دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

إسماعيل فهد إسماعيل كاتب روائي وناقد وكاتب مسرحي، تعرفت علية من خلال رواية "المستنقعات الضوئية" في العقد الثامن من القرن الماضرباعية إسماعيل فهد إسماعيلي، حيث كان أدب القمع ـ تحديدا ـ أكثر ما يستهوي القارئ في ذاك الزمن، والآن وبعد أن ابتعدنا ـ نسبيا ـ عن واقع القمع والمحرمات، سنحاول تقيم تلك الأعمال، بعيدا عن الانحياز للكاتب، وبحيادة قدر المستطاع.
بداية أنوه إلى أنني فقدت رواية "المستنقعات الضوئية" ولم اتمكن من الحصول عليها، ولذلك سيتم التطرق إلى ثلاث روايات من الرباعية، وهي " كانت السماء زرقاء" و"الضفاف" و "الحبل". الفكرة التي تناولتها الرباعية تتمثل في القمع السياسي تحديدا، وما يواكبه من حرمان من العمل والمنع من السفر والاعتقال والمطاردة، فكان الاعتقال أو التشرد أو المنفى الجبري كوابيس تطارد كل من يعارض النظام، إن كانت هذه المعارضة ذات طابع سياسي منظم أم شخصي/فردي، فكل من يمس النظام أو الدولة هو مطلوب ومتهم.
كما إن فكرة الصراع الطبقي واضحة المعالم في الرباعية، وضمن حالة الصراع كان لا بد من وجود ـ حرية للمرأة كمتنفس وحيد للواقع البائس، وكان تعاطي السجائر والخمر يمثل تمرد ـ ولو شكليا ـ على الواقع، كما كانت المرأة تلعب دور أساسي وحيوي في الرواية، إن كان من خلال السارد والأحداث الروائية، أم من خلال إعطائها حرية التعبير عما يجول في نفسها.
وكان الأدب في تلك الفترة ينسجم تماما مع فكرة الحرية التي تطالب بإعطاء المرأة كامل حريتها، من هنا كانت الرباعية تتمثل نموذج الواقعية الاشتراكية بكل جلاء.
كما أن المكان كان حاضرا وبقوة في الرباعية، فهناك بغداد والبصرة والكويت، وكذلك تم ذكر لشخصية عبد الكريم قاسم، ليتأكد للقارئ بان أحداث الرواية تجري في العراق، وفي فترة العقد السادس من القرن الماضي، ومن يتابع أحداث الرباعية يتأكد أن كاتبها عاش الحالة العراقية بكل تفاصيلها. 
أما على صعيد شكل الرواية واللغة التي استخدمها الكاتب، فقد كانت لغة بسيطة وسهلة وسلسة تتناسب تماما مع فكرة "الأدب للجماهير" ويخدم ويتماثل مع فكرة: "الأدب وجد لخدمة الاشتراكية والجماهير".
كما أن الراوي استخدم الحوار بشكل يطغى على السرد الروائي، مما جعله اقرب إلى المسرحية منه إلى الرواية، لكنه استطاع تجاوز ـ زخم الحوار ـ من خلال إعادة مقاطع من الحوار ومن خلال استخدام الخط الغامق لتميز الواقع عن الماضي أو التخيل، مما جعل الحواري يأخذ شكل الزمن أكثر منه جوار.
وما يميز الرباعية أنها تخلوا من ذكر الأسماء تماما، وحتى أن رواية "الطيور والأصدقاء" و"رواية خطوة في حلم" كانت شخصياتها مجهولة الأسماء، وكأن الكاتب عنده حساسية من ذكرها، لكن الجزء الرابع من الرباعية " الضفاف" تم كشف عن الأسماء بكل وضوح، وحتى أن هناك فصول تم تسميتها بأسماء أبطال الرواية، فلم نكن نعرف أسماء أبطال "رواية السماء زرقاء" أو "الحبل" إلا بعد قراءة "الضفاف" حيث تم الكشف الغموض الذي استخدم في الروايات السابقة، وما يلاحظ على رواية "الضفاف" تحديدا أن الراوي استخدم لأسماء بطريقة يشعر القارئ بان هناك قرارا قد اتخذ بالتخلي عن إخفاءها. وسنحاول هنا إضاءة بعض هذه العناصر في رباعية "إسماعيل فهد إسماعيل".
الطرح الطبقي
الطرح الطبقي من أهم ميزات الواقعية الاشتراكية، فبدونه يكون العمل الأدبي ـ منحرف ـ طبقيا، ومنحاز لصالح البرجوازية، وبما أن الكثير من الأدباء كانوا يتطلعون إلى مساحة أوسع من الحرية والى تحقيق ولو الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة، وإيجاد الكرامة للفرد وللأمة، كان لا بد من اللحاق بركب الجماهير وحمل همومها من خلال طرح المسألة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، من هنا تناول الراوي في رباعيته وتحدث في رواية "كانت السماء زرقاء" عن الاشتراكية: 
"على الفرد كي يحقق الأخلاقية الاشتراكية التي هي جزء من الاشتراكية التطبيقية، أن يؤمن بأنه جزء من الآخرين، ولأجل ذلك يخلص نفسه من شوائب الأنانية.. آن لك أن تطبق ذلك على نفسك" ص63، نجد دعوة للتماهي مع المجموع ونكران الذات تماما، لتحقيق أهداف الطبقة التي ينتمي إليها الراوي، فهنا الطرح غير مفصل عمليا وهو اقرب إلى النظرية منه إلى التطبيق، لكن في رواية "الحبل" يتحدث عنها بشرح واضح فيقول: "كنا 13 رجلا من دون امرأة. احدهم كان عربيا (أنا) ننام في غرفة واحدة. وبعد أسبوع استلمت عملي. زميلي الإيراني سلفني دينارا. اشتريت ـ بتوجيه منه ـ جاروفا. وعملت معهم في حفر مجاري شوارع الكويت. الأجرة ... "دينار واحد لقاء14 ساعة عمل في اليوم فقط" وبعد يومي الأول في العمل لزمت الفراش ثلاثة أيام. كفاي تورمتا. مفاصلي تنز ألما. وفي اليوم الرابع عاودت العمل" ص58، في المقطع السابق نجد الحياة البائسة التي يعيشها العمال في صحراء الكويت، فمكان النوم أشبه بزريبة منه إلى مكان لنوم البشر، " 13 رجلا في غرفة"، ظروف العمل صعبة جدا، وتسبب المرض بسبب الإرهاق، "بعد اليوم الأول لازمت الفراش "، "ساعات العمل طويلة جدا "14 ساعة" الأجرة زهيدة "دينار واحد" تفاصيل العمل مرهقة نفسيا وجسديا، "مجاري في شوارع" نتائج العمل الإنهاك والمرض "كفاي تورمتا مفاصلي تنز ألما" ضمن هذه الظروف لا بد من العمل على تحسين الظروف وحيثيات العمل، فبمجرد ذكر هذه التفاصيل لا بد للقارئ أن ينحاز ـ طبقيا ـ أو إنسانيا أو أخلاقيا للعمال، فما سبق تقديمه من مشاهد، يخدم فكرة الطرح الطبقي وتحقيق العدالة للعمال بطريقة غير مباشرة، وهذا الأمر يحسب له، وبعد ذلك ينقلنا إلى فكرة متقدمة تتمثل في النقابات وتنظيم العمال ورص صفوفهم لمواجهة الرأسمالي/صاحب العمل. 
وإذا كانت رواية "الحبل" قد رفعت من مفهوم الصراع الطبقي فان رواية "الضفاف" كانت أكثر إسهابا وتفصيلا لحالة الصراع بين العمال واصحاب العمل، حيث كانت ظروف العمل تتحدث عن مصنع وليس ورشة، وهذا يعطي العمال مساحة اكبر ـ زمنا ـ لكي يتفهموا ظروف عملهم، على النقيض من الورشة حيث لا يستمر العمال لأكثر من شهور في أفضل الأحوال، من هنا كانت رواية "الضفاف" تمثل النموذج الأمثل لهذا الطرح:
"ـ اليوم نبدأ عملية التحريض على الإضراب ـ ... وتحس بضرورة تبرير وجهة نظرك ـ ... ـ هم رفضوا مطالبنا ـ نحن نطالب بحقوقنا المشروعة ... ساعات العمل ...الظروف الديمقراطية.. الأجور ـ أنا اعمل من أجلك وأجلي "ومن اجل الطبقة العمالية" لكنه أحتفظ بالجملة الأخيرة: "من اجل كرامتنا" ص60 و61، فهنا ارتفع مستوى الوعي عن العمال، حيث أنهم متحدون معا لتحقيق مطالبهم، كما أننا نجد القيادة العمالية تعرف كيفية النضال من اجل تحقيق المطالب العمالية، وكأن الراوي عمل على التدرج بتقديم المفاهيم العمالية حتى أوصلها إلى هذا المستوى الراقي.
وسيتكرر كلمات " الإضراب، التعاون مع العمال، الطبقة العاملة، النضال من اجل أهداف عليا" ص116 في أكثر من موضع في الرواية، كتأكيد على وصول النضال العمالي إلى مستوى رفيع وناجح. وقد استطاع الراوي أن يقدم أسلوب جديد في الصراع الطبقي، لتحقيق مطالب العامل، وذلك عندما تحدث عن أشكال جديدة لنضال العمال في رواية "الضفاف"، عندما تحدث عن سرقة منزل مدير المصنع:
"ـ طرحي لفكرة سرقة بيت المدير ما كان وليد قرار اعتباطي. وإنما نتج عن دراسة علمية موضوعية ...
ـ عوائد العملية ستعود على عوائل العمال المعتقلين
ـ عصفورين بجحر واحد. إرباك المدير. توجيه الأنظار ناحية السرقة. أشغالهم عن مراقبة سير عملية الإضراب. توفير المال الضروري ل...
ـ حربنا هي حرب طبقية طاحنة. ولا بد من الاستعانة بجميع أنواع أسلحتنا. كاسترو كان يسرق من الإقطاعيين والرأسماليين من اجل توفير ال ..." ص198 و"،199 اعتقد إن ذروة التماهي مع الفكرة تكمن في استخدام أساليب ـ غير تقليدية، اساليب متطرفة ـ نسبيا ـ ، لتحقيق أهداف العمال ومطالبهم، فالخروج بهذه الفكرة كان يشير على تنامي الوعي الطبقي عند ـ الراوي والعمال ـ وعلى أن الراوي لم يكن بعيد عن هذه الأعمال النضالية، فالواقعية الاشتراكية كانت تبرز بشكل أوضح في أحداث الرواية وشخصياتها.
وإذا أخذنا ظروف العمال في المنطقة العربية في العقد السادس من القرن الماضي وظروفهم حاليا لوجدنا ضعف وبطئ التغيير الايجابي الذي حدث للعمال، فما زالوا يعيشون في ظروف قاسية وصعبة، ومع هذا لا نجد هناك تحركات عمالية كلتي حدثت في القرن الماضي، تطالب بحقوقهم، وهذا التراجع والتقهقر يشير إلى فقدان اليسار العربي للكثير من قدراته على الاتصال والتوحد مع الجماهير العمالية، فهل ماتت الاشتراكية؟، أم أن العمال حصلوا على كافة حقوقهم، ولم يعد هناك لهم مطالب!.
الاعتقال والتحقيق
حالة طبيعية أن يشعر الإنسان بالخوف والجزع من عملية الاعتقال، خاصة في دول لا تعرف من حقوق الإنسان أي شيء، وذلك ليس لان السجن يعني الحبس عن الأهل والأحباء والحرمان من الحرية وحسب بل لان المعتقل كان يتعرض الأشد أنواع التعذيب ـ الجسدي والنفسي ـ فهناك صورة لهذا الوضع في رواية "الضفاف":
" ـ أين أخفيت منشورات الحزب؟ ـ الحزب؟! ما كانت دهشتي كذبة ـ وتظاهرت بالغباء! 
ـ "ابد" .. أنا لا انتمي لأي .. ولم استطع الإتمام. كلمة حزب تكسرت داخل فمي جراء الصفعة المدوية التي سقطت على وجهي ـ حمار!.. كلب!!. فوضوي
وبرد فعل لا واع ارتفعت يدي. لم أضرب أحدا. فقط رفعت يدي، لكن الضربات.. 
ـ لماذا تضربوني؟ ما آلمني ضربهم لي. كنت أتوقع ذلك، لكن الذي مزقني أن زوجتي شاهدتم. لم استطع أن تتمالك نفسها، انهارت باكية وهي تصرخ: ـ شرطة! .. مجرمون! اقترب أحدهم منها ـ أيتها ال.. كدت أجن. هو يرفع يده." 61 و 62، لم يكن الاعتقال إلا مرحلة عذاب نفسي وجسدي يضاف إلى ما يعانيه المعتقل في وطنه، فنجد في هذا المشهد طريقة التعامل الوحشية مع المعارض، فمن خلال الضرب والنعت بأقذر الألفاظ والصفات " حمار، كلب، فوضوي، فلم تكن المعاملة سيئة في المعتقل وحسب بل أثناء عملية الاعتقال أيضا:
"لماذا تضربوني؟، لماذا تضربونه، اقترب احدهم منها أيتها ال..، كدت اجن وهو يرفع يده" إذن المعارض في الدول العربية كانت ومازالت تنصب عليه نار جهنم بمجرد أن يوضع على القائمة السوداء، وليس هو وحسب بل سيطال الأمر إلى عائلته التي تعتبر شريك له في تمرده على النظام، وهذا التحقيق لم يكن لمدة يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، ولكن يستمر لستة شهور كاملة:
"نتبادل النظرات. نفزع. نرثي لمن جاء دوره 
ـ نعم!
ـ إلى التحقيق والتحقيق يمتد، ويمتد. ستة أشهر قرص الشمس ما عاد يأبه لعينه يجيء رجل الأمن. خطواته معروفة لدينا. يقف قبالتنا يصرخ:
ـ كاظم عبيد! أتبادل النظرات معه فقط 
ـ نعم!
ـ إلى التحقيق
ـ اسمك؟
ـ كاظم عبيد
ـ علاقتك بالحزب؟
ـ والله لا علاقة لي!
ـ اسمك الحزبي؟
ـ لا اسم لي 
ـ من هو مسؤول خليتك؟
ـ لا احد
ـ رفاقك؟
ـ لا احد
ـ الأفضل لك أن تعترف 
ـ بماذا اعترف؟!
ـ أعترف فنطلق سراحك
ـ أنا لا املك أية معلومات فكيف ... و التحقيق يمتد، ويمتد، ستة أشهر" ص92 و39، لم يكن المعتقل ينتمي لأي حزب، ولكن بسبب قصيدة هجا فيها رأس النظام، تم اعتقاله والتحقيق معه، لمدة ستة أشهر متواصلة:
"ما كنت سياسيا، ولا رفيقا، وهي مجرد "قصيدة نزوة" هجوت بها
ـ رفضك يلصق التهمة بك. تهمة الانتماء لتنظيم حزبي محضور. وثبات هذه التهمة معناه.. ويبعد ملفي إلى حيث سلة في طرف المكتب، ويستطرد 
ـ ما لا يقل عن خمس سنوات سجن الظلام يخيم تماما خمس سنوات!.. ماذا فعلت كي أسجن خمس سنوات؟! ..هي مجرد " قصيدة نزوة" لن اكتب الشعر ..لن"ص95، لم تتوانى السلطة عن استخدام كافة الأساليب وأنواع التعذيب ، الترغيب والترهيب، لكي تنزع اعترافا:
ـ حتى لو كان غير حقيقيا ـ فهي تريد كسر شوكة الإنسان فقط، لا يهمها تحقيق العدالة وإيجاد الحقيقة، فقط كسر وتحطيم الإنسان لكي لا يعود قادرا على النهوض مرة أخرى أبدا، فبعد الاعتقال الذي استمر لستة أشهر ودون أن تثبت أي تهمة تؤكد انتماءه للحزب أو لتنظيم سياسي ، لا بد من دفع ضريبة دخول المعتقل، وكأنه هو الذي قام بهذا الجرم بحق السلطة، وليس السلطة هي التي قامت بالاعتداء عليه وعلى حقوقه وعلى عائلته، وها هي تطالب بإعلانه عن براءته من الحزب الذي لم يكن ينتمي له أصلا، فيتم تهديده بالسجن لمدة خمس سنوات إذا لم يعلن عن براءته:
"خمس سنوات! .. ماذا فعلت كي اسجن خمس سنوات؟! ..هي مجرد "قصيدة نزوة" لن اكتب الشعر ..لن، وزوجتي لا معيل لها سواي!!
ـ أعلن عن براءتك فنطلق..
لم يبقى من أثاث المنزل سوى المهم. وصوت المحقق بلهجته التي لا تخلو من تعاطف
ـ اسمع يا كاظم! .. هل أنت حزبي؟
ـ لا والله
ـ أنا شخصيا أصدقك، لكني بحاجة إلى دليل ملموس أقنع به المسؤولين على براءتك!
وقتها سألت نفسي:
ـ "هل سأكون في يوم من الأيام حزبيا؟" فوصلني الجواب سريعا وقاطعا: ـ "لا" 
ـ "إذن فما المانع في .." وصوت المحقق بلهجته التي.. 
ـ "ها" .. ما رأيك؟
ـ ..
ـ ما رأيك 
ـ أنا طوع أمرك" ص95 و96، بهذه الكيفية تم كسر إرادة كاظم عبيد، فهو لم يكن حزبيا، ولم يفكر أن يكون في المستقبل أيضا، ومن خلال ابتسامة صفراء يتم إعلان براءته من الحزب، الذي لم ينتمي له صلا، لكن المستقبل المزري يدفع به إلى التعامل مع هذا الحزب الذي تبرأ منه، لكن ما يستنتج من الكلام الذي قاله المحقق بان النظام يهتم كثيرا بعزل الناس عن الأحزاب والتنظيمات المعارضة، وخلق حالة من العداء بينهم. قد يبدو للوهلة الأولى بان الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد هذه البراءة ويعود المعتقل إلى ممارسة حياته الطبيعية السابقة، لكن الواقع مخالف تماما، ليس من السهل على الذي يتهم ـ مجرد اتهام ـ بالعمل السياسي أو معارضة النظام أن يتخلص من (اللعنة) التي حلت عليه، فبمجرد أن يوضع اسم في ملفات الجهات اللعينة، تحل لعنة النظام وأدواته على صاحب الاسم، ولن يستطيع التخلص من هذه الوشم، حتى لو قام بعملية جراحية، فليس هناك مجال للتوبة أبدا، والإيمان بعد الكفر لا يفيد ولن يفيد أبدا. فبعد الخروج من المعتقل وتحقيق براءة كاظم عبيد" يتم ملاحقته اقتصاديا، فهو مثل الثور"
الابرق، أينما ذهب يعرف بسيماه، وعليه مطاردة لقمة الخبز في عاصفة هوجاء:
"وعندما غادرت السجن اكتشفت:
ـ أنت مفصول من عملك
ـ لماذا؟
ـ التنظيم الحزبي المحظور
ـ لكن براءتي ثبتت!
بحثت عن عمل آخر، وآخر، في كل مرة..
ـ طلبك مرفوض
ـ لماذا؟! 
ـ التنظيم الحزبي ال.. 
ـ لكن براءتي ثبتت!"96 و97 ، عملية حرمان المتهم سياسيا من الحصول على لقمة الخبر بطريقة نظيفة وشريفة محظورة عند النظام الرسمي العربي، وليس هناك مجال لأي كان أن يحصل عليها، وعليه البحث عنها مدى الحياة، ولن يجدها، فهناك التعليمات من الجهات المختصة، كما أن مصالح رأس المال تتناقض مع تشغيل ( المعارضين) الذي يشكلون خطورة على فكر العمال والعاملين، من هنا يجب إبعادهم قدر الإمكان، وعدم الرأفة بهم أبدا، ولنستمع إلى الأحوال المعيشية التي مر بها "كاظم عبيد" المعتقل:
"ـ في الكويت مجالات عمل كثيرة تقدمت إلى المسؤولين بطلب:
ـ زودوني بجواز سفر! 
ـ أنت ممنوع عن السفر
ـ لماذا؟
ـ التنظيم ال.. 
ـ لكن براءتي.
وفي الكويت مجالات واسعة للعمل. السفر بلا جواز سفر. السفر سيرا على الأقدام. السفر بصحبة إيرانيين مجهولين"ص97، هنا تكمن مأساة المواطن، فهو بلا جواز سفر لا يستطيع التنقل إلى دويلات الطوائف، وعليه أن يجد مخرج يستطيع من خلاله إعالة عائلته، من هنا يأتي المخرج الأقل سوءا، الخروج إلى دولة الجوار تهريبا، فلا مجال للبقاء في ظل نظام لا يراعي ابسط الحقوق الإنسانية ـ حرية العمل ـ .
في رواية "الحبل" يفصل لنا الراوي حالة "كاظم عبيد" بعد خروجه من السجن، فيقول:
" لم لا تذهب إلى الكويت؟ يقال "العمل متوفر هناك"
وطرقت أبواب مديرية الجوازات والسفر. قالوا لك بعد شهرين من الركض المتواصل: 
ـ بعد أيام تصل الموافقة من بغداد. أخيرا وبعد شهرين
ـ أيضا
ـ وصلت أوراقي. كتبوا على الأوراق... "سياسي خطر .. ويمنع من السفر إلى الخارج"
إن كنت خطرا فأبعدوني وباعت زوجتي سريرنا. باعت دولاب الثياب، تجمع لدينا عشرة دنانير. دفعت ثمانية منها لرجل مجهول ـ سآخذك إلى الكويت من دون جواز سفر"ص56، هذه التفاصيل تبين لنا حجم القسوة التي يستخدمها النظام بحق المواطن، فرغم انه لم يكن حزبيا ولم ينتمي لأي تنظيم سياسي، كانت
قذارة النظام لا تتوانى عن ملاحقته ومطاردته، وكأنه مصاب الطاعون، ولا يمكن شفاءه، ومن هنا يجب التخلص منه، من خلال الحضر عليه ووضعه في ـ عزلة عن الآخرين ـ لكي لا يعدي أحدا. إنسان يبيع أثاث منزله لكي يأكل أو لكي يجد طريقا للبحث عن عمل، أليست صورة تثير الدهشة؟.
وهنا يدفع بناالراوي إلى التناقض مع هذه التصرفات ومن ثم مع هذه الأنظمة المستبدة، فليس هناك أي رحمة أو إنسانية تصدر عن هذه الآلات الصماء، ولا مجال تتعاون معها أبدا. عملية الضغط على ( المعتقل) لم تكن تقتصر على السجان والمحقق وحسب بل تعدتها إلى استخدام الأهل للضغط عليه أولا ثم عليهم ثانيا:
"ـ المسؤلون قالوا لي .. "نحن نحبك... أنت تخدم الحكومة منذ ثلاثين سنة.. لكن ابنك عنيد.. لو انه قدم براءة من الحزب الذي ينتمي إليه لأطلقنا سراحه فورا.. وردف بحزن:
ـ ابني يرفض ذلك قال لي :"أنا لا انتمي إلى أي حزب .." رواية "الحبل" ص21، إننا أمام حالة من عدم الإنسانية تستخدم من قبل النظام العربي ضد كل من يعتقل وأيضا ضد كل من له قرابة به، فالأمر لم يقتصر على المعتقل وحسب بل سيطال الأهل ـ الأب، الأمن الأخت، الأخ، الزوجة، الأبناء، هكذا يتم تعامل النظام العربي مع مواطنيه المنفى والتشرد لمن لا يقع في أيدي السلطة، فيكون طريدا أو شريدا داخل الوطن أو خارجه، الكثير من المعارضين تعرضوا لتشرد أو النفي أو الاعتقال، فهم في كافة الأحوال يجب أن يعانوا من هذه الأمور مجتمعة أو بعضها، ولا مجال أبدا لان يكون خارج هذه الأوضاع، فليس لهم الحق في العمل كما أنهم محرومين من السفر للخارج، وهنا يكونوا إما معتقلين أو مطاردين، وهذا الأمر تعرض له الكثير ممن عملوا في السياسية أو كانوا معارضين للنظام العربي الرسمي، وقد أعطانا الراوي في الرباعية عدة صور لهذا الأمر، ففي "السماء زرقاء" مجد:
"أنا قررت إنهاء كل شيء.. وتحطيم كل ما له صلة بي، على أن ابدأ بأرض جديدة"ص29، نجد هنا فكرة التخلص من للوطن وما فيه، وهذا الطرح بمثابة الطلاق وإنهاء لكل ما له صلة بهذا الوطن، فالكلمات واضحة "إنهاء كل شيء" وتحطيم كل ما يربط به، والبدا من جديد وبمكان جديد لا يكون عائقا أمام الاستمرار والاستقرار في الحياة، قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا السفر عادي ولا يحتاج إلى أي مجهود استثنائي، لكنه في حقيقة الأمر ليس سفرا عاديا، بل هو هروب وتهريب، ويمكن أن تكون تبعيته القتل أو الإصابة بأعيرة نارية تسبب الإعاقة الدائمة أو في حالة القبض عليه ـ من سلطة الوطن أم سلطة الدولة المجاورة ـ فهو معرض للاعتقال بتهمة تجاوز الحدود بطريقة غير شرعية ":
ـ سأعبر بكم شط العرب قبل الفجر بقليل. وسآخذ النقود مقدما، وأنزلكم وراء مصافي النفط في عبدان. بالأمس كان قد اتصل بأحد أصدقائه القدامى من سكان ناحية السيبة. أخبره بأنه قرر اجتياز الحدود العراقية إلى إيران"ص20، هذه الصور توضع ظروف وطبيعة هذا (السفر) فهو في حقيقة الأمر الأقدام على فعل خطير جدا وله عواقب مدمرة، لكن لا بد من القيام به، ففي النهاية طريق الوحيد للخلاص، هو يبقى أفضل بكثير من الموت البطيء الذي ينتظره، كما أن المحاولة تعني بأنه حصل على مبرر ـ نفسي ـ يريح به ضميره، فقد قام بكل ما يمكن القيام به، هذه الحالة كانت في رواية "السماء زرقاء" أما في رواية "الحبل" فكان الوضع:
"سآخذك إلى الكويت من دون جواز سفر" الصحراء. النعل المربوطة بخرقة قماش. الإيراني "هل لديك معارف تذهب إليهم "نقودك بالكاد تكفيك عشرون دينار. زجاجة عطر. خمس علب سجائر "أخزيتمونا .. "ابن الكلب العمل. الشرطة الكويتية. الشرطة العراقية"ص124، نجد اسباب ترك اسباب ترك الوطن واختيار المنفى، فالتضيق على الإنسان في لقمة عيشه ومن ثم وضعه في زاوية ضيقة ـ التعامل مع السلطة أو الجوع والتشرد أو الاعتقال ـ فالكثير من السياسيين فضلوا التشرد على التعامل مع السلطة. وما يلاحظ هنا أن كافة أبطال الروايات التي تحدثت عن القمع قد (خضعت أو اعترفت أو قررت التعاون مع السلطة) لكنها سرعان ما تعود إلى طبيعتها المتناقضة مع النظام، وهذا الأمر تم في "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف و "الوشم" لعبد الرحمن الربيعي و"رباعية" إسماعيل فهد إسماعيل" ورواية "الهؤلاء" لمجيد طوبيا و"صورة الروائي" لفؤاد حداد، كافة أبطال هذه الروايات (استسلموا) بطريقة أو بأخرى للنظام، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا، فسرعان ما يصحو البطل من سكرته ويعود اشد صلابة وأقوى عزيمة، ولكن لا بد من التنويه إلى أن فيصل الحوراني في رواية "المحاصرون" أعطانا صورة البطل الايجابي الكامل، الذي ينتصر على الجلاد ولا يقدم أدنى مساحة للمهادنة أو التراجع، وهذه الرواية تستحق أن نتوقف عندها.
الصمود
ضمن هذه الظرف لا بد للإنسان أن يصمد أو ينهار، وفي كلتا الحالتين هو كطاعون بالنسبة للنظام، وعلى النظام التخلص منه والحجز عليه، سنأخذ صورة الصمود التي ذكرها الراوي، فحالة المعتقل غير المتزوج ستمنحه فرصة صمود اكبر من المتزوج، لان الأول سيخفف عنه عملية الضغط النفسي والاقتصادي:
"الآخرون مشدودون إلى الخارج بزوجات وأطفال، أنا .. لا شيء. ذلك وحده يمدني بقوة يفتقرون هم إليها. استطاعتي الصمود إلى ما لا نهاية، ... ومن بعيد جاءنا العريف. وقف بمواجهتنا 
ـ محمود السلمان! 
ـ ماذا تريد! محمود السلمان معروف لدينا. إنسان صلب، قضى سنوات شبابه في خدمة القضية
ـ تعال معي! قالها عريف الشرطة بتشف حاقد. اقترب محمود السلمان منه. وقف أمامه 
ـ إلى أين تأخذني؟!
ـ إلى جهنم
ـ جهنم تأخذ رأسك. يجن جنون العريف، يرفع يده، يصفع محمود السلمان، محمود السلمان يركل العريف في بطنه 
ـ قتلتني!! قتلتني!! العريف على الأرض يتلوى، ورجال الشرطة يتوافدون راكضين" رواية "الضفاف" ص106 و107، من هنا يتبين لنا عوامل الصمود الموضوعية للأفراد غير المتزوجين، بالإضافة إلى عوامل متعلقة بطبيعة شخصية المعتقل، فالضغط العائلي تجعله اضعف في المواجهة، وأكثر حذر في الأقدام على أي خطوة يمكن أن توتر الأمور أكثر وتزيدها صعوبة، أما في حالة العزوبية فيكون الأمر غير ذلك، فلا يوجد زوجة ولا أطفال يثقلون الكاهل.
من خلال هذا المشهد يتبين لنا حجم الحقد والغضب الذي يثقل صدور المواطنين المعتقلين، فالنظام الرسمي العربي لم تترك مجالا للمسامحة أو العفو، فهي كتلة من البطش والجهل مركبتان على بعضهما ومتداخلتان، بحيث لا يكون أمام المعتقل إلا أن يصمد ويثبت ذاته، يبين لنا الراوي الشجاعة والبسالة التي يتحلى بها المعتقلون السياسيون.
العلاقة الزوجية لها أثر نفسي على من تعرضوا للاعتقال والمطاردة، فهم يعيشون ضمن المجتمع ويشكلون جزءا حيويا منه، وقد تناول الراوي هذه العلاقة بإسهاب وتفصيل:
"قبل اعوام فقد قدرته على احتمال زوجته، راودته فكرة شيطانية سارع إلى تنفيذها. "ليذهبوا إلى الجحيم! "هرب إلى بغداد سرا، ضاربا بكل شيء عرض الحائط. زوجنه كانت حاملا أيضا. هو قرر التسلل إلى الأردن بطريقة ما....
ـ ما هذه السخافات التي سمعت عنها..!.. عليك أن تعود إلى البصرة حالا، ومحاولة إيجاد حل لمشكلتك.. من اجل أطفالك على الأقل.. أأنت مجنون" "السماء زرقاء" ص72و73، "
ـ من بغداد كانت زوجتي نزيلة المستشفى
ـ هل شرعت بالانتحار مرة أخرى؟
ـ لا.. بل شرعت بإسقاط الطفل من بطنها أكثر من مرة. هي مرضت. وهو رفض السقوط
ـ ليتها ماتت!
ـ أن أربيه ما دام أبوه قد هجرني كانت قد تعللت. وأتم:
ـ بعد أشهر ولدت الطفل. ولدته مشوها، ومن حسن الحظ انه مات في يومه السابع"، رواية "السماء زرقاء" ص74، يتبين لنا هشاشة العلاقة الزوجية بين الطريد وزوجته، فهو لا يلقي بالا لها، ضغط الحياة وهمومها يجعلانه بهذا الشاكل، يفكر بنفسه فقط، تاركا كل ما يربطه وراء ظهره، والزوجة لا تقل عن هذا المستوى من عدم المسؤولية تجاه زوجها وطفلها، فها هي تفعل كل شيء لتنزيل جنينها قبل أن يكتمل، الظروف جعلتها قاسية وحتى قاتلة، فلم تراعي مسألة الأمومة بتاتا، وها هي تفرح لموت طفلها الذي ولد.
مما سبق يتبين لنا حجم المأساة التي يقع فيها المعارض، فهو في جحيم النظام الرسمي، وكأن الراوي يريدنا أن نفكر بهذا المشهد الذي يفتقر الأدنى المشاعر الإنسانية، فالإنسان فقد معنى الحياة الاجتماعية، الساعة قد أزفت، ف"تذهل كل مرضعتا عما أرضعت تضع كل ذات حملا حملها"، إذن القيامة قامت في المنطقة العربي، ولم يعد هناك استهجان لأي فعل. أن يترك الرجل زوجنه وان تسقط المرأة طفلها، وان تفرح لموته، هذا لا يحدث إلا في "ظل من يحموم"، في الجحيم.
نعتقد أن الراوي أوصلنا فعلا إلى الجحيم بكل ما فيه، فلا مجال للبقاء أو الاستمرار بهذا الحال ، فحجم الضغوطات النفسية التي يتعرض لها السياسي في ظروف المطاردة والتشرد لا بد أن تدفع به ـ أحيانا ـ لمثل هذه الأفعال، التخلي عن الزوجة، ليس لأنها غير مناسبة، لكن لأنه لم يعد يستطيع أن يقوم بدور رب الأسرة فعليا، فالعجز بالإضافة إلى الضغط والقهر وفكرته عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان تجتمع معا فيتشكل لديه حالة مركبة ومتداخلة من عدم الاستقرار وانعدام المنطق، فالسياسي المعارض هو فعلا طاعون يجب التخلص منه ومن كل يقترب منه.
منها نجد الزوجة التي من المفترض أن تحمل حنان وعطافة الأم، ها هي تفرح لموت طفلها وتقول كلمة لا تنم عن مشاعرالأمومة حتى بأدنى أشكالها، فالحيوان يعمل بكل قوته للدفاع عن صغارة وحمايتهم، ولا يوجد كائن يقدم على قتل صغاره، لكن السياسي/المعارض في المنطقة العربية يقدم على ذلك بضمير مرتاح ونفس هادئة!.
المرأة
لقد أعطا الراوي مساحة جيدة للمرأة لكي تعبر عما يجول في نفسها من مشاعر وأحاسيس، فوجودها في الأدب الاشتراكي حيوي ومهم، ومن دونه يفقد هذا الأدب احد أهم منطلقاته وأهدافه:
"ـ هل تكرهني؟
كيف لا وهي القيد الذي يهد عنقه.. كيف لا وحبها يسعى إلى استعباده.. الم يكفها حرمانه من اقتناء الكتب ومطالعتها!!
ـ أنت لم تحبني؟!
حقا!.. سامحيه.
ـ ألا زلت تحبني؟
ـ أنا أراك بوجهين! ليته يراك بأكثر من وجه. مل هذا الوجه الناعم والعينين الصغيرتين. بقولون عنها. جميلة هو لا يدرك في أي جزء يكمن جمالها. لعله في لسانها الذي لا يكف ثانية عن العمل. حتى في النوم كانت لا تني تمارس نشاطها بكلمات لا يفهمها.
ـ قبل أيام قال لي ابن خالي.. جمالك من نوع خاص آخذ بالازدياد رغم الولادة والرضاعة
ـ تضنك لا تزال تكره ابن خالي؟
كيف لا وهو الذي يبعث فيها الغرور مرة في الأسبوع على الأقل
ـ هل تسمح لي بإغلاق الباب!
وسيلة ناجعة للمصالحة. عادت وجلست إلى جانبه. نظرة خاصة التمعت في عينيها، وشابت صوتها بحة معينة
ـ الثياب الداخلية التي جئتني بها أخيرا ضيقة جدا. تحز خاصرتي .. انظر! وكشفت ـ بحركة لا تخلو من غنج ـ عن نصفها الأسفل"رواية "السماء زرقاء" ص59 و60، نجد قدرة المرأة على استخدام طرق وأساليب للحفاظ على علاقتها بالرجل، ففي كلامها الناعم الهادئ عناصر الجذب والاستقطاب، وقد أوجدت منافس ـ شبه وهمي ـ ليندفع الزوج نحوها أكثر، فحديثها عن ابن خالها يمثل عنصر منشط للمساعدة في عودة العلاقة إلى طبيعتها، ولم تكن المرأة العربية مجرد زوجة تنجب الأطفال وحسب بل أيضا مشاركة وفاعلة في العمل السياسي، وها هي "فاطمة" تقوم بدور يحوي في عملية التحضير للإضراب، رغم أنها تحمل مشاعر جياشة تجاه زوجها البعيد عنها، فتبقى محافظة جسدها ونفسها، على الرغم من حرمانها من الزوج/الرجل لأكثر من أربع سنوات:
" رجل ينام في بيتي، وأنا امرأة 
كاظم عبيد ينام في بيتي وأنا امرأة لي إحساساتي. رغباتي.جسدي
ـ أنت إنسانة رائعة جديرة بزوج.. 
ـ إنسانة رائعة جديرة بزوج
ـ .. رائعة جديرة بزوج
ـ .. جديرة بزوج..
ـ زوج.. زوج.. زوج..
ألا تفهم؟! .. ألا تشعر؟! .. ألا تدري؟!
واليوم. فجر اليوم. وأنا خلف الباب بانتظار كاظم عبيد. توقعته يخرج ليسرق بيت مدير المصنع، وبالفعل خرج، فسارعت لإغلاق الباب، وطفقت أنتظره، وفي صدري عاصفة حقد، وعندما عاد:
ـ هل وفقت؟! فيندهش:
ـ لا افهم!!
ـ هل وفقت في مشروعك؟! دهشته تتضاعف:
ـ لا افهم!! وأنا الغبية التي لم تفهم، وأصر على أن أصنفه مثلك. وأكاد اصفق الباب في وجهه: 
ـ سرقة بيت المدير؟! كنت عند زوجتي. أحسست بالخجل وبتفاهتك. شوقه لزوجنه دفعه لارتكاب مغامرة محفوفة بالمخاطر وأنت: 
ـ الزواج مسؤولية والتزام، وأنا ما خلقت لكيلا أعيش مقيدا... وفجأة تغيب.. تختفي. تتلاشى. تنعدم لو انك كنت لعرفت كيف أنساك. أبع سنوات يا ظالم!.. وأمل عودتك يظل يشدني من قلبي، وقلبي فجر اليوم انتفض. 
ـ كنت عند زوجتي أنا .هو الليل. وتفرعت في داخلي إلى الرجل. أي رجل. ليس مهما أن تكون أنت. ولو انه قرأ عيني..
لكنه أكثر نظافة منك، كما هي حال زوجة احمد عبد الله" "الضفاف" ص243 و244، في المشهد السابق نجد الصراع داخل المرأة المخلصة لزوجها، المرأة التي تبحث عن تفريغ غريزتها، فهي تبدي ما في نفسها من مشاعر وأحاسيس انثوية تجاه الرجل، فهي كائن بشري يشعر ويحس ويحمل الغريزة والدوافع الجنسية والعاطفية تجاه نظيرها الآخر.
وهذا يحسب للراوي الذي نحج في تقمص دور المرأة وجعلنا ننسى بان الراوي هو رجل وليس امرأة، فالمشاعر التي تحدثت بها لم يكن لنجح وتقنعنا بها دون أن يكون الراوي قد تخلى عن ذكورته تماما متقمصا حالة المرأة، فوصل إلى هذه المقدرة الفائقة على تفهم مشاعرها ومعرفة طبيعتها. كما أنه لم يقتصر فكرته عن المرأة والمشاعر والأحاسيس التي تحملها، بل تعدى ذلك إلى إعطائها دور حيوي في الأحداث، يوازي دور الرجل أن لم يتفوق عليه، فقد منح "فاطمة" مساحة جيدة لتعبر عن ذاتها:
"رجل ينام في بيتي، وأنا امرأة" من خلال هذه الكلمات يتبين لنا مشاعر المرأة/الأنثى تجاه الرجل، فهي ذات قدرة هائلة على التحمل والجلد، رغم الحرمان من الزوج لمدة تزيد على الربع سنوات تبقى محافظة على جسدها وعلى نفسها وعلى زوجها، فهي تحترم "كاظم عبيد" لأنه ذهب لزيارة زوجته قبل أن يقدم على عمل السرقة التي يمكن ينكشف فيها أمره، ولن يتمكن من وداعها، فالمرأة السياسية متحررة من فكرة المجتمع عنها، ويمكن أن تقوم بأعمال ي ذات شبهة أخلاقية، تمس سمعتها، خاصة في في مجتمع ذكوري أبوي لا يرحم، ومع هذا كانت صلبة وتجلد نفسها لإلا تنزلاق وراء غريزتها وانفعالها، وما المشاعر التي أبدتها إلا حوافز ودوافع للزوج لكي يعود إليها ليس أكثر..
المجتمع ألذكوري
لم يكن لأي راو أن يتجاهل طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، فالمجتمع العربي ذكوري بامتياز، والرجل فيه صاحب القول الفصل خاصة بالأمور التي تتعلق بالزوجة أو المرأة، فهم "قوامون على النساء":
"لا يستطيع نسيان شروعها بالانتحار. كانت حاملا ذلك الوقت "هه!... زوجة" 
تحدثه بقتل نفسها، فيضحك منها. جاءت بزجاجة كبيرة مليئة بالنفط قبالته.
ـ "سأشرب ! 
عاد يضحك، فأصرت: 
ـ "والله اشرب!" ضحك بصوت عال، وكان أن أتت على أكثر من نصف الزجاجة، لم يمنعها، بل على العكس داخله إحساس بالراحة بادئ الأمر. ولكن
ـ لن أظل معك .. طلقني! 
ـ لن اسكن معك نحت سقف واحد!.. كنت تضحك مني أثناء شربي!
ـ طلقني!
تملكه الغضب. انهال عليها بصفعة قوية
ـ مجرم
صفعها ثانية، وثالثة" "السماء زرقاء ص57 و58، المشهد السابق يظهر كيف أن الرجال هم السادة والنساء هن الجواري، فها هو يقوم بمعاملتها بإهمال ولا يبدي أدنى اهتمام بزوجته، وكأنه يستمع لتمثيلية إذاعية لا تخصه، ولا يكتفي بذلك بل ويزيد في احتقارها وأهانتها من خلال الصفعات التي وجهها، فالرجال في المجتمع العربي "كالحجارة وشدة قسوة" ولم يكتفي المجتمع العربي بهذه الممارسة تجاه المرأة بل انه أعطاها صورة مشوهة ومتخلفة تعكس طبيعة التفكير المتخلف:
"ماذا تضن بنفسها؟! ... وكيف عرفت بان مشروعي لن يضيف ؟! مسكينة!.. امرأة .. مجرد امرأة مهجورة تجد في العمل السياسي متنفسا لكبتها الجنسي" "الضفاف" ص257، هنا تكمن الكارثة، عندما ينحرف التفكير إلى هذا المنعطف، ولا يعود قادرا على معرفة الخطأ من الصواب، ويخرج من خلال مشاعر شخصية إنفعالية، ويحكم الخناق على رجل منفعل والتخلف والجهل، فمثل هذه الكلمات والأقول سمعناها عن الشهيدات "دلال المغربي وسناء محيدلي وابتسام خرب" وحتى طال الشهداء الذين تم تشويهم من خلال القول: "خلافه مع والده دفعه لهذه العملة، كان سكير حشاش لا يعرف ماذا يعمل، فاختار طريقة للانتحار ليقال عنه شهيد" مجتمع قاسي متعجرف لا يحترم شهداءه ولا أبطاله، فبصرف النظر عن منطلقات أي عمل بطولي من المفترض أن تحترم هذا العمل ومن قام به، أن اختلفنا أم اتفقنا معه، لكن في ظل مجتمع أهمل أهم أداة عنده ـ العقل ـ لا نستغرب مثل هذا القوال وهذه الطريقة البائسة في التفكير.
الخمر
الخمر احد أهم أشكال التمرد ورفض الواقع عند الكثير من المثقفين والذين عملوا في السياسة، فالخمر المحرمة دينيا واجتماعيا، تعاطيها يمثل المس بقيم المجتمع ومفاهيمه، وبما أن السياسي والمثقف هم على خلاف وتناقض مع حالة المجتمع والنظام السائد فكان لا بد من تجاوز هذه المفاهيم واختراقها وبقوة، أعطانا الراوي في رباعيته مشاهد عديدة وكثيرة حول تعاطي الخمر، حتى أنها تعد أحد أهم الأعمال التي يقوم أبطال الرواية، وها هو "كريم البصري" يتحدث عن الخمر وكأنها الصديق الحميم له:
" ـ الله بالخير
ـ ربع عرق مسيح إذا سمحت! 
ـ حاضر الصديق وقت الضيق، والعرق خير صديق، وهذا الرأس الحقير يجب أن يظل مخدرا إلى الأبد 
ـ أين العرق؟!" "الضفاف" ص130 الخمر هنا تمثل وسيلة للهروب من الواقع ونسيان الهموم التي تثقل كاهل السياسي، وقد قال "كريم البصري" بكل وضوح ":
"نص عرق" والساعة لم تجاوز الرابعة والنصف، ولم لا .. ما دام الصحو عذابي؟!
أليس الأفضل لهذا الرأس أن يظل مخدرا؟!" "الضفاف" ص125، الهدف من وراء شرب الخمر تخدير العقل ونسيان الهموم، فالضغط النفسي واليأس وكثرة التفكير تدفع صاحبها إلى إيجاد مخرج ما هذه الأوضاع، من هنا يأتي/ يكون شرب الخمر، ورغم أن هذا التخدير والمخرج مؤقت وليس دائم إلا انه ضروري ولا بد منه بهكذا أحوال.
وهناك صورة أخرى تتحدث عن شرب الخمر وكأنه أمر عادي جدا ولا يثير أي حساسية اجتماعية:
" ... وجرعة العرق التي أصبحت عملا روتينيا صغيرا من بين الأعمال التي تنهد للشروع بالسرقة" "الحبل" ص10، "كاظم عبيد" يتحدث وكأنه يتحدث عن شرب الماء أو العصر، الذي يمنح الجسد حيوية ونشاط، فالخمر هنا ليست مخدرا بل منشط ولها مفعولها الحيوي قبل الأقدام على فعل يحتاج إلى تركيز وذهن صافي وجرأة، فالخمر تشكل مادة ذات تأثير متباين تخضع لطبيعة الشخص النفسية.
كما أن تمثل الفاكهة التي يتناولها المثقفون والسياسيون:
"كل المثقفين يشربونه. ولا يحلو الحديث في السياسة إلا على مائدته.جربته مرة ومرة. ثم اتخذت منه وسيلة مساعدة" رواية "الحبل"ص111، من هنا يتبين لنا أن الخمر احد وسائل وأشكال الرفض لهذا المجتمع وللسلطة والقوانين وللمفاهيم فيه.
الدين
طبيعة الأدب الاشتراكي تتناقض مع الفكر الديني، ويعتبر فالفكر الديني من الأدوات التي يستخدمها النظام والمجتمع كحالة للقمع وترويض الأفراد فيه، تناول الراوي المسألة الدينية بشكل حوار يدور بين السياسي المطارد وضابط الحدود، فالضابط الذي يدعي الإيمان مجرد شخص مدعي لهذا الفكر الديني، وتشكل ممارسته للعبادة كقناع فارغ لا يحمل أي مضمون أخلاقي أو فكري، فهو يتقلب بفكره وسلوكه بسرعة مذهلة، وهو على استعداد للتخلي عن المعتقد الديني لمجرد أن يتعرض لأبسط أنواع التهديد، وها هو الضابط الذي كان يتجبر ويفاخر بإيمانه يسقط سقطة مدوية أمام أول امتحان:
" ـ سأصرخ لو اقتربت!! 
ـ حقا! 
وانحنى على جسد الضابط، مستطردا:
ـ لماذا تصرخ؟
.. ستموت أولا وأخيرا.
رقت لهجة الضابط:
ـ يمكنك أن تذهب.. لا تدع وجودي يقيدك.
ـ أمس طلبت مني أن أضع نهايتك بيدي، وأرجأت أنا العمل إلى اليوم امسك بالرقبة الضخمة. الأصابع الواهنة تتشبث بيديه
ـ أتوسل إليك لا تقتلني 
ـ قل ..لا ترحني
ـ لا ترحني!! 
ـ لماذا لا؟ 
ـ من اجل أطفالي!! 
ـ أطفالك!... أنت بعت الآخرين بمعية أطفالهم!
ـ أليس من اجل الأطفال... من اجل زوجتي! شاعت ابتسامة في وجه الجالس، وضيق قليلا من قبضة أصابعه
ـ طلقها
ـ سأطلقها شد من أصابعه 
ـ طلقها ... بالثلاث.. طلقتها .. أرفع يديك عن رقبتي أرخى من أصابعه قليلا
ـ إلا تؤمن بالآخرة؟
ـ بلى .. بلى والله أؤمن!
ـ كيف تطلق زوجتك إذن؟!.. ستبقى هناك بلا زوجة!
ـ من أجلك أتنازل عنها! 
ـ من اجلي أنا .. أو من أجل دقائق تعيشها؟
ـ سمها ما شئت
ـ بدأت تستعير كلماتي!
ـ أنا آسف! ـ آسف .. آسف ...هه وشد منى أصابعه
ـ أليست الآخرة هي الحياة الخالدة؟
ـ بلى والله.. لكنك تقتلني!
ـ سأعجل بذهابك إليها!
ـ لا أريد أن اذهب .. لا أريد
ـ غريب !!..لماذا؟
ـ لا ادري .. لا ادري! 
ـ أتؤمن باني قادر على زهق روحك؟
ـ نعم .. فقط دعني الآن!! خفف ضغط الأصابع، ثم تحررت الرقبة تماما
ـ هذا ما قصدت إليه! ... ـ ماذا قصدت؟ 
ـ أن اثبت لك عدم أيمامك 
ـ إيماني !! فأجاب الآخر بتسليم:
ـ أنت لست مؤمنا!... كنت لا تتورع عن بيع إلهك لقاء دقائق معدودة نعيشها معذبا! عقد الضابط حاجبيه:
ـ حقير! .. كنت نجري تجربة! .. ساومتني على إيماني!
ـ وأنت بعته لي
ـ في الضرورات تباح المحرمات
ـ عذر مقبول بالنسبة لرجل مشرف على الموت!
ـ الله غفور رحيم ـ أتقنعني؟ .. أم تقنع نفسك؟!
ـ ذاك ما ورد بالنص
ـ والنصوص الأخرى؟!.."اثنان لا تقربهما الشرك بالله ولأضرار بالناس" ـ هو غفور رحيم!
ـ لكنهم ما فعلوا مثلك! 
ـ من هم؟ 
ـ المسلمون عامة، والأوائل خاصة. كانت قريش تعذبهم حتى الموت، بينما هم أصحاء يطمعون بحياة خمسين أو أكثر، كانت ألسنتهم ـ رغم العذاب ـ لا تكف عن ذكر الله. هم ما باعوا ربهم بحياة خمسين سنة، وأنت بعته بساعات ـ أأنت الذي يدافع ؟! 
ـ أنا لا أنافق
ـ قبل قليل ألقيت برأسي وتملك غضب مجنون بمجرد كلمة قلتها؟ ضيق الضابط من فتحة جفنيه محاولا التذكر، ثم قال:
ـ أظنني قلت.. الإنسان الملحد مجرم بالفطرة.. 
ـ لم اغضب من هذه. بل تذكرت الكلمة الأخيرة!
ـ ها ... الإنسان الملحد يفتقر إلى راحة الضمير والثقة بالنفس
ـ هذا أمر مفروغ منه بالنسبة لمن مثلك. ليست هذه .. تذكر الأخيرة!
ـ أضنها .. الذي لا يؤدي الفرائض الخمس ليس بمسلم 
ـ ذاك ما قلت أنت بالحرف ابتسم الضابط، وقال:
ـ أهذا ما أغضبك؟! 
ـ ليس تماما..لكن لهجتك كانت تبايعني إنسانيتي 
ـ كيف؟!
ـ كانت تشير إلى جميع الطيبين وتحمل شعار جميع الحاقدين، كنت سأثبت لك كونك ملحدا بانت الدهشة والانزعاج على وجه الضابط
ـ كيف كنت تصلي؟ 
ـ منذ أكثر من عشرين سنة. ما عدا الأيام التي تلت الانقلاب الأخير
ـ قل الثورة الأخيرة 
ـ حسنا .. الثورة الأخيرة
ـ وهل كنت تصوم؟
ـ منذ أكثر من عشرين سنة أيضا عدا النصف الثاني من رمضان هذا العام ـ لماذا انتقصت الشهر؟
ـ مشاغلي كثيرة
ـ وشغلتك عن ربك؟!
ـ ليس تماما ... أطعمت الكثير من المساكين لقاء إفطاري 
ـ هل هي عملية مقايضة؟! أطعمت المساكين ومعدتك البرجوازية بمعيتهم.. أليس كذلك؟" " السماء زرقاء" ص121 – 125، رغم أن هذا الضابط لا يمثل رجل دين إلا أن الراوي أراد نا من خلال هذا الحوار أن نتأكد بأن العديد من الذين يدعون الإسلام والإيمان ليس لهم أي علاقة إيمانية به، وما قولهم وعبادتهم إلا أفعال وأقوال فارغة من المضمون الحقيقي لمفهوم الإيمان، وهذا الشكل الفارغ سرعان ما يزول عند أول قطرة ماء، فبينما كان الملحد السياسي صلبا ومقنعا في كلامه، كان على النقيض منه رجل الدولة، الضابط الذي يمثلها، فهو لم يتوانى عن التنازل عن زوجته ودينه لمجرد أن تم تهديده، فأي إيمان هذا؟. ونجد مفهوم الصلاة والصيام التي تمثل أركان أساسية في الدين الإسلامي لا يأديها انصياعا وتجاوبا مع نهج النظام الجديد، الذي لا يحبذ الفكر الديني.
من خلال الحوار السابق يتضح لنا النظرة السلبية للدين، ولو أعدنا كتابة الرواية من منظور الاشتراكية المنفتحة عصريا لكان من الأفضل أن يعطى الدين الصورة الإيجابية وان يتم الاستشهاد برجال يمثلون الجوانب الإيجابية فيه كما كان عز الدين القسام والكواكبي.
هناك مواقف أخرى تم ذكرها في الرواية حول المسألة الدينية، فقد اظهر لنا الراوي موقف الرفض المطلق لدين:
" ـ أنت بحاجة للتنفس عما يعتمل فيداخلك! 
ـ حسنا .. من أجلي تكلم.. بالله عليك!! عدنا إلى السلطة الدينية!" "السماء زرقاء" ص78،فهنا كان التطرق لأبسط الأمور الدينية، كلمة "بالله عليك" تثير الحفيظة، وهذا ينم على درجة المعارضة لكل ما هو ديني في ذاك الزمن. لكن هذا الموقف السلبي من الدين والفكر الديني تم تجاوزه في رواية "الضفاف" حيث تم ذكر كلمات ذات مدلول ديني وكأن قائلها مؤمن بها:
"أحس بأني على شفا حفرة من الجنون!.. لأسكر ولامت بعد ذلك .. والى جهنم وبئس المصير" رواية الضفاف ص124، من هنا جاءت صورة الإنسان المسلم العادي الذي يأخذ من الإسلام ما يكفيه على لسان "الزاير" السجان السابق الذي انقلب على أسياده:
"أنا بالرغم من كل شيء رجل... أصلي وأصوم... وابني استشهد في سبيل الوطن... "ولا تجسسوا ولا يغتب .." "الضفاف" ص169، فهنا أعطانا الراوي صورة المؤمن الذي يحافظ على العبادة، فهو مخلص لدينه ولفكره، لكن الرجل في الموقف السابق من المعارضين للنظام وليس من أتباعه كما هو الحال مع ضابط الحدود، وكأن الراوي أرد أن يعطي صورة إيجابية لكل من يعمل/يتنجه/ينحاز للمعارضة حتى لو كان يحمل فكرا دينيا، وحتى لو كان قد عمل بوظيفة سجان.
المكان
الراوي لم يهمل المكان أبدا، على النقيض من تعامله مع أسماء الشخصيات في الرباعية، حيث تجاهل أسماء الأبطال تماما، حتى أنهم كانوا مجهولين الاسم، لكن المكان كان حاضرا، فهناك بغداد والبصرة والكويت والأردن وإيران:
"هرب إلى بغداد" "السماء زرقاء"ص72، فالمكان هنا لا يشكل استقرارا مستديما، وإنما مؤقتا، هو يتماثل مع حالة التشرد والنفي التي يعاني منها الأبطال، فرغم أن الجغرافيا تعني الثبات والاستقرار إلا أن الراوي جعلها أيضا تتماثل لحالة شخصيات الرواية، والراوي لم يكتفي بهذا بل جعلها تشكل حالة ضغط وعامل منفر للشخصيات ومساعدة للنظام في عملية القهر التي يتعرضون لها:
"طرقات البصرة شبه مقفرة" "الضفاف" ص36 هذا المشهد يؤكد حالة الضغط الذي يسببه المكان على شخصيات الرواية.
وقد أعطانا الراوي التأثير الذي يتركه المكان في نفسية الشخصيات الروائية، ففي حالة التواجد في المكان يكون ثقيل الظل، ويسبب الهم والكآبة لابطال الرواية، وعندما يتم الابتعاد عنه يكون اقرب إلى القلب، ومن هنا يمكننا الاستنتاج أن المكان في زمن القهر يشكل عبئا أضافيا على الشخصيات، وعندما يتم الابتعاد عنه يكون كالحلم/كالوقود الذي يعطيهم الحافز على تقديم المزيد من العطاء والتضحية: "... البصرة ... علام لا أحبها إلا إذا فارقتها؟!" "الحبل" ص31، وهنا تكمن المأساة العربية، الاغتراب داخل الوطن والتشرد فيه، والاستقرار والراحة والسكينة خارجه! هكذا هو الحال في الوطن العربي.
الكتاب
لقد كان الكتاب وما زال وسيلة التثقيف والتعليم لكل �

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 147 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,637