يتميز العصر الحديث بتطور هائل في المعلومات وتغير سريع في مجال العلوم والتكنولوجيا، وقد أصبح العالم الآن يمر بثورة معلوماتية في كل المجالات وهذا يتطلب من الأفراد مستوى عالٍ من التفكير، ولم تعد المعرفة ثابتة ولكنها أصبحت متحولة ومتغيرة، وقد لازم هذا التطور تغيرًا ملحوظًا في البحث العلمي والتربوي. وأصبح ينظر إلى العملية التعليمية لا على أنها نتاج عوامل خارجية مثل البيئة التعليمية والمنهج وشخصية المعلم وخبراته، وإنما هناك عوامل داخلية مؤثرة مثل قدرة المتعلم على التفكير وخبراته السابقة واتجاهاته وأنماط سلوكه ومهارات تفكيره.[1]
في ظل التقدم العلمي الحالي والتطور المذهل كما وكيفاً للمعارف الإنسانية وتجددها بصورة مستمرة، والتغيرات المتسارعة في كافة مجالات الحياة، كان لابد من الإهتمام بتنمية مهارات التفكير المختلفة لدى أفراد المجتمع، وتشجيعهم على إستخدام قدراتهم العقلية في حل مشكلاتهم الخاصة ومواجهة المواقف الحياتية المختلفة التي تفرضها طبيعة العصر الحالي، وهذا يتطلب من المسئولين عن العملية التعليمية إعادة النظر في إعداد المناهج الدراسية، وبذل الجهود المستمرة لتطويرها لكي تسهم في إكساب المتعلمين القدرة على التفكير العلمي وإتخاذ القرارات المناسبة في المواقف المختلفة.
ومن هذا المنطلق فقد أصبحت المدرسة مطالبة أكثر من أي وقت مضى ببذل كل جهد لتكوين المواطن العصري القادر على التفكير السليم، والمزود بالمعرفة والمهارات الأساسية التي تمكنه من الملاءمة الذكية مع طبيعة العصر الحديث، لأن أساس نجاح جيل اليوم لا يتمثل فيما يحفظ ويستوعب من المواد الدراسية، بل في تعلمه عادات عقلية صحيحة تجعله يفكر في أي مشكلة تفكيرا علمياً وموضوعياً، ويضيف حلولا جديدة لتلك المشكلات.
ويؤكد المتخصصون في التربية العلمية على أن أحد أهداف تدريس العلوم التجارية هو تعليم الطلاب كيف يفكرون بدلاً من التركيز على حفظ المعارف والمعلومات المقدمة إليهم دون فهمها وإستيعابها أو توظيفها في المواقف الحياتية والإستفادة منها في حل المشكلات، ولتحقيق ذلك ينبغي أن يركز تدريس العلوم التجارية على مساعدة المتعلمين على إكتساب الطريقة العلمية في البحث والتفكير، والتركيز على طرق العلم وعملياته.
حيث يعتبر العصر الذي نعيشه الآن عصر التدفق المعرفي فهو يتميز بالتغيرات المتسارعة والمتلاحقة نتيجة للتطور التقني والمعلوماتي في كافة مجالاته، مما جعل هناك حاجة ماسة للإنتقال بالتعليم من مرحلة التلقين التي تعتمد على الحفظ وإسترجاع المعلومات إلى مرحلة تنمية مهارات التفكير لصنع أفراد قادرين على مواكبة حصيلة هذا التطور الهائل، وما ينطوي عليه من متغيرات مستقبلية يتعذر التنبؤ بها، ومواقف تتطلب الفهم، والتفسير، والتحليل، والتعليل للوصول إلى إستنتاجات سليمة بشأنها.
ولذلك كان من الضروري تطوير البرامج الدراسية والحرص على أن تكون هذه البرامج متنوعة حتى تتلاءم مع حاجات الأفراد التربوية والنفسية, ويتضح ذلك لدى الدول المتقدمة التي تحرص في خططها الإنمائية على تنمية التفكير الإبداعي لدى الطلاب ومساعدتهم على التفكير السليم حتى يعرفوا كيف يستخدمون المعلومة إستخدامًا جيدًا.
ومما سبق فإذا كان المتعلم هو الهدف والوسيلة في وقت واحد، فهذا يعني أنه لا بد أن نعتني بإعداده إعدادًا مقصودًا يجعل منه مبدعًا بالقول والفعل ليصنع التقدم ([2]).
وبذلك يعتبر التفكير الأداة الحقيقة التي يواجه بها الإنسان متغيرات العصر، ومن خلال التفكير تتكون معتقدات الفرد، وميوله، ونظرته لما حوله، وعليه فإن إهتمام المجتمعات أصبح ينصب على تنمية مهارات التفكير لدى أفرادها لكي تسفيد منهم الإفادة المثلى.
لقد أتفق علماء التربية على أن المدرسة الحديثة هى التى تعلم تلاميذها كيف يفكرون ويختارون ويتحملون المسئولية عن طريق ممارسة التفكير والإختيار وتحمل مسئولية ونتائج أعمالهم، ومن أهدافها أيضًا تكوين أشخاص ذوي عقلية إجتماعية قادرة، وقادرين على حكم أنفسهم.[3]
وقد إتسع نطاق الإهتمام بتنمية مهارات التفكير الإستدلالي منذ السبعينات من القرن العشرين من خلال عقد العديد من المؤتمرات، الدراسات العليمة، ومن أبرزهذه التوصيات دعوة العديد من الباحثين لتدريب الطلاب على المهارات الإستدلالية في الصفوف الدراسية المختلفة وأن تكون هذه المهارات جزء من المقررات الدراسة إبتداءا من المرحلة الإبتدائية شريطة أن تكون القضايا التي يفكرون بها تتطلب إستدلالات بسيطة ومحسوسه في تلك المرحلة.[4]
وتؤكد العديد من الدراسات أن الطلاب يصبحون أكثر دافعية وأكثر إرتباطًا فى الفصول التى يجدوا فيها إثاره عقلية، فهم يحبون هؤلاء المعلمين الذين يقومون بإستثارة تفكيرهم، فهم يفضلون الدروس التى يطلب منهم فيها أن يقدموا تفسيرًا وتحليلا ومعالجة للمعلومات، وتطبيق للمعرفة والمهارات المكتسبة من المشكلات الغريبة والمواقف الجديدة.[5]
إن نجاح التعليم يرتبط إلى حد كبير بنجاح طريقة التدريس، إذ تؤدي هذه دورا مهما في تنمية التفكير ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي للطلبة، إذ نجد أن نجاح الطالب بصفة عامة يعتمد على عوامل متعددة منها: طرائق التدريس الجيدة التي تعتمد على حث الطالب على المذاكرة والمناقشة والحوار، والتي تدفعه للإطلاع والبحث والتقصي.
إن عملية تدريس التفكير تحتاج الى تهيئة الخبرات والأنشطة التي تنسجم مع مراحل التفكير المختلفة لدى الطلبة لأنها ليست عملية سهلة تقوم بها التربية كيفما إتفق. فالتفكير هو مجموعة العمليات العقلية الراقية التي يستخدمها الإنسان لحل مشكلة أو تفسير موقف غامض أو مواجهة ظروف الحياة بشكل عام.
كما أن التفكير عبارة عن عمليات عقلية محددة تمارس وتستخدم عن قصد في معالجة المعلومات والبيانات لتحقيق أهداف تربوية متنوعة تتراوح بين تذكر المعلومات ووصف الأشياء وتدوين الملاحظات إلى التنبؤ بالأمور وتصنيف الأشياء وتقييم الدليل وحل المشكلات والوصول الى إستنتاجات.
مع تزايد الإهتمام بتطوير القدرات التفكيرية وتنميتها ظهرت العديد من الدراسات التي تناولت الحث على تعليم التفكير في المدارس، مثل دراسات روبرت إنيس Robert Ennis التي أكد فيها على أهمية تعليم التفكير الناقد، وشدد على فائدة تنمية مواقف التساؤل والتشكك كأسس للأحكام العقلية، مما أدى إلى أن تظهر خلال هذه الفترة برامج منهجية في العلوم والتاريخ والرياضيات.
وأشارت دراسة فورستين (Feuerstein, 1980) إلى أن هنالك إرتباطا بين وظائف الدماغ وعملية التعلم، وأنه لا يكفي لبلورة مهارات التفكير الإعتماد على التعلم الأكاديمي وحده، بل لا بد من تدريس تلك المهارات في المدارس كجزء من المنهج، ولكن أيا من هذه الدراسات والدراسات الأخرى ذات العلاقة لم تقارن بين أثر الإستراتيجيتين المستخدمتين في هذه الدراسة في تنمية أشكال التفكير المختلفة، وإنما هناك دراسات ذات علاقة إلى حد ما بموضوع هذه الدراسة سواء من حيث تأثيرها في التفكير الناقد أو الإدراك فوق المعرفي أو التحصيل الدراسي.
[1] السعيد الجندي عبد العزيز، (2006 )، ص 93.
(2) نجوى فانوش شنودة، مرجع سابق, ص: 4.
[3]- عبد الحميد صبري, أثر إستخدام استراتيجية التدريس المباشر لمهارات التفكير فى تعليم تلاميذ الصف الأول الإعدادي لهذه المهارات، وفى تحصيلهم وإتجاهاتهم نحو مادة الجغرافيا، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية البنات، جامعة عين شمس، ٢٠٠١م، ص: ٣٩.
[4]- سوسن محمد موافى, فاعلية إستخدام برنامج الكورت للتفكير فى تدريس وحدة المنطق الرياضى على التحصيل والتفكير الإستدلالى لدى طالبات الصف الاول الثانوى بمدينة جدة, الجمعية المصرية لتربويات الرياضيات، المؤتمر العلمى الثالث: تعليم وتعلم الرياضيات وتنمية الأبداع، جامعة عين شمس، دار الضيافة، (8-9 أكتوبر)، القاهرة, مصر 2003م, ص: 267.
[5]- مجدي عبد الكريم حبيب, تعليم التفكير فى عصر المعلومات، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر, ٢٠٠٣م، ص: ٢٥.