دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

دراسات ادبية

edit

عيون الشعر ، ومِعيار الاختيار / 3

شاع بين الدارسين ومحبي شعر العرب أنّ المفضليات ، والأصمعيات هما أقدم كتب الاختيار ، إذ أشار المنصور على المفضل أن يختار لابنه من أجود أشعار المقلين يؤدبه بها() ، إلا أني وقفت على نص فريد نُقل عن الحِرمازي ، قال فيه : " وقد روي أنّ معاوية أمر الرواة أن ينتخبوا قصائد يروّها ابنه ، فاختاروا له اثنتي عشرة قصيدة "(). وذكروا معلقات امرئ القيس ، وطرفة ، وزهير ، وابن حلزة ، وعنترة ، ولبيد ، وعمروبن كلثوم ، وقصيدة سويد بن أبي كاهل ، وقصيدة الأعشى( ودع هريرة) ، وقصيدة حسان ( أسألت رسم الدار ) ، و( أإن تبدلت من أهلها وحوشا) لعبيد بن الأبرص.
متى ظهر مصطلح عيون الشعر؟
لم يترسخ مفهوم ( الاختيار ) اصطلاحاً إلا في القرن الخامس الهجري ، وهو أمر كانت بداياته القائمة على الذائقة ، انطلقت في النصف الثاني من القرن الثالث ، عند ابن طيفور صاحب المنظوم والمنثور (280هـ) ، وتكرس مفهوم الاختياربمرور الزمن كما بينت ، وظهرمصطلح " عيون الشعر" أول ما ظهر عند أبي العباس المبرّد إذ قال : " وأشعار المراثي كثيرة ، وإنما نختار عيوناً من جميعها ، ومن الشيء أحسنه " (1).ثم نقع على المصطلح مرة أخرى عند أبي زيد القرشي الذي صَدّر كتابه الموسوم ( بجمهرة أشعار العرب) بقوله عن الشعر : " وبعدُ ، فهُم فحول الشعراء الذين خاضوا بحرَهُ ، وبَعُدَ فيه شأوُهُم ، واتّخذوا له ديواناً كَثُرَت فيه الفوائدُ عنهم؛ ولولا أنَّ الكلامَ مُشتـَـرَكٌ ،لكانوا قدْ حازوه دون غيرِهِم ؛ فاخترنا من أشعارهم - إذ كانوا هُمْ الأصلُ - غــُـرراً هي العُيونُ من أشعارهم ، وزِمامُ ديوانهم " (2). ومثل هذا نجده عند ابن أبي عون قال : " قد وفَّينا كتابنا هذا جميع ما شرطناه من نوادر التشبيهات ، وعيون المتخيّرات مما يشتمل عليها ، أويشير إليها " (3) . ولا أعلمُ أحداً قبلهم - في حدود علمي - ذكر هذا المصطلح . ويبقى لى تحفُّظٌ يسير ، يتمثلُ في أنّ ما ذكرته يبقى أمراً غير قاطعٍ ، قدْ تنقضه مؤلفات قديمة يُنفضُ عنها غبار الضياع ، أو الحبس في إحدى خزائن الكتب في أصقاع العالم .
مرحلة كتب الاختيار ...
. أمّا ما يتصل بكتب الاختيار - الموجودة قبل القرشي - التي وصلت إلينا ، فهي في مجملها ( المفضليات ، الأصمعيات ، حماسة أبي تمام ، والوحشيات له أيضاً ، وحماسة البحتري ) خِلوٌ من مقدمات المُصَنفين لها ، وجُلُّ ما نعرفه عنها هو من مصادر أخرى ترجمت لمؤلفيها ، كما هو حال (المفضليات ) التي اختارها المفضل نزولاً عند طلب المنصور ليُؤدّب بها المهدي ، وكذا فعل الرشيد إذ طلب إلى الأصمعي أن يختار ما يؤَدَّب به الأمين . وخلفاء بني العباس أخذوا هذا التقليد عن الأمويين ، فقد نقل ابن طيفور عن الحرمازي " أنّ معاوية أمرَ الرُّواةَ أن ينتخبوا قصائدَ يُرَوّيها ابنه ، فاختاروا له اثنتي عشرة قصيدة "(1) . وعلى ذكر القرن الثالث يبقى لدينا كتاب كان يُظـَـنُّ أنّهُ يجمع المفضليات والأصمعيات ، ألا وهو كتاب " الاختيارين " للأخفش (315هـ) إلا أنّ أستاذي الجليل د. فخر الدين قباوة نبَّه في مقدمة تحقيق الكتاب على أنّ نصف ما يضمه كتاب (الاختيارين ) مما ليس في المفضليات أو الأصمعيات . ومما يؤسف له أنّ الموجود من الكتاب هو جزؤه الثاني فقط ، وبالتالي لا أستطيع الجزم فيما إذا كان الأخفش - وهو من معاصري ابن طيفور والقرشي - قد جعلَ لكتابه مقدمة بيّن فيها سبب الاختيار ، ومنهجه فيه ، كما فعل اللاحقون كالتبريزي ، وابن ميمون البغدادي الذي وضع ( منتهى الطلب من أشعار العرب ) جمع فيه ألف قصيدة ، ضاع منها ما ضاع ، وبقي ما بقي ، وصدّره بمقدّمة ضافية تبين حدّ الاختيار ومعياره .
ولعلّ فيما أطلتُ فيه بُـلـْـغة لمُتأمِّـلٍ ، حُسْوةً تنقعُ غــُـلّـَة.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 144 مشاهدة
نشرت فى 9 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية
المجلد العاشر- شعراء العصرالحديث
.
بقلم فالح الكيلاني .
وفي الأساليب الشعرية المختلفة , نلاحظ الاسلوب الحسي يتمثل في شعر(نزار قباني) افضل نموذج للشعر الحسي، و في شعر( بدر شاكر السياب) نموذجاً للشعر الحيوي، أما الشعر الدرامي فيتمثل في شعر (صلاح عبد الصبور)الشاعرالمصري من خلال نتاج صلاح ؛ في حين يكون الأسلوب الرؤيوي ممثلا بشعر (عبد الوهاب البياتي).
اما اذا اردنا ان تكون كل هذه الاساليب مجتمعة بواحد فخير مثال شعر (محمود درويش ) كنموذج للتحولات التي تتسع لكل هذه الأساليب التعبيريّة، فقد بدأ من الأسلوب الحسي الذي خرج فيه من تاثير نزار قباني فيه لانه معلمه الاول ، ومثّل على ذلك قصيدة (بطاقة هوية )، وانتقل إلى الأسلوب الذي اجتمعت فيه الحيوية والدرامية، كما هو الحال في قصيدة ( كتابة على ضوء بندقية )، وانتهى الى اسلوب الرؤيا الشعرية الذي تمثله قصيدة ( أرى ما أريد ).
وربما تكون التجريدية تقتصر على أسلوبين فقط يتداخلان فيما بينهما هما: التجريد الكوني الذي تتضاءل فيه درجات الإيقاع والنحويَّة إلى حدٍّ كبير، مع التزايد المدهش لدرجتي الكثافة والضياع، ومحاولة استيعاب التجربة الوجودية الكونيّة باستخدام بعض التقنيات السيريالية والصوفيّة الدنيويّة . والتجريد الإشراقي الذي ربما يقع على خط الاتجاه السابق معترضا اياه في سلم الدرجات الشعرية، مع التباس أوضح بالنظرة الشعرية والنزوع الصوفي الميتافيزيقي، والامتزاج بمعالم ورؤى وجودية تختلط فيها الأصوات المشتركة والرؤى الحالمة المبهمة، مع نزوع روحي بارز يعمد على التراث الفلسفي بدلا من الضياع في التراث العالمي ..
ولعل الإسراف في الحداثة والمعاصرة بشكلها الشعوري الحالي هذا الشعور الذي تحمل موادّه دلالات عميقة موروثة، قد يميل الشاعر إلى تشكيلها من جديد فإن وجودها الظاهر في هذا التشكيل الجديد يحيل إلى موروثها بوصفه غائباً يحضر لدى المتلقي لمجرد وجوده في النص، فيشعر اويحس بعداً أيديولوجياً ، وان أهم الملامح الأسلوبيّة في شعر هذا الاسلوب كضياع القناع، والأسلوب الصوفي في شعرالصوفيين،
وعلى الرغم من إيراد هذا التعريف للأسلوب التجريدي لم يرد تمثيل صريح له وهذا ما يجعل تصنيف الأساليب الشعريّة التجريديّة معلقاً في الهواء، فالناقد يطرح فرضيّة جديدة لم تأخذ حقها من التطبيق فيما يتعلق بالشعر التجريدي الإشراقي. هذا ما لاحظناه في شعر قصيدة النثر او الشعر الحر بعد ان حل عقاله وهب قائما يتخطى كيف يشاء ويتلمس الامور كيفما احب الشاعر واراد.
اما في مجال بناء القصيدة المعاصرة فاقول القصيدة المتكاملة احد مظاهر التجديد بل اهمها ،وهيمتصلة بالتراث تتعامل معه من منظار جدلية الحداثة الشعرية، فتستمد منه شخوصها واقنعتها وبعض احداثها، ولكن الشاعر لايعيد صياغتها، كما جاءت في القصيدة الشعرية القديمة، وانما يستعير حركة او موقفاً او حدثاً مناسباً ويحاول بوساطة الاسقاط الفني ان يوظف مااستعاره توظيفاً معاصراً ،ولذلك تبدو القصيدة المتكاملة مركبة يتداخل فيها الماضي والحاضر وتتلاقى فيها الاصالة والمعاصرة، الايجابي والسلبي، والذات والموضوع للتعبير عن تجربة حية ومعاصرة.
لذا فان القصيدة المتكاملة تعبير بالتراث عن المعاصرة وبالماضي عن الحاضر والعلاقة بين الشاعر وتراثه علاقة جدلية، يتبادل فيها الشاعر والتراث، التأثر والتأثير وان مفهوم الحداثة غير متناقض مع مفهوم التراث،فالحداثة من التراث، وهي تنبثق منه كانبثاق الغصون من الساق والساق من الجذو ر وكذلك التجديد فالتجديد الشعري ذو ثلاثة اطوار متلازمة متفاعلة هي: المؤثرات الخارجية المساعدة والمكونات التراثية وموهبة الشاعر وان التأثر سمة انسانية مشروعة تشترك فيها الشعوب وهي لاتعني النقل عن الاخر وانما تعني المعرفة والاطلاع وذلك سيفضي الى الابداع والاصالة، حيث كان للمدارس الادبية ولبعض الشعراء الغربيين تأثير في بنية القصيدة العربية الحديثة، فالرومانسية ساهمت في إحياء النزعة الغنائية، والرمزية في تعميق الاحساس الداخلي واستخدام الاسقاط الفني،وعمقت السريالية غنائية اللغة والصورة والموضوع وحرية الكشف والتعبير، وتجلت التأثيرات الكلية العميقة بالانتقال في بنية القصيدة من وحدة البيت الى الشكل العام ، ومن الذاتية الى الموضوعية، ومن الغنائية الى الدرامية، ضمن المكونات الغربية في بنية القصيدة العربية المعاصرة، اهمها ثلاثة: المكون الاسطوري والمكون التاريخي والمكون الادبي.‏
كما نرى ان القصيدة استفادت في بنيتها وشكلها العضوي من القصيدة والنقد الاوروبيين اللذين كان لهما دور مباشر في توجيه شعرائنا الى الاستفادة من تراثنا والالتفات الى التراث الغربي بأساطيره واشكاله الفنية للتعبير عن تجارب معاصرة وهذا سبب من اسباب الغموض في القصيدة المتكاملة ،وهو في الوقت ذاته سبب من اسباب ثرائها وتعدد اصواتها ودلالاتها. وتطورها نحو الافضل‏
اما الموضوعات الغنائية، وغنائية التعبير في بنية القصيدة المتكاملة وقدلقِّحت بالعناصر الدرامية لتخاطب الاحساسات والعقل معاً وتمتزج فيها الذات بالموضوع ويتعادل التعبير والاحساس وتغدو اللغة والصورة والايقاع أدوات موظفة جديدة ثابتة و ان القصيدة المتكاملة كانت نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على مجتمعنا منذ منتصف القرن العشرين ،فالمجتمع الاستهلاكي افرز موضوعات الموت والاغتراب كما انها ناجمة عن جهودالشعراء المتواصلة منذ بدايات القرن العشرين للنهوض بالقصيدة المعاصرة .
وعلى العموم فعناصر البناء العام وتكامل القصيدة هي: الحكاية والحدث وصلاتها بالشخصية وسماتها من جهة، وبالحتمية الناجمة عن تكوينها من جهة ثانية مبيناً من خلال الحكاية والحدث الدرامي والصراع والحوار الدرامي وبناء الحدث ان الحكاية تكتسب اهميتها الفنية حين يمتلك الشاعر المقدرة على توظيفها توظيفا معاصراً، وان الحوارالجيد والصراع المتين يؤديان دوراً بارزاً في بناء الحدث ورسم ابعاد الشخصية الدرامية وبناء القصيدة المتكاملة، وان العناصر الغنائية تغتني بالعناصر الدرامية فيتلون الايقاع والصورة بتلون احساسات الشخوص ليشكلا الايقاع والصورة، كماان القصيدة المتكاملة شبكة من العلاقات التماثلية والسلبية المتفاعلة، فهي ذات اصوات وابعاد ومستويات ينجم عنها التكافؤ بين الدلالة التراثية والدلالة المعاصرة.
ومن الملامح الشعرية ان الانسان فيها جوهر التجربة الشعرية ، بمعاناته وحياته اليومية وقضاياه النفسية والاجتماعية والسياسية. وقد يجنح الشاعر إلى الاسطورة ، والرمز ، والتراث الشعبي ، والاشارات التاريخية .وقد ينحو بعض الشعراء الى تعرية الزيف الاجتماعي والثورة على التخلف..
فالقصيدة بناء شعوري متكامل يبدأ من نقطه بعينها ثم يأخذ بالنمو العضوي في مجال الفكر والخيال حتى تكتمل.,قد يسير شاعر على وتيرة واحدة في الوزن والقافية او على نظام المقطوعات وشعر التفعيلة او قد لا يسير على أي نمط محدد معين كما في قصيدة النثر .فالشعراذن اما شعر يتسم بالوضوح والبساطة والعفوية فتاتي لغته مقتربة من لغة التخاطب اليومي وباسلوب عفوي جميل واما شعر سريالي غير واضح ويتميز بالغموض والابهام ،والرمز ويستعصي الكثير منه على التحليل والتقويم والنقد بالمقاييس المألوفة.وقد لايالفه المتلقي .
، كما ان القصيدة المتكاملة شبكة من العلاقات التماثلية والسلبية المتفاعلة، فهي ذات اصوات وابعاد ومستويات ينجم عنها التكافؤ بين الدلالة التراثية والدلالة المعاصرة
اميرالبيـــــان العربي 
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
********************************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 148 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية
المجلد العاشر\ شعراء المعاصرة
.
بقلم د فالح الكيلاني
.
تمهيد - الشعر العربي المعاصر - القسم الرابع
.
إن المتعة الجمالية هي الوسيلة الشعرية في الوصول إلى الغاية، فالجمال وسيلة الشعر إلى غاية الجمال (فهو إحدى وسائل غرس الجمال في الوجود ويعد من وسائل غرس الجمال الكبرى الصورة الشعرية .)
فالوزن سمة قاهرة من سمات الشعر، ولئن لم يركز الرومانسيون والرمزيون على البعد الإيقاعي الصوتي بصورة خاصة، فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون ان العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الاظهر من مكونات الشعر، فالنص الشعري حقيقة هو نوع من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته وخاصة بين حروف اللغة وابراز ذات الصوت المتشكل من الحرف اللغوي واتصاله باخر وفقا لامكانية الشاعر ومقدرته على الاتيان بالافضل ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية، الا ان القصيدة المعاصرة واقصد قصيدة الشعر الحر ,التزمت عن بعد بحور الشعر الصافية مع ايغالها المفرط في الزحافات عند اغلب شعرائها اوقصيدة النثر الرافضة لكل المفاهيم الشعرية القديمة والثائرة على كل الاوضاع الموروثة سائرة في خط الحاضر اوالمستقبل .
والشعر على العموم بجماليته وقوته وطموحه وأحلامه، يبقى بماهيته شكلا ومضمونا ومنابعه الصافية محيراً للعقول ويظل جمال ماهيته شيئاً مثيراً جاذباً للنفوس واعواطفها معبرا عن خوالجها يكتسب جماليته من وظيفته الإيحائية الغامضة فنياً . صائغا ماهيته من انبثاق عالم مكبوت في داخل هذا الشاعر الثائر وعلى هذا انبثقت جمالية هذا الفن من روحية عالية ونفسية شاعرة ملهمة .
ولعل وقائع الاحداث التي رافقت هذا العصر ربما أسهمت في كثير من الاحيان في اختلال بعض القيم والمعايير الإنسانية ،و كانت السبب المباشرالذي دفع بالشاعرالمعاصرالاهتمام بالمعطيات الموضوعية والفنية لهذه الأسطورة ليهرب من واقعه المرير إلى عوالم اخرى قد تسودها المثالية ويحلق فيه الخيال الجانح نحو الارتقاء والتمكن ،فيبني الشاعر عالمه الخاص به والذي يملأ عليه فراغات من ذاته المكبوتة. وقد طفق الشاعر المعاصر ، نتيجة لهذه المتغيرات السياسية والأحداث المأساوية التي شهدها العصر الحديث يتلمس او يتفهم المقومات القادرة على الإفصاح عن رؤيته الإنسانية الشاملة إلى أبناء وطنه او انسانيته وقد تكون هذه الأسطورة او تلك خير وسيلة للتعبير عن النوازع النفسية ا والحوافز الداخلية عنده او تعبر عن نفسية الاخرين . ربما جاءت لتعبر عن تجسيد للتوق الإنساني الشديد وشكله الخيالي المناسب لهذا التعبير ،
لذلك أصبحت الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وارؤاه وأفكاره و تجربته الشعرية بدءا من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى لتمثل بوا سطتها الواقع الإنساني في هذا العصر بصورة عامة.
ومن خلال دواوين الشعراء وخاصة المعاصرين منهم لتجد فيها او ترصد فيها أنماطا متعددة من الرموز والأساطير التاريخية على مر العصور ، فقد أولى عدد منهم اهتماما واضحا بالأساطير البابلية والآشورية والسومرية او الفرعونية او الامازيغية التي قد ترتبط بأحداث تميزت بالقدرة على إظهار إحداث العجائب والخوارق ،واوجدت شكلية جديدة للشعر المعاصر و عاملا مهما من عوامل التحفيز والإثارة وتجسدت بشكل حيوي في أنشطة هذا الإنسان منذ القدم في الوقت الحاضر او بمعنى اخر غيرت اسطوريته الى واقع حاضر ليستلهم منها كل جديد.
فالأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه الشاعر المعاصر خلاصة فكره وجديد عواطفه ونزعاته ، وان هذه الأساطير تمثل ما تبلور في أذهان الانسان القديم في العراق اومصر اواليونان والرومان اوالفرس وغيرهم من الاقوام القديمة ذات التاريخ العتيد والثقافة الرفيعة من قصص وحكايات أسطورية فعبرالشاعر في تصويره الشعري لخلق العالم من جديد ،ولوجود هذا الإنسان على الأرض ،ومصيره المجهول وما يحيط به من مظاهر الكون والطبيعة وتساؤلات واسعة او ربما تكون في بعض الاحيان غامضة يتكهن الاجابة عليها وربما تفلت منه فتبقى سرا سرمديا قديما وحديثا .
راجع كتابي ( دراسات في الشعرالمعاصر وقصيدة النثر )
*
و الاساليب الشعرية المعاصرة والحديثة والتي تتمثل في الشعر الحر او قصيدة النثر مهما كثرت زواياها واختلفت طرقها فانها تتمثل في مجموعتين أسلوبيتين هما الأساليب التعبيرية والأساليب التجريدية.
يتمثل الاسلوب التعبيريّ بالنمط الذي تنتجه أشكال اللغة الأدبية اسلوبا ملونا بلون من المعايشة غير المباشرة أو المعهودة، حيث تقدم نوعاً من الحقائق المبتكرة بتحريف يسير للغة المعبرة، وتفعيل معقول لآليات التوازي والاستعارة والترميز بشكل يؤدي إلى الكشف عن التجربة في مستوياتها العديدة التي قد تصل إلى أبعاد محددة لكنها تظل تعبيرية الحقيقة المكنونة .
أما الأساليب التجريدية فتعتمد على زيادة معدلات الانحراف وتغليب الإيحاء والرمز على التصريح، فتعطي القصيدة إشارات مركزة يتعيّن على المتلقي إكمالُها وتنميتها من الداخل، مع فارق جوهري بين التعبيرية والتجريدية يتمثل في إشارة الأولى إلى التجربة السابقة على عملية الكتابة نفسها سواء أكانت حقيقية أم تخيلية، واختفاء هذه الإشارة في الثانية بناء على غيبة هذه التجربة.
ويندرج تحت التعبيرية أربعة أساليب، هي
1-الأسلوب الحسي الذي تزيد فيه الإيقاعية والنحويّة؛ في حين تقل درجة الكثافة والتشتت والتجريد،
2-الأسلوب الحيوي الذي ينمي الإيقاع الداخلي ويعمد إلى كسر يسير في درجة النحوية ويتوافر فيه مستوى جيد والتنويع من دون أن يقع بالتشتت.
3- الأسلوب الدرامي الذي يعتمد على تعدد الأصوات والمستويات اللغويّة، ويحقق درجة من الكثافة والتشتت من دون أن يخرج عن الإطار التعبيري.
4- الأسلوب الرؤيوي الذي تتوارى فيه التجربة الحسيّة مما يؤدي إلى امتداد الرموز في تجليات عديدة ويفتّر الإيقاع الخارجي، ولا تنهض فيه أصوات مضادة، ويحقق مزيداً من الكثافة مع التناقص البين لدرجة النحويّة.
يتبـــــــــــــــــــــع
امير البيـــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــــــ\ روز 

**********************************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 177 مشاهدة
نشرت فى 3 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

حالة الكتابة في
"تغريبة خالد أبو خالد"
بداية نشكر وزارة الثقافة الفلسطينية على تعريفنا بكتاب فلسطينيين لم كن لنا أن نصل إلى انتاجهم دونها، فمشروع كتاب في جريدة عرفنا على عدد من الكتاب لم نكن نعرف عنهم إلا القليل، منهم "خالد أبو خالد" قرأت الديوان للوهلة الأولى فبدى لي أن هناك هم غير عادي عند الشاعر، رغم كبر عمره، وتساءلت: "أليس من المفترض أن نكون أقل انفعالا عندما (نشيخ)، خاصة بعد أن تكون حياتنا بمجملها محطات من الألم والهزائم والتقهقر؟، هذا السؤال هو المفتاح الذي سندخل من خلاله إلى الديوان، فنحن أمام رجل/شاعر محروم من وطنه مكرها، هو ابن شهيد، وعاش هزيمة 48 و67 وحرب أيلول وحرب الأهلية في لبنان والاجتياح واحتلال بيروت، وعاش أوسلو، وشاهد احتلال العراق، كل هذا المحطات لم تكن لتكسر شوكة الشاعر "خالد أبو خالد"، فنحن أمام شاعر وليس رجل عادي، لهذا نجده روحه ما زالت متقدة وحامية، تقدمنا نحن (العاديين) إلى الأمام والاستمرار في التشبث بالأمل، التقدم من فلسطين.
وإذا ما عرفنا أنه ابن "سلية الظهر" قضاء جنين نعرف لماذا جعل فاتحة الديوان قصيدة "معلقة على جدار مخيم جنين" فهناك محبة خاصة لهذا المكان، ورغم أن العنوان جاء بصورة مباشرة إلا أن الشاعر يزيل المباشرة في القصيدة من خلال:
"مثلما انفجرت مرارات الأيائل
وحدي .. وأنت على ذراعي .. في الأبد
كل البلاد لنا .. وليس لنا سند
صوتي المعلق في الظمأ..
صوت الصبية والولد..
أحد .. أحد
أحد .. أحد
أحد .. أحد" ص7، حضور الطبيعة الفلسطينية من خلال "الأيائل" جاءت لتعطي الشاعر طاقة اضافية ليتقدم في قصيدته، ورغم أن هذه الطبيعة جاءت بصورة ألألم والتي تشير إلى ما يحمله الشاعر في داخله من قتامة، ومع هذا هو يستمر في التقدم من فلسطين "كل البلاد لنا" من هنا تكمن عظمة "خالد أبو خالد" حياة طويلة من البؤس والألم، والواقع لا يقل ألما عن الماضي، ونجده بهذه الروح المتمردة.
والجميل في المقطع السابق أن الشاعر استحضر "بلال بن رباح" عندما كان يعذب ويواجه جلاده بكلمة "أحد .. أحد" واعتقد أن تكرارها ثلاث مرات أراد به الشاعر أن يستلهم من تلك الحالة طاقة وارادة تجعله قادر اكمال الدرب حتى يظهر الحق ويزهف الباطل.
إذن أخذ الشاعر قسط كافا من الارادة، وهذا ما انعكس على هذا المقطع:
"هذا أوان الجرح المفخخ في الجسد..
حلم المحارب
للأميرة هودج من ياسمين مسائها الآتي إلي على
يدين نحيلتين .. كروح عاشقة
ترف على القصيدة
في القصيدة صورة لطفلين يتيمين
بلا هدايا" ص7، تستوقفنا كلمات: "حلم، الأمير، الهودج، ياسمين، كروح، عاشقة، ترف، القصيدة، صورة، لطفلين، هدايا" مثل هذا الألفاظ تشير إلى خروج الشاعر من حالة السواد القاتم، فهو يستحضر الأميرة/المرأة والقصيدة كعناصر تخفف عنه من وطأة الواقع، وكأن الطاقة التي أخذها من "أحد ..أحد" ظهرت ثمارها، فها هو "خالد أبو خالد" يستمتع بها، ولكن الألم لم ينتهي كليا، فما حصل عليه من خلال الأميرة/المرأة والقصيدة لم يكن ليحرره تماما من ماضيه ومن واقعه البائس، فهو يريد أن يدخل ويدخلنا إلى الواقع ـ وهنا نتذكر أن الحدث هو حصار مخيم جنين ـ يدخلنا من خلال الأميرة/المرأة لكي لا ينزلق إلى الحالة المباشرة ويؤثر عليه الانفال ومن ثمة ينعكس على القصيدة، التي بها سيتحرر ويُحررنا ويتقدم ويُقدمنا إلى الأمام:
" ـ لو تناديني ...أجيبك..
ـ صوتها يأتي إلي .. ولا تجيء..
دمي يضيء.. 
ـ إني أحبك ..أين أنت..
ـ أنا هنا
يقفون بين حقيقتي .. ودروعهم ..
وهنا أنا..
بين القذائف .. والرصاص
أهب أحزانا ... وأفتقد النعاس..
أني رحيلك في الرسائل..
مثلما انفجرت على الشفق المنازل
مثلما انفجرت السؤال على الحواجز
ـ خذ يا حبيبي برتقالا..
وشكلها حديدا ..
خذ ما تبقى من خيام الروح في قلبي معك.." ص7، من خلال هذا المقطع يمكننا التأكد أن الشاعر استحضر "الأميرة/ المرأة لتخفف عنه من جهة، ولكي تعطيه طاقة وارادة يتقوى بها في المعركة، هذا على صعيد الشاعر، أما على صعيد كتابة القصيدة، فقد أراد بها أن يحررها من المباشرة، بحيث جعل الأميرة /المرأة هي من تتحدث عن الحرب والمواجه ومواصلة المعركة، وأيضا اضافة جمالية فيها من خلال صوت الأميرة/المرأة، فصوت المرأة دائما يحمل العاطفة الهدوء رغم الألم الذي يحمله، كما أن الحوار بينهما له أثر جميل على المتلقي ويجعله يشعر بالفرح رغم قسوة الأحداث، كل هذا يجعلنا نتأكد أن الشاعر استطاع أن يحرر ذاته أولا من المباشرة والانفعال، ومن ثم حرر القصيدة، بحيث وجدناها جميلة وممتعة رغم سواد الأحداث.
وهنا نطرح سؤال: "هل نحج الشاعر في تقمص دور الأمير/المرأة؟، أم أنه جاء بها كشكل فقط، يتكلم ويتحدث بصوته هو ولبيس بصوتها هي؟، نجد الإجابة في هذا المقطع:
"خذ حربتي .. لتشق أضلاعي .. وتخرجني إلي
لكي أكونك..
اقذف بزجه جنودهم ناري..
ولا تسلم يديك لمن يخونك
حزني يضمك..
لا البكاء ..
ويل ... لمن شدوا قيودك..
ـ ليل على سقف العراء
ويل لهم من برق زرقاء اليمامة .. في عيونك
خذنا إذا..
أدخل إلى دمنا وئيدا..
من ضفافك للضفاف
أغزل حريرك في شرايني
ورحل من ملامحنا ...أغانينا العجاف
فيكتبه الغروب" ص7، تستوقفنا الألفاظ التالية: "لتشق، وتخرجني، اقذف، يضمك، البكاء، شدو، ادخل، ضفافك، للضفاف، اغزل، شرايني" اعتقد أن كل هذا الالفاظ تشير وتؤكد إلى أن المتحدث هو امرأة وليس رجل، بحيث نجد فيها شيئا من حاجات المرأة الجسدية/الجنسية، وكأنها تحدثنا عما تريده/تحتاجه من الرجل، وهذا الجمع/المزج بين حاجتها في التحرر من الاحتلال وحاجاتها الجسدية منح المقطع جمالية استثنائية، كما أكد أن المتحدث هو امرأة كاملة لهذا تجدها تتحدث بلغتها وصوتها، وهي متحررة تماما من سلطة الشاعر الرجل، وكأنها بهذا التحرر من واقعها تتقدم بخطى واثقة نحو تحررها من الاحتلال، فالتحرر الاجتماعي هو الخطوة الأولى لتحرر الوطن، هكذا يبدو لنا المشهد.
بعد هذا التحرر النسبي وبعد أن أخذنا استراحة ـ حتى لو بدت قليلة ـ فنحن في حالة حرب ومعركة دامية، نتقدم إلى أحداث ساخنة ومؤلمة، لكن كيف يمكن التخفيف من هولها ووقعها على القارئ؟:
"ـ في الصفحة الأخرى من اللحم الممزق..
والعظام..
تخيم الأم الكبيرة ... في النحيب..
انحنت
للقصف .. أم للعسف ..؟
ـ دجنها الذين يدجنون صقورها ..
ـ هل قسموا دمها عليهم..؟
ـ هل استجاروا بالغزاة من الغزاة ..؟" ص7، استخدام صيغة الحوار من خلال الأسئلة تجعل القارئ يتوقف عند ما يقدم له، وهذا التوقف يعطيه شيء من لراحة، وكأن الشاعر من خلال الحوار يتعمد أن لا يؤذي مشاعر القارئ قدر المستطاع ، فهناك قتل واشلاء ودمار ومع هذا نجده يحرص على عدم إذائنا بها، فتوقفنا عند الأسئلة يعطينا راحة ـ حتى لو كانت بسيطة ـ لكنها تكفينا لنواصل الدرب، وإذا ما أضفانا الطاقة السابقة والتي جاءت من خلال الأميرة/المرأة يمكننا أن نتأكد بأننا نسير بخطى قوية واثقين بما نحمله من ارادة ومعنوية.
يقدم لنا الشاعر علاقة المحارب بالمغني/بالشاعر:
"غنى المغني في المحارب
والمحارب في المغني
ـ وشم الرياح.. على الشراع
يا دار ذاكرة البيارق .. والقلاع..
شجر.. سفوح .. ريشة .. قمم .. بحيرات
ـ أني أنقب من حجارتنا .. وقتلانا..
وشالات النساء ..
هل يدخل الفنان لوحته الأخيرة.. 
بين قنبلتين ..
كالنسر المطل على جنازته..؟
لماذا لا يحلق في الزلازل..؟
ـ أفق تعبته الضغائن..
بين قاذفتين .. تقصف حلمنا القمم العدوة..
والصديقة .. والشقية
ـ للورود وظيفتان
يقول عاشقها : أحبك .. هل نموت..؟
ترد من وجع البيوت. ولا نموت
ـ أنا أحبك..
للورود وظيفتان..
فوردة لحبيبي ..وأخرى .. لمقبرة العواصم".. ص8، في المقطع السابق نجد ثلاثة أصوات، صوت الشاعر/الراوي الذي جاء في بداية المقطع، وصوت المغني، وصوت المحارب، ونجد صوت المغني يتقاطع مع صوت المحارب، لكن هنا مساحة بينهما، فهما يلتقيان في أمور ويتباينان في أخرى، فصوت المغني جاء بهذا الالفاظ: 
"وشم الرياح.. على الشراع
يا دار ذاكرة البيارق .. والقلاع..
شجر.. سفوح .. ريشة .. قمم .. بحيرات" فهي بمجملها الفاظ بيضاء وتشير إلى لغة ناعمة وسلسة وتشير إلى أن من يستخدمها هو المغني، والجميل في هذا الصوت حرف النداء: "يا دار" فهو يتغنى بجمال الأرض بتاريخها وبناسها، بينما صوت المحارب جاءت بهذه الألفاظ: 
"ـ أني أنقب من حجارتنا .. وقتلانا..
وشالات النساء ..
هل يدخل الفنان لوحته الأخيرة.. 
بين قنبلتين ..
كالنسر المطل على جنازته..؟
لماذا لا يحلق في الزلازل..؟"، فيما سبق نجد المحارب مفكر ومثقف، وهذا يعطينا فكرة أننا أمام مقاتل يعرف لماذا وكيف يقتال، ويعرف ما يريده من الآخرين، فعبارة "هل يدخل الفنان لوحته الأخيرة.." تشير إلى أننا أقرب إلى مفكر منه إلى محارب، فهل المقاتل هنا هو الشاعر؟، وهذا يحسب على الشاعر وليس له، حيث خلط صوته بصوت المقاتل، أم أن المقاتل الفلسطيني بطبيعته مثقف ويحسن الحديث والتعبير عن أفكاره، وهذا يحسب للقصيدة وللشاعر؟ اعتقد أن هذه الأسئلة تحسب للشاعر وللقصيدة، فهو لا يردنا أن نمر مرور الكرام على القصيدة، دون أن تستوقفنا كل فقرة فيها، بحيث تكون قصيدة دافعا للتفكير وليس قصيدة تعبئة وإثارة.
وهذا ما أكده الشاعر عندما وضح أن صوته ليس صوت المقاتل: 
"يقول عاشقها : أحبك .. هل نموت..؟
ترد من وجع البيوت. ولا نموت" فهو يتحدث هنا كراو، لهذا استخدم يقول عاشقها"
والجميل في هذه المقطع أن المقاتل يردد (اغنية) المغني لكن بلغته هو:
"أنا أحبك..
للورود وظيفتان..
فوردة لحبيبي ..وأخرى .. لمقبرة العواصم"
فهناك اثر واضح للمغني على المقاتل، بحيث استطاع أن يحرره من وقع المعركة عليه وجعله يتحدث بلغة ناعمة "أنا أحبك، للوردة وظيفتان، وردة لحبيبتي" لكل هذه الألفاظ تؤكد على الأثر الإيجابي الذي تركه المغني في المقاتل، فيبدو لنا وكأنه في بيئة هادئة وجميلة انعكست على لغته، لكنه قبل أن ينهي حديثه يتذكر وقع المعركة فيقول بعد أن يصمت: "ومقبرة العواصم".
إذن القصيدة فيها أكثر من صوت، وما صوت الشاعر فيها إلا كراو للأحداث، وهو يترك الأخرين يتحدثون بلغتهم وبحرية مطلقة، وهذه الحرية التي اعطاها الشاعر لشخصيات القصيدة تتماثل مع الحرية التي يريدها لقارئ القصيدة وله ولشعبه، وهذ الأمر ـ والذي جاء بشكل غير مباشر ـ يعد أحد أهم المسائل التي تطرحها لقصيدة، ففكرة الحرية والتحرر لا تكمن فيما تقوله الشخصيات أو الشاعر، بل في الفكرة العامة من شكل القصيدة والطريقة التي قدمت فيها الأصوات، وهذا لا يمكن أن يأتي إلا من قبل شاعر لا يكتب القصيدة بل القصيدة هي من تُكتبه.
يبدو أن "خالد أبو خالد" لم يستطع أن يتحرر من المكان، فهو كفلسطيني يعلم أن المكان هو أهم عنصر في صراعنا مع الاحتلال، لهذا نجده يذكر "جنين" مدينته ومدينة القصيدة، فكيف له أن يتحرر من أثر المكان عليه؟ وكيف سيكون أثر المكان في القصيدة؟، وما هو الشكل/الطريقة التي سيستخدمها؟:
"يقول المغني للطيور: توزعي..
من أول الغيم الأخير إلى النفير
طار الغناء .. فرفرفت روح .. على روحي
شظايا..
فاتكأت على /جنين/ بلا خطايا
ـ هل حيرتنا جملة اللغة البليغة.. 
بين أن نبني القصيدة في الهواء..
وبين ؟أن نبني الخرائط في الدماء..؟
هل فرقت ما بيننا الأسواق..
أم أشواقنا انشطرت إلى جهتين في ليمونة
الكلمات
ـ أسئلة . وفي زيتونة الشهداء..؟" ص8، قلنا في موضع غير هذا أن استخدام الشاعر لتكرار الكلمات أو لتكرار الحروف في الكلمة الواحدة يشير إلى التوحد والتماهي مع الآخر، إن كان الحبيبة أم القصيدة أم شخص، فهناك "فرفرفت، روح، روحي" ونجد تقارب في معنى الكلمات مثل: "هل حيرتنا جملة اللغة البليغة.. 
بين أن نبني القصيدة"، وهناك كلمات تؤكد هذه الثنائية: "فرقت، انشطرت، جهتين" كل هذا يجعلنا نقول ان الشاعر يتماهى/يتوحد مع المغني، فالمغني هنا ليس "خالد أبو خالد" لكن الشاعر يجد نفسه فيما يقوله المغني، لهذا جعله يتشارك معه في بناء/كتابة القصيدة:
"فاتكأت على /جنين/ بلا خطايا
ـ هل حيرتنا جملة اللغة البليغة.. 
بين أن نبني القصيدة في الهواء.."
وهذا التشارك بينهما يمثل حالة فريدة في القصيدة، فيبدو لنا الشاعر وكأنه يرفض أن يبقى كاروا للأحدث فقط، فها هو يندمج مع الأحداث والشخصيات بحيث يشاركها وتشاركه الكتابة واللغة، فهل هذا الامر يعد دعوة من "خالد أبو خالد" لنا لنتشارك معهما فيما يرويناه من أحداث، وأن لا نبقى مجرد مشاهدين من الخارج؟. 
في المعركة من الصواب أن نقدم صورة واقعية للصراع، بحيث لا نغالي في انتصاراتنا أو قدرتنا، وفي ذات الوقت أن لا نقلل من شأن العدو وقوته:
"هذا الحصار مؤلف بالمدفعية..
والكلام .. مؤلف بالأغنيات" ص8، بهذا المفارقة بين المدفعية والأغنيات يعطينا صورة عن حقيقية لقدرات وامكانيات الفلسطيني من جهة، وقوات الاحتلال من جهة أخرى، وكأنه بها يريدنا أن نأخذ عبرة من مقاومة في "جنين"، فقد كانت مستحيلة في عالم موازين القوة، لكنها أثبتت ذاتها وتجاوزت (العقل/المنطق) وعلينا نحن الآن وفي المستقبل أن نأخذها مثلا لنا.
إذن الصراع بين قوة الحديد وقوة الكلمة، قوة البطش والموت وقوة الحب والحياة:
"ـ هم يقتلونك في الشوارع..
أو يقتلونك بالمدافع..
أو يقتلونك كلما التفوا إليك
وكلما ضحكت لفرحك الصواعد .. والنوازل" ص9، صورة المعركة ـ إن جاز أن نسميها معركة ـ لكنها هكذا تبدو للفلسطيني على أرض والواقع، فلا مفر من خوضها لتكون فلسطين حاضرة وحية. 
يختزل الشاعر أحداث (المعركة) بهذه الكلمات:
"جثث .. صفيح.. بيت شعر.. غرفة..
درج.. ممر .. حائط.. علية..
سقف تهدم فوق عائلتي..
حطام في الدخان .. دم .. غبار .. قبة..
تنك .. غسيل .. درج مدرسة .ز حقائب..
مصحف..
كرسي مقعدة .. يد .. قدم .. وقنديل.. أصابع في 
الحطام..
بقايا طفلة .. يدها .. أساورها..
ضفيرتها .. وانجيل .. ومنديل .. خواتم من دم..
فحم
المخيم والقلائد في الحريق.." ص10، وكأن الشاعر بهذه الكلمات المتفرقة يحجم أن تقديم المشهد الدموي كما هو، فهو يحرص على مشاعر القارئ بحيث لا يريده أن يتألم، كما أن هذه الكلمات تشير إلى أن الشاعر يحترم عقلية القارئ لهذا اكتفي بهذا لتجعل القارئ يتوقف متأملا بها وبما تحمله من صور ومشاهد.
لهذا نقول أن "خالد أبو خالد" أحسن الاستخدام للصور الدامية، وأحسن التعامل مع القارئ، بحيث حافظ على قدر معين من الهدوء، فلم يقدم صور أو مشاهد دامية، كما أنه استطاع أن يقدم مادة شعرية بأصوات متعددة، ونجح في خلق مساحة بينه وبين الأحداث/الشخصيات، واستطاع أن يقدم أفكار ـ غير مباشرة ـ من خلال شكل وطريقة تقديم القصيدة، كل هذا يجعلنا نتأكد أننا أمام شاعر استثنائي أمتعنا ـ رغم الألم ـ واسعدنا بهذا الابداع والتألق.
يختم الشاعر قصيدته:
"ـ بعيدا عن فناجين الوداع..
من أين أبدأ..؟
كلما خضبت لوحتي .. يصادرني البياض..
أو كما حفرت معلقتي على الأرض الأخيرة..
غربتني خمرة البحر .. عن البحر..
إلى ليل طويل ..
لا يرى دمي المعاصر في السواد..
من أين يا زماني المحاصر ... سوف أشتق
البلاد..
أو كيف اكتشفت الغناء .. على ارتفاعات
البكاء.." ص10، الشاعر لا يمكنه أن يهدأ أو أن يستكين، هكذا هم الشعراء النبلاء، كلما وصلوا إلى مكان سعوا لآخر، وكلما تجاوزوا مرحلة يتقدمون من أخرى، وكلما أنهوا قصيدة كتبوا أخرى، هذا هو "خالد أبو خالد" فعندما تخضب لوحته يأخذه البياض، ولهذا المشهد أكثر من دلالة، منها ما قلنا في السابق، وأيضا يشير إلى حالة صراع الفلسطيني مع الاحتلال الذي لم ينتهي بعد.
نكتفي بهذه القصيدة من كتاب في جريدة "13" والصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله فلسطين.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 159 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية
المجلد العاشر - شعراء المعاصرة 
.
بقلم : د فالح الكيــلاني
.
تمهيد \الشعر العربي المعاصر - القسم الرابع 
.
إن المتعة الجمالية هي الوسيلة الشعرية في الوصول إلى الغاية، فالجمال وسيلة الشعر إلى غاية الجمال (فهو إحدى وسائل غرس الجمال في الوجود ويعد من وسائل غرس الجمال الكبرى الصورة الشعرية .)
فالوزن سمة قاهرة من سمات الشعر، ولئن لم يركز الرومانسيون والرمزيون على البعد الإيقاعي الصوتي بصورة خاصة، فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون ان العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الاظهر من مكونات الشعر، فالنص الشعري حقيقة هو نوع من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته وخاصة بين حروف اللغة وابراز ذات الصوت المتشكل من الحرف اللغوي واتصاله باخر وفقا لامكانية الشاعر ومقدرته على الاتيان بالافضل ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية، الا ان القصيدة المعاصرة واقصد قصيدة الشعر الحر ,التزمت عن بعد بحور الشعر الصافية مع ايغالها المفرط في الزحافات عند اغلب شعرائها اوقصيدة النثر الرافضة لكل المفاهيم الشعرية القديمة والثائرة على كل الاوضاع الموروثة سائرة في خط الحاضر اوالمستقبل .
والشعر على العموم بجماليته وقوته وطموحه وأحلامه، يبقى بماهيته شكلا ومضمونا ومنابعه الصافية محيراً للعقول ويظل جمال ماهيته شيئاً مثيراً جاذباً للنفوس واعواطفها معبرا عن خوالجها يكتسب جماليته من وظيفته الإيحائية الغامضة فنياً . صائغا ماهيته من انبثاق عالم مكبوت في داخل هذا الشاعر الثائر وعلى هذا انبثقت جمالية هذا الفن من روحية عالية ونفسية شاعرة ملهمة .
ولعل وقائع الاحداث التي رافقت هذا العصر ربما أسهمت في كثير من الاحيان في اختلال بعض القيم والمعايير الإنسانية ،و كانت السبب المباشرالذي دفع بالشاعرالمعاصرالاهتمام بالمعطيات الموضوعية والفنية لهذه الأسطورة ليهرب من واقعه المرير إلى عوالم اخرى قد تسودها المثالية ويحلق فيه الخيال الجانح نحو الارتقاء والتمكن ،فيبني الشاعر عالمه الخاص به والذي يملأ عليه فراغات من ذاته المكبوتة. وقد طفق الشاعر المعاصر ، نتيجة لهذه المتغيرات السياسية والأحداث المأساوية التي شهدها العصر الحديث يتلمس او يتفهم المقومات القادرة على الإفصاح عن رؤيته الإنسانية الشاملة إلى أبناء وطنه او انسانيته وقد تكون هذه الأسطورة او تلك خير وسيلة للتعبير عن النوازع النفسية ا والحوافز الداخلية عنده او تعبر عن نفسية الاخرين . ربما جاءت لتعبر عن تجسيد للتوق الإنساني الشديد وشكله الخيالي المناسب لهذا التعبير ،
لذلك أصبحت الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وارؤاه وأفكاره و تجربته الشعرية بدءا من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى لتمثل بوا سطتها الواقع الإنساني في هذا العصر بصورة عامة.
ومن خلال دواوين الشعراء وخاصة المعاصرين منهم لتجد فيها او ترصد فيها أنماطا متعددة من الرموز والأساطير التاريخية على مر العصور ، فقد أولى عدد منهم اهتماما واضحا بالأساطير البابلية والآشورية والسومرية او الفرعونية او الامازيغية التي قد ترتبط بأحداث تميزت بالقدرة على إظهار إحداث العجائب والخوارق ،واوجدت شكلية جديدة للشعر المعاصر و عاملا مهما من عوامل التحفيز والإثارة وتجسدت بشكل حيوي في أنشطة هذا الإنسان منذ القدم في الوقت الحاضر او بمعنى اخر غيرت اسطوريته الى واقع حاضر ليستلهم منها كل جديد.
فالأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه الشاعر المعاصر خلاصة فكره وجديد عواطفه ونزعاته ، وان هذه الأساطير تمثل ما تبلور في أذهان الانسان القديم في العراق اومصر اواليونان والرومان اوالفرس وغيرهم من الاقوام القديمة ذات التاريخ العتيد والثقافة الرفيعة من قصص وحكايات أسطورية فعبرالشاعر في تصويره الشعري لخلق العالم من جديد ،ولوجود هذا الإنسان على الأرض ،ومصيره المجهول وما يحيط به من مظاهر الكون والطبيعة وتساؤلات واسعة او ربما تكون في بعض الاحيان غامضة يتكهن الاجابة عليها وربما تفلت منه فتبقى سرا سرمديا قديما وحديثا .
راجع كتابي ( دراسات في الشعرالمعاصر وقصيدة النثر )
و الاساليب الشعرية المعاصرة والحديثة والتي تتمثل في الشعر الحر او قصيدة النثر مهما كثرت زواياها واختلفت طرقها فانها تتمثل في مجموعتين أسلوبيتين هما الأساليب التعبيرية والأساليب التجريدية.
يتمثل الاسلوب التعبيريّ بالنمط الذي تنتجه أشكال اللغة الأدبية اسلوبا ملونا بلون من المعايشة غير المباشرة أو المعهودة، حيث تقدم نوعاً من الحقائق المبتكرة بتحريف يسير للغة المعبرة، وتفعيل معقول لآليات التوازي والاستعارة والترميز بشكل يؤدي إلى الكشف عن التجربة في مستوياتها العديدة التي قد تصل إلى أبعاد محددة لكنها تظل تعبيرية الحقيقة المكنونة .
أما الأساليب التجريدية فتعتمد على زيادة معدلات الانحراف وتغليب الإيحاء والرمز على التصريح، فتعطي القصيدة إشارات مركزة يتعيّن على المتلقي إكمالُها وتنميتها من الداخل، مع فارق جوهري بين التعبيرية والتجريدية يتمثل في إشارة الأولى إلى التجربة السابقة على عملية الكتابة نفسها سواء أكانت حقيقية أم تخيلية، واختفاء هذه الإشارة في الثانية بناء على غيبة هذه التجربة.
ويندرج تحت التعبيرية أربعة أساليب، هي
1-الأسلوب الحسي الذي تزيد فيه الإيقاعية والنحويّة؛ في حين تقل درجة الكثافة والتشتت والتجريد،
2-الأسلوب الحيوي الذي ينمي الإيقاع الداخلي ويعمد إلى كسر يسير في درجة النحوية ويتوافر فيه مستوى جيد والتنويع من دون أن يقع بالتشتت.
3- الأسلوب الدرامي الذي يعتمد على تعدد الأصوات والمستويات اللغويّة، ويحقق درجة من الكثافة والتشتت من دون أن يخرج عن الإطار التعبيري.
4- الأسلوب الرؤيوي الذي تتوارى فيه التجربة الحسيّة مما يؤدي إلى امتداد الرموز في تجليات عديدة ويفتّر الإيقاع الخارجي، ولا تنهض فيه أصوات مضادة، ويحقق مزيداً من الكثافة مع التناقص البين لدرجة النحويّة.
وفي الأساليب الشعرية المختلفة , نلاحظ الاسلوب الحسي يتمثل في شعر(نزار قباني) ونعده افضل نموذج للشعر الحسي، و في شعر ( بدر شاكر السياب) نموذجاً للشعر الحيوي، أما الشعر الدرامي فيتمثل في شعر (صلاح عبد الصبور)الشاعرالمصري من خلال نتاج صلاح ؛ في حين يكون الأسلوب الرؤيوي ممثلا بشعر (عبد الوهاب البياتي).
يتبــــــــــــــــع 
.
اميرالبيـــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــــد روز
*****************************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 267 مشاهدة
نشرت فى 1 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

سلاسة اللغة في ديوان
"حفيد الجن، سيرة شعرية"
راشد عيسى
جميل أن نجد من يحثنا عن مولده من خلال القصيدة، والأجمل أن تكون اللغة المستخدمة سلسة وناعمة، سنجد في هذا الديوان المتعة، وهي السمة الأهم والأبرز في أي عمل أدبي، وسنجد بعض المشاهد تأخذها إلى الواقعية والرمزية معا، كما سنجد الحياة الريفية بشكل واضح في الديوان، كما سنجد بعض القصائد الساخرة كما هو الحال في قصيدة "عرف الديك" وهناك قصيدة "جرس الكبش" التي يمكننا اسقاطها على رأس النظام الرسمي العربي، ونجد قصيدة الومضة في "تصبيع" ونجد استخدام كثيف للحيوانات كما هو الحال في قصيدة "المغارة"، والقصيدة الأجمل في الديوان كانت "الملتبس" والتي تتوحد فيها الكلمة مع الحرف مع المضمون فكانت قصيدة منسجمة تماما في شكل وطريقة تقديمها من جهة، وبين الألفاظ والحروف من جهة أخرى، كل هذا الجمال سنحاول تناوله لعلنا نفلح في تبيان جمالية ديوان "حفيد الجن، سيرة شعرية".
الرمزية والواقعية
يحدثنا الشاعر عن مولده فيعدنا إلى بداية وجوده في الحياة، يقول في قصيدة "حفيد الجن الأزرق":
"... 
فوق ذراع جبلي يمتد
كنمر أسطوري
كان أبي يجمع حطبا
مع أمي الحبلى بي
صاحت أمي وهي تزم الحزمة
فوق الرأس:
جاء مخاضي
داء ... م .. خا.. ضي
رقص أبي
نتش الشبابة من جيب
القمباز وعزف "الدلعونا"
واتخذت أمي جذع الزيتونة
متكأ وابتهلت للرب بأن
يرزقها بولد
صاح أبي
...
حنطي اللون وكنعاني
السيماء
وشفافي كيسوع
يطلع نور من عينيه
ويغسلني
كم يشبهني!
يشبه دمعة وطني
...
صحاها ..مال علي
وقطع الحبل السري
بشبريته
قمطني بالكوفية
وبضحكة
وتلا في أذني الشعر
وموال عتابا
ضحكت أمي
ضحكت ...ضحكت حتى كاد
الجبل يهيل
فرك أبي حبة زيتون
تحت لساني
قلت له: لا تقلق..
لا تقلق
إني من نسل عميد الجن
الأزرق"ص7-10.
هناك العديد من الألفاظ الشعبية الفلسطينية كما هو الحال في "نتش، الشبرية؟، القمباز، الدلعونا، الكوفية" وإذا ما اصفنا إليها "جذع الزيتونة، وشفافي كيسوع" يتأكد لنا أن الشاعر يعمل بإصرار على توضيح فلسطينيته في القصيدة، فرغم خلو الديوان من ذكر المكان كما هو الحال عند الكتاب والأدباء الفلسطينيين، نجد "راشد عيسى" يستخدم ألفاظ فقط، لكنها تعطينا وتوصلنا إلى فكرة الفلسطينية التي أرادها الشاعر.
وإذا ما توقفنا عند "تقميط" الشاعر بالكوفية، بعد ولادته يمكنا أن نأخذها على أنها حدث واقعي، لأن الولادة تمت في الجبل ولم يكن هناك مجال للاستعانة بالقابلة أو الذهاب إلى المستشفي، كما يمكننا أن نأخذ عملية "التقميط" بصورة رمزية أيضا. وهذا الأمر ينطبق أيضا على الصوت الأول الذي سمعه المولود/الشاعر، فكان الشعر وموال عتابا، وهذا الفعل يمكننا أن نأخذه على أنه ناتج عن فرح الأب، فوجد نفسه يعبر عن فرحته بهذا الشكل، وكما يمكننا أن نأخذ الحدث عل أنه ومزي.
الأم
للأم حضورها ومكانتها، فما بالنا عندما يكون العمل الأدبي يتحدث عن سيرة!، يخصص الشاعر قصيدة "السرير" محدثنا عن أمه والأثر الذي تركته فيه، يقول:
" ...
عندما ولدتني رأيت
سريري ما بين نبعين
في صدرها
قلت هذي مرابع روحي
إذن
وهنا سوف أحيا
وسوف أموت ...هنا
أتعرف لغز الوطن
وهنا دمعتي المطمئنة 
لكن أمي
بنت لي سريرا من الخيش
شد بحبلين بين غصنين
في تينة دائخة
...
كنت كم كنت أرجو لو أني
حبة كوسا
لتلمسني كف أمي ولو 
دون قصد ولا جدل
من حنان
كنت كم كنت أغبط حب
البطاطا يكوم في حجر
أمي التي انشغلت عن سريري
لترضي أبي
وتداري الزمان"ص47-50.
الجميل في هذه القصدة بساطة التعبير عن الأمنية التي يريدها الشاعر، لكنها بالتأكيد توصل لنا طبيعة العلاقة الحميمة بينهما، كما أن "الكوسا والبطاطا" يعطينا صورة الأم التي تهتم بتغذية ابنائها، فهي تعتني بهم جسديا، وايضا روحيا من خلال:
"بنت لي سريرا من الخيش
شد بحبلين بين غصنين" 
الارجوحة البسيطة منحت الطفل/الشاعر شعورا بالفرح، لهذا ما زال يتذكر هذه الارجوحة، ونجد انعكاس أثر الأم الايجابي على الشاعر في بداية القصيدة عندما رسم لنا مشهد في غاية الجمال:
"عندما ولدتني رأيت
سريري ما بين نبعين
في صدرها
قلت هذي مرابع روحي"
اعتقد أن هذه الصورة الناعمة والجميلة ما كانت لتكون دون وجود الأم، فهي التي منحت الشاعر هذا الإلهام ليرسم لنا هذه الصورة.
القصيدة الساخرة
التنوع في تقديم القصائد يجعل الديوان كباقة من الأزهار متعددة الألوان والرائحة، يحدثنا الشاعر عن الديك الأبيض، وهو يسمى عند الفلاحين "ديك دولة/دجاج دولة"، في بداية القصيدة يحدثنا الشاعر عن ديك "بلدي" أصيل يعرف كيف يقوم بواجبه تجاه الدجاجات:
".. وكان يطوف على عشر دجاجات
في البيت
وكثيرا ما زار دجاج الجيران" ص86، 
لكن بعد أن يذبحه الجد للضيوف، يأتي بديك جديد:
في العالم الماضي
بتعنا ديكا أبيض من أحدث
مزرعة في العصر
نصحونا أن نطعمه علفا
غريبا
ففعلنا
وبمدة شهر
صار الديك سمينا كخروف
...
وشرينا عشر دجاجات
أطلقنا الديك لخدمتهن
ولما حاول أن يتزوج
إحداهن
خاب على الفور
فانتفضت أكبرهن
قفزت فوق الديك ولعبت عنه الدور" ص85-88.
دائما قصص الحيوانات تأخذنا إلى عالم بسيط وممتع، لكنه عميق، أليس هذا ما كان في كتاب "كليلة ودمنة"؟ فنجد الشاعر يحدثنا عن قصة بلغة بسيطة وممتع، لكن فكرتها عميقة تجعلنا نتوقف عندها، وبالتأكيد سنجد لها علاقة بما يجري في رأس النظام العربي الرسمي، فها نحن نرى كلما جاء (رئيس) جديد نجده أقزم وأتفه من سابقه.
القصيدة الرمزية
إذن الشاعر يستخدم الحيوان في ديوانه ليبعدنا قدر المستطاع عن واقع السياسة البغيض، فالحديث فيها مؤلم وموجع، خاصة لدول ولمجتمعات لم ترى في حياتها انتصارا أو انجازا واحدا يرفع من مكانة الأمة/الشعب، فكثرة الهزائم وتتابعها وتكرارها تصيبنا بالغثيان، فأصبحنا نتجه إلى أي شيء يحررنا/يبعدنا عما نحن فيه، "راشد عيسى" هو واحد من أفراد هذا المجتمع، لهذا نجده يتحدث عن واقع الحاكم/الرئيس في قصيدة "جرس الكبش" والتي يقول فيها:
" عجوز عليل
وشبه ضرير
ورجلاه معقوفتان
يسير ببطء ذليل
ورأس يكاد يمس التراب
وظهر نحيل
كوس الندم
عرفناه من جرس كان يوما
يدير المراعي
ويصغي
إليه المدى باهتمام
وحين يرن مع الصبح
ترنو إليه النعاج
وتسمعه باحترام
وكنا نراه على أول السرب
يخطو كقيصر
هو الآن خلف القطيع يحفزه
بالعصا
هو الآن يدفن قرنيه بين الحصى
لئلا يرى غيره حاملا للجرس" ص89و90.
يمكننا اسقاط هذه القصيدة على الواقع الرسمي والشعبي العربي، والجميل في هذه القصيدة أن الشاعر استخدم عبارات قصيرة وجعل من القصيدة قصة قصيرة، لهذا امتعنا أكثر من مرة، مرة باللغة السهلة، ومرة في السرد القصصي، ومرة بالفكرة التي طرحها، ومرة باستخدام الكبش والقطيع ليحررنا من الحديث عن السياسة والواقع البائس والهزيل الذي نعيشه.
قصيدة الومضة
تعدد اشكال القصائد له أثر جميل على المتلقي، في قصيدة "تضبيع" والتي تلتقى مع كلمة "تطبيع" تحذرنا بطريقة ناعمة وسلسة من "الضبع":
"1
لو حنى الضبع لي ظهره 
لست أقفز عنه
ولا اركبه
2
لو رمى الضبع لي نابه
لست أطفئ ناري
ولست أقربه
3
لو يقص نخالبه الضبع لي
لا أسلم يوما عليه ولإن
لان لي مخلبه
4
لو سها الضبع لي
كي أغادر خوفي
سأفتح عيني جدا
لئلا يخالسني ذنبه" ص91و92.
قبل الدخول إلى هذا الومضات نتوقف قليلا عند القصائد الثلاث الأخيرة والتي جاءت تتحدث عن الحيوانات، فعندما يريد الشاعر أن يتناول موضوع سياسي نجده يستخدم الحيوانات، وهذا الاستخدام يخفف ويبعد المتلقي عن الطرح السياسي المباشر والذي يسبب له الكآبة والامتعاض، وهذا يعد ذكاء من الشاعر، الذي يحرص على مزاج القارئ ويهتم بمشاعره، فيقدم له واقع مؤلم لكن بشكل محبب وجميل، ويخدم الفكرة، وفي ذات يمتع القارئ بها رغم قسوتها.
كتابة الومضة من أصعب انواع الكتابة، فالشاعر يختزل ويكثف افكاره بها، والملفت للنظر في هذه الومضات أن هذه الومضات تحمل عين الفكرة التي جاءت في قصيدة "لا تصالح" ل"أمل دنقل" لكن ما يحسب "لراشد عيسى" أنه قدم عين الفكرة لكن بطريقة ناعمة وسلسة، فلا نجد فيها الصوت العالي، وهو لا يخاطب القارئ مباشرة، بل يحدث نفسه، وهذا ما جعلها أكثر سلاسة ونعومة.
القصيدة الأجمل
في قصيدة "الملتبس" تتوحد الكلمة مع الحرف من الفكرة:
"كل الضوء من غير روحي
فاهي
يتعدى
ولا يثير انتباهي
مكتف بي
أحاول الوهم وحدي
طالع شرقي دمعتي
وانشداهي
ليس سهوا أصد
دنياي عني
إنما للنور طبع
التساهي
أتقهوى دمي
على أي جرح
وأغني بين الجراح
المقاهي
أنا والوهم خدعتان
اتحدنا
ولبسنا معا قميص التماهي" ص65و66، حرف الهاء يخدم فكرة الألم، كما يخدم فكرة التيه/اليأس، فهنا يستخدمه الشاعر بالمضمون الثاني، فنجده الشاعر يعبر عن يأسه من خلال "فاهي، انتباهي، الوهم، انشداهي، سهوا، التساهي، اتقهوى، المقاهي، التماهي" كل هذه الكلمات إذا ما ربطناها بالفقرة التي جاءت بها، نجد هناك حالة من اليأس والتيه عند الشاعر، وإذا ما ربطنا المقاطع القصيرة والتي تعبر حن حالة "التعب/القرف التي يستخدمها بحالة اليأس، يتأكد لنا أن هناك انسجام وتوحد بين الكلمة والمعنى والشكل الذي قدمت فيه القصيدة.
الديوان من منشورات مكتبة الأسرة الأردنية، وزارة الثقافة، عمان الأردن، سنة الطباعة 101

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 162 مشاهدة
نشرت فى 1 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربيـــــة
المجلد العاشر- شعراء المعاصرة
.
بقلم د. فالح الكيــلاني
.
الشعر العربي المعاصر - القسم الثالث
.
أما علاقة قصيدة النثر بنموذج الشعر المنثور الذي ظهر في النصف الأول من القرن العشرين، فهو محل إشكالية أخرى حيث يذهب قسم من النقاد والذين يميلون الى تفضيل القصيدة العمودية إلى أنَّ الاثنين – شعرالتفعيلة وقصيدة النثر -لا يعدوان أن يكونا تسميتين لنمط كتابي واحد بينما يرى آخرون أنهما جنسان مختلفان كل الاختلاف، لأنَّ لكل منهما خصائصه واميل لهذا الراي واعتبره الرأي الصحيح .
وربما يعد الايقاع اشكالية أخرى من إشكاليات قصيدة النثر ، إذ يرى كتّابها أنَّ لها إيقاعا خاصا ويفضلونه على إيقاع القصيدة العمودية القائم على الوزن والقافية ، فهؤلاء وهؤلاء في خصومة تامة .
ويعتبر الشعراء جبرا إبراهيم جبرا،و توفيق الصايغ،وأدونيس، و محمد الماغوط، وأنسي الحاج، وسركون بولص، وعزالدين المناصرة و سليم بركات،وعبد القادر الجنابي وسلمى الخضراء الجيوسي ، رواد قصيدة النثر عند نشوئها في القرن العشرين.
ومنها هذه السطور الشعرية :
ايقظت مارد شعري
في حدائق بابل السندسية
بين رياض غرناطة
ترانيم اندلسية
للعشق حكايات هناك
ترم عظاما بالية
في قصورالحمراء
وبغداد العربية
اندلسية ام غجرية
بلكنة قرمزية
ومواويل عربية
ومن المهم أن نعرف ان مصطلح ( قصيدة النثر ) قد اكتسب شكلا ادبيا و رسوخا ثابتا ، وتنظيرا واضحا، استقرت معه الكثير من الأطر الجمالية وهي الأساس لقصيدة النثر المعاصرة والتي تظهر ابرز ملامحها في التخلي عن الوزن والقافية ، والإبقاء على روح الشعر المتمثلة في الإحساس المتقد ، والصورة الخلابة ، واللفظ المنغّم لتستقي جماليتها منها . والتي كانت كمحاولات تعود إلى أشكالية مصاحبة للمدرسة الرومانسية للشعر في مطلع القرن العشرين وقد امتازت باعتماد ها على وحدة السطر الشعري بدل البيت العمودي القديم ( التقييدي) وكذلك على نغم الألفاظ ، وجمال الصورة ، وتألق العاطفة فنجد في قصيدة النثر نفس مفاهيم الشعر الرومانسي وآلياته وقد نعتبره في الاغلب الأب الشرعي لقصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر ، ومن المهم كيفية قراءة قصيدة النثر في ضوء تجربة هذا النوع من الشعر .
ويجدر بالذكر أن الشعر المنثور ، يخالف بكل شكل من الأشكال ما يدونه البعض من الخواطر المكتوبة فهو ليست بخاطرة لكنه ربما يكون قريبا منها من حيث التعبير وانتقاء الكلمة الاوضح وهذا واضح ومفهوم فالشعر المنثور نص عالي الشاعرية وقد يدور حول رؤية جديدة أساسها الوجدان المتقد والنفس الحار والخاطر المشحون وما يحقق من جمالية عالية مستفيضة كالزهرة في الحديقة العامة فهي ملك للجميع وتنثر شذاها اليهم بالتساوي .
فقصيدة النثر انتشرت انتشارا واسعا في السنوات الاخير ة بين الشعراء الشباب واخذ يكتب فيها كل من هب ودب وتميزت برمزيتها الخانقة وغلوائيتها الممجوجة لدى البعض وعدم مفهوميتها الا ما ندر وما دعوت له هو سهولتها وقربها من المتلقي ليفهم ما تسمو اليه في قصدها والغرض الذي قيلت فيه لاحظ قولي :
افيقي .. افيقي ..
ذات المكحل الاخضر
في بلدتي عرس
اوحى به النجم
اهتزت له الدنيا
وليل الحب مسروج
وغنت اغنية الشوق
نخيل في البساتين
وغنت سدرة الشارع
بصوت شبه محزون ----
وخاصة بعد ظهور الانترنيت والفيسبك من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاعلام ووسائل النشر المختلفة التي انارت دروبا وسبلا كثيرة وفسحت المجال للنشرلكل الاخرين وحطمت بعض الابراج المتعالية والتي كان بعضها جوفاء ومن سلبيات هذه القصيدة ان اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين وكل يقول انا اكتب شعرا او اكتب نثرا . 
*
ومن اهم خصائص جمالية قصيدة النثر هو الإيجاز ونعني به الكثافة في استخدام اللفظ سياقيا وتركيبيا . - والتوهج ونعني به الإشراق حيث يكون اللفظ متقدا متألقا في سياقه ، كأنه مصباح يطفح نورا حتى إذا استبدلناه بغيره ينطفئ بعض بريقه او يتلاشى وتكون في هذه القصيدة - واعني قصيدة النثر- متوحدة في صياغتها بحيث يكون السطر الشعري الذي يماثل ( البيت الشعري في القصيدة التقييدية ) وحدة متكاملة مع بقية سطور القصيدة فلا سطر يقرأ بمفرده اي ان القصيدة تكون مترابطة متوحدة شمولية لا تحدد بزمن بحيث تكون تنسيقية متفاعلة مفتوحة اطرها تخلت في بنائها عن النغمية والايقاع العمودي لحساب جماليات جديدة ، وأساس هذه الجماليات :
تجنب الاستطرادات والإيضاحات والشروح ، وهذا ما نجده في الأشكال النثرية الأخرى على ان تكون قوة اللفظ وإشراقه قوة جديدة وفاعلة فيها.
فقصيدة النثر : تؤلف عناصرها من الواقع المنظور وفق الرؤية الفكرية للشاعر بعلاقات جديدة بين ألفاظ النص وتراكيبه ، هذه العلاقات مبنية على وحدة النص وحدة واحدة ، ذات جماليات مبتكرة تعتمد على رؤية الشاعر للواقع المادي الخارجي بمنظور جديد ،وامكاناته الشعرية في سياقاتها نحو الجمالية والافضلية بحيث تنعكس هذه الرؤية على العلاقة اللفظية ، وبنية التراكيب ، وقوة التخييل ،و وحدة الرمز الا ان هذه الرمزية اتخذها بعض شعراء هذه القصيدة – قصيدة النثر - ذريعة في الايغال في الابهام والغموض بحيث انعكست سلبا على المتلقي وادت الى عزوفه عن قراءتها في بعض الاحيان حيث يفضل عليها قصيدة العمود الشعري لما فيها من موسيقى في الوزن والقافية القريبان الى اذن المتلقي العربي الموسيقية والتي تعودتها اذنه واحبتها نفسيته بحيث يبقى يفضلها على سواها في كل الاحوال ويردد مع نفسه ما يحفظ من ابيات فيها في بعض الاحيان او ينشدها .
وهذه الحالة عرفت بتيار رمزي جارف يقوم على اعتبار الشعر كتابة إبداعية مادتها اللغة، وهذه الكتابة هي عمل ابداعي نابع من اللغة حيث يخلق منها كيانا ذاتيا يختلف عن لغة التعامل اليومي اوعن لغة المنطق الظاهري، يتفاعل معه الفكر الشعوري بالتداعي الحر مشتركا بتيار الأحلام النفسية المنبثقة من نفسية الشاعر ذاته ويهدف إلى ايجاد معانجمالية مبتكرة لها قابلية تغيير الاحوال نحو الافضل في التعامل مع الموروث التاريخي واللغة المقال فيها هذا الشعر، و تحرير الطاقات الكامنة لدى الشاعر تحريرا شاملا يدخل من خلالها الى الطاقات الشعرية الذاتية اوالنفسية والبواعث الانسانية الاجتماعية.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع 
.
اميرالبيـــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــد روز

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 128 مشاهدة
نشرت فى 1 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

إسماعيل فهد إسماعيل كاتب روائي وناقد وكاتب مسرحي، تعرفت علية من خلال رواية "المستنقعات الضوئية" في العقد الثامن من القرن الماضرباعية إسماعيل فهد إسماعيلي، حيث كان أدب القمع ـ تحديدا ـ أكثر ما يستهوي القارئ في ذاك الزمن، والآن وبعد أن ابتعدنا ـ نسبيا ـ عن واقع القمع والمحرمات، سنحاول تقيم تلك الأعمال، بعيدا عن الانحياز للكاتب، وبحيادة قدر المستطاع.
بداية أنوه إلى أنني فقدت رواية "المستنقعات الضوئية" ولم اتمكن من الحصول عليها، ولذلك سيتم التطرق إلى ثلاث روايات من الرباعية، وهي " كانت السماء زرقاء" و"الضفاف" و "الحبل". الفكرة التي تناولتها الرباعية تتمثل في القمع السياسي تحديدا، وما يواكبه من حرمان من العمل والمنع من السفر والاعتقال والمطاردة، فكان الاعتقال أو التشرد أو المنفى الجبري كوابيس تطارد كل من يعارض النظام، إن كانت هذه المعارضة ذات طابع سياسي منظم أم شخصي/فردي، فكل من يمس النظام أو الدولة هو مطلوب ومتهم.
كما إن فكرة الصراع الطبقي واضحة المعالم في الرباعية، وضمن حالة الصراع كان لا بد من وجود ـ حرية للمرأة كمتنفس وحيد للواقع البائس، وكان تعاطي السجائر والخمر يمثل تمرد ـ ولو شكليا ـ على الواقع، كما كانت المرأة تلعب دور أساسي وحيوي في الرواية، إن كان من خلال السارد والأحداث الروائية، أم من خلال إعطائها حرية التعبير عما يجول في نفسها.
وكان الأدب في تلك الفترة ينسجم تماما مع فكرة الحرية التي تطالب بإعطاء المرأة كامل حريتها، من هنا كانت الرباعية تتمثل نموذج الواقعية الاشتراكية بكل جلاء.
كما أن المكان كان حاضرا وبقوة في الرباعية، فهناك بغداد والبصرة والكويت، وكذلك تم ذكر لشخصية عبد الكريم قاسم، ليتأكد للقارئ بان أحداث الرواية تجري في العراق، وفي فترة العقد السادس من القرن الماضي، ومن يتابع أحداث الرباعية يتأكد أن كاتبها عاش الحالة العراقية بكل تفاصيلها. 
أما على صعيد شكل الرواية واللغة التي استخدمها الكاتب، فقد كانت لغة بسيطة وسهلة وسلسة تتناسب تماما مع فكرة "الأدب للجماهير" ويخدم ويتماثل مع فكرة: "الأدب وجد لخدمة الاشتراكية والجماهير".
كما أن الراوي استخدم الحوار بشكل يطغى على السرد الروائي، مما جعله اقرب إلى المسرحية منه إلى الرواية، لكنه استطاع تجاوز ـ زخم الحوار ـ من خلال إعادة مقاطع من الحوار ومن خلال استخدام الخط الغامق لتميز الواقع عن الماضي أو التخيل، مما جعل الحواري يأخذ شكل الزمن أكثر منه جوار.
وما يميز الرباعية أنها تخلوا من ذكر الأسماء تماما، وحتى أن رواية "الطيور والأصدقاء" و"رواية خطوة في حلم" كانت شخصياتها مجهولة الأسماء، وكأن الكاتب عنده حساسية من ذكرها، لكن الجزء الرابع من الرباعية " الضفاف" تم كشف عن الأسماء بكل وضوح، وحتى أن هناك فصول تم تسميتها بأسماء أبطال الرواية، فلم نكن نعرف أسماء أبطال "رواية السماء زرقاء" أو "الحبل" إلا بعد قراءة "الضفاف" حيث تم الكشف الغموض الذي استخدم في الروايات السابقة، وما يلاحظ على رواية "الضفاف" تحديدا أن الراوي استخدم لأسماء بطريقة يشعر القارئ بان هناك قرارا قد اتخذ بالتخلي عن إخفاءها. وسنحاول هنا إضاءة بعض هذه العناصر في رباعية "إسماعيل فهد إسماعيل".
الطرح الطبقي
الطرح الطبقي من أهم ميزات الواقعية الاشتراكية، فبدونه يكون العمل الأدبي ـ منحرف ـ طبقيا، ومنحاز لصالح البرجوازية، وبما أن الكثير من الأدباء كانوا يتطلعون إلى مساحة أوسع من الحرية والى تحقيق ولو الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة، وإيجاد الكرامة للفرد وللأمة، كان لا بد من اللحاق بركب الجماهير وحمل همومها من خلال طرح المسألة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، من هنا تناول الراوي في رباعيته وتحدث في رواية "كانت السماء زرقاء" عن الاشتراكية: 
"على الفرد كي يحقق الأخلاقية الاشتراكية التي هي جزء من الاشتراكية التطبيقية، أن يؤمن بأنه جزء من الآخرين، ولأجل ذلك يخلص نفسه من شوائب الأنانية.. آن لك أن تطبق ذلك على نفسك" ص63، نجد دعوة للتماهي مع المجموع ونكران الذات تماما، لتحقيق أهداف الطبقة التي ينتمي إليها الراوي، فهنا الطرح غير مفصل عمليا وهو اقرب إلى النظرية منه إلى التطبيق، لكن في رواية "الحبل" يتحدث عنها بشرح واضح فيقول: "كنا 13 رجلا من دون امرأة. احدهم كان عربيا (أنا) ننام في غرفة واحدة. وبعد أسبوع استلمت عملي. زميلي الإيراني سلفني دينارا. اشتريت ـ بتوجيه منه ـ جاروفا. وعملت معهم في حفر مجاري شوارع الكويت. الأجرة ... "دينار واحد لقاء14 ساعة عمل في اليوم فقط" وبعد يومي الأول في العمل لزمت الفراش ثلاثة أيام. كفاي تورمتا. مفاصلي تنز ألما. وفي اليوم الرابع عاودت العمل" ص58، في المقطع السابق نجد الحياة البائسة التي يعيشها العمال في صحراء الكويت، فمكان النوم أشبه بزريبة منه إلى مكان لنوم البشر، " 13 رجلا في غرفة"، ظروف العمل صعبة جدا، وتسبب المرض بسبب الإرهاق، "بعد اليوم الأول لازمت الفراش "، "ساعات العمل طويلة جدا "14 ساعة" الأجرة زهيدة "دينار واحد" تفاصيل العمل مرهقة نفسيا وجسديا، "مجاري في شوارع" نتائج العمل الإنهاك والمرض "كفاي تورمتا مفاصلي تنز ألما" ضمن هذه الظروف لا بد من العمل على تحسين الظروف وحيثيات العمل، فبمجرد ذكر هذه التفاصيل لا بد للقارئ أن ينحاز ـ طبقيا ـ أو إنسانيا أو أخلاقيا للعمال، فما سبق تقديمه من مشاهد، يخدم فكرة الطرح الطبقي وتحقيق العدالة للعمال بطريقة غير مباشرة، وهذا الأمر يحسب له، وبعد ذلك ينقلنا إلى فكرة متقدمة تتمثل في النقابات وتنظيم العمال ورص صفوفهم لمواجهة الرأسمالي/صاحب العمل. 
وإذا كانت رواية "الحبل" قد رفعت من مفهوم الصراع الطبقي فان رواية "الضفاف" كانت أكثر إسهابا وتفصيلا لحالة الصراع بين العمال واصحاب العمل، حيث كانت ظروف العمل تتحدث عن مصنع وليس ورشة، وهذا يعطي العمال مساحة اكبر ـ زمنا ـ لكي يتفهموا ظروف عملهم، على النقيض من الورشة حيث لا يستمر العمال لأكثر من شهور في أفضل الأحوال، من هنا كانت رواية "الضفاف" تمثل النموذج الأمثل لهذا الطرح:
"ـ اليوم نبدأ عملية التحريض على الإضراب ـ ... وتحس بضرورة تبرير وجهة نظرك ـ ... ـ هم رفضوا مطالبنا ـ نحن نطالب بحقوقنا المشروعة ... ساعات العمل ...الظروف الديمقراطية.. الأجور ـ أنا اعمل من أجلك وأجلي "ومن اجل الطبقة العمالية" لكنه أحتفظ بالجملة الأخيرة: "من اجل كرامتنا" ص60 و61، فهنا ارتفع مستوى الوعي عن العمال، حيث أنهم متحدون معا لتحقيق مطالبهم، كما أننا نجد القيادة العمالية تعرف كيفية النضال من اجل تحقيق المطالب العمالية، وكأن الراوي عمل على التدرج بتقديم المفاهيم العمالية حتى أوصلها إلى هذا المستوى الراقي.
وسيتكرر كلمات " الإضراب، التعاون مع العمال، الطبقة العاملة، النضال من اجل أهداف عليا" ص116 في أكثر من موضع في الرواية، كتأكيد على وصول النضال العمالي إلى مستوى رفيع وناجح. وقد استطاع الراوي أن يقدم أسلوب جديد في الصراع الطبقي، لتحقيق مطالب العامل، وذلك عندما تحدث عن أشكال جديدة لنضال العمال في رواية "الضفاف"، عندما تحدث عن سرقة منزل مدير المصنع:
"ـ طرحي لفكرة سرقة بيت المدير ما كان وليد قرار اعتباطي. وإنما نتج عن دراسة علمية موضوعية ...
ـ عوائد العملية ستعود على عوائل العمال المعتقلين
ـ عصفورين بجحر واحد. إرباك المدير. توجيه الأنظار ناحية السرقة. أشغالهم عن مراقبة سير عملية الإضراب. توفير المال الضروري ل...
ـ حربنا هي حرب طبقية طاحنة. ولا بد من الاستعانة بجميع أنواع أسلحتنا. كاسترو كان يسرق من الإقطاعيين والرأسماليين من اجل توفير ال ..." ص198 و"،199 اعتقد إن ذروة التماهي مع الفكرة تكمن في استخدام أساليب ـ غير تقليدية، اساليب متطرفة ـ نسبيا ـ ، لتحقيق أهداف العمال ومطالبهم، فالخروج بهذه الفكرة كان يشير على تنامي الوعي الطبقي عند ـ الراوي والعمال ـ وعلى أن الراوي لم يكن بعيد عن هذه الأعمال النضالية، فالواقعية الاشتراكية كانت تبرز بشكل أوضح في أحداث الرواية وشخصياتها.
وإذا أخذنا ظروف العمال في المنطقة العربية في العقد السادس من القرن الماضي وظروفهم حاليا لوجدنا ضعف وبطئ التغيير الايجابي الذي حدث للعمال، فما زالوا يعيشون في ظروف قاسية وصعبة، ومع هذا لا نجد هناك تحركات عمالية كلتي حدثت في القرن الماضي، تطالب بحقوقهم، وهذا التراجع والتقهقر يشير إلى فقدان اليسار العربي للكثير من قدراته على الاتصال والتوحد مع الجماهير العمالية، فهل ماتت الاشتراكية؟، أم أن العمال حصلوا على كافة حقوقهم، ولم يعد هناك لهم مطالب!.
الاعتقال والتحقيق
حالة طبيعية أن يشعر الإنسان بالخوف والجزع من عملية الاعتقال، خاصة في دول لا تعرف من حقوق الإنسان أي شيء، وذلك ليس لان السجن يعني الحبس عن الأهل والأحباء والحرمان من الحرية وحسب بل لان المعتقل كان يتعرض الأشد أنواع التعذيب ـ الجسدي والنفسي ـ فهناك صورة لهذا الوضع في رواية "الضفاف":
" ـ أين أخفيت منشورات الحزب؟ ـ الحزب؟! ما كانت دهشتي كذبة ـ وتظاهرت بالغباء! 
ـ "ابد" .. أنا لا انتمي لأي .. ولم استطع الإتمام. كلمة حزب تكسرت داخل فمي جراء الصفعة المدوية التي سقطت على وجهي ـ حمار!.. كلب!!. فوضوي
وبرد فعل لا واع ارتفعت يدي. لم أضرب أحدا. فقط رفعت يدي، لكن الضربات.. 
ـ لماذا تضربوني؟ ما آلمني ضربهم لي. كنت أتوقع ذلك، لكن الذي مزقني أن زوجتي شاهدتم. لم استطع أن تتمالك نفسها، انهارت باكية وهي تصرخ: ـ شرطة! .. مجرمون! اقترب أحدهم منها ـ أيتها ال.. كدت أجن. هو يرفع يده." 61 و 62، لم يكن الاعتقال إلا مرحلة عذاب نفسي وجسدي يضاف إلى ما يعانيه المعتقل في وطنه، فنجد في هذا المشهد طريقة التعامل الوحشية مع المعارض، فمن خلال الضرب والنعت بأقذر الألفاظ والصفات " حمار، كلب، فوضوي، فلم تكن المعاملة سيئة في المعتقل وحسب بل أثناء عملية الاعتقال أيضا:
"لماذا تضربوني؟، لماذا تضربونه، اقترب احدهم منها أيتها ال..، كدت اجن وهو يرفع يده" إذن المعارض في الدول العربية كانت ومازالت تنصب عليه نار جهنم بمجرد أن يوضع على القائمة السوداء، وليس هو وحسب بل سيطال الأمر إلى عائلته التي تعتبر شريك له في تمرده على النظام، وهذا التحقيق لم يكن لمدة يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، ولكن يستمر لستة شهور كاملة:
"نتبادل النظرات. نفزع. نرثي لمن جاء دوره 
ـ نعم!
ـ إلى التحقيق والتحقيق يمتد، ويمتد. ستة أشهر قرص الشمس ما عاد يأبه لعينه يجيء رجل الأمن. خطواته معروفة لدينا. يقف قبالتنا يصرخ:
ـ كاظم عبيد! أتبادل النظرات معه فقط 
ـ نعم!
ـ إلى التحقيق
ـ اسمك؟
ـ كاظم عبيد
ـ علاقتك بالحزب؟
ـ والله لا علاقة لي!
ـ اسمك الحزبي؟
ـ لا اسم لي 
ـ من هو مسؤول خليتك؟
ـ لا احد
ـ رفاقك؟
ـ لا احد
ـ الأفضل لك أن تعترف 
ـ بماذا اعترف؟!
ـ أعترف فنطلق سراحك
ـ أنا لا املك أية معلومات فكيف ... و التحقيق يمتد، ويمتد، ستة أشهر" ص92 و39، لم يكن المعتقل ينتمي لأي حزب، ولكن بسبب قصيدة هجا فيها رأس النظام، تم اعتقاله والتحقيق معه، لمدة ستة أشهر متواصلة:
"ما كنت سياسيا، ولا رفيقا، وهي مجرد "قصيدة نزوة" هجوت بها
ـ رفضك يلصق التهمة بك. تهمة الانتماء لتنظيم حزبي محضور. وثبات هذه التهمة معناه.. ويبعد ملفي إلى حيث سلة في طرف المكتب، ويستطرد 
ـ ما لا يقل عن خمس سنوات سجن الظلام يخيم تماما خمس سنوات!.. ماذا فعلت كي أسجن خمس سنوات؟! ..هي مجرد " قصيدة نزوة" لن اكتب الشعر ..لن"ص95، لم تتوانى السلطة عن استخدام كافة الأساليب وأنواع التعذيب ، الترغيب والترهيب، لكي تنزع اعترافا:
ـ حتى لو كان غير حقيقيا ـ فهي تريد كسر شوكة الإنسان فقط، لا يهمها تحقيق العدالة وإيجاد الحقيقة، فقط كسر وتحطيم الإنسان لكي لا يعود قادرا على النهوض مرة أخرى أبدا، فبعد الاعتقال الذي استمر لستة أشهر ودون أن تثبت أي تهمة تؤكد انتماءه للحزب أو لتنظيم سياسي ، لا بد من دفع ضريبة دخول المعتقل، وكأنه هو الذي قام بهذا الجرم بحق السلطة، وليس السلطة هي التي قامت بالاعتداء عليه وعلى حقوقه وعلى عائلته، وها هي تطالب بإعلانه عن براءته من الحزب الذي لم يكن ينتمي له أصلا، فيتم تهديده بالسجن لمدة خمس سنوات إذا لم يعلن عن براءته:
"خمس سنوات! .. ماذا فعلت كي اسجن خمس سنوات؟! ..هي مجرد "قصيدة نزوة" لن اكتب الشعر ..لن، وزوجتي لا معيل لها سواي!!
ـ أعلن عن براءتك فنطلق..
لم يبقى من أثاث المنزل سوى المهم. وصوت المحقق بلهجته التي لا تخلو من تعاطف
ـ اسمع يا كاظم! .. هل أنت حزبي؟
ـ لا والله
ـ أنا شخصيا أصدقك، لكني بحاجة إلى دليل ملموس أقنع به المسؤولين على براءتك!
وقتها سألت نفسي:
ـ "هل سأكون في يوم من الأيام حزبيا؟" فوصلني الجواب سريعا وقاطعا: ـ "لا" 
ـ "إذن فما المانع في .." وصوت المحقق بلهجته التي.. 
ـ "ها" .. ما رأيك؟
ـ ..
ـ ما رأيك 
ـ أنا طوع أمرك" ص95 و96، بهذه الكيفية تم كسر إرادة كاظم عبيد، فهو لم يكن حزبيا، ولم يفكر أن يكون في المستقبل أيضا، ومن خلال ابتسامة صفراء يتم إعلان براءته من الحزب، الذي لم ينتمي له صلا، لكن المستقبل المزري يدفع به إلى التعامل مع هذا الحزب الذي تبرأ منه، لكن ما يستنتج من الكلام الذي قاله المحقق بان النظام يهتم كثيرا بعزل الناس عن الأحزاب والتنظيمات المعارضة، وخلق حالة من العداء بينهم. قد يبدو للوهلة الأولى بان الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد هذه البراءة ويعود المعتقل إلى ممارسة حياته الطبيعية السابقة، لكن الواقع مخالف تماما، ليس من السهل على الذي يتهم ـ مجرد اتهام ـ بالعمل السياسي أو معارضة النظام أن يتخلص من (اللعنة) التي حلت عليه، فبمجرد أن يوضع اسم في ملفات الجهات اللعينة، تحل لعنة النظام وأدواته على صاحب الاسم، ولن يستطيع التخلص من هذه الوشم، حتى لو قام بعملية جراحية، فليس هناك مجال للتوبة أبدا، والإيمان بعد الكفر لا يفيد ولن يفيد أبدا. فبعد الخروج من المعتقل وتحقيق براءة كاظم عبيد" يتم ملاحقته اقتصاديا، فهو مثل الثور"
الابرق، أينما ذهب يعرف بسيماه، وعليه مطاردة لقمة الخبز في عاصفة هوجاء:
"وعندما غادرت السجن اكتشفت:
ـ أنت مفصول من عملك
ـ لماذا؟
ـ التنظيم الحزبي المحظور
ـ لكن براءتي ثبتت!
بحثت عن عمل آخر، وآخر، في كل مرة..
ـ طلبك مرفوض
ـ لماذا؟! 
ـ التنظيم الحزبي ال.. 
ـ لكن براءتي ثبتت!"96 و97 ، عملية حرمان المتهم سياسيا من الحصول على لقمة الخبر بطريقة نظيفة وشريفة محظورة عند النظام الرسمي العربي، وليس هناك مجال لأي كان أن يحصل عليها، وعليه البحث عنها مدى الحياة، ولن يجدها، فهناك التعليمات من الجهات المختصة، كما أن مصالح رأس المال تتناقض مع تشغيل ( المعارضين) الذي يشكلون خطورة على فكر العمال والعاملين، من هنا يجب إبعادهم قدر الإمكان، وعدم الرأفة بهم أبدا، ولنستمع إلى الأحوال المعيشية التي مر بها "كاظم عبيد" المعتقل:
"ـ في الكويت مجالات عمل كثيرة تقدمت إلى المسؤولين بطلب:
ـ زودوني بجواز سفر! 
ـ أنت ممنوع عن السفر
ـ لماذا؟
ـ التنظيم ال.. 
ـ لكن براءتي.
وفي الكويت مجالات واسعة للعمل. السفر بلا جواز سفر. السفر سيرا على الأقدام. السفر بصحبة إيرانيين مجهولين"ص97، هنا تكمن مأساة المواطن، فهو بلا جواز سفر لا يستطيع التنقل إلى دويلات الطوائف، وعليه أن يجد مخرج يستطيع من خلاله إعالة عائلته، من هنا يأتي المخرج الأقل سوءا، الخروج إلى دولة الجوار تهريبا، فلا مجال للبقاء في ظل نظام لا يراعي ابسط الحقوق الإنسانية ـ حرية العمل ـ .
في رواية "الحبل" يفصل لنا الراوي حالة "كاظم عبيد" بعد خروجه من السجن، فيقول:
" لم لا تذهب إلى الكويت؟ يقال "العمل متوفر هناك"
وطرقت أبواب مديرية الجوازات والسفر. قالوا لك بعد شهرين من الركض المتواصل: 
ـ بعد أيام تصل الموافقة من بغداد. أخيرا وبعد شهرين
ـ أيضا
ـ وصلت أوراقي. كتبوا على الأوراق... "سياسي خطر .. ويمنع من السفر إلى الخارج"
إن كنت خطرا فأبعدوني وباعت زوجتي سريرنا. باعت دولاب الثياب، تجمع لدينا عشرة دنانير. دفعت ثمانية منها لرجل مجهول ـ سآخذك إلى الكويت من دون جواز سفر"ص56، هذه التفاصيل تبين لنا حجم القسوة التي يستخدمها النظام بحق المواطن، فرغم انه لم يكن حزبيا ولم ينتمي لأي تنظيم سياسي، كانت
قذارة النظام لا تتوانى عن ملاحقته ومطاردته، وكأنه مصاب الطاعون، ولا يمكن شفاءه، ومن هنا يجب التخلص منه، من خلال الحضر عليه ووضعه في ـ عزلة عن الآخرين ـ لكي لا يعدي أحدا. إنسان يبيع أثاث منزله لكي يأكل أو لكي يجد طريقا للبحث عن عمل، أليست صورة تثير الدهشة؟.
وهنا يدفع بناالراوي إلى التناقض مع هذه التصرفات ومن ثم مع هذه الأنظمة المستبدة، فليس هناك أي رحمة أو إنسانية تصدر عن هذه الآلات الصماء، ولا مجال تتعاون معها أبدا. عملية الضغط على ( المعتقل) لم تكن تقتصر على السجان والمحقق وحسب بل تعدتها إلى استخدام الأهل للضغط عليه أولا ثم عليهم ثانيا:
"ـ المسؤلون قالوا لي .. "نحن نحبك... أنت تخدم الحكومة منذ ثلاثين سنة.. لكن ابنك عنيد.. لو انه قدم براءة من الحزب الذي ينتمي إليه لأطلقنا سراحه فورا.. وردف بحزن:
ـ ابني يرفض ذلك قال لي :"أنا لا انتمي إلى أي حزب .." رواية "الحبل" ص21، إننا أمام حالة من عدم الإنسانية تستخدم من قبل النظام العربي ضد كل من يعتقل وأيضا ضد كل من له قرابة به، فالأمر لم يقتصر على المعتقل وحسب بل سيطال الأهل ـ الأب، الأمن الأخت، الأخ، الزوجة، الأبناء، هكذا يتم تعامل النظام العربي مع مواطنيه المنفى والتشرد لمن لا يقع في أيدي السلطة، فيكون طريدا أو شريدا داخل الوطن أو خارجه، الكثير من المعارضين تعرضوا لتشرد أو النفي أو الاعتقال، فهم في كافة الأحوال يجب أن يعانوا من هذه الأمور مجتمعة أو بعضها، ولا مجال أبدا لان يكون خارج هذه الأوضاع، فليس لهم الحق في العمل كما أنهم محرومين من السفر للخارج، وهنا يكونوا إما معتقلين أو مطاردين، وهذا الأمر تعرض له الكثير ممن عملوا في السياسية أو كانوا معارضين للنظام العربي الرسمي، وقد أعطانا الراوي في الرباعية عدة صور لهذا الأمر، ففي "السماء زرقاء" مجد:
"أنا قررت إنهاء كل شيء.. وتحطيم كل ما له صلة بي، على أن ابدأ بأرض جديدة"ص29، نجد هنا فكرة التخلص من للوطن وما فيه، وهذا الطرح بمثابة الطلاق وإنهاء لكل ما له صلة بهذا الوطن، فالكلمات واضحة "إنهاء كل شيء" وتحطيم كل ما يربط به، والبدا من جديد وبمكان جديد لا يكون عائقا أمام الاستمرار والاستقرار في الحياة، قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا السفر عادي ولا يحتاج إلى أي مجهود استثنائي، لكنه في حقيقة الأمر ليس سفرا عاديا، بل هو هروب وتهريب، ويمكن أن تكون تبعيته القتل أو الإصابة بأعيرة نارية تسبب الإعاقة الدائمة أو في حالة القبض عليه ـ من سلطة الوطن أم سلطة الدولة المجاورة ـ فهو معرض للاعتقال بتهمة تجاوز الحدود بطريقة غير شرعية ":
ـ سأعبر بكم شط العرب قبل الفجر بقليل. وسآخذ النقود مقدما، وأنزلكم وراء مصافي النفط في عبدان. بالأمس كان قد اتصل بأحد أصدقائه القدامى من سكان ناحية السيبة. أخبره بأنه قرر اجتياز الحدود العراقية إلى إيران"ص20، هذه الصور توضع ظروف وطبيعة هذا (السفر) فهو في حقيقة الأمر الأقدام على فعل خطير جدا وله عواقب مدمرة، لكن لا بد من القيام به، ففي النهاية طريق الوحيد للخلاص، هو يبقى أفضل بكثير من الموت البطيء الذي ينتظره، كما أن المحاولة تعني بأنه حصل على مبرر ـ نفسي ـ يريح به ضميره، فقد قام بكل ما يمكن القيام به، هذه الحالة كانت في رواية "السماء زرقاء" أما في رواية "الحبل" فكان الوضع:
"سآخذك إلى الكويت من دون جواز سفر" الصحراء. النعل المربوطة بخرقة قماش. الإيراني "هل لديك معارف تذهب إليهم "نقودك بالكاد تكفيك عشرون دينار. زجاجة عطر. خمس علب سجائر "أخزيتمونا .. "ابن الكلب العمل. الشرطة الكويتية. الشرطة العراقية"ص124، نجد اسباب ترك اسباب ترك الوطن واختيار المنفى، فالتضيق على الإنسان في لقمة عيشه ومن ثم وضعه في زاوية ضيقة ـ التعامل مع السلطة أو الجوع والتشرد أو الاعتقال ـ فالكثير من السياسيين فضلوا التشرد على التعامل مع السلطة. وما يلاحظ هنا أن كافة أبطال الروايات التي تحدثت عن القمع قد (خضعت أو اعترفت أو قررت التعاون مع السلطة) لكنها سرعان ما تعود إلى طبيعتها المتناقضة مع النظام، وهذا الأمر تم في "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف و "الوشم" لعبد الرحمن الربيعي و"رباعية" إسماعيل فهد إسماعيل" ورواية "الهؤلاء" لمجيد طوبيا و"صورة الروائي" لفؤاد حداد، كافة أبطال هذه الروايات (استسلموا) بطريقة أو بأخرى للنظام، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا، فسرعان ما يصحو البطل من سكرته ويعود اشد صلابة وأقوى عزيمة، ولكن لا بد من التنويه إلى أن فيصل الحوراني في رواية "المحاصرون" أعطانا صورة البطل الايجابي الكامل، الذي ينتصر على الجلاد ولا يقدم أدنى مساحة للمهادنة أو التراجع، وهذه الرواية تستحق أن نتوقف عندها.
الصمود
ضمن هذه الظرف لا بد للإنسان أن يصمد أو ينهار، وفي كلتا الحالتين هو كطاعون بالنسبة للنظام، وعلى النظام التخلص منه والحجز عليه، سنأخذ صورة الصمود التي ذكرها الراوي، فحالة المعتقل غير المتزوج ستمنحه فرصة صمود اكبر من المتزوج، لان الأول سيخفف عنه عملية الضغط النفسي والاقتصادي:
"الآخرون مشدودون إلى الخارج بزوجات وأطفال، أنا .. لا شيء. ذلك وحده يمدني بقوة يفتقرون هم إليها. استطاعتي الصمود إلى ما لا نهاية، ... ومن بعيد جاءنا العريف. وقف بمواجهتنا 
ـ محمود السلمان! 
ـ ماذا تريد! محمود السلمان معروف لدينا. إنسان صلب، قضى سنوات شبابه في خدمة القضية
ـ تعال معي! قالها عريف الشرطة بتشف حاقد. اقترب محمود السلمان منه. وقف أمامه 
ـ إلى أين تأخذني؟!
ـ إلى جهنم
ـ جهنم تأخذ رأسك. يجن جنون العريف، يرفع يده، يصفع محمود السلمان، محمود السلمان يركل العريف في بطنه 
ـ قتلتني!! قتلتني!! العريف على الأرض يتلوى، ورجال الشرطة يتوافدون راكضين" رواية "الضفاف" ص106 و107، من هنا يتبين لنا عوامل الصمود الموضوعية للأفراد غير المتزوجين، بالإضافة إلى عوامل متعلقة بطبيعة شخصية المعتقل، فالضغط العائلي تجعله اضعف في المواجهة، وأكثر حذر في الأقدام على أي خطوة يمكن أن توتر الأمور أكثر وتزيدها صعوبة، أما في حالة العزوبية فيكون الأمر غير ذلك، فلا يوجد زوجة ولا أطفال يثقلون الكاهل.
من خلال هذا المشهد يتبين لنا حجم الحقد والغضب الذي يثقل صدور المواطنين المعتقلين، فالنظام الرسمي العربي لم تترك مجالا للمسامحة أو العفو، فهي كتلة من البطش والجهل مركبتان على بعضهما ومتداخلتان، بحيث لا يكون أمام المعتقل إلا أن يصمد ويثبت ذاته، يبين لنا الراوي الشجاعة والبسالة التي يتحلى بها المعتقلون السياسيون.
العلاقة الزوجية لها أثر نفسي على من تعرضوا للاعتقال والمطاردة، فهم يعيشون ضمن المجتمع ويشكلون جزءا حيويا منه، وقد تناول الراوي هذه العلاقة بإسهاب وتفصيل:
"قبل اعوام فقد قدرته على احتمال زوجته، راودته فكرة شيطانية سارع إلى تنفيذها. "ليذهبوا إلى الجحيم! "هرب إلى بغداد سرا، ضاربا بكل شيء عرض الحائط. زوجنه كانت حاملا أيضا. هو قرر التسلل إلى الأردن بطريقة ما....
ـ ما هذه السخافات التي سمعت عنها..!.. عليك أن تعود إلى البصرة حالا، ومحاولة إيجاد حل لمشكلتك.. من اجل أطفالك على الأقل.. أأنت مجنون" "السماء زرقاء" ص72و73، "
ـ من بغداد كانت زوجتي نزيلة المستشفى
ـ هل شرعت بالانتحار مرة أخرى؟
ـ لا.. بل شرعت بإسقاط الطفل من بطنها أكثر من مرة. هي مرضت. وهو رفض السقوط
ـ ليتها ماتت!
ـ أن أربيه ما دام أبوه قد هجرني كانت قد تعللت. وأتم:
ـ بعد أشهر ولدت الطفل. ولدته مشوها، ومن حسن الحظ انه مات في يومه السابع"، رواية "السماء زرقاء" ص74، يتبين لنا هشاشة العلاقة الزوجية بين الطريد وزوجته، فهو لا يلقي بالا لها، ضغط الحياة وهمومها يجعلانه بهذا الشاكل، يفكر بنفسه فقط، تاركا كل ما يربطه وراء ظهره، والزوجة لا تقل عن هذا المستوى من عدم المسؤولية تجاه زوجها وطفلها، فها هي تفعل كل شيء لتنزيل جنينها قبل أن يكتمل، الظروف جعلتها قاسية وحتى قاتلة، فلم تراعي مسألة الأمومة بتاتا، وها هي تفرح لموت طفلها الذي ولد.
مما سبق يتبين لنا حجم المأساة التي يقع فيها المعارض، فهو في جحيم النظام الرسمي، وكأن الراوي يريدنا أن نفكر بهذا المشهد الذي يفتقر الأدنى المشاعر الإنسانية، فالإنسان فقد معنى الحياة الاجتماعية، الساعة قد أزفت، ف"تذهل كل مرضعتا عما أرضعت تضع كل ذات حملا حملها"، إذن القيامة قامت في المنطقة العربي، ولم يعد هناك استهجان لأي فعل. أن يترك الرجل زوجنه وان تسقط المرأة طفلها، وان تفرح لموته، هذا لا يحدث إلا في "ظل من يحموم"، في الجحيم.
نعتقد أن الراوي أوصلنا فعلا إلى الجحيم بكل ما فيه، فلا مجال للبقاء أو الاستمرار بهذا الحال ، فحجم الضغوطات النفسية التي يتعرض لها السياسي في ظروف المطاردة والتشرد لا بد أن تدفع به ـ أحيانا ـ لمثل هذه الأفعال، التخلي عن الزوجة، ليس لأنها غير مناسبة، لكن لأنه لم يعد يستطيع أن يقوم بدور رب الأسرة فعليا، فالعجز بالإضافة إلى الضغط والقهر وفكرته عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان تجتمع معا فيتشكل لديه حالة مركبة ومتداخلة من عدم الاستقرار وانعدام المنطق، فالسياسي المعارض هو فعلا طاعون يجب التخلص منه ومن كل يقترب منه.
منها نجد الزوجة التي من المفترض أن تحمل حنان وعطافة الأم، ها هي تفرح لموت طفلها وتقول كلمة لا تنم عن مشاعرالأمومة حتى بأدنى أشكالها، فالحيوان يعمل بكل قوته للدفاع عن صغارة وحمايتهم، ولا يوجد كائن يقدم على قتل صغاره، لكن السياسي/المعارض في المنطقة العربية يقدم على ذلك بضمير مرتاح ونفس هادئة!.
المرأة
لقد أعطا الراوي مساحة جيدة للمرأة لكي تعبر عما يجول في نفسها من مشاعر وأحاسيس، فوجودها في الأدب الاشتراكي حيوي ومهم، ومن دونه يفقد هذا الأدب احد أهم منطلقاته وأهدافه:
"ـ هل تكرهني؟
كيف لا وهي القيد الذي يهد عنقه.. كيف لا وحبها يسعى إلى استعباده.. الم يكفها حرمانه من اقتناء الكتب ومطالعتها!!
ـ أنت لم تحبني؟!
حقا!.. سامحيه.
ـ ألا زلت تحبني؟
ـ أنا أراك بوجهين! ليته يراك بأكثر من وجه. مل هذا الوجه الناعم والعينين الصغيرتين. بقولون عنها. جميلة هو لا يدرك في أي جزء يكمن جمالها. لعله في لسانها الذي لا يكف ثانية عن العمل. حتى في النوم كانت لا تني تمارس نشاطها بكلمات لا يفهمها.
ـ قبل أيام قال لي ابن خالي.. جمالك من نوع خاص آخذ بالازدياد رغم الولادة والرضاعة
ـ تضنك لا تزال تكره ابن خالي؟
كيف لا وهو الذي يبعث فيها الغرور مرة في الأسبوع على الأقل
ـ هل تسمح لي بإغلاق الباب!
وسيلة ناجعة للمصالحة. عادت وجلست إلى جانبه. نظرة خاصة التمعت في عينيها، وشابت صوتها بحة معينة
ـ الثياب الداخلية التي جئتني بها أخيرا ضيقة جدا. تحز خاصرتي .. انظر! وكشفت ـ بحركة لا تخلو من غنج ـ عن نصفها الأسفل"رواية "السماء زرقاء" ص59 و60، نجد قدرة المرأة على استخدام طرق وأساليب للحفاظ على علاقتها بالرجل، ففي كلامها الناعم الهادئ عناصر الجذب والاستقطاب، وقد أوجدت منافس ـ شبه وهمي ـ ليندفع الزوج نحوها أكثر، فحديثها عن ابن خالها يمثل عنصر منشط للمساعدة في عودة العلاقة إلى طبيعتها، ولم تكن المرأة العربية مجرد زوجة تنجب الأطفال وحسب بل أيضا مشاركة وفاعلة في العمل السياسي، وها هي "فاطمة" تقوم بدور يحوي في عملية التحضير للإضراب، رغم أنها تحمل مشاعر جياشة تجاه زوجها البعيد عنها، فتبقى محافظة جسدها ونفسها، على الرغم من حرمانها من الزوج/الرجل لأكثر من أربع سنوات:
" رجل ينام في بيتي، وأنا امرأة 
كاظم عبيد ينام في بيتي وأنا امرأة لي إحساساتي. رغباتي.جسدي
ـ أنت إنسانة رائعة جديرة بزوج.. 
ـ إنسانة رائعة جديرة بزوج
ـ .. رائعة جديرة بزوج
ـ .. جديرة بزوج..
ـ زوج.. زوج.. زوج..
ألا تفهم؟! .. ألا تشعر؟! .. ألا تدري؟!
واليوم. فجر اليوم. وأنا خلف الباب بانتظار كاظم عبيد. توقعته يخرج ليسرق بيت مدير المصنع، وبالفعل خرج، فسارعت لإغلاق الباب، وطفقت أنتظره، وفي صدري عاصفة حقد، وعندما عاد:
ـ هل وفقت؟! فيندهش:
ـ لا افهم!!
ـ هل وفقت في مشروعك؟! دهشته تتضاعف:
ـ لا افهم!! وأنا الغبية التي لم تفهم، وأصر على أن أصنفه مثلك. وأكاد اصفق الباب في وجهه: 
ـ سرقة بيت المدير؟! كنت عند زوجتي. أحسست بالخجل وبتفاهتك. شوقه لزوجنه دفعه لارتكاب مغامرة محفوفة بالمخاطر وأنت: 
ـ الزواج مسؤولية والتزام، وأنا ما خلقت لكيلا أعيش مقيدا... وفجأة تغيب.. تختفي. تتلاشى. تنعدم لو انك كنت لعرفت كيف أنساك. أبع سنوات يا ظالم!.. وأمل عودتك يظل يشدني من قلبي، وقلبي فجر اليوم انتفض. 
ـ كنت عند زوجتي أنا .هو الليل. وتفرعت في داخلي إلى الرجل. أي رجل. ليس مهما أن تكون أنت. ولو انه قرأ عيني..
لكنه أكثر نظافة منك، كما هي حال زوجة احمد عبد الله" "الضفاف" ص243 و244، في المشهد السابق نجد الصراع داخل المرأة المخلصة لزوجها، المرأة التي تبحث عن تفريغ غريزتها، فهي تبدي ما في نفسها من مشاعر وأحاسيس انثوية تجاه الرجل، فهي كائن بشري يشعر ويحس ويحمل الغريزة والدوافع الجنسية والعاطفية تجاه نظيرها الآخر.
وهذا يحسب للراوي الذي نحج في تقمص دور المرأة وجعلنا ننسى بان الراوي هو رجل وليس امرأة، فالمشاعر التي تحدثت بها لم يكن لنجح وتقنعنا بها دون أن يكون الراوي قد تخلى عن ذكورته تماما متقمصا حالة المرأة، فوصل إلى هذه المقدرة الفائقة على تفهم مشاعرها ومعرفة طبيعتها. كما أنه لم يقتصر فكرته عن المرأة والمشاعر والأحاسيس التي تحملها، بل تعدى ذلك إلى إعطائها دور حيوي في الأحداث، يوازي دور الرجل أن لم يتفوق عليه، فقد منح "فاطمة" مساحة جيدة لتعبر عن ذاتها:
"رجل ينام في بيتي، وأنا امرأة" من خلال هذه الكلمات يتبين لنا مشاعر المرأة/الأنثى تجاه الرجل، فهي ذات قدرة هائلة على التحمل والجلد، رغم الحرمان من الزوج لمدة تزيد على الربع سنوات تبقى محافظة على جسدها وعلى نفسها وعلى زوجها، فهي تحترم "كاظم عبيد" لأنه ذهب لزيارة زوجته قبل أن يقدم على عمل السرقة التي يمكن ينكشف فيها أمره، ولن يتمكن من وداعها، فالمرأة السياسية متحررة من فكرة المجتمع عنها، ويمكن أن تقوم بأعمال ي ذات شبهة أخلاقية، تمس سمعتها، خاصة في في مجتمع ذكوري أبوي لا يرحم، ومع هذا كانت صلبة وتجلد نفسها لإلا تنزلاق وراء غريزتها وانفعالها، وما المشاعر التي أبدتها إلا حوافز ودوافع للزوج لكي يعود إليها ليس أكثر..
المجتمع ألذكوري
لم يكن لأي راو أن يتجاهل طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، فالمجتمع العربي ذكوري بامتياز، والرجل فيه صاحب القول الفصل خاصة بالأمور التي تتعلق بالزوجة أو المرأة، فهم "قوامون على النساء":
"لا يستطيع نسيان شروعها بالانتحار. كانت حاملا ذلك الوقت "هه!... زوجة" 
تحدثه بقتل نفسها، فيضحك منها. جاءت بزجاجة كبيرة مليئة بالنفط قبالته.
ـ "سأشرب ! 
عاد يضحك، فأصرت: 
ـ "والله اشرب!" ضحك بصوت عال، وكان أن أتت على أكثر من نصف الزجاجة، لم يمنعها، بل على العكس داخله إحساس بالراحة بادئ الأمر. ولكن
ـ لن أظل معك .. طلقني! 
ـ لن اسكن معك نحت سقف واحد!.. كنت تضحك مني أثناء شربي!
ـ طلقني!
تملكه الغضب. انهال عليها بصفعة قوية
ـ مجرم
صفعها ثانية، وثالثة" "السماء زرقاء ص57 و58، المشهد السابق يظهر كيف أن الرجال هم السادة والنساء هن الجواري، فها هو يقوم بمعاملتها بإهمال ولا يبدي أدنى اهتمام بزوجته، وكأنه يستمع لتمثيلية إذاعية لا تخصه، ولا يكتفي بذلك بل ويزيد في احتقارها وأهانتها من خلال الصفعات التي وجهها، فالرجال في المجتمع العربي "كالحجارة وشدة قسوة" ولم يكتفي المجتمع العربي بهذه الممارسة تجاه المرأة بل انه أعطاها صورة مشوهة ومتخلفة تعكس طبيعة التفكير المتخلف:
"ماذا تضن بنفسها؟! ... وكيف عرفت بان مشروعي لن يضيف ؟! مسكينة!.. امرأة .. مجرد امرأة مهجورة تجد في العمل السياسي متنفسا لكبتها الجنسي" "الضفاف" ص257، هنا تكمن الكارثة، عندما ينحرف التفكير إلى هذا المنعطف، ولا يعود قادرا على معرفة الخطأ من الصواب، ويخرج من خلال مشاعر شخصية إنفعالية، ويحكم الخناق على رجل منفعل والتخلف والجهل، فمثل هذه الكلمات والأقول سمعناها عن الشهيدات "دلال المغربي وسناء محيدلي وابتسام خرب" وحتى طال الشهداء الذين تم تشويهم من خلال القول: "خلافه مع والده دفعه لهذه العملة، كان سكير حشاش لا يعرف ماذا يعمل، فاختار طريقة للانتحار ليقال عنه شهيد" مجتمع قاسي متعجرف لا يحترم شهداءه ولا أبطاله، فبصرف النظر عن منطلقات أي عمل بطولي من المفترض أن تحترم هذا العمل ومن قام به، أن اختلفنا أم اتفقنا معه، لكن في ظل مجتمع أهمل أهم أداة عنده ـ العقل ـ لا نستغرب مثل هذا القوال وهذه الطريقة البائسة في التفكير.
الخمر
الخمر احد أهم أشكال التمرد ورفض الواقع عند الكثير من المثقفين والذين عملوا في السياسة، فالخمر المحرمة دينيا واجتماعيا، تعاطيها يمثل المس بقيم المجتمع ومفاهيمه، وبما أن السياسي والمثقف هم على خلاف وتناقض مع حالة المجتمع والنظام السائد فكان لا بد من تجاوز هذه المفاهيم واختراقها وبقوة، أعطانا الراوي في رباعيته مشاهد عديدة وكثيرة حول تعاطي الخمر، حتى أنها تعد أحد أهم الأعمال التي يقوم أبطال الرواية، وها هو "كريم البصري" يتحدث عن الخمر وكأنها الصديق الحميم له:
" ـ الله بالخير
ـ ربع عرق مسيح إذا سمحت! 
ـ حاضر الصديق وقت الضيق، والعرق خير صديق، وهذا الرأس الحقير يجب أن يظل مخدرا إلى الأبد 
ـ أين العرق؟!" "الضفاف" ص130 الخمر هنا تمثل وسيلة للهروب من الواقع ونسيان الهموم التي تثقل كاهل السياسي، وقد قال "كريم البصري" بكل وضوح ":
"نص عرق" والساعة لم تجاوز الرابعة والنصف، ولم لا .. ما دام الصحو عذابي؟!
أليس الأفضل لهذا الرأس أن يظل مخدرا؟!" "الضفاف" ص125، الهدف من وراء شرب الخمر تخدير العقل ونسيان الهموم، فالضغط النفسي واليأس وكثرة التفكير تدفع صاحبها إلى إيجاد مخرج ما هذه الأوضاع، من هنا يأتي/ يكون شرب الخمر، ورغم أن هذا التخدير والمخرج مؤقت وليس دائم إلا انه ضروري ولا بد منه بهكذا أحوال.
وهناك صورة أخرى تتحدث عن شرب الخمر وكأنه أمر عادي جدا ولا يثير أي حساسية اجتماعية:
" ... وجرعة العرق التي أصبحت عملا روتينيا صغيرا من بين الأعمال التي تنهد للشروع بالسرقة" "الحبل" ص10، "كاظم عبيد" يتحدث وكأنه يتحدث عن شرب الماء أو العصر، الذي يمنح الجسد حيوية ونشاط، فالخمر هنا ليست مخدرا بل منشط ولها مفعولها الحيوي قبل الأقدام على فعل يحتاج إلى تركيز وذهن صافي وجرأة، فالخمر تشكل مادة ذات تأثير متباين تخضع لطبيعة الشخص النفسية.
كما أن تمثل الفاكهة التي يتناولها المثقفون والسياسيون:
"كل المثقفين يشربونه. ولا يحلو الحديث في السياسة إلا على مائدته.جربته مرة ومرة. ثم اتخذت منه وسيلة مساعدة" رواية "الحبل"ص111، من هنا يتبين لنا أن الخمر احد وسائل وأشكال الرفض لهذا المجتمع وللسلطة والقوانين وللمفاهيم فيه.
الدين
طبيعة الأدب الاشتراكي تتناقض مع الفكر الديني، ويعتبر فالفكر الديني من الأدوات التي يستخدمها النظام والمجتمع كحالة للقمع وترويض الأفراد فيه، تناول الراوي المسألة الدينية بشكل حوار يدور بين السياسي المطارد وضابط الحدود، فالضابط الذي يدعي الإيمان مجرد شخص مدعي لهذا الفكر الديني، وتشكل ممارسته للعبادة كقناع فارغ لا يحمل أي مضمون أخلاقي أو فكري، فهو يتقلب بفكره وسلوكه بسرعة مذهلة، وهو على استعداد للتخلي عن المعتقد الديني لمجرد أن يتعرض لأبسط أنواع التهديد، وها هو الضابط الذي كان يتجبر ويفاخر بإيمانه يسقط سقطة مدوية أمام أول امتحان:
" ـ سأصرخ لو اقتربت!! 
ـ حقا! 
وانحنى على جسد الضابط، مستطردا:
ـ لماذا تصرخ؟
.. ستموت أولا وأخيرا.
رقت لهجة الضابط:
ـ يمكنك أن تذهب.. لا تدع وجودي يقيدك.
ـ أمس طلبت مني أن أضع نهايتك بيدي، وأرجأت أنا العمل إلى اليوم امسك بالرقبة الضخمة. الأصابع الواهنة تتشبث بيديه
ـ أتوسل إليك لا تقتلني 
ـ قل ..لا ترحني
ـ لا ترحني!! 
ـ لماذا لا؟ 
ـ من اجل أطفالي!! 
ـ أطفالك!... أنت بعت الآخرين بمعية أطفالهم!
ـ أليس من اجل الأطفال... من اجل زوجتي! شاعت ابتسامة في وجه الجالس، وضيق قليلا من قبضة أصابعه
ـ طلقها
ـ سأطلقها شد من أصابعه 
ـ طلقها ... بالثلاث.. طلقتها .. أرفع يديك عن رقبتي أرخى من أصابعه قليلا
ـ إلا تؤمن بالآخرة؟
ـ بلى .. بلى والله أؤمن!
ـ كيف تطلق زوجتك إذن؟!.. ستبقى هناك بلا زوجة!
ـ من أجلك أتنازل عنها! 
ـ من اجلي أنا .. أو من أجل دقائق تعيشها؟
ـ سمها ما شئت
ـ بدأت تستعير كلماتي!
ـ أنا آسف! ـ آسف .. آسف ...هه وشد منى أصابعه
ـ أليست الآخرة هي الحياة الخالدة؟
ـ بلى والله.. لكنك تقتلني!
ـ سأعجل بذهابك إليها!
ـ لا أريد أن اذهب .. لا أريد
ـ غريب !!..لماذا؟
ـ لا ادري .. لا ادري! 
ـ أتؤمن باني قادر على زهق روحك؟
ـ نعم .. فقط دعني الآن!! خفف ضغط الأصابع، ثم تحررت الرقبة تماما
ـ هذا ما قصدت إليه! ... ـ ماذا قصدت؟ 
ـ أن اثبت لك عدم أيمامك 
ـ إيماني !! فأجاب الآخر بتسليم:
ـ أنت لست مؤمنا!... كنت لا تتورع عن بيع إلهك لقاء دقائق معدودة نعيشها معذبا! عقد الضابط حاجبيه:
ـ حقير! .. كنت نجري تجربة! .. ساومتني على إيماني!
ـ وأنت بعته لي
ـ في الضرورات تباح المحرمات
ـ عذر مقبول بالنسبة لرجل مشرف على الموت!
ـ الله غفور رحيم ـ أتقنعني؟ .. أم تقنع نفسك؟!
ـ ذاك ما ورد بالنص
ـ والنصوص الأخرى؟!.."اثنان لا تقربهما الشرك بالله ولأضرار بالناس" ـ هو غفور رحيم!
ـ لكنهم ما فعلوا مثلك! 
ـ من هم؟ 
ـ المسلمون عامة، والأوائل خاصة. كانت قريش تعذبهم حتى الموت، بينما هم أصحاء يطمعون بحياة خمسين أو أكثر، كانت ألسنتهم ـ رغم العذاب ـ لا تكف عن ذكر الله. هم ما باعوا ربهم بحياة خمسين سنة، وأنت بعته بساعات ـ أأنت الذي يدافع ؟! 
ـ أنا لا أنافق
ـ قبل قليل ألقيت برأسي وتملك غضب مجنون بمجرد كلمة قلتها؟ ضيق الضابط من فتحة جفنيه محاولا التذكر، ثم قال:
ـ أظنني قلت.. الإنسان الملحد مجرم بالفطرة.. 
ـ لم اغضب من هذه. بل تذكرت الكلمة الأخيرة!
ـ ها ... الإنسان الملحد يفتقر إلى راحة الضمير والثقة بالنفس
ـ هذا أمر مفروغ منه بالنسبة لمن مثلك. ليست هذه .. تذكر الأخيرة!
ـ أضنها .. الذي لا يؤدي الفرائض الخمس ليس بمسلم 
ـ ذاك ما قلت أنت بالحرف ابتسم الضابط، وقال:
ـ أهذا ما أغضبك؟! 
ـ ليس تماما..لكن لهجتك كانت تبايعني إنسانيتي 
ـ كيف؟!
ـ كانت تشير إلى جميع الطيبين وتحمل شعار جميع الحاقدين، كنت سأثبت لك كونك ملحدا بانت الدهشة والانزعاج على وجه الضابط
ـ كيف كنت تصلي؟ 
ـ منذ أكثر من عشرين سنة. ما عدا الأيام التي تلت الانقلاب الأخير
ـ قل الثورة الأخيرة 
ـ حسنا .. الثورة الأخيرة
ـ وهل كنت تصوم؟
ـ منذ أكثر من عشرين سنة أيضا عدا النصف الثاني من رمضان هذا العام ـ لماذا انتقصت الشهر؟
ـ مشاغلي كثيرة
ـ وشغلتك عن ربك؟!
ـ ليس تماما ... أطعمت الكثير من المساكين لقاء إفطاري 
ـ هل هي عملية مقايضة؟! أطعمت المساكين ومعدتك البرجوازية بمعيتهم.. أليس كذلك؟" " السماء زرقاء" ص121 – 125، رغم أن هذا الضابط لا يمثل رجل دين إلا أن الراوي أراد نا من خلال هذا الحوار أن نتأكد بأن العديد من الذين يدعون الإسلام والإيمان ليس لهم أي علاقة إيمانية به، وما قولهم وعبادتهم إلا أفعال وأقوال فارغة من المضمون الحقيقي لمفهوم الإيمان، وهذا الشكل الفارغ سرعان ما يزول عند أول قطرة ماء، فبينما كان الملحد السياسي صلبا ومقنعا في كلامه، كان على النقيض منه رجل الدولة، الضابط الذي يمثلها، فهو لم يتوانى عن التنازل عن زوجته ودينه لمجرد أن تم تهديده، فأي إيمان هذا؟. ونجد مفهوم الصلاة والصيام التي تمثل أركان أساسية في الدين الإسلامي لا يأديها انصياعا وتجاوبا مع نهج النظام الجديد، الذي لا يحبذ الفكر الديني.
من خلال الحوار السابق يتضح لنا النظرة السلبية للدين، ولو أعدنا كتابة الرواية من منظور الاشتراكية المنفتحة عصريا لكان من الأفضل أن يعطى الدين الصورة الإيجابية وان يتم الاستشهاد برجال يمثلون الجوانب الإيجابية فيه كما كان عز الدين القسام والكواكبي.
هناك مواقف أخرى تم ذكرها في الرواية حول المسألة الدينية، فقد اظهر لنا الراوي موقف الرفض المطلق لدين:
" ـ أنت بحاجة للتنفس عما يعتمل فيداخلك! 
ـ حسنا .. من أجلي تكلم.. بالله عليك!! عدنا إلى السلطة الدينية!" "السماء زرقاء" ص78،فهنا كان التطرق لأبسط الأمور الدينية، كلمة "بالله عليك" تثير الحفيظة، وهذا ينم على درجة المعارضة لكل ما هو ديني في ذاك الزمن. لكن هذا الموقف السلبي من الدين والفكر الديني تم تجاوزه في رواية "الضفاف" حيث تم ذكر كلمات ذات مدلول ديني وكأن قائلها مؤمن بها:
"أحس بأني على شفا حفرة من الجنون!.. لأسكر ولامت بعد ذلك .. والى جهنم وبئس المصير" رواية الضفاف ص124، من هنا جاءت صورة الإنسان المسلم العادي الذي يأخذ من الإسلام ما يكفيه على لسان "الزاير" السجان السابق الذي انقلب على أسياده:
"أنا بالرغم من كل شيء رجل... أصلي وأصوم... وابني استشهد في سبيل الوطن... "ولا تجسسوا ولا يغتب .." "الضفاف" ص169، فهنا أعطانا الراوي صورة المؤمن الذي يحافظ على العبادة، فهو مخلص لدينه ولفكره، لكن الرجل في الموقف السابق من المعارضين للنظام وليس من أتباعه كما هو الحال مع ضابط الحدود، وكأن الراوي أرد أن يعطي صورة إيجابية لكل من يعمل/يتنجه/ينحاز للمعارضة حتى لو كان يحمل فكرا دينيا، وحتى لو كان قد عمل بوظيفة سجان.
المكان
الراوي لم يهمل المكان أبدا، على النقيض من تعامله مع أسماء الشخصيات في الرباعية، حيث تجاهل أسماء الأبطال تماما، حتى أنهم كانوا مجهولين الاسم، لكن المكان كان حاضرا، فهناك بغداد والبصرة والكويت والأردن وإيران:
"هرب إلى بغداد" "السماء زرقاء"ص72، فالمكان هنا لا يشكل استقرارا مستديما، وإنما مؤقتا، هو يتماثل مع حالة التشرد والنفي التي يعاني منها الأبطال، فرغم أن الجغرافيا تعني الثبات والاستقرار إلا أن الراوي جعلها أيضا تتماثل لحالة شخصيات الرواية، والراوي لم يكتفي بهذا بل جعلها تشكل حالة ضغط وعامل منفر للشخصيات ومساعدة للنظام في عملية القهر التي يتعرضون لها:
"طرقات البصرة شبه مقفرة" "الضفاف" ص36 هذا المشهد يؤكد حالة الضغط الذي يسببه المكان على شخصيات الرواية.
وقد أعطانا الراوي التأثير الذي يتركه المكان في نفسية الشخصيات الروائية، ففي حالة التواجد في المكان يكون ثقيل الظل، ويسبب الهم والكآبة لابطال الرواية، وعندما يتم الابتعاد عنه يكون اقرب إلى القلب، ومن هنا يمكننا الاستنتاج أن المكان في زمن القهر يشكل عبئا أضافيا على الشخصيات، وعندما يتم الابتعاد عنه يكون كالحلم/كالوقود الذي يعطيهم الحافز على تقديم المزيد من العطاء والتضحية: "... البصرة ... علام لا أحبها إلا إذا فارقتها؟!" "الحبل" ص31، وهنا تكمن المأساة العربية، الاغتراب داخل الوطن والتشرد فيه، والاستقرار والراحة والسكينة خارجه! هكذا هو الحال في الوطن العربي.
الكتاب
لقد كان الكتاب وما زال وسيلة التثقيف والتعليم لكل �

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

جرول بن أوس
الآن
عيون الشعر ، ومِعيار الاختيار / 1.
هذا الموضوع بقي يلحُّ علي منذ أمدٍ ليس باليسير ، وما كانت الشواغل إلا تصرفُ عنه كلما هممتُ بإنجازه ، فلا يزيده كرور الأيام إلا بُعداً ، على أني كنتُ نثرتُ بعض ما توصلتُ إليه في غير موضع من دراساتي ، وبعضها نثرته في أثناء ما كتبته في مواقع متخصصة للغة العربية على شبكة المعلومات. 
وكنتُ قِدماً علّقتُ جملة من ملاحظات ونصوص - نأت عني الآن - متصلة بهذا المفهوم ( المصطلح ) . ومع أن هذا الحين ليس وقتاً تصفو فيه النفس للكتابة ، فإنّ ما أذِن بعقد العزم على الحديث فيه أمران أحدهما نافذة كتبت في المنتدى هنا وفي منتديات أخرى موسومة بـ " ما سمات القصيدة التي تسمى عيناً من عيون الشعر" لأستاذ فاضل هو فريد البيدق ، وثانيهما وعد قطعته لإخوة هنا يقوم على أن أفصّلَ في أمر " عيون الشعر" ما أطاعني التفصيل وذَلَّ .
ولستُ أريدُ هنا أنّ أدلَّ ، فأحدّثكم عن صعوبة الخوض في هذا الموضوع الشائك الذي يبدو الخوض فيه مزلّة لا يُدرى كيف يُمضى فيها ، فهذا مما يعرفه جلُّ من جرّب أمر الكتابة ، وكلكم هنا ضرب بسهمٍ في هذا ، وأدلى بدلو في الدّلاء ، فليس لي من الفضل أكثر مما هوكائن لأكثركم .
وصعوبة هذا الموضوع ناجمة من أنّ المعاجم وكتب اللغة القديمة - ما أعرفه منها - التي تناولت الألفاظ حقيقة ومجازاً سكتت عن هذا المفهوم حتى كأنّه ما كان موجوداً في أزمانهم . وكل الذي نجده إنما نجده في معاجم معاصرة حظ أهلها كحظنا (1).
وكي يمضي الكلام في هذا الموضوع على سنن مستقيم ، فلابد لي بداية من أن أتخذ ما كتبه الأستاذ البيدق منطلقاً لهذا الحديث لأخلص إلى تحديد مفهوم هذا المصطلح ، فقد ذكر الأستاذ المذكور أنّ منطلق حديثه يبدأ من " تحليل لقب / عيون الشعر/ " (2). فرأى أنّ " هذا التركيب تركيب إضافي " (3) ، وناقش نوع الإضافة ، وخلص إلى أنها على تقدير حرف الجر اللام ، وأردف قائلاً : " معناه أنّ القصيدة تكون نبعاً للشعر ؛ أي تفجِّره عند الآخرين بعد أن يكون قد تفجّرَ من صاحبه" (4). وهذا الرأي كان يمكن أن يكون مقبولاً لولا أنّ معنى هذا المصطلح لا علاقة له بالشعراء ، كما أنْ لا علاقة له بالمتلقين ، بقدْر ماله علاقة بالقائمين على أمر الاختيار . وهذا يســـتندُ إلى معنى لفظ " العين " الذي ذكرالزبيدي أنّ له مئة معنى (5). وأحد هذه المعاني هو الذي يتصل بـمصطلح " عيون الشعر" . قال : " والعينُ : خِيار الشيء ، يقال : هو عَين المال والمتاع ، أي خياره "(6). وقال ابن منظور : " الأعيان : وَلَدُ الرجل من امرأة واحدة ؛ مأخوذ من عين الشيء ، وهو النفيس منه "(7) . وهذا يقود إلى أنَّ الإضافة في مصطلح [ عيون الشعر] هي بيانية على تقدير حرف الجر ( من ) ، لا حرف الجر اللام .
ولستُ أريدُ هنا أنّ أدلَّ ، فأحدّثكم عن صعوبة الخوض في هذا الموضوع الشائك الذي يبدو الخوض فيه مزلّة لا يُدرى كيف يُمضى فيها ، فهذا مما يعرفه جلُّ من جرّب أمر الكتابة ، وكلكم هنا ضرب بسهمٍ في هذا ، وأدلى بدلو في الدّلاء ، فليس لي من الفضل أكثر مما هوكائن لأكثركم .
وصعوبة هذا الموضوع ناجمة من أنّ المعاجم وكتب اللغة القديمة - ما أعرفه منها - التي تناولت الألفاظ حقيقة ومجازاً سكتت عن هذا المفهوم حتى كأنّه ما كان موجوداً في أزمانهم . وكل الذي نجده إنما نجده في معاجم معاصرة حظ أهلها كحظنا (1).
وكي يمضي الكلام في هذا الموضوع على سنن مستقيم ، فلابد لي بداية من أن أتخذ ما كتبه الأستاذ البيدق منطلقاً لهذا الحديث لأخلص إلى تحديد مفهوم هذا المصطلح ، فقد ذكر الأستاذ المذكور أنّ منطلق حديثه يبدأ من " تحليل لقب / عيون الشعر/ " (2). فرأى أنّ " هذا التركيب تركيب إضافي " (3) ، وناقش نوع الإضافة ، وخلص إلى أنها على تقدير حرف الجر اللام ، وأردف قائلاً : " معناه أنّ القصيدة تكون نبعاً للشعر ؛ أي تفجِّره عند الآخرين بعد أن يكون قد تفجّرَ من صاحبه" (4). وهذا الرأي كان يمكن أن يكون مقبولاً لولا أنّ معنى هذا المصطلح لا علاقة له بالشعراء ، كما أنْ لا علاقة له بالمتلقين ، بقدْر ماله علاقة بالقائمين على أمر الاختيار . وهذا يســـتندُ إلى معنى لفظ " العين " الذي ذكرالزبيدي أنّ له مئة معنى (5). وأحد هذه المعاني هو الذي يتصل بـمصطلح " عيون الشعر" . قال : " والعينُ : خِيار الشيء ، يقال : هو عَين المال والمتاع ، أي خياره "(6). وقال ابن منظور : " الأعيان : وَلَدُ الرجل من امرأة واحدة ؛ مأخوذ من عين الشيء ، وهو النفيس منه "(7) . وهذا يقود إلى أنَّ الإضافة في مصطلح [ عيون الشعر] هي بيانية على تقدير حرف الجر ( من ) ، لا حرف الجر اللام .
وللحديث صلة إن كان في الأجل بقية .
______________________

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 148 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية
المجلد العاشر\ شعراء المعاصرة
.
بقلم د . فالح الكيلاني
.
الشعرالعربي المعاصر- القسم الثاني
.
فالشعر العربي يرتكز حاليا على ثلاثة انواع من القصائد الشعرية كل منها ياخذ مسارا ويعده شعراؤه هو الافضل وهذه الركائز هي:
القصيدة العمودية : وهي الاصول الاصيلة للشعرالعربي فهي القصيدة التقليدية او التقييدية حيث انها مقيدة بالوزن والقافية او العروض وهذه القصيدة لا يزال لها اقدح المعلى في الشعر العربي قديمه وحديثه ولها صداها قويا شديد الوقع على الاذن العربية في موسيقاها واعتباراتها وتعتبر القصيدة الاسمى والافضل في نظري وفي نظر اغلب المتلقين العرب ومنها هذه الابيات :
وقفت العمر للاقصى واني
على عهدي الى يوم المنون
الا يا زائرا للقدس خذ ني
الى الاقصى لكي احني جبيني
اصلي ركعة لله اني
اتوق الى الصلاة فباركوني
من المنفى سرجت الخيل ات
لعاصمتي الى الصدر الحنون
والقصيدة الاخرى قصيدة التفعيلة او ما نسميه بالشعرالحر سمي بالشعر الحر لان اوزان قصيدته تفعيلاتها حرة غير مخلوطة باخرى أي من جنس واحد ووزن واحد وقد بنيت هذه القصيدة على احدى التفعيلات الحرة او اخذت تفعيلاتها من احد البحورالشعرية الصافية النقية التالية :
1- بحر الوافر واصل تفعيلته :
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن .
2- الكامل : وأصل تفاعيله:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
3- الهزج وأصل تفاعيله:
مفاعيلن مفاعلين مفاعلين .
4- الرجز وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن .
5- الرمل وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن .
6 - المتقارب وأصل تفاعيله:
فعولن فعولن فعولن فعولن .
7- المتدارك ( ويسمى الخبب أو المحدث )
وأصل تفاعيله:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن .
وتعتمد قصيدة الشعرالحر على السطر الشعري بدلا من الصدر والعجر اللذان تعتمد عليهما قصيدة العمود الشعري . فقصيدة الشعرالحر متكونة من العديد من السطور . كل سطر مكون من تفعلية واحدة تتكرر فيه عدة مرات لا تقل عن واحدة ولا تزيد عن التسع تفعيلات لنفس التفعيلة مثلا :
القصيدة التي التزمت تفعيلة الوافر( مفاعلتن ) فيكون الوزن الشعري ( البحرالوافر) للقصيدة وتكون اسطر القصيدة مكونة من نفس التفعيلة مذكورة في السطر الشعري مرة واحدة او اثنتان او ثلاث مرات الى تسع مرات ولا تزيد . فتكون موسيقى الشعر الحر ذات نسق موسيقي واحد لكل قصيدة الا ان هذه القصيدة - والحق يقال – اخذت تتضاءل في ظل القصيدة النثرية واغلب كتابها تحولوا الى شعراء يكتبون قصيدة النثر لانهم يرونها الاسهل , ومنها هذه السطور :
صيحاتك صوت نبيٍّ يبكي تحت الأسوار
المهدومة شعبًا مستلبًا مهزومًا كانت برقًا
أحمر في مدن العشق أضاء تماثيل الربات
وقاع الآبار المهجورة كانت صيحاتك
صيحاتي وأنا أتسلق أسوار المدن الأرضية
أرحل تحت الثلج أواصل موتي (...)
حيث الموسيقى والثورة والحب وحيث الله
اما قصيدة النثر فهي القصيدة الجديدة اوالطارئة على العربية والتي يأمل شعراؤها بانها ستكون القصيدة العالمية .
فقصيدة النثر تعريفها : (هي قطعة نثرية موجزة بما فيه الكفاية موحدة ومضغوطة اشبه بقطعة بلور ناصع فهي خلق حر ليس له ضرورة الا رغبة الشاعر في بنائها , خارجا عن كل تحديد وربما تكون شيئا مضطربا الا ان ايحائياتها لا نهائية اي انها مفتوحة ) .
ولقصيدة النثر موسيقاها الخاصة وايقاعاتها الداخلية التي قد تعتمدعلى الالفاظ الشعرية وتتابعها وصورها الشعرية تكاد تكون متكاملة وقد قال فيها الشاعر انسي الحاج الشاعراللبناني واحد شعراء قصيدة النثر:
(لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً لا قطعة نثر فنية، أو محملة بالشعر، شروط ثلاثة: الايجاز والتوهج والمجانية) .
فقصيدة النثر شكل أدبي جديد معاصر اوجد ت مجالها الواسع في مجال الشعر ويتسع هذا المجال كلما تقدمت وتطورت الحياة فهي قد تحقق الدهشة أو قل الصدمة في التعبير المستجد المستحدث وهذا متوقف على امكانية الشاعر في التقاط رؤيته المثالية وصياغتها في بنية جديدة ، قوامها الصور والرموز الشعرية غير الموغلة في الابهام والتوهج المنبعث من التركيب اللفظي وكيفية استخدامه في التعبير وجماليته من حيث الانتقاء والبيان اللغوي .
وإشكاليات قصيدة النثر العربية تبدأ من مصطلحها حيث إنَّ كثيرا من النقاد والباحثين كانوا لا يميزون بينها وبين الشعر الحر- اول الامر - حتى أنَّ بعضهم أخذ يتحدث عن ريادة الشاعرة العراقية نازك الملائكة لها في حين أنَّ الشاعرة والناقدة المذكورة كانت من أشد خصوم هذه القصيدة وكانت تعتبرها نثرا .
أما علاقة قصيدة النثر بأنموذج الشعر المنثور الذي ظهر في النصف الأول من القرن العشرين، فهو محل إشكالية أخرى حيث يذهب قسم من النقاد والذين يميلون الى تفضيل القصيدة العمودية إلى أنَّ الاثنين – شعرالتفعيلة وقصيدة النثر -لا يعدوان أن يكونا تسميتين لنمط كتابي واحد بينما يرى آخرون أنهما جنسان مختلفان كل الاختلاف، لأنَّ لكل منهما خصائصه واميل لهذا الراي واعتبره الرأي الصحيح .
يتبــــــــــــــــــــع
,
اميرالبيـــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــــدروز
***************************************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 151 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية
المجلد العــــا شــــــر\ شعراء المعاصرة
بفضل من الله وعونه تم نشر المجلدات التسعة من موسوعتي (شعراء العربية ) على الفيسبك وابدأ بنشر المجلد العاشر )شعراء المعاصرة ) مع العلم نشر من هذه الموسوعة وسينشر هذا العام ستة مجلدات ورقيا عن طريق دار دجلة في عمان الاردن وتبقى ا ريعة مجلدات للعام 2019 والله الموفق
الشـــــعر العربي المعـــــاصر
تمهيــــــــــــد ( 1 )
.
بقلم فالح الكيــــلاني
.
من المفيد ان نحدد الفترة الزمنية للشعر المعاصر – طالما نتكلم الان فيه _ فنقول وبالله التوفيق ومنه السداد ان الشعر المعاصر هو امتداد لفترات شعرية قبله لا مفاصل بينها انما مر الشعرالعربي بسلسلة من التغيرات التجديدية مرورا مع الزمن المقال فيه بحيث اوجدت هذه التجديدية امورا تغيرت بنية الشعر فيها او في مسارها واوجدت انواعا جديدة للقصيدة الشعرية وقد شرحت سابقا كل هذه التطورات مع مرور الزمن الحادث وبسبب الحاجة الملحة لهذه النوعية من القصيدة او تلك او ناتجة عن نفسية الشاعر القائل لهذه القصيدة المعينة . واستطيع ان احدد الفترة الزمنية للشعرالمعاصر ابتداءا النصف الثاني من القرن العشرين اوابتداءا من البدء بكتابة قصيدة النثر في العقدين السابع والثامن من القرن الماضي فيما اراه على اغلب الامر .
الشعر الجيد هو الكنز الثمين والوجه الحقيقي للواقع الإنساني ولطالما حلم الإنسان به منذ أقدم العصور بأ ن يكون شاعرا او يولد شاعرا لذا استطيع ان اقول ان الشعر حالة روحية او نفسية تكتنفها العاطفة الانسانية الحقة و تتأ رجح بين التأمل والالهام والحدس فالانسان الحديث ربما كانت له حالة مركبة من المشاعر الرومانسية والألم الواقعي والرموز السيريالية والقلق الوجودي فهو غيّر الانسان العربي القديم الذي كان هائما في الصحراء ينشد الكلآ والماء ويتغنى بما يجيش في نفسه من مشاعر واحا سيس في حدود امكانيته وظروف طبيعته . فالإنسان العربي الحديث ربما تعتريه حالة او مجموعة حالات متناقضة بما تمليه عليه نفسيته والواقع المعاش في الوقت الحاضر وتناقضات المجتمع الانساني المختلفة المحيطة به .
والشاعر الحقيقي هو هذا الذي يرخي عنان قصائده فتخرج عفوية حصيلة ثقافة انسانية ومشاعر مركبة ومعبرة عن طموحات نفسية الشاعر ومدى تأثيرها في الاخرين و ابداعات خلاقة وطموحة . فالقصيدة الحالية تمثل كائنا حيا او هي أشبه بالكائن الحي حيث يمثل شكل القصيدة او بنيتها جسده . ومضمونها روحيته فهي تمثل الصدى الذي تنبلج منه اسرار روح الشاعر واراؤه ممتزجة بعواطفه واحاسيه .
ومن المفيد ان ا بين ان الشاعر الحديث او المعاصر المطبوع شاعر تتمثل فيه غزارة الثقافة في امتدادات عميقة وكأنه وارث الحضارات كلها ومطلع على ثقافات الامم المختلفة . لذا اصبح متمكنا من استخدام مفردات اللغة لتصوير افكاره وارائه وعواطفه وخلجات نفسه دون تاثير من خارج او امر من احد و يرتكز على فلسفة عميقة غنية تحصنه من القول الضحل الفاني او الركيك الى القول العميق والرصين فهو اذن يمثل فيضا هادرا وتلقائيا للمشاعر النفسية القويَّةِ المنبثقة من اعماقه يَأْخذُ بها مِنْ العاطفة المتأملة المتجددة المنطلقة نحو الافضل متألقة متناغمة تنشد الحياة والانتشاء فيها هوالحب للانسان المثالي ونحو الافضل في توليده للافكار والابداعات الشعرية الجميلة ومحاولة خلقها من جديد . وأهمية الشعر تتجلى في قدرته على تغيير حياة البشر، فالشعر يمس وجدان كل انسان يقرأه فيصبح اشبه بقطرات المطر مكونة غيثا يعيد الحياة الى الارض الميتة فتزهو وتزدهر .
ويمكننا من تعريف الشعر المعاصر على انه هو الشعر الذي كتب في الزمن الذي يعاصر القراء او الذي يعاصرنا . وصفة المعاصرة تدل على مرحلة بعينها في حياة الشعر الحديث وهي المرحلة التي نعاصرها او التي نعيشها الان دون اعتبار إن كان الشاعر ميتا او لا يزال على قيد الحياة خلال فترة وجود هذا النوع من القصيد .
فالشعرالعربي منذ القدم اعتمد القصيدة التقليدية او( التقييدية) او العمودية الموزونة على احد البحورالخليلية الا انه بمرور الزمن والحقب الزمنية التي مرت على الامة العربية والتعايش مع الامم الاخرى اوجد نوعا من الانفتاح لدى بعض الشعراء الذين هم من اصول غير عربية سميت بحركة التجديد كما في العصرالعباسي شملت الاسلوب في القصيدة الشعرية والمعاني الابتكارية فيها ثم تغير ثوب القصيدة العربية فوجد النشطير والنهك في الاوزان الشعرية ثم وجد الموشح ثم انواع من القصيدة العربية جديدة اخرها قصيدة الشعرالحر (التفعيلة ) ثم قصيدة النثر في اخر المطاف في الوقت الحاضر .- راجع كتابي ( الشعر العباسي بين الكلاسيكية والتجديد) - فحركة الشعر العربي شهد ت فيما بعد نقلة استثنائية، حيث طال التغيير البنية العروضية للقصيدة العربية، مع حركة الشعر الحر أو شعر التفعيلة ويعتبر الشعر الحر الثورة الثانية على العروض الشعرية الفراهيدية شهدها تاريخ الأدب العربي اذا اعتبرنا ان الثورة العروضية الاولى تمثلت في الموشحات الأندلسية. والازجال وقد التمعت أسماء جديدة في فضاء الشعر العربي في في النصف الاول من القرن العشرين، بشكل قصيدي جديد، مثل نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبدالوهاب البياتي، ويوسف الخال ، وأدونيس. وصلاح عبد الصبور امل دنقل وامثالهم لكن إذا كانت القصيدة الإحيائية، وكذلك الرومانسية كانتا حريصتين على التوصيل فان حركة الشعر الحر او شعر التفعيلة ستحرص على تكسير هذا التقليد الموجود بتفاعل من إن الشعر خطاب إيحائي وترميز يتميز بكل دلائل الانزياح وكثافة المعنى وتعدد هذه الأبعاد . وإذا كان شعر التفعيلة في بدايته اقتصد او قلل في كثافة الترميز فإن تطوراته اللاحقة سرعان ما أدخلته في سماء ضيقة عندما استقر في الثقافة الشعرية العربية مفهوم خاص عن الشعر يجرده من كل معنى فيه ورسالة له .وربما جاء ذلك بعد سلسلة من التأملات البديهية في ظل النكسات السياسية التي عاشتها الامة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث ولد حالة من اليأس النفسي الثقافي والاجتماعي.
فالشعر العربي يرتكز حاليا على ثلاثة انواع من القصائد الشعرية كل منها ياخذ مسارا ويعده شعراؤه هو الافضل وهذه الركائز هي:
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
امير البيـــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــــــــــــدروز
****************************************************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 27 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

قوة الأفكار وتواضع الأسلوب 
في رواية "صوت"
إبراهيم غرايبة
نجد في هذه العمل معرفة هائلة عند الراوي، حتى أننا نجد أنفسنا امامها مبتدئين، وما زالت طريقنا إلى المعرفة طويلة جدا، هناك كم وتنوع في المعلومات التي يقدم وهي بالتأكيد ثروة معرفة مهمة وضرورية لأي قارئ، وهذا ما يحسب لهذا العمل، فيكفينا أن نستمتع بالمعلومات وبالطريقة التي قدمها الكاتب. 
وهذه المعرفة لا تقتصر على الأحداث فحسب، بل نجد الراوي يقدمنا من عالم الأفكار كما هو الحال عندما يحدثنا عن الجمال فيقول: "كأن الجمال هو المورد الذي تتنافس عليه الناس، فالمقعد الذي تصنعه لا يشكل الخشب والجهد المبذول فيه سوى نسبة ضئيلة من قيمته/ ولكن معظم قيمته مردها إلى الجمال في تصميمه وفكرته" ص14، وهذا ينم على أن الكاتب يرتقي بفكره إلى مصاف الفلاسفة، فمن يصل بتفكيره إلى هذه الدرجة بالتأكيد هو مفكر.
ويدثنا عن مفهوم الزمن وطبيعة العصر فيقول على لسان الجد "سالم": "ولكنه الوعي الذي يتأخر عن الواقع، تماما كما تأخر وعينا للثورة الصناعية، كان البارود كافيا قبل خمسمائة سنة للسيطرة على العالم، واليوم بيد الأفراد والجماعات كميات منه أكثر ونوعية أقوى مما كان لدى إسبانيا والبرتغال في القرن الخامس عشر، ولكنه لم يعد مفيدا كما كان من قبل" ص27، وهذه الفكرة مهمة جدا لكي نحكم على الأمور من خلال الزمن والظرف والعصر الذي كانت تجري فيه الأحداث، وليس من خلال وقتنا/عصرنا الآن، لأن يمثل اختلال في الموازين وتشويه للواقع/للحدث الذي كان.
نجد عنده معرفة وقدرة على تحليل وتلخيص الروايات العالمية كما هو الحال عندما أخبرنا عن رواية "الكيميائي" " لباولو كويلو" فيقدم لنا أهم الفكرة الأهم في الرواية والتي جاءت بهذا الشكل: " إذا بقيت هنا ستتحول إلى تاجر وشخص عادي وتفقد سرد، ولكن إذا تعبت حلمك فستتعرف أسرارا كثير" ص52و53، فالراوي يحرص على تقديم الأفكار التي تقدم المتلقي إلى الأمام، وتجعله يتجاوز المألوف والعادي والمتاح.
ونجد هنا سرد تاريخي عن عمليات إعدام الكتب كما هو الحال عندما قال: ط وفي القرن الخامس قبل الميلاد أحرقت كتب بروتاغودراس في أثنينا، وفي القرن الثالث قبل الميلاد أمر الإمبراطور الصيني شيهوانع تي باحراق جميع الكتب في البلاد" ص63، وهذه المعلومات بالتأكيد تنم على المعرفة التاريخية عند الراوي، فهو متعمق وواسع المعرفة بحيث نجده يقدم معلومات وأفكار في العديد من المواضيع وعبر العصور المتعاقبة.
ويقدم فكرته عن الهجرة التي اصبحت أهم وسيلة لخلاص المواطن في المنطقة العربية من البؤس فيقول عنها: "الهجرة في الأساس وسيلة للبحث عن الأفضل والخروج من أزمات تكبلنا" ص78، وإذا الهجرة وسيلة، وليست غاية، وهذا ما يجب أن نفهمه منها.
وما يلفت النظر أن الراوي يستخدم الآيات القرآنية بإسهاب في الرواية، حتى أننا نجد آيات متتابعة ومتلاحقة في نفس الفقرة، كما هو الحال في هذا المقطع: "(وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (ولا تكنوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع) ( ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون) ( إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) ( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا) ( إنهم عن السمع معرضون) ى( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (قال كلا فاذهب بآياتنا أنا معكم مستمعون)" ص69، واعتقد ان هذا الكم من الآيات وبهذا الشكل يرهق لنص الروائي ويبعده عن طبيعة الرواية، فيبدو لنا وكأننا أمام خطبة رجل دين، يستخدم كل ما يحفظه من آيات بطريقة فجة.
إذن هناك فجوة بين المعلومات والأفكار الرائعة التي يقدمها السارد وبين طريقة وشكل وأسلوب كتابة الرواية، فهو يعترف لنا بهذا الخلل في بنية الراوية عندما قال: "...وكانت النتيجة ليست روايتي ولكنها رواية كريم وسلمى، وربما كان كريم السارد الرئيس وتشاركه سلمى، وربما لم تكن رواية بالمعنى السائد للرواية، ولكنها رواية بالتـأكيد من حيث أنها تصف عملية تشكل أقرب إلى الخلق، أو أنها إعادة تكوين لشخصين... وربما لو كتبها كريم بنفسه وهذا ما كنت أفضله لجعل بطلها الرئيس هو الصوت وحوله شخصيات أخرى كثيرة ترافقه أو تتولد عنه، الكلمة والقراءة والاستماع والحمة والبصيرة والشك والحيرة والزمان والفضاء والصمت والتأمل" ص41، اعتقد أن يشير بطريقة أو بأخرى إلى عدم اقتناع السارد بهذا الشكل من الراوية، فهناك خلل في بنيتها، فمثلا الجد "سالم" الذي تحدث بروح الجدلية في الماركسية عندما قال: "نحتاج إلى ماركس جديد" ص24 يفقد دوره تماما ولا نجد رابط أو تفسير منطقي أو عقلي وحتى خيالي يبرر وجود المجلدين " على جهاز الحاسوب بعد موته، ولم يكن لهما علاقة مقنعة لنا بمجرى الأحداث. 
لهذا نقول بأننا أمام أفكار مهمة ومفيدة وضرورية، وقدمت بشكل جميل وسلس لكنه ليس شكل الراوية، فهل هذا يقلل من اهمية (الراوية) أو من أهمية السارد،؟ أعتقد أن الاتفاق على الشكل تسمية النص الأدبي ليس مهما بقدر حصول المتلقي على المتعة أولا، ثم على المعرفة ثانيا، ثم على الإثارة والتوقف عند ما قُدم، واجزم أن السارد أستطاع أن يحقق كل ما سبق، وهذا كاف لجعلنا نقول اننا امام عمل أدبي جميل.
الرواية من منشورات دار سيرين للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 118 مشاهدة
نشرت فى 25 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

الشاعر والمخزون الثقافي
"مكابدات زليخة"
ريكان إبراهيم
الواقع يفجر شاعرية الشاعر بحيث يتفوق على ذاته متجاوزا ما هو العادي، محلقا في عالمه كشاعر، لهذا سنجد في هذا الديوان حالة شعرية غير عادية، فالطريقة والاسلوب الذي استخدمه "ريكان إبراهيم" تدهشنا وتمتعنا وتجعلنا نتوقف متأملين في هذه القصائد، نتساءل: "كيف، ومن أين يأتي الشاعر بهذه الصور، بهذه الصياغة؟، وهل هناك أثر للواقع في إخراج هذه الثورة الشعرية؟.
التراث
يستخدم الشاعر التراث العربي والعالمي والديني ـ المسيحي والإسلامي ـ بزخم، وهذا يشير إلى حجم الضغط الواقع عليه، فنحن في المنطقة العربية غالبا ما نستخدم التراث لنفرغ ما فينا من ضغط ولتخفيف من حدة الألم الذي نمر فيه، أو لتأكيد اصراره على موقفه، أو لخلق مثل يحتذى به فيكون متجاوزا ما هو العادي ومألوف، "ريكان إبراهيم" يؤكد هذا الموقف فيقول في قصيدة "لن أعتذر" والتي تحمل التحدي ومواجهة الواقع:
"لن أعتذر 
وإذا استوى عندي اعتذاري والفناء
سأنتحر
ما كل منتحر جبان
وإني أنا الصرح الممرد حينما عريت
من بلقيس ساقيها لأفضح ما استتر
...
لن أتعذر 
أنا ظل موسى في السؤال عن
الصغير والكبير عند صاحبه الخضر
وحفيد إبراهيم يلقى الموت مبتهجا
بنار تستعر
....
أدري. وأعرف
كم يكلفني العناد إذا استمر
... يا سامعين الصوت
لن أعتذر
الرفض يعني الموت
لكنه موت جميل الواقع
في النفس التي لا تلتوي أو تنكسر" ص11 -13، 
هناك حروف "لن، لا، كم" يستخدمها الشاعر ليستمد منها طاقة تعينه على الاستمرار في موقفه لموجهة الواقع، وكأنه بها يريد أن يبقى سائرا في دربه، بحيث لا يتوقف أو يضيع في أتون الواقع ومفاهيم العصر، عنوان القصيدة "لن اعتذر" فيه تحدي ومواجهة للواقع، للسلطة، لهذا الشاعر يجد دوره في تعرية الواقع وما فيه من عيوب، فكان الصرح الممرد ليكشف عيوب الأرجل المشعرة، واعتقد أن هذا الاستخدام هو الأول الذي جاء بهذا الشكل، ـ أن يجعل الشاعر من نفسه الصرح ـ .
ونجد هذا التحدي ـ مواجهة الواقع ـ من خلال اعطا نفسه صفة "ظل موسى" فهو أراد به أن يقرن نفسه بهاجس السؤال الذي لم يستطع "موسى" أن يحتفظ به، رغم أنه كان من شوط الرحلة مع الخضر، فالشاعر لا يستطيع إلا أن يكون متسائلا عن كل ما يحدث، متسائلا عما آلت إليه أحوال العراق والعراقي. 
لكن بالتأكيد هذه المواجهة والتحدي يترتب عليه وجود ضغوطات ومضايقات، لهذا نجده يتجه نحو التراث وما فيه من مواد تعطيه طاقة ونماذج يحتذى بها لتعينه في مواصلة الطريق، فهو شاعر مؤمن بالسلام والأمن الذي سيكون، برغم الأخطار الظاهرة والمحيطة، لهذا يستمر في دربه، مستمدا من إيمانه طاقة تقويه وتعينه، ويقنع نفسه بضرورة أن لا يستسلم أو يضعف أمام الأخطار والتحديات، رغم وجودها كحقيقة على أرض الواقع، من هنا اعطا نفسه صفة/حالة "إسماعيل" الذي وجد في تسليم ذاته لقرار إبراهيم، ذروة الإيمان والتسليم بإرادة الله، وأيضا صفة/حالة إبراهيم عندما ألقاه قومه في النار، وما يلفت النظر أن الشاعر غرب القصة من خلال قوله "حفيد إبراهيم" وليس ابن إبراهيم، والحالة الثانية أنه جعل (الحفيد) يتعرض "لنار تستعر" وليس للذبح، اعتقد أن هذا التغريب أراد به أن ينبهنا إل ضرورة التوقف عند الأحداث وما يجري في العراق من خراب وقتل، وأن لا تأخذنا قصة إبراهيم وقصة إسماعيل كقصة مجردة، بل تقربنا مما يحصل على أرض الواقع، وهذا ما وجدناه عندما أصر على الاستمرار.
ويؤكد الشاعر على قدرته على تحمل الأخطار وصموده، فقد أخذ فكرة ومعرفة وطاقة وإيمان من التراث الديني ليواجه الموت بصدر رحب، حيث يجد فيه ذاته المنسجمة بين ما تقوله وتفعله، له يجد "الموت جميل" عندما يأتي مع الصلابة والثبات في الموقف.
إذن هناك تغريب للأحداث التراثية والدينية يحاول الشاعر من خلالها دفعنا للتقدم ولتوقف والتفكير عند ما جرى في الماضي ويجري الأن، فنجده في قصيدة: " تغريبة بني عراق" يستخدم التراث بهذا الشكل:
"كبرنا ... ومات أبي
وظلت حكاياته تسكن الذاكرة
كما ظل فينا أبو زيد الهلالي رمز الضياع
لم يكن فاتحا على الرغم من كل ما قيل عنه
وشاع
لأن الرجال التي تتحدى جيوش المحال
إذا مسها الجوع في دارها
تقاومه بالصمود وليس الهرب
فكيف اغترب؟" ص23و24، تفسير جديد ما قام به "أبو زيد الهلالي" فهو يمثل هنا الهزيمة وعدم القدرة على المواجهة، وكأن الشاعر أريد بهذا أن يحث العراقيين على أن يبقوا في وطنهم ولا يرتحلوا، حتى او كان في ارتحالهم انجازات وتألق. وهذا ما وجدناه في نهاية القصيدة عندما قال:
" ...وما ظل من جذع نخلة
يقاوم عنف الليالي
لأن النخيل
تموت على أراضيها واقفة
وتأبى الرحيل
تموت ولا تستحيل إلى صورة للهرب
ولا تستعيد مسار أبي زيد
الهلالي حين اغترب" ص26.
ومن التراث العالمي يختار "سيزيف" ليشير إلى ما يعانيه من ألم، يقول في قصيدة "البديل":
" والبحر روحي المستهام
روحي الذي لعبت به الأيام لعبة
عابث نزق بدمية
والشاطئ الصخري إحباطي الذي
لاقيت ما لو كان قد لاقاه
سيزيف الجريح
لهوي وألوى من عناده" ص98، المعنى يحمل الألم لكن الشاعر لا يكتفي بالمعنى فقط، بل نجده يستخدم لغة توحي بالألم كما هو الحال في : "لاقيت ما لو كان قد لاقاه" المسافة بين "لاقيت ولاقاه" أربع كلمات، ورغم انها "ما، لو، كان، قد" إلا أنها تجعل المتلقي يشعر بأنها متداخلة وتُصعب اللقاء ويُبعد المسافة.
ويستحضر شيء من الإنجيل فيقول:
"...
أنا لا أحث على جريمة
لكن أذكر بالمسيح:
من كان، ممن يسمعون، لا خطيئة 
فليرمه أو يرم صاحبة الفضيحة
بالحجر" ص108، وهذا التكسير وتبعثر الكلمات وتشتتها يشير إلى ما يعانيه الشاعر، بحيث لم تعد الآية: "من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" بهذا التناسق والسلاسة، بل بدل وغير وقدم وأخر وأضاف بحيث تعطي نفس المعنى لكن شكل وطريقة التقديم الآية يختلف عما ألفناه في العهد الجديد.
وفي قصيدة "الموت" يقول:
"يقلون: لولاك لاكتسب المجرمون الخلود
إلى الآن، لولاك، شمشون حي
ونيرون يزهو على أرض روما
ويلبس كلكامش الخلد ثوبا
وهتلر يسحق شعبا
ولكن سلمت على ما فعلت
جعلت الرؤوس التي لا تلين
لفأس تلين لحفنة طين" ص136، هذا الجمع المتناقض "هتلر وشمشون، نيرون وكلكامش، يشير إلى الحالة الصعبة التي يمر بها الشاعر، فيبدو وكأنه عبقري قد جن، فلم يعد يعي ما يقول، لكن قوله يعبر، نجد فيه عبقرية القائل وحجم الثقافة التي يتمتع بها، من هنا نجد الشاعر لا يتوانى عن استخدام أي طريقة ليعبر عن سخطه ونقمته على الواقع.
أما القرآن الكريم فله حضوره القوي في الديوان، يقول في قصيدة "لن اعتذر":
" سأحرض الصبيان والنسوان والشيخ الضير
وكل من قوى على حمل الحجر 
أن يخرجوا من بين أنقاض الفجيعة
كالجراد المنتشر" ص13و14، يستوقفنا اهمال الشاعر للشباب/للرجل، والذي يشير ؟إلى أنه ـ في العقل الباطن ـ لا يجدهم إلا مساهمين فيما آلت إليه الأوضاع من سوء، فتجب/أهمل/ ذكرهم، كما تستوقفنا "كالجراد المنتشر" والتي جاءت لتشير إلى ثورة الصبيان والنساء والشيخ الضير، والذي سيخرجون من بين "أنقاض الفجيعة" وهي صورة قاسية ومؤلمة بحيث كان هناك توافق بين شكل ثورتهم "أنقاض الفجيعة" وبين صورة الفزع والكثرة العظيمة يوم يكون الناس كالجراد المبثوث/المنتشر".
ويقول في قصيدة "توشيح صامت":
"وأعلم أنك واحد
من أمة لا تستحي لكن تخاف
قد بعثر الكلمات قبلك
بعض عشاق الهتاف
رفعوا شاعر الزاهدين وأذنوا
في الناس بالحج اللطاف حتى إذا ملكوا الزمام
وأتقنوا فن القطاف
ضحكوا على من صدقوا أقوالهم زمن الجفاف
فتراهم ملأى البطون
ثقال أرداف
كمسمنة الخراف
حتى تظنهم،
لفرط تلغُد الخدين مرضى 
بالنكاف
هو ـ هكذا ـ التاريخ
إنسان يُخيف وأخر منه يخاف
هي ـ هكذا ـ الدنيا
قوي يستجير بثوب كعبته الضعاف
هو ـ هكذا ـ الإنسان
جبار إذا أمن الأذى
وأمام قاتله يجيد الاصطفاف" ص35و36، الجمع بين المكان "مكة" وبين الناس وحالة البذخ والإسراف التي هم فيها، فكانوا مثل الخراف السمان جاهزة للذبح، وإذا ما توقفنا عن حرف "الألف والفاء" في كلمات: "تخاف، الهتاف، اللطاف، الجفاف، أرداف، الخراف، يخاف، الضعاف، الاصطفاف" والذي يقترب من "أف" والتي تشير إلى حالة التذمر والامتعاض، سنجد توافق وتكامل بين المعنى والمضمون من جهة، وبين الكلمة والحرف من جهة أخرى.
ونجد في قصيدة "أستير وكوروش" حالة الصراع بين بابل ويهوذا:
"يهوذا تفكر في حالها من جديد
لم تعد مملكة
حراب هنا .. وخراب هناك
لقد جلس فيها خلال الديار
الغزاة الكبار
... وأستير تُسكره بالعطاء
...
"حبيبي...
إليك قصيرة العبارة:
أمامي تقوم ... تريني ... بابلا تحترق
وإلا فمعذرة ... نفترق
هنيئا يهوذا
نهضت نهضت وعاد السبايا
قطفت انتصارا
وحلت بأعدائك التهلكة
هو النصر إن لم يكن بالسيوف
ففخذ لفاتنة يريح المعركة" ص75 و77، هذه القصيدة أقلها قسوة على المتلقي، لأن القسوة تكمن في الفكرة فقط، ولم تتعدى إلى شكل التقديم أو الأسلوب كما هو الحال فيما سبق. 
ويقول في قصيدة "إلتواءة السؤال:
"... فيا خالقي في كبد" ص125.
...وإبليس مثلي جبان ولكنه صار من المنظرين
إلى يوم ينفخ في الصور" ص127، كل هذا يعطينا دلالة إلى الثقافة الدينية التي يتمتع بها الشاعر.
ويستخدم قصة يوسف كما هو الحال في قصيدة العنوان "مكابدات زليخة" والتي يقول فيها:
"قطعن بالسكين أيديهن في حرم الجمال
كي لا يقال
إن النساء يلدن بالصمت الممض
إذا تعشقن الرجال
بل كي يقال:
الحب ـ حين يكون جبارا ـ تخر له الجبال 
والحب حين يكون جبارا فحواء وآدمها 
سواء هل يفهم السفهاء ما معنى |سواء"؟
أني أنا امرأة العزيز
ما كان يوسف فاحشا يوما
ولا ارتكب الخطيئة
فأنا جريئة
وأنا ركضت وارءه وقميصه قد قد من دبر وقاومني
وأنا من غلق الأبواب في حذر" ص19، نجد القصة الدينية يتم سردها بطريقة جديدة لكنها تعطينا نفس الفكرة، واعتقد ان مكانة هذه القصيدة في الديوان تتماثل تماما مع مكانة سورة "يوسف" في القرآن، لأنهما جاءتا تقريبا تتحدثان عن قضية واحدة "قصة يوسف" وما سواء كان من باب التقديم للقصة ليس أكثر. 
الواقع يؤثر على الشاعر بشكل واضح وجلي، وهو يعري أمراء النفط وما سببوه من خراب وقتل وتشريد للمواطنين العرب، فهم الطوفان الذي لم يبقي ولا يذر:
يقول في قصيدة "تغريبة بني عراق":
"...
وصار الذي في الوطن
موكبا من محن
على كل بيدر جموع جراد
وفي كل بيت بقايا حداد
وأسألكم إخوتي
فما بيننا من غريب
ما الذي يفعله الحر حين تضيق
الدروب؟
وكيف يدير الصراع فتى مزقته الحروب؟
...
رحلنا بثوب وخيمة
وقفنا على باب من كان يحلم يوما يرانا
وصرنا حيارى
نجوب الصحاري
بثوب وخيمة
كلانا بلا نائحة
سوى ما تخلف منا على نهر دجلة" ص24و25، العديد من الألفاظ جاءت لتوكد على حالة الألم والقسوة التي يمر بها الشاعر، كما هو الحال في "محن، جراد، حداد، غريب، تضيق، الصراع، مزقته، الحروب، رحلنا، خيمة، حيارى، الصحاري، نائحة، تخلف" فكل هذا الالفاظ تعطي صورة الألم الذي هو فيه، بحيث وجد في هذه الألفاظ ما يتناسب وحالته، كما أنه من خلال الأسئلة التي يطرحها نجد هناك ألم وقهر فيهما، وكأنه بها أرادنا أن لا ننفعل عاطفيا فحسب، بل أن نفكر ونحلل ما حدث، ونضع الحلول أيضا.
ويقول في قصيدة "جميلة بو حيدر": 
"ترى لو تقدم شيخ له بئر نفط
إلى والدها
أميرة رغبة الاقتران
فماذا سيهدي إليها
ـ لحية أم عباءة؟
ـ سفلسا ؟أم دناءة؟
وهل كل آبار نفظ العرب
وكل الذي عندهم من ذهب
يليق مقدم مهر لكف جميلة؟" ص31و32، لقد تناول الشاعر حالة بعينها عن سلوك هؤلاء النفطيون، والأسئلة التي ضرحها بالتأكيد هي أسئلة استنكارية، وتدعو إلى عدم اقتران "الأميرة" بهم.
يقدمنا الشاعر أكثر من أمراء النفط، فيقول في قصيدة "توشيح صامت":
"رفعوا شاعر الزاهدين وأذنوا
في الناس بالحج اللطاف حتى إذا ملكوا الزمام
وأتقنوا فن القطاف
ضحكوا على من صدقوا أقوالهم زمن الجفاف
فتراهم ملأى البطون
ثقال أرداف
كمسمنة الخراف
حتى تظنهم،
لفرط تلغُد الخدين مرضى 
بالنكاف
هو ـ هكذا ـ التاريخ
إنسان يُخيف وأخر منه يخاف
هي ـ هكذا ـ الدنيا
قوي يستجير بثوب كعبته الضعاف
هو ـ هكذا ـ الإنسان
جبار إذا أمن الأذى
وأمام قاتله يجيد الاصطفاف" ص35و36، فهو يكشف عوراتهم من خلال سلوكهم، إن كانوا بصفتهم الشخصية أم الرسمية، وهذا التحقير والذم يشيران إلى حجم الجريمة التي اقترفوها، فهل هناك جريمة أكبر وأعظم من قتل وتشريد وتجويع شعوب وتدميرها وتخريبها وفتح الأبواب أمام العدو ليستبيح أرضها وينتهك حرمة سكانها؟.
ونجد ذروة السواد في قصيدة "مكاشفة": والتي يفتتحها:
"إذرف دما، إن الدموع بلا دم
لغة المنافق في خضم المأتم
هي لم تك امرأة بغيا، إنما
صرخت فأسكتها الزناة بملجم
وزناتها منها يشاطر جهدهم
فض البكارة أجنبي أعجمي
وطن تشيده الجماجم، خادعن
أحياؤه من مات غير مذمم" ص39، كلنا يعلم أن فاتحة القصيدة تعطي صورة عن فحواها، ففي هذه القصيدة هناك غضب واضح وانفعال غير عادي عند الشاعر، لهذا نجد الصوت فيها عال وقوي مباشر، وهذا التنوع في تقديم أشكال القصائد يعبر عن حالة الشاعر النفسية، فهو الذي كان ينعم بأرض الرافدين، هنا هو مشرد طريد في الأرض، بعيدا عن الأرض التي ينتمي إليها ويعشقها، لهذا من حفه أن يكتب شيء يحرر نفسه مما فيها من ألم، أليست الكتابة طريقة لتخفيف أملنا؟.
الديوان من منشورات دار فضاءات للنشر والتوزيع، عما الأردن، الطبعة الأولى 2009

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربي
المجلد التاسع - الجزء الثاني
شعراء العصرالحديث 
الصفحات (592- 598 )
.
بقلم فالح الكيلاني
.
الشاعر لطفـــــي اليــــــــــــــــــــــاســـيني 
( شاعرالمقاومة الفلسطينية )
ولد الشاعر لطفي الياسيني في السادس والعشرين من تموز (يوليو ) سنة \1922 بمنطقة ( الشوف) في لبنان . ثم انتقل الى فلسطين منذ نعومة اظفاره وطفولته . من اسرة تنشد الشعر وتقرضه فقد كان جده لابيه شاعرا ووالده شاعرا ووالدته شاعرة وقد قال الشعر في طفولته وصباه .
.
تتلمذ في الكتّاب في جامع الشيخ ( لولو) في القدس المحتلة حيث لم تكن المدارس النظامية موجودة للتعليم وبعد تعلمه في الكتاب انتقل الى مدرسة القدس الابتدائية ثم اتم مرحلة دراسته الاعدادية والمرحلة الثانوية فيها والدراسة الجامعية في الخارج وكان ينظم الشعر ويعرضه على ابيه حيث كان ابوه شاعرا وموسيقيا محترفا في العزف الى الرباب .
.
احب في صباه وشبابه الرياضة اضافة الى قول الشعر وخاصة المصارعة وكرة القدم . فعين رئيسا لاتحاد المصارعة الحرة في فلسطين ونال الجوائز والشهادات التقديرية فيها .
.
حصل على شهادة الدكتوراه عدة مرات وفي اختصاصات مختلفة من عدة اقطار عربية و نشر اول قصيدة له بعد النكبة وجرائها في الصحف والمجلات الفلسطينية مثل صحيفة الجهاد وصحيفة الدفاع اللتان كانتا تصدران في مدينة ( حيفا ) المحتلة يقول
منها هذه الابيات :
.
فلسطين الحبيبة يا بلادي
اتوق الى رباك الى الجياد
يعذبني الحنين اليك دوما
فيغلبني الكرى قبل السهاد
اتوق لارض عكا ثم حيفا
الى يافا موشحة السواد
لناصرتي وبيارات جدي
الى صفد لايام العتاد
معار حبيبتي وضياء عيني
وترشيحا هواها خير زاد
وبيسان التي ناضلت فيها
دحا .... ناعور اخيار العباد
وفي قوصين لي ذكرى واني
اتوق الى الاهالي بازدياد
فلسطين الحبيبة كيف انسى
وروحي قد وهبتك مذ ميلادي
.
اصيب في المعركة مع العدو الصهيوني وهذه الاصابة وادت الى بتر ساقه اليسرى وشلل في الذراع الايسر بحيث اصبح يقضي معظم اوقاته على كرسي الاعاقة الابدية . وله سبعة اولاد في السجون الاسرائيلية بتهم امنية سجنوا من قبل الاحتلال الصهيوني.. وكان عدد من استشهد ما عائلته واقاربه 70 شهيدا على أيدي الصهاينة الغادرين .
.
صقلت موهبته الشعرية من قبل والده واساتذته ومن معاناته للاحتلال الصهيوني لبلده وكان يقرأ لشاعري فلسطين في طفولته وصباه الشاعر الكبير عبد الكريم الكرمي والشاعر عبد الرحيم محمود مع العلم انه كان يقرأ لكل شعراء العربية. فالشعر كان عنده المتنفس الوحيد لما يعتقده ويناضل في سبيل تحقيقه و يختلج في صدره من معاناة كل شعوب الارض المقهورة والمغلوبة والشعب العربي في فلسطين في مقدمتها لاحظه يقول :
.
اتيت احني جبيني.... من فلسطين
لكل قطر وشعب..... من محبيني
انا اليتيم ... بلا ام...... ولا ابت
عربي انتمائي.. الى اهلي الميامين
مصري عراقي سعودي من عناويني
سوري وليبي .. ولبناني كواشيني
من المغاربة الاحباب.... جئت انا
من الجزائر ... من بربر... ويكفيني
من ارض عمان من قطر ومن يمن
من ارض تونس... جنات الملايين
.
الياسيني رجل لا يشعر بالتعب رغم شيخوخته وكبر سنه فهو يتفاعل مع الحدث ويعيش الواقع الفلسطيني المرير ويكتب القصائد الشعرية في كل حدث يشاهده على شاشات الفضائيات والتلفزة العربية والعالمية او الصحف والمجلات وأقرَّ انه لن يعتزل الشعر ولن يتخلى عنه لانه يمثل شعره باولاده فهل يتخلى الوالد عن ابنائه وقوله هو الحق والصدق فالشاعر لا يستطيع التخلي عن شعره ابدا.
.
لطفي الياسيني شاعر مخضرم عاش كثيرا وانتج اكثر فله في مجال الشعر اكثر من ستين ديوانا شعريا وكذلك الكثير من الكتب الثقافية والادبية والتاريخية فهو يمثل موسوعة ثقافية شاملة وكان رئيسا للمجلس الأعلى للكتاب والاعلام في فلسطين.
وقد امتلك صحفا كثيرة عمل جادا تحريرها والكتابة فيها منها مايلي :
جريدة الصريح الفلسطينيه
جريدة المنتدى
جريدة الادباء
جريدة الشعر
جريدة الخلافة
جريدة البيرق
جريدة الطلائع
جريدة المصارعه الحره
جريدة الاقصى
جريدة الانتفاضة الفلسطينيه 

فالشاعر الياسيني من رواد الشعر العربي المعروفين ، وهو أحد أعمدة الشعرالعربي وخاصة شعر المقاومة فتاريخه المضيء يشهد بتأثيره بشعراء المقاومة والرفض، وهذا لا يستطيع احد نكرانه على الإطلاق. كما تميز شعره بالصور الشعرية الرائعة والبداعة الجميلة. ويتميز بثقافة الحوارالثقافي .
.
قد تعرفت عليه من خلال التواصل الاجتماعي (الفيسبك) واصبحنا صديقين مقربين ومن خلال عضويتنا في الاتحاد العام للكتاب والمبدعين وقد اهداني احدى قصائده فيقول :
.
(على هامش الاتصال الهاتفي مع اخي الشاعر العراقي الكبير د. فالح ناصيف الكيلاني / د. لطفي الياسيني :
سمعت صوت ديالى بعد عشرين
مرت علي كلمح البصر تعنيني
وقفت ابكي عراق العز ذا وطني
وطن الاسود من الشعب الميامين
شعب العراق له في القلب منزلة
احببته مثل حبي اهل حطيـــــــن
بغداد كانت وما زالت تعانقني
مثل الكنائس في ( شعب ) وفي ( النين )
مثل المساجد والخلوات في وطني
حبي امتداد لها يا ارض خانقين
بلد السلام بها الجيلاني سيدنا
دوما ببيتي بزاويتي يناديني
اشتاق نيسان مع ميسان اعشقها
حب الرضيع لثدي الام يكفيني
اشتاق فلوجة الثوار قلعتنـــــــــا
صمدت امام عدو الله والدين
اشتاق بصرتنا والكرخ تشهد لي
اني المجاهد مذ ثورات عشرين
صوت الغزالي باذني لا يفارقني
وصوت سيابه عام الثلاثين
وللجواهري والنواب ياخذني
رفاق درب الصبا مذ عام خمسين
وعبد رزاقه مع فالح ولهم
مكانة في فؤادي في شراييني
انا نسيت هنا نهر الفرات به
لي ذكريات ودجلة عام سبعين
خضت الغمار غمار الحرب مع اهل
وما قبلت حصار الوغد ديك شيني
النصر اوشك ان الله بشـــــــرنا
سود العمائم قادمة لحطين
.
ويتميز شعره ايضا بالقوة والجزالة وعمق المعاني مع غزارة الإنتاج وجمال الجرس الموسيقي في البحور العربية الشعرية التي استخدمها ونظم فيها شعره . وقد نظم الشعر في اغلب الفنون الشعرية بما فيها الغزل والحكمة والوصف الا ان اغلبها واكثرها شعرالمقامة واختم بحثي بهذه الابيات من شعره :
.
( اذا طال الزمان ولم تروني
فهذي صورتي فتذكروني )
وقفت العمر للاقصى واني
على عهدي الى يوم المنون
الا يا زائرا للقدس خذ ني
الى الاقصى لكي احني جبيني
اصلي ركعة لله اني
اتوق الى الصلاة فباركوني
من المنفى سرجت الخيل ات
لعاصمتي الى الصدر الحنون
لحي الواد يحملني اشتياقي
لباب المجلس الغالي عيوني
لحوش الشاي للدرج المفدى
الى خبز العراق الى الطابون
الى حمام عين صار ذكرى
الى القرمي لجامعنا المصون
صلاح الدين شارعه ينادي
تعالوا يا رفاقي … انقذوني
بلى انا سنأتي وعد ربي
لتحرير البلاد من المجون
الى حيفا وعكا سوف نأتي
الى يافا … هنالك ادفنوني
وايم الله من قبري ساشدو
فلسطيني … اليها احملوني
ومنذ النكبة الاولى وجرحي
بقلبي …. يا رفاقي اسعفوني
.
( وبهذا ينتهي المجلد التاسع من موسوعتي ( شعراء العربية ) ويليه المجلد العاشر ( شعراء المعاصرة)
.
اميرالبيــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــد روز
***********************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

قراءة ثانية في شعر المتنبي1...
ما لنا كلنا جو يا رسول
مالَنا كُلُّنـــا جَـــوٍ يا رَســـــول ♥ أَنا أَهــــوى وَقَلبُـــكَ المَتبـــولُ 
كُلَّمــــا عــادَ مَن بَعَثــتُ إِلَيـها ♥ غارَ مِنّـي وَخـــانَ فيمــا يَقــــولُ 
أَفسَـدَت بَينَنــا الأَمانــاتِ عَينــا ♥ ها وَخانــت قُلوبَهُـــنَّ العُقـــولُ 
تَشتَكي ما اشتَكَيتُ مِن أَلَمِ الشَو♥ قِ إِلَيها وَالشَوقُ حَيثُ النُحـولُ 
وَإِذا خامَرَ الهَــوى قَلــبَ صَـبٍّ ♥ فَعَلَيـــهِ لِكــــُلِّ عَيـــــنٍ دَليـــــلُ 
*****
زَوِّدينا مِن حُسنِ وَجهَكِ مـا دا ♥ مَ فَحُسـنُ الوُجوهِ حــالٌ تَحـــولُ 
وَصِلينا نَصِلــكِ في هَــذِهِ الـدُنـ ♥ ـيـا فَإــِنَّ المُقـــامَ فيـــها قَليــــلُ 
مَن رَآهـا بِعَينِـها شاقَــهُ القُـطـ ♥ ـطانُ فيها كَما تَشوقُ الحُمـــولُ 
إِن تَرينــي أَدِمــتُ بَعدَ بَيـــاضٍ ♥ فَحَميـــدٌ مـــِنَ القَنـــاةِ الذُبـــولُ 
صَحِبَتني عَلـــى الفَـــلاةِ فَتـــاةٌ ♥ عـــادَةُ اللـــَونِ عِنـــدَها التَبديــلُ 
*****
سَتَرَتكِ الحِجــالُ عَنــها وَلَكِــن ♥ بِكِ مِنـــها مِـــنَ اللَمـــى تَقبيــلُ 
مِثلُـها أَنتِ لَوَّحَتـــني وَأَسقــَمـ ♥ ـتِ وَزادَت أَبهاكُــما العُطبـــولُ 
نَحـنُ أَدرى وَقَد سَأَلنــا بِنَجـــدٍ ♥ أَقـــَصيرٌ طَــريقُنــــا أَم يَطـــــولُ 
وَكَثيرٌ مِــنَ السُـــؤالِ اِشتِيــــاقٌ♥ وَكَثـــــيرٌ مِــــن رَدِّهِ تَعليــــــــلُ 
لا أَقَمنا عَلى مَكـانٍ وَإِن طـــــا ♥بَ وَلا يُمكـــِنُ المَكـــانَ الرَحيـــلُ 
*****
كُلَّما رَحَّبَت بِنا الـــرَوضُ قُلنـــا♥ حَلَبٌ قَصدُنـــا وَأَنـــتِ السَبيــــلُ 
فيكِ مَرعى جِيادِنـــا وَالمَطايــــا♥ وَإِلَيـــهــا وَجيـــفُــــنا وَالذَميــــلُ 
وَالمُسَمَّــــونَ بِالأَمــــيرِ كَثيــــرٌ♥وَالأَمــيرُ الَّـــذي بِهــــا المَأمــــولُ 
الَّذي زُلتَ عَنهُ شَرقـــًا وَغَربًـــا♥ وَنَــــداهُ مُقابِلــــي مــــا يَـــــزولُ 
وَمَعي أَينَــــما سَلَكــــتُ كَأَنّــــي♥ كُـلُّ وَجهٍ لَـــهُ بِوَجهــــي كَفيـــــلُ 
*****
وَإِذا العَذلُ في النَدا زارَ سَمعًــــا♥ فَفِــــداهُ العَـــــذولُ وَالمَعـــــذولُ 
وَمَـــوالٍ تُحيِيــــهِمِ مِن يَدَيـــــهِ ♥ نِعَــــمٌ غَيرُهُــــم بِــــها مَقتـــــولُ 
فــــَرَسٌ سابِـــقٌ وَرُمحٌ طَويــــلٌ♥وَدِلاصٌ زَغْـــفٌ وَسَيــفٌ صَقيـــلُ 
كُلَّمــــــا صَبَّحَــــت دِيــــارَعَـــدُوٍّ♥ قالَ تِلكَ الغُيوثُ هَـذي السُيــــولُ 
دَهِمَتــهُ تَطـــايِرُ الـــزَرَدَ الــمُحـ ♥ ـــكَمَ عَنــــهُ كَما يَطــيرُ النَسيـــلُ 
*****
تَقنِصُ الخَيلَ خَيلَهُ قَنَصَ الوَحـ ♥ ـشِ وَيَستَأسِرُ الخَميسَ الرَعيـــلُ 
وَإِذا الحَربُ أَعرَضَت زَعَمَ الهَو♥ لُ لِعَــينَــيهِ أَنَّـــهُ تَـــهـــويــــــــلُ 
وَإِذا صَـحَّ فَالزَمـــانُ صَحيــــحٌ ♥ وَإِذا اِعتَـــــلَّ فَالزَمــــانُ عَليــــلُ 
وَإِذا غابَ وَجهُهُ عَن مَكــــــــانٍ♥ فَبِــهِ مِن ثَنــــاهُ وَجــــهٌ جَميــــلُ 
لَـيسَ إِلاكَ يـــا عَلــــِيُّ هُمـــــامٌ ♥ سَيفُـهُ دونَ عِرضِـــهِ مَسلــــــولُ 
*****
كَيفَ لا يَـأمَنُ العِـــراقُ وَمِصـــرٌ♥ وَسَرايـــاكَ دونَــــها وَالخُيـــــولُ 
لَو تَحَرَّفتَ عَن طَريقِ الأَعـــادي♥رَبَطَ السِــدرُ خَيلَهُــــمْ وَالنَخيـــــلُ 
وَدَرى مَن أَعَزَّهُ الدَفــعُ عَنـــــــهُ♥ فيهِمــا أَنَّـــهُ الحَقيــــرُ الذَليـــــلُ 
أَنتَ طولَ الحَياةِ لِلـــرومِ غـــــازٍ♥ فَمَتى الوَعدُ أَن يَكــونَ القُفــــولُ 
وَسِوى الرومِ خَلفَ ظَــهرِكَ رومٌ♥ فَعَــــلى أَيِّ جــــانِبَيــــكَ تَميــــلُ 
*****
قَعَدَ الناسُ كُلُّـهُمْ عَن مَســاعيـــ ♥ـكَ وَقامَت بِــها القَنـــا وَالنُصـــولُ 
ما الَّــذي عِندَهُ تــــُدارُ المَنايــــا ♥ كَالَّذي عِنــدَهُ تــــُدارُ الشَمـــــولُ 
لَستُ أَرضى بِأَن تَكـــونَ جَـــوادًا♥وَزَمانـــــــــي بِـــأَن أَراكَ بَخيـــــلُ 
نَغَّصَ البُعدُ عَنكَ قُـربَ العَطايــــا ♥ مَرتَعي مُخصِبٌ وَجِسمي هَزيــــلُ 
*****
إِن تَبــــَوَّأتُ غَيــــرَ دُنيــــايَ دارًا♥ وَأَتانــي نَيـــــلٌ فَأَنــــتَ المُنيـــــلُ 
مِن عَبيدي إِن عِشتَ لي أَلفُ كافو♥رٍ وَلي مِن نـــــَداكَ ريفٌ وَنيـــــلُ 
ما أُبالــــي إِذا اتَّقَتــــكَ الرَزايـــــا ♥مَن دَهَتـــهُ حُبولُــــها وَالخُبـــــولُ
ذي قصيدة دعيتُ إلى النظر فيها وقراءتها على نحو جديد في مكان ما ولم أكمل ما بدأت ، فلعلي منجز ذاك ولو بعد حين.
==========
ما لنا كلنا جو يا رسول ؟!
تكسرت نصال أبي الطيب على نصاله فأصاب مجد الدنيا التي ملأها وشغل ناسها ، ناكفه حسّاد وسعوا به ما أمكنتهم السعاية ، فجعلوا بينه وبين أميره في حلب ردماً حاول أن يسدّه بمغادرة حلب إلى مصر التي قبض على مقاليد الأمور فيها غلام الإخشيد عله يصيب مطمحاً في إمارة أو ولاية ملك عليه نفسه ، وسدّ عليه أقطار الأرض ، فما يني يطلبه بأي سبيل متاح وغير متاح ، إلى أن ضاقت نفسه بكافور و مواعيده ، فانتهز غفلة من أمير ورحل عن مصر ليلة عيد الأضحى سنة 350هـ تاركاً وراءه قصيدة دالية كدمّاغة جرير ودّ كافور معها لو افتدى منها نفسه " يومئذ ببنيه ، وصاحبته وأخيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه" (1). ومن العراق مضى المتنبي إلى فارس ، وفي أثناء ذلك كان الشاعر وأميره ينظر كل منهما إلى صاحبه متحيناً سانحة يجود بها دهر يعيد إلى ما انقطع بينهما دفئاً بددته مطامح شاعر ، وعزة أمير ما قطع سبيلاً لألسنة الوشاة التي جهدت في حل عرى تلك العلاقة التي خيّل للناس ذات حين أنها أقوى من أن تنفصم.
لقد أدرك أمير حلب أنّه أسرف على شاعره الذي طيّر صيته في الآفاق ، فسعى إلى إعادة وصل ما كان انقطع بينه وبين أبي المُحَسَّد ، فأنفذ إليه " ابنه من حلب إلى الكوفة ومعه هدية ، وكان ذلك بعد خروجه من مصر ، ومفارقته كافوراً ، فقال يمدحه : القصيدة /ما لنا كلنا جو يا رسول /" (2). إنها محاولة رتق فتق اتسع على راقع ، فهل أفلحت تلك المحاولة ؟ ذا ما تحاول الصفحات القادمات أن تلتمس له جواباً في ظل ما يتبدى في أثناء القصيدة قبل ذاك الذي حفظته لنا كتب الأدب على قلته .
مفتاح القصيدة ...
يكاد مصراع البيت الأول يكون مفتاح القصيدة ؛ فأمر عجب أن ينافس الرسولُ مرسله على قلب فتاته ، والأصل أن يكون مُبلّغ رسالة، شرطه الأول الأمانة والإخلاص فيما ينقل. ولربما هذا المفتاح يشير إلى اختلاط الأمور، واشتباهها على الخلق بمن فيهم المتنبي وأميره سيف الدولة في حلب ، فالأول حملته نفس عزيزة متأبية على كل شيء إلى أن يفارق حلب بعد يأسٍ من أميره ، والثاني دفعه تردد ، وبعض ضيق إلى مدّ حبال الاستماع لأقاويل السعاة والوشاة ، فتقطعت حبال الود بينه وبين شاعره الذي ملأ الدنيا ، وشغل الناس .
لقد هال المتنبي أمر ذاك الذي اختاره رسولاً، فبلغت المرارة الحلوق ، وكممت الأفواه ، فليست تحِيرُ قولاً . محبٌ ورسول ؛ الأول آلمه العشق ونال منه كل منال، فظهرت عليه علائمه ودلائله ، والثاني يدعي أنها ملكت عليه لبّه ونفسه .وفي مفارقة غريبة يبدو معها أثر ذلك الحب على الرسول أشد ظهوراً ، وتباريح هذا العشق الطارئ أوقعُ في النفوس ، فقد اشتطّ الأمر إلى أن أفسدت أمانة الذي مِن شرطه الأمانة والوفاء، فاندفع يخون فيما حمل من رد على رسالة أبي الطيب ، وبدلاً من أن يوقفه على ما عليه المحبوبة من شوق إلى الشاعر ، وشدة تولّه وهيام ، إذا به يحدثه عما أصابه من لقيا تلك الفتاة، مع أنّ واقعاً يكذّب ما يقول؛ ذلك أن النحول يكون حيث يكون الشوق ، وذا ما يبدو على الشاعر لا على الرسول الذي أراد أن يفسد عليه تلك العلاقة التي تقف على حد هاوية ، أو على حد سيف ، فلم يعد له مُتقدَّم أو مُتأخّر . فالحبُّ لا تخطئه عين ، فهو كما يعرفه أهل الهوى والعشق له علامات ظاهرة لا تخفى على من لم يجرب العشق ، فكيف بمن غرق في بحور الهوى، واستقر في أعماقها ؟!
لقد سُدّت الطرق والسُّبُل في وجه الشاعر ، فما يعرف وسيلة لبلوغ سُويداء قلب تلك الغانية التي أحب ، أو قل ما هي إلا علاقته بسيف الدولة الذي تقطّعت سُبُل إعادة وصلٍ كان بينهما ، فلكأنّ ابن الأمير ما كان يريد عودة مياه الود إلى سابق عهدها بين الشاعر ووالده الأمير ، فلم يَصْدُقِ الشاعرَ في تصوير حال أبيه أمير حلب ، وفي ما إن كان ما يزال به ما بالشاعر من تَوق إلى أيام مودّة خلَت.
وللحديث صلة إن نسأ الله في أجل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المعارج : 11 – 14.
(2) ديوانه ، شرح البرقوقي : 3/ 267.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1324 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

قراءة في شعر المتنبي - ما لنا كلنا جو يارسول / 2
بقيت في المقطع الأول - وفق تقسيم القصيدة - كلمة يسيرة يتطلبها أن ما نثر آنفاً إنما يتصل بقراءة ثانية – جديدة – لها ، تختلف قليلاً أو كثيراً عن قراءة أغلب الذين انبروا لذلك من القدماء ، وهذه القراءة لا تزعم أنها وضعت يدها على صواب ؛ إذ جل ما تزعمه أنها محاولة جديدة لفهم حالة المتنبي آنذاك . أقول ذا لأنّ معظم الشرّاح التفتوا إلى المعنى الذي تشير إليه سياقات اللغة بعيداً عن كون الشعر مستوى من مستويات تفسير حال ، فإسار السياق اللغوي حجاب يحجب عنا كثيراً أو قليلاً من أسرار النص. واللافت النظر هنا أنّ سواد الشرّاح ذهبوا إلى الذي عناه المتنبي في البيت الرابع هو تلك المحبوبة التي تنعى عليه حبّه ، وهو وجه لا يخلو من نظر على أنني لا أرتضيه ، قال :
تَشتَكي ما اشتَكَيتُ مِن أَلَمِ الشَو♥ قِ إِلَيها وَالشَوقُ حَيثُ النُحـولُ
ولم يفلت من إسار هذا الفهم اللغوي السياقي إلا التبريزي الذي ضمّ إلى هذا الرأي وجهاً آخر يقترب مما ذهبت إليه كثيراً ، فهو يرى أيضاً أنّ الشاعر يتهم الرسول بمشاركته إياه في حب تلك الحبيبة ، قال : " زعمَ أنّه أرسل رسولاً لا يثقُ به ، فلمّا نظر إلى عينيها تغيّر عن حال الأمانة . تشتكي تحتمل وجهين : أن يكون حكاية الرسول الذي ناداه في أول القصيدة ؛ أي تشتكي ما اشتكيت وأنت كاذبٌ ؛ لأنّك لستَ ناحلاً ، وإنّما الشوق حيثُ النُّحُولُ ... والأخر أن تكون تشتكي إخباراً عن المرأة " (1).
فهل يرى القارئ سرفاً- يُنعى عليَّ – فيما ذهبت إليه . عندما قدمت قولاً يتهم الرسول الذي ما هو إلا ابن أمير حلب ؟ !
كِلا الرسولين خان الأمانة : رسول المتنبي خان أمانةً بين عاشق ومحبوبة ، ورسولٍ أميرِ حلب – ابن سيف الدولة – خان الأمانة بين مالئ دنيا وشاغل ناس ، وبين مقارعٍ رومٍ وذابٍ عن حياض أمّة.هذا قول دفع إليه أنّ للفن رسالة – وأي رسالة –في كل دهر ، فالشعر تعبير عن الناهض في الحياة . وهو قول قد لا يرتضيه خلقٌ قلوا أم كثروا ، وربما مدوا ألسنتهم في وجهي ، فلا أجد أكثر من أستمع إلى قولهم - إن قالوا- وأبتسم إن وجدوا قولاً خيراً من ذا ، أو أبقى عند ما ذهبت إليه ، إلى أن يأتيني " قبس أو أجد على النار هدى ".
وللحديث صلة أن نُسئ في أجل.
(رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـلِحاً تَرْضـاهُ، وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصّـالِحِينَ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
الموضح للتبريزي: 4 / 237 - 238.

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

موسوعة شعراء العربية 
المجلد التاسع \الجزء الثاني
شعراء العصرالحديث
بقلم د فالح الكيــــلاني
.
( الشاعرة ســـــلمى الخضـــــراء الجيـــوسي )
هي سلمى صبحي الخضراء الجيوسي، أديبة فلسطينية شاعرة وناقدة ومترجمة أكاديمية.
ولدت عام\ 1928 في مدينة ( السلط ) في الاردن من اب فلسطيني وام لبنانية ترعرعت في مدينة ( عكا ) من فلسطين واخذت تعليمها الاولي فيها ونشأت في مدينة ( القدس) ودرست الثانوية ثم دخلت كلية ( شميت ) في (القدس) الا انها بعد نكبة عام\ 1948 واحتلال اليهود لفلسطين واغلب مدنها ارتحلت الى الاردن وعاشت فيه .
نشأت سلمى الجيوسي في اسرة مجاهدة . فوالدها صبحي الخضراء كان من مؤسسي حزب (الاستقلال) في فلسطين وكرس حياته للدفاع عن الحق العربي . و امها(انيسة يوسف سليم) اللبنانية الاصل وقفت بحماس وصلابة الى جانب زوجها (الاب ) وشاركته رؤياه وهمومه الوطنية . وكان احد اخوتها (فؤاد سليم)قد استشهد اثناء الثورة السورية عام \1925. وهكذا نشأت الشاعرة في محيط تغلفه روح النضال الوطني والقومي وتشربت من والديها مبادىء الثورة و العزة والمقاومة. 
بدأت كتابة السطرالشعري يوم كانت في روما . ولما نقل زوجها الى بغداد كان صيتها كشاعرة قد سبقها الى بغداد. وبعد ثورة \ 1958 في العراق عادت العائلة الى عمان فجددت سلمى اتصالها بالحركة الادبية العربية واصدرت ديوانها ( العودة من النبع الحالم ). تقول في احدى قصائدها المنثورة :
حبيبة قلبي
رأيتك , قلت : هنا الوجد
قلت : لها رونق البدرْ
وعينان حالمتان
وعنقٌ كعنق الغزال
وخصر مريض ( تمنيت أطويه بالحب )
ونهدان رمَّانتانِ
وشعر تموج كالبحر 
أرخت عليّ الهوى غدائره السابحاتْ
..................
حبيبة قلبيَ ما أطيب الحب !
أصبحت ملكي
فشهد ودفء وريّ حلال
وما أطيب الحب !
ما كنت أعلم ....
الحب يغري ويعمي .
ثم درست الادب العربي والادب الانكليزي في الجامعة الامريكية في ( بيروت ) ثم حصلت على درجة الدكتوراه في الادب العربي من ( جامعة لندن ) ثم عملت كاتبة في الصحافة والاذاعة . وكانت قد أسست سنة\ 1963( التنظيم الانساني الفلسطيني) في الكويت .
سافرت مع زوجها - الاردني الجنسية والذي اشتغل في السلك الدبلوماسي ممثلا لبلده - إلى عدد من البلدان العربية والأوربية، ودرَّست في جامعات( الخرطوم) و(الجزائر) و( قسنطينة)، ثم سافرت إلى (أمريكا) فدرّست الادب العربي في عدد من جامعاتها إلى أن أسست عام \1980 مشروع (بروتا )-وهو مشروع ترجمة و نقل الثقافة والادب العربي الى الانكليزية واللغات الحية - لنقل الأدب والثقافة العربية إلى العالم الأنكلوسكسوني، وقد أنتجت (بروتا) الموسوعات الواسعة وفي الثقافة والادب وكتبا في الحضارة العربية الإسلامية، وروايات ومسرحيات وسيراً شعبية وغيرها. وقد اقدمت على هذا الشروع العظيم بعد ان هالها مقدار التجاهل والإهمال الذي يلقاه الأدب العربي والثقافة العربية في العالم.
عملت مديرة لمؤسسة (بروتا) التي أنشأتها عام \1980 ؛ لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق بالإنجليزية.واستمرت بالتنقل والإقامة بين (لندن )و(أمريكا ) وتتابع مشروعاتها الثقافية عبر ( بروتا ) وعبر محاضراتها في عدد من المحافل والهيئات الثقافية العربية والعالمية و نشرت شعرها في العديد من المجلات العربية. دواوينها الشعرية (العودة من النبع الحالم) .
ومن شعرها هذه السطور تقول :
أعبرنا الحدودْ؟
قد عبرنا. أيعلم عشّاقنا كم صلاة تلونا؟
وكيف استطالت إلى الضوء أشواقُنا؟
كم هدمنا على دربنا من سدودْ؟
نحن جُزنا الحدود إلى عالمِ
لا ينام به العاشقونْ
وعبرنا السياجاتِ من نبعنا الحالمِ
حيث كان هوانا الرضا والسكونْ
ودخلنا إلى منبع النارِ
سلمى الجيوسي أشرفت على تحرير السيرة الشعبية الشهيرة (سيف بن ذي يزن) التي ترجمتها وأعدّتها( لينة الجيوسي) وصدرت عن دار جامعة إنديانا (1996). ونتيجة لهذه الدراسة خطّطت لإعداد كتاب شامل عن الثقافة واللغة والأدب في عصر ما قبل الإسلام وعقدت لهذا الكتاب ورشتي عمل في معهد الدراسات العليا في( برلين) في صيف \1995.
عملت سلمى الخضراء الجيوسي منذ عام\ 1989 على أنطولوجيا جديدة للشعر العربي بالإنجليزية بعنوان(شعراء نهاية القرن)، كما اعدت مجموعتين من المقالات النقدية بالعربية والإنجليزية
وقد بدأت منذ عام\ 1993 مشروعاً شاملاً لدراسة الأدب والثقافة في دول المغرب العربي: ( الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا،) وأقامت لهذا المشروع مؤتمراً كبيراً في طنجة عام\ 1995. وقد دعيت إلى معهد الدراسات العالية في( برلين) فأمضت عام 1994 – 1995 فيه حيث أجرت دراسة عن تاريخ تقنيات الشعر العربي من عهد ما قبل الإسلام حتى الوقت الحاضر. وصدر لها موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر .
و لها عدد كبير من الدراسات والمقالات النقدية المنشورة في عدد من الصحف العربية والأجنبية ، وحضرت عددا من المؤتمرات والندوات وشاركت فيها ببحوث متميزة .وعضو الهيئة الاستشارية لشبكة مرايا.
ومن اهم اعمالها الادبية :
العود من النبع الحالم ديوان شعر
الشعر العربي الحديث
أدب الجزيرة العربية
الأدب الفلسطيني الحديث؛
المسرح العربي الحديث، 
القصة العربية الحديثة، 
المسرح العربي الحديث
سيف بن ذي يزن 
شعراء نهاية القرن
موسوعة تراث اسبانيا المسلمة
الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث في جزأين
ترجمت في مطلع الستينات عدداً من الكتب عن الإنجليزية منها ::
كتابانجازات الشعر الامريكي في نصف قرن- مؤلفه لويس يوغان 
انسانية الانسان - مؤلفه رالف ارتون باري
الشعر والتجربة - مؤلفه في جزأين ارشيبالد اكليش
حصلت على عدد من الزمالات من الجامعات الأمريكية،
حصلت على عدد من الاوسمة منها :
على وسام القدس للإنجاز الأدبي 
.وسام اتحاد المرأة الفلسطينية الأمريكية للخدمة الوطنية المتفوقة .
شعرها كما وصفه الناقدون به نور يشعّ فيتمدّد ليغمر زوايا الذاكرة. تتجلّي قصائد ها حرَفيّة عالية في إدارة فنّ القول؛ و تتبع نسقا معينا وبنية خاصة ونظاما وتَحْرِفُهُ جملةً وصورةً شعر سلمى الجيّوسي، على قلّته ـ و التي نظمته في مرحلة مبكّرة من عمرها؛ يزوّدنا بمفاتيح الجماليّة التي كانت سائدة عند أبرز شعراء الحداثة في ستينات القرن العشرين تقول :
ـ وحذّرتها،
آه حذّرتها، قلت جاعوا فكان المطرْ
وقد حصدوا بالمجاعة شوكَ الطريق
أنا اخترت أنشوطتي
وحملتُ ضميري إلى المحرقهْ
وأكذوبة للرياح رويتُ
أتتني العصافيرُ تروي حكايايَ للزنبقهْ
ولمّا رأيتُ الجناحَ بكيتُ
.
لم تنشر سلمى الجيوسي ديوانها الاول الا بعد ان نشرت قصائدها الرائعة تقول في قصيدة : 
أعبرنا الحدود?
قد عبرنا. أيعلم عشاقنا
كم صلاة تلونا ?, وكيف استطالت إلى الضوء أشواقُنا?
كم هدمنا على دربنا من سدود ?
نحن جُزنا الحدود إلى عالم
لا ينام به العاشقون
وعبرنا السياجات من نبعنا الحالم
حيث كان هوانا الرضا والسكون ودخلنا إلى منبع النار,
ماتت براءة أحلامنا ,
واستبدَّ بنا الساهرون .
يا اتقاد الهجير
نحن في رحلة الشوق جُزنا إليك المحال
عابرين على عالم غسقيٍّ غريرْ
فيه حتى الطحالب ترمي الظلال الطوالْ
آه ماذا وجدنا وراء الحدودْ ?
أرهقتنا الأصابع
عرّى شجانا اللهيبْ
واستبد بأسرارنا
هاتكا سترنا 
جاريا للرياح بأخبارنا
( يا عبودية الضوء لن أتعرى
أحب الـظلام الكئيب ْ
وأحب الزوايا القريرات ,
أوثر أمسية معْ حبيبْ
وأحب التغرُّب بين الجموع
واختم بحثي بهذه القصيدة من شعر سلمى الجيوسي وفيها تقول:
تغوص سفينتي في البحر , تغرقُ لا أنجّيها
صقيع الليـــــل , ياويلي , يكدِّس ثلجه فيها
فلا تقرب
أنا الموت الذي يغشى
ذرى الأعماق , لا تقرب
أنا الموت الذي تخشى,
أنا الحزن القديم ,
أنا ارتعاش الخوف والعار ,
أما جاءتك أخباري?
صقيع الليل مد جذوره عندي ,
وعشّش في شِغاف القلب
من ينجيك من بردي ?
أحبك ? أمس أحببنا ,
تقاسمنا جنون الدفء , غامرنا وأخصبنا,
ولما هاجت الأنواء, كنت أمامها وحدي .
تغور سفينتي في البحر , تغرق , لا أنجّيها
صقيع البحر والذروات يحضنها ويطويها ,
وكم قاومت من شغف لأدفن جذوتي فيها
تحاول جذوةً قُتِلتْ ?
أما جاءتك أخباري ?
أنا موت على الذروات , في الأعماق 
أغسل صفعة العار
أنا الموت الذى أهوى
وفي الميدان أشباح
وفي الشارع أشباح , وفي المقهى
أنا وحدي التي أحيا
طوتني دون هذا العالم المحموم أرياح ,
ومزقني نقاء الثلج , هل جاءتك أخباري ?
أنا وحدي التي أحيا
فإني مت بالأمس
ضباب الليل لف بصمته رأسي
غَشَتْني لُجّة النسيان تشفي الطعنة الخرساء في نفسي
أفيض نقاوةً في الموت
هل جاءتك أخبارى ?
أنا أم , أنا أنثى بلا حب
وأمس قضيت من عاري
بلا قلب , بلا وطن , بلا دار
بعيدا دون أستاري
تطاول غربة الأعماق ?
حاذر كشف أسراري
ستبصر رعبك المكتوم... في قلبي
.
اميرالبيــــــــــان العربي
د.فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــد روز
********************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 171 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

( امير المؤمنين علـــي بن ابــــي طالـــــب )
بقلم : فالح الكيــــلاني
هو ابو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي و امه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف القرشي. فهو قرشي اما وابا .
قيل ولد في الثالث عشر من رجب الاصم من السنة الثالثة والعشرين قبل الهجرة النبوية أي عام \600 ميلادية وبهذا يكون مولده بعد عام الفيل بثلاثين سنة وبما ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولد في عام الفيل فانه صلى الله عليه وسلم يكبره بثلاثين سنة وقيل ولد قبل البعثة النبوية بعشر سنين وقيل باثنى عشر سنة .
ولد بمكة المكرمة وفي رواية اخرى ولد في جوف الكعبة المشرفة
كني: أبو الحسن و أبو الحسين و أبو السبطين و أبو الريحانتين و أبو تراب و أمير المؤمين ورابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرة بالجنة وابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصهره زوج ابنته فاطمة الزهراء البتول .
(( وكان ابو طالب له القدح المعلى في تربية ابن اخيه محمد صلى الله عليه وسلم . فبعد وفاة امه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب كفله عمه ابو طالب وهو الاخ الشقيق لوالده عبد الله وعمره ثمان سنوات . اخذه الى داره ليعيش واحدا مع اولاده سواءا بسواء فهو ايضا واحد منهم . قال الواقدي:
( قام ابو طالب من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السنة العاشرة من النبوة ثلاث واربعين – يحوطه ويقوم بأمره ويذب عنه ويلطف به وكان يقرّ بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم )
وقد انشد ابو طالب في ذلك شعرا :
الا ابلغا عني على ذات بيننا 
لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
بأنا وجدنا في الكتاب محمدا 
نبيا كموسى خط في اول الكتب
ولما ولد علي انشد ابوه ابو طالب شعرا يدعو الله متوسلا إليه بوليده فيقول: :
أدعــوك رب البيـــت والطواف
بالواحــد المحـب و بالـعفــاف
ولما مات ابوطالب رثاه ولده عليّ كرم الله وجهه بهذه الابيات :
ابا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى
جوادا اذا ما اصدر الامر اوردا
فامست قريش يفرحون بموته
ولست ارى حيا يكون مخلدا
يرجون تكذيب النبي وقتله 
وان يفترى قدما عليه ويجحدا
كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم
صدورالعوالي والحسام المهندا
وقد انجب ابو طالب اربعة اولاد هم : طالب وعقيل وجعفر وعلي وابنتين هما : ام هانيء واسمها فاختة والاخرى جمانة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما نالت مني قريش شيئا اكرهه حتى مات ابو طالب ) .
ولما توفي ابو طالب اخذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم عليا ليتربى في بيته . فكان علي قد تربي في حجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعه في بيت واحد ولم يفارقه.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا آمن به علي وهو صبي لم يبلغ الحلم . ولما لاحظ ان ابا لهب وزوجته يعملان على اذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بوجهه قائلا :
أَبَا لَهَبٍ تَبَّتْ يَدَاكَ أَبَا لَهَبْ 
وَتَبَّتْ يَدَاهَا تِلْكَ حَمَّالَة ُ الحَطَبْ
خذلت نبياً خير من وطئ الحصى
فَكُنْتَ كَمَنْ بَاعَ السَّلاَمَة َ بِالْعَطَبْ
و لحقت أبا جهل فأصبحت تابعاً 
لَهُ وَكَذَاكَ الرَّأْسُ يَتْبَعُهُ الذَّنَبْ
فَأَصْبَحَ ذَاكَ الأَمْرُ عَارا يُهيلُهُ علَيْكَ حَجِيجُ الْبَيْتِ فِي مَوْسِمِ العَرَبْ
و لو كان من بعض الأعادي محمد 
لَحَامَيْتَ عَنْهُ بِالرِّمَاحِ وَبِالقُضُبْ
و لم يسلموه أويضرعْ حولهُ 
رجال بلاءٍ بالحروب ذوو حسب
وعندما اراد النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة الى يثرب 
امر علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وهو احب الناس واقربهم اليه ان يبيت تلك الليلة في فراشه كما علمه جبريل عليه السلام واخبره ان لا يصيبه مكروه .
في تلك الليلة ( ليلة الهجرة المباركة ) ا جتمع نفر من قريش يتطلعون الى باب بيت النبي صلى الله عليه وسلم يرصدون مبيته في بيته وطوقوا البيت من كل جانب الا ان النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من بيته اخذ حفنة من التراب فذرها على رؤسهم من حيث لا يشعرون وهو يقرأ:
( وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون *) يس \ الاية 9
ومضى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الى بيت ابي بكرالصديق وخرجا من خرجة في بيت ابي بكر ليلا . 
فجاء رجل والقوم محيطون ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم :
- ماذا تنتظرون ؟؟؟
- فقالوا : محمدا 
- فقال لهم : خبتم وخسرتم والله قد خرج من بينكم وحثى على رؤوسكم التراب
- فقالوا والله ما ابصرنا ه....
فاخذوا ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم اقتحموا البيت فشاهدوا عليا بن ابي طالب رضي الله عنه نائما في فراش النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقا م علي من الفراش .
فقالوا له:
- اين محمد؟؟
- فقال : لا علم لي به .
وفي رواية اخرى انهم لما قال لهم علي لا علم لي به ضربوه وسحبوه الى الكعبة وحبسوه ساعة من نهار ثم تركوه .
و بقي علي بن ابي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاثة ايام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم رد الودائع والامانات التي كانت مودعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل مكة ثم هاجر ماشيا على قدميه فلحق بركب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم ثم وصل الى المدينة المنورة في ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم .) راجع كتابي ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة)).
وعلي بن ابي طالب أوّل من أسلم من الصبيان. وقدهاجر إلى المدينة المنورة بعد هجرةالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيّام وقد آخاه مع نفسه حين آخى بين المسلمين وزوجه ابنته الاثيرة على قلبه الشريف فاطمة الزهراء في السنة الثانية من الهجرة عندما بلغ عمره اثنا عشر عاما و قيل اربعة عشر عاما في رواية اخرى.
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة تم زواجه ولم يتزوج بأخرى في حياتها وقد روي أن تزويج فاطمة الزهراء من عليرضي الله عنه كان بأمر من الله تعالى حيث توالى الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم لخطبتها فردهم جميعا حتى أتى الأمر بتزويج فاطمة من علي فأصدقها علي درعه وقيل أنه قد باع بعيرا له وأصدقها . فأنجب منها الحسن في السنة الثالثة للهجرة والحسين في السنة الرابعة منها فكان النبي صلى الله عليه وسلم يفخر بهم بانهم ال بيته كما جاء في اية المباهلة قال الله تعالى :
( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجهل لعنة الله على الكاذبين ) 
ال عمران \ 61
او كما اسماهم النبي صلى الله عليه وسلم ( اهل الكساء ) وهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم . كما أنجبت له زينب وام كلثوم .
وقد شارك علي رضي الله عنه في كل غزوات النبي صلى الله عليه وسلم الا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها على المدينة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سار إلى ( تبوك ) واستعمل على المدينة عليا كرم الله وجهه عليها فتبعه علي وقال:
- يا رسول الله زعمت قريش أنك إنما خلفتني استثقالا لي؟
فقال صلوات الله عليه:
- (طالما آذت الأمم أنبياءها يا علي أما ترضى بأنك وزيري وقاضي ديني ومنجز وعدي لحمك لحمي ودمك دمي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي).
فقال: رضيت ثم انشد:
ألا باعد الله أهل النفاق 
وأهل الأراجيف والباطل
يقولون لي قد قلاك رسول الله 
فخلاك في الخالف الخاذل
وما ذاك إلا لأن النبي 
جفاك وما كان بالفاعل
فسرت وسيفي على عاتقي 
إلى الراحم الحاكم الفاصل
فلما رآني هفا قلبه 
وقال مقال الأخ السائل
أممن أبن لي فأنبأته
بإرجاف ذي الحسد الداغل
فقال أخي أنت من دونهم
كهارون موسى ولم يأتل
عُرف علي بن ابي طالب بقوته و بشدّته وبراعته في الحرب و القتال منذ طفولته وصباه وحتى وفاته فقد شب على المبارزة والقتال وابلى بلاءا حسنا في كل المعارك التي خاضها في صباه وشبابه مع النبي صلى الله عليه وسلم واذكر من ذلك مبارزته للبطل العربي (عمرو بن ود العامري) والذي كانت العرب تعده بالف فارس يوم معركة الخندق فارداه قتيلا . نلاحظ قوله :
إِنَّ المَنِيَّة َ شَرْبَة ٌ مَوْرُوْدَة ٌ 
لا تجزعن وشد للترحيل
إنَّ ابنَ آمِنَة َ النبيَّ محمّدا 
رجلٌ صدوقٌ قال عن جبريلِ
أَرخِ الزِّمَامَ ولا تخفْ من عائقٍ 
فاللُه يُرْدِيهم عَنِ التنكيلِ
إني بربي واثق وبأحمد و وسبيله متلاحق بسبيلي
فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وكان موضع ثقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم و أحد كتاب الوحي وأحد وأهم وزرائه وسفرائه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه الكثير من الاحاديث منها :
(اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.‏ 
عليٌّ مني وأنا من عليٍّ
أنت أخي في الدنيا والآخرة 
من آذى عليّاً فقد آذاني
من أحب عليّاً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب اللّه ومن أبغض عليّاً
فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض اللّه‏ )
ولهذا لا يوجد في الاسلام رجل مسلم اكتمل اسلامه الا احب عليا وال بيته وهم ال بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم فمحبته متممة لايمانه واسلامه .
تزوج علي بن ابي طالب بعد وفاة زوجته فاطمة الزهراء بعدد من الزوجات اذكر منهن : 
خولة بنت جعفر بن قيس 
والصهباء ام حبيبة بنت ربيعة بن بحر التغلبي 
وفاطمة بنت ابي العاص بن الربيع 
و ليلى بنت مسعود التميمي 
وفاطمة بنت حزام بن خالد الكلابي
و محياة بنت امرئ القيس 
واسماء بنت مسعود الخثعمي 
و ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي
اختلف المؤرخون في عدد أولاده وقد ذكر في بعض الرويات انه انجب \25 وقيل \33 ولدا واذكر منهم: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة والعباس ومحمد وجعفر وعبد الله وعثمان وعمر ومحمد بن الحنفية ويحيى . ومن البنات زيبنب و ام هانئ وميمونة وجمانة ونفيسة .
بويع علي بن ابي طالب رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان في عام\35 هجرية وبهذا يكون الخليفة الرابع من الخلفاء الر اشدين وفي خلافته وقعت ثلاث معارك مهمة قادها بنفسه :
الاولى معركة الجمل: وهي المعركة التي اشتركت فيها ام المؤمنين (عائشة بنت ابي بكر الصديق ) وسببها انها و بعض أكابر الصحابة طالبوا عليا القبض على قتلة (عثمان بن عفان ) الا انه آثر التريث ولم يتعجل في الأمر فاغاض هذا عائشة ومعها جمع كبير في مقدمتهم طلحة والزبير فقاتلت علياً في وقعة الجمل سنة \36هـ وكانت الغلبة لعلي بن ابي طالب في هذه المعركة وقد بلغ عدد القتلى من الفريقين نحو عشرة الاف قتيل .
اما المعركة الاخرى فهي معركة ( صفين) وسببها ان الخليفة علي بن ابي طالب قرر بعد توليه الخلافة عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام الا أن معاوية رفض ذلك و امتنع عن مبايعته بالخلافة وطالب بتسليم قتلة عثمان ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته وحقن دماء المسلمين ولكنهم رفضوا فقرر السير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة وعدم الخروج على جماعة المسلمين والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات في \1 صفر عام\ 37 هجرية .
وحينما رأى معاوية تطور القتال يسير لصالح علي وجنده أمر جيشه برفع المصاحف على ألسنة الرماح وقد أدرك الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله عنه ان في هذا الامر خدعة فحذّر جنده منها وأمرهم بالاستمرار في القتال الا ان فريقا من جيشه اثر الموافقة ووقف القتال وقبول التحكيم بينما رفض هذا الامر فريق آخر من جنده .
وفي رمضان من عام\ 37 هجرية اجتمع (عمر بن العاص) ممثلا عن معاوية وأهل الشام و( أبو موسى الأشعري) ممثلا عن علي وأهل العراق واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام وعادت قوات الطرفين الى دمشق والى الكوفة وانفض القتال . وقيل انه قتل من المسلمين من الفريقين في هذه المعركة \ 70 سبعين الف مقاتل فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية وكانت نتيجة التحكيم لصالح (معاوية بن ابي سفيان) .
اما المعركة الا خيرة فهي واقعة النهروان وسببها الخوارج حيث أعلن فريق من جند الخليفة (علي بن ابي طالب ) رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروه اولا على قبوله لذا خرجوا عن طاعته فعرفوا باسم (الخوارج ) وكان عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا فاضطر الخليفة الى محاربتهم فهزمهم في هذه المعركة عام \ 38 هجرية وقضى على معظمهم بينما تمكن بعضهم من النجاة والهرب فأصبحوا منذ ذلك الحين مصدرا لكثير من الفتن والمعتقدات الجديدة في الدولة الاسلامية 
وقيل انه قتل في هذه المعركة \ الف وثمانمائة مقاتل من المسلمين.
ومن اخباره 
قال أحمد بن الحارث :
خرج مع علي بن أبي طالب رجلٌ من قومي كان مصطلماً فخرجت في أثره وخشيت انقراض أهل بيته فأردت أن أستأذن له 
من علي فأدركت علياً بالبصرة وقد هزم الناس ودخل البصرة فجئته
فقال: مرحباً بك يابن الفقيمة أبدا لك فينا بداءٌ .
قلت: والله إن نصرتك لحقٌ وإني لعلى ما عهدت أحب العزلة
ثم ذاكرته أمر ابن عمي ذلك فلم يبعد عنه فكنت آتيه أتحدث إليه. فركب يوماً يطوف وركبت معه فإني لأسير إلى جانبه إذ مررنا بقبر طلحة فنظر إليه نظراً شديداً ثم أقبل علي فقال:
- أمسى والله أبو محمد بهذا المكان غريباً ثم تمثل:
وما تدري وإن أزمعت أمــــراً
بأي الأرض يدركك المقيـــــل
والله إني لأكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب.
قال: فوقع العراقيون يشتمون طلحة وسكت علي وسكتُ حتى إذا فرغوا أقبل علي عليَّ فقال:
- إيه يابن الفقيمة والله إنه وإن قالوا ما سمعت لكما قال أخو جعفي:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه 
إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
ثم أردت أن أكلمه بشيءٍ فقلت: 
- يا أميرالمؤمنين...
فقال : وما منعك أن تقول: يا أبا الحسن!
فقلت: أبيت.
فقال: والله إنها لأحبهما إلي ولولا الحمقى لوددت أني خنقت بحبل حتى أموت قبل أن يفعل عثمان ما فعل وما أعتذر من قيامٍ بحق ولكن العافية مما ترى كانت خيراً.
عاد ا مير المؤمنين علي بن ابي طالب الى الكوفة ليستقر في دار خلافته فيها حيث كان قد نقل دار خلافته من المدينة المنورة الى الكوفة بعد مبايعته بالخلافة وتوالي الاحداث والحروب لعله يستقر ويتفرغ لشؤون الدولة الا انه قتل . فقد قتله غيلة ( عبد الرحمن بن ملجم المرادي ) حيث تمكن منه وهو في سجوده عند صلاة الفجر وقد امّ الناس بالصلاة في مسجد الكوفة فضربه على راسه بالسيف وذلك فجر يوم السابع عشر من رمضان المبارك وتوفي متأثرا بجراحه في اليوم الحادي والعشرين منه في سنة اربعين للهجرة الموافق لعام\ 660 ميلادية وقد ناهز الستين وقيل الثالثة والستين من العمر . وقد اوصى ابنه الحسن بقاتله فقال :
) انظر يا حسن، إن أنا متُّ من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة ولا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ( إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور)).
حفلت سيرة الامام علي بن ابي طالب بما لم تحفل به أي شخصية عربية وعالمية وكتب فيها الكثير الكثير .وفي دراسة سيرة (علي بن أبي طالب ) نلاحظ ان الخلافات في الاراء قد اكتنفت حياته وشخصيته الفذة الى حد القدسية والتأله والعصمة بينما اعتبره اخرون احد رجال الاسلام وابطاله واخرون اعتبروه ما بين بين .كل حسب اهوائه ومعتقده فكتب فيه ما كتب ونحل عليه ما نحل حتى ان الانسان العادي لما يرى كلاما مهما ومتميزا يقول (قال الامام علي ويسنده اليه) وهو منه براء وفقا لما مرت من احداث وامور وسياسات ولا زال الامر كذلك حتى يومنا هذا .
يعتبر علي بن أبي طالب النموذج الاسمى الذي يحتذى به في دينه وأخلاقه وشخصيته وتعاملاته . يتميز بالرجولة والشجاعة والبطولة والبسالة والاخلاق والانسانية والعدل والانصاف ولا عجب في ذلك فقد تربى في بيت النبوة في بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى يديه ونهل منهل العلم والدين والاسلام من القران الكريم والثقافة والبلاغة والبيان وهو فخر بني هاشم بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم و من شأفتهم وابن قريش ومن اسيادهم واكابرهم بشكل أساسي فانعكس ذلك في تربيته و كرمه وزهده وعدله وغيرها من الصفات التي اتصف بها ووردت في كل الكتب والمصادر الإسلامية يقول :.
ومحترس من نفسه خوف ذلة 
تَكُوْنُ عَلَيْهِ حُجَّة ً هِيَ ما هِيا
فقلص برديه وأفضى بقلبه 
إلى البر والتقوى فنال الأمانيا
وَجانَبَ أَسْبَابَ السَّفاهَة ِ والخنا
عَفافا وَتَنْزِيها فَأَصْبَحَ عالِيا
وَصَانَ عَنِ الفَحْشَاءِ نَفْسا كَرِيمَة ً
أ أ َبَتْ هِمَّة ً إِلاّ العُلى وَالمَعالِيا
تراه إذا ما طاش ذو الجهل والصبى 
حليماً وقوراً صائن النفس هاديا
لَهُ حِلْمُ كَهْلٍ في صَرامَة ِ حازِمٍ 
وفي العين أن أبصرت أبصرت ساهيا
يروق صفاء الماء منه بوجهه
فأصبح منه الماء في الوجه صافيا
وَمِنْ فَضْلِهِ يَرْعَى ذِماما لجِارِهِ و ويحفظ منه العهد إذ ظل راعيا
صبوراً على صرف الليالي ودرئها 
كَتُوما لأِسْرارِ الضَّمِيرِ مُداريا
له همّة ٌ تعلو كل همّة ٍ 
كما قَدْ عَلاَ البَدْرُ النُّجومَ الدَّرارِيا
اهتم الكثير في الأعمال الفنية والأدبية بعلي بن أبي طالب وتناولت العديد من الكتب الادبية والبحثية في حياته و نشأته وثقافته ونبوغه الادبي والثقافي و في الفصاحة والبلاغة والشعر والخطابة وتتميز خطابته واشعاره وما نسب اليه بالقوة والمتانة والجزالة اللغوية وما يهمنا هنا الشعر الذي نسب لهذه الشخصية الفذة فقد قال الاما م علي بن ابي طالب الشعر كما قاله ابوه ابو طالب بن عبد المطلب ( لاحظ موسوعتي (شعراء العربية ) المجلد الاول ( شعراء جاهليون ) لكن شعره لايرقى الى الطبقة الاولى ولا الثانية كما يقيّمه النقاد ومؤرخو الادب العربي . واختم بهذه القصيدة المنسوبة اليه :
النفسُ تبكي عــلى الدنيا وقـد علمت 
أن الســعادة فيها تــرك مــــــــــا فيها
لا دارٌ للـمرءِ بعـد المـــــــوت يـسـكُـنهـا 
إلا التي كـانَ قــبل المـــــــــوتِ بــانيها
فــإن بناها بخــير طــــــاب مـسـكـنُــه 
وإن بـنـاها بـشـر خـــــــــــاب بـــانيها
أمـــوالنا لـــــذوي المـــــيراث نجمـعُـها 
ودورنـا لخــراب الدهـــــــــر نـبـنـيـها
أيـــن المـلـوك التي كـانت مـسـلـطــنـةً 
حـتى ســقاها بـكأس المــوت سـاقـــيها
فـكم مــدائنٍ في الآفـــاق قـــد بـنـيـت 
أمـسـت خـــرابا وأفـنى المـوتُ أهـلــيها
لا تركِــنَـنَّ إلـى الدنــيـا ومــــا فــيهـا 
فـالمــــوت لا شـك يُـفـنـيـنـا ويُفـنـيـها
لكـل نـفـس وان كانت عــلى وجــــــــلٍ 
مــن المَـنِـيَّـةِ آمــــــــــــــــالٌ تقـويـهـــا
المـرء يـبـسـطـها والدهــــر يقـبـضُـهــا 
والـنـفـس تنـشـرها والمـــوت يـطـويها
إنـمـا المـــكارم أخــــــــــلاقٌ مـطـهــرةٌ 
الـــــــــديـن أولـهـا والـعـقـل ثـانـيـها
والـعـلم ثـالـثـها والـحـــلـم رابعهــــا 
والجــود خــامسها والفضل ســادســها
والــــــبر ســابــعـها والـشـكر ثـامـنـها 
والصــبر تـاسـعـها واللـــــين بـاقــيـها
والـنـفـس تـعـلـم أنى لا أصـــــادقــها 
ولـسـت ارشـــدُ إلا حــــــــين اعـصـيـها
واعـمـل لـدار ٍغــداً رضــــوانُ خـازنـها 
والجـــــــار احـمد والرحـمن نـاشـيـها
قـصـورها ذهــــــب والمـسـك طـيـنـتـها 
والـزعـفـران حـشـيـشٌ نـابـتٌ فـــــيها
أنـهـارها لـــــــبنٌ مـحـضٌ ومـن عـســل 
والخـمـر يجري رحـيـقـاً في مـجـاريها
والطـير تجـري على الأغـصـان عاكفةً 
تـسـبــحُ الله جـهـراً فــي مـغـانــيــهـا
من يشـتري الدار في الفردوس يعمرها 
بركـعـةٍ فـي ظــــلام اللــيـل يحـيـيـها
واخيرا لعلي وفقت ولو بجزء يسير من خلال تناولي هذه الشخصية الاسلامية العربية الفذة العظيمة ولا فخر فهو جدي وجد آبائي فاكون قدمت بعضا من وفاء لسيدنا وابينا والله الموفق .
**************************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 126 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

الحسين بن علي
هو ابو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة والنضر بن كنانة هو قريش .
أمه : فاطمة (الزهراء) بنت الحبيب المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة .
ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في المدينة المنورة في الثالث من شعبان من السنة الرابعة للهجرة المباركة الموافق لليوم الثامن من شهر كانون الثاني ( يناير )من سنة\ 626 ميلادية واسماه جده النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( الحسين ) واذن في اذنه اليمنى واقام في اذنه اليسرى وذبح عنه شاة في اليوم السابع لولادته وقص شعر راسه وتصدق بقدر وزنه فضة وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه واخيه الحسن رضي الله عنهما (الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني ومن أحبّني أحبّه الله ومن أحبّه الله أدخله الجنة ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار) فمحبتهما مفروسة في كل قلب مسلم مؤمن .
نشأ الحسين رضي الله عنه في بيت النبوة بالمدينة المنورة ست سنوات وعدة اشهر كان موضع حب وحنان جده الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وكان يشبه جده النبي خلقاً وخُلقا مثالا للتدين في التقى والورع والعبادة كما عرف بالكرم والصدقة ومجالسة الفقراء و المساكين وقيل انه حجَّ خمساً وعشرين مرة ماشياً على قدميه و في ذلك يقول :

وَأَصلُ الحَزمِ أَن تُضحي 
وَرَبُّكَ عَنكَ في الحالاتِ راضِ
وَأَن تَعتاضَ بِالتَخليطِ رُشداً 
فَإِنَّ الرُشدَ مِن خَيرِ اِعتِياضِ
وَدَع عَنكَ الَّذي يُغوي وَيُردي 
وَيورثُ طولَ حُزنٍ وَاِرتِماضِ
وَخُذ بِاللَيلِ حَظَّ النَفسِ وَاِطرُد 
عَنِ العَينَينِ مَحبوبَ الغِماضِ
فَإِنَّ الغافِلينَ ذَوي التَواني 
و نَظائِرُ لِلبَهائِمِ في الغِياضِ
ولما بلغ مبلغ الرجال تزوَّج الحسين رضي الله عنه من نساءٍ عديدات منهن :
1- ليلي بنت عروة بن مسعود الثقفي وهي أم ولده علي الأكبر.
2- شاه زنان بنت يزدجرد اخر ملوك الفرس ام ولده السجاد علي بن الحسين رضي الله عنهما , وكان قد جيئ بها سبية مع اخواتها بعد انتصار المسلمين على الفرس في معركة القادسية فكان ان تزوجها الحسين بن علي رضي الله عنهما بينما تزوج اختها الاخرى عبد الله بن ابي بكر الصديق والثالثة كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب 
3- الرباب بنت أمرئ القيس بن عدي وهي أم سكينة وعلي الأصغر(عبد الله ) وفيها وابنتها سكينة يقول الحسين رضي الله عنه :
لعمرك انني لأحـــــب داراً 
تحل بها سكينة والرباب
احبهما وابذل جــــل مالي 
وليس لعاتب عندي عتاب
ولست لهم وان عتبوا مطيعاً 
حياتي أو يغيبني التراب
4- ام إِسْحَاق بنت طَلْحَة بن عبيد الله وهي أم فاطمة بنت الحسين
انجب الحسين بن علي رضي الله عنهما ستة اولاد: اربعة ذكور وهم علي الاكبر وعلي الاصغر وجعفر وعلي السجاد وقد قتل منهم ثلاثة في معركة الطف بكربلاء وله ابنتان هما فاطمة وسكينة .
ولما توفى جده النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان طفلا لذا لم يشارك في حروب الردة وفتوحات العراق والشام وبلاد فارس وفتح مصر . بينما شارك في فتوحات الشمال الافريقي في فتح الفسطاط وطرابلس وفي فتوح طبرستان وما اليها .
ولما حدثت الفتنة الاولى في زمن الخليفة عثمان بن عفان أوَكَل والده علي بن ابي طالب إليه واخيه الحسن رضي الله عنهم مهمة حراسة بيت الخليفة عثمان في هذه الفتنة وأدّى تلك المهمة قدرجهده ولم يغادرمنزل عثمان إلا بعد أن تمكّن المتمردون من قتله.
و عندما اصبح والده خليفةً للمسلمين شارك مع اخيه الحسن رضي الله عنهما في معارك الجمل وصفين والنهروان التي دارت بين علي بن ابي طالب رضي الله عنه من جهة ومعاوية بن ابي سفيان من جهة اخرى إلا أن والدهما لم يأذن لهما بمباشرة القتال. وعندما قتل عبد الرحمن بن ملجم اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه غيلة في مسجد الكوفة غَسّل والده وكَفّنه بعد مقتله وصلّى عليه ثم قَتَلَ قاتل ابيه عبد الرحمن بن ملجم .
وكان الحسين عوناً لأخيه الحسن في بيعته بعد استشهاد ابيهما علي بن ابي طالب رضي الله عنهم . حيث بايع الناس اخاه الحسن خليفةً للمسلمين سنة\ 40 هـجرية /660ميلادية بعد يومين من وفاة ابيه علي بن ابي طالب رضي الله عنه وقد أرسل الحسن رضي الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان طالبا منه المبايعة والدخول في الجماعة لكن معاوية رفض البيعة . فلم يجد أمامه من سبيل الا القتال فقصده بجيشه وتقارب الجيشان في موضع يقال له (مسكن) بناحية من الأنبارعلى الفرات. فهال الحسن رضي الله عنه أن يقتتل المسلمون فيما بينهم فكتب إلى معاوية يشترط امورا للصلح أبرزها أن ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده وأن يكون الأمر من بعده شورى وفي رواية اخرى تكون له الخلافة او لاخيه الحسين رضي الله عنهما . ورضي معاوية فخلع الحسن نفسه من الخلافة وسلّم الأمر لمعاوية بن ابي سفيان في بيت المقدس سنة\ 41 هجرية . ولم يرض الحسين برأي أخيه وظل معترضاً على التناز ل عن الخلافة وإنما سكت توقيرا لاخيه واحتراما لرايه ودرءاً لفتنة قد تنشب بين المسلمين. وأطلق على ذلك العام (عام الجماعة) وفي ذلك يقول :
يا نَكَباتِ الدَهرِ دولي دولي 
وَاِقصِري إِن شِئتِ أَو أَطيلي
رَمَيتني رَميَةً لا مقيلَ 
بِكُلِّ خَطبٍ فادِحٍ جَليلِ
وَكُلِّ عِبءٍ أَيَّدٍ ثَقيلِ 
أ ا َوَّلَ ما رُزِئتُ بِالرَسولِ 
والوالِدِ البرِّ بِنا الوَصول 
وَبِالشَقيقِ الحَسَنِ الجَليلِ
وَالبَيتِ ذي التَأويلِ وَالتَنزيلِ
وَزورنا المَعروفَ مِن جِبريلِ 
فَما لَهُ في الرزءِ مِن عَديلِ
ما لَكَ عَنّي اليَومَ مِن عَدولٍ
ولما توفي الحسن بن علي رضي الله عنهما سنة \ 50هـجرية 668 ميلادية حافظ الحسين رضي الله عنه على عهد أخيه مع معاوية بينما أخذ معاوية يمهد لبيعة ابنه يزيد للخلافة ولكن زياد ابن أبيه والي معاوية على العراق نصحه بالتمهل وعدم الاستعجال وقد قبل معاوية نصيحة زياد ولم يعلن عن بيعة يزيد إلا بعد وفاة الحسن رضي الله عنه وبدأ معاوية يعمل جاهدا لتوطئة الأمر لابنه يزيد في المدينة المنورة العاصمة الأولى التي كان يبايع فيها الخلفاء. وكان اهم رجال الإسلام فيها وعليهم المعول في إقرار البيعة وقبولها. وحين عرض معاوية ما عزم عليه على أهل المدينة عن طريق عامله عليها ( مروان بن الحكم). وافقه الكثير على ضرورة تدبير أمر الخلافة والمسلمين و حينما عرض عليهم اسم ولده يزيد اختلفوا فيه وأعلن الكثير معارضتهم وكان الحسين رضي الله عنه في اول المعارضين ومعه عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم . غير أن دهاء معاوية وليونته وكلامه المعسول فوت فرصة المصادمة لأنه لم يجبرهم ولا غيرهم على البيعة.
ولما توفي معاوية بويع يزيد بالخلافة في رجب سنة\ 60هـجرية /679ميلادية . وكتب يزيد إلى عامله في المدينة ( الوليد بن عقبة ) أن يأخذ له البيعة من الحسين وعبد الله بن الزبير( أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعا). الا ان الحسين رضي الله عنه هجر المدينة من دون أن يبايع يزيد بالخلافة واتجه إلى مكة المكرمة في جماعة من أصحابه وأهله . وفي ذلك يقول:
أَبي عَلِيٌّ وَجَدّي خاتَمُ الرُسُلِ 
وَالمُرتَضونَ لِدينِ اللَهِ مِن قَبلي
وَاللَهُ يَعلَمُ وَالقُرآنُ يَنطُقُهُ 
إِنَّ الَّذي بِيَدي مَن لَيسَ يملكُ لي
ما يُرتَجى بِاِمرئٍ لا قائِل عَذلا 
وَلا يَزيغُ إِلى قَولٍ وَلا عَمَلِ
وَلا يَرى خائِفاً في سِرِّهِ وَجلاً و َلا يُحاذِرُ مِن هَفوٍ وَلا زَلَلِ
أ ا َما لَهُ في كِتابِ اللَهِ مِن مَثَلِ
أَما لَهُ في حَديثِ الناسِ مُعتَبرٌ م ِنَ العَمالِقَةِ العادِيَةِ الأُوَلِ
يا أَيُّها الرَجُلُ المَغبونُ شيمَتُهُ أَ انّى وَرِثتَ رَسولَ اللَهِ عَن رُسُلِ
أَأَنتَ أَولى بِهِ مِن آلهِ فيما ت ترى اِعتَلَلتَ وَما في الدينِ مِن عِلَلِ
لم يقبل الحسين رضي الله عنه ومن معه من المسلمين أن تتحول الخلافة الإسلامية إلى ميراث يرثه الابن عن الاب وأبى أن يكون على رأس المسلمين وخليفتهم يزيد بن معاوية فرفض أن يبايعه ولم يعترف به خليفة للمسلمين بعد ابيه معاوية بن ابي سفيان . وقد التقى الوليد والي المدينة المنورة بالحسين رضي الله عنه وطلب منه البيعة ليزيد فرفض ثم غادر المدينة المنورة الى مكة المكرمة بينما ذهب عبد الله بن الزبير إلى مكة لاجئاً إلي بيت الله الحرام.
وصلت أنباء رفض الحسين رضي الله عنه مبايعة يزيد واعتصامه في مكة إلى الكوفة التي كانت أحد معاقل الفتنة وبرزت تيارات في الكوفة تؤمن أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الخلافة الحسين بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم . واتفق رجال الكوفة أن يكتبوا للحسين يحثونه على القدوم إليهم ليسلموا الأمر اليه ويبايعوه بالخلافة. وبعد تلقيه الاف الرسائل من أهل الكوفة قرر أن يستطلع الأمر فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل ابن ابي طالب رضي الله عنه ليستطلع حقيقة الأمر . وعندما وصل مسلم إلى الكوفة شعر بحالة من التأييد لفكرة خلافة الحسين ومعارضة شديدة لخلافة يزيد بن معاوية والقبول بمبايعة الحسين ليكون الخليفة فقام مسلم بن عقيل بإرسال رسالة إلى الحسين يعجّل فيها قدومه. و حسب ما تذكر المصادر التاريخية ان مجيء آل البيت بزعامة الحسين رضي الله عنه كان بدعوة من أهل الكوفة وما جاورها. بينما قام أصحاب واقارب واتباع الحسين في المدينة المنورة 
ومكة المكرمة بأسداء النصيحة له بعدم الذهاب إلى ولاية الكوفة ومنهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن جعفر بن ابي طالب وأبو سعيد الخدري وعمرة بنت عبد الرحمن رضي الله عنهم وغيرهم كثير .
وصلت الأخبار اعلاه إلى الخليفة الأموي الجديد يزيد بن معاوية فقام على الفور بعزل والي الكوفة ( النعمان بن بشير) بتهمة تساهله مع الاضطرابات التي تهدد الدولة الأموية وقام الخليفة( يزيد ) بتنصيب( عبيد الله بن زياد) فقام الوالي الجديد بتهديد رؤساء العشائر والقبائل في الكوفة وما يتبعها وخيّرهم اما بسحب دعمهم للحسين بن علي رضي الله عنهم واما قدوم جيش الدولة الأموية لقتالهم وابادتهم . وكان تهديد الوالي الجديد شديدا و فعالا فبدأ الناس يتفرّقون عن مسلم بن عقيل رضي الله عنهما شيئا فشيئا حتى انتهى الأمر بقتل مسلم بن عقيل دون معرفة الحسين بمقتله عند خروجه من مكة إلى الكوفة بناء على الرسالة القديمة التي استلمها منه قبل تغيير موازين القوى في الكوفة وعلم الحسين بمقتل مسلم بن عقيل رضي الله عنهم عند وصوله لمنطقة ( زرود) في طريقه إلى العراق ولما وصل علم بتخاذل اهل الكوفة وكذبهم ونفاقهم في نصرته فانشد قائلا :
لئـن كانـت الدنيـا تعـد نفيســة
فـدار ثــواب الله أعـلى وأنبــلُ
وإن كانـت الأبـدان للموت أُنشـئت
فقتل امرءٍ بالسـيف في الله أفضـل
وإن كانـت الأرزاق شـيـئاً مقـدراً
فقلّة سـعي المرء في الرزق أجـمل
وإن كانت الأمـوال للتـرك جمعـها
فـما بال متـروك به المـرءُ يبخـلُ
الا ان الحسين رضي الله عنه وقواته استمرا بالمسير نحو الكوفة حتى اعترضتهم الجيوش الأموية في صحراء (الطف ) وقوامها (30000 ) ثلاثون مقاتل يقودها عمر بن سعد.
وتقدمت هذه القوات من خيام الحسين وأتباعه رضي الله عنهم اليوم التاسع من شهر محرم الحرام بينما كانت قوات الحسين تتألف من\ 32 فارسا و40 راجلا فأعطى الراية لاخيه العباس بن علي رضي الله عنهم وقبل أن تبدأ المعركة لجأ جيش ابن زياد إلى منع الماء عن الحسين وأهل بيته وصحبه رضي الله عنهم فلبثوا يعانون العطش في جو صحراوي قائظ شديد الحرارة. ورأى الحسين رضي الله عنهم تخاذل أهل الكوفة وتخليهم عنه كما تخلوا من قبل عن مناصرة مسلم بن عقيل رضي الله عنهما وبلغ من تخاذلهم انكارهم رسائلهم التي بعثوها إلى الحسين حين ذكرهم بها .
عرض الحسين بن علي رضي الله عنهما على قائد الجيش الاموي عمر بن سعد ثلاثة حلول: 
الاول : رجوعه إلى المكان الذي أقبل منه في المدينة المنورة 
الثاني : الذهاب إلى ثغر من ثغور الإسلام للجهاد فيه 
الثالث : السير يزيد بن معاوية في دمشق فيطلب منه الحلين الأولين فبعث عمر بن سعد الى ابن زياد والي الكوفة خطاباً بهذا الشأن إلا أن شمر بن ذي الجوشن احد قواد جيش يزيد رفض وأصر على عبيد الله بن زياد الا أن يحضروا الحسين رضي الله عنه إلى الكوفة أو يقتلوه فأرسل بن زياد لعمر بن سعد برفض كل مقترحات الحسين . يقول الحسين رضي الله عنه في ذلك :
يـا دهـر أُفٍّ لـك مـن خـلـيـل
كـم لـك بـالإشـراق والأصـيـل
مـن صـاحـبٍ وطـالـبٍ قـتيـلِ
والـدهـر لا يـقـنـع بـالبـديـل
وإنّـمـا الأمــر إلـى الجـلـيـل
وكـلّ حـي سـالـك الـسـبـيـل
وبدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه رضي الله عنهم الذين لا يزيدون عن 73 ثلاثة وسبعين رجلا بالسهام فأصيب الكثير من أصحاب الحسين ثم اشتد القتال ودارت رحى الحرب وغطى الغبار ميدان القتال ثم انفرج عن مقتل خمسين صريعا من أصحاب الحسين ولم يبق منهم الا ثلاث وعشرين وكان الحسين رضي الله عنه يقاتل قتالا شديدا فيرتجز ويقول في قتاله مفتخرا :
أنا ابن عـلي الخـير من آل هاشـم
كـفاني بهـذا مفخـراً حيـن أفخـر
وجـدّي رسـول الله أكرم من مشـى
ونحـن سـراج الله في الناس يزهـر
وفـاطـمة أُمـي سـلالـة أحـمـد
وعمّـي يدعى ذو الجناحين جـعفـر
وفـيـنا كتـاب الله أنـزل صـادقـاً
وفـيـنا الهدى والوحي والخير يذكـر
واستمر الهجوم عليهم وأحاطوا بهم من جهات متعددة. حرق الجيش خيام أصحاب الحسين رضي الله عنهم فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون جيش عمر بن سعد ويتساقطون الواحد تلو الآخر وفيهم: اولاده علي الأكبر و عبد الله ومحمد و عثمان و جعفر وأبناء أخيه الحسن: أبو بكر و الحسن المثنى والقاسم و ابن أخته زينب عون بن عبد الله بن جعفر الطيار واولاد عقيل :عبد الرحمن وجعفر وعبد الله وولدي مسلم بن عقيل : عبد الله ومحمد . ولم يبق الا الحسين واخوه العباس رضي الله عنهم ولما لاحظ ابنته سكينة تبكي تقرب منها وربت على راسها و انشد :
سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي 
مـنك البكاء إذا الحِمـام دهاني
لا تحـرقي قلبـي بدمعكِ حسرةً 
مـا دام منّي الروح في جثماني
فإذا قتلتُ فأنـتِ أولـى بـالذي 
تـأتينه يـا خيـرة النســوان
ثم وقع العباس شهيداً وبقي الحسين وحده في ساحة القتال ثم أصيب بسهم مثلث ذي ثلاث شعب فاستقر السهم في قلبه الشريف وراحت ضربات الرماح والسيوف تنهال على جسد الحسين الطاهر . وحسب رواية فإن (شمر بن ذي جوشن) قام بفصل رأس الحسين عن جسده – بعد مقتله - باثنتي عشرة ضربة بالسيف من القفى وكان ذلك في يوم الجمعة العاشر من عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة وله من العمر\ 56 سنة.
ولما قتل الحسين رضي الله عنه وقفت عليه ساعة مقتله ابنته سكينة ورثته منشدة:
مات الفخارُ مات الجود والكرم 
وأغبرت الأرضُ والآفاق والحرمُ
وأغلق الله أبواب السماء فما ـ 
ترقي لهم دعوة تجلى بها الهممُ
يا اخت قومي انظري هذا الجواد أتى
ينبئك ان أبن خير الخلق مخترم
مات الحسين فيا لهفي لمصرعه 
وصار يعلوا ضياء الامة الظلم
وكذلك رثته امها زوجته الرباب بنت امرئ القيس بن عدي وكانت احب نسائه اليه و كانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن فقالت ترثيه :
إن الذي كان نوراً يستضاء به
بكربلاء قتيل غير مدفون
سبط النبي جزاك الله صالحة 
عنا وجنبت خسران الموازين
قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به 
وكنت تصحبنا بالرحم والدين
من لليتامى ومن للسائلين ومن 
يعنى ويأوي إليه كل مسكين
الله لا أبتغي صهراً بصهركم
حتى أغيب بين الرمل والطين
ولم ينج من القتل إلا ولده السجاد علي ( زين العابدين ) بن الحسين وذلك لعدم اشتراكه في القتال بسبب اشتداد مرضه وعدم قدرته على القتال فحفظ نسل أبيه الطاهر من بعده .ومن رجزالحسين رضي الله عنه في المعركة قوله: :
المَوتُ خَيرٌ مِن رُكوبِ العارِ وَالعارُ خَيرٌ مِن دُخولِ النارِ
وَاللَهُ مِن هَذا وَهَذا جاري
وكانت نتيجة المعركة واستشهاد الحسين رضي الله عنه على هذا النحو مأساة مروعة أدمت قلوب المسلمين وغير المسلمين وهزت مشاعرهم في كل أنحاء العالم وحركت عواطفهم نحو آل بيت الحبيب المصطفى على الله عليه وسلم وكانت سببًا في قيام ثورات عديدة ضد الأمويين.
وهكذا قامت ثورة الحسين بن علي رضي الله عنهما لتصحيح مسار خاطيء وحادث على الاسلام بغية تعديل مساره .
يتميز شعر الحسين بن علي رضي الله عنهما بقوة سبكه وبلاغة تعبيره خاصة وان اغلب شعره كان مقطوعات وقصائد قصيرة قيلت في مسارات مختلفة ومواضيع شتى يغلب عليها الطابع الاسلامي والمعتقد الديني والمواعظ والحكم وما عاناه في حياته وفي ثورته وحروبه حتى وفاته وله شعر مطبوع (ديوان الحسين بن علي) قد السيد جمعه محمد عبدالرحيم ويتضمن فصولا عن حياة الإمام الحسين وشروحا للكلمات الصعبة الواردة في قصائده ونظمه حسب الترتيب الأبجدي للقوافي وأشعاره أغلبها في المواعظ والحكمة. وربما نظمت بعض المقطوعات ونسبت اليه لمكانته الرفيعة وقدره المعتلى . ومن شعره هذه الابيات :
غَدَرَ القَومُ وَقَد ما رَغِبوا 
عَن ثَوابِ اللَهِ رَبِّ الثَقَلَين
قَتَلوا قَدَما عَلِيّاً وَاِبنَهُ 
حَسَنُ الخَيرِ كَريمِ الأَبَوَين
حَنقاً مِنهُم وَقالوا أَجمِعوا 
نَفتِكُ الآنَ جَميعاً بِالحُسَين
يا لقَومٍ لأُناسٍ رُذَّلٍ 
جَمَعوا الجَمعَ لِأَهلِ الحَرَمَين
ثُمَّ ساروا وَتَواصَوا كُلُّهُم 
بِاِجتِياحي لِلرِضا بِالمُلحدين
لَم يَخافوا اللَهَ في سَفكِ دَمي 
لِعُبَيدِ اللَهِ نَسلُ الفاجِرَين
وَاِبنُ سَعدٍ قَد رَماني عنوَةً 
بِجُنودٍ كَوُكوفُ الهاطِلَين
لا لِشَيءٍ كانَ مِنّي قَبلَ ذا 
غَيرَ فَخري بِضِياءِ الفَرقَدَين
بِعَلِيِّ الخَيرِ مِن بَعدِ النَبِيّ 
وَالنَبِيِّ القُرَشِيِّ الوالِدَين
خيرَةُ اللَهِ مِنَ الخَلقِ أَبي 
ثُمَّ أَمّي فَأَنا اِبنُ الخيرَتَين
فِضَّةٌ قَد خَلُصَت مِن ذَهَبٍ 
فَأَنا الفِضَّةُ وَاِبنُ الذَهَبَين
مَن لَهُ جَدٌّ كَجَدّي في الوَرى 
أَو كَشَيخي فَأَنا اِبنُ القَمَرَين
فاطِمُ الزَهراء أُمّي وَأَبي 
قاصِمُ الكُفرِ بِبَدرٍ وَحُنَين
وَلَهُ في يَومِ أُحدٍ وَقعَةٌ 
شَفَتِ الغُلَّ بِفَضِّ العَسكَرَين
ثُمَّ بِالأَحزابِ وَالفَتحِ مَعاً 
كانَ فيها حَتفُ أَهلِ القِبلَتَين
في سَبيلِ اللَهِ ماذا صَنَعَت 
أُمَّةُ السوءِ مَعاً بِالعِترَتَين
عِترَةُ البِرِّ النَبِيِّ المُصطَفى 
وَعَلى الوَردِ بَينَ الجَحفَلَين
********************

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 161 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

"أوغاريت ذاكرة حقل"
زهيرة زقطان
عندما يُقدم التاريخ بصيغة أدبية، مظهرا ما فيه من عظمة ومن تنظيم ومن عطاء، بالتأكيد فإن هذا الشكل من التقديم ممتع بشكله المجرد، فما بالنا أن كان متعلق بجذورنا، بماضينا العتيق، بما قدمناه للإنسانية جمعاء، مذكرنا بما أنجزناه من وضع أسس الكتابة، الحروف الأبجدية، النصوص الأدبية والدينية، التشريع والقوانين، النظام الأدري وما يتبعه من حفظ الوثائق والمراسلات بين الدول، النظام الاجتماعي وما فيه من عدالة لعامة الشعب، انظمة الدفاع والحرب، الأفكار عن الكون وما فيه تغييرات، كل هذا نجده في كتاب "أوغاريت ذاكرة حقل".
الكتاب مقسم إلى خمسة فصول، الأول: "أوغاريت ذاكرة حقل، الثاني: آلهة أوغاريت، الثالث: عقود تحت مظلة الآلهة والملوك، الرابع: المرأة في أوغاريت، الخامس: البريد والرسائل، فنجد في الفصل الأول حديث عن جغرافية أوغاريت، الجغرافية التي أثرت على الإنسان، وتفاعلا معا، ليكون هناك توحد بين أرض أوغاريت والكنعاني/الفينيقي، تصف لنا ميزة أوغاريت فتقول: "أوغاريت .. ذاكرة حقل كما ينبغي اسمها، حقل ممتلئ بالسنديان والأرز والكرمة والسرو والنخيل والزيتون، أشجار في حقل حرسته رعاية بعل" وحبوب منتقاة من القمح الخاص" ص7، الجغرافيا هنا خصبة وتعطي الإنسان الذي يتقدم منها بالعمل والعطاء، فتعطيه بدورها من خياراتها ما لذ وطاب: " ...قطاف العنب يولد في "مهرجان العنب" الذي تحتفل به المدينة كل عام... في كل منزل في أوغاريت سنشعل شمعة بزيت الزيتون" ص8، لكن هل اقتصرت العلاقة بين الإنسان والجغرافيا في المسائل المادية فقط؟ بالتأكيد لا، لأن هناك انجازات روحية وثقافية وحضارية وأدبية ما زالت المجتمعات الإنسانية تنعم بها، فنجد هذا العطاء فيما قاله خطه أحد تلاميذ "زينون" الفيلسوف الفينيقي الذي اثر في الثقافة والفلسفية اليونانية كما هو حال سقراط وارسطو وافلاطون:
"إذا كانت بلادك الأصلية هي 
فينيقية،
فهل يجب أن يضرك شيء؟
ألم يأت قدموس من هنا،
الذي أعطي اليونان كتبها وفن كتابتها؟" ص11، فأوغاريت كانت المدينة الأهم في زمانها، والأكثر سلاما وهناء، وهذا ما نجده فيما جاء على شاهد قبر "زينون" الفينيقي.
الفصل الثاني يتحدث عن الآلهة الفينيقية والتي كانت متعلقة بالأرض وبالتغييرات التي تجري فيه، فالإله "إيل" والذي يعني الأول فينيقي وتم أخذه من قبل العبرانيين لهذا نجدهم يسمون "إسرائيل" أي قوة الرب، و"إسماعيل" أي سماع الرب، وكانت الفكرة عن الإله تكمن في تفسير ونسب التغييرات في الطبيعية إلى إرادة الإله، مما يجعل "الفينيقي" مؤمن بأن ما يجري في الكون هو من الإله، لكن هذا لم يمنعه من أن يفكر بحالة الموت وما بعد الحياة، فنجد الفينيقيين كانوا يضعون الطعام والشراب للموت حتى يستقوى بها في العالم الآخر
ونجد الفينيقيين اهتموا ببناء المعابد التي كانت تقام في أعالي الجبال: "... إن روح الآلهة تجوب التلال، تبحث عن رعيتها، فهنا أهم مكان يمارس فوقه الكنعاني عبادته وصلاته في طقوسه الدينية ونذوره الخاصة وأضاحيه المرتبطة بعلاقته بالرب" ص16، ولكن الفينيقيين لم يتوقفوا عند هذا الإله، بل هناك العيد من الآلهة مثل: "دموزي "البابلي" وتموز أو أدونيس أو أدون الفينيقي، وهو اتحاد من بعل أوغاريت، ولتمتد فكرته في صراع الحياة من الموت الأهم في حياة الإغريق" ص18، كل هذه التسميات هي لإله واحد "بعل" فالصفات والقدرات والأفعال التي يقوم بها واحدة، لكن تتعدد تسميته، وهذا يؤكد على وحدة العقائد الدينية في المنطقة.
"البعل" هو رمز الخصب ويمثل حالة الصراع في الطبيعة بين الخصب والجذب، الربيع والخريف، لهذا من صفاته "راكب السحب، صوته الرعد وبهاؤه البرق "ص 20.
ونجد هناك آلهة مثل "عناة، عشتروت" والتي تتماثل مع البعل في عودة النماء والخصب، حتى اننا نجد هناك تماثل بين نواح "عناة" على البعل وشق ثيابها بما يقوم به الفلاح السوري: "... يرتبط نواح "عناة" بعملية الحرث في الحقول، والتي تتم قبل فصل الربيع، انها تحرث صدرها وتدميه، كما الفأس في قلب التربة" ص30، هناك مقاطع حفظها الفينيقي لنا تتحدث عما كان يقول في عملية ندب البعل الغائب في العالم الآخر:
"إنها عشتارت .. امرأة قد نال الإعياء منها..
تنوح على نهر عظيم .. حيث الصفصاف لا ينو
تنوح على نهر عظيم .. تنح على حقل، حيث القمح
والأعشاب لا تنمو
تنوح على حرش أقصاب .ز حيث لا قصب ينمو
تنوح على عذابات ... حيث لا طرفاء تنمو" ض31، وهذا النواح ما زال مستمر في الهلال الخصيب من خلال المآتم التي تجري للحسين وآل بيت الرسول، بعد أن قتلوا وسبوا في كربلاء، لكن روح الندب والبكاء واحدة، رغم أخذها أشكالا جديدة.
الفصل الثالث يتحدث عن العقود بين الملوك والأفراد، وكل هذه العقود كانت تتم باللغة الأكادية، اللغة الرسمية بين الدول، والتي تتعلق بكل نواحي الحياة.
الفصل الرابع يتحدث عن المرأة الفينيقية والتي اخذت مكانتها كما هو حال الأرض، فعلاقة الفينيقي مع المرأة تتماثل بعلاقته بالأرض: "أن نحكي عن المرأة في المجمع أوغاريت فهو حديث عن الارض، والأشجار، والعائلة والأولاد، وأهمية الولادة ومجيء طفل إلى الحياة تبشر الجداول بفرحة حضوره إلى الدينا...هو الخوض في قصة النسيج الأحمر، ومغازل النساء الخشبية، والخبز وحقول القمح، والزبدة، والخمر، والعسل، وزيت الزيتون وضوء للصباح" ص58، كما ان المرأة لم تكن متاحة لأي كان، فالوصول إليها يحتاج إلى جهد وعمل وبذل النفيس:
" سيذهب إليها ويقرع باب والدها
وسيقول ما قاله "إيل" في الحلم:
أذهب هناك يا كارت وقل لقابل
أعطني الأنسة حورية
إن نعومتها كنعومة عناة
وجمالها كجمال
عشتارت
أعطتني ما ليس في بيتي" ص59و60، 
وبعد أن يحصل كارت على حورية نجده بهذه النشوة:
" إني لأسلو (أجد عزاء وسلوى)
بصفاء عينيها
حورية التي في الحلم وهبني
إياها إيل
وفي رؤيا (أعطانيها) أبو البشر" ص70و71، وطبعا هذا يعطي صورة على أن المرأة كان يتغزل بها أدبيا، فهذا النص أولا وأخيرا يبقى ضمن الأدب الفينيقي الذي وصلنا، وهذا ما يشير إلى المكانة التي أخذتها المرأة في المجتمع الفينيقي.
الفصل الخامس يتحدث عن البريد والرسائل، تقدم لنا الكاتبة نموذج من هذه الرسائل: 
"إلى رئيس رعاتي
سلام ...سلام أيها الأبناء
يحل السلام (أو ليحل السلام)
سلام شاملا
سلام عليكم من بعل أيها الطيبون الابناء والأمهات، والآباء والأطفال ... سلام عليم ايتها المدينة الحقل." ص89و90، بهذه البداية كانت تكتب الرسائل، وهي تشير إلى أن "السلام" هو الحالة العامة السائدة في المجتمع، وتكرار السلام في بداية كل سطر يعطنا فكرة عن طبيعة هذا المجتمع الذي ينشد السلام والخير.
ونجد ايضا في هذه الرسائل خلاصة تجربة الأب المرسل عن الحياة:
"كتب الأب فوق لوح الطين:
في الشارع المأهول لا تتكلم،
لا تتحدث بالسوء عن الناس،
فقد تحصد ثمار عملك ثمارا عاجلة،
اختقار .. حيل .. أحقاد لا تزول،
لا تهزأ بالرب الذي لم تتوجه إليه بالدعاء، فلتكن قواك خير ناصح لك،
لا تجرب نفسك مع القوى ... شديد البأس...لا تشتري ثورا في الربيع
لا تتخذ زوجة فتاة تراها في العيد، 
فالثور السيء يتحسن في الفصل الجيد
والفتاة السيئة تلبس في العيد ثوبا جميلا يليق بها" ص94و95، بهذه الوصايا التي تمثل حكما في زمانها، ينصح بها الأب، فنجد هناك جانب اخلاقي يحرص عليه، كما نجد جانب متعلق بالعبادة أيضا، وهذا يشير إلى ان الأخلاق والسلوك مقترن مع العبادة عند الفينيقي.
الكتاب من منشورات المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 

magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 128 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

557,514