بقلم: د. أسامة أحمد  

على خبراء التدريب أن يدركوا أن التدريب لم يعد ذلك النشاط التقليدي الذي يتم تنفيذه بشكل جامد رتيب داخل قاعات مغلقة لتلقي المتدربين من المدرب المادة التدريبية من طرف واحد ودون تفاعل. وما حدث في عالم التدريب لم يكن حدثا عاديا وليدا لعامل من العوامل وإنما هو ناتج لتفاعل العديد من العوامل والمؤثرات والمتغيرات التي طورت جوهريًا مسارات وطرق وأساليب التدريب في العالم. وبالرغم من وحدة أسس التدريب وقواعده الرئيسية، إلا أن متدرب اليوم ليس متدرب الأمس. إن أهداف التدريب الرئيسية الثلاث المتعارف عليها والخاصة بتوصيل المعلومات وتغيير القناعات وإكساب المهارات، لها العديد من طرق التدريب التي تخدمها بحيث قد يصلح أسلوب تدريبي لتحقيق مزيج من الأهداف أكثر من غيره من الأساليب والطرق. ومن المتفق عليه حديثًا بين خبراء التدريب والمتدربين، هو الحاجة الماسة والملحة للتفاعل التدريبي بين المدرب والمتدربين. إن أي أسلوب تدريبي يساهم في تحقيق أهداف التدريب الثلاثة المذكورة ولكن بمستويات أهمية وأوزان نسبية متفاوتة ومختلفة من أسلوب إلى آخر. وقد يرى بعض من غير حكماء التدريب، أن اساليب التدريب ما هي إلا تنويع وتشويق فقط لمجموعات المتدربين المختلفة أو لعل البعض منهم قد يرى أنها للإثارة وجذب الانتباه، إلا أن الصحيح أنها أدوات وعلاجات وضروريات تحكمها أسس وقواعد وخبرات وتجارب يتوارثها ويتعلمها خبراء التدريب. ومن هنا نرى أن الهدف التدريبي الذي يصلح له أسلوب التدريب العملي قد لا يصلح له أسلوب التطبيق العملي أو التدريب الميداني. ولكن من المؤسف حقًا هو ما نجده أحيانًا من خلط بين المفاهيم التدريبية ومقاصد أساليب التدريب. وبين أيدينا اليوم في هذه الحلقة من سلسلة أساليب التدريب أحد تلك الأساليب التدريبية الرائعة والمميزة التي كانت سببا في تقدم كثير من المنظمات والمؤسسات بل والدول والشعوب، من خلال التطبيق على كافة المستويات التعليمية والعمرية والتخصصية.
نتناول سويًا أسلوب الرحلات الميدانية، والذي قد يوصف بأسلوب التدريب المفترى عليه!! ولا عجب في وصفه بالمفترى عليه لأنه في كثير من الأحيان يتم الخلط بينه وبين بعض أساليب التدريب الأخرى كالتدريب الميداني، كما أنه في بعض الأحيان ينظر إليه على أنه أسلوب لتدريب صغار السن وغير المحترفين، بالإضافة إلى من ينظر إليه على أنه لمجرد التجديد وإزالة الرتابة من القاعات التدريبية فقط، وقد سبق تناول كل من تلك الأساليب بحلقات مستقلة واليوم نتناول بشيء من التفصيل أسلوب الرحلات الميدانية.

مفهوم الرحلات الميدانية..
ويقصد بالرحلات الميدانية كأحد الأساليب التدريبية على أنها ذلك الأسلوب التدريبي المعتمد على الرحلات إلى مواقع العمل الحقيقية بالميدان.
ومن هنا يتضح الفرق عن أسلوب التدريب الميداني الذي يتم فيه تلقي المتدرب لأعمال داخل الميدان العملي في حين قد يغلب على الرحلات الميدانية المشاهدة والملاحظة والتعرف على الشكل الميداني للعمل وبما يخدم أهداف التدريب المعرفية والوجدانية بدرجة أكبر من خدمة الأهداف المهارية. وبالتالي فإن خبراء التدريب ينصحون بالرحلات الميدانية للمستويات التي تقف على أولى الخطوات التنفيذية لمرحلة جديدة لاحقة وقد يكون أنه لم يسمح لها بعد بالمزاولة الميدانية. وقد يحلو للبعض التسمية بالرحلات التدريبية، غير أن لي رأيا في ذلك يختلف بعض الشيء، لأن الرحلة التدريبية أشمل من التسمية بالرحلة الميدانية، لأن الرحلات التدريبية قد تشمل الرحلات الميدانية والرحلات الأخرى التي يسمح فيها للمتدربين بالمزاولة والممارسة للأعمال التدريبية، كما أن الرحلات التدريبية قد تشمل الرحلات لمراكز تدريبية أخرى وليست بالضرورة أن تكون مواقع ميدانية. إن الصورة التقليدية المتعارف عليها للرحلات الميدانية مثل تلك الرحلات التي تنفذ لطلاب المدارس والجامعات أو حتى للموظفين إلى مواقع العمل الميدانية المختلفة للتعرف على تلك المواقع وإسقاط المعارف والمفاهيم التي تم تلقيها نظريًا بالقاعات التدريبية على أرض الواقع. كما أن الرحلات الميدانية قد تأخذ صورًا أخرى عالية التخصص لمجموعات من المحترفين والخبراء إلى مراكز بحثية داخل أو خارج الدولة.

ما الفائدة من الرحلات التدريبية؟
والرحلات التدريبية الميدانية تخدم بالدرجة الأولى هدف التدريب المعرفي في تحصيل المعلومات وتكوين المعارف بطريقة عملية وتطبيقية بالميدان. وينصح بالرحلات الميدانية في تدريب الأفراد الذين تلقوا قدرًا نظريًا من المعارف حول مجالات التطبيق المستهدفة. وبالإضافة إلى الهدف المعرفي فإن الرحلات الميدانية تساعد على تحقيق الهدف الوجداني الخاص بتغيير قناعات المشاركين في التدريب تجاه بعض القضايا والموضوعات من الناحية السلبية إلى الإيجابية أو من الإيجابية إلى الأكثر إيجابية وتفاعلية، أو ما يمكن أن نطلق عليه بتغيير اتجاه وقوة القناعات. وأخيرًا فإن الرحلات الميدانية تساعد بقدر مقبول في إكساب المهارات ولكن بمستوى أقل من خدمتها لأهداف التدريب الأخرى، ولكن قد تسمح إدارة المواقع الميدانية بممارسة بعض المهام أثناء الرحلة بما يساعد على زيادة الوزن النسبي لتنمية المهارات من بين الأهداف التدريبية المحققة.

كيف تكون الرحلة الميدانية؟
إن خبير التدريب الناجح حينما ينفذ رحلة ميدانية متميزة فتبدو للمشاركين بها وكأنها مجرد رحلة مخففة ومحببة إلى النفوس، غير أن التخطيط والترتيب يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. حيث تبدأ وتنتهي الرحلة الميدانية بالموقف تجاه الأهداف الميدانية. وفيما يلي المراحل والخطوات لتنفيذ الرحلة الميدانية الفعالة:
• يبدأ خبير التدريب بتحديد الأهداف التدريبية المرجوة على مستويات المعلومات والقناعات والمهارات.
• الفحص الأولي والمبدئي لفكرة اتباع أسلوب التدريب من خلال الرحلة الميدانية وفقًا لتقديرات فنية ومالية إجرائية متعددة الجوانب.
• الاستقرار على تنفيذ رحلة ميدانية.
• الشروع في وضع البدائل المتاحة لتنفيذ الرحلات الميدانية مع دراسة كل منها من حيث مدى موازنته بين النتائج المتوقعة والتكاليف المادية والمعنوية والإجرائية التي سيتم تحملها لتنفيذ هذه الرحلات لتحقيق أعلى فعالية ممكنة منها.
• تحديد الرحلة الميدانية المناسبة لتحقيق أفضل النتائج للأهداف التدريبية بأقل تكاليف ممكنة.
• التخطيط للرحلة الميدانية من جوانبها المختلفة داخل وخارج المؤسسة التدريبية.
• الشروع في تنفيذ الرحلة الميدانية بالبدء في الإعلان عنها بعد التنسيق مع الجهة المستهدف التوجه بالرحلة إليها وأخذ الموافقات المطلوبة منها.
• تنفيذ الرحلة الميدانية والتركيز على الأهداف التدريبية المقصودة من وراء تلك الرحلة حتى لا تتحول إلى رحلة ترفيهية عشوائية أو غير فعالة.
• مناقشة المتدربين قبل وأثناء وبعد انتهاء الرحلة، وتقييم نتائج الرحلة الميدانية ومدى الاستفادة من ورائها.
توجيهات للقيام برحلة ميدانية فعالة
على خبير التدريب الذي يريد تنفيذ رحلة تدريبية ميدانية أن يهتم بمجموعة من الجوانب الفنية للقيام برحلة تدريبية ميدانية تساعده على تحقيق الأهداف التدريبية المخططة، ومن أهم تلك التوجيهات كا يلي:
• يفضل اتصاف خبير التدريب بالشخصية المرحة التي تصلح لأجزاء الرحلات عمومًا، ولكن في حكمة وحزم حتى لا يفقد مكانته لدى المشاركين بالتدريب.
• الترتيب الجيد قبل تنفيذ الرحلة التدريبية يساعد على نجاح وسهولة التنفيذ مع أقل قدر من المعوقات والقصور.
• يتم الاستفادة بمراجعة الأداء مع المتدربين قبل وأثناء بعد تنفيذ الرحلة، حيث يفيد قبل التنفيذ بتصحيح وتعديل برنامج الرحلة، في حين يفيد أثناء التنفيذ بتدارك جوانب القصور الطارئة، بينما يفيد بعد الأداء في تقييم الرحلة الميدانية ككل ومدى الاستفادة منها في خدمة الأهداف التدريبية، كما يفيد المراجعة مع المتدربين بعد التنفيذ في تصحيح وجهة أنظارهم تجاه بعض الجوانب الضرورية التي لم تكن واضحة بالنسبة إليهم أو كانت محل استياء من بعضهم أثناء التنفيذ.
• يحتاج خبير التدريب إلى بعض المهارات والمعارف المحاسبية لإدارة تكاليف الرحلة، أو الاستعانة بخبرات مناسبة لتغطية هذا الاحتياج.
• من الهام والضروري لنجاح الرحلات التدريبية الميدانية التوازن المناسب بين الأهداف التدريبية الرئيسية الثلاث، المعرفية والوجدانية والمهارية.
• إن التوثيق المسموع والمرئي لأحداث الرحلة وفقراتها يساعد على استمرار الاستفادة من الرحلة الميدانية بعد الانتهاء منها، مع مراعاة الحصول على موافقات الجهات المختصة وخاصة في تلك المواقع الميدانية التي ترفض التصوير والتوثيق بدون موافقات.
• يجب على خبير التدريب مراعاة مستويات المتدربين العلمية والعمرية والفنية والمهنية وغير ذلك من جوانب التمايز بين أفراد المتدربين المشاركين بالرحلة.
• يجب أن يتجنب خبير التدريب قيام أي من المتدريبن بسلوكيات أو أخطاء غير لائقة بالموقع الميداني الذي تتم زيارته، بصورة تسيء إلى المؤسسة التدريبية التي يمثلونها، ويمكن تجنب ذلك بالتوضيحات المسبقة لاشتراطات الرحلة والتدريب على السلوكيات الواجبة بها قبل القيام بتنفيذها.

ماذا عن الرحلات الميدانية الدولية؟
إن خبير التدريب العالمي الذي يمارس التدريب مع أكثر من جنسية بخلاف بلده الأم سواء بداخل موطنه أو خارجه، يحتاج إلى مهارات إضافية حينما يستهدف تنفيذ رحلة تدريبية ميدانية في مواقع العمل خارج موطنه الأصلي، أو حتى حينما يستهدف تنفيذ الرحلة بموطنه الأصلي ولكن لمتدربين من جنسيات أجنبية عنه. وأدق وأعمق تلك الحالات هي التي تجمع متدربين من ثقافات مختلفة، بما يضيف المزيد من المتطلبات الواجب توافرها بخبير التدريب العالمي كما سبق وصفه. إن من أهم ما يحتاج إليه خبير التدريب في هذه الحالة هو المهارات اللازمة للتواصل مع المواقع الميدانية بالجهات الأجنبية أو مع المتدربين الأجانب، وعلى الأخص فيما يخص اللغة المستخدمة للتواصل، وفي كثير من الحالات يحتاج خبير التدريب إلى مترجم للتواصل مع المجموعة.
وقد تجمع الرحلة الميدانية أكثر من متدرب من دول متعددة وثقافات مختلفة ولغات متباينة، مما قد يحتاج إلى مركز عمليات متكامل كالذي يستخدم بالمؤتمرات الدولية للترجمة والتواصل بين أفراد المجموعة وبعض التقنيات الحديثة للتواصل السمعي بين الأفراد ومواقع التدريب الميداني. كذلك فإن التدريب الخارجي يحتاج لكثير من الجهد التنسيقي مع جهات متعددة تزيد عن التدريب المحلي بجانب التنسيق مع الجهات الرسمية التي تساعد على توفير الضمانات اللازمة للرحلة التدريبية الميدانية.

الاتصالات الحديثة والرحلات الميدانية
انتشر حديثًا إدراج كثير من المؤسسات في العالم بمواقعها الإلكترونية على الإنترنت لخدمات التجول المرئي داخل مواقعها الميدانية. وقد كانت تلك الخدمة في السابق في شكل مقاطع مرئية بالصور أو الفيديو لبعض المشاهد المصورة مسبقا لمواقعها، بينما حديثًا أصبح التصوير على الهواء مباشرة بمستويين من التصوير بحسب إمكانات المؤسسة ومدى سماحيتها لدخول غير منسوبيها إلى مواقعها. حيث يمثل المستوى الأول والأقل للتجول وفقًا لحركة غير متعمدة من الزائر بالكاميرا، بينما يمثل المستوى الأعلى لحركة متعمدة من الزائر في حركة الكاميرا ومواقع الالتقاط وفقًا لضوابط الحركة التي تضعها المؤسسات بالمواقع الميدانية في إطار السعي المتواصل من المؤسسات على إظهار الشفافية في التعامل مع الغير. ولا يعتبر ذلك هو كل ما يمكن أن تقدمه وسائل الاتصال الحديثة والتقنيات المتطورة في خدمة تطوير الرحلات التدريبية الميدانية وإنما على سبيل المثال فقط وليس الحصر.

إلى المديرين، المعلمين والمربين..
كلمة أخيرة... إلى المديرين والمعلمين والمربين فضلاً عن خبراء التدريب والمشتغلين به في كل مكان، يحتاج المتدرب إلى المزيد من الجهد لربط المعارف النظرية بالواقع الميداني والتطبيقي وإلى المزيد من الإبداع والتشويق في طرق التدريب وأساليب إكساب الغير المعارف والقناعات والمهارات اللازمة للتنمية والتطوير وليس في إطار جامد تقليدي غير فعال لم يعد مقبولاً في هذا الزمان.

المصدر: مجلة التدريب والتقنية
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,764,742

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters