جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عيون الشعر ، ومِعيار الاختيار / 3
شاع بين الدارسين ومحبي شعر العرب أنّ المفضليات ، والأصمعيات هما أقدم كتب الاختيار ، إذ أشار المنصور على المفضل أن يختار لابنه من أجود أشعار المقلين يؤدبه بها() ، إلا أني وقفت على نص فريد نُقل عن الحِرمازي ، قال فيه : " وقد روي أنّ معاوية أمر الرواة أن ينتخبوا قصائد يروّها ابنه ، فاختاروا له اثنتي عشرة قصيدة "(). وذكروا معلقات امرئ القيس ، وطرفة ، وزهير ، وابن حلزة ، وعنترة ، ولبيد ، وعمروبن كلثوم ، وقصيدة سويد بن أبي كاهل ، وقصيدة الأعشى( ودع هريرة) ، وقصيدة حسان ( أسألت رسم الدار ) ، و( أإن تبدلت من أهلها وحوشا) لعبيد بن الأبرص.
متى ظهر مصطلح عيون الشعر؟
لم يترسخ مفهوم ( الاختيار ) اصطلاحاً إلا في القرن الخامس الهجري ، وهو أمر كانت بداياته القائمة على الذائقة ، انطلقت في النصف الثاني من القرن الثالث ، عند ابن طيفور صاحب المنظوم والمنثور (280هـ) ، وتكرس مفهوم الاختياربمرور الزمن كما بينت ، وظهرمصطلح " عيون الشعر" أول ما ظهر عند أبي العباس المبرّد إذ قال : " وأشعار المراثي كثيرة ، وإنما نختار عيوناً من جميعها ، ومن الشيء أحسنه " (1).ثم نقع على المصطلح مرة أخرى عند أبي زيد القرشي الذي صَدّر كتابه الموسوم ( بجمهرة أشعار العرب) بقوله عن الشعر : " وبعدُ ، فهُم فحول الشعراء الذين خاضوا بحرَهُ ، وبَعُدَ فيه شأوُهُم ، واتّخذوا له ديواناً كَثُرَت فيه الفوائدُ عنهم؛ ولولا أنَّ الكلامَ مُشتـَـرَكٌ ،لكانوا قدْ حازوه دون غيرِهِم ؛ فاخترنا من أشعارهم - إذ كانوا هُمْ الأصلُ - غــُـرراً هي العُيونُ من أشعارهم ، وزِمامُ ديوانهم " (2). ومثل هذا نجده عند ابن أبي عون قال : " قد وفَّينا كتابنا هذا جميع ما شرطناه من نوادر التشبيهات ، وعيون المتخيّرات مما يشتمل عليها ، أويشير إليها " (3) . ولا أعلمُ أحداً قبلهم - في حدود علمي - ذكر هذا المصطلح . ويبقى لى تحفُّظٌ يسير ، يتمثلُ في أنّ ما ذكرته يبقى أمراً غير قاطعٍ ، قدْ تنقضه مؤلفات قديمة يُنفضُ عنها غبار الضياع ، أو الحبس في إحدى خزائن الكتب في أصقاع العالم .
مرحلة كتب الاختيار ...
. أمّا ما يتصل بكتب الاختيار - الموجودة قبل القرشي - التي وصلت إلينا ، فهي في مجملها ( المفضليات ، الأصمعيات ، حماسة أبي تمام ، والوحشيات له أيضاً ، وحماسة البحتري ) خِلوٌ من مقدمات المُصَنفين لها ، وجُلُّ ما نعرفه عنها هو من مصادر أخرى ترجمت لمؤلفيها ، كما هو حال (المفضليات ) التي اختارها المفضل نزولاً عند طلب المنصور ليُؤدّب بها المهدي ، وكذا فعل الرشيد إذ طلب إلى الأصمعي أن يختار ما يؤَدَّب به الأمين . وخلفاء بني العباس أخذوا هذا التقليد عن الأمويين ، فقد نقل ابن طيفور عن الحرمازي " أنّ معاوية أمرَ الرُّواةَ أن ينتخبوا قصائدَ يُرَوّيها ابنه ، فاختاروا له اثنتي عشرة قصيدة "(1) . وعلى ذكر القرن الثالث يبقى لدينا كتاب كان يُظـَـنُّ أنّهُ يجمع المفضليات والأصمعيات ، ألا وهو كتاب " الاختيارين " للأخفش (315هـ) إلا أنّ أستاذي الجليل د. فخر الدين قباوة نبَّه في مقدمة تحقيق الكتاب على أنّ نصف ما يضمه كتاب (الاختيارين ) مما ليس في المفضليات أو الأصمعيات . ومما يؤسف له أنّ الموجود من الكتاب هو جزؤه الثاني فقط ، وبالتالي لا أستطيع الجزم فيما إذا كان الأخفش - وهو من معاصري ابن طيفور والقرشي - قد جعلَ لكتابه مقدمة بيّن فيها سبب الاختيار ، ومنهجه فيه ، كما فعل اللاحقون كالتبريزي ، وابن ميمون البغدادي الذي وضع ( منتهى الطلب من أشعار العرب ) جمع فيه ألف قصيدة ، ضاع منها ما ضاع ، وبقي ما بقي ، وصدّره بمقدّمة ضافية تبين حدّ الاختيار ومعياره .
ولعلّ فيما أطلتُ فيه بُـلـْـغة لمُتأمِّـلٍ ، حُسْوةً تنقعُ غــُـلّـَة.
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية