلتهم قد تم إلغاؤها وأن عليهم أن يعودوا من حيث أتوا ؟؟!! وأن ما قاموا بدفعه من أموال لن يعاد إليهم بحجة أن خسارتهم كانت جسيمة بغرق سفينتهم ؟؟!! ..
ولدي لم يتحمل الصدمة الشديدة .. فلقد أصيب بلوثة عقلية وصدمة نفسية وعصبية رهيبة ؟؟!! .
فها هو قد خسر أمواله .. وخسر أحلامه .. وخسر الرحلة الموعودة إلى " المدينة الفاضلة " بعد عبور " بحور الوهم " ؟؟!! .
خسر أمواله وما لاقاه من مشقة السفر الخطير مشياً على الأقدام .. والمخاطرة بعبور الحدود بدون إذن أو تصريح أو سماح بالمرور والعبور ... وكان من الممكن أن يتعرض أثناء رحلته اللعينة تلك للخطر في كل لحظة ... والذي قد يصل إلى درجة الموت والقتل الشنيع .. أو الإصابة والسجن في أحسن الأحوال .
.. ولدي لم يخسر كل هذا فحسب .. بل خسر عقله أيضاً .. خسر عقله .. لبه .. فالصدمة الرهيبة كانت أقوى وأقسى من أن يحتفظ ولدي الغض بعقله وفكره ولبه ... فهل تدرك ذلك يا سيدي ؟؟!! .. هل تدرك ؟؟؟!!!
اكتب ... اكتب يا سيدي .. مالك تقف هكذا فاغراً فاه الدهشة كالأبله وأنت تشاهد الموقف وتبتسم ابتسامة بلهاء حمقاء ؟؟!! .
اكتب يا سيدي ... اكتب عن هذا المشهد الذي تراه بأم عينك .. أم أن ما تراه لم يهز مشاعرك ولم يحرك فيك ساكناً ؟؟!! .
أنا أعرف جيداً يا سيدي بأنك كتبت للوطن .. للحب .. لقضايا المجتمع ومشاكله .. وللحرب .. فلماذا تقف الآن هكذا كالأبله بسذاجة وحمق دون أن تحرك ساكناً .. ودون أن تخرج الورقة والقلم لكي تكتب ؟؟!! .
اكتب .. اكتب يا سيدي .. فهل نضب معين فكرك ؟؟.. وهل جف مداد قلمك ؟؟.. وهل نفد ورقك .. ؟؟!!
... يعدو في الأزقة والحواري في الحيّ الكبير من المدينة .. مهرولاً في كل اتجاه دون هدف أو مقصد .. يعدو الأطفال والصبية من خلفه وهم يلاحقونه بالصراخ والضجيج بعبارات من الهزء والسخرية والتهكم .. والمزيد من العبارات البذيئة من الألقاب والألفاظ النابية .. ولا تلبث الأمور أن تتعدى هذا وذاك إلى الضرب بالأيدي والركلات بالأرجل والقذف بالحجارة والزجاجات الفارغة وما يكون في متناول الأيدي .
نشرت فى 1 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
" الرهان "
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
===============
إهداء متواضع :
إلى من تسألني دوماً وبإلحاح ... هل كتبت حكايتي ؟؟؟ .
------------------------------
تقديم :
شخوص النص حقيقة .. وأحداثه حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص .. سوى الصياغة الأدبية فحسب .
================
مقدمة :
هل تكتب لي نصاً يا سيدي ؟؟ هل تكتب حكايتي ؟؟ .. لقد قرأت نصوصك كلها ... لن أقول بأنني قد أعجبت بها .. حتى لا يتملكك الزهو والغرور .. ولكني تعلقت بها ..قرأتها كلها بنهم وشغف .. وكم أعجبت بها .
الحقيقة يا سيدي بأنك قد عالجت قضايا ومشاكل اجتماعية عديدة.. ولكنك لم تتعرض لمشكلة كمشكلتي .. وقضية كقضيتي وحكاية كحكايتي .. فلتكتب يا سيدي .. اكتب .. ولا تعجب من قضيتي .
* * *
.. صوت الموسيقى تصدح عالياً .. يصاحبها إيقاع الغناء الصاخب والتصفيق الحاد .. تصدح في جنبات الأرض ليتردد صداها في أرجاء السماء .. النشوة الطاغية تستبد بالجميع وهم يرقصون ثملين طرباً ونشوة وسعادة .. باقات الورود والرياحين والزهور تنهال على العروسين اللذين كانا يجلسان في المكان المخصص لهما .. الابتسامة العريضة تغطي محياهما .. طابور المهنئين الطويل ينهال بالقبلات على وجنتي العريس من الرجال ... وعلى وجنتي العروس من النساء .
كؤوس الشراب المثلج بشتى ألوانه وصنوفه وأحجامه توزع على الحاضرين من الجنسين .. بين الابتسامات العريضة وعبارات لمجاملة المتنوعة .
البيارق والزينات والرايات مختلفة الأشكال والألوان تغطي جدران المكان وسقفه في جميع الأنحاء وكل الأرجاء.. مع إنارة وهاجة بألوان الطيف التي تكاد تخطف الأبصار .
وفود المهنئين والمهنئات ما تزال ترد على المكان زرافات ووحدانا ... أصوات الموسيقى تزداد صخباً وضجيجا .. تدوي مجلجلة لتغطي على كل الأصوات .. صوت الغناء يتردد صداه في المكان ليصم الآذان ... حمى السعادة والضحكات المجلجلة المدوية تزداد أكثر فأكثر .
العريس .. يبدو في كامل زينته الرجولية الجلية .. تعدى مراحل المراهقة والشباب بسنوات وسنوات . يجلس في المكان المخصص له إلى جانب عروسه التي بدت في ثوب الزفاف الأبيض .. والتي تبدو عليها علامات السعادة والسرور والفرح واضحة جلية .. تبدو وكأنها قد تجاوزت مرحلة الصبا ... والصبا المتقدم.. رغم محاولاتها إخفاء ذلك بالمساحيق العديدة ... متعددة الطبقات والألوان .
بدوري ... كنت أرتدي ثوبي الأبيض الذي يضاهي ثوب العروس ذاتها .. بل لعله يبزه .. كنت في كامل زينتي وأناقتي ورونقي .. كانت جل العيون تتجه نحوي .. تحدق بي .. منبهرة بجمالي وزينتي ورقتي .. كنت أرقص بين الجميع من النساء بخفة الفراشة .. ورقة النسمة ..
أرى العيون .. كل العيون تحدق بي من كل حدب وصوب .. وقد بهرها حسني ودلالي وجمالي .. وقد تمايلت حد الثمالة مع حركات رقصاتي .
حمى الغناء والرقص والتصفيق تزداد أكثر فأكثر .. تستبد النشوة بالجميع ... يزداد صدح الموسيقى ضجيجا .. تزداد حمى السعادة والسرور وتسيطر على الجميع بلا استثناء ..
كم سمعت من الهمس الذي تناهى إلى مسامعي من هنا ومن هناك .. " ما أجمل هذه الفتاة .. ما أجمل هذه المرأة .. إنها أجمل من العروس ذاتها ألاف المرات " .
حقاً .. فلقد كنت محطاً لأنظار الجميع .. سواءً أكانوا من الرجال أم من النساء ...
عفواً .. فلقد نسيت أن أعرفكم بنفسي .. فأنا هي السيدة ( ... ) .. حقاً .. فأنا سيدة .. نعم .. سيدة ومتزوجة بالفعل .. وكم أنا أحب زوجي .. لأنه ببساطة زوجي .. والد أبنائي الأربعة .
نعم .. فإن لي من الأبناء أربعة .. وحقاً بأنني قد تجاوزت الثلاثين من العمر .. وحقاً بأنني سيدة جميلة .. وهذا ما يقوله الجميع .. وما يؤكده الكل .
هذه الليلة .. قررت أن أكون جميلة أكثر .. رائعة أكثر .. أنيقة أكثر .. لا لشيء .. إلا لأن هذه الليلة .. ليلة مميزة .. مختلفة .. فكان من الواجب أن أكون أيضا مميزة .. مختلفة .
انتصف الليل .. أو كاد .. أعداد المتواجدين أخذت بالتناقص ... التناقص التدريجي .. وما هي سوى دقائق معدودات .. حتى كان الجميع تقريبا يغادرون المكان ... وكان لا بد من أجراء المراسم الأخيرة للزفاف .. في نهاية برنامج حفل الفرح كالمعتاد .
نهض العريس من مكانه وهو يمسك بيد عروسه .. وسط نقرات الدفوف المتتالية .. ومصاحبة موكب الأهل والأقارب المقربين .
بدوري .. توقفت عن الرقص .. وقمت بالانضمام للمجموعة المرافقة للعروسين والتي كانت تقوم بواجب الزفاف التقليدي .. ومرافقة العروسين حتى نهاية المطاف .. حيث الحجرة التي سوف تضم العروسين .
ولج العروسين تلك الحجرة .. ولم تلبث المجموعة المرافقة أن بدأت بالمغادرة والتفرق .. خاصة بعد أن أوصد العريس باب الحجرة من الداخل بالرتاج .
وحدي .. من لم تغادر بعد أن غادر الجميع .
وقفت إلى جانب باب الحجرة من الخارج .. أخذت أرنو نحو الباب المقفل بنظرات ملؤها الحزن والألم .. أسندت ظهري إلى الجدار .. إلى الباب . بكيت .. بكيت بحرقة .. كما لم أبك في حياتي أبداً ... هطلت الدموع من عينيّ بغزارة كالمطر المدرار .. شعرت بالدوار العظيم .. بالغثيان الكبير ... لم ألبث أن تهاويت إلى الأرض فاقدة الوعي تماماً .. فلقد كان العريس .. هو .. زوجي ؟؟!! .
***
لم أكن لأتصور في يوم من الأيام أن أقف في مثل هذا الموقف العصيب الغريب .. لقد كنت وزوجي متآلفان متحابان متفاهمان بشكل كبير .. حقاً بأنني لم أتزوجه عن قصة حب عاصف .. ولم أكن أحبه أو أعرفه قبل الزواج .. ولكني أحببته بعد الزواج حباً كبيرًا .. وتفانيت في حبه وخدمته ...
كنت له الوفية .. الودود الولود .. أنجبت له من الأطفال أربعة .. رائعين .. فكانوا مصدر سعادة جديدة لنا .. ومصدر هناء بالنسبة لنا .
لم يكن ليخطر ببالي في يوم من الأيام أن يقدم زوجي على مثل هذه الخطوة الغريبة .؟. فهو رجل ملتزم .. يحب أسرته .. يحب أطفاله ... ويحب زوجته التي هي أنا حبًا عظيماً ..
كنت له المطيعة .. لم أخالف له أمراً في يوم من الأيام .. وكنت على جانب كبير من الجمال والجاذبية والرقة .. قلما تتمتع به الكثير من الفتيات .. كان جمالي مميزاً .. ومن الممكن أن يقال عنه .. جمال رائع .. ولكني لم أصل لدرجة الغرور في يوم من الأيام .
لم أكن أبخل على زوجي بالحب .. الطاعة .. الألفة .. والعطاء بلا حدود ..
لم يكن ينقصه أمر يثبت رجولته .. ولم أكن في يوم من الأيام سبباً من أسباب تنغيص حياته .. أو عدم تلبية حاجاته .
لا زلت أذكر ليلة الأمس .. ليلة فرح زوجي .. ليلة زفافه وعرسه وزواجه من امرأة أخرى .. وبشكل مفاجئ ..
لا زلت أذكر همسات النساء المشاركات في الحفل .. وهن يتهامسن :
" .. ما أجمل امرأته هذه .. فلماذا يتزوج بأخرى ؟؟ "
لحظتها لم أكن أعي ما يقلن .. ولا أهتم بما يتحدثن .. ولا آبه بما يتهامسن به .. وكأن الأمر لا يعنيني بالمطلق .. وكأني لست المقصودة به ..
لا زلت أستعيد كل كلمات أهل عروسة زوجي ليلة البارحة .. عندما كن يبحثن بين الحشد الكبير من النساء عن الزوجة العجوز الدميمة .. التي كانوا يعتقدونها كذلك ... فلما عثرن عليّ .. شهقوا .. فغروا أفواه الدهشة كالبلهاء .. لجمالي وأناقتي ورقتي وروعتي .. لم تتوان إحداهن أن تصرح بالقول بأنها وهن جميعا كن يعتقدن بأن زوجة العريس السابقة امرأة دميمة .. قبيحة ... عجوز شمطاء .. وإلا لما فكر الزوج بالزواج من أخرى ؟؟!! .
كم سمعت من الهمس الذي كان يدور بين الكثيرات من المتواجدات وهن يتهامسن ويتغامزن .. وهن يتمتمن :
" إن زوجته السابقة هذه أجمل من العروس الجديدة بمئات المرات " ؟؟!! ..
وكم .. وكم .. وكم .. ولكنه قدري الذي كان .. والذي سوف يكون .. فاستسلمت لقدري .
في اليوم التالي .. كان عليّ أن أقوم بواجب أكثر غرابة .. كان عليّ أن أقوم بواجب الضيافة والترحيب نحو عروس زوجي ؟؟!! وزوجي بالطبع ... وأن أقدم لهما طعم الإفطار الذي يليق بعروسين في يوم " الصباحية " .. وأن أقدم لهما واجب التهاني بمناسبة الزواج السعيد .. ويا له من زواج سعيد حقاً ؟؟!! .
في لحظة من اللحظات التي استطعت فيها أن أنفرد بزوجي لبعض الوقت بالكاد .. كنت أهمس له من بين العبرات التي كانت تنساب من عينيّ بغزارة غريبة .. وبصوت تخنقه الدموع :
" .. لماذا فعلت ذلك ؟؟!! .. لماذا فعلت ذلك بالله عليك ؟؟!! " .
ابتسم ابتسامة عريضة .. غريبة .. تحمل ألف معنىً ومعنى .. غاب عني أن أدرك شيئاً منها .. تمتم :
- " .. كان يجب عليّ أن أفعل ذلك .. وذلك حتى لا أخسر " الرهان " ؟؟!! " .
شدهت .. فوجئت .. شهقت .. رحت أتمتم من بين الدموع الغزيرة المنهمرة كشلالات نياجرا .. :
- " أيً " رهان " هذا بالله عليك ؟؟!! .. أيّ رهان ؟؟!! " .
تمتم زوجي هامساً :
- " إنه " الرهان " الذي كان بيني وبين زملائي .. أصدقائي .. رفاقي .. لقد كان " الرهان " بيننا .. على أن يقوم كلاً منا بالزواج مرة أخرى ؟؟!! " .
تمتمت بصوت متحشرج وكأنه يأتي من وراء القبور :
- "أيّ رهان هذا بالله عليك ؟؟!! ... أيّ رهان ؟؟!! " .
لقد أدركت الحقيقة .. الحقيقة المرة الأليمة التي هي أبعد ما تكون عن الحقيقة .. فأي رهان هذا الذي يكون بين الرفاق .. ومن يدّعون بأنهم زملاء وأصدقاء .. ؟؟!! أي رهان هذا الذي يؤدي إلى خراب البيوت وهدم سعادتها ؟؟ .. أي رهان هذا ؟؟ بل أي جنون ؟؟!!! .
هل تصل الأمور إلى هذه الدرجة ؟؟ .. إلى هذا الحد ؟؟ من الاستهتار بالقيم .. المبادئ .. المشاعر الإنسانية ؟؟ .. هل من الممكن أن ينساق الإنسان .. الرجل إلى مثل هذا المنزلق المقيت ؟؟ هل من الممكن أن ينحدر إلى مثل هذا المنحدر الخطير ؟؟؟ ... إذا كانت هذه هي مفاهيم الصداقة .. فتباً لها من مفاهيم خاطئة .. وتباً لها من صداقة باطلة .. وتبا له من " رهان " شنيع .
في ساعات المساء المبكر .. كنت أسمع طرقاً متوالياً صاخباً مجلجلاً على الباب الخارجي للمنزل .. اعتقدت بأنهم زوار .. ضيوف .. جيران .. جاءوا مهنئين مباركين .. بل لعلهم جاءوا معزين .
هرولت ناحية الباب الخارجي .. لكي أرى من الطارق .. ولكي أستقبلهم بشكل أو بآخر ...
كانوا أربعة .. أربعة أطفال صغار .. متفاوتي الأعمار .. لم أشاهد معهم أي رجل يصاحبهم .. أو أية امرأة ترافقهم .. اعتقدت جازمة بأنهم من أطفال الحيّ .. الجيران .. جاءوا يباركون على طريقة وعادة الأطفال .. سارعت بتقديم بعض النقود لهم .. على أمل المغادرة والانصراف .. لكن الأطفال رفضوا قبول ذلك بشكل قاطع ..
حاولوا دخول المنزل عنوة وبشكل استفزازي غريب .. وبدوري حاولت أن أمنعهم من فعل ذلك .. تمسك الأطفال بموقفهم الغريب .. وراحوا يتدافعون محاولين تجاوزي ودخول المنزل .. بدوري .. فلقد تمسكت بموقفي .. وحاولت منعهم من تحقيق ذلك بكل ما أوتيت من قوة .
لم تلبث عروسة زوجي أن أقبلت عن بعد .. بعد أن تناهت إلى مسامعها أصوات الجلبة والضوضاء .. أقبلت تتهادى عن بعد .. كانت تبتسم ابتسامة صفراء غريبة .. لم تلبث أن انقلبت إلى تجهم غريب ... تقدمت من مكان وقوفي عند الباب .. لم تلبث أن أزاحتني بيديها بقوة غريبة .. بغلظة وخشونة وصلف .. ولم تلبث أن هدرت مزمجرة بصوت غريب مقيت .. كفحيح الأفعى :
" دعيهم يا هذه .. دعيهم يدخلون ... إنهم أبنائي ؟؟؟!!! " .
***
لن أشكو ما كنت ألاقيه من تلك المرأة .. التي دخلت حياتنا بدون إنذار مسبق أو استئذان .. لا لشيء إلا لأن ما كنت ألاقيه منها من أشياء فوق مستوى الشكوى .. وبدوري .. لم أحاول أن أسرد على مسامع زوجي تلك المضايقات العديدة التي لا تنتهي .. والتي كنت أتحملها بصمت .. بصبر كبير ... وعلى مضض .
شعرت بأن عش الزوجية الذي كان يضمنا .. والذي كنت أحس بأنه رحباً .. شعرت بأنه أصبح ضيقاً وخانقاً جداً ومملاً .. خاصة بتواجد تلك المرأة الدخيلة – زوجة زوجي - .. " الضرة " ..
كم افتعلت تلك السيدة من المشاكل معي ومع أبنائي لأتفه الأسباب .. لا لشيء إلا لمجرد أن تظهرني وأطفالي أمام زوجي وكأنني المرأة " المشكلجية " التي تعمل على تعكير صفو الأجواء .. – وهذا ما كان ينطبق عليها تماماً في وققع الأمر - وبدوري كنت أحاول وبشتى الطرق والوسائل المداراة والمهادنة في كل موقف وموقف .. خشية التأثير على زوجي الذي كنت – ولا زلت – أحبه حباً لا يمكن وصفه .
وكم انهالت عليّ وعلى أبنائي – خاصة الصغار منهم – بالشتائم والسباب .. التعنيف والتقريظ ... المبرح وبطريقة استفزازية مقيتة .. بقصد تفعيل الأمور وتصعيدها .. ولكني كنت أحاول دوماً تفويت الفرصة عليها في كل مرة .. مما سبب لي العديد من الآلام النفسية والصحية التي أصبحت أعاني منها كثيرا .
بعد عدة أيام .. قاربت على الأسبوع أو ما يزيد .. كان على زوجي أن يقوم بالعدل بيني وبين زوجته الجديدة " ضرتي " .
ولقد قام بالعدل فعلاً .. لأنه رجل ملتزم دينيا وخلقياً .. وأنا لا ولم ولن أنكر ذلك ... .. ولكن كان له رأي آخر في قضية العدل بين الزوجات .
كان قد قرر أن تكون لكل زوجة منا ليلة خاصة .. وهذا جيد بالفعل بشكل عام .. ولكن كيفية التعامل هي التي كانت تستحق الوقوف طويلا .
كان عليّ في ليلتي المقررة أن لا أنتظر حضور زوجي لحجرتي .. بل كان عليّ أن أذهب إليه في حجرته الخاصة ؟؟!! .. لقضاء ليلتي المقررة إلى جواره !! .
كم شعرت بالمهانة والإذلال لهذا الأمر ولهذه الطريقة الغريبة .. وشعرت بأنها سحقاً لكرامتي .. لإنسانيتي .. وشخصيتي كامرأة لها كرامة .
فأنا لم أعهد ولم أسمع بمثل هذه الأمر وهذه الطريقة قبلاً .. وكم حاولت أن أستنكر أو أن أستنكف .. وأن أرفض مثل هذا النوع من التعامل والذي أحس به بالإذلال والإهدار لكرامتي .. ولكن زوجي كان لا يلتفت لمثل هذه الشكاوى والاعتراضات .. وكان يهددني دوماً بأنني أعصي الله إذا أنا عصيته في أمر يريده .. - إذا عصيت زوجي ورأيه - .. وهذا ما كان يجعلني أنصاع مكرهة لقبول مثل هذا الأمر خشية إغضاب الله .. خاصة وأنني المرأة المسلمة الملتزمة دينيا .. وأخشى الله في كل حركاتي وسكناتي .
بلغت الغيرة مداها في نفسية تلك المرأة .. ولم تكتف بما كانت تفعله وتفتعله من أمور تقصد بها إبعادي عن زوجي والاستحواذ به لوحدها .. بل تعدت أمور الغيرة إلى أبنائي .. وخاصة ابنتي التي كانت تحاول مداعبة وملاطفة أبيها .. والجلوس إلى جانبه .. واحتضانه وتقبيله .. وكانت مثل هذه الأمور تثير حفيظة تلك المرأة الدخيلة .. وتجعلها تموت كمداً وغيظاً ؟؟؟ ..
كم كانت تغيظ زوجي بطلباتها المتلاحقة التي لا تنتهي... والتي تثقل كاهل زوجي متواضع الدخل .. ولكن ما كان يضايقه كثيرا أيضا .. هو شكواها المستمرة مني ومن أبنائي .. وإلحاحها المستمر في طلب زيارة أولادها من زوجها السابق ... والذي كان يحرمها ويمنعها من رؤية أطفالها .. فكانت تقوم بزيارتهم بطرق التحايل بدون أن يشعر زوجها السابق بذلك ... وكم كان مثل هذا الموقف الإنساني المؤلم يحز في نفسي .. ويؤثر بي كثيراً .. وكم كنت أرثى لحال أولئك الأطفال البؤساء – الذين لم يكن لهم ذنب ولا جريرة - والذين جنت عليهم أمهم .. كما جنت عليّ أيضاً ..
ولست أدري كيف حللت لنفسها ما حرمته على الآخرين ؟؟!! .. فإن مسألة طلاقها من زوجها السابق .. تعود لرفضها قبول أن تكون لها " ضرة " جديدة تزوجها زوجها السابق .. ورفضت قبول ذلك .. وفضلت الطلاق على الاستمرار بوجود " ضرة " لها ... والغريب أنها قبلت لغيرها – لي – ما لم تقبله لنفسها .. وقبلت أن تكون زوجة ثانية لزوجي .. و " ضرة " لي ؟؟!!! .
بدوري .. لم أكن عالة على الأسرة والعائلة مثلها .. فلقد كنت أعمل بوظيفة لا بأس بها .. أستطيع من خلال راتبي المساعدة في توفير لوازم المنزل من ضروريات ملحة .. والتخفيف عن كاهل زوجي بقدر المستطاع ... خاصة وأن عمل زوجي المتواضع لم يكن ليكفي لسد المتطلبات لأسرة كبيرة .
ما هي سوى عدة أسابيع ... حتى كان رفقاء زوجي .. أصدقاءه .. يأتون للمنزل لتقديم واجب التهاني والتبريكات بالزواج السعيد .. الذي لا أظنه كذلك بالمطلق .
كان عليّ أن أقوم بواجب الضيافة لهم كما ينبغي .. وأن أقدم لهم ما لذ وطاب من أنواع الطعام والشراب ..
كانت أصوات ضحكاتهم وقهقهاتهم المجلجلة تتناهى إلى مسامعي .. والتي كانت تملاً سماء الحجرة وتتعداها لكامل المنزل .. وسط الأحاديث والتعليقات المتلاحقة .
لم أكن لأقصد أن أتطفل عليهم بالاستماع لما يتحدثون به .. فليس هذا من عادتي بالمطلق .. التطفل أو التلصص أبداً .. ولكن تناهى إلى مسامعي صوت أحدهم موجهاً حديثه لزوجي :
- " لقد خسرت الرهان يا رجل " ؟؟!!
لم يلبث أن انبعث صوت زوجي هادراً :
- " وكيف ذلك بالله عليك يا صديقي ... وها أنا قد تزوجت بالفعل كما كان " الرهان " .. ؟؟ " .
قهقه الصديق عالياً .. بصوت مدوٍ .. يشاركه الجميع الأمر .. هتف الصديق بمرح وصخب :
- " حقا بأنك قد تزوجت .. ولكنك أيضا خسرت " الرهان " ؟؟ " .
هتف زوجي باضطراب وانفعال واضح :
- " كيف ذلك بالله عليك يا صاح ؟؟!! " .
رد الصديق وهو ما زال يقهقه عالياً :
- " لقد تزوجنا جميعا .. وأنت أيضا .. ولكننا جميعا ربحنا .. وكسبنا " الرهان " .. إلا أنت .. فقد خسرته " .
زاد اضطراب زوجي .. وظهر ذلك جلياً في نبرات صوته المتحشرج :
- " وكيف ذلك بالله عليك .. ؟؟ !! " .
هدر الصديق من بين الضحكات المدوية المجلجلة .. :
- " لقد تزوجنا جميعا بزوجات جديدات .. رغم أننا كنا متزوجين مثلك . ولكننا تزوجنا من فتيات أبكاراً .. فتيات بُكر .. عذارى .. وليس مثلك ؟؟!! .. لقد كنت أنت الخاسر الوحيد بيننا .. لأنك الوحيد الذي تزوج من امرأة جديدة لم تكن بكراً .. لم تكن عذراء .. بل كانت ثيب .. امرأة قد تزوجت قبلاً " .
هتف زوجي بصوت خفيض .. وكأنه الطير الذبيح :
- " وكيف يمكنني أن أكسب " الرهان " ؟؟!! .
هدر الصديق من بين ضحكاته وقهقهاته المجلجلة المدوية :
-" عليك أن تتزوج مرة أخرى من جديد ... من فتاة عذراء .. بكر .. ؟؟؟!!! " .
--------------------
انتهى النص .. وما زال " الرهان " قائماً ؟؟؟؟!!!! .
.... وما زال صوت بطلة النص يلاحقني ....
.... " هل تكتب لي نصاً يا سيدي ؟؟ هل تكتب حكايتي ؟؟ .. لقد قرأت نصوصك كلها ... لن أقول بأنني قد أعجبت بها .. حتى لا يتملكك الزهو والغرور .. ولكني تعلقت بها ..قرأتها كلها بنهم وشغف .. وكم أعجبت بها .
الحقيقة يا سيدي بأنك قد عالجت قضايا ومشاكل اجتماعية عديدة.. ولكنك لم تتعرض لمشكلة كمشكلتي .. وقضية كقضيتي وحكاية كحكايتي .. فلتكتب يا سيدي .. اكتب .. ولا تعجب من قضيتي " ....
نشرت فى 29 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
طلقات
تتابع الطلقات ،الأولى" لا نعرف لماذا نطلق النار، الثانية" لنأخذ بالثأر"، الطلقة الثالثة" من أجل السلام"
لم يكن الوقت متأخرا،والجو حار، وما زاد الطين بله،أن كل شيء مسجل ومنسوب إليها، لكن الشيء الأهم لا أحد غيرها يعرفه.
هناك وراء الباب وهو في بزته العسكرية، وبينما كانت أمه تستعد لوداعه،أحسّ أنها المخلوقة الوحيدة،التي يشرق من وجهها حزن لا نهائي الهبوط، كانت تودعه، وكانت ظلال الأسى تتناوب بين عينين توحي بالخوف والرجاء، قالت له متماسكة مانعة انهيارها في البكاء:
" كن شجاعا ...لا تخف...لا أحد يموت إلا من خلص عمره"
قبلته وعابثت شعره،ثم لمست وجهه بفيض من الحب العاصر للقلب،و بهمس مثقل بالرهافة،أوصته
" عد لي ...البيت من غيرك صامت"
قبل يدها وعابث حزنها بشيء من المزاح الشجي:
" أنت أفضل أم تهدئ ابنها"
حمل حقيبته بيده ، وهي حملت فيض من التأثر والفراق،وبينما تساعده على الصعود إلى السيارة ،التي ستحمله إلى حيث شاء الله،بدا وجهها شاحبا ،لوح لها بيده فبدت التفاتها أكثر وحشة تقف بها على حافة الانهيار.
همست له مستسلمة لنزيف طاعتها للحياة أن تكون هي الأم وهو الابن الذاهب إلى الحرب:
" يا الله..ارجع ابني لي"
أجهشت في البكاء لسوء حظها ، ولقلة حيلتها ، هي واثقة أن ما تبقى من عمرها سيكون الحزن فيه كثير والفرح قليل ، ما ذنب الأمهات !! مشت بخطوات متثاقلة نحو النافذة ، ونظرت بعينين حزينتين إلى القمر ، كان ضوءه شاحبا ، لكنه عنيدا ، يرسل ضوءه القرمزي من بين فراغات الغيوم كلما سنحت له الفرصة ،استدارت نحو صورة ابنها ، وتأملت ابتسامته الرقيقة ،المتنافرة مع قسوة لباسه العسكري وتمنت لو انه حاضر معها، كم كانت الأمور سعيدة بحضوره ، شحب وجهها أكثر وهي متسمرة أمام الصورة ، فأخذت تصلي قائلة
"يا لله ارجع لي ابني "
تلاحمت دموعها مع اسمنت أنفاس تلاشت منذ سنين ،كل ما تمني به نفسها أن يعود حيا ، التفكير دون جدوى عمل متعب لانهاية له ،ولم يكن لها من الشجاعة ما يمكنها من النطق بكلمة ، كل شيء ضبابيا ، هذه الحرب ترمز لنهاية كل شيء بالنسبة لها.
- أنا من يتحمل الشقاء
راحت تنتحب من جديد ، و تقهقر إلى سمعها نواح يفتت الأكباد ، كانت نسوة القرية بلباسهن الأسود وشعرهن المنفوش يتجمعن حولها، وقد شمرت بيجامتها إلى فوق الركبة ، وراحت تلطم وجهها دائخة حتى ازرقت وجناتها ، وتشد شعرها ، صارخة، باكية، مولولة وكن يتوقفن عن النواح فجأة ، وما أن تبدأ أحداهن بالبكاء حتى تنتقل النساء إلى حالة العويل وكأنهن يحطمن شيئا مقدسا ، أما الأب فقد جلس في الغرفة يذرف الدمع فمن المعيب أن يبكي الرجل بحضرة الآخرين ، لقد أيقن أن كثرة البكاء في زمن الحرب هو انهيار مفزع ، كما كان يود أن يبدو شجاعاً في عيون جميع المعزين ، ولهذا السبب نزل خارجاً إلى ساحة القرية ، يصافح الرجال غير مبد لخيبة الأمل ، ولا للحزن بطريقة جافة .
ابتلعت حيرتها وحدقت في الصورة ،توجس وأمل ويأس ،لو أن لحظة هدوء تنسلخ من فوضى هذا الكون ، لكانت كافية أن تحسم أمرها ،لكنها منكسرة ،الصورة ساكتة ، الاستمرار في الحزن زيف هذا ما قاله لها زوجها بعد أن بالغت في أظهار الحزن على فراق ولدها، تذكرت هذه العبارة ألاف المرات لتخرج نفسها من حدادها ، دون جدوى ، لم تستطع أن تتحمل الذكريات ، ففاجعة بحجم فقد الابن لا يستطيع قلب صغير أن يتحمله،ارتسمت على وجهها ابتسامة مشابهة لابتسامته في الصورة فضمتها إلى صدرها وبكت بكاء مراْ لدرجة أدمعت عيني ابنها في الصورة.
الزمن ينقرض على ظل وجهها،كأنها اكتشفت التساقط في العدم،إنها تلعب لعبة اللاشيء، أصبحت كائنا يسرد الكلام،تنسج شبكة من التخيلات المتشابكة بغير انتظام، إن قلبها مرهق بكرب مفرط ، لا يمكن بعد اليوم أن يبسط جناحيه ويحلق في الفضاء ، صامتة تفكر بهذا كله ،هدها الضعف، رجفة من مرارة اليأس تعتصر روحها ،صفير مثل أزيز الجراد تحدثه الذكريات ، تخيلت وقتئذ إن جثته مقطعة الأوصال وإن رأسه مفصول عن جسده ، وهنا وهناك يتردد إن جمجمته كانت مشوهة ، محجرين بلا عيون وفم بلا لسان ، لهذا السبب قال لها الضابط :
-ممنوع فتح التابوت ؟؟
كان التابوت مغطى بالعلم السوري ، ومغلق بالمسامير بأحكام شديد ، يحمله ثمانية رجال، طلبت منهم فتح الصندوق لتلقي عليه النظرة الأخيرة فمنعها الضابط بكلمات مواسية ، فارتمت عليه وهي تضاعف عويلها المؤثر ، تم نهضت كي تعود لتسقط برخاوة على الأرض ، لم يكن بالمستطاع رؤية الجثة ، كان ثمة فاصل بين بشاعة المنظر ورغبتها أن تلقي نظرة الوداع.
هنالك في الصحراء جثة جندي بزته باهتة كئيبة بعضها ممزق وبعضها سليم، يرعى الذباب الأزرق جلدة الفتي.شفتاه ممعوستان،وأسنانه المكسرة بدت بارزة،ورأسه المنفصل عن جسده بشيء من النبل،ومحجرين بلا عينين،لقد نجحوا الملاعين في إخراج الجمال الكامن فيه بشكل بليغ.
فؤاد حسن محمد- جبلة- سوريا
نشرت فى 29 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
مجلة عشتار الإلكترونية
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
576,783