مقدمة:
يمر العالم اليوم بمرحلة مليئة بالتطورات والتحديدات الاقتصادية الهامة نتيجة لتحولات كبرى في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فمعظم دول العالم تبنت اقتصاديات السوق وأخذت تعمل على تحرير اقتصادها من كافة المعوقات الاقتصادية في مجال التجارة والاستثمار والإنتاج والخدمات، وأصبح الاعتماد المتبادل وثيقا بين الدول في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية، هذا بالإضافة إلى الاتجاه الواضح والمتنامي نحو تعزيز دور التكتلات الاقتصادية العملاقة في صياغة وتحديد النظام العالمي الجديد.
ولعل أهم ما يميز التغيرات والتحوّلات العظمى التي يشهدها القرن الحادي والعشرين هو تطور الفكر الإداري العالمي، من النظر إلى العنصر البشري باعتباره مجرد أيدي عاملة في بداية القرن العشرين إلى الاهتمام بالعقول البشرية باعتبارها مصدر المعرفة والإبداع التي تمثل محور ارتكاز أي عمل تطويري. إن التطور النوعي في مجال إدارة الأعمال رافقه تطور نوعي كذلك في إدارة الموارد البشرية، فأصبح الحديث الآن منصبا على إدارة (أو تسيير) المعارف والكفاءات، إذ أن المؤسسة الحديثة لم تعد تعبأ بالعنصر البشري غير المؤهل وغير الكفء. هذا، فضلا على أن لواء التغيير إنما تصنعه وتحمله وتجسده الكفاءات، ولا يمكن تحقيق أي تغيير ناجح في غياب الكفاءات.
لذلك سيحاول هذا الموضوع الإجابة على مجموعة من التساؤلات حول دور التطوير التنظيمي والكفاءات في إنجاح التغيير بالمؤسسة، وذلك من خلال ما يلي:
1- ما هي دواعي التغيير وما أهميته بالنسبة للمؤسسة؟
2- ما هي المجالات التي يتم من خلالها إحداث التغيير بالمؤسسة؟
3- ما هي تقنيات التطوير التنظيمي؟
4- ما هو دور الكفاءات في إنجاح التغيير بالمؤسسة؟
5- كيف يمكن الاستفادة من الكفاءات وبرامج التطوير التنظيمي عند إحداث التغيير بالمؤسسة؟
لقد أثبتت التجارب والممارسات في كثير من المؤسسات والشركات -وفي ظل بيئات متغيرة- أن أي عملية تطوير أو تحسين تتم لا تشمل العنصر البشري محكوم عليها بالفشل، حيث أن التنمية الحقيقية ليست في تطوير المباني الفخمة أو المعدات أو التقنية المتقدمة، وإنما هي في الأساس العنصر البشري الذي يتعامل مع كل هذا، كما تؤكد معظم التوجهات الإدارية الحديثة على أهمية وجود الرؤية الحقيقية من قبل الإدارة العليا على أن أهم الأصول لديها هو رأس المال البشري المتمثل في الأصول المعرفية للعنصر البشري (الكفاءات، التأهيل) في المؤسسة.
أولا- دواعي التغيير وأهميته بالنسبة للمؤسسة:
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والذي وصف بأوصاف شتى: اقتصاد المعرفة، الاقتصاد الرقمي، اقتصاد المعلومات، والتي انعكست بوضوح على قطاع الأعمال، لم يعد هناك مكان للتسيير التقليدي الذي يقوم على قرارات فردية يتخذها صاحب المؤسسة (أو المسير)، حيث المعلومات كانت محدودة والأدوات والآليات متواضعة نسبيا والهياكل أقل بساطة، فالأسواق اليوم أصبحت مُعَولمة، ودورات حياة المنتجات تقلصت، وظاهرة المؤسسات العابرة للقارات تنامت (المؤسسة الشبكة)، واتخاذ القرارات أصبح يعتمد أكثر فأكثر على الأنظمة الخبيرة ... إلى غير ذلك من التحولات، وهذا يجعل من التغيير لا مناص منه(1)، وفي هذا الصدد يؤكد (Wind & Main) أنه من الصعب أن توجد مؤسسات تعمل في الوقت الحاضر كما كانت تعمل في الثمانينات، لأن الكثير يحاول التكيف والتعامل مع التغيير والتطور السريع، إلا أن القليل منها استطاع أن ينجح في ذلك، ويرجع السبب الرئيسي في إخفاق الكثير منها إلى غياب الكفاءات وأن القياديين في تلك المؤسسات لم يستطيعوا توفير المتطلبات الرئيسية لعملية التغيير والتعامل معه بالشكل الصحيح(2).
ومن منظور الاقتراب التنظيمي للمؤسسة، أي باعتبارها نظام يتكون من مجموعة أنظمة فرعية تتفاعل فيما بينها، وكونها تتواجد في نظام خارجي يتكون بدوره من أنظمة فرعية أخرى أشمل (اقتصادية، سياسية، اجتماعية)، فإن التغيير في هذه الأنظمة ينعكس في تغيير المؤسسة بالضرورة (3) .
1- الحاجة للتغيير:
بصفة عامة الحاجة للتغيير في المؤسسات خاصة العمومية منها، تظهر على الأقل لمواكبة الحركة الدائبة للتغييرات الاقتصادية وقوة المنافسة(4)، فمن الضروري أن يتوافر لدى المؤسسات الدافع الذاتي لإحداث التغيير، فإذا لم يعتقد أعضاءها بحتمية التغيير فلن يتوافر لديهم الالتزام بنتائجه، وبالتالي لن ينجح برنامج التغيير في تحقيق أهدافه، وتتولد الحاجة إلى التغيير نتيجة العوامل(5):
ا- زيادة حدة المنافسة الخارجية خاصة في ظل ما يطلق عليه بالعولمة وانفتاح الأسواق على بعضها، وإنظمام الكثير من الدول للمنظمة العالمية للتجارة (OMC).
ب- متطلبات الجودة الشاملة (TQM).
ج- زيادة القوة التي يتمتع بها العملاء والمستهلكون وسيادة عصر التوجه للعميل واحترام المستهلك والعمل على إرضاءه.
د- التغير المستمر في رغبات وأذواق المستهلكين.
ه- الارتقاء بمستوى جودة الخدمة وزيادة رضا المستهلك.
و- تزايد تعقُد الأعمال بسبب التزايد في حجم المؤسسات، لا مركزية السلطة، تنوع خطوط الإنتاج، الدمج، وتزايد حساسية العمليات الداخلية لقوى بيئية لا يمكن السيطرة عليها.
ز- ارتفاع الأهمية النسبية لقطاعات الخدمات على حساب القطاعات الإنتاجية.
ح- متطلبات التجارة الدولية؛ حيث يقتضي العمل والتنافس في المجال الدولي فرصا ومشكلات عديدة، ويجب أن تكون لدى المؤسسات القدرة على التنافس والتكيف مع الفوارق الثقافية وأساليب الاتصال وأخلاقيات العمل وإجراءاته.
2- أهداف التغيير:
لابد وأن يكون للتغيير المخطط والمدروس أهداف محددة يسعى إلى تحقيقها، وبصفة عامة فإن أهداف التغيير تتلخص في الآتي (6):
ا- إحياء الركود التنظيمي وتجنب التدهور في الأداء، وتحسين الفعالية من خلال تعديل التركيبة التنظيمية.
ب- التخلص من البيروقراطية والفساد الإداري.
ج- خلق اتجاهات إيجابية نحو الوظيفة خاصة العمومية منها وتنمية الولاء لدى العاملين.
د- تخفيض التكاليف من خلال الكفاءة وفعالية الأداء وحسن استخدام الموارد البشرية للآلات المتاحة، والموارد، والطاقة، ورأس المال.
ه- زيادة قدرة المؤسسة على الإبداع والتعلم.
و- بناء محيط محابي للتغيير والتطوير والإبداع.
ز- زيادة الثقة والاحترام والتفاهم بين أفراد المؤسسة.
ح- تطوير قيادات قادرة على الإبداع وراغبة فيه.
ط- خلق اتجاهات إيجابية نحو الوظيفة العامة وتنمية الولاء لدى العاملين.
ك- تحسين الانطباع الذهني لدى الرأي العام عن المؤسسة (7).
ومنه يمكن القول أنه من المهم أن تطور كل مؤسسة قدرتها على التكيف مع البيئة بدافع التعامل معها، وهذا ما يجعل من التغيير يتطلب مجموعة من الكفاءات وإدارة خاصة في المؤسسة لتطوير وتنمية حوافز عمالها، وبالتالي تطوير وتنمية كفاءتها الكلية، وهذا ما يسمى"بالمؤسسة المتفاعلة"(8).
وتكمن أهمية التغيير في كونه بات من أهم متطلبات التقدم والتطور لمؤسسات اليوم، ولم يعد ينظر إليه كوسيلة تستخدمها بعض المؤسسات تبعا لظروف معينة، التي ما إن تمر حتى تعود كل الجهود المبذولة إلى حالة الركود والاستقرار، فما يمكن ملاحظته في الوقت الراهن من تنافس كبير بين المؤسسات لتحقيق الاستقرار والنجاح، وهو ما أدى بها إلى حركة دائبة لا تهدأ مع التغيير والتطوير، لأن الصفة والسمة المشتركة بين المؤسسات المعاصرة، هي ضرورة التغيير والتطوير لمواكبة التغييرات المختلفة في محيطها الخارجي(9).
ثانيا- مجالات التغيير:
إن مجالات التغيير حظيت بكثير من الدراسات والأبحاث من قبل المهتمين بمجال التغيير وذلك لأهميتها، ويشمل التغيير في المؤسسة عدة مداخل ( المدخل الوظيفي، المدخل الإنساني، المدخل الهيكلي، المدخل التكنولوجي...)، إلا أن الباحثين سيتعرضان بالدراسة والتحليل إلى المدخل الإنساني باعتبار أن الإنسان هو العنصر الموجه لحركة المؤسسة، ويلعب السلوك الإنساني دورا بارزا في عملية التغيير، حيث يتوقف التغيير بدرجة كبيرة على قبول الأفراد له وتعاونهم في إنجاحه، وانطلاقا من ذلك فقد ركز الكثير من الكتاب والباحثين على إحداث التغيير من خلال الأفراد القائمين بالعمل، ويتمثل ذلك في ناحيتين هما(10):
1- التغيير المادي للأفراد: من خلال الاستغناء عن بعض العاملين أو إحلال غيرهم محلهم.
2- التغيير النوعي للأفراد: وذلك بالتركيز على رفع المهارات وتنمية القدرات أو تعديل أنماط السلوك من خلال نظم التدريب أو تطبيق قواعد المكافآت والجزاءات التنظيمية.
أما عند علي الشريف فإن التغيير الذي يشمل النواحي الإنسانية في المؤسسة، يتم من خلال إدخال التغيير في مجالين هما:
1- المهارات والأداء: ويستخدم لذلك ثلاث مداخل:
أ- الإحلال: أي الاستغناء عن العاملين الحاليين واستبدالهم بأفراد أكثر كفاءة وإنتاجية، إلا أن هذا الإحلال يصعب تطبيقه.
ب- التحديث التدريجي للعاملين: بمعنى وضع شروط ومعايير جديدة لاختيار العاملين الجدد.
ج- تدريب العاملين: أي تدريب العاملين الموجودين على رأس العمل بهدف تحسين أدائهم للعمل من خلال إكسابهم مهارات جديدة.
2- الاتجاهات والإدراك والسلوكيات والتوقعات:
وذلك بأن يتم التغيير من خلال الاتجاهات والإدراك والتوقعات للمديرين، ويطلق على هذا التغيير في مجال الدراسات الإدارية "التنمية الإدارية"، وتعرف التنمية الإدارية على أنها "استثمار في مختلف الجهود والإمكانيات التي توفرها المؤسسة للعمليات المستمرة لإعداد المدير وتجهيزه لإدارة مرؤوسيه وللمساهمة في تحقيق الأهداف الإستراتجية للمؤسسة، من خلال توسعة قدراته على مواجهة المهمات المعقدة في الحاضر والمستقبل" (11) ، أما التغير الذي يستهدف اتجاهات ومدركات وسلوكيات وتوقعات العاملين، هذا التغير يطلق عليه في مجال الدراسات الإدارية اصطلاح التطوير التنظيمي وهو الذي نحن بصدد دراسته لاحقا(12).
وتعد الاتجاهات من أكثر المفاهيم السلوكية أهمية في دراسة السلوك الإنساني وتفسيره، وهذا ما أدى إلى وجود كم هائل من البحوث والدراسات المنشورة حول الاتجاهات ووجود العديد من المؤلفات التي تناولتها بالتحليل والمعالجة، ورغم ذلك فإن هناك اختلافا كبيرا بين الباحثين حول الاتفاق على إيجاد تعريف لمصطلح الاتجاهات(13)، ويرجع ذلك إلى أن الاتجاهات غير ملموسة وبالتالي لا يمكن رؤيتها ولكن يمكن استنتاجها، كما يرجع غموضها إلى تداخلها مع بعض المفاهيم الأخرى مثل: الآراء، المعتقدات، القيم، ورغم اعتراف الكثير من الباحثين بأن التفرقة صعبة للغاية في الحياة العملية بين الاتجاهات والآراء والمعتقدات وغالبا ما يتم استخدامها بمفهوم واحد، إلا أنه يمكن أخذ التعريفين التاليين لتحديد مفهوم الإتجاهات.
عَرٌَفَ السلمي الاتجاهات بأنها: "تنظيم متناسق من المفاهيم والعادات والمعتقدات والدوافع بالنسبة لشيء محدد"(14)، وذكر أن الاتجاهات في الأساس هي وجهة نظر الإنسان بالنسبة لشيء محدد، شخص، أو موضوع، أو مكان، وقد فرق بين الاتجاه والقيم بأن القيم تتعلق بأمور عامة وأشياء مجردة كالوفاء والصدق.
كما عُرِفت الاتجاهات بأنها تعني: "الاستعداد المسبق للاستجابة لبواعث معينة، مواقف، أحداث، أفراد/ مواضيع، شيء ما بطريقة محددة"(15)، وهذا التعريف يدل على أن استجابة الفرد مبنية على خبراته السابقة واحتكاكه ببيئته الخارجية، وهناك ثلاثة عناصر أساسية للاتجاهات وهي(16):
ا- عنصر المعرفة والمعلومات: وهو فهم واستيعاب وإدراك الموضوع أو الموقف أو الحدث من قبل الشخص، حيث أن ما يتوفر لدى الفرد من معرفة ومعلومات وثقافة وخبرات سابقة وتجارب تجاه موضوع معين تنعكس على تصرفاته ومشاعره اتجاه هذا الموضوع.
ب- عنصر العاطفة والوجدان: وهو شعور الفرد الإيجابي أو السلبي نحو الموقف، فيظهر الفرد أحاسيسه ومشاعره بناءا على العنصر المعرفي والمعلوماتي، فيعبر عنه في شكل حب أو كراهية، تفضيل أو عدم تفضيل
ج- العنصر السلوكي: ويكون هذا العنصر المحصلة النهائية للعنصرين السابقين، أي مدى استعداده للتغيير ووجهة نظره عمليا.
ثالثا- تقنيات التطوير التنظيمي:
إن أساس مدخل التطوير التنظيمي الذي يعني في أبسط معانيه "عملية تغيير ملموس في النمط السلوكي للعاملين وإحداث تغيير جذري في السلوك التنظيمي ليتوافق مع متطلبات مناخ وبيئة التنظيم الداخـلية والخارجية، وأن المحصلة النهائية لتـغيير سلوك الـتنظيم هي تطـويره وتنميته "(17)، هو تأكيد أن السبب الذي يعوق ويجعل التغيير مستحيل التحقيق هو ضـعف العلاقات الشخصية في المؤسسة (18)، وهناك العديد من الطرق والأساليب التي يمكن استخدامها في التطوير التنظيمي مع وجود درجات مختلفة في كيفية استخدام هذه الأساليب المتعددة، ومن بين هذه الطرق والأساليب يتطرق الباحثين إلى ما يلي:
1- تدريب الحساسية(19):
في الصيغة الأولى لتدريب الحساسية نجد المدرب (لمدة ساعتين من الفترة التدريبية) لا يتدخل ولا يزود الأفراد بأي معلومات، في هذه الفترة يحاول المتدربون اكتشاف ما الذي يجري حولهم، وما هو المقصود بالتحديد من هذا الموقف، بعد ذلك يتدخل المدرب ويُعَرِف الجماعة بنفسه ويبدي شعوره تجاه الجماعة ثم يطلب من المتدربين إبداء رأيهم في أحد الأعضاء، وليكن العنصر (أ) مثلا، فيسمع الفرد (أ) أراء الآخرين فيه، ثم تنتقل المجموعة إلى إبداء رأيها في الفرد (ب)، ثم الفرد (ج) ثم هكذا إلى أخر فرد في المجموعة، الغرض من ذلك هو أن تتاح للمتدرب الفرصة للتعرف على نقاط القوة و الضعف لديه كما يراها باقي المتدربين، وبعد ذلك يقوم كل متدرب بعرض مشكلة من المشكلات التي تواجهه ويسمع نصائح المجموعة في الكيفية التي يجب أن يواجه بها الفرد هذه المشكلة، وأخيرا يعرض كل متدرب الخبرات التي أكتسبها في هذا البرنامج التدريبي، وكيف يستطيع التعامل مع المشكلات والموافق التي تقابله في حياته اليومية ويمكن تحديد أهداف تدريب الحساسية فيما يلي:
ا- زيادة معرفة الفرد بنفسه وسلوكه في محتوي بيئة الاجتماعية.
ب- التعرف بنفسه على أنواع العمليات التي قد تسهل أو تمنع التعامل بين الجماعات المختلفة والعمل معا.
ج- زيادة قدرة المشارك على التحليل المستمر لسلوكه الشخصي المتبادل بغرض التوصل إلى علاقات تبادلية أكثر فعالية، وتحقيق رضا أكبر بين الأفراد.
د- زيادة قدرة الفرد على التدخل بنجاح في المواقف بين الجماعات أو في ظل جماعة واحدة بصورة نريد من فعالية النواتج.
إن هذه الطريقة تحقق أهداف التطوير في تنبيه حواس الأفراد ومشاعرهم إلى المرافق المتعلقة بالعلاقات العامة ومن ثَم تعميق ادارك الفرد للمتغيرات الشخصية ومدى تأثيرها في التفكير والسلوك.
2- بناء الفريق: ينطلق هذا الأسلوب من تركيز السلوك التنظيمي على جماعات العمل بدلا من الفرد، ويستهدف زيادة فعالية جماعات العمل عن طريق تحسين علاقات العمل وتوضيح أدوار العاملين، ويمكن أن يأخذ شكل مجموعات الزملاء في العمل أو أي جماعة أخرى لا تتشكل بالضرورة من الزملاء في العمل(20)، وتقوم هذه الطريقة على افتراضين أساسين(21):
الافتراض الأول: لزيادة إنتاج الجماعة، فإن على أفرادها أن يتعاونوا على تنسيق جهودهم في العمل نحو إنجاز المهام الملقاة على عاتقهم.
الافتراض الثاني: لزيادة إنتاجية الجماعة لابد من إشباع الحاجات المادية والنفسية لأفرادها.
إن الإستراتجية العامة لبناء الفريق تتلخص في قيام خبير بناء الفريق بمساعدة الجماعة على مواجهة القضايا الأساسية التي تولد شعورا بالإحباط لدى الأفراد، والكشف عن هذه المشكلات والتصدي لها يزيد من احتمالات تحسين أداء الجماعة في المستقبل.
كما يعمل هذا الأسلوب على تنمية وتغيير ثقافة وقيم الأعضاء المشاركين عن طريق تعريفه لخبرات علمية ونظرية بشكل ينعكس إيجابيا على سلوكهم وتعاملهم أثناء العمل، ومن هذا الأسلوب يلاحظ أن أهم حافز للفرد في مجال عمله هو انتماؤه إلى جماعة العمل، مما يعمل على تعزيز الاتجاهات السلوكية الإيجابية(22).
ويعتبر النموذج العام الذي قدمه (Baker) ملخصا جيدا لطريقة بنا الفريق، ويمكن تلخيص نموذج (Baker) في الخطوات التالية(23):
ا- تقوم الإدارة بتقديم خبير بناء الفريق إلى الجماعة، وتشرح دوره وتحدد موعد المقابلة الأولى بين الخبير و الجماعة.
ت- أثناء التحضير للمقابلة الأولى يقوم الخبير بجمع البيانات عن أعضاء الجماعة عن طريق استمارات استقصاء بهدف قياس المناخ التنظيمي، و الأنماط القيادية ومدى الرضا عن العمل.
ج- يقوم الخبير بعقد المقابلة الأولى مع الجماعة، وفيها يقدم ملخصا للمعلومات التي تم جمعها.
د- يقوم الخبير بتحليل البيانات وعمل ملخص للمعلومات التي ثم التوصل إليها تمهيد لعرضها على جماعة المقابلة المبدئية.
ه- بناءا على هذه المعلومات تقوم الجماعة بمساعدة الخبير على تحديد المشكلات التي تواجهها في العمل وباقتراح الخطط العلاجية لهذه المشكلات التي تواجها في العمل، وبذلك تكون الجماعة قد تمكنت من تحديد الحواجز التي تعترض طريقها نحو تحسين الأداء وتحقيق الفعٌالية.
و- يتم إعداد جدول للمقابلات المستقبلية بين الخبير والجماعة لمراجعة تطبيق الخطط العلاجية ومناقشة مشاكل التطبيق وتعديل الخطط بناءا على ذلك.
وباستخدام أسلوب بناء الفريق على مستوى المؤسسة ككل، فإن الفرد يكون منظما لفريقين: فريق مع رئيسة وفريق مع مرؤوسيه، إن ذلك من شأنه أن يحقق التنسيق والتعاون بين أفراد الجماعة الواحدة وبين الجماعات وبعضها.
(الفرد يكون منظما لفريقين: فريق مع رئيسه وفريق مع مرؤوسيه)
3-الإثراء الوظيفي: يقصد بالإثراء الوظيفي توفير الرغبة والتحفيز لدى الفرد بالوظيفة المناطة به، وجعلها غنية بمسؤولياتها ومستوعبة لطاقاته ومهاراته، بحيث لا يكون عمله سطحيا أو هامشيا أو مجرد نشاط يمكن لأي فرد القيام به(24) ، ولذلك يهتم هذا الأسلوب بزيادة مسؤوليات العاملين في عمليات التخطيط، والتصميم، وتقويم الأداء، أي إسناد مهام إشرافية إلى الموظفين الذين لا يعملون في مناصب إشرافية لزيادة حماسهم ودافعيتهم اتجاه العمل وتجاوبهم مع التغييرات الواجب إحداثها.
4-الدراسات الميدانية وبحوث العمل: تعد الدراسات الميدانية أحد الأساليب الضرورية لإحداث التطوير التنظيمي من خلال دراسات المسح الاجتماعي الشامل بطريقة العينة أو دراسة الحالة، أو من خلال أسلوب تحليل النظم التي توفر للإدارة مزيدا من المعلومات التي تساعد في تحديد المشكلات وصياغة البدائل وإختيار البديل الأنسب، فضلا عن التعرف على رأى العاملين في نمط الإشراف والقيادة الإدارية.
وتختلف بحوث العمل عن البحوث التقليدية التي تنفرد مراكز البحث أو معاهد ودور الخبرة والاستشارة بوضعها، وتنتهي بالتوصيات والاقتراحات التي يراها الباحثون أنفسهم دون مشاركة أو تعاون أو تبادل المعلومات مع المعنيين في أقسام المؤسسة ووحداتها، فالبحوث التقليدية تنطلق من حاجة عملية البحث إلى عمق في المعرفة وإطلاع على المنهجيات وهذه غير متاحة في الميدان(25).
5- شبكة التطوير التنظيمي (الشبكة الإدارية) (OD GRID):
لقد وُضِعَ هذا الأسلوب من قبل العالمين "روبرت بليك" وزميليه "جين موتون" (Blach & Meuton) سنة 1985 (26)، ويقوم أسلوب الشبكة الإدارية على افتراض إمكان أن يجمع المدراء بين هدفين رئيسين هما: زيادة الإنتاجية من ناحية والاهتمام بالقيم الإنسانية من ناحية أخرى، ودون أن يكون بينهما تعارض أو تناقض، ويأخذ أسلوب الشبكة الإدارية شكل العرض التصوري لخمسة نماذج من السلوك الإداري، مؤسسة على متغيرين هما: الاهتمام بالإنتاج أو العمل، الاهتمام بالعاملين، ويتم تطبيق الأسلوب من خلال سلسلة من الممارسات تهدف إلى إعطاء المديرين الفرص لتحليل أوضاعهم عن طريق الشبكة، وبالتالي تعظيم الفرصة للوصول إلى الوضع المثالي، هذا الأسلوب يأخذ تطبيقه مدة مابين سنتين إلى ثلاث سنوات، ومن خلاله يتم التعرف على المدراء وأسلوبهم في القيادة والعمل على تطوير ذلك الأسلوب المتبع من المدراء ليأخذ شكله المثالي بالإضافة إلى تطوير الأسلوب القيادي، مع إخضاع التجربة بعد تنفيذها للتقييم المستمر والمنظم، وذلك بهدف تحسينها وتطويرها(27).
وقد طَوَرَ "بليك وموتون" أسلوب الشبكة الإدارية الذي بمقتضاه يستطيع المشاركين بالبرنامج التطويري من المديرين ومساعديهم اكتشاف نمط القيادة السائد لديهم أو لدى المشاركين معهم ليقارنوا بين فاعلية الأنماط وكفاءتها، ويختاروا بأنفسهم الأسلوب الذي يجعلهم يتحولون للنمط الأفضل الذي يوفق بين تحقيق أعلى إنتاجية وأعلى رضا للعاملين، من خلال اختيار النمط الملائم من بين الأنماط الخمسة التالية:
ا- نمط المدير المنسحب الذي لا يهتم لا بالعمل ولا بالعاملين.
ب- نمط المدير الاجتماعي الذي يهتم بالعاملين على حساب العمل.
ج- نمط المدير المتأرجح الذي يوزع اهتمامه بين العمل والعاملين.
د- نمط المدير المنتج الذي يهتم بتحقيق أعلى إنتاج وأقل رضا.
ه- نمط المدير الفرقي والمفضل الذي يحقق أعلى إنتاج وأعلى رضا.
6- الإدارة بالأهداف: الإدارة بالأهداف من أوائل الأساليب التي استخدمت في التطوير التنظيمي، وقد ظهرت كأسلوب حديث من أساليب الإدارة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وهى من أكثر أساليب التطوير التنظيمي قدرة على علاج المشكلات الإدارية التي تواجه التنظيم، وبموجب هذا الأسلوب يجتمع مسؤولوا الوحدات للمشاركة في تحديد الأهداف العامة ثم الفرعية لوحداتهم ويحددوا الوقت المناسب لإنجازها حتى يكونوا ملتزمين ومتحمسين لتنفيذ ومراقبة عملهم اليومي والأسبوعي ذاتيا لتحقيق الأهداف في الوقت المحدد دون تدخل مباشر أو تفصيلي مباشر من قبل الإدارة في أعمالهم اليومية(28).
7- التدريب المخبري: يهدف هذا النمط من التدريب إلى زيادة فعالية جماعات التنظيم في علاج كثير من المشكلات الإدارية ذات الطبيعة السلوكية مثل: المشكلات المتعلقة بالصراعات، اتخاذ القرارات، والاتصالات من خلال تدريب المشاركين على فهمهم لأنفسهم وللآخرين وللعديد من الجماعات بتوجيهاتها الإيجابية والسلبية، حتى يمكن تطبيق ذلك الفهم عند العودة إلى العمل عقب انتهاء التدريب(29).
8- إدارة الجودة الشاملة: تعد إدارة الجودة الشاملة (TQM) والتي ظهرت لأول مرة في القطاع الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق العالم "إدوارد دمينج"، منظومة فكرية جديدة أو نموذجا جديدا أسهم في تغيير تفكير ممارسة الإداريين في المؤسسات الصناعية ومؤسسات الأعمال الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام، كما أنها فلسفة إدارية أو مجموعة من المبادئ التي يمكن للإدارة أن تتبناها من أجل الوصول إلى أفضل أداء ممكن، وهى أيضا مجموعة أدوات إحصائية وأدوات لقياس الجودة بعضها معقد وبعضها سهل بسيط.
وتَتَبنى المؤسسات الآن إدارة الجودة الشاملة لأسباب عديدة حددها وأعدها مركز المنظمات الفاعلة التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا سنة 1996، وهى تحسين الروح المعنوية، وحفز القوى العاملة للعمل كفريق، ومحاولة إنجاز الأعمال صحيحة من أول مرة، تحسين المهارات في العمل، إدارة التغيير، غرس الأخلاقيات، تقوية المهارات الإدارية، وتقليص التكاليف(30) ، وتقوم المؤسسات الآن في القطاعين الخاص والعام بتبني إدارة الجودة الشاملة كمدخل للتطوير التنظيمي، خاصة وأن معظم مديري المؤسسات يدركون الحاجة الماسة للتغيير وتحسين الخدمات في عصر تتزايد فيه عجوزات الموازنات وندرة الموارد، وإدارة الجودة الشاملة كإستراتيجية للتحول أو إدارة التغيير التنظيمي هي أسلوب لتحسين العملية الإدارية التي تهدف في النهاية إلى تحقيق الجودة وزيادة الإنتاجية دون أية موارد جديدة، وهى تعتمد على النظرية القائلة " كلما ازداد إشراك العامل في تحديد الأهداف التنظيمية ازداد التزاما بالأهداف"(31) ،
ومن أهم الركائز الرئيسية لنظام إدارة الجودة الشاملة ما يلي
ا- مساندة والتزام الإدارة العليا.
ب- التوجه الكامل نحو العميل.
ج- أهداف مكتوية للجودة الإنتاجية، إضافة إلى خطة سنوية للتحسين.
د- معايير ومقاييس الجودة ذات معنى لبرامج المؤسسة المعنية.
ه- استخدام خطة التحسين ونظام القياس للعاملين والمديرين.
و- مكافآت للإنجاز في مجال الجودة والإنتاجية.
ز- التدريب على أساليب تحسين الجودة والإنتاجية.
ح- تقليل عوائق تقليل الجودة الإنتاجية.
ويقوم هذا الأسلوب على بعض المقومات الفكرية التي تجعل منه أسلوبا تطويريا مناسبا؛ فهو يقوم على ضرورة قبول التغيير والاقتناع بأهمية المناخ المحيط، والاعتراف بأهمية الطلب على الخدمة واستيعاب التكنولوجيا واستخدامها بذكاء وخاصة تكنولوجيا المعلومات، وقبول المنافسة وإدراك أهمية استثمار طاقات المؤسسة ووقتها، واعتبار العالم وحدة متكاملة والخروج عن الحيز الإقليمي والتكامل مع الآخرين، وإدراك أهمية العمل وجعله معيار الاختيارات، والابتعاد عن الفردية والتشتت، والاعتماد على العمل الجماعي والنظر إلى المستقبل وعدم الانكفاء على الماضي أو الانحصار في الحاضر، والاقتناع بأهمية الحركة ورفض الجمود في الهياكل والتنظيمات، وإعادة النظر في المسلمات الإدارية الكلاسيكية، والتسلسل والتتابع في الفكر أو العمل، وأخيرًا احترام العنصر البشري كأقوى وأهم أساس في نجاح الإدارة المعاصرة.
رابعا- تنمية الكفاءات كأساس للتغيير في المؤسسة:
يتجسد تفعيل دور المورد البشري عموما في العملية التغييرية من خلال إشراكه في التصور وصيانة العلاقة معه واقحامه في العملية بفعالية، ويمكن تمثيل هذه الأبعاد الثلاثة (vision, processes, relation)
العمليات والعلاقات.
منذ نحو عشر سنوات تغير منطق وظيفة الموارد البشرية من إدارة الأفراد إلى إدارة الكفاءات، وكان ذلك في الواقع نتيجة لتغير في هيكل ودور المورد البشري في المؤسسات، ففي فرنسا مثلا خلصت إحدى الدراسات التي صدرت سنة 2002 إلى أن حوالي 70% من المؤسسات الفرنسية تعتمد أنظمة قائمة على الكفاءات، أو على الأقل تنوي ذلك على المدى المنظور، وتنفق في سبيل هذا الغرض أموالا ضخمة(32).
وتعرف المجموعة المهنية الفرنسية (Medef) الكفاءة (La compétence) بالقول: "الكفاءة المهنية هي تركيبة من المعارف والمهارات والخبرة والسلوكيات التي تمارس في إطار محدد، وتتم ملاحظتها من خلال العمل الميداني، والذي يعطي لها صفة القبول، ومن ثم فإنه يرجع للمؤسسة تحديدها وتقويمها وقبولها وتطويرها" (33).
وتعٌَرَف الكفاءة كذلك بأنها: "مجموع المعارف والمهارات التي يمتلكها الفرد التي تمـكنه من أداء عمله بشكل أحسن"(34) ، ولا يخفى أن الكفاءات اليوم أضحت تمثل الميزة التنافسية الأكثر حسما مابين المؤسسات، فالكفاءة هي التي تصنع التفوق، وفي المثل الأجنبي يقال: "C’est la compétence qui fait la différence"، وهو ما جعل الكفاءة ودرجة التأهيل هي المرجع (Un référentiel) في توصيف الوظائف وتصميم هياكل المؤسسات.
أما تسيير الكفاءات فيعني:" التأثير في معارف ومهارات وسلوكيات المورد البشري ليكون أكثر قدرة على تحسين عوائده والتكيف مع التطورات الحاصلة في المحيط"(35).
فالكفاءات إذن تمثل قوائم أو بيانات للسلوكيات والتي يكون بعض الأشخاص أكثر تحكما فيها من الآخرين، مما يجعلهم أكثر كفاءة في حياتهم اليومية للعمل، أما فيما يتعلق بأنواع الكفاءات فهناك الكثير من التصنيفات لها، ونهتم بالتصنيف من خلال الكفاءات الفردية والكفاءات الجماعية التي تساهم في تطوير الكفاءة داخل المؤسسة.
1- أنواع الكفاءات:
ا- الكفاءات الفردية: مهما كان مستوى الأفراد في الهيكل التنظيمي للمؤسسة، فإن المناصب التي يشغلونها تتطلب كفاءة معينة لأداء مهامهم بصورة تحقق معها أهداف المؤسسة، وفيما يلي أهم الكفاءات التي ينبغي توفرها في الأفراد:
- أن يكون شخصا يعرف كيف يتأقلم مع الظروف المتغيرة والغامضة ويعمل بطريقة مرنة.
- التعلم للتحكم السريع في التقنيات العملية.
- لديه روح اتخاذ القرار وإدارة وقيادة المرؤوسين بطريقة فعالة.
- إيجاد جو ملائم للتطوير من خلال مضاعفة التحديات التي تعمل على إيجاد المناخ الملائم لتطوير عمل المرؤوسين.
ب- الكفاءات الجماعية: تعتبر الكفاءات الجماعية أهم انشغال للمؤسسات المعاصرة، وتنشأ هذه الكفاءات من تآزر الكفاءات الفردية، ويمكن تحديد وجود هذه الكفاءات من خلال مؤشرات الاتصال الفعُال الذي يسمح بوجود لغة مشتركة بين جماعة العمل، وتوفير المعلومات الملائمة للجميع، وكذا التعاون بين أعضاء الجماعة مما يسمح بانتقال الكفاءات ومعالجة الصراعات.
وتطوير الكفاءات البشرية باعتباره جهدا استثماريا، يركز على زيادة المعارف والقدرات لدى جميع الأفراد العاملين وهذا لتدعيم العناصر الأساسية المميزة للكفاءات البشرية، حيث أدخلت مفاهيم جديدة مثل الجودة البشرية والتكنولوجيا البشرية التي تتحكم فيها عناصر التخصص الدقيق ذو الجودة العالية والمشاركة الفعٌالة للفرد في إدارة التنمية بحيث يكون الإنسان محور جميع العناصر السابقة"(36).
وتنبثق إستراتيجية تنمية الكفاءات من إستراتيجية عامة لتنمية الموارد البشرية في المؤسسة، التي تستند بدورها إلى تسيير المعارف (KM)الذي اكتسح عالم الأعمال، والذي يعد بدوره تطورا نوعيا لمذهب العقلانية في التسيير الإستراتيجي.
ويعد تسيير المعارف نمط جديد في استغلال وتثمين المورد البشري، الذي أضحى الآن رهان إستراتيجي بالنسبة للمؤسسات (أو المنظمات بشكل عام)، ويتضمن تسيير المعارف عدة أبعاد، الإنتاج، التنظيم، تكنولوجيا المعلومات والاتصال، رأس المال البشري كمنتج مزدوج المرجع يجمع بين المعارف (الجامعة) والكفاءة (المؤسسة).
إن التركيز على الكفاءات (التكوين) لا ينبغي أن يغفلنا عن الشق الثاني للمورد البشري والمتمثل في العمال المنفذين (التأهيل)، فالمورد البشري (H2) مكون من جزأين: الكفاءات (H’) والعمال ("H) أي أن (" H +H’=H2)، وإذ يمارس هذا المورد عملياته (o) سيتكون مركب ثالث هو (H2O)، ويعبر هذا المركب عن مدى التلاحم بين المورد البشري والعمليات التي يؤديها، فجودة العمليات تخضع أساسا لمستوى التكوين والتأهيل المتاح لدى هذا المورد، وبإضافة عنصر رأس المال (K) إلى هذا المركب تستطيع المؤسسة خلق قيمة مضافة (V)(37).
ويمكن التعبير عن ذلك كما يلي:
v = K + H20
<!--<!-- <!--[if gte mso 10]> <mce:style><! /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} --><!--[endif]-->
خامسا- التطوير التنظيمي كإستثمار في الكفاءات:
تطوير الكفاءات ليس تقنية جديدة من أجل الحصول على مؤهلات مفيدة فقط، إنما هو موقف أو سلوك يجب تبنيه من طرف المؤسسة لزيادة كفاءتها التنظيمية والتي ترتبط بمدى الاستجابة للتغييرات التي تحدث على مستوى محيطها، إذ يتم وضع نظام للأجور على أساس الكفاءة لكونها المعيار الوحيد الذي نعتمده عند الزيادة في الأجور، وتفتح المجال أيضا لترقية الفرد، والتطوير التنظيمي يلعب دورًا هاماً في عملية تطوير الكفاءات، ويمكن النظر لذلك من خلال الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها:
- أهداف بيداغوجية: وتتمثل في المعارف التي يكسبها المتدربون وتعتبر موردا مهما لبناء كفاءة الأفراد.
- أهداف الكفاءات: ونشير إلى الكفاءات التي يشكلها المتدربون من المزج وتجديد الموارد (المعارف، الدراية...)، والتي اكتسبوها من التدريب وتصاغ هذه الأهداف بالفطرة على التطبيق العملي للنشاط.
- أهداف التأثير: وتتمثل في تأثيرات التطوير التنظيمي على أداء المؤسسة، ويمكن أن تظهر من خلال مؤشرات مثل الجودة، والمخرجات، ونجاح التغيير...الخ.ومع أهمية العناية باستراتيجية الموارد البشرية داخل المؤسسة، وبعنصر الكفاءات بوجه خاص، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يخضع إلى حد كبير إلى مستوى منظومة التعليم والتكوين في المجتمع بوجه عام، ومنظومة البحث والتطوير بوجه خاص، فالمؤسسة ليست نظاما معزولا أو مغلقا، فعدم توفر الدولة على نظام وطني للتجديد (un system national d’innovation)، يجعل من الحديث عن الكفاءات وعن البحث والتطوير وعن التطوير مجرد أضغاث أحلام، وحتى مع توفر ذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق المؤسسة نفسها في مباشرة أنشطة تدريبية وتكوينية داخلية بهدف صقل المهارات المتاحة وتحديثها باستمرار، ويتم تكريس هذا التحديث من خلال إيجاد خلية متخصصة لما أصبح يعرف بالذكاء الاقتصادي(un service d’intelligence économique) ، وبذلك تصبح المؤسسة مستحدثة باستمرار، وتسير إلى جانب منافسيها وليس ورائهم.