ثورة مصر

edit

 

هو قسم يتضمن مقالات سياسية تتحدث حول شأن الأوضاع السياسية فى مصر والعالم العربى بدءاً من أحداث ثورة 25 يناير " ثورة الصبار"

مدرسة تطاولت قامات رموزها فبلغت مسارح النجوم، زرعوا بأفكارهم ورؤاهم كل نبت قد ينبت أسمى ما تصبو إليه مجتمعاتنا، لكن الاستبداد بأنظمته ـ عبر العصور ـ أبى إلا أن يئد تلك الأفكار والرؤى، فلا يُسمع لها غير صوت هامس، لا ينفذ إلا لأشد الأسماع انتباها. وفي المقابل أتاحت تلك الأنظمة للإسلامية التقليدية أن ترعد أفكارها في سماء بلادنا، حتى كادت تصم آذان الناس، فلا يسمعوا صوتا لغيرها، وما استتبع إرعادها ذاك شئ من خير ـ كثير أم قليل ـ يهبط إلى مجتمعاتنا فتغنى به عما سواه.

 

نعم هذه مدرسة رغم سموق قامات روادها، ورغم تفردهم بين نظرائهم، كلٌ في العصر الذي كانت به حياته، غير أن آرائهم قبرت ـ على الدوام ـ فلم يتردد صداها في حياة الناس، باستثناء الفترات التي قدر لأحدهم أن يحوز سلطان تنفذ به آرائه إلى أرض الواقع، ونادرا ما كان يثقل القدر كاهل أحدهم بشئ من سلطان، إلا على أتباعهم ومريديهم الذين آمنوا بما بعثوا به وصدقوه، ثم لم يألوا جهدا في نشره بين الناس.

 

ومن بين هذه الندرة التي ملكت السلطة فأنفذت رؤاها إلى مجتمعها سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه). هذا المتفرد العظيم، الذي تتعدد جوانب تفرده وتميزه فلا نكاد نحصيها، ويعنينا في هذا الموضع أن نسلط شعاعا من ضوء على جانب من جوانب هذا التفرد، وهو إقراره للمنطلق الأول من منطلقات تيارنا، "الثورية أو الجذرية كمنهج تغيير"، إذ عددت لنا سيرته مواقف تؤكد على هذا المنطلق، لعل أشهرها تلك الرواية التي سأل الناس فيها أن يقوموه إن رأوا فيه اعوجاجا، فقال له أحدهم:"والله لو علمنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا"، فحمد الله أن جعل في المسلمين من إذا جار عمر قومه بسيفه.

حاكم يقر الخروج ـ بالقوة ـ على نظامه إن شابه ظلم أو طغيان!!.

إن هذا النموذج الفريد ربما لا يكون له نظيرا، ليس فقط في تاريخنا بل في تاريخ الإنسانية جمعاء. ويتصدر تيارنا الإسلامي التقدمي ذاك المتفرد، كيف لا؟ّ!، وهو أول من رسخ لتلك الفكرة في المجتمع الإسلامي الأول، فكرة التقدمية.

 

هو المجتهد الثاني ـ كما وصفه الأستاذ العقاد ـ بعد رسولنا الأكرم صلوات الله عليه وسلم)، فالصحابي الجليل هضم الماضي (التجربة النبوية)، ثم انطلق في آفاق الحاضر يجتهد رأيه، لا تابعا لرأي غيره حتى لو كان رأي المعصوم (صلى الله عليه وسلم) ـ وذلك في أمور كثيرة ـ مدركا ضرورة التغيير لمواكبة تغيرات الواقع، متطلعا إلى المستقبل، فقد كان حاضرا لديه ( من ذلك اجتهاده في مسألة تقسيم أرض السواد، إذ رفض عمر "رضي الله عنه وأرضاه" أن يقسم الأرض كما سبق وفعل رسولنا الكريم بأرض خيبر، مبررا رأيه ذاك بحفظ حق الأجيال القادمة، إضافة إلى خوفه من مفاسد قد تنشئ عن توزيع الأرض).

 

وإذا كنا نجد المنطلق الأول من منطلقات "الإسلامية التقدمية" حاضرا في التجربة العمرية، فكذلك حال المنطلقات الثلاث الأخرى ( العدالة الاجتماعية كنظام اجتماعي، الديمقراطية كنظام سياسي وـ بالقطع ـ الإسلامية كمرجعية نهائية)، كما شكلت هذه المنطلقات ـ التي عددناها ـ القضايا التي تمحورت حولها سير رواد تيارنا الأوائل جميعهم، أما المنطلق الرابع "القومية العربية كتطلع وحدوي" فقد ادخره التاريخ ليبسطه في العصر الحديث، فيندفع مفكرو عصرنا ذاك ليدلي كل منهم بدلوه ـ في تلك المسألة ـ بما يتفق وتوجهه الفكري.

فمنهم من شيد بناء القومية العربية على أساس من الجنس أو العنصر، ومنهم من نبذ هذه الفكرة ـ جملة وتفصيلا ـ على أي أساس من الأسس، وعدها دعوى جاهلية، ليتطرف هؤلاء على الجانب المقابل، وهو الموقف الذي تمترست وراءه "الإسلامية التقليدية"، بينما نحى أعلام تيارنا (السيدان جمال الدين والكواكبي) منحى مغاير لهذين المنحيين المتطرفين، فكان مذهبهما في القومية قائما على رؤية مفادها أن العربية هي لسان وآداب وثقافة، وطريقة للعيش في شتى نواحيه، و"أن كل أمة ينبغي أن تتمسك بجامعتها القومية، وأن ذلك لا ينافي الإسلام في شئ" (كما قال مولانا جمال الدين)، وأن للوحدة دعائم عدة لابد أن تتوافر حتى يرتفع بناءها راسخا شامخا.

 

"الإسلامية" و "التقدمية" ـ ماذا نقصد بهذين المصطلحين؟

الإسلامية لدينا هي “الأصول العامة المطلقة، والتي تحتوي علي مضامين أخلاقية، وفلسفية، وتشريعية، مصدرها الدين الإسلامي ( وتشاركه في كثير منها الأديان السماوية الأخرى)، وهذه الأصول العامة المطلقة تحكم بصورة مباشرة وغير مباشرة (عبر تجنب ما قد يتعارض تعارضا قطعيا مع ما تدعو إليه) كل فعل يقوم به معتنقيها، وتُعني تلك المرجعية بالدرجة الأولى بتحقيق مصالح الناس”.

 

والإسلامية تبعا لهذا التعريف تأبى أن تكون قاصرة على جماعة دون أخرى، أو تيار دون آخر، إذ تفتح ذراعيها لجميع التيارات ليدخلوا تحت عباءتها، شريطة أن يبتغوا المصلحة العامة (فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله كما قال الإمام ابن القيم)، وألا تتعارض الأفكار التي يروجوا لها تعارضا قطعيا مع مطلقات المرجعية الإسلامية، ومن ثم فهذه المرجعية لا تقف حائلا بين أي تيار أو جماعة وبين أن تبدع أو تتبنى ما عنى لها من فكر، أو فلسفة، أو تشريع تتحقق به مصالح الناس، بما لا يتعارض مع المطلق...." *.

 وهنا نستطيع القول بأن دعاة المرجعية الإسلامية الذين يقدمونها بحسبانها أيدلوجية في مقابل ـ على سبيل المثال ـ الاشتراكية أو القومية...، هم جاهلون تماما بماهية المرجعية الإسلامية، بل ومتاجرون بها (وأغلبهم كذلك)، فهي مظلة تتسع لمختلف التيارات الفكرية، ومن ثم التعامل معها باعتبارها أيدلوجية ضيقة ذات  توجه محدد، وإيهام الجماهير بذلك، هو نوع من الدجل والشعوذة الذي تمارسه القوى الإسلامية.

 

وإذا انتقلنا لتوضيح ماذا نعني ب"التقدمية" في تيارنا؟ سنجدها تقوم على دعائم ثلاث:

أولا: استيعاب الماضي، بمعنى الاطلاع على التراث وهضمه بشكل كامل، ثانيا: مواكبة تغيرات الواقع والتعاطي معها بما يتفق والشخصية الثقافية التي تشكلت على أساس الدعامة أو القاعدة الأولى، أما الدعامة الثالثة فتتمثل في التطلع دوما إلى المستقبل، والاهتمام بالمصير.

 

أهمية وجود هذا التيار: (السمات المميزة)

هذا التيار ـ الذي ندعو لإنشائه ـ هو تيار قائم على أسس مدرسة فكرية أصيلة تمتد جذورها في عمق تاريخنا العربي الإسلامي، يحمل فكرة واضحة محددة المعالم والمنطلقات، وهو أمر ـ بكل تأكيد تفتقده الأحزاب والجماعات التي تنتمي لذات الدائرة؛ الدائرة الإسلامية، إلى جانب ذلك فالمنطلقات التي نتحدث عنها هي بمثابة دعائم لمشروع النهضة المأمول، بل لا يستطيع أي مشروع نهضوي متكامل أن يتجاهل أيا من العناصر التي عددناها كمنطلقات لتيارنا (وهي الثورية أو الجذرية كمنهج تغيير، العدالة الاجتماعية كنظام اجتماعي، الديمقراطية كنظام سياسي، القومية العربية كتطلع وحدوي، والإسلامية كمرجعية نهائية).

 

إضافة إلى ذلك هناك أهمية عملية لوجود هذا المشروع ـ في المرحلة الراهنة ـ على الساحة السياسية، فمن الواضح أن جزءا كبيرا من مجتمعنا يتجه بقوة نحو الإسلامية السياسية، وذلك رغم عدم الوضوح الذي تتسم به أطروحات القوى المتبنية تلك المرجعية، واتخاذهم مسارا سياسيا مخالفا ـ ولن نقول معاديا ـ للمسار الثوري، فهذه القوى جميعها هي ربيبة "الإسلامية التقليدية"، والتي لطالما كانت معادية للنهج الثوري، (وهذا التوجه نحو تلك القوى راجع ـ في جزء كبير منه ـ إلى أنها هي المتواجدة بحق على أرض الواقع، والمتواصلة بقوة مع الجماهير عبر العمل الدعوي والدور الاجتماعي والخدمي البارز الذي تقوم به، في المقابل نبصر التيارات المنافسة خلو من مثل هذا التواجد أو ذاك التواصل!)، ومن ثم نحن نزعم أن هذا التيار (وهو ينتمي لذات الدائرة) إضافة إلى كونه ـ في أفكاره ـ الأكثر ملامسة لتطلعات الجماهير سيكون بمثابة المنقذ لهم من الصراع الناشئ داخل ذواتهم الناجم عن توجههم نحو قوى لا تعبر بشكل كامل عما يصبون إليه.

 

وإلى جانب كل ما ذكرنا نعتقد أن تيارنا ذاك قد يمثل النافذة التي يطل منها ـ من جديد ـ تيار أصيل، اختفى من حياتنا السياسية، أو أصبح وجوده ـ رغم أصالته تلك ـ وجودا هامشيا بها، وهو التيار القومي.

وفي الختام نشير إلى أن كون هذه المدرسة تمثل الإسلامية الحقة، هي حقيقة توشك أن تكون واضحة بذاتها، إذ ليست بحاجة إلى برهان يقوم على صوابها؛ لأن كل إنسان مؤمن ـ صاحب عقل ـ يدرك أن الأديان ـ بصفة عامة ـ لم تبعث بها السماء لتقر ظلما واقعا على العباد؛ ليس فقط ذاك الظلم الذي يجنيه الإنسان على نفسه بعبادته غير مولاه الذي خلقه، بل الظلم بشتى أنواعه، (فحاشا لله أن تقر الإسلامية الحقة إطاعة حاكم مستبد فاسد فاسق .....!!، وحاشا لله أن تكبل ـ تلك الإسلامية ـ يد الدولة في مواجهة ثروات تتضخم ـ ما دام أصحابها قد أدوا زكاتها ـ وهناك بالمجتمع من لا يجد قوت يومه!!، وصدق القائل "إذا جاع مسلم فلا مال لأحد"*، وحاشا لله أن تتناول هذه الإسلامية واقعنا بآراء قد أصابها البلى من جراء تداولها عبر القرون، وهذا رأي صواب لا يحتمل الخطأ.

* عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه)

 

الكاتب / محمد السيد الطناوى

[email protected]

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 379 مشاهدة

هي لغة النار إذن.. نعم هي لغتي منذ اليوم!. مادام صوت الخنوثة قد علا، فتردد دويه في أرجاء الوطن!، مادامت الخيول الخصية ـ على عكس ما ينبئنا المثل البدوي ـ تصهل في وجوهنا!!.

هي لغة النار إذن ما دام سياسيو العصر البائد ـ على عهدهم ـ يمارسون العهر علانية!، فلا زاجر لهم من دين أو ضمير أو وطنية!.

وأنى يزجرهم ذاك ـ اليوم ـ وقد لاحت أمام أفئدتهم الظمأة سراب المغانم!، فاندفعوا ـ لا يلوون على شئ ـ يتسابقون إليه لعله يصدقهم!!، وكانوا بالأمس القريب ـ أبدا ـ لا يأنفون اقتراف تلك الفحشاء وقد صعر لهم الأمل خده!.

بيد أن بعضهم كان يستتر، أما اليوم فلا ستر ولا حياء!، بل هو السعار أصابهم!، فمضوا كالكلاب الضالة يعوي بعضها على بعضها!، متحلقين حول عظمة ألقي بها إليهم!!.

هي لغة النار إذن وأنا أبصر عبيدا غريبي الأطوار، قد نصّبوا الأنصاف والأشباه أسيادا لهم!، وبذروا جهدهم في أرض أسيادهم البور فلم تثمر إلا الخيبة والحسرة، ليداوم هؤلاء العبيد على خدمة أسيادهم أولئك كأنها قدر لا راد له!!. وإذا ما سائلت أحدهم ما الذي يسوقك إلى ذلك أيها العبد الشقي؟! أخبرك (لا فض فوه) أنه يخدم الفكرة، لا هؤلاء!.

أي فكرة؟! أفقاعة الهواء تلك هي الفكرة؟! أهي هي التي أنبئنا عنها هيرقليطس أنها أغلى عليه من عرش فارس؟!.

إن أولئك كمثل أهل الكهف في أمثولة أفلاطون الإلهي؛ لم يحتط الخيال لخداعهم بل مر ـ يتهادى ـ أمام أبصارهم، ليخيل إليهم أنه حقيقة لا مراء فيها، فاعتقدوا بها!!.

هي لغة النار إذن وأنا أشاهد القسمة غير العادلة بين خنوع "نعم" وتمرد "لا"!.

هي لغة النار إذن وأن أرى الفضلاء يعاقبون على فضيلتهم مرة تلو المرة، حتى لتكاد الفضيلة تبارح أرواحهم، كما يبارح الدخان النار إذا همدت!.

هي لغة النار إذن وأنا أرقب الهوام تطن في كل مكان، ليصيب طنينها الثوار الأصلاء بالصداع والغثيان، فيسارعوا إلى العزلة!.

ومن هؤلاء الأصلاء؟!، انهم من لا يفاخرون بالثورة، إذ لا يفاخر بها إلا العبيد، أم أولئك فقد جبلوا من نارها، فهي أصيلة في تكوينهم.

هي لغة النار إذن وقد أحاطت أبصار الساكنين مطالع النور وادينا ــ بنظرات ملؤها الأسى والغضب!، إذ أبصروا المسوخ الباردة تنقع غلتها من نهر شقه هم، وأسالوا فيه دمائهم، لتروي الأرض العطشى، فتنبت ـ لأهاليهم ـ حرية وكرامة وعدالة، لكن هذه المسوخ عز عليها أن يظلل الناس هذا النبت الشريف!!، فتكرعوا في وجوه الجماهير ـ بعد أن ارتوت عروقهم ـ أقوالا وأفكارا مسمومة، سممت عقول كثيرين، وأفسدت عليهم رجولتهم، فأضحوا خصيان ـ لا يثيرهم شئ ـ تسيرهم تلك المسوخ الباردة المخنثة!!.

هي لغة النار إذن. نعم هي لغتي منذ اليوم

 

الكاتب : / محمد السيد الطناوى

[email protected]

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 239 مشاهدة

يتعبنى النقاش مع الذين لا يعرفون أصول النقاش وآدابه، فتراهم باسم حرية التعبير والتفكير يشككون فى النوايا، ويطعنون فى علاقة المرء بربه، ويلقون اتهامات التمويل الأجنبى، كأنها قطع من السكر!

يتعبنى فى هؤلاء أنهم يتحدثون دون مراعاة فروق التوقيت، فهم لا يدركون أن الحياة فى مصر قد انقسمت قسمين، ماقبل ثورة يناير، وما بعدها، وهكذا أصبح كل الكلام يخضع لهذا المنطق، هل هذا الكلام قبل أم بعد ثورة يناير؟

هؤلاء القوم يقولون كلاما ينتمى لما قبل ثورة يناير المجيدة، ويظنون أنهم يقولون الحقيقة، ويظنون أن لكلامهم معنى، فترى البعض يثبط الناس عن النزول للتظاهر والاعتصام، كأن المتظاهرين والمعتصمين ينتظرون نزول فرد أو اثنين أو ألف أو ألفين، أو كأن تثبيطهم سيؤثر فى الملايين التى تتنافس من أجل الشهادة، ومن أجل تحقيق أهداف الثورة.

يا أيها المتفذلكون.. لقد ألقيتم جميع عصيكم وحبالكم، وقد خُيّل لكم أنتم فقط أنها تسعى، وقد جاءت أحداث يوم الخامس والعشرين من يناير 2012 بالحق، فإذا هى تلقف ما تأفكون.

آخر الدواء الكى، وقد منح الشعب عاما كاملا للقائمين على شؤون هذا البلد لكى يفهموا فروق التوقيت، ولكنهم– للأسف– لا يريدون أن يفهموا أن حدثا عظيما قد غيّر مصر إلى الأبد، وأن كل من سيتجاهل هذا الحدث سوف تدوسه الأقدار، وسوف يكون مصيره الخزى والعار.

آخر الدواء الكى، ويبدو أن الشعب المصرى العظيم قد قرر أن يعطى العالم درسا فى الإصرار، كما أعطاه فى العام الماضى درسا فى التغيير السلمى، ويبدو أن العالم كله قد تعلم من دروس الشعب المصرى العظيم، باستثناء بعض المصريين المنتمين لمرحلة ما قبل ثورة يناير.

                                 
إن العصيان المدنى يبدو فى هذه اللحظة الحل الوحيد الذى يحقق مكتسبات الثورة، ويضع أعداءها فى مكانهم الطبيعى، إما منزل التقاعد أو زنزانة السجن.

سيهرف بعض الواقفين مع الباطل ضد الحق بأن ذلك يدمر مؤسسات الدولة، ويقضى على هيبتها، والرد على هؤلاء لا يكون إلا بتذكيرهم بأن بلدا عمره سبعة آلاف عام أكبر من أن يهدمه إضراب.

العصيان المدنى سيسقط النظام، أما إسقاط مصر، فلن يحدث إلا لو استمر أعداء الثورة فى أماكنهم فى غرفة القيادة.

صدق من قال: آخر الدواء الكى.

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 240 مشاهدة

 

الحاكم الخائف هو الحاكم الظالم، فهو يخاف من ضحاياه جملة وتفصيلا، يخاف منهم على العموم، ويخاف منهم واحدا واحدا.

الحاكم الخائف يرى كوابيس فى ليله الطويل، ويذوق الأرق فى فراشه الوثير، ولا تستطيع أدوية الدنيا كلها أن تسعفه بوسادة نوم هادئ.

الحاكم الظالم دائما خائف، يخاف لأن شيئا ما يزرعه الله فى قلبه، يظل ينغص عليه حياته، ويبشره بأن يوم الحساب سيأتى، فإذا لم يأت فى الدنيا سيأتى فى الآخرة، لذلك ترى الحاكم الظالم يمنع ذكر الموت فى مجلسه، لأنه لا يستطيع أن يؤمِّن ما بعد الموت، ويظن أنه قد أمَّنَ ما قبله.



الحاكم الخائف يتصرف دائما بدناءة، ولكن دناءته دائما لا ابتكار فيها، فترى أحداث التاريخ فى هذا الموضع تتشابه وتتكرر بشكل ممل، مذ خلق الله نيرون، إلى أن خلع الله حسنى مبارك، دائما يحرق الحاكم الخائف الأرض من خلفه، وكأنه يريد معاقبة الأمة لأنها خلعته، أو كأنه يريد أن يذيق الأمة من الخوف المزروع فى قلبه، وكأن هذا الخوف يمكن أن يوقف القدر، وهو لا يعلم أن الناس حين تثور على الحاكم الظالم (الخائف) تكون قد انتصرت أول ما انتصرت على خوفها، وبالتالى أصبحت أقوى منه، فالحاكم خائف، بينما هى أمة لا تخاف.

حين تثور الأمة على الحاكم الظالم تكون قد فقدت كل عزيز، فليس لديها شىء لتخسره، أو لنقل بقى لديها شىء عزيز لا يمكن أن تخسره، وهى على استعداد للموت دونه، سمّه عزة، سمّه كرامة، سمّه إنسانية، سمّه ما شئت، ولكن لا تسمّه خبزا، لأن الخبز يعلم الجبن لا الشجاعة.



لا يوجد تفسير لسياسة الأرض المحروقة التى يتبعها الحاكم الخائف، ولا يوجد تفسير لوجود خطة منظمة لحرق البلاد، دائما فى جميع الأنظمة الاستبدادية ترى خطة إحراق البلاد موجودة، معدة وموضوعة فى درج الطاغية، وجاهزة للتنفيذ.

إذا شاهدت النيران مشتعلة فى بلد ما بشكل منظم، ولا تفسير لما يحدث، فتأكد أن حاكما ظالما خائفا مرعوبا من لحظة الحساب يحاول أن يغير أمر القدر، أو أن يوقف دولاب التاريخ.
أرى فيما يحدث فى مصر الآن حاكما مرعوبا من الحساب!

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 374 مشاهدة

عام مر على بدء الثورة، تغير فيه وجه الحياة بمصر، بل ـ على الأحرى ـ دبت إليها الحياة من جديد ـ بعد استغراق في غيبوبة طال أمدها ـ لتنهض متعكزة على عزيمة أبنائها، لكنها نهضة يشوبها الضعف والقلقة، فلا يؤتمن معها أن تنتكس، لذا فهي في أمس الحاجة لصلابة أعواد أبنائها جميعهم، تستند إليهم ـ فتستقيم وقفتها ـ لتتقدم بخطى ثابتة نحو مستقبل واعد.

 

وخلال هذا العام تغيرت ـ ببلدنا ـ ديموغرافية الحياة السياسية؛ لتختفي قوى وتبرز أخرى وتتضاءل ثالثة. بعضها يأبى إلا أن يستكمل مطالب الثورة، ليدفن ذلك النظام الطاغوتي بأكمله، ويقطع دابره مرة واحدة وللأبد، والبعض الآخر قد قعد به ضحالة طموحه وضعف خياله ـ ولن نقول قعدت به أطماعه ـ فرأى أن ما حصلته الثورة ـ ولن نقول ما حصله هو ـ من مكاسب كاف، وأن لا حاجة للصدام مع النظام ففي الصدام مخاطرة، وفي المخاطرة احتمالات الخسارة قائمة، وأولئك يتطيرون من مجرد احتمال حدوثها.

 

وإذا انتصرنا إلى الرأي القائل بأن الثورة لم تكتمل ـ ونحن عليه ـ فهذا يعني أن البلاد لم تمر بعد من عنق الزجاجة، وأن المرحلة القادمة بالغة الدقة والحساسية، لذا

 فعلينا التوقف عند الفترة الماضية لنسترجع أحداثها، متناولينها بالتحليل، ليكون تحليلنا ذاك سبيل هداية لمن أرتأى استكمال السير في ذلك الطريق الذي شقه شهدائنا الأبرار بدمائهم الذكية.

 

بداية لابد أن نحدد القوى الفاعلة في المشهد السياسي اليوم، وهي ـ على الترتيب بحسب درجة الفاعلية على الساحة السياسية ـ المجلس العسكري، والقوى الإسلامية، والنخبة الليبرالية واليسارية، والحركات والائتلافات الشبابية، ورغم أن هذا التقسيم ليس مطابقا ـ بدقة ـ لما هو كائن على أرض الواقع، لكن اعتماده ضروري حتى نتخذ سبيلنا إلى تحليلنا ذاك.

لا شك أن المجلس العسكري هو أكثر هذه القوى فاعلية في المشهد السياسي، ليس فقط لأن السلطة بيده، ولكن لأنه الطرف الوحيد من بين الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية التي تسير خطواته وفق خطة مسبقة، فالعسكر ـ وهو أمر تقتضيه طبيعة عملهم ـ لا يتحركون إلا عبر خطة موضوعة ـ  وقد أثبتت أحداث السنة الماضية من الثورة ـ بما لا يدع للشك مجالا ـ أن المحور الرئيس لتلك الاستراتيجية العسكرية هو محاصرة الحالة الثورية، والحد من تداعيتها، والمحافظة على النظام المباركي قدر الاستطاعة.

 

والعامل الثالث الذي يزيد من فاعلية العسكر ومن تأثيرهم على مجريات الأمور هو تفتت القوى الثورية، وعدم أهلية كثير من المتصدرين منها لإدارة الصراع، إضافة إلى اكتفاء تلك القوى بردود الأفعال الناجم عن خلو جعبتهم من استراتيجية محددة وواضحة لإدارة تلك المرحلة الدقيقة من حياة الوطن، لذا نبصرهم ـ في أحيان كثيرة ـ الطرف المفعول به، لا الفاعل، وذلك منذ سقوط رأس النظام وإلى اليوم. إلى جانب هذا فقد استطاع المجلس العسكري استمالة القوى الأكبر حجما والأكثر تنظيما ـ على الساحة السياسية ـ إليه، ومن ثم شكلت هذه القوى غطاءا شعبيا لسياساته طوال الفترة السابقة.

 

وهنا يأتي دور الحديث عن هذه القوى ـ صاحبة الترتيب الثاني في درجة الفاعلية بالمشهد السياسي ـ وهي القوى الإسلامية، وقبل أن نورد أي تحليل لأداء هذا التيار لابد أولا أن نُفَصّل ما أجملناه في هذه الكلمة، القوى الإسلامية، إذ تنقسم إلى تيارين كبيرين، هما جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي.

وإذا القينا الضوء على النهج الذي انتهجته الجماعة طوال الفترة الماضية، نستطيع أن نوجزه في عبارة يبدو أن الجماعة قد استبدلت بها شعارها التاريخي "الإسلام هو الحل" ( والذي اختفى من الانتخابات الأخيرة)، إذ أضحت "البرجماتية هي الحل" لديها، فكان أن عقدت صفقة مع النظام أثناء الموجة الأولى للثورة (استمرارا لمسلسل عقد الصفقات مع نظام طالما وصفته بأنه نظام غير شرعي)، وهي الصفقة المعروفة التي أبرمت مع عمر سليمان، وكشفت عنها مصادر عدة ( أهمها القيادي السابق بجماعة الإخوان هيثم أبو خليل، والذي صدّر أسباب استقالته ـ من الجماعة ـ بحديثه عن تلك الصفقة)، ثم تلتها صفقة مع المجلس العسكري عمل الإخوان بموجبها ـ بما لهم من ثقل على الأرض ـ كغطاء شعبي لتوجهات المجلس وقراراته، فسياسة الجماعة كانت ـ وما تزال ـ تستهدف الحصول على أكبر قدر من المكاسب دون صدام مع السلطة، أو ليكن الصدام هو الورقة الأخيرة إن لم يكن منه بد.

 

أما عن التيار السلفي، فليس لدينا الكثير لنسوقه عنه، سوى الإشارة إلى أنه كان يعد السياسة من المحرمات التي لا ينبغي الاقتراب منها، وذلك قبل الثورة، وتماهى مع رأيه هذا أثناء الموجة الأولى للثورة، فلم يشارك ـ بها ـ مشاركة حقيقية، ليتصدر حديث رموزه ـ أثناء تلك الموجة ـ الرأي الفقهي القائل بعدم الخروج عن الحاكم وإن ظلم وإن فسق .....إلخ!.

 

لكننا فوجئنا به بعيد التنحي، يتراجع عن موقفه ذاك، ويقرر كثيرون ممن ينتمون إلى هذا التيار خوض العمل السياسي، ليشترك مع جماعة الإخوان في لعب ـ كما ذكرنا سابقا ـ دور الغطاء الشعبي لسياسات المجلس العسكري.

 

 

أما النخبة الليبرالية واليسارية والحركات الشبابية الثورية، وأنا أدمجها في حديثي لأنها متشابكة على أرض الواقع، (فكثير من الشباب انضم إلى تلك الأحزاب التي تقودها هذه النخبة، كذلك هناك الكثير منهم لا يزال يحتفظ بوجوده في الأطر الشبابية الثورية، إضافة إلى أن المواقف السياسية للطرفين متوافقة إلى حد كبير). وهي أيضا ـ في غالبيتها ـ الطرف الذي يتبنى الخط الثوري. هذه القوى مجتمعة هي أضعف حلقات المشهد السياسي، ولكي نعلل ضعف تأثيرها ذاك لابد أولا أن نعاود تقسيمها متناولين ـ في البداية ـ النخبة بمعزل عن الحركات والائتلافات الشبابية، مقدمين الأولى على الثانية، باعتبار أن النخبة هي الأكثر تأثيرا في العلاقة بين الطرفين، وبالتالي هي الأكثر فاعلية.

 

مما لا شك فيه أن هذه النخبة فشلت ـ إلى الآن ـ في إدارة المعركة مع المجلس العسكري، وهذا الفشل هو امتداد لفشلها ـ السابق ـ في إدارة صراعها مع الحزب اللاوطنى ونظامه، إذ عجزت تلك النخبة ـ على مدار عقود طويلة ـ عن أن تتقدم خطوة واحدة نحو هدفها المتمثل في التغيير، وكان سعيها تجاه تحقيق هذا الهدف قاصرا على بعض الفاعليات ـ والتي لم تكن ذات جدوى حقيقية ـ من قبيل تظاهرات السلالم، واحترافها تكوين الحركات المختلفة ( والتي لم تحمل حركة واحدة منها برنامج محدد وواضح لكيفية التغيير)، مصرفة جل وقتها في تسجيل المواقف على الفضائيات وفي صفحات الجرئد، مستسلمة ـ بذلك ـ لدور المغلوب على أمره، الذي فرضه عليها نظام مبارك.

 ثم كانت الثورة، فتعاملت هذه النخبة ـ أيضا ـ مع المجلس العسكري، بنفسية الرجل المهزوم ـ والتي ترسخت لديها عبر العقود الماضية ـ فاندفعت تمجد المجلس العسكري، وتشيد بدوره في حماية الثورة(1)!! ( وهذا في الفترة التي تلت التنحي مباشرة)، وتجاهلت حقيقة منطقية بسيطة، وهي أن هذا المجلس لا يمكن أن ينحاز لثورة على نظام مبارك، لأنه جزء لا يتجزأ من هذا النظام بفساده، وانعدام إيمانه بالديمقراطية، وانه تحت السيطرة بدرجة ما، (فمؤسسات الدولة جميعها بدءا من أصغر مجلس محلي لأصغر قرية من قرى مصر وصولا إلى أهم مؤسسة في الدولة، وهي المؤسسة العسكرية، عمل النظام على إحكام سيطرته عليها، وذلك بوضعه أهل الثقة والفاسدين على رأس تلك المؤسسات، وهو ما كان معروفا للكافة)، وللأسف الشديد انساق عدد كبير من القوى الشبابية الثورية ـ بعيد التنحي ـ وراء هذا الموقف، فكان منهم ومن العسكر ما سنذكره لاحقا.

 

إلى جانب ذلك لم ترق نخبتنا تلك ـ يوما ـ إلى مستوى الحدث (الثورة)، فحافظت على الطريقة التي اعتادت التعاطي بها ـ مع خلافاتها ـ فيما بينها، واستمرت معاركها ـ الصبيانية ـ على ذات المنوال الذي كان قائما قبل الثورة، وهو أمر لا يتطلب تدليل على صحته، فمشاهدة البرامج الحوارية وبرامج "التوك شو" تغنينا عن ذلك، لكن لا مانع أن نضرب مثال على تلك الطريقة الصبيانية في التعاطي مع الأحداث السياسية لتكون نموذجا واضحا على ما ندعيه. قطعا مازلنا نتذكر أنه بعيد الاستفتاء (الموجه)، تململت النخبة من نتيجته وأعلنت عدم رضاها عليه، لكن بدلا من أن تكثف جهودها لكي تكون أكثر تأثيرا في المشهد السياسي ـ بالمرحلة المقبلة ـ من خلال تقوية الأطر التي تقودها، شط البعض (الجمعية الوطنية للتغيير) في موقفه، فأطلق دعوة لتجميع 15 مليون توقيع بهدف إسقاط نتيجة الاستفتاء، وجعل "الدستور أولا"، وانساقت وراء هذه الدعوة النخبوية حركات وائتلافات شبابية (ائتلاف واتحاد شباب الثورة، واتحاد شاب ماسبيرو، والجبهة الحرة للتغيير السلمي، وحركات وائتلافات أخرى)، وهو الأمر الذي فشلت هذه الحركات في تحقيقه، لكن المسألة ـ بداهة ـ لم تكن مرتبطة بفرصة النجاح أو الفشل في تجميع هذه التوقيعات!، فحتى لو نجحت تلك القوى في مساعها ذاك، فهل كان يُتوقع أن تجُب هذه التوقيعات نتيجة استفتاء رسمي، قامت به الدولة!!. إن هذا الموقف يعد نموذجا للطريقة التي اعتادت أن تُصَرف بها تلك النخبة وقتها وجهدها!.

 

أما عن الحركات والائتلافات الشبابية فنتيجة لعدم أهلية كثير من المتصدرين لقيادتها، فقد انساقت ـ دوما ـ وراء الآراء الجاهزة لهذه النخبة الفاشلة، وهو ما لمسناه منذ التنحي، إذ انساقت كثير من هذه الحركات لما سوقته النخبة من أن المجلس العسكري هو حامي حمى الثورة، ليَسْهُل على ذاك المجلس معانقة تلك الحركات الشبابية عناق الدببة، فاعتنى باستضافتهم في كل الحوارات التي أجراها مع القوى السياسية، كما احتفت بهم آلية العسكر الإعلامية احتفاءا بالغا، وأصرت على نسبة الثورة إليهم، لتكون ثورة شباب لا ثورة شعب!، واستسلم هؤلاء لهذا العناق فترة قصيرة، ثم أفاقوا ـ من استسلامهم ذاك ـ على سياسات تتجاهل ـ كليا ـ مطالب الثورة، فكانت الدعوة لمليونيات حاشدة ـ كوسيلة فاعلة للضغط في البداية ـ قابلها تراجع تكتيكي من جانب المجلس العسكري، وإنفاذه بعض المطالب بعد تفريغها من مضمونها، ساعيا إلى توثيق ارتباطه بالتيار الإسلامي، ليفصله عن القوى الثورية، وفي ذات الوقت يكون بمثابة الغطاء لسياساته في الشارع، وهو ما كان (وبناءا على ما سبق نستطيع القول بأن القوى الثورية أسهمت بنصيب غير منكور ـ بعيد التنحي ـ في صناعة الصورة الإيجابية للمجلس العسكري، التي ترسخت لدى الكثيرين، وأضحى من الصعوبة بمكان استبدالها بأخرى تجافي الأولى).  

 

إذا كانت هذه هي رؤيتنا للقوى الفاعلة في المشهد السياسي، فأين المخرج إذن؟

لا أعتقد أن تلك النخبة ـ وإن كان بينها رموز نكن لها كل التقدير والاحترام ـ يمكن أن تلعب ـ بناءا على ما ذكرنا ـ دورا إيجابيا في المرحلة المقبلة للثورة، وعليه فإن تعويلنا منصب على الحركات الشبابية (وهذا على اعتبار أن هذين الطرفين ـ فقط ـ هما الممانعين بقوة لمجمل سياسات المجلس العسكري التي تحمل العداء الصريح لكل ما ومن ينتسب للثورة)؛ أن يعالجوا أوجه القصور لديهم، فتنتظم خطواتهم وفق خطة عمل محددة وواضحة، وأن يسعوا بكامل طاقاتهم إلى توحيد قواهم وحركاتهم، وذلك في مشروع سياسي، وأن يكفوا عن تبني تلك الفكرة البلهاء التي يعتقد الكثير منهم فيها؛ أن استكمال مطالب الثورة لن يكون إلا عبر الأطر الثورية (الحركات والائتلافات)، وأن لا حاجة لمشروع سياسي تنتظم فيه جموعهم!!، ولعل انتخابات مجلس الشعب ـ التي أجريت منذ فترة قصيرة ـ قد أثبتت خطأ وجهة النظر تلك (فللأسف الشديد القوى التي احتلت المراكز الثلاث الأولى في البرلمان قوى غير ثورية!).

 

وأن تبادر هذه الحركات الشابة إلى محاصرة تلك النماذج التي طفت على سطحها، وأضحت عبئا ثقيلا عليها، فلم تعد تقوم بواجباتها، وباتت الحركات التي تنتمي إليها هذه القيادات ـ في نظرها ـ ليست سوى مجرد كيانات تتحدث باسمها في وسائل الإعلام، وأصبحت هذه الأخيرة غاية وليست وسيلة (ولعل هذه الآفة قد انتقلت إليهم ـ أيضا ـ من النخبة).

 

وأخيرا رغم ما يلف الصورة ـ التي عرضناها ـ من قتامة فلن نكون أبدا متكلفين إذا ادعينا التفاؤل؛ ذلك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ وعدنا إن صدقناه أن يصدقنا، لكن الصدق في حالتنا ـ وبدرجة كبيرة ـ لا يأتي من داخل الصورة المذكورة أعلاه، إنما مرجعه تلك الجماهير غير المسيسة، التي ما إن استدعيت لنصرة مطالب الثورة العادلة أبصرناها تلبي ـ وبأعداد غفيرة ـ النداء. فنحن بإزاء مجتمع قد استيقظ، وللأبد.

 

(1) مسألة أن المجلس العسكري حمى الثورة، وجنبنا المسار الذي صارت إليه ليبيا وسوريا هي خرافة لا أصل لها، فهل كان يملك المجلس ـ عمليا ـ  خيارا آخرا؟! ،وذلك أمام الملايين الغاضبة (14 مليون) التي غصت بهم شوارع مصر وميادينها، ولم يثنيهم عن الاستمرار في الإعلان عن غضبهم ذاك كل ما اصطنعه النظام لردعهم؛ مليون ونصف المليون جندي مركزي، اتهامات بالعمالة، وخطابات خبيثة تهدف لابتزاز عواطف الجماهير، تمطر بها سماء إعلام مضلل وخسيس، وقناصة وبلطجية مأجورون لا يراعون حرمة، ولا تأخذهم بأحد شفقة ولا رحمة ــ كل هذا لم يجد نفعا. وإذا فرضنا جدلا أن كان المجلس قد تجاهل روح التحدي والإصرار تلك التي ركعت أمامها جيوش النظام السابق الأمنية والإعلامية معلنة استسلامها ــ آملا في أن ينجح هو فيما فشل فيه أولئك، ومن ثم أصدر أمره بالتصدي لجموع الشعب الثائرة، فهل كان من المتوقع أن يطيع ضباط جيشنا هذا الأمر، ويتجاهلوا عقيدتهم القتالية التي تحول بينهم وبين تصويب سلاحهم إلى مدني أعزل؟!!. هل كان من المتوقع أن يطيع ضباط جيشنا أمرا كهذا، وكل منهم مدرك أنه قد يكون بين الثوار أخيه أو أخته أو ابنه أو ابنته أو…….أو……….؟! . وإذا ما افترضنا أن ذلك كان ممكن الحدوث، وأن بعضهم كان ليطيع الأمر الصادر إليه، فبالقطع كان هناك الكثير منهم سيرفض تنفيذ أمرا كهذا، لينجم عن ذلك انقسام داخل الجيش، وتقوم على إثره حرب أهلية، ويكون مَثل المجلس العسكري كمثل البطل اليهودي شمشون الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه، بيد أن خيار شمشون  كان ـ عمليا ـ خيارا منطقيا، إذ فقد بصره، وأصبح معرضا للهلاك فاختار أن يهلك ـ ما دام هلاكه محتوما ـ هو وخصومه، بينما كان إقدام المجلس على خيار كهذا حماقة ستذهب بريحهم، وستورد البلاد مورد الأخطار. كذلك فإن القوى الدولية ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة، ومدى نفوذها على الجيش معلوم للكافة ـ ما كانت لتسمح بولوج دولة  بحجم مصر وثقلها الإقليمي ـ حماية لمصالحها في المنطقة ـ  إلى موطن اضطرابات لم يكن ليعلم غيره سبحانه  بميقات خروجها منه.

الكاتب / محمد السيد الطناوى

" وبينصحوك أقعد دا مش فضلك إلا عين ، وإزاى هتقعد ونزولك دا فرض عين
لإنكم نور البصيرة المشرقة الحقيقية من غير كلام قلتم إن العين بالعين
طب ليه عينكوا منورة وعنينا مطفية ؟!!
ناس من بجاحتها العنين تندب فيها رصاصة ، وأنتوا الرصاص صفى العنين لكن بنور الحق عينكوا قوية " .

" الشاعر/عبد الرحمن يوسف"

 

" مابينتهيش التار لكن بيتأجل وكله مدون وكله متسجل ، واللى انهاردة فى وسط الجند متبجل بكرة القضا ينزل على راسه مستعجل "
 " الشاعر/عبد الرحمن يوسف"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 231 مشاهدة


http://www.youtube.com/watch?v=zXi1ioQQGvw

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 296 مشاهدة


http://www.youtube.com/watch?v=mB_RJNlLYXE&feature=share

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 180 مشاهدة

 


http://www.youtube.com/watch?v=6UBpRGXiozc&feature=share

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 215 مشاهدة

 


ياللي نازلة من بيت ابوكي كما الاسد
ياللي اسمك بنت بس و الله بميت ولد
ان كان جيوشنا في الشوارع عروا الجسد
نزعوا توب و في عيونا كنتي مستورة

تسلمي يا بنت مصر يا بنت الاصول
لولاكي انتي ماعرفنا مين هما الفلول
مين الخفي و مين اجندة و مين مسؤول
الاصل واحد و باقي الاسامي صورة

انتي اجمل و انتي اطهر ما في عقولنا
ما يكفي قول و لا حكاوي مهما قولنا
عصفور عنيد طاير و ثاير عدي سورنا
ازاي قوليلي في وش الظلم كنتي جسورة؟

ملكة وسط العبيد و راسك فوق
مين اللي نزع من قلوبنا معني الذوق؟
يا شعب مصر كفاية ذل و يلا نفوق
الثورة شايفة نفسها في مراية مكسورة

يا نسر ياللي دايما فوق مبينزلش
ايه نزلك و ليه عنيد ما بتندمش؟
كفياك ضحايا ضحياك يغطوا عين الشمس
ارجع مكانك و خلي الراية منصورة

ارحل يا نسر لفوق لجبال عاليين
من امتي كان موطنك ما بين تعابين
و من امتي كانت شغلتك تقلب الموازين؟
يظهر قوتك غرتك اصلها دنيا غرورة

الرجولة يا شبابنا العظيم مش بالشنب
الرجولة يا اسيادنا الكبار مش بالخُطب
الرجولة و لا ليها معني من غير ادب
و ادي بنت من وسطنا علمتنا معني الرجولة

اتعلموا و شوفوا يعني كلمة شرف
شباب زي الورد ما بين فقر و ترف
شباب جميل علي حب مصر اتعرف
نصرتوا مصر و رفعتوا راية مقهورة

يا كلمة حق علي طرف كل لسان
مين الشهيد و مين سجين و مين سجان؟
انطق و قول و الحقني من الهذيان
الوجه نصه حزين و نصه ضحكة مسرورة

مايكل نزيه زكى

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 358 مشاهدة

يا أبناء الأفاعي، يا من طعمتم الذل والهوان زمانا طويلا، فصار غذاءا لكم لا ترضون بغيره بديلا، فكنتم بذلك أشبه بتلك الحيوانات الخسيسة التي لا تطعم غير الجيف!!.



يا أولاد الزنى، نعم يا أولاد الزنى، فالحرائر تخجل أن تنجبن أمثالكم؛ من لا تكون الثورة عندهم إلا شهوة، والقيم ـ في حياتهم ـ مرذولة، والحق لديهم مغبون ممتهن، والجمال مستقبح مشوه، والخير أساطير الأولين.


فأبدا تنفرون من الثورة، مُعرِضون عن ولوج دروبها، مُصرفون همتكم إلى كل ما هو خسيس ودنئ في الحياة، يدفعكم لذلك ما جُبلتم عليه من ضعف، نميتموه، وأطعمتموه، وسقيتموه، فتغول وعشش في نفوسكم فأظلمت، واعتور ذوقها وفطرتها، ووطنتم حياتكم على ذلك؛ فأضحي استسلامكم وخنوعكم سلامة، وكرامتكم رفاهية لا سبيل إليها، وحقوقكم التي كفلتها الشرائع السماوية منها والوضعية، منة وفضل من سائسكم إن شاء أعطى، وإن شاء منع، أما أخلاقكم فتمائم وتعاويذ ترددها الألسن فلا تتجاوز الحلوق، وما تمس حياتكم مسا من قريب أو بعيد.



أعراض تنتهك نهارا جهارا، ودماء ذكية تسيل، وصمت مدوى ـ إن كان للصمت دوي ـ يجلجل في أرجاء البلاد، ليغرق الوطن في بحور الخزي والعار!!. أي وطن؟!، وطن الخنوثة!، وطن العبيد والإماء!.



إن كان هذا هو الوطن فلست منه، وإن كان هذا هو دين أبناءه فلست عليه، وإن كنتم أهلي ـ بحكم الدم ـ فلست منكم، ولا أنتم مني!!.



  الكاتب /محمد السيد الطناوي

 

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 304 مشاهدة

 هل تعود الأرانب الى القفص ؟!......

جملة اعتراضية بقلم: علاء الأسواني

هل يمكن أن يعيش الانسان بدون أكل وشرب .

بالطبع لا فهذه احتياجات أساسية يموت الانسان اذا انقطعت عنه ..

هل يستطيع الانسان أن يعيش بدون كرامة .؟! .

الاجابة للأسف نعم . فالانسان قد يعيش ويأكل ويشرب وهو فاقد لكرامته . .

لقد شهد التاريخ الانساني ظاهرة العبودية حيث عاش ملايين العبيد على مدى قرون بدون كرامة . بل ان شعوبا كثيرة عاشت ذليلة بلا كرامة تحت حكم الاستبداد . ..

على مدى ثلاثين عاما عاش ملايين المصريين بلا كرامة تحت حكم مبارك .

يأكلون ويشربون ويتحملون الاهانات ويتملقون صاحب السلطة حتى يرضى عنهم .

ملايين المصريين كان استمرارهم في الحياة أهم لديهم بكثير من الحفاظ على كرامتهم .

تعودوا أن يتحملوا اهدار كرامتهم خوفا من العقاب وطمعا في المكاسب .

يتحملون غطرسة ضابط الشرطة ويقولون له ياباشا ويتحملون ظلم رئيسهم في العمل وينافقونه حتى يرضى عنهم ...

يتحملون المعتقلات والتعذيب وانتهاك الأعراض ويتغاضون عنها مادامت تحدث لآخرين ويوصون أولادهم بالمشى بجوار الحائط وعدم التظاهر أو الاعتراض على الحاكم مهما ظلمهم ونهبهم وأذلهم . .

ملايين المصريين كانوا يعتبرون النفاق لباقة والجبن حكمة والسكوت عن الحق عين العقل ..بالمقابل فان نظام مبارك كان يكن احتقارا عميقا للمصريين .

المسئولون في نظام مبارك جميعا كان رأيهم في المصريين أنهم شعب جاهل كسول غير منتج تعود على الفوضى ولا يصلح للديمقراطية . .

هذه الاستهانة بالشعب المصري هى ما جعلت نظام مبارك يطمئن لسيطرته المطلقة على الحكم حتى أفاق على الثورة .كانت الثورة المصرية معجزة بأى مقياس .

فقد ظهر جيل من المصريين مبرئا من كل أمراض الاستبداد .

جيل لايخاف ولا يسكت على الظلم .. شباب مصريون يشكلون نصف الشعب المصري كانت شجاعتهم واخلاصهم للقيم النبيلة أمرا مستعصيا على التفسير .

فقد تربى هؤلاء الشبان في ظل تعليم رديء واعلام مضلل وقيم منهارة وحاكم يعتبر أن أكل العيش أهم بكثير من الكرامة..

بالرغم من ذلك فقد ظهر شباب الثورة فجأة ، كالطفرة العظيمة ،

كأنما مصر شجرة عملاقة دائمة العطاء مهما أصابتها الأمراض يكون بمقدورها دائما أن تثمر أوراقا جديدة خضراء في غاية النضارة ...

كان الهدف الأول للثورة استعادة كرامة الشعب المصري .

بالنسبة لمبارك ورجاله كانت المفاجأة مذهلة : . هؤلاء المصريون خضعوا للاذلال سنوات طويلة ماذا جرى لهم وماالذى جعلهم مصممين على استعادة كرامتهم ..؟

نجحت الثورة في ازاحة مبارك عن الحكم في أقل من ثلاثة أسابيع ثم أوكل الثوار للمجلس العسكري حكم مصر في الفترة الانتقالية .

هنا لابد أن نتوقف لنفهم اتجاهات الشعب بعد تنحى مبارك ..

كان هناك بضع ملايين من الفلول المستفيدين من نظام مبارك الكارهين للثورة بالطبع وكان هناك عشرون مليون مصري اشتركوا في الثورة بأنفسهم ونضيف اليهم ضعف عددهم من المتعاطفين مع الثورة ..

بحسبة بسيطة سنكتشف أن هناك ما يقرب من 20 مليون مصرى لم يستفيدوا من نظام مبارك لكنهم في نفس الوقت لم يشتركوا في الثورة ولم يتعاطفوا معها .

هذه الكتلة الساكنة هم المصريون المذعنون الذين عانوا من نظام مبارك لكنهم نجحوا تماما في التوائم معه .

هؤلاء المذعنون أقلقتهم الثورة وأحرجتهم وجعلتهم يعيدون النظر في المسلمات التى يبنون عليها حياتهم .. فالجبن ليس بالضرورة حكمة والاذعان ليس بالضرورة عين العقل .

هاهم يرون بأعينهم شبانا في سن أولادهم يستقبلون بصدورهم العارية الرصاص القاتل فلا يخافون ولا يتراجعون لأن الموت عندهم أفضل من الحياة الذليلة .

ظل موقف هؤلاء المذعنين من الثورة متذبذبا فهم وان كان يسعدهم أن تحقق الثورة أهدافها ليس لديهم أدنى استعداد للتضحية من أجلها ...,

تسلم المجلس العسكري الحكم وسط تأييد شعبي جارف من المصريين الذين وثقوا في قدرته ورغبته في تحقيق أهداف الثورة الا أن المصريين فوجئوا بأن تصرفات المجلس العسكري غريبة ومشوشة ..



عندما نسترجع الآن كل ما حدث سيكون من السهل رؤية الصورة بوضوح :

أولا : قاوم المجلس العسكري أى تغيير حقيقي و نجح في استبقاء نظام مبارك في السلطة وكان من الطبيعي أن يعمل النظام القديم على القضاء على الثورة .

فقد رفض المجلس العسكري كتابة دستور جديد واكتفى ببعض التعديلات على الدستور القديم وأجرى عليها استفتاء ثم التف على ارادة الشعب وأعلن دستورا مؤقتا من 63 مادة حدد ملامح النظام السياسي بعيدا عن ارادة المصريين ...

ثانيا : ترك المجلس العسكري الانفلات الأمنى يتفاقم ولم يفعل شيئا لحل الأزمات المتوالية المصطنعة التى أحالت حياة المصريين الى جحيم وجعلت قطاعا من المصريين( المذعنون ) يكرهون الثورة ويعتبرونها السبب في كل مشكلات حياتهم

ثالثا : قاد المجلس العسكري حملة لتشويه سمعة الثوريين وبعد أن كان شباب الثورة يقدمون باعتبارهم أبطالا قوميين تحولوا في الاعلام الرسمي الى عملاء ينفذون أجندات خارجية وبلطجية ومخربين يريدون اسقاط الدولة ..

رابعا : قام المجلس العسكري من البداية بتقسيم الكتلة الثورية الى اسلاميين وليبراليين وقام باذكاء مخاوف كل فريق من الآخر ...

فهو تارة يقترب من الاسلاميين ثم يشير الى الليبراليين فيسارعون اليه ليكتب لهم وثيقة تحميهم من الدستور الاسلامي الذى يفزعهم وعندما يغضب الاسلاميون يعود المجلس الى استرضائهم ..وهكذا دخل رفاق الثورة في حلقة لا تنتهي من صراعات واتهامات أدت الى تفتيت القوة الثورية واضعافها . .

خامسا : نظم المجلس العسكري الانتخابات بطريقة تستبعد شباب الثورة تماما من البرلمان وفتح الباب على مصراعيه للاسلاميين حتى يحصلوا على الأغلبية ..

يقتضينا الانصاف هنا أن نؤكد أن الاسلاميين يتمتعون بشعبية حقيقية مؤثرة في الشارع وأنهم لابد أن يحصلوا على نسبة كبيرة من أصوات الناخبين في أية انتخابات نزيهة لكن ماحدث في الانتخابات كان شيئا مختلفا .

فقد قدم جهاز أمن الدولة خبرته الكبيرة وتم الاستعانة بلجنة عليا للانتخابات لا تفعل شيئا لايقاف الانتهاكات ولا تطبق القانون وتم التغاضى الكامل عن كافة المخالفات والجرائم الانتخابية التى ارتكبها الاسلاميون .

وعندما بدا للجميع أن الاسلاميين سيحصلون على غالبية المقاعد استغل المجلس العسكري مخاوف الليبراليين وشكل منهم مجلسا استشاريا ليكونوا ذراعه اليمنى في تحجيم الاسلاميين وهكذا ظل الصراع متأججا بين شركاء الثورة بطريقة تؤدى الى بقاء المجلس العسكري في السلطة اذ يحتاج الى وجوده كل الأطراف .

سادسا : عن طريق أحداث مدبرة من نظام مبارك تم اظهار مصر وكأنها وقعت في فوضى شاملة وكان من الطبيعي أن تهتم الدول الكبرى بما يحدث في أكبر دولة عربية وتحرص على حماية مصالحها في المنطقة .

عندما انتهكت اسرائيل الحدود المصرية وقتلت ستة ضباط وجنود مصريين على أرضهم لم يفعل المجلس العسكري شيئا من أجل محاسبة اسرائيل على جريمتها .

كانت هذه رسالة للولايات المتحدة مفادها أن سياسة حسني مبارك سوف تطبق بالكامل من المجلس العسكري وأعقب ذلك تأييد كامل من الخارجية الأمريكية للمجلس العسكري بل ان البيانات الأمريكية في مديح المجلس العسكري تستعمل نفس التعبيرات التى كانت تثنى بها على حسني مبارك .

هكذا تم اجهاض الثورة المصرية بتنفيذ خطوات متوالية محسوبة بعناية .. بقيت خطوة أخيرة ضرورية لانهاء الثورة واعتبارها كأن لم تكن .

بعد أن تم حصار الثوريين واستبعادهم من البرلمان وتشويه صورتهم كان لابد من توجيه ضربة ساحقة تكسر ارادة الثوريين الى الأبد .

كانت الظروف مواتية للضربة الساحقة : قيادات الاسلاميين لا تريد أن تغضب المجلس العسكري طمعا في مقاعد البرلمان وكبار الليبراليين جالسون على مائدة المجلس العسكري طمعا في مناصب الوزارة القادمة .

أما طائفة المصريين المذعنين فقد تحول قلقهم من كل هذه الأزمات والصراعات الى كراهية حقيقية للثورة وهم بصراحة كاملة يحنون الى أيام مبارك حين كانت حياتهم ذليلة ومهينة لكنها مستقرة وآمنة .

تم تدبير مذابح متكررة كلها تمت بنفس الطريقة :

أجهزة الأمن تدفع ببلطجية فيحرقون المنشآت ويمارسون التخريب و هكذا يصاب المصريون بالذعر ويعتقدون أن الثوار بلطجية ثم تعقب ذلك موجات من الاعتداءات الوحشية على المتظاهرين ليس فقط من أجل قتلهم وفقء عيونهم

وانما ــــ وهذا الهدف الأهم ـــ ترويع المصريين جميعا من فكرة النزول الى الشارع أو التظاهر وارجاعهم الى حالة الاذعان السابقة على الثورة . ......



ان كل من شاهدوا الجرائم الرهيبة التى ارتكبها أفراد الأمن والجيش ضد المتظاهرين لاشك قد تساءلوا :

لماذا يتعمد أفراد الأمن ضرب المتظاهرات وهتك أعراضهن على الملأ .؟!.

ماذا يستفيد الجنود عندما يضربون سيدة مسنة أو عندما يكشفون عورة متظاهرة ويخلعون ثيابها أمام الكاميرات .؟!.

الغرض الوحيد من ذلك كسر ارادة المصريين وارجاعهم الى الخنوع .

الغرض أن نشعر مرة أخرى أننا نواجه قوة ساحقة لا قبل لنا بها وأن نرتعد خوفا من فكرة اغضاب السلطة أو معارضتها .

في كل مرة عندما نرى المتظاهرة وهي عارية تدهسها أحذية الجنود سوف نتذكر أمهاتنا وزوجاتنا ونخاف من أن يلقين ذلك المصير ..

الغرض أن نستسلم لارادة السلطة القاهرة ، أن تعود الأرانب الى القفص فيغلق عليها المجلس العسكري وعندئذ يفعل نظام مبارك بمصر ماشاء..

ان المعركة القائمة الآن بين الثورة ونظام مبارك .

ان اصرار المتظاهرين على الثبات أمام قوات الأمن مهما تكن التضحيات يرجع أساسا الى شعورهم بأنهم القوة الوحيدة المتبقية للثورة .. انهم يموتون ليس دفاعا عن شارع محمد محمود ولا عن الاعتصام أمام مجلس الوزراء وانما دفاعا عن الثورة ..

في كل مرة يحتشد نظام مبارك ليوجه الضربة النهائية للثورة تفاجئه مقاومة عنيفة من الثوار تربك حساباته وتضطره الى ارتكاب المزيد من الجرائم الوحشية من أجل كسر ارادة الثوار بأى طريقة وأى ثمن ..

ان ارادة الثورة حتى الآن لم تنكسر وكلما اشتدت وحشية نظام مبارك زادت مقاومة الثوريين ..

واجبنا الآن أن نرتفع فوق الخلافات ونتوحد في مواجهة نظام مبارك الذى يرتكب كل هذه الجرائم .

بالرغم من عورات الانتخابات الكثيرة يجب في رأيي أن نقبل نتائجها وندعم بكل قوتنا مجلس الشعب القادم لأنه في النهاية الهيئة الوحيدة المنتخبة من الشعب المصري ..

يجب أن تتوحد كل الجهود في اتجاه واحد : تسليم السلطة من المجلس العسكري الى حكومة مدنية يشكلها مجلس الشعب .اليوم وليس غدا .

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 700 مشاهدة

  "ورقة (للنقاش) يتبعها ورقات"

شعار قدسي، أوينا إليه إبان الأيام الأولى لثورتنا المجيدة، فكان المأوى والمقصد الأسمى. ارتشفته أرواح شهدائنا الأبرار فكان آخر ما رددته السنتهم، ليسمع صداه في السماوات العلى بعد أن تصدعت الأرض بفعل وقعه المقدس.

شعار اشتراكي بامتياز، إذا شئنا أن ننسبه إلى الأيدلوجية، إنساني مثالي إذا شئنا أن ننسبه إلى الحقيقة؛ فما علمت الملايين الثائرة في ربوع بلدنا كافة عن هذه الأيدلوجيا شيئا، وعندما وضعت الثورة أوزارها، انسل من فرجة الحرية التي شقتها الثورة أحزاب ـ في معظمها ـ تفوح رائحة برامجها بعطر توجه رأسمالي كريه، أما الأحزاب الاشتراكية ـ القليلة العدد ـ التي أسست بعيد انقضاء الموجة الأولى من الثورة فقد انزوت انزواء الابن غير الشرعي لمجتمع لا يرحب كثيرا بتبني أيدلوجيات غريبة عنه.

أما الإسلامية فأكبر أحزابها "الحرية والعدالة" لا تستبين لدى إطلاعك على برنامجه الاقتصادي وتصريحات قياداته ـ التي تتناول هذا الجانب ـ أدنى اختلاف يذكر بينه وبين الرؤى الرأسمالية لأيا من الأحزاب الليبرالية، ولعل هذا يعود إلى أن الاجتهاد السائد والأكثر شهرة في الفقه الإسلامي الذي يتناول الشق الاقتصادي يغلب عليه النزعة الرأسمالية، فيرى فقهائه ـ على سبيل المثال ـ أنه مادام المسلم يؤدي زكاته للدولة فليس لها أن تطالبه بشئ آخر إلا ما تطوع به، ذاهبين ـ كذلك ـ إلى القول بأن ما أثبتته بعض النصوص من حقوق أخرى للدولة سوى الزكاة يؤديها المسلم يندرج تحت باب المستحب وليس بواجب أو ملزم.

وكما أن هذه الرؤية أثرت وصاغت بشكل أو بآخر العقلية الاقتصادية لمعظم التنظيمات الحركية الإسلامية ـ إن لم يكن جميعها ـ فإن الاجتهاد السائد والأشهر القائل بحرمة الخروج عن الحاكم وإن طغا وإن ظلم........الخ، لتكون السلطة لمن غلب، كان له تأثيره ـ بدرجة أو بأخرى ـ على الرؤية السياسية لتلك التنظيمات الإسلامية، ومن ثم فإن أشدها بأسا في معارضة الأنظمة الطاغوتية ما كان ليتورع عن التعاون وعقد الصفقات مع تلك الأنظمة، في نهج بعيد تمام البعد عن تمثل الجذرية أو الثورية.

تيار بديل

 ورغم ما أقررناه فإننا إذا تحرينا هذه الثورية بداخل الدائرة الإسلامية فلن نعدمها، وإن توهجت شعلتها ـ عبر تاريخنا العربي الإسلامي ـ على نحو متقطع، فما أن ينجلي التاريخ عن أحد "المتفردين الإسلاميين" العظام حتى يشتعل أوارها بعد خمود، لتعود إلى هدأتها برحيله.

 ولعل أبرز هؤلاء "المتفردون الإسلاميون" العظام هو مولانا جمال الدين الأفغاني (قدس الله روحه)، من أيقظ وحده أمما وشعوبا بأسرها، وسار في البلاد يعلم أهلها الحكمة، ويهديهم سواء السبيل، فكان كالكوكب السيار، يتنقل بين المدارات، فلا يدع سهلا إلا ألقى عليه من ضياءه، ولا يترك أرضا وطئتها قدماه، ولا موضعاً أو مكاناً يلائم دعوته، إلا وبذر فيه من فكره الثوري، ضد الاستبداد والاستعمار.

ولو جوبنا تاريخنا نستقصي نموذجا أكمل للتيار الذي وردت تسميته بعنوان مقالنا لما وجدنا أمثل من نموذج جمال الدين الأفغاني، ففي سيرة السيد ودعوته التي دعا بها نبصر منطلقات هذا التيار متراصة جنبا إلى جنب؛ الثورية أو الجذرية كمنهج تغيير، العدالة الاجتماعية كنظام اجتماعي، الديمقراطية كنظام سياسي، القومية العربية كتطلع وحدوي، والإسلامية كمرجعية نهائية.

أما الثورية فقد سكنت سيرته واستقر مقامها بها، مطمئنة هانئة البال ـ إن جاز لها أن تهنئ ـ ليلتمسها من ينشدها في أعظم صورها وأبهاها حلة، مذ أن غادر السيد بلاده، بلاد الأفغان إلى الهند منتقلا إلى الآستانة مستقرا في القاهرة، منفيا عائدا إلى الهند مرة ثانية، فطهران لينفى مرة أخرى، ليكون مستقره الأخير بعد ذلك بالآستانة، ليسلم الروح شهيدا، بل سيدا من سادات شهداء الحرية.

كذلك فقد كان للسيد موقفا اجتماعيا متقدما، ومنحازا إلى الفكر الاشتراكي، عبّر عنه فيما بثه من تعاليم، ومن أقواله التي كشف فيها عن انحيازه ذاك: (.....إن دعوى الاشتراكية... وإن قل نصراؤها اليوم، فلا بد أن تسود في العالم، يوم يعم فيه العلم الصحيح، ويعرف الإنسان أنه وأخاه من طين واحد أو نسمة واحدة، وأن التفاضل إنما يكون بالأنفع من السعي للمجموع!..)(1)، لكنه انتقد الاشتراكية الغربية، ورأى فيها غلوا ناجما عن نزعة انتقامية من جور الحكام(2)، مشيرا إلى أنه "لما كان مذهب الاشتراكية كبقية المذاهب والمبادئ لها طرفان ـ وخير الأمور أوساطها ـ رأى الشارع الأعظم أن تنعُم فريق من قوم وشقاء فريق آخر في محيط واحد وبمساع ليس بينها وبين مساعي الآخرين كبير تفاوت، مما لا يتم به نظام الاجتماع.."(3)، ورأى في الإخاء الذي عقده المصطفى بين المهاجرين والأنصار "أشرف عمل تجلى به قبول الاشتركية قولا وعملا..."(4)

ولأن هذه القضية كانت حاضرة في الذهن الجمالي بقوة، فقد كان له السبق في تقدمة تفسير أحداث الفتنة الكبرى من خلال تحليل الجانب الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي آنذاك، وكيف نشأت الطبقات، وامتاز بعضها على البعض الآخر.

وعن ذلك يقول السيد: "في زمن قصير من خلافة عثمان تغيرت الحالة الروحية في الأمة تغيرا محسوسا، وأشد ما كان منها ظهورا في سيرته، وسير العمال (الولاة) والأمراء وذوي القربى من الخليفة، وأرباب الثروة، بصورة صار يمكن معها الحس بوجود طبقة "أشراف"! وأخرى أهل "ثروة وثراء وبذخ"! ونفصل عن تلك الطبقات، طبقة عمال، وأبناء المجاهدين ومن كان على شاكلتهم من أرباب الحمية والسابقة في تأسيس الملك الإسلامي وفتوحاته ونشر الدعوة...فنتج من مجموع تلك المظاهر التي أحدثها وجود الطبقات المتميزة عن طبقة العاملين والمستضعفين في المسلمين ـ تكون طبقة ـ أخذت تتحسن بشئ من الظلم وتتحفز للمطالبة بحقهم المكتسب من مورد النص ومن سيرتي الخليفة الأول والثاني أبي بكر وعمر. وكان أول من تنبه لهذا الخطر الذي يتهدد الملك والجامعة الإسلامية الصحابي الجليل "أبو ذر الغفاري"(5)".

وإذا ما انتقلنا إلى الفكر القومي عند السيد جمال الدين نستطلعه، سنصادف نضجا مثيرا للإعجاب والإكبار، إذ "قد جرت العادة (في عصره) أن يطلب المفكرون القوميون العرب من الأتراك العثمانيين أن يتركوا العرب ولغتهم وأن يعدلوا عن سياسة "التتريك"..."(6)، لكن جمال الدين ذهب إلى أبعد من ذلك فطالب ب "تعرب" "الدولة العثمانية، وتعرب الأمة التركية(7)، وكان السيد يعتقد أنه "لا سبيل إلى تمييز أمة عن أخرى إلا بلغتها..والأمة العربية هي "عرب" قبل كل دين ومذهب. وهذا الأمر من الوضوح والظهور للعيان بما لا يحتاج معه إلا دليل أو برهان!"، "فالمسلم أو المسيحي، واليهودي في مصر والشام والعراق، يحافظ كل منهم قبل كل شئ، على نسبته العربية فيقول "عربي" ثم يذكر جامعته الدينية..."، مشيرا إلى أنه"ينبغي لكل أمة أن تتمسك بجامعتها القومية في صدور أبنائها، وأن ذلك لا ينافي الإسلام"(8).

ولم يكن الفكر القومي لديه "يعني إدارة الظهر "للتضامن" الإسلامي، بل ولا الرفض "للجامعة الإسلامية"(9)، إذ كان يرى أن الإنسان يتحرك في دوائر ثلاث:

1ـ دائرة الأمة التي ينتسب إليها

2 ـ دائرة الملة التي تعتنق ذات الدين الذي يؤمن به

3 ـ دائرة النوع الإنساني الذي هو أحد أفراده(10)

كذلك ما كانت العروبة لدى جمال الدين الأفغاني تعصبا لعرق، إنما كانت لديه رابطة لسان وتكوين نفسي وآداب وثقافة، ويؤكد ذلك ما جاء برده على الفيلسوف رينان الذي زعم أن أكثر الفلاسفة الذين شهدتهم القرون الأولى للإسلام كانوا كنابهي السياسيين من أصل حراني ، أو أندلسي، أو فارسي، أو من نصارى الشام.."، فدفع قول رينان ذاك بتبيان أن أولئك كانوا عربا لسانا وثقافة، متسائلا في تعجب:"..ماذا يكون لو قصرنا نظرنا على الأصل الذي ينتمي إليه العظيم، ولم نأبه للنفوذ الذي سيطر عليه، والتشجيع الذي لقيه من الأمة التي عاش فيها؟ لو فعلنا ذلك لقلنا إن نابليون لا ينتمي إلى فرنسا، ولما صح لألمانيا أو انجلترا أن تدعي كلتاهما الحق في العلماء الذين استوطنوها بعد أن رحل أصولهم إليها من بلدان أخرى"(11).

وما من شك أن هذه الدعوات التي أطلقها السيد جمال الدين الأفغاني إنما ينتظمها نسيج واحد، هو نسيج الإسلامية، كيف لا؟! وهو إمام المجددين، وفيلسوف الإسلام.

إن كان مولانا جمال الدين الأفغاني هو المثال الأكمل لهذا التيار، ليس فقط لما اتسم به من مواهب فذة وسمات شخصية وتكوين نفسي يلائم طبيعة ما دعا إليه، بل لأن العصر الذي بعث فيه كان تتخلله معضلات ـ من نوع ما ذكرنا ـ تحتم على من كان مثله أن يتصدى لها، ويخوض غمارها مستقصيا ثم مدليا بدلوه ما وسعه علمه، نقول إن كان جمال الدين هو المعبر الأمثل عن هذا التيار فقد سبقته قامات مديدة ألمت بطرف أو بآخر من أطراف الأسس الفكرية لتيارنا ذاك، بحسب ما اقتضته متطلبات العصر الذي انتمى إليه كل منهم، فكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه)، من تسربلت سيرته برداء العدالة الاجتماعية، لتصير علما عليه ويصير ـ كذلك ـ  علما عليها، وأضحت مقولاته ـ أمثال "إذا جاع مسلم فلا مال لأحد"، "ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فوزعتها على الفقراء" ـ أنشودة يترنم بها الفقراء وذوي الحاجة.

  وتبع أفول نجم عمر ـ برحيله عن الحياة ـ بزوغ نجم جديد من أنجم هذا التيار الشريف، لكن هذه المرة كان سطوعه في سماء المعارضة ـ وذلك على خلاف سلفه العظيم ـ انه  أبو ذر الغفاري (رضى الله عنه وأرضاه)، صاحب الصيحة الشهيرة، (بعد أن تبدلت أحوال المجتمع الإسلامي، وظهرت طبقة من ذوي الثروة والجاه، فتمايزت، وبعدت الشقة بينها وبين الغالبية من الناس) "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه"، صيحة أطلقها الصحابي الجليل منذ ما يزيد عن ألف وربعمائة سنة وما زال دويها يتردد في أجواء مجتمعاتنا الرازحة تحت خسف اجتماعي تئن منه عشرات الملايين، منذرة بانتفاضة لا تبقى ولا تذر.

  وانتمى إلى ذاك التيار الشريف ـ كذلك ـ المفكر القومي السيد عبد الرحمن الكواكبي الذي رهن حياته لمدافعة الاستبداد، والدعوة إلى الحرية، وإلى "الحكومة الشورية"، واقترنت دعوته تلك بالحض على محاربة الظلم الاجتماعي الذي عده إفرازا من إفرازات الاستبداد، ورأى أن الإسلام أحدث "سنة الاشتراك على أتم نظام ، ذلك أن الإسلامية وضعت للبشر قانوناً مؤسساً على قاعدة: إن المال هو قيمة الأعمال ولا تجتمع في يد الأغنياء إلا بأنواع من الغلبة والخداع"(12)، مؤكدا على أن "العدالة المطلقة تقتضي أن يؤخذ قسم من مال الأغنياء ويرد على الفقراء، بحيث يحصل التعديل ولا يموت النشاط للعمل...."(13)، مادحا النظام الاشتركي، إذ يقول: " ولا غَرْوَ إذا كانت المعيشة الاشتراكية من أبدع ما يتصوَّره العقل، ولكن؛ مع الأسف لم يبلغ البشر بعد الترقّي ما يكفي لتوسيعهم نظام التعاون والتضامن في المعيشة العائلية إلى إدارة الأمم الكبيرة"(14) ، وتضافر ـ كذلك ـ مع دعواته تلك، تبشيره بالقومية العربية، فكان رائدها الأول، لكنه لم "يعزل عروبته وقوميته عن دائرة الجامعة الإسلامية، وكان مصلحاً إسلامياً يعمل لتجديد الإسلام كي تتجدد به دنيا المسلمين، لكنه يؤكد على تميز الأمة العربية في إطار المحيط الإسلامي الكبير".

إن هذا التيار أصيل ـ ما بلغت الأصالة مبلغها ـ بأعلامه ورواده الذين عددنا بعضا منهم، وألمحنا إلى أفكارهم وسيرهم، تلك التي تنساب عبر تاريخنا منشئة ـ بينهم ـ صلة نسب لا تنقطع، مفضية إلى تشكل تيار فكري تمتد جذوره عميقا في تربة مجتمعنا، وهي أصالة لطالما تنكب المجتمع سبيلها، فكان ينشر ـ في الآفاق ـ  كشافيه لإدراكها، ليحال بينه وبينها زمانا طويلا، وقد آن آوان نشر أريجها لتعود الروح ـ باستنشاقه ـ إلى بلادنا بعد أن غادرتها منذ أمد بعيد.

لقد تكون هذا الينبوع فوق ذروة البشرية السامقة، فلم يدنسه الأدعياء، إذ اعتصم  بين صخور حادةُ حوافها، ردت عنه ظمأهم المدنس، فما تعكرت مياهه يوما. أما وقد ملكنا دوحة المستقبل فقد آن لنا أن نُسيل هذا الينبوع ليروي دوحتنا تلك، فلا نرجو ـ غيره ـ لرى ظمأها إلى النهضة المنشودة.

__________________________________________________

(1)   تلاةلاةى

(2) خاطرات الأفغاني ـ آراء وأفكار، محمد باشا المخزومي، ص160 مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى،2002

(3)   المرجع السابق، ص163

(4)   المرجع السابق ص163

(5)   جمال الدين الأفغاني، محمد عمارة، دار الشروق، الطبعة الثالثة، ص206

(6)   المرجع السابق، ص171

(7)   المرجع السابق، ص172

(8)   الخاطرات، ص90

(9)   جمال الدين الأفغاني، محمد عمارة، دار الشروق الطبعة الثالثة ص185

(10)   المرجع السابق، ص195

(11)   زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، ص91

(12)  طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، عبد الرحمن الكواكبي، دار النفائس، الطبعة الثالثة، ص94

(13)  المرجع السابق، ص94

(14)   المرجع السابق، ص96

محمد السيد الطناوي

إسلامي تقدمي 

[email protected]

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 393 مشاهدة

 


http://www.youtube.com/watch?v=CqzS90rhnSw&feature=share

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 237 مشاهدة

بالطريقة ذاتها ووفقا للكتالوج القديم بدأت العملية الثانية لاغتيال محمد البرادعى، سياسيا ومعنويا، والجديد هذه المرة أن المشاركين فى التنفيذ كانوا محسوبين على الثورة حتى قذفت بهم الأمواج إلى شاطئ «العسكرى» فصاروا عسكريين أكثر منه.

 

فى الحرب الأولى ضد البرادعى نشط كتبة حكوميون وساقطو قيد من السياسيين الفاشلين، وكائنات حزبية منقرضة جنبا إلى جنب مع أجهزة الأمن القمعية، وأجهزة الإعلام البوليسية، ليوجه هذا الكورس العجيب سلسلة من الضربات العنيفة ضد العائد إلى مصر مبشرا بالتغيير والإصلاح السياسى والانعتاق من حكم بليد متكلس متصلب الشرايين متيبس المفاصل.. كان البرادعى فى ذلك الوقت أول شخص يقول لحسنى مبارك إنك لا تصلح لقيادة مصر وإن ساعة التغيير قد دقت، معلنا بوضوح أنه جاء لتحرير الرئاسة المصرية من أسر الرجل الواحد وولده من بعده.

 

وسوف يذكر التاريخ أن البرادعى كان أول من هز شجرة التغيير فتساقطت الثمار على الأرض بعد أن كانت معلقة فى الفضاء، حيث عرف المجتمع المصرى حركة منتظمة على طريق التغيير تبلورت فى الجمعية الوطنية للتغيير التى ضمت كل ألوان الطيف السياسى من إسلاميين وليبراليين وناصريين وقوميين وأقباط، وبدا لأول مرة مصر تستطيع صناعة التغيير.

 

ولن ينسى التاريخ ــ حتى وإن تناسى الإخوان ــ أن البرادعى بعد عودته إلى مصر دافع عن حق جماعة الإخوان فى المشاركة فى الحياة السياسية المصرية، فى الوقت الذى لم يكن فيه كثيرون يجرؤون على ذكر اسم الجماعة دون إلحاقه بكلمة «المحظورة».

 

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ذلك كله كان المقدمة الطبيعية لاندلاع ثورة 25 يناير ليعترف الجميع بأن الشرارة الأولى كانت ظهور شخص على الساحة اسمه محمد البرادعى أعلن صراحة فى خريف 2010 أن التغيير قادم فى غضون شهور معدودات وأن مليونية واحدة قادرة على إسقاط حسنى مبارك.. وقد كان.

 

وأغلب الظن أن مجريات الأحداث طوال العامين الماضيين تجعل «البرادعى فوبيا» مسيطرة على كل رافض لفكرة التغيير إلى الآن حتى وإن ادعى أنه مع الثورة وحاميها، ومن هنا لا أستغرب أبدا اشتعال الحرب ضد البرادعى من جديد لأنه يتحدث بصراحة عن حتمية تسليم السلطة لإدارة مدنية تنهى هذا الفاصل الطويل من العك والارتباك.

 

والجديد هذه المرة أن مهمة تصفية البرادعى سياسيا انتقلت من صبية الأمن إلى بعض من كنا نعتبرهم كبارا فى خلافهم، لكنهم من أسف لم يتورعوا عن التحريض ضد الرجل على مائدة المجلس العسكرى، يستوى فى ذلك المرشح المحتمل الغارق فى أوهام «الشعبوية» أو ذلك المستثمر فى مقاولات الثورة.

 

غير أن الغريب فى المسألة أن يتم استخدام اسم «الإخوان المسلمين» كذريعة لرفض مطالب متصاعدة فى ميادين مصر تريد البرادعى رئيسا لحكومة إنقاذ وطنى، ومصدر الغرابة أن الإخوان الذين وضعوا أيديهم فى يد البرادعى بعد أن دافع عن حقهم فى الوجود الشرعى ضمن معادلات التفاعل السياسى يلوذون بالصمت أمام ما ينسبه المجلس العسكرى عن موقفهم من البرادعى، رغم أن الصمت يعنى رضا، والرضا يعنى أنهم ضجوا بالميدان ورموزه بعد أن حصلوا على مرادهم.

فى الحرب الأولى انهزم الشتامون الكذابون وانتصرت الثورة.. ولسوف تنتصر.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 335 مشاهدة

 

فى موقعة الغاز التى بدأت قبل خطاب السيد المشير، وتضاعفت بعد خطابه بساعة أو أقل، يستغرب المرء من تشابه الظروف، ومن تطابق التفكير، ومن عدم قدرة الإنسان على الاتعاظ بغيره.

فى الخامس والعشرين من يناير شممنا من الغازات ما يكفينا لبقية العمر، ولم نكن نعلم أن نصيب الثائر المصرى من الغازات لم ينته بقدوم يوم الحادى عشر من فبراير، وأن الدولة المصرية قد قررت أن (تصرف) لكل ثائر مصرى غازاً فاخراً يبقى معه إلى الأبد، ويوصله إلى الدار الآخرة عبر بوابة السرطان كما سلكها إخوة له من قبل بالمبيدات والأغذية.
ألغازُ هذا الغاز كثيرة، هل هو غاز الخردل؟ هل هو نوع من أنواع غازات الأعصاب؟ الدولة (بكل هيبتها) تقول إن هذا الكلام غير صحيح، ولكن العلم يقول غير ذلك، فأعراض مئات المصابين فى المستشفيات الميدانية تقول إن ما ألقى على الثوار لم يكن مجرد غاز مسيل للدموع، بل كان شيئا أكثر جدية من ذلك.

سيادة المشير قال كلمته، وكان تأثيرها على الثوار لا يقل عن تأثير الغازات التى ألقيت قبل الكلمة أو بعدها، بل من الممكن أن نقول إن تأثير كلمة المشير قد سمم أجواء الوطن أكثر مما سممته القنابل، فكلمة الأسف لم تكن تكفى لتضمد جرح الشهداء الذين ألقيت جثثهم فى الزبالة، وكلمة الاستفتاء على شرعية المجلس هى أكثر القنابل سمية فى سماء الوطن مذ عرف هذا الجيل معنى الحرية.

هناك قناع واق من القنابل المسيلة للدموع، صينى الصنع، محدود الفاعلية، ولكن قنبلة (الاستفتاء) لا قناع يقى من آثارها، اللهم إلا الاعتصام فى ميدان التحرير تحت رحمة القنابل والغازات.

كيف نستفتى المصريين على شرعية المجلس؟ هل نقول لهم فى ورقة الاستفتاء اختاروا بين المجلس والفراغ؟ أو لعلنا نكتبها لهم صراحة بأنكم تختارون بين المجلس العسكرى وبين الفوضى، تماما كما قال مبارك ذلك قبل عدة شهور!

لو أردنا أن نستفتى الناس بحق على شرعية المجلس فلنمنحهم بعض الاختيارات، لنقل لهم مثلاً: هل تختارون مجلسا رئاسيا مكونا من محمد البرادعى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وحمدين صباحى، وحازم صلاح أبوإسماعيل، (على سبيل المثال)، أم تختارون المجلس العسكرى؟
لماذا لا نخير الناس فى الاستفتاء فيختارون بين السادة أعضاء المجلس العسكرى وبين حكومة إنقاذ وطنى برئاسة وعضوية شخصيات وطنية محترمة؟

لماذا نلجأ لأسلوب حسنى مبارك المخلوع ومن قبله السادات حين كان يخيرنا بنعم أو لا، بدلاً من إعطائنا فرصة الاختيار بين بدائل واضحة؟

هل يجرؤ أحد على لومنا حين نقول إننا ما زلنا نعيش فى نفس العصر، عصر الاستبداد محدود الذكاء والكفاءة؟

قنابل الإعلام وغازاته السامة أيضاً استمرت، فالثوار يريدون مهاجمة وزارة الداخلية، والسادة الضباط مسالمون كما تعودنا على ذلك خلال الثلاثين عاما الماضية، الإعلام يبث سمه فى آذان المصريين بكل ما أوتى من باطل، وقنابل الإعلام لا يبطلها إلا الحساب العسير لكل من أطلق غازاته السامة، وأول هؤلاء السيد وزير الإعلام الذى نسى نفسه، ولم يعتبر بوزير الإعلام السابق الملقى فى السجن حالياً، وكأن السجن أمر بعيد.

إن تصوير الثوار وكأنهم هم من يهاجم الوزارة يشبه الغازات السامة التى ألقيت على الميدان، ولكنها ألقيت فى ميدان أكبر، فهو بحجم مصر كلها، والحقيقة أن الثوار لم يفعلوا شيئا سوى الدفاع عن الميدان وذلك بعمل منطقة عازلة لكى لا يقترب أشاوس الشرطة فتصل قنابلهم إلى المعتصمين، وسمع المصريون فى ذلك كما من الكذب عبر وسائل الإعلام التى تعيش من ضرائبهم حتى تسممت آذانهم، ويكفى أن نعرف أن الأشاوس قصفوا المستشفى الميدانى ست مرات فى يوم واحد.

انتظر الناس اعتذاراً رسمياً، ولكنه تأخر، تماما كما انتظروا خطاب السيد المشير لست ساعات أو يزيد، وحين جاء الاعتذار كان الوقت قد تأخر، لأنه جاء فى الوقت الذى كانت تستقبل فيه المستشفيات الميدانية مختنقا بالغاز كل خمسين ثانية، لذلك تساءلت: ترى هل يعرف اللواء العصار كم ضحية سقطت فى ميدان التحرير أثناء إلقائه اعتذاره؟
ما فائدة الاعتذار والقتل مستمر؟ كيف يقبل الثوار اعتذاراً وبعض أطباء المستشفى الميدانى قد ماتوا مختنقين بفعل القنابل والغازات؟

أليس قتل الأطباء بهذه الطريقة وبهذه الغازات جريمة دولية لا تسقط بالتقادم؟
ترى هل تسقط هذه الجريمة باعتذار متكبر جاء متأخراً؟

يقول المجلس إننا لسنا امتداداً للنظام السابق، والغازات السامة المسرطنة التى تقتل فى محيط قطره عدة كيلومترات تقول غير ذلك.

يقول المجلس العسكرى على لسان المشير إنه لا يطمح للحكم، ولكن الغازات تقتل العصافير، ترى هل يعلم المشير كم عصفوراً من ذوى الكمامات أو ذوى الأجنحة قد قتل فى ميدان التحرير؟

أيها السادة، لن تقتلوا العصافير، ولا بارك الله فى شاعر لا يدافع عن العصفور ضد القنبلة، وليجر لى ما يجرى!

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 309 مشاهدة

لكل فعل من أفعالنا وجهان، وربما حمل البعض بل الكثير منها وجوه عدة، لكن الكثيرين لا يدركون من أفعالهم ـ وكذلك أقوالهم ـ غير الوجوه التي قصدوا إليها ورغبوا في إنفاذها، نستثني منهم قلة من ذوي الفطنة والبصيرة؛ لا يُقدمون على شئ من قول أو عمل إلا أحصوا وجوهه، وفاضلوا بينها، فإن غلب عليها المنفعة أقبلوا، وإن كان الأمر على خلاف ذلك أحجموا( غير أننا نستدرك فنشير إلى أن لكل جوادا ـ من بين القلة المشار إليها ـ كبوة).

 

منذ اليوم الذي نزل الجيش ـ برجاله وآليته وعتاده ـ إلى الشارع، بعيد هزيمة جحافل الأمن المركزي على يد ملايين الشعب الثائرة، واعتراف قياداته ـ المجلس العسكري ـ بمشروعية مطالب الثورة، ثم تنحيته للرئيس المخلوع مبارك ــ وعامة الناس وكذلك خاصتهم ـ من السياسيين والكتاب والمثقفين والناشطين الشباب ـ في انقسام حول هذا الدور الذي لعبه المجلس العسكري في تلك المرحلة من مراحل الثورة، وإذا ما كان صادقا فيما ادعاه من تأييده لمطالب ثورتنا وانحيازه لها، وكونه لا يرنو إلى سلطة يستأثر بها، أم أنه يبطن خلاف ما يعلن، ليذهب البعض إلى القول بأن هي إلا فترة انتقالية قصيرة يؤسس فيها المجلس العسكري لنظام ديمقراطي ثم يقفل عائدا إلى ثكناته، بينما البعض الآخر ما فتأ يشكك في صحة تلك الدعوى.

 

 ورغم أن توالي الأحداث منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا لا يدلل على صدق هذا الزعم  ـ الذي  يُملى علينا ليل نهار عبر وسائل الإعلام المختلفة ـ  إذ مع كل يوم يمر، وكل واقعة تعتلي مسرح الأحداث ـ في بلدنا ـ يزداد القلق وتضطرب الحياة، وتخفت مصداقية حكامنا الجدد شيئا فشيئا، حتى نكاد لا نلمح لها أثرا، غير أن هذا لم يمثل ـ يوما ـ عائقا يحول بين حملة المباخر ـ لكل نظام ـ وأصحاب المصالح الشخصية أن يحاموا عن المجلس العسكري، وينزهوه عن كل طمع ورغبة في البقاء بالسلطة، ومن بين أولئك المحامون أفراد معدودين يقولون بقول تلك الفئة لكنهم ليسوا منهم، فإصرارهم على القول بأن المجلس العسكري هَدَف لحماية الثورة بتدخله على الشاكلة التى عليها كان، ومن ثم ارتأوا في الاصطفاف وراءه ـ بتلك المرحلة ـ أنه "واجب وطني"، إن هذا الرأي لا يدخلهم في نطاق تلك الفئات سالفة الذكر، كذلك  فهم لا يذيعوه في الناس ـ إن صدق حدسنا ـ عن اعتقاد حقيقي في صحته.

 

إذن ما الذي يدعوا مثل هؤلاء إلى أن يسلكوا هذا المسلك؟!، غالب الظن أن مبتغاهم من وراء ذلك يجره التمني أن تبحر سفينة الثورة ـ في ظل الأجواء العاصفة التي تعيشها البلاد ـ إلى مرفأ آمن، وهو لن يعدو كونه إقامة نظام ديمقراطي سليم طال شوقنا وتحرقنا إليه، وقادهم تفكيرهم إلى أن دعم ربان تلك السفينة، وتعضيده، وبث الطمأنينة إلي نفسه قد يكون هو السبيل الأمثل لنيل مطلبهم ـ ومطلبنا ـ ذاك.

 

ومن تلك الفئة التي نقصد إليها بحديثنا الأستاذ فهمي هويدي؛ إذ الأستاذ واحد من أولئك الذين لا نشك في حسن طويتهم، وابتعادهم عن المتاجرة بمواقفهم في سوق المصالح الشخصية، ومع ذلك نجده دائم الترديد في مقالاته عن دور المجلس العسكري في حماية الثورة[1]، وأن الاصطفاف وراءه في تلك المرحلة واجب وطني و......الخ، والتماسه حسن النية دوما ـ في تقييمه للأحداث الجارية ـ حتى وإن لم يكن لها موضع. وتجرأي على القول بأن الأستاذ لا يبسط هذا الرأي في مقالاته، بدافع من إيمان حقيقي به، بل بإيعاز من الرؤية السابقة الذكر أعلاه، أقول أن تجرأي هذا راجع إلى ما ساقه الأستاذ نفسه من مقدمات متمثلة في مقالات بثها في الناس طوال الفترة التالية للتنحي وتسلم المجلس العسكري السلطة ــ وإلى الآن،  وهذه المقدمات لا يمكن ـ بأي حال من الأحول ـ أن تفضي إلى النتيجة المتمثلة في رأيه ـ أيضا ـ السالف ذكره.

 

واليكم ما يقيم ادعاءنا على قدمين ضاربتين في الأرض، متناولين بعض ما كتبه الأستاذ فيما يخص السياسات الأمنية للسلطة الجديدة القديمة، وكذلك تصوره ـ الذي قدمه لقرائه عبر مقالاته ـ عن نوع السياسة الخارجية التي ينتهجها العسكر.

 

 قد كان الأستاذ من أوائل الذين لفتوا النظر مبكرا إلى استمرار السياسات القمعية "المباركية"، والسلطة يوم ذاك بيد العسكر، ففي مقاله المعنون ب"أيكون الاعتصام هو الحل؟" بتاريخ(14 فبراير)، أشار إلى أن "ثمة تصرفات تقلق المعتصمين وغيرهم، منها مثلا أن بعض زملائهم يتم اعتقالهم واقتيادهم للاستجواب فى مقر المتحف المصرى المطل على ميدان التحرير".
مضيفا إلى أنه "فى هذا الصدد، فإنه يقلقهم أن المحققين لا يزالون يسألون المتظاهرين الموقوفين عما إذا كانوا مدفوعين من أى جهات خارجية أم لا. ويضاعف من قلقهم إدراكهم أن الجهات التى تتولى تلك التحقيقات يبدو أنها لم تقتنع بعد بأن تلك ثورة وطنية".

 

ويخرج علينا الأستاذ بعد أقل من أسبوعين بمقال  ( تحت عنوان "طعنوا المتظاهرين والجيش" بتاريخ 27 فبراير) معلنا فيه أن القلق ما زال يسري في وجدانه مما "جرى مساء يوم الجمعة مع بعض المتظاهرين خصوصا أمام مجلس الوزراء..:، إذ كانوا قد "تعرضوا للضرب بالعصى الكهربائية كما تعرض بعضهم للسحل والإهانات التى أذهلت الجميع، وأعادت إلى الأذهان ممارسات ظننا أننا تجاوزناها..."، وكما أن ظن الأستاذ وقتئذ لم يكن في محله، فهو وإلى الآن ظن لا محل له من الإعراب، ودليلنا على ذلك لا نرتضى أن نستقيه من معين غير معين مقالات الأستاذ اليومية المنشورة بجريدة "الشروق"، إذ نجده يطالعنا في مقاله المعنون ب "كرامة المواطن خط أحمر (بتاريخ 28 مايو) على شعوره بالغضب والمهانة منذ قرأ شهادة "أوردها أحد المدونين على الإنترنت (طالب جامعى اسمه مصعب الشامى) يوم 23 مايو الحالى، وكان صاحبنا هذا أحد الذين تظاهروا أمام مبنى السفارة الإسرائيلية فى ذكرى النكبة. وبسبب من ذلك اعتقلته الشرطة العسكرية (بالإضافة إلى أكثر من 180 شابا تم تقديمهم على الفور للمحاكمة العسكرية وقتئذ) لعدة أيام. وفى شهادته ذكر مصعب أن أحد ضباط الجيش، وهو يعتقله وصفه بأنه ابن «عاهرة»، فما كان منه إلا أن طلب منه أن يترك أمه فى حالها ويخرجها من الموضوع، وحينئذ ركله الضابط فى وجهه وأسكته...".

 

وتحت عنوان "أهالي الضحايا معذورون" (بتاريخ 30/6/2011) يكشف لنا الأستاذ عن استمرار "برطعة" ضباط أمن الدولة في البلاد والعباد، تحت عين النظام الجديد ورعايته، فكتب يحدثنا عن الرشاوي المعروضة على أهالي شهداء الثورة ـ من قبل ضباط أمن الدولة المتهمين بإزهاق أرواح أبنائهم ـ لكي يتنازلوا عن المطالبة بحق القصاص لذويهم، يدعم هذه العروض تهديدات تشمل تلفيق القضايا "بدءا من الاتهام بالاتجار فى المخدرات وانتهاء بقضايا الدعارة مرورا بالاعتداء على المال العام وسرقة وتسميم الماشية"، إذ لم يذعنوا ويقبلوا تلك الرشاوي وهم صاغرون. و يعلمنا الأستاذ أن تلك القصة جرت أحدثها ـ بتعديلات طفيفة ـ في محافظات بني سويف والسويس والأسكندرية، ونقلا عن جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان كتب مضيفا "أن الضباط المتهمين بالقتل الذين يفترض أن يتم احتجازهم، يذهبون إلى المحاكم فى الصباح كمتهمين ثم يعودون إلى مكاتبهم فى المساء لكى يمارسوا ترهيب الشهود وأهالى الضحايا"(!!!). وختم قائلا : "إن كل الشواهد تدل على أن هناك تسويفا فى محاكمة ضباط أمن الدولة المسئولين عن قتل المتظاهرين، كما أن هناك تدليلا لهم غير مبرر. إضافة إلى التلاعب فى شهادات الشهود الذى من شأنه تبرئة القتلة وربما إدانة الضحايا فى تهمة الاعتداء على مقار الشرطة والضباط «الأبرياء» العاملين فيها"(!!).

 

ولأن تلك الوقائع ليست خروجا عن النص، بل هي النص ذاته، فما زال الأستاذ يطالعنا ـ في مقالاته ـ على أشكال أخرى للسياسة الأمنية للنظام الجديد القديم، ومنها مداهمة قوات الأمن "40 شخصا من المخبرين وأمناء الشرطة" لمقر قناة الجزيرة، وذلك "دون أن يقدموا للقائمين على المكان أى أوراق رسمية تبين هويتهم أو هدفهم" (وهي المداهمة التي تكررت بعد فترة قصيرة ـ لمقر جديد لنفس القناةـ رغم أنف كل المعترضين والمنددين الذين استنكروا وأدانوا هذه الممارسة القمعية في السابقة الأولى).

 

ومازالت تلك السياسة "المباركية" القمعية ـ إلي يومنا هذا ـ قائمة ، ولعل آخر ما رصده لنا الأستاذ من ألوانها ما جاء بمقاله بجريدة الشروق (بتاريخ 30 أكتوبر)، تحت عنوان "فهمونا ولا تعظونا"، متحدثا عن جريمة قتل الشاب عصام عطا الذي كان حكم عليه "بالسجن لمدة سنتين بعد القبض عليه حين كان يقف متفرجا على معركة بين طرفين فى منطقة المقطم"، وبارتكابه مخالفة تهريب شريحة هاتف محمول فقد استحق القتل تعذيبا من قبل ضباط السجن،"وسجلت الشرطة فى محضر الوفاة أنه مات على إثر تعاطيه المخدرات. !!"

ولم يفت الأستاذ هويدي أن يشر في عجالة ـ بمقاله ـ إلى أن مسلسل الخطف مازال حلقاته تتابع، وكانت أخراها اختطاف الطبيب أحمد عاطف "الذى اختطف من الشارع أثناء عودته إلى بيته، ثم اختفى فى مكان مجهول لمدة أسبوع ثم اطلق سراحه دون أن يعرف من الذى اختطفه ولماذا اختطف. وكل ما يعرفه أن «جهة سيادية» هى التى اختطفته وأنه سئل عن دوره فى إضراب الأطباء، دون أن يتهم بشىء".

 كذلك اختطاف "شريف الروبى" من حركة 6 أبريل "الذى اختطفته جهة سيادية من الفيوم، وظل وراء الشمس، مدة أربعة أيام".

 

وإذا ما انتقلنا بحديثنا إلى السياسية الخارجية للنظام الجديد القديم ( لكننا لن ننتهج نهجنا السابق في تناول ما سطره الأستاذ في هذا الصدد، حتى لا يطول المقال عما ينبغي أن يكون عليه)، لنتوجه مباشرة إلى السؤال الذي طرحه الأستاذ ( بتاريخ 12 يوليو) لا مستفهما، بل مستنكرا ورافضا، معنونا به مقاله "هل يدير مبارك السياسة الخارجية لمصر؟"، ومضى الأستاذ يعدد ـ من السياسات الجديدة القديمة ـ ما دفعه إلى القول بذلك، وشاء القدر أن لا ينتظر الأستاذ كثيرا ـ بعد شهر وبضع أيام ـ حتى يتلقى تأكيدا على ما ذهب إليه، بوقوع جريمة مقتل الجنود المصريين الستة بنيران العدو الصهيوني (18 أغسطس)، وما تبعه من موقف مخز للمجلس العسكري حيال حادثة تكررت مرارا من قبل، فلم يختلف  كثيرا موقف النظام الجديد (القديم) عن سابقه، رغم الغضب الجماهيري الغير مسبوق.

 

 وإذا ابتغينا المزيد نستطيع أن نتتبع ما ذكره الأستاذ عن الخطاب الإعلامي للنظام الجديد القديم،"في مقالاته المعنونة ب أسئلة الصدمة المعلقة، لم يكن مقنعا ولا ناجحا، ليتكلم المشير ويعتذر، 7 أسباب للزعل، لا تبخسوا المجتمع حقه، لا تجلدونا من فضلكم، هل نحتاج إلى انتفاضة أخرى، غلطة الشاطر، يكبرون ومصر تصغر، بلطجية وعفاريت، لنقع على ذات الآفات التى استشرت في خطاب نظام مبارك من استخفاف بالعقول، وازدراء ـ غير خفى عن فطنة ذويها ـ للجماهير، ولهجة حديث متعالية يصاحبها اتهامات بالعمالة للقوى الوطنية )

 

إذاً الأستاذ ـ طوال الفترة الماضية ـ لم يتوان عن تعداد تلك الوقائع ـ التي اكتفينا بذكر نماذج لها من مقالاته ـ  ونقدها، (وبالقطع فمع كثافة تلك الوقائع والشواهد واستمرارها إلى اليوم فإنها تتحدى كل من ادعى كونها أخطاء وليست اختيارات وسياسات) وهي تنبئنا ـ بغير حاجة إلى تحليل أو تعليق من أحد ـ أن النظام الجديد ما هو إلا امتداد لنظام قد ولى ، بل هو هو.

 

كذلك فالأستاذ هو من ذهب إلى القول بأن "النظام البوليسى الذى استمر ثلاثة عقود لم يترك مؤسسة فى مصر إلا واخترقها وحاول تجنيدها لحسابه، بصرف النظر عن حجم تلك المؤسسة أو مجال عملها، حتى لو كانت جمعية لدفن الموتى"(الشعب يريد تطهير القضاء، 24 إبريل). وبداهة فالمؤسسة العسكرية أهم من جمعية دفن الموتى!!، بل هي أهم مؤسسة في البلاد، أكان مبارك غافل عن أن يضع رجال من تلك النوعية التي كان يستعملها على رأسها[2]!! .

 

فلماذا إذن يُعْرٍض الأستاذ عن مقدمات دفع ـ إلى قرائه ـ بها؟!، ليستنبط نتيجة غريبة عنها؟!. أهذه المقدمات ساقها لتلزم قرائه أولئك، ولا تلزمه هو؟!.

 

إذا كان الأستاذ يتكلف هذا الرأي من باب تدعيم  "آخر عمود في البيت" (بتعبير الدكتور معتز بالله عبد الفتاح)، أفلا يساوره الشك أن ما يلقي به إلينا (هو وغيره)   في مقالاته ـ مما ذكرنا سالفا ـ مرارا وتكرارا يكون له تأثير على غير الوجه الذي رغب إليه؛ فيزداد إكبار الناس لهذا المجلس وإعظامهم لأعضاءه، وبخاصة وأن ـ في المقابل ـ  النخبة الموكل إليها قيادة المرحلة القادمة يكثر فيها الآفاقون والمهرجون والمنافقون؛ خدم كل سلطان ومماليكه، والمتاجرون بكل شئ ، وكثير منهم  ـ كذلك ـ لا يحسن إلا "صراع الديكة" على تلك "المصاطب النخبوية" (برامج التوك شو)، وهو ما ليس رجل الشارع عنه بغافل ( ولا العسكر كذلك فقد خبروهم في الفترة الأخيرة). أفلا يكون هذا باب لارتفاع أسهمهم عند الجماهير، ليطمعوا فيما لا سبيل لهم إليه، ولا نقصد بالضرورة التطلع إلى الحكم السافر، بل الحكم من وراء ستار، أو ربما اقتسام للسلطة مع تيار من التيارات المتصارعة، وهو ما لا تستنكفه إحداها في ظل حالة من العداء الشديد والاستقطاب لا تخفى على أحد، ثم من الضامن أن يسير هذا المجلس على شروط  المصطافين بجانبه، باعتباره "واجبا وطنيا"؟!.

 

إن كان التاريخ "لا يعيد نفسه" كما تفيد المقولة الماركسية الشهيرة، فإن المقولة ذاتها تنبئنا ـ كذلك ـ أنه إن لم يكن لنا العبرة والعظة ـ وساهمنا في إعادة إنتاج هذا التاريخ ـ فإنها المهزلة الكبرى!!.

 

وإن كان للأستاذ قلم عزيز علينا، تتلقف كلماته عشرات الألوف وربما مئاتها من قراء "الشروق" لتذعن لأحكامها ـ بلا ارتياب أو حذر ـ ثقة بكاتبها، واحتفاءا به، فإنها وحدها النفوس النبيلة تلك التي تأنف أن تأخذ شيئا بغير بدل.

 


[1]  مسألة أن المجلس العسكري حمى الثورة، وجنبنا المسار الذي صارت إليه ليبيا وسوريا هي خرافة لا أصل لها، فهل كان يملك المجلس ـ عمليا ـ  خيار آخر؟! وذلك أمام الملايين الغاضبة التي غصت بهم شوارع مصر وميادينها، ولم يثنيهم عن الاستمرار في الإعلان عن غضبهم كل ما اصطنعه النظام لردعهم؛ مليون ونصف المليون جندي مركزي، اتهامات بالعمالة، وخطابات خبيثة تهدف لابتزاز عواطف الجماهير، تمطر بها سماء إعلام مضلل وخسيس، وقناصة وبلطجية مأجورون لا يراعون حرمة، ولا تأخذهم بأحد شفقة ولا رحمة، كل هذا لم يجد نفعا. وإذا فرضنا جدلا أن كان المجلس قد تجاهل روح التحدي والإصرار تلك التي ركعت أمامها جيوش النظام السابق الأمنية والإعلامية معلنة استسلامها ــ آملا في أن ينجح هو فيما فشل فيه أولئك، ومن ثم أصدر أمره بالتصدي لجموع الشعب الثائرة، فهل كان من المتوقع أن يطيع ضباط جيشنا هذا الأمر، ويتجاهلوا عقيدتهم القتالية التي تحول بينهم وبين تصويب سلاحهم إلى مدني أعزل؟!!. هل كان من المتوقع أن يطيع ضباط جيشنا أمرا كهذا، وكل منهم مدرك أنه قد يكون بين الثوار أخيه أو أخته أو ابنه أو ابنته أو.......أو..........؟! . وإذا ما افترضنا أن ذلك كان ممكن الحدوث، وأن بعضهم كان ليطيع الأمر الصادر إليه، فبالقطع كان هناك الكثير منهم سيرفض تنفيذ أمرا كهذا، لينجم عن ذلك انقسام داخل الجيش، وتقوم على إثره حرب أهلية، ويكون مَثل المجلس العسكري كمثل البطل اليهودي شمشون الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه، بيد أن خيار شمشون  كان ـ عمليا ـ خيارا منطقيا، إذ فقد بصره، وأصبح معرض للهلاك فاختار أن يهلك ـ ما دام هلاكه محتوما ـ هو وخصومه، بينما كان إقدام المجلس على خيار كهذا حماقة ستذهب بريحهم، وستورد البلاد مورد الأخطار. كذلك فإن القوى الدولية ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة، ومدى نفوذها على الجيش معلوم للكافة ـ ما كانت لتسمح بولوج دولة  بحجم مصر وثقلها الإقليمي ـ حماية لمصالحها في المنطقة ـ  إلى موطن اضطرابات لم يكن ليعلم غيره سبحانه  بميقات خروجها منه.

 

[2] عن الوسائل التي اصطنعها نظام مبارك لزيادة إحكام قبضته على المؤسسة العسكرية، يمكن العودة إلى "مصر بين العصيان والتفكك" ـ علم الاستبداد والطغيان، طارق البشري 

 

محمد السيد الطناوي

[email protected]

 

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 352 مشاهدة

 

http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=Zd_sowhO_Q0

 


http://www.youtube.com/watch?v=F_nGSaRQ-hE&feature=related

 

احنا لو عندنا إرادة فعلا ، وبحق الشهداء سواءشهداء يناير أو شهداء موقعة العباسية ، أو شهداء ماسبيرو لازم نطلع فى وقفات احتجاجية ويبقى فى ثورة تانية على أخر الشهر الحالى ، مرة واحدة نعمل حركات استباقية مش نستنى لما تخرب فى الانتخابات وبعدين نرجع نثور

مرة واحده نبقى احنا الفعل والطرف التانى نجبره برد الفعل اللى نرتضاه

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 224 مشاهدة

ماذا تفعل لو كنت ضابطا فى أمن الدولة ولاتزال فى منصبك حتى الآن..؟ لقد قمت بتعذيب مئات المصريين قبل الثورة وأنت تعلم أن الانتخابات القادمة ستأتى بحكومة مدنية ستقيلك قطعا من منصبك وقد تحيلك إلى المحاكمة.. هل تحافظ على الأمن أم أنك سوف تفعل كل ما

تستطيعه حتى تشيع الفوضى فى مصر لتنجو بنفسك..؟ إذا كنت رئيسا لبنك عيّنك جمال

مبارك فى منصبك ماذا تفعل بعد الثورة؟!. هل تساعد على نهضة الاقتصاد حتى تأتى حكومة جديدة تقيلك وتحاسبك أم أنك ستستعمل خبرتك فى إحداث أزمة اقتصادية تؤجل مصيرك المحتوم..؟ إذا كنت محافظا عينك مبارك أليس من مصلحتك أن تثير فتنة طائفية لتؤجل التغيير

 الذى سيعصف بك..؟ فى أعقاب أى ثورة لو ظل أتباع النظام القديم فى مناصبهم سوف يتآمرون حتما بكل الطرق من أجل تخريب البلد وتعطيل التغيير.. فى كل ثورات الدنيا تم هدم النظام القديم بمجرد نجاح الثورة إلا فى ثورتنا المصرية التى يبدو وضعها فريدا من نوعه حيث ٢٠ مليون مصرى صنعوا ثورة عظيمة واجهوا خلالها الموت وقدموا الشهداء حتى

نجحوا فى إجبار حسنى مبارك على التنحى ثم عادوا إلى منازلهم وتركوا الثورة أمانة فى أيدى

المجلس العسكرى.. هنا حدث سوء تفاهم حقيقى. الثورة اعتبرت الإطاحة بمبارك خطوة أولى من أجل إسقاط النظام القديم، والمجلس العسكرى اعتبر أن تنحى مبارك تضحية لا مفر منها من أجل الحفاظ على النظام القديم. لابد أن نفرق هنا بين القوات المسلحة مؤسستنا الوطنية التى

نعتز بها وبين المجلس العسكرى كسلطة سياسية من حقنا أن نختلف مع سياساتها. لقد رفض المجلس العسكرى إطلاق النار على المتظاهرين وهذا الموقف الرائع يتسق مع تقاليد الجيش المصرى العظيم ولكن فى الوقت نفسه فإن المجلس العسكرى لم يقم بالثورة ولم يتوقعها ولم

يفهمها بل إنه فوجئ بها تماما كما فوجئ مبارك. لقد كان المجلس العسكرى حتى قيام الثورة مخلصا لقائده الأعلى مبارك ثم انتصرت الثورة المصرية على الطاغية، وكان لابد للمجلس العسكرى أن يتعامل مع الأمر الواقع. أثناء موقعة الجمل دخل آلاف البلطجية المسلحين إلى ميدان التحرير بهدف الاعتداء على الثوار وقتلهم. حدث ذلك أمام جنود الجيش فلم يعترضوا

البلطجية ولم يحموا الثوار منهم، وقالوا لمن سألهم: إن التعليمات تقضى بأن يقفوا على الحياد. الوقوف على الحياد بين متظاهرين سلميين وبلطجية مأجورين مسلحين معناه ببساطة إعطاء فرصة أخيرة لنظام مبارك حتى يقضى على الثورة. هناك فيديو يصور اللواء الروينى وهو

 يتحدث إلى الثوار بعد انتصارهم فى موقعة الجمل ويطلب إليهم الانصراف، وعندما يخبره أحد الثوار بأنه سيظل معتصما حتى يتنحى مبارك، عندئذ يسخر منه الروينى قائلا:

- شوف من سيدفع لك راتبك أول شهر وأنت فى الشارع.

لقد احتفظ المجلس العسكرى بقائده الأعلى حسنى مبارك معززا مكرما فى قصره بشرم الشيخ لمدة شهرين كاملين لكنه لم يستطع مقاومة الضغط الشعبى فاضطر فى النهاية إلى إحالة مبارك

 للمحاكمة. كل ما حدث فى مصر بعد الثورة يمكن تلخيصه فى الصراع بين إرادتين. إرادة الثورة التى تريد تغييرا حقيقيا يستحيل تحقيقه دون هدم النظام القديم مقابل إرادة المجلس

 العسكرى الذى يتشبث بالنظام القديم ويقاوم التغيير باستماتة. المسؤولون وأصحاب القرار فى الدولة الآن هم أنفسهم الذين قامت الثورة من أجل الإطاحة بهم وكأننا نطلب من النظام القديم أن يساعدنا فى إسقاط نفسه بنفسه. ضباط أمن الدولة وقيادات الشرطة والمحافظون ومعظم

الوزراء وكبار المسؤولين فى البنوك والوزارات والإعلام، كل هؤلاء ينتمون قلباً وقالباً إلى

 نظام مبارك وهم بالقطع معادون للثورة، لكن المجلس العسكرى احتفظ بهم جميعا فى مناصبهم. النتيجة سلسلة من المؤامرات التى أدت إلى أزمات كلها مصطنعة بدءا من الاعتداءات الطائفية

 وحتى أزمة البنزين والمواد الغذائية. النتيجة تعطيل التغيير الديمقراطى ودفع الثورة إلى عكس اتجاهها ومحاولة احتوائها وإجهاضها. أرادت الثورة دستورا جديدا لكن المجلس العسكرى استجاب إلى مستشارى مبارك القانونيين وفرض علينا استفتاء على تعديلات دستورية

محدودة ثم فاجأنا بعد ذلك وأعلن دستورا مؤقتا يلغى عمليا نتيجة الاستفتاء ويحدد شكل الدولة المصرية وفقا لإرادة المجلس وليس إرادة الشعب. منذ أيام نشرت جريدة «التحرير» وثيقة تؤكد أن هناك ١٦٥ ألف بلطجى ما زالوا حتى اليوم يعملون لحساب مباحث أمن الدولة. ماذا

نتوقع من هؤلاء البلطجية؟ إنهم يعملون بلا شك على نشر الفوضى ويحافظون على الانفلات الأمنى حتى يكره المصريون الثورة ويندموا على مطالبتهم بالحرية.. قبل ذلك نشر الأستاذ عمر طاهر فى جريدة «التحرير» أيضا، خطابا أرسلته شركة مصر للطيران إلى المسؤولين عن السياحة فى اليابان تطلب فيه عدم إرسال سياح يابانيين إلى مصر لأن الحالة الأمنية لا تسمح. هذه مجرد أمثلة على عمليات التخريب المنظم التى يقوم بها أتباع مبارك فى كل مكان

 فى مصر. أخيرا جاءت مذبحة ماسبيرو كذروة لإحداث الفتنة الطائفية التى اندلعت فى مصر بطريقة منظمة ومتعمدة بعد الثورة.. لا يمكن أن نفهم ما حدث فى مذبحة ماسبيرو دون أن نعى حقيقة أن نظام مبارك لايزال يحكم مصر. محافظ أسوان تعمد أن يثير الفتنة الطائفية، والمجلس

 العسكرى رفض إقالته كما أوصت اللجنة التى شكلها رئيس الوزراء. الشرطة العسكرية تعمل بتعاون كامل مع جهاز الشرطة الذى مازالت قياداته موالية لمبارك وجهاز أمن الدولة (الأمن الوطنى) الذى يعمل بنفس الضباط الذين أهدروا كرامة المصريين وعذبوهم على مدى سنوات.

مسيرة سلمية معروف سلفا مكانها وموعدها، اشترك فيها آلاف الأقباط وكثير من المسلمين المتضامنين مع مطالبهم المشروعة. فجأة تظهر مجموعات مسلحة مجهولة، كتلك التى ظهرت فى كل الاعتداءات السابقة. نفس السيناريو يتكرر بحذافيره، المسلحون يعتدون على المنشآت

 ثم يهاجمون الجيش، مما يعطيه السبب الكافى للتنكيل بالمتظاهرين، وهو الغرض الحقيقى من

 هذه المسرحية البائسة.. فى كل الحوادث السابقة بدون استثناء، بدءا من إحراق كنيسة صول وحتى أحداث العباسية، والاعتداءات على وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة، ظهر هؤلاء البلطجية وتم تصويرهم فى فيديوهات كثيرة، بل إن بعضهم اعترف لوسائل الإعلام بأنه قبض

أموالا من أعضاء الحزب الوطنى ليرتكب جرائمه لماذا لم تقبض الشرطة العسكرية عليهم وتحقق معهم؟! لماذا تركت الشرطة العسكرية المتطرفين فى قنا يقطعون أذن رجل قبطى ويعطلون خط قطار الصعيد لمدة عشرة أيام؟!. لماذا يعتدى البلطجية من أبناء مبارك بالآلات الحادة على أهالى الشهداء، فلا تقبض عليهم الشرطة العسكرية، بينما تنكل فقط بالثوار وتعذبهم

 وتقتلهم؟!. السؤال المحورى فى مأساة ماسبيرو: هل تم دهس المواطنين المصريين تحت عجلات المدرعات..؟ الإجابة نعم للأسف. لقد تم توثيق الجريمة البشعة بالفيديو، ومعظم الجثث وجدت فى المشرحة ممزقة من أثر الدهس بالمدرعات.. فى يوم قريب، سينقشع الغبار وتنتهى

 حملات التشويش والتحريض والأكاذيب التى يقودها الإعلام الرسمى، وعندئذ سوف يجد المصريون أنفسهم وجها لوجه أمام مذبحة بشعة ارتكبها أفراد الجيش المصرى ضد مواطنين مصريين.

فى عام ١٩٠٦ ذهب خمسة ضباط من جيش الاحتلال البريطانى فى رحلة لصيد الحمام فى الريف المصرى، ونتيجة لسلسلة من الأخطاء نشبت معركة بين الضباط الإنجليز والفلاحين

المصريين أدت إلى مقتل فلاح مصرى ووفاة ضابط بريطانى من أثر ضربة شمس أصابته وهو يهرب. عقد اللورد كرومر- المعتمد البريطانى- محاكمة صورية حكمت بإعدام أربعة

فلاحين مصريين وحبس عدد آخر منهم لمدد متفاوتة. اشتهرت هذه الواقعة باسم مذبحة دنشواى، ولقد هبت مصر كلها حزنا على شهداء دنشواى، بدءا من المصريين العاديين وحتى الزعيم مصطفى كامل وكبار الشعراء، مثل حافظ إبراهيم وأحمد شوقى اللذين نظما قصائد

رائعة تأثرا بمأساة دنشواى. وفى بريطانيا اعترض كثير من الساسة والمثقفين على مذبحة دنشواى، حتى إن الكاتب الإنجليزى الكبير جورج برنارد شو ( ١٨٥٦/١٩٥٠) كتب ما معناه:

«إذا كانت مجزرة دنشواى تمثل النموذج الأخلاقى للإمبراطورية البريطانية، فواجبنا الأهم أن نهزم هذه الإمبراطورية ونسقطها فورا..».. وقد أجبرت هذه الاحتجاجات العنيفة الحكومة البريطانية على إقالة اللورد كرومر وإلغاء العقوبة على الفلاحين المحبوسين وإطلاق سراحهم.. حتى الآن يتم تدريس مذبحة دنشواى لأطفالنا فى المدارس المصرية باعتبارها دليلا قاطعا على وحشية الاحتلال البريطانى. ثمة مقارنة محزنة هنا لكنها ضرورية:

فى مذبحة دنشواى سقط خمسة شهداء بينما فى مذبحة ماسبيرو سقط ٢٤ شهيدا، كما أن المجلس العسكرى لم يعتذر عن قتل الشهداء ولم يحِل فرداً واحداً من العسكريين إلى المحاكمة، لكنه قرر أن تتم التحقيقات فى القضاء العسكرى، مما يجعل المجلس العسكرى الخصم والحكم فى الوقت نفسه.

فرق آخر كبير بين دنشواى وماسبيرو.. أن الجنود البريطانيين قتلوا المصريين باعتبارهم سكان مستعمرة بريطانية، أما أفراد الشرطة العسكرية فقد قتلوا مواطنين مصريين مثلهم. المواطن المصرى يدفع ضرائب لتشترى بها القوات المسلحة مدرعات، يفترض أنها تحمى

 الوطن، فإذا بها تدهس المواطنين الذين دفعوا ثمنها وتقتلهم. إن مذبحة ماسبيرو تتوج مجموعة الجرائم البشعة التى ارتكبها أفراد الشرطة العسكرية ضد المصريين، بدءا من تجريد المتظاهرات من ثيابهن وتصويرهن عرايا وهتك أعراضهن بدعوى الكشف على عذريتهن،

 وصولا إلى تعذيب المتظاهرين وصعقهم بالكهرباء وإهدار آدميتهم. كل هذه الجرائم موثقة وكلها أجريت فيها تحقيقات بواسطة القضاء العسكرى، لم نعرف نتائجها ولن نعرفها أبدا. إن مجزرة ماسبيرو البشعة تضعنا وجها لوجه أمام الحقيقة، أن نظام مبارك مازال يحكم مصر،

وهو يسعى إلى إحراقها وتخريبها، حتى يجهض الثورة ويمنع التغيير.. إن المجلس العسكرى يجتاز الآن اختبارا حقيقيا لمصداقيته، وعليه أن يختار: إما أن يحمى المجرمين الذين دهسوا

الشهداء فى ماسبيرو فيصبح فى حكم المتستر عليهم وإما أن يمتثل للحق والتقاليد العسكرية المصرية فيحيل المجزرة إلى لجنة قضائية محايدة، حتى يتحقق العدل ويلقى المجرمون جزاءهم.

الثورة المصرية الآن تقف وحدها تماما بعد أن تخلى عنها الجميع وتآمروا من أجل إجهاضها لكن الثورة، بفضل الله والشعب الذى صنعها، ستنتصر وتعبر بمصر إلى المستقبل الذى تستحقه

الديمقراطية هى الحل

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 405 مشاهدة

tulipe

tulipe
IDB »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,903