بعد أن قمت بجعل التربية في بؤرة التفكير ، و وضعها في دائرة الاهتمام ، و أدركت بعض الآثار و النتائج التي تترتب على التربية بشقيها ، و قمت بوضع تربية الأبناء على سلم أولوياتك ، ننتقل إلى الخطوة الخامسة و هي القيام ببعض الإجراءات العملية لتفيذ ذلك ، و من هذه الإجراءات :
1- جعل تربية الأبناء هدفاً أصيلاً من أهداف حياتك اليومية ، و ربما يتعجب البعض من ذلك و يقول إننا نسعى طول يومنا و نكد و نتعب و نعمل من أجل توفير الحياة الكريمة و الحياة الرغبة لأبنائنا ، و هذا صحيح ، لكن إذا كان هذا السعي من أجل توفير المأكل و المشرب و المسكن و الملبس و الاحتياجات المادية للأبناء فهذه نطلق عليها الإعاشة و ليس التربية بالمعنى الصحيح و مانقصده هنا هو جعل التربية بمعناها الصحيح هدفاً أصيلاً لنا .
2- ليس المراد جعل التربية هدفاً أصيلاً من أهداف حياتك و إنما أجلس مع شريك حياتي و نحدد بعض الإجراءات و الخطوات العملية لتحقيق ذلك في واقع حياتنا اليومية .
3- ألا أنتظر أو أساوم حتى أفرغ أو انتهي من انشغالي أو من الأعمال المطلوبة مني فإن المشاغل لا تنتهي بل تزداد و الأمر أبسط مما تتخيل و ببساطة علي أن أحدد وقتاً أجلس فيه أسبوعياً مع أولادي و نحن نضيع في العادة أكثر من هذا الوقت في الحديث عن السنة أو أمام باب السيارة أو على باب المكتب أو في الهاتف أو الجوال ، إننا نضيع أوقاتاً كثيرة و نحن لا نشعر بها و الأولى بهذه الأوقات هم أبنائنا كذلك فإن الأمر ليس أمر انشغال بقدر ما هو حاجة إلى ترتيب أوقاتهم .
4- قد يتعلل بعض الناس بأنه مشغول و عليه ضغوط كثيرة و أعمال متزايدة هو يفعل ذلك من أجل مصلحة الأبناء ، هذا صحيح إلى حد ما ، لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها جميعاً أنه في العمل الإداري أو إذا كان الإنسان صاحب شركة أو صاحب مزرعة أو ماشابه ذلك فإنه يمكن داخل العمل أن يفوض أو ينيب غيره في القيام ببعض أعماله ، أما في مجال تربية الأبناء فلا يمكن أن يفوض أحد فأبنائك هم نتاجك فإذا لم تهتم بتربيتهم فلن يربيهم إلاك أحد ، و إذا كان العمل الإداري يمكن أن أقوم بعمل توكيل أو تفويض لغيره كي يباشره أو يقوم ببعض المهام فإن التفويض أو التربية في الوكالة نتائجها مرة و لا تأتي ثمارها المرجوة .
5- تجنب السفر الطويل و البعد عن الزوجة و الأولاد فترات طويلة و ينصح خبراء التربية ألا يزيد سفر الزوج أو الزوجة أو بعدهما عن أبنائهما أكثر من ثلاثة أشهر متواصلة لأنه بعد ذلك يتأثر نموهم النفسي و الجسمي و تحدث بعض المشاكل التي هم في غنى عنها ، و إذا عاد الإنسان من سفر أو من عمل طويل ، و وجد ابناً له منحرفاً أو مدمناً أو قد فشل في دراسته فإنه سيندم ندماً كبيراً و لن يعوضه المال أو العمل و السفر عن ابنه و ستظل الحسرة تراوده و يشعر بالذنب طوال عمره كما رأينا في الكثير من الحالات التي عرضت و تعرض علينا كل يوم ، و لذا فإن تعارض العمل و السفر مع تربية الأبناء فنحاول أن نوفق بينهما قدر المستطاع فإن لم نستطع فالأولوية للتربية ، و لابد أن نضحي قليلاً من أجل أبنائنا ، و مع وجود بعض النماذج التي تترك أبنائها في مهب الريح ، فهناك الكثير من النماذج أيضاً التي تؤثر تربية أبنائها ، و الذين عادوا من سفر بعيد و تركوا بعض وظائفهم و بعض رواتبهم المغرية عندما شعروا أن هناك تعارض بين تربيتهم لأبنائهم و بين بعدهم عنهم و حتى يوفروا لهم المحضن الأمن لتربيتهم ، قد يظن البعض أن هذا أمر صعب و لكن في الحقيقة هو أمر يسير على من وفقهم الله في حسن التدبير و البحث عن التصرف الصحيح ، و يلفتنا القرآن الكريم ضمن ما يلفتنا إلى هذا المعنى حيث يقول : ( و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك و العاقبة للتقوى ) ( سورة طه : 132 )
و أرجو ألا يفهم أحد القراء من كلامنا أننا لا نشجع السفر أو العمل لطلب الرزق و السعي على المعاش ، لكن حديثنا يركز على أنه في حالة وجود تعارض بين التربية و هذه الأمور فالأولوية لتربية الأبناء لأننا في التربية غير مخيرين و ليس لدينا بدائل آخرى أما السعي على المعاش فيمكن التوصل إليه بأساليب أو وسائل بديلة ثم أن الأهم هم الأبناء.
مع أطيب أمنياتنا لأبنائنا بحياة سعيدة و مستقبل مشرق ... و إلى الخطوة التالية .
بقلم د. أحمد مصطفى شلبي .
e-mail: [email protected]
ساحة النقاش