دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

حالة الكتابة في
"تغريبة خالد أبو خالد"
بداية نشكر وزارة الثقافة الفلسطينية على تعريفنا بكتاب فلسطينيين لم كن لنا أن نصل إلى انتاجهم دونها، فمشروع كتاب في جريدة عرفنا على عدد من الكتاب لم نكن نعرف عنهم إلا القليل، منهم "خالد أبو خالد" قرأت الديوان للوهلة الأولى فبدى لي أن هناك هم غير عادي عند الشاعر، رغم كبر عمره، وتساءلت: "أليس من المفترض أن نكون أقل انفعالا عندما (نشيخ)، خاصة بعد أن تكون حياتنا بمجملها محطات من الألم والهزائم والتقهقر؟، هذا السؤال هو المفتاح الذي سندخل من خلاله إلى الديوان، فنحن أمام رجل/شاعر محروم من وطنه مكرها، هو ابن شهيد، وعاش هزيمة 48 و67 وحرب أيلول وحرب الأهلية في لبنان والاجتياح واحتلال بيروت، وعاش أوسلو، وشاهد احتلال العراق، كل هذا المحطات لم تكن لتكسر شوكة الشاعر "خالد أبو خالد"، فنحن أمام شاعر وليس رجل عادي، لهذا نجده روحه ما زالت متقدة وحامية، تقدمنا نحن (العاديين) إلى الأمام والاستمرار في التشبث بالأمل، التقدم من فلسطين.
وإذا ما عرفنا أنه ابن "سلية الظهر" قضاء جنين نعرف لماذا جعل فاتحة الديوان قصيدة "معلقة على جدار مخيم جنين" فهناك محبة خاصة لهذا المكان، ورغم أن العنوان جاء بصورة مباشرة إلا أن الشاعر يزيل المباشرة في القصيدة من خلال:
"مثلما انفجرت مرارات الأيائل
وحدي .. وأنت على ذراعي .. في الأبد
كل البلاد لنا .. وليس لنا سند
صوتي المعلق في الظمأ..
صوت الصبية والولد..
أحد .. أحد
أحد .. أحد
أحد .. أحد" ص7، حضور الطبيعة الفلسطينية من خلال "الأيائل" جاءت لتعطي الشاعر طاقة اضافية ليتقدم في قصيدته، ورغم أن هذه الطبيعة جاءت بصورة ألألم والتي تشير إلى ما يحمله الشاعر في داخله من قتامة، ومع هذا هو يستمر في التقدم من فلسطين "كل البلاد لنا" من هنا تكمن عظمة "خالد أبو خالد" حياة طويلة من البؤس والألم، والواقع لا يقل ألما عن الماضي، ونجده بهذه الروح المتمردة.
والجميل في المقطع السابق أن الشاعر استحضر "بلال بن رباح" عندما كان يعذب ويواجه جلاده بكلمة "أحد .. أحد" واعتقد أن تكرارها ثلاث مرات أراد به الشاعر أن يستلهم من تلك الحالة طاقة وارادة تجعله قادر اكمال الدرب حتى يظهر الحق ويزهف الباطل.
إذن أخذ الشاعر قسط كافا من الارادة، وهذا ما انعكس على هذا المقطع:
"هذا أوان الجرح المفخخ في الجسد..
حلم المحارب
للأميرة هودج من ياسمين مسائها الآتي إلي على
يدين نحيلتين .. كروح عاشقة
ترف على القصيدة
في القصيدة صورة لطفلين يتيمين
بلا هدايا" ص7، تستوقفنا كلمات: "حلم، الأمير، الهودج، ياسمين، كروح، عاشقة، ترف، القصيدة، صورة، لطفلين، هدايا" مثل هذا الألفاظ تشير إلى خروج الشاعر من حالة السواد القاتم، فهو يستحضر الأميرة/المرأة والقصيدة كعناصر تخفف عنه من وطأة الواقع، وكأن الطاقة التي أخذها من "أحد ..أحد" ظهرت ثمارها، فها هو "خالد أبو خالد" يستمتع بها، ولكن الألم لم ينتهي كليا، فما حصل عليه من خلال الأميرة/المرأة والقصيدة لم يكن ليحرره تماما من ماضيه ومن واقعه البائس، فهو يريد أن يدخل ويدخلنا إلى الواقع ـ وهنا نتذكر أن الحدث هو حصار مخيم جنين ـ يدخلنا من خلال الأميرة/المرأة لكي لا ينزلق إلى الحالة المباشرة ويؤثر عليه الانفال ومن ثمة ينعكس على القصيدة، التي بها سيتحرر ويُحررنا ويتقدم ويُقدمنا إلى الأمام:
" ـ لو تناديني ...أجيبك..
ـ صوتها يأتي إلي .. ولا تجيء..
دمي يضيء.. 
ـ إني أحبك ..أين أنت..
ـ أنا هنا
يقفون بين حقيقتي .. ودروعهم ..
وهنا أنا..
بين القذائف .. والرصاص
أهب أحزانا ... وأفتقد النعاس..
أني رحيلك في الرسائل..
مثلما انفجرت على الشفق المنازل
مثلما انفجرت السؤال على الحواجز
ـ خذ يا حبيبي برتقالا..
وشكلها حديدا ..
خذ ما تبقى من خيام الروح في قلبي معك.." ص7، من خلال هذا المقطع يمكننا التأكد أن الشاعر استحضر "الأميرة/ المرأة لتخفف عنه من جهة، ولكي تعطيه طاقة وارادة يتقوى بها في المعركة، هذا على صعيد الشاعر، أما على صعيد كتابة القصيدة، فقد أراد بها أن يحررها من المباشرة، بحيث جعل الأميرة /المرأة هي من تتحدث عن الحرب والمواجه ومواصلة المعركة، وأيضا اضافة جمالية فيها من خلال صوت الأميرة/المرأة، فصوت المرأة دائما يحمل العاطفة الهدوء رغم الألم الذي يحمله، كما أن الحوار بينهما له أثر جميل على المتلقي ويجعله يشعر بالفرح رغم قسوة الأحداث، كل هذا يجعلنا نتأكد أن الشاعر استطاع أن يحرر ذاته أولا من المباشرة والانفعال، ومن ثم حرر القصيدة، بحيث وجدناها جميلة وممتعة رغم سواد الأحداث.
وهنا نطرح سؤال: "هل نحج الشاعر في تقمص دور الأمير/المرأة؟، أم أنه جاء بها كشكل فقط، يتكلم ويتحدث بصوته هو ولبيس بصوتها هي؟، نجد الإجابة في هذا المقطع:
"خذ حربتي .. لتشق أضلاعي .. وتخرجني إلي
لكي أكونك..
اقذف بزجه جنودهم ناري..
ولا تسلم يديك لمن يخونك
حزني يضمك..
لا البكاء ..
ويل ... لمن شدوا قيودك..
ـ ليل على سقف العراء
ويل لهم من برق زرقاء اليمامة .. في عيونك
خذنا إذا..
أدخل إلى دمنا وئيدا..
من ضفافك للضفاف
أغزل حريرك في شرايني
ورحل من ملامحنا ...أغانينا العجاف
فيكتبه الغروب" ص7، تستوقفنا الألفاظ التالية: "لتشق، وتخرجني، اقذف، يضمك، البكاء، شدو، ادخل، ضفافك، للضفاف، اغزل، شرايني" اعتقد أن كل هذا الالفاظ تشير وتؤكد إلى أن المتحدث هو امرأة وليس رجل، بحيث نجد فيها شيئا من حاجات المرأة الجسدية/الجنسية، وكأنها تحدثنا عما تريده/تحتاجه من الرجل، وهذا الجمع/المزج بين حاجتها في التحرر من الاحتلال وحاجاتها الجسدية منح المقطع جمالية استثنائية، كما أكد أن المتحدث هو امرأة كاملة لهذا تجدها تتحدث بلغتها وصوتها، وهي متحررة تماما من سلطة الشاعر الرجل، وكأنها بهذا التحرر من واقعها تتقدم بخطى واثقة نحو تحررها من الاحتلال، فالتحرر الاجتماعي هو الخطوة الأولى لتحرر الوطن، هكذا يبدو لنا المشهد.
بعد هذا التحرر النسبي وبعد أن أخذنا استراحة ـ حتى لو بدت قليلة ـ فنحن في حالة حرب ومعركة دامية، نتقدم إلى أحداث ساخنة ومؤلمة، لكن كيف يمكن التخفيف من هولها ووقعها على القارئ؟:
"ـ في الصفحة الأخرى من اللحم الممزق..
والعظام..
تخيم الأم الكبيرة ... في النحيب..
انحنت
للقصف .. أم للعسف ..؟
ـ دجنها الذين يدجنون صقورها ..
ـ هل قسموا دمها عليهم..؟
ـ هل استجاروا بالغزاة من الغزاة ..؟" ص7، استخدام صيغة الحوار من خلال الأسئلة تجعل القارئ يتوقف عند ما يقدم له، وهذا التوقف يعطيه شيء من لراحة، وكأن الشاعر من خلال الحوار يتعمد أن لا يؤذي مشاعر القارئ قدر المستطاع ، فهناك قتل واشلاء ودمار ومع هذا نجده يحرص على عدم إذائنا بها، فتوقفنا عند الأسئلة يعطينا راحة ـ حتى لو كانت بسيطة ـ لكنها تكفينا لنواصل الدرب، وإذا ما أضفانا الطاقة السابقة والتي جاءت من خلال الأميرة/المرأة يمكننا أن نتأكد بأننا نسير بخطى قوية واثقين بما نحمله من ارادة ومعنوية.
يقدم لنا الشاعر علاقة المحارب بالمغني/بالشاعر:
"غنى المغني في المحارب
والمحارب في المغني
ـ وشم الرياح.. على الشراع
يا دار ذاكرة البيارق .. والقلاع..
شجر.. سفوح .. ريشة .. قمم .. بحيرات
ـ أني أنقب من حجارتنا .. وقتلانا..
وشالات النساء ..
هل يدخل الفنان لوحته الأخيرة.. 
بين قنبلتين ..
كالنسر المطل على جنازته..؟
لماذا لا يحلق في الزلازل..؟
ـ أفق تعبته الضغائن..
بين قاذفتين .. تقصف حلمنا القمم العدوة..
والصديقة .. والشقية
ـ للورود وظيفتان
يقول عاشقها : أحبك .. هل نموت..؟
ترد من وجع البيوت. ولا نموت
ـ أنا أحبك..
للورود وظيفتان..
فوردة لحبيبي ..وأخرى .. لمقبرة العواصم".. ص8، في المقطع السابق نجد ثلاثة أصوات، صوت الشاعر/الراوي الذي جاء في بداية المقطع، وصوت المغني، وصوت المحارب، ونجد صوت المغني يتقاطع مع صوت المحارب، لكن هنا مساحة بينهما، فهما يلتقيان في أمور ويتباينان في أخرى، فصوت المغني جاء بهذا الالفاظ: 
"وشم الرياح.. على الشراع
يا دار ذاكرة البيارق .. والقلاع..
شجر.. سفوح .. ريشة .. قمم .. بحيرات" فهي بمجملها الفاظ بيضاء وتشير إلى لغة ناعمة وسلسة وتشير إلى أن من يستخدمها هو المغني، والجميل في هذا الصوت حرف النداء: "يا دار" فهو يتغنى بجمال الأرض بتاريخها وبناسها، بينما صوت المحارب جاءت بهذه الألفاظ: 
"ـ أني أنقب من حجارتنا .. وقتلانا..
وشالات النساء ..
هل يدخل الفنان لوحته الأخيرة.. 
بين قنبلتين ..
كالنسر المطل على جنازته..؟
لماذا لا يحلق في الزلازل..؟"، فيما سبق نجد المحارب مفكر ومثقف، وهذا يعطينا فكرة أننا أمام مقاتل يعرف لماذا وكيف يقتال، ويعرف ما يريده من الآخرين، فعبارة "هل يدخل الفنان لوحته الأخيرة.." تشير إلى أننا أقرب إلى مفكر منه إلى محارب، فهل المقاتل هنا هو الشاعر؟، وهذا يحسب على الشاعر وليس له، حيث خلط صوته بصوت المقاتل، أم أن المقاتل الفلسطيني بطبيعته مثقف ويحسن الحديث والتعبير عن أفكاره، وهذا يحسب للقصيدة وللشاعر؟ اعتقد أن هذه الأسئلة تحسب للشاعر وللقصيدة، فهو لا يردنا أن نمر مرور الكرام على القصيدة، دون أن تستوقفنا كل فقرة فيها، بحيث تكون قصيدة دافعا للتفكير وليس قصيدة تعبئة وإثارة.
وهذا ما أكده الشاعر عندما وضح أن صوته ليس صوت المقاتل: 
"يقول عاشقها : أحبك .. هل نموت..؟
ترد من وجع البيوت. ولا نموت" فهو يتحدث هنا كراو، لهذا استخدم يقول عاشقها"
والجميل في هذه المقطع أن المقاتل يردد (اغنية) المغني لكن بلغته هو:
"أنا أحبك..
للورود وظيفتان..
فوردة لحبيبي ..وأخرى .. لمقبرة العواصم"
فهناك اثر واضح للمغني على المقاتل، بحيث استطاع أن يحرره من وقع المعركة عليه وجعله يتحدث بلغة ناعمة "أنا أحبك، للوردة وظيفتان، وردة لحبيبتي" لكل هذه الألفاظ تؤكد على الأثر الإيجابي الذي تركه المغني في المقاتل، فيبدو لنا وكأنه في بيئة هادئة وجميلة انعكست على لغته، لكنه قبل أن ينهي حديثه يتذكر وقع المعركة فيقول بعد أن يصمت: "ومقبرة العواصم".
إذن القصيدة فيها أكثر من صوت، وما صوت الشاعر فيها إلا كراو للأحداث، وهو يترك الأخرين يتحدثون بلغتهم وبحرية مطلقة، وهذه الحرية التي اعطاها الشاعر لشخصيات القصيدة تتماثل مع الحرية التي يريدها لقارئ القصيدة وله ولشعبه، وهذ الأمر ـ والذي جاء بشكل غير مباشر ـ يعد أحد أهم المسائل التي تطرحها لقصيدة، ففكرة الحرية والتحرر لا تكمن فيما تقوله الشخصيات أو الشاعر، بل في الفكرة العامة من شكل القصيدة والطريقة التي قدمت فيها الأصوات، وهذا لا يمكن أن يأتي إلا من قبل شاعر لا يكتب القصيدة بل القصيدة هي من تُكتبه.
يبدو أن "خالد أبو خالد" لم يستطع أن يتحرر من المكان، فهو كفلسطيني يعلم أن المكان هو أهم عنصر في صراعنا مع الاحتلال، لهذا نجده يذكر "جنين" مدينته ومدينة القصيدة، فكيف له أن يتحرر من أثر المكان عليه؟ وكيف سيكون أثر المكان في القصيدة؟، وما هو الشكل/الطريقة التي سيستخدمها؟:
"يقول المغني للطيور: توزعي..
من أول الغيم الأخير إلى النفير
طار الغناء .. فرفرفت روح .. على روحي
شظايا..
فاتكأت على /جنين/ بلا خطايا
ـ هل حيرتنا جملة اللغة البليغة.. 
بين أن نبني القصيدة في الهواء..
وبين ؟أن نبني الخرائط في الدماء..؟
هل فرقت ما بيننا الأسواق..
أم أشواقنا انشطرت إلى جهتين في ليمونة
الكلمات
ـ أسئلة . وفي زيتونة الشهداء..؟" ص8، قلنا في موضع غير هذا أن استخدام الشاعر لتكرار الكلمات أو لتكرار الحروف في الكلمة الواحدة يشير إلى التوحد والتماهي مع الآخر، إن كان الحبيبة أم القصيدة أم شخص، فهناك "فرفرفت، روح، روحي" ونجد تقارب في معنى الكلمات مثل: "هل حيرتنا جملة اللغة البليغة.. 
بين أن نبني القصيدة"، وهناك كلمات تؤكد هذه الثنائية: "فرقت، انشطرت، جهتين" كل هذا يجعلنا نقول ان الشاعر يتماهى/يتوحد مع المغني، فالمغني هنا ليس "خالد أبو خالد" لكن الشاعر يجد نفسه فيما يقوله المغني، لهذا جعله يتشارك معه في بناء/كتابة القصيدة:
"فاتكأت على /جنين/ بلا خطايا
ـ هل حيرتنا جملة اللغة البليغة.. 
بين أن نبني القصيدة في الهواء.."
وهذا التشارك بينهما يمثل حالة فريدة في القصيدة، فيبدو لنا الشاعر وكأنه يرفض أن يبقى كاروا للأحدث فقط، فها هو يندمج مع الأحداث والشخصيات بحيث يشاركها وتشاركه الكتابة واللغة، فهل هذا الامر يعد دعوة من "خالد أبو خالد" لنا لنتشارك معهما فيما يرويناه من أحداث، وأن لا نبقى مجرد مشاهدين من الخارج؟. 
في المعركة من الصواب أن نقدم صورة واقعية للصراع، بحيث لا نغالي في انتصاراتنا أو قدرتنا، وفي ذات الوقت أن لا نقلل من شأن العدو وقوته:
"هذا الحصار مؤلف بالمدفعية..
والكلام .. مؤلف بالأغنيات" ص8، بهذا المفارقة بين المدفعية والأغنيات يعطينا صورة عن حقيقية لقدرات وامكانيات الفلسطيني من جهة، وقوات الاحتلال من جهة أخرى، وكأنه بها يريدنا أن نأخذ عبرة من مقاومة في "جنين"، فقد كانت مستحيلة في عالم موازين القوة، لكنها أثبتت ذاتها وتجاوزت (العقل/المنطق) وعلينا نحن الآن وفي المستقبل أن نأخذها مثلا لنا.
إذن الصراع بين قوة الحديد وقوة الكلمة، قوة البطش والموت وقوة الحب والحياة:
"ـ هم يقتلونك في الشوارع..
أو يقتلونك بالمدافع..
أو يقتلونك كلما التفوا إليك
وكلما ضحكت لفرحك الصواعد .. والنوازل" ص9، صورة المعركة ـ إن جاز أن نسميها معركة ـ لكنها هكذا تبدو للفلسطيني على أرض والواقع، فلا مفر من خوضها لتكون فلسطين حاضرة وحية. 
يختزل الشاعر أحداث (المعركة) بهذه الكلمات:
"جثث .. صفيح.. بيت شعر.. غرفة..
درج.. ممر .. حائط.. علية..
سقف تهدم فوق عائلتي..
حطام في الدخان .. دم .. غبار .. قبة..
تنك .. غسيل .. درج مدرسة .ز حقائب..
مصحف..
كرسي مقعدة .. يد .. قدم .. وقنديل.. أصابع في 
الحطام..
بقايا طفلة .. يدها .. أساورها..
ضفيرتها .. وانجيل .. ومنديل .. خواتم من دم..
فحم
المخيم والقلائد في الحريق.." ص10، وكأن الشاعر بهذه الكلمات المتفرقة يحجم أن تقديم المشهد الدموي كما هو، فهو يحرص على مشاعر القارئ بحيث لا يريده أن يتألم، كما أن هذه الكلمات تشير إلى أن الشاعر يحترم عقلية القارئ لهذا اكتفي بهذا لتجعل القارئ يتوقف متأملا بها وبما تحمله من صور ومشاهد.
لهذا نقول أن "خالد أبو خالد" أحسن الاستخدام للصور الدامية، وأحسن التعامل مع القارئ، بحيث حافظ على قدر معين من الهدوء، فلم يقدم صور أو مشاهد دامية، كما أنه استطاع أن يقدم مادة شعرية بأصوات متعددة، ونجح في خلق مساحة بينه وبين الأحداث/الشخصيات، واستطاع أن يقدم أفكار ـ غير مباشرة ـ من خلال شكل وطريقة تقديم القصيدة، كل هذا يجعلنا نتأكد أننا أمام شاعر استثنائي أمتعنا ـ رغم الألم ـ واسعدنا بهذا الابداع والتألق.
يختم الشاعر قصيدته:
"ـ بعيدا عن فناجين الوداع..
من أين أبدأ..؟
كلما خضبت لوحتي .. يصادرني البياض..
أو كما حفرت معلقتي على الأرض الأخيرة..
غربتني خمرة البحر .. عن البحر..
إلى ليل طويل ..
لا يرى دمي المعاصر في السواد..
من أين يا زماني المحاصر ... سوف أشتق
البلاد..
أو كيف اكتشفت الغناء .. على ارتفاعات
البكاء.." ص10، الشاعر لا يمكنه أن يهدأ أو أن يستكين، هكذا هم الشعراء النبلاء، كلما وصلوا إلى مكان سعوا لآخر، وكلما تجاوزوا مرحلة يتقدمون من أخرى، وكلما أنهوا قصيدة كتبوا أخرى، هذا هو "خالد أبو خالد" فعندما تخضب لوحته يأخذه البياض، ولهذا المشهد أكثر من دلالة، منها ما قلنا في السابق، وأيضا يشير إلى حالة صراع الفلسطيني مع الاحتلال الذي لم ينتهي بعد.
نكتفي بهذه القصيدة من كتاب في جريدة "13" والصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله فلسطين.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 162 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,756