عندما نشترك في عمل ما فإننا نقوم بوضع مجموعة من القواعد والضوابط تضمن قيام كل فرد بعمله وعدم تعدي فرد ما على تخصص الآخر حتى يخرج العمل على الوجه الذي نرجوه، والتربية في ذلك كشأن أي أمر من الأمور الهامة في حياتنا لذا علينا كأبوين أن نتفق - وحبذا مع الجدين أيضا - على مجموعة من القواعد والأساليب الصحيحة التي تضمن تربية سوية وموفقة لأبنائنا الذين هم فلذات أكبادنا وأغلى ما نملك في هذه الحياة.
وأسوق لك الآن مجموعة من المبادئ أو المسلمات التي اتفق عليها العلماء والمربون في هذا المجال من أجل تربية صحيحة للأبناء، ومنها:
<!--عدم الاختلاف بين الأبوين أمام الابن في شيء يخصه:
لا يوجد شخص في العالم يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل منك إلا أنت ، ولذا فإن الاختلاف بين الوالدين أمر وارد في بعض الأمور أو في بعض الآراء لكن بشروط:
<!--ألا يكون ذلك في أسلوب تربيتنا لأبنائنا
<!--ألا يكون الاختلاف أمام الابن.
<!--[if !supportLists]-->ج. لا يفسد الاختلاف للود قضية.
فالابن ذكي وسيميل للرأي الذي يحقق رغبته، ومع مرور الوقت وتكرار الخلاف سيجنح الابن إلى الطرف الأقوى والذي سينتصر رأيه في النهاية ويسعى لإقناعه ، وبذا تتحول التربية إلى حلبة صراع بين الأبوين وفوز لرغبة الابن ومزاجه وإن كان غير صواب.
لكن علينا في هذه الحالة ألا يعترض الطرف الثاني على الأب الذي أبدى رأيه أو اتخذ قراره أولا وننتظر حتى نتناقش في ذلك سويا بعيدا عن الأبناء ثم إن أردنا التراجع نتفق على أسلوب ذلك ويتم تعديل الرأي أو القرار بطريقة غير مباشرة .
<!--عدم التذبذب أمام الأبناء في الثواب والعقاب أو في اتخاذ القرار:
فقد يحدث أن يكون أحد الوالدين منفعلا فيعاقب الابن على تصرف ما ثم يثيبه عليه في أوقات أخرى بعد أن يهدأ انفعاله، وهذا من شأنه أن يهز صورة القدوة عند الابن ويجعله هو الآخر يرتبك عند اتخاذ قراراته.
<!--الانسجام والتوافق بين ما تقدمه وسائل التنشأة الاجتماعية المختلفة وتؤثر به على الأبناء أو التلاميذ ، وقد صدق الشاعر العربي حين قال:
متى يبلغ البنيان يوما كماله إذا كنت تبني وغيرك يهدم..
ولذا فإن على الأسرة _ باعتبارها وسيلة التطبيع الاجتماعي الأولى والأساسية والمهيمنة على تأثيرات وسائط التطبيع الاجتماعي الأخرى _ أن تقوم في هذا المدمار بما يلي:
<!--التواصل والتعاون مع المؤسسة التعليمية التي يوجد بها الابن عن طريق مجالس الآباء أو الأمناء
<!--والوقوف على مستوى أداء الابن وتقديم بعض الملاحظات حول أدائهم فيها
<!--معرفة أصدقاء الابن وإبعاده بوسائل مقنعة عن السيئ منهم.
<!--متابعة ما يشاهد الأبناء عبر وسائل الأعلام والنت _ قدر الأمكان _ والتعليق المقنع على غير الجيد منها.
<!--
<!--القدوة الحسنة:
فحواس الابن كاميرا خفية تسجل بالصوت والصورة كل ما يصدر عن الأبوين من تصرفات وهو يخرجها في الوقت المناسب، وقد أشارت الدراسات إلى أن الابن يقلد في العادة 60 بالمائة على الأقل من تصرفات والديه ويزداد ذلك كلما كانت علاقته بأحد والديه أكثر حميمية:
<!--ولذا فإن على الوالدين والمعلمين والأخصائيين والمربين مراعاة ما يلي:
أن نراعي ونتوخى الدقة في تصرفاتنا أمام أبنائنا وتلاميذنا.
<!--أن تطابق أفعالنا أقوالنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف: 2-3)
<!--ألا يكون هناك تناقض بين الأقوال بعضها وبعض وكذا بين أفعالنا.
<!-- ألا نأمر الأبناء بشيئ ونحن لا نفعله، أو ننهاهم عن شيئ ونحن نفعله: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (البقرة : 44)
<!--أن نحرص على أن نرتفع بتصرفات أبنائنا وتلاميذنا ونعودهم على القيم الخلقية النبيلة فذلك من مسئولياتنا الأخلاقية تجاههم .
وسوف يأتي حديث مفصل حول القدوة بعد قليل.
<!--
<!--الرفق:
فإذا كان الله سبحانه يعفو عن الكثير من أخطائنا ، ونحن الكبار الذين نتمتع بالعقل والحكمة، فإن علينا أن نتجاوز عن الكثير من هفوات الأبناء وبعض أخطائهم (نمشي على سطر ونترك أسطرا) ونحاول أن نوجههم لإصلاحها ونساعدهم على ذلك، وفي الحديث الشريف: ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطى على ما سواه)) (صحيح مسلم)
<!--
<!--الصبر:
أحيانا يصدر من الأبناء تصرفات تجعل بعض الناس ينفعلون ويفقدون صوابهم وينهالون عليهم بأصعب الألفاظ وبأقسى أنواع العقاب، لكن الحقيقة أن الانفعال والقسوة يتناسبان تناسبا عكسيا مع الحلم والحكمة اللازمين للتربية السوية وقبل أن نطلب من أبنائنا وتلاميذنا أن يتحكموا في تصرفاتهم فإن علينا أولا أن نتحكم نحن في أنفسنا وانفعالاتنا.
<!--
<!--الثواب والعقاب:
فهما جناحا عملية التربية بل ومن المبادئ الأساسية كي تستقيم الحياة كلها، ونظرا للأهمية القصوى لهذين المبدئين وتأثيرهما الخطير على تربية الأبناء فقد أفردنا لهما مؤلفا مستقلا (الأساليب التربوية وغير التربوية في الثواب والعقاب) فيمكن الرجوع إليه تفصيلا.
<!--
<!--مراعاة خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها ابني أو تلميذي ومن ذلك:-
<!--أن ننزل إلى مستوى تفكير الطفل وبما أن تفكيره حسي فلا ينبغي أن نستغرق معه في الأمور المجردة كالحق والخير والضلال وغير ذلك ، لأن تفكيره لا يستوعب هذه الأمور المجردة في فترة الروضة ومن الأمثلة غير التربوية أن معلمة حاولت أن تدرب أطفال الروضة على الصلاة ، فجلست تحكي لهم عن القبر وما يلاقيه تارك الصلاة من عقاب ، وسببت الطريقة التي كانت تروي بها المعلمة هذه القصة للأطفال خوفا وقلقا وخطأ المعلمة هنا أنها أتت بشيء حق في غير وقته وفي غير موضعه ، فالطفل في هذه السن لا يدرك تلك الأمور المجردة وهو غير مطالب بالصلاة في فترة الروضة ولكن مطالب أن يتعود على الوضوء وتعرف عدد ركعات الصلاة كعادة سلوكية حسية حتى يؤديها كعبادة بعد سن التمييز ، فالأمر بالصلاة يأتي بعد سبع سنوات كما أمرنا المصطفى عليه السلام في الحديث " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع " ( أخرجه أبو داود بإسناد حسن )
<!--أن نتفهم خصائص خيال الطفل فقد يحكي الطفل بعض القصص ويظن أنها حدثت له أو يروي فيلما ويمثله على نفسه أو يقرأ قصة ويتصور أنها حدثت له ويسرع بعض الآباء والمعلمين في اتهام الطفل بالكذب وفي الواقع هذا ليس كذبا وإنما هو خيال إلتباسي " يدمج فيه الطفل بين الواقع والخيال " فالطفل من سن 4 إلى 8 سنوات ما زالت الحدود بين الواقع والخيال غير واضحة وغير كاملة عنده ، ومن ثم نتوقع منه خلطا بين الواقع والخيال وهذا لا يعد كذبا، وأفضل من أن نتهم الطفل بالكذب أن نوجه خياله التوجيه الصحيح وننصحه أو نفهمه بأن هذه القصة لم تحدث له وإنما هو تصور ذلك أو تخيله ، ومع نصح الطفل وتوجيهنا الرقيق له ستنتهي هذه المشكلة عنده .
<!-- ألا نحُمِل ذاكرة الطفل ما لا تحتمل فقد نكثر من الطلبات على الطفل فنقول له عليك في اللغة العربية أن تقوم بواجب كذا وفي الرياضيات واجب كذا ، وفي الأنشطة العلمية أن تفعل كذا وتكون النتيجة أن الابن عندما يذهب إلى المنزل ينسى هذه الواجبات ، ونكون نحن الذين قد أثقلنا عليه ، كذلك قد تقول الأم لابنها اذهب للبقال واشتري منه كذا وكذا وتكثر عليه في الطلبات وعندما يذهب إلى البائع ينسى كل شيء نتيجة لأننا أكثرنا عليه بما لا تحتمل ذاكرته ، فينبغي أن نراعي ذلك وليس معنى هذا ألا يحفظ الطفل أناشيد أو قرآن أو ما شابهها ، وإنما نقصد الأمور التي سيعيد الطفل استدعاءها مرة أخرى ، وتتعلق بالذاكرة القريبة .
<!--التوازن في بناء شخصية الابن:
وهو من أعظم ما يلفتنا إليه القرآن الكريم،كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) (الفرقان 67)
وفي قوله تعالى أيضا: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ ...) (القصص 77)
ونحن نلحظ أن بعض الأباء مثلا يركزون على تعلم الابن للغة الأجنبية أو تحفيظ الابن القرآن الكريم في سن صغيرة لكنهم لا يهتموون بتغذية جوانب شخصية الابن الأخرى كجانب الأنشطة أو السلوك ...إلخ فعلينا أن نراعي ذلك.
<!--
<!--[if !supportLists]-->10- الوسطية وعدم الغلو أو المبالغة في بعض الأمور:
كما نشاهد في كثرة تحايل بعض الأباء والأمهات على الابن لتناول الطعام أو المذاكرة وحل الواجبات وقد يقابل الابن كثرة هذه التعليمات بنوع من العناد أو رد الفعل العكسي نتيجة المبالغة في ذلك ولنتذكر المثل الشائع القائل: (إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده) .
مع أطيب أمنياتنا لأبنائنا وأسرنا بكل التوفيق.