إدارة الجودة الشاملة في الإسلام تشير إلى تطبيق المفاهيم والمبادئ الإسلامية في إدارة الجودة في المؤسسات والشركات. وتهدف هذه الإدارة إلى تحسين جودة المنتجات والخدمات والعمليات التي تقوم بها المؤسسات، بطريقة تتفق مع مبادئ الإسلام وقيمه.
تعتمد إدارة الجودة الشاملة في الإسلام على عدة مبادئ، بما في ذلك المسؤولية المشتركة والتعاون والشفافية والعدالة والأخلاق والتميز، وتعتبر هذه المبادئ أساساً لنجاح أي منظومة إدارة جودة شاملة.
ويشمل نطاق تطبيق إدارة الجودة الشاملة في الإسلام جميع جوانب حياة المؤسسة، بما في ذلك الإدارة العليا والموظفين والعملاء والموردين، وتشمل العمليات الإدارية والإنتاجية والتسويقية والخدمية.
وتهدف إدارة الجودة الشاملة في الإسلام إلى تحقيق مستوى عالٍ من الجودة والكفاءة والإنتاجية في المؤسسات، وتعزيز الثقة بين العملاء والموردين، وتحقيق التميز المؤسسي، وتعزيز الرضا والسعادة لجميع الأطراف المعنية.
ويمكن تحقيق هذه الأهداف من خلال توفير بيئة عمل إسلامية صحيحة وتطبيق المبادئ الإسلامية في جميع جوانب المؤسسة، بما في ذلك إدارة الموارد البشرية والتدريب والتطوير والتخطيط والتحليل والتنفيذ والرصد والتقييم.
إن محاولة الاستفادة من التطورات العلمية الحديثة أمر يطلبه الإسلام ويرغب فيه بل ويحث عليه انطلاقا من أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ولكن لا يمكن أن تتحقق الاستفادة إلا إذا تمت المحاولة بوعي وإدراك، ولتحقيق هذا الوعي فإنه لا بد من تحقيق أمرين:
الأمر الأول: المعرفة الكاملة بالأصول الثقافية الغربية لما نريد نقله واقتباسه.
الأمر الثاني: المعرفة الكاملة بأصولنا الثقافية للموضوع الذي نريد نقله واقتباسه"
وبهذا تصبح المفاهيم المقتبسة من الحضارات المعاصرة ذات دلالة واضحة في منهجيتنا.
تُعرف الجودة الشاملة بأنِّها: مجموعة المعايير والمواصفات والخصائص والمقاييس التي تنبغي أن تتوفر في كافة عناصر النظام التعليمي، لتحقيق رغبات وتوقعات رضا الطلاب والمجتمع المحلي، بما يحقق مخرجات متميزة رائعة تلبي حاجات المجتمع ككل، ورغبات الفرد باعتباره وحدة بناء هذا المجتمع.
مبدأ الجودة قديم الوجود، وتجلَّى في حضارة وادي الرِّافدين، قبل أكثر من خمسين ألف سنة، إذ احتوت تشريعات حَمُورَابي على نَص فحواه: أنَّ من يَبني بيتاً يسقُط على ساكنيه، فيقتلهم فإنِّ عقوبته الإعدام، فما هذا التشريع إلا تكريس لمبدأ الجودة والإتقان والحَث على ذلك. ثم جاء القرآن الكريم فأكَّد هذا المبدأ منذ أربعة عشر قرناً وسبع وثلاثين سنة من الزمان في قوله تعالى ﴿ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾. [النمل : 88]. وقوله تعالى ﴿ لقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم﴾. [التين : 4]، فهي دلالة على جودة الخلق، وإحسان وإبداع الخالق.
قول الرسول . ﷺ .: " إنّ الله تبارك وتعالى يُحب إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يُتقنهُ ". فالإسلام بشموليَّته [عقيدة وشريعة، وأخلاقاً، وكفلسفة موجهة للكون والإنسان والحياة]، هو كمال الجودة وتمامها، ومنه يُمكن فهم البُعد اللانهائي في قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. [المائدة : 3]، مما جعل المُتمسكين بأحكامه يترجمون هذه الفلسفة في كل أمور حياتهم، فسيدنا يُوسف- عليه السلام- طَلب من فرعون مصر أن يُوليَّه خزائنها، لأنِّه أقدر على إجادة عمله وعبَّر عن ذلك بصفتي: الحفظ، والعلم كأساس لنجاح عمله، وسبب لجودته وإتقانه في قوله تعالى: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم ﴾. [يوسف : 55]
إذاً الإسلام دين الجودة والإبداع، فهو دين الله الكامل والجودة ليست جديدة على الدِّين الإسلامي، فمفهوم الجودة حاضرٌ في كل تعاليم الإسلام بكل مضامينه، لذا ينبغي على التربويين أن يستنبطوا معاني الجودة من مفاهيم الإسلام، ويعملوا على تحقيقها في كل الميادين، وعلى رأسها العملية التعليمية خاصة أن الإسلام يهتم بالعلم، ويحث عليه، فمن باب الأولى أن تتحقق في العملية التعليمة برمتها مبادئ الجودة الشاملة، التي أصبحت أكثر المفاهيم انتشاراً، لتطوير أساليب العمل في مختلف المجالات.
كما أن مصطلح الجودة في القرآن الكريم متمثل في لفظ الجياد في الآية الكريمة في قوله تعالى﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد ﴾. [ص : 31]. أي عُرض على نبي الله سليمان- عليه السلام - الخيل الصافنات، أي الواقفة على طرف الحافر كناية عن النشاط، والحيوية، والقوة، والتأهب للانطلاق، والانقياد بفارسها. أما لفظ الجِّياد فيعني الجيِّدة في الجري، والانقياد التي تؤدي ما يطلب منها بصورة جيِّدة.
وانطلاقًا من هذا الوصف القرآني المجيد للخيل وقوفًا وانطلاقًا أطلق لفظ جواد على الحصان لما يمتاز به من جري سريع قوي بصورة جيِّدة. فالجودة ضرورة فرديَّة وحضاريَّة واجتماعيَّة وشرعيَّة، لأن الإسلام شريعة الله إلى البشر، لذا يقتضي تطوير الإنسان وتهذيبه، ليتمكن من أداء مهمته بشكل جيِّد، فهو محاسب لقوله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾. [الصافات : 24]. ولهذا كانت الجودة ضرورة شرعيَّة وليست فقط خياراً بشرياً قال تعالى:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾. [القيامة : 36].