أهمية البرامج النووية للدول العربية
دكتور عبدالعاطي بدر سالمان
رئيس هيئة المواد النووية سابقا
[email protected]
مقدمة
من المعروف أن عددا" كبيرا" من الدول العربية لديها برامج وأنشطة في المجالات النووية، ولكنها تختلف من بلد إلي آخر في الشكل والمضمون، ولكن معظمها في أغلب الأحيان لا تتعدي مقدمة لدورة الوقود النووي، أو بعض الاستخدامات والتطبيقات السلمية للنظائر المشعة في الطب والصناعة والزراعة والإنتاج الحيواني وتشعيع بعض المواد الغذائية لزيادة فترة مقاومتها للتلف.
ومن الجدير بالذكر أن خامات اليورانيوم وهي التي تعتبر المصدر الرئيسي لليورانيوم اللازم لدورة الوقود النووي لم يتم إثبات تواجدها في الكثير من الدول العربية بطريقة يمكن استغلالها اقتصاديا، كذلك لم يقدر احتياطي الخام لها طبقا لمعايير الوكالة الدولية إلا في الجزائر فقط، ومعظم التقديرات لتلك الاحتياطيات في البلاد العربية تقع تحت نوع الخامات المحتملة أو التنبئية ( أي أنها تقديرات تقريبية جدا"). لذلك يري الكاتب أنه لابد أن يكون لكل دولة عربية برنامج نووي واضح المعالم ـ للاستخدامات السلمية ـ مع التركيز علي عمليات الاستكشاف وتقييم خامات اليورانيوم والعمل علي توفيرها حيث أنه لا يمكن بدأ أي برنامج نووي متكامل بدون وجود خامات اليورانيوم، كذلك هناك صعوبات بالغة في الحصول علي اليورانيوم في الدول المنتجة.
1- دور البرامج النووية في توفير المياه
تعتبر مشكلة المياه من أهم الموضوعات التي يجب أن نوليها أهمية قصوي، بل لابد من أن تضعها الدول العربية في أولوياتها حيث أن نقصها علي المدي القريب وندرتها علي المدي البعيد يهدد فعلا المشروعات التنموية في العالم العربي. ويري الكاتب أنه يجب البدا من الآن في التخطيط لإنشاء محطات نووية لتحلية المياه.
فإذا استعرضنا ما ورد في شبكة المعلومات الدولية عن العالم العربي نجد أنه يتكون من 22 دولة، تمتد من الخليج العربي شرقا حتى المحيط الأطلنطي غربا، وعدد سكانها حوالي 300 مليون نسمة. وتجدر الإشارة إلي أن معدل النمو السكاني في تلك المنطقة 2,7 %. وطبقا لتقرير عام 2000 والخاص بالتنمية البشرية، نجد أن معدل النمو الاقتصادي في تلك الدول لا تتمشي مع معد\ل النمو السكاني وأن الركيزة الأساسية لدفع عجلة التطور والتنمية هي الطاقة والمياه. ولمعرفة أهمية مدي المياه للدول العربية فإننا نجد أن استخدامات المياه في الزراعة تحتل أعلي نسبة، ثم يلي ذلك الاستخدامـات اليوميـــة والصناعية
وتجدر الإشارة إلي أن أهمية موضوع المياه في الدول العربية معروف جيدا" حيث أن الوضع الذي يواجه بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو حرج للغاية، فمثلا يوجد احدي عشرة دولة من بين العشرين دولة الموجودة في هذه المنطقة تستخدم حاليا أكثر من نصف مصادر المياه بها. وأن ليبيا ودول الجزيرة العربية عدا عمان تستخدم 100% من مصادر المياه بها، وهم يعتمدون علي تحلية مياه البحر المكلفة أو السحب من الـ Fossil Water مع توقع زيادة عدد السكان بطريقة مفزعة.
ولمعرفة مدي خطورة الموضوع مستقبلا سوف نستعرض ما سوف يكون الوضع عليه عام 2025 بناءا" علي دراسات حديثة لتعداد السكان وتقديرات مصادر المياه المتجددة، فمثلا نجد أن لبنان ستواجه ضغطا بالنسبة للمياه Water Stress حيث أنه سيصل نصيب كل 600 – 1000 فرد 1 مليون متر مكعب ( أي وحدة FU = 1 مليون متر مكعب مياه).
أما مصر والمغرب وسوريا سوف يحدث بها ندرة للمياه Water Scarcity حيث سيصل نصيب كل 1000 إلي 2000 فرد علي واحد مليون متر مكعب مياه. أما الجزائر، البحرين، جيوبوتي الأردن، الكويت، ليبيا، عمان، قطر، السعودية، الصومال، وتونس ودولة الإمارات العربية المتحدة واليمن سوف تقابل مانع مائي Water barrier قبل عام 2025 حيث يوزع واحد مليون متر مكعب ماء علي أكثر من 2000 فرد.
ويتضح مما تقدم أن هناك مشكلة طاحنة بالنسبة لنقص المياه يتوقع حدوثها في البلدان العربية في خلال العشرين عاما القادمة وما بعدها، ولذا ـ يجب من الآن ـ العمل علي تلافي هذه الكارثة وذلك بالعمل علي إنشاء محطات نووية لاستخدامها في تحلية مياه البحار، وذلك لزيادة مصادر المياه في تلك الدول.
2- دور البرامج النووية في توفير الطاقة
تمثل الطاقة أخطر تحديات القرن الحادي والعشرين حيث أنها تعتبر عصب الحياة ولاغني عنها في الحياة اليومية أو المشروعات الصناعية والتنموية والتي تترجم في النهاية إلي رفع المستوي المعيشي للفرد و رفاهيته، وهناك ثلاثة مصادر رئيسية للطاقة:
الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري ( الغير متجددة) مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم. الطاقة الجديدة والمتجددة والتي تشمل المائية، الشمسية، والرياح والجيوحرارية‘ وتمثل المصادر النووية النوع الثالث والهام للحصول علي الطاقة، ويوضح الجدول 2 تطور الاستهلاك العالمي من الطاقة والمتوقع خلال الفترة من عام 1960 حتي عام 2060.
جدول 2: تطور الاستهلاك العالمي من الطاقة ميجاطن مكافيء للنفط
مصدر الطاقة
|
1960
|
1980
|
2000
|
2020
|
2040
|
2060
|
بترول
|
2,1
|
3,1
|
3,4
|
4 ,3
|
2 ,9
|
2 ,3
|
غاز طبيعي
|
0 ,4
|
1,3
|
1 ,9
|
2 ,6
|
3 ,0
|
3 ,4
|
فحم
|
1 ,3
|
1,8
|
2 ,9
|
4 ,6
|
5 ,8
|
7,0
|
نووية
|
ـ
|
0,2
|
0 ,8
|
1 ,7
|
2 ,3
|
2 ,8
|
متجددة
|
7 ,0
|
1,1
|
2 ,1
|
3 ,0
|
4 ,0
|
5,2
|
فإذا إستعرضنا الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوري ( المصادر غير المتجددة) نجد أن الفحم يشكل مايقرب من 95% من مصادر الطاقة المستعملة مع بداية القرن العشرين. ثم بدأ يتغير هذا الوضع مع ظهور دور النفط والغاز الطبيعي في النصف الثاني من القرن العشريـن .
أما عن الطاقة الجديدة والمتجددة فإن مصادرها تشمل الطاقة المائية وطاقة الشمس والرياح والجيوحرارية والطاقة الحيوية. و لكن هذه المصادر تسهم بنصيب متواضع كمصادر للطاقة حيث أن دولا كثيرة فعلا قد استغلت المصادر المائية التي لديها لتوليد الطاقة ولم يتبقي منها إلا القدر اليسير، وهي تعتبر رخيصة ونظيفة بيئيا في نفس الوقت. أما عن المصادر الأخرى الجديدة والمتجددة فلازالت في نشأتها الأول وتحتاج لدراسات كثيرة للخفض من تكاليف الحصول عليها ويمكنها أن تضيف جزءا" محدودا" إلي إجمالي الطاقة المطلوبة.
أما المصدر الثالث للطاقة – والذي يعتبر في نظر الكاتب من المصادر الهامة – فيمثل الطاقة النووية. وهذا المصدر يمكنه تعويض ما يعادل مئات الملايين من الأطنان المكافئة للنفط.
وهناك عدة اعتبارات للاهتمام بالطاقة النووية وخاصة في الدول العربية:
فمن الناحية الاجتماعية فإن الدول العربية جميعا تحتاج إلي العديد من المشاريع العمرانية والصناعية الكبيرة حتي يمكن رفع مستوي معيشة الفرد في هذه الدول. وتحتاج تلك المشاريع التنموية إلي طاقة هائلة ليس لبنائها فحسب ولكن لتشغيلها وضمان صيانتها. لذا فإن التطبيق الأساسي لاستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية هو إنتاج الطاقة الكهربائية في الوطن العربي الذي يعتمد علي النفط والمعادن والزراعة كمصدر رئيسي للدخل الوطني، وتحتاج مشاريع إنشائها إلي طاقة هائلة لإقامتها وتشغيلها. ولهذا فإن الاعتماد علي الطاقة النووية استخداما وتشغيلا له ما يبرره ميدانيا واجتماعيا.
أما من الناحية الاقتصادية فإن ارتفاع تكاليف إنشاء المحطات النووية يمثل العقبة الرئيسية في استخدام الطاقة النووية، إلا أن ميزتها تتمثل في كمية الطاقة الكامنة في الوقود النووي والتي تجعل كلفة إنتاج الكيلوات ساعة منخفض جدا بالنسبة للوقود الأحفوري. فمثلا استهلاك كلي لكمية تعادل بعض الجرامات من اليورانيوم تكفي لإضاءة 20 ألف مصباح لمدة 12 يوما متتاليا. لذا فإن الاعتماد علي الطاقة النووية لتلبية الطاقة الكهربائية له مردود اقتصادي معقول بالرغم من توافر كميات كبيرة من البترول. ولكن تجدر الإشارة إلي أن أسعار البترول متغيرة وأحيانا ترتفع بشكل كبير، حيث أنها تتوقف في كثير من الأحيان علي الأحوال السياسية السائدة في العالم، كما أنه يعتبر من المصادر غير المتجددة ولا يجب أن تبقي الدول العربية معتمدة علي البترول كمصدر أساسي للطاقة إلي أن ينضب، فإذا لم يكن هناك بديلا جاهزا فسوف تكون الطامة الكبري.
أما عن الاعتبارات الاستثمارية ، فمن المعروف أن إنشاء المحطات النووية وتوفير الوقود النووي ومعالجتة وصناعته والتخلص من النفايات المشعه يحتاج إلي تكاليف باهظة حيث لابد من توفير أموال طائلة لاستثمارها في هذه الصناعة النووية. وفي رأي الكاتب أن التكاليف اللازمة لإنشاء تلك المحطات يمكن تدبيرها بالتعاون بين الدول العربية علي أساس المصلحة المشتركة والمصير الحتمي الواحد. وهناك العديد من الدول العربية التي تمتلك التمويل اللازم، ويمكنها استثمار ما تدفعه علي أساس اقتصادي، هذا بالإضافة إلي رفع المستوي التقني الذي سوف ينعكس علي الدول الممولة والدول المضيفة.
أما من الناحية البيئية، فإنه من المعروف أن مفاعلات القوي النووية لا تنبعث منها غازات ضارة بكميات مؤثرة مثل تلك الغازات التي تنبعث من محطات الوقود الأحفوري وأخطرها غاز ثاني أكسيد الكربون، والتي تؤثر بشكل ملحوظ في التغيرات المناخيه وتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري ورفع درجة حرارة الكرة الأرضية. ولتوضيح هذا الموضوع فإن متوسط الزيادة في درجة حرارة الأرض قد زاد بمقدار يتراوح بين ,5 إلي 1,0ْ ف منذ أواخر القرن التاسع عشر. وفي القرن العشرين تبين وجود عشرة سنوات دافئة من الخمسة عشر سنة الأخيرة من القرن، وأن عام 1998 هو الأدفء أو الأعلى حرارة من واقع السجلات المناخية. وكذاك فإن الغطاء الجليدي في نصف الكرة الشمالي والثلوج الطافية في المحيط الأركتيكي ( Arctic Ocean) قد قلت كمياتها. وعلي مستوي الكرة الأرضية، فإن مستوي سطح مياه البحار قد ارتفع مابين 4 – 8 بوصة عن معدلاتها في القرن المنصرم. كذلك زيادة ترسبات مياه الأمطار علي مستوي العالم بنسبة 1% وأن معدلات هطولها بطريقة شديدة قد زادت. لذلك يمكن التأكيد علي أن محطات الطاقة النووية تمتلك القدرة لتعويض الخلل الناتج من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة لإعادة التوازن البيئي وفقا للمستويات المطلوبة خلال الفترة من 2008 – 2012 طبقا لبروتوكول كيوتو والخاص بالحد من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة. وتجدر الإشارة إلي أن الحفاظ علي البيئة ليس نوعا من الرفاهية ـ كما يظنه البعض ـ ولكنه هام للإنسان أولا والبيئة المحيطة به ثانيا ، وأن الدول العربية لديها القدرات المادية والبشرية للدخول في مجال إنشاء محطات القوي النووية بخطي ثابتة وفعالة.
أما عن الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، فإن إدخال الطاقة النووية لا يعني بالضرورة استخدامها في مجالات غير سلمية. ولكنه من الأهمية بمكان أن تقطع الدول العربية شوطا كبيرا" وهاما" في مجال الطاقة النووية والتعامل معها وتعزيز استخدامها السلمي في الدول العربية ، بهدف توفير الطاقة الكهربائية اللازمة وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع الحيوية والهامة لتنمية المجتمع والبيئة، فهذا أمر تفرضه المصلحة العامة للتنمية مع التركيز علي عامل الوقت كعنصرا" هاما" ومؤثرا".
وتجدر الإشارة إلي أنه كانت هناك بعض المحاولات خلال الفترة من 95/1997 لإجراء دراسة جدوى فنية واقتصادية لتوليد الكهرباء وإزالة ملوحة مياه البحر بإستخدام المفاعلات النووية اعتمادا" علي التصنيع المحلي لمكونات كل من محطة إزالة ملوحة مياه البحر والمحطات النووية والتي تتناسب مع الإمكانيات والخبرات والتكنولوجيا المصرية، وذلك ضمن المشاريع البحثية للخطة الخمسية 92/1997 لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر. وفي إطار هذه الدراسة تم اختيار وتقييم فني واقتصادي أولي لثلاث مواقع مصرية تقع علي ساحل البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلي اختيار موقعين قريبين من دول الجوار.
وقد تمت المقارنة الاقتصادية باستخدام إصدار أبريل 1997 لبرنامج الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن " التقييم الاقتصادي لخيارات التوليد المزدوج وإزالة الملوحة "، وتم إجراء بعض التعديلات في هذا البرنامج لتطوير أداءه وخاصة فيما يتعلق بحسابات الأنظمة المهجنة. وقد وضعت عدة معايير فنية و اقتصادية للتقييم المقارن بين خيارات التحلية النووية المختلفة. وبناء علي نتائج هذا التقييم أوصت الدراسة بأن تكون أول محطة نووية في مصر مكونة من المفاعل النووي طراز كاندو – 6 مربوطة به محطة التحلية من نوع التقطير متعدد التأثيرات.
ويخلص الكاتب إلي أن البرامج النووية للاستخدامات السليمة تعتبر حتمية للعالم العربي، وبدون الدخول فيهاـ بوعي متعمق لمتطلبات القرن الحادي والعشرين والظروف السياسية التي تسود العالم ـ فلا تقدم ولا ازدهار ولا أمن للعالم العربي، فالأمن يعتمد علي التقدم والنمو وازدهار العلم، فلا تقدم بغير علم ، ولا علم بلا جهد دأوب.
ويوصي الكاتب بتفعيل البرامج النووية في الدول العربية بالوسائل التالية:
أولا : إعداد وتوفير الكوادر البشرية من العلماء والمتخصصين، مع توفير المناخ المشجع لهم كي يتفرغوا للمهام المكلفين بها وذلك تحت مظلة قانون خاص جدا" وصارم جدا".
ثانيا : توفير الخامات النووية وخاصة خامات اليورانيوم ومعالجتها حتى الحصـول علي الوقود الطبيعي، مع توفير الاعتمادات المالية اللازمة وإعطاء هذا الموضوع أولوية خاصة لأهميته الرئيسية في أي برنامج نووي متكامل.
ثالثا : التعمق في دورة الوقود النووي والتعرف علميا وعمليا وتقنيا علي جميــع مراحلها حتي المستوي النصف صناعي.
خامسا : إعطاء القطاع الخاص الاستثماري الوطنـي والقومـي فرصـة وتسهيلات مشجعة لجذب استثماراته في مجال إنشاء المحطات النووية لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر وغير ذلك من التطبيقات السلمية المفيدة وكذلك الاستثمار في مجال استكشاف وتعدين الخامات النووية.
سادسا : فتح مجالات للتعاون التقني وتقويته مع الدول الصديقة وتبادل الخبرات في عمليات التطبيقات السلمية في المجالات النووية وخاصة إنشاء مفاعلات القوي لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر.
سابعا : البدا الفوري في عمل خطة علمية وعملية دقيقة لتوطين صناعات مكونات المحطات النووية محليا بشتى الوسائل مع توفير الاعتمادات المالية اللازمة، مع وضع جدول زمني لتنفيذ كل بند من بنودها.