عبد العزيز الخضراء

النظرة الشائعة للتفاؤل هي رؤية النصف الممتلئ من الكوب، أو رؤية الجانب المشرق للمصائب، أو توقع نهاية سعيدة للمشاكل الحقيقية، والتفاؤل من وجهة نظر (التفكير الإيجابي) يتألف من تكرار عدد من العبارات الداعمة للاعتزاز بالذات مثل: "في كل يوم وبكل طريقة سأكون شخص أفضل وأفضل".. قد تكون هذه من مظاهر التفاؤل، ولكن معنى التفاؤل أعمق من ذلك بكثير فبعد بحث متواصل خلص الباحثون إلى فهم أسس التفاؤل، فأسس التفاؤل لا تكمن في هذه العبارات الإيجابية أو صور النجاح، إنما في الطريقة التي تفكر بها وتنظر من خلالها إلى الأسباب فكل منا اكتسب عادة معينة للتفكير في الأسباب، ولكل رؤيته الخاصة والمميزة له.

فالشخص المتفائل يفسر الأحداث الجيدة لنفسه في إطار أسباب دائمة ومستمرة، فهو يشير إلى سمات وقدرات دائمة فيه مثل اجتهاده ومحبة الناس له أو كونه شخصاً يستحق الحب، كما أنه يستخدم كلمة "دائماً" عند وصف الأحداث الجيدة، أما الشخص المتشائم فهو يفكر في إطار أسباب مؤقتة، فيستخدم عبارات مثل: "كنت في مزاج جيد" وكذلك يميل المتشائمون عادة إلى لوم أنفسهم على الأحداث السيئة التي يتعرضون لها "أنا السبب، دائماً ما أقع في هذه المشكلة، لن تتغير الأمور، بينما يميل المتفائلون إلى لوم عوامل خارجية فيما يتعرضون له من أحداث سيئة، "لن تتكرر المشكلة مرة أخرى، فالاختبار كان غير عادل، كما ويعزو المتشائمون الأحداث السارة إلى عوالم خارجة عن ذاتهم، "كنت محظوظاً هذه المرة"، أما المتفائلون فيعتبرون أنفسهم طرفاً رئيساً فيها "أنا أستحق النجاح"، ويعدونها حالة عامة.

 

الرضا الوظيفي:

فالرضا الوظيفي هو تجميع للظروف النفسية والفسيولوجية والبيئية التي تحيط علاقة الموظف بزملائه ورؤسائه وتتوافق مع شخصيته والتي تجعله يقول بصدق أنا سعيد بعملي.. فكيف يتم هذا ؟ وأين يتم ؟

إنه لمن المؤكد والمحسوم أيضاً أن معطيات الرضا الوظيفي هو الشعور بالسعادة، فرضا الفرد عن وظيفته يؤدي إلى الكفاية الإنتاجية العالية، فالفرد الراضي عن وظيفته أو مهنته يقبل عليها في همة ونشاط ويكون سعيداً بها مما يزيد من كفايته الإنتاجية، أما عدم الرضا عن المهنة فينتج عنه سوء تكيف، غير متوازن انفعالياً ويظهر الكثير من مظاهر الضجر والملل والاستياء والإحباط...

إن ميل الفرد لعمله أو لجانب معين فيه له المردود الإيجابي على نفسسيته وعلى عمله، والرضا يتحقق عندما تتحقق توقعات الفرد نحو ما يحصل عليه من العوائد المعنوية والمادية خاصة، كما يُعبر الرضا عن حالة تكامل الفرد النفسية مع وظيفته ومدى استغلال العمل لقدراته وميوله وإثبات وجوده كشخصيته، أضف إلى أن وصول الفرد لمستوى الطموح الذي حدده يتحقق له من خلال عمله وهذا بدوره يؤدي لإشباع حاجاته النفسية والشخصية، ولا شك أن هناك عوامل مؤثرة في رضا الفرد عن وظيفته، بعضها يتعلق بذاتية الفرد نفسه وبعضها الآخر متعلق بالتنظيم الذي يعمل فيه الفرد وهي بيئة العمل التي يعيشها كنوع العمل، وطبيعة وظيفته أو مهنته كعمل روتيني أو متنوع، ابتكاري أو عادي.

ولا شك أن العمل المتنوع ينتج عنه مستوى أعلى من الرضا، كما أن الظروف المحيطة ببيئة العمل من التهوية والإضاءة والأدوات والأجهزة المستخدمة وكم العمل وحجم الإدارة، فكلما كان حجم الإدارة صغيراً زاد التعاون بين الموظفين وازدادت العلاقة الشخصية والوظيفية بينهم، وبالتالي ارتفعت روح الانتماء للجماعة والعمل فزاد الرضا الوظيفي لديه.

يضاف لذلك أهمية المكانة الاجتماعية والاقتصادية للوظيفة كمحدد مهم للرضا الوظيفي، وهذا يرجع لثقافة المجتمع وتقديره للعمل، ومن المحددات الرئيسية أيضاً التي تحتل الصدارة للرضا الوظيفي نمط الإشراف أو نوع القيادة في العمل، فقد حدد علماء الإدارة والعلوم الإنسانية أن هناك علاقة قوية بين النمط السائد للقيادة أو الإشراف (ديمقراطي – ديكتاتوري- فوضوي) والرضا الوظيفي عند الفرد وهذه العلاقة علاقة طردية قوية، ولا تقف عند العوامل البيئية المؤثرة في رضا الفرد عن وظيفته فقط، وهناك عوامل خاصة بالفرد يتأثر بها وتؤثر على عمله كالإنجاز، فالإنسان لا يقف عند نقطة معينة في حياته فلديه أهداف (إنجازات) يتمنى ويتوقع تحقيقها وهذه تمثل اتجاهاً لسلوكه بناءً على تقديره لذاته وتقدير الآخرين له وكلما وصل إلى مستوى أفضل شعر بارتياح ورضا ثم يضع أهدافاً ومستويات طموح جديدة، ولا نغفل ما يحققه الترقي والتقدم الوظيفي وما يمثله ذلك من أهمية كبرى لدى الموظف ورضاه بوظيفته، بالإضافة إلى الراتب والحوافز المادية وهذان العاملان الأخيران لا شك أنهما مساهمان بدرجة كبيرة في منع مشاعر الاستياء والإحباط الوظيفي لدى الفرد، كما أن الاستقرار في العمل والحاجة للأمن فيه من المصادر القوية لتحديد الرضا وكلما ارتفع المستوى الوظيفي للفرد كان أكثر استقراراً وعطاءً ورضاً عن العمل، يقول روجرز العالم النفسي في نظريته (الذات) إن الأشخاص الذين ينتقلون إلى عمل جديد غالباً ما تتغير شخصياتهم للأسوأ وهذا يحدث على الأقل في البداية ولا يعدّ هذا غريباً إذا نظرنا إليه حسب معطيات نظريته (الذات) فالعمل الذي يرتبط به الموظف لمدة طويلة له مردود ممتاز نفسياً، وقد يفي بكل متطلباته ويشبع حاجاته، بينما الموظف الجديد لم يتعود بعد على مهام العمل وقد يرتكب أخطاء قد تؤدي إلى الضرر بتقديره لذاته سلباً وقد تنمو لديه مشاعر عدم الثقة بالذات، والمدير المشرف سيقيّمه وظيفياً من خلال كفاءته الإنتاجية، وهنا دور نمط القيادة الفعال مع موظفيها(قدامى ومستجدّين).

وأخيراً بقي أن نشير إلى أن العلاقات الاجتماعية في محيط العمل أحد محددات الرضا الوظيفي والمهمة في حياة الفرد، فهذه العلاقات تشعره بالانتماء والرضا داخل المؤسسة وخارجها، فكلما كان في حاجة للانتماء كان أثر جماعة العمل على الرضا الوظيفي لدى الفرد كبيراً، وأرى أنا العمر الزمني المعتمد على طبيعة العمل يحقق أيضاً رضاً وظيفياً، وقد وجد الباحثون أن الجنس له صلة بذلك، فالسيدات حققن رضاً وظيفياً أكبر من الرجال فيما يتعلق بالأجر والعلاقات الاجتماعية. وكما أن لكل هذه العوامل تأثيراً كبيراً في الرضا الوظيفي للفرد لاشك أن لمستواه التعليمي دور أيضاً في رضاه عن عمله، فهناك علاقة إيجابية بين المهنة والمستوى التعليمي.

 

أهمية التفاؤل في تحسين الأداء الوظيفي

يرتبط التفاؤل باحترام الشخص لذاته، وبالسعادة والتدين وضبط النفس، والتغلب على الضغوط بنجاح، والتفسير الإيجابي للموقف، والصحة الجيدة بوجه عام وسرعة الشفاء من الجراحة وانخفاض معدل النبض وضغط الدم الانقباضي- كما خلص الأنصاري في دراساته- إضافة إلى أنه وجد ارتباطاً بين التشاؤم وكل من: الاكتئاب، واليأس، والميل إلى الانتحار، والعصبية، والقلق، والفشل في حل المشكلات، والنظرة السلبية والشعور بالوحدة، وارتفاع معدل النبض وضغط الدم الانقباضي.

يقول "سليجمان": لقد درست التشاؤم على مدى العشرين سنة الماضية وفي أكثر من ألف دراسة شملت حوالي نصف مليون شخص من الكبار والصغار، وخلصت إلى أن الشخص المتشائم يكون أضعف أداء من الشخص المتفائل في ثلاثة جوانب وهي:

1- يكون أكثر عرضة من المعتاد إلى الاكتئاب والقلق؟

2- يكون أقل إنجازاً في الدراسة وفي العمل وفي الرياضة عن المستوى الحقيقي الذي تنم عنه موهبته.

3- تكون صحته البدنية أسوأ من الشخص المتفائل، فيكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض البدنية التي لم يكن ليصاب بها لو كان متفائلاً.

وتدرس البحوث الحديثة أهم المتغيرات التي تؤثر في الأداء الوظيفي للفرد داخل بيئة عمله كالتي تحدثنا عنها، مثل قدراته واستعداداته، ميوله, دافعيته، رضائه الوظيفي، المناخ التنظيمي وأسلوب القيادة المتبع في المؤسسة، العلاقات الإنسانية بين الفرد والمحيطين به، ودرجة الدعم الاجتماعي والفني الذي يحظى به، ومستوى قدرات وتجاوب أفراد فريق العمل معه، ومناسبة اللوائح التنظيمية، وبما أن جميع الأنشطة المهنية هدفها النهائي الارتقاء بأداء المنظمة، فإن أداء الفرد هو أحد العناصر الهامة التي تساهم في رفع كفاءة المنظمة، لذلك يعتقد بأن للتفاؤل علاقة لها تأثيرها الإيجابي أيضاً بالأداء الوظيفي، ففي دراسة أجرتها الدكتورة ترودي تشالدر من كلية توماس الطبية في لندن على مرضى في الإرهاق المزمن ثبت دور التفاؤل في التخفيف من حدة الأعراض التي يعانون منها، وقد قامت الباحثة بتنظيم 12 جلسة للعلاج بالسلوك الإدراكي تضمنت جميعها تحفيز المرضى على التفكير إيجابياً إزاء حالاتهم، وبعد ستة أشهر انخفض مستوى التعب وتعززت قدراتهم على أداء المهام الحياتية.

وقد توصل كل من "سليجمان وشولمان "إلى أن بائعي عقود التأمين المتفائلين استطاعوا بيع 37% زيادة في عقود التأمين خلال أول عامين من بداية عملهم بالإضافة إلى أن احتمال استمرارهم في العمل هو الضعف مقارنة بالمتشائمين على الرغم من صعوبة ظروفهم، وفي دراسة أخرى على 47 سباحاً أميركياً، وجد أن السباحين المتشائمين أظهروا أداء ضعيفاً غير متوقع خلال المسابقات مقارنة بالمتفائلين، وعندما قام الباحثون بتقديم معلومات سلبية خاطئة للسباحين عن الزمن المستغرق في قطع المسافة المحددة، وجدوا أن أداء السباحين ذوي الأسلوب التفسيري التشاؤمي في المحاولات اللاحقة قد انخفض، في حين أن أداء المتفائلين حافظ على مستواه، كما وُجد في المجال الأكاديمي أن المتفائلين يتوافقون بصورة أفضل مع الحياة الجامعية الجديدة ويبدون تفوقاً ونشاطا مقارنة بالمتشائمين.

كما أظهرت دراسة أخرى أن الأطفال في السنة الثالثة الابتدائية الأكثر تشاؤماً كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وكان أداؤهم أقل من أداء أقرانهم المتفائلين في اختبارات التحصيل الدراسي.

Nolen- hoeksema,girgus&Seligman 1986

ويرتبط مفهوما التفاؤل- والتشاؤم بمفهوم "مصدر الضبط، ويقصد به مدى شعور الفرد بقدرته على التأثير في الأحداث التي تعنيه فالأفراد الذين لديهم "مصدر ضبط خارجي"، تعلموا العجز نتيجة عدم تغلبهم على الأحداث السيئة المتكررة، فيشعرون بمسؤولية عوامل خارجية عن الأحداث السارة والسيئة كالحظ، مساعدة الآخرين أو عدوانيتهم، أما أصحاب "مصدر الضبط الداخلي" فيعزونها عوامل خاصة بهم "قدراتهم، تقصيرهم، شجاعتهم"، وقد بينت الدراسات أن ثلثي أفراد عينة التجارب يستسلمون للظروف العصبية بسبب عجزهم عن اجتيازها، في حين أن الثلث الآخر من العينة يرفض الاستسلام ويستمر في محاولاته للخروج من المأزق، ولقد ذكر "سليجمان" في كتابة "تعلم التفاؤل"- أن الاختلاف بين هاتين المجموعتين يكمن في مستوى التفاؤل- التشاؤم، إذ إن العينة التي استمرت في محاولاتها كانت أكثر تفاؤلاً من المجموعة الأخرى.

أما عن التفاؤل غير الواقعي وهو التفاؤل الذي لا يبرره منطق أو خبرة سابقة فقد حذر منه بعض الباحثين لأنه يعمي صاحبه عن رؤية المخاطر تفاؤلاً منه، كأن يتجاهل الشخص المشاكل الصحية التي تحتاج إلى علاج مبكر ثم يستعصي علاجها فيما بعد، أو الإغراق في أحلام الثراء السريع ما يؤدي إلى الإدمان على لعب القمار.

وهنا قد تسهم ردود الأفعال الخاصة بأدائه الأكاديمي، وخبرته المتراكمة، في تعديل درجة تفاؤل الشخص لتصل إلى مستويات أكثر واقعية، لذلك يرى بعض الباحثين، أن النجاح مثلما يحتاج إلى تفاؤل لتحقيق الهدف، فهو يحتاج إلى التشاؤم الموضوعي الذي يرفع من مستوى قلق صاحبه ليتوقع السيئ- أو ما يعرف بالنظرة الموضوعية- لتحفيز صاحبه على بذل الجهد الكافي للتغلب على إحباطات الموقف وخطورته.

وهناك نوع آخر من التشاؤم يدعى بالتشاؤم الدفاعي، كما ناقشه كل من "نوريم وكانتور" ويتضمن وضع الشخص الناجح، توقعات منخفضة عن أدائه المستقبلي، ما يشعره بالقلق وفقدان السيطرة فبينما تجد المتفائلين يشعرون بمستوى أقل من القلق وبمستوى عال من التوقع في الأداء، قياساً بالمتشائمين دفاعياً فهم لا يختلفون عنهم في الأداء الأكاديمي، لأن السيناريو المخيف يرفع من قلق المتشائمين دفاعياً، ليبذلوا المزيد من الجهد، وقد توصل "شورز" 1992 إلى أن الأفراد المتشائمين عندما يركزون انتباههم على الاحتمالات السلبية للأحداث القادمة يسهم في رفع أدائهم أكثر مما لو ركزوا انتباههم على الاحتمالات المستقبلية السارة، ويمكن النظر إلى كل من التفاؤل والتشاؤم الدفاعي على أنهما استراتيجيات للتكيف يتبناها الأفراد للسيطرة على المواقف المختلفة، فالتشاؤم الدفاعي يهيئ الذات لاحتمالات الفشل، ويرفع من مستوى دافعية الفرد للتغلب على صعوبات الموقف، بينما الأفراد المتفائلين دفاعياً غالباً ما يتعمدون تجاهل أو تحريف المعلومات غير السارة، ويهربون من مواجهة احتمالات الفشل، ويتجاهلون التفكير في النتائج السلبية لأن ذلك يثير قلقهم، فترى المتفائلين بشكل دائم وغير واقعي لديهم بدائل محدودة لمواجهة المشكلات عندما يُواجهون بمواقف تستدعي الحل قياساً بالمتشائمين دفاعياً.

 

الأداء الوظيفي الناجح

كثيراً ما ينعكس الأداء الوظيفي لمهام ومسؤوليات الوظيفة، على بيئة العمل، ويزداد ذلك كلما كان الأمر يتعلق بمن يتولى مسؤولية إشرافية، أو ممارسة وظيفية عملية!!

ويرتبط الأداء الجيد في العمل بخصائص عديدة، لكن ارتباطها بالشخص نفسه يعد أهمها، فلكي يكون الموظف ناجحاً في عمله، لابد أن يكون ناجحاً في فهم نفسه وإمكاناته أولاً وقبل كل شيء.

وبما أن الممارس لأي مهمة في أي موقع إداري يعتبر موظفاً، فإن نجاحه أو فشله تظهر آثاره على الجهاز الذي يعمل فيه، وهناك فرق شاسع بين الأداء الوظيفي الناجح والفاشل، وإذا كان النجاح هو المطلب فإن ذلك لا يتحقق بالأحلام، وإنما من خلال جوانب يجب مراعاتها.

فالموظف الناجح هو الذي يحقق أهداف موقعه الوظيفي!!

وهو الذي يدرك أن فعاليته تقاس بمدى ما يحققه من أهداف لهذا الموقع الذي يشغله، لأن العبرة ليست بالمجهودات التي تبذل بل بالنتائج التي يحققها.

وعلى هذا يجب أن ينظر الناجح إلى نفسه على أنه عضو في فريق عمل متكامل، له دور لا يمكن تأديته بكفاءة إلا من خلال التعاون والتفاعل مع أدوار الآخرين.

والموظف الناجح هو الذي يخلق عمله، وهو الذي يصنعه، ومن ثم يسعى لتحقيق الهدف الوظيفي لهذا الموقع، وبالتالي فإن مهمته شاقة، لأن المقصود ليس فقط ما يجب أن يعمله وإنما ما يجب أن يكون عليه.

وضمان نجاح الموظف يتحقق من خلال القدرة على فهم الهدف الذي يسعى لتحقيقه بعلم وبصيرة يجعلانه قادراً على رؤية النهاية في خدمة الصالح العام، وهذا لا يتحقق إلا من خلال التطوير والابتكار والإبداع، وجعل اليوم أفضل من الأمس والغد أفضل من اليوم.

وحينما تتحدد مواصفات الموظف الناجح سواء قليلة أم كثيرة، فإن هذه المواصفات لا تعتبر أساساً في قياس النجاح من عدمه، لأنها لا تضع النجاح كقالب محدد، وإنما تضع حدوداً لما يمكن أن يكون عليه النجاح.

والموظف الناجح هو الذي يهتم بعمله، ويعرف ما يريد، وكيف يحصل عليه دون أن يثير الآخرين.

وهو الذي تكون لديه وجهة نظر دائماً، لأن تنفيذ الأنظمة دون إبداء رأي في جميع الحالات يكون عاملاً أساسياً في ازدياد المشكلات وتفاقمها، وهذا ما نلمسه واقعاً في بعض الأجهزة، فتجد الموظف المسؤول يغرق بمشكلات الجهاز دون أن يبحث عن الحلول، وقد تكون أسهل مما يتصور، لكن فقدان الرأي والمبادرة زاد تعقيدها وضخم حجمها، فأصبحت تصْرفه عن مهامه الفعلية، ليبحث عن حلول مؤقتة لمعاجلتها.

والموظف الناجح هو الذي يطلع دائماً على ما يستجد من معلومات تبين له آراء الآخرين، وتكسبه ثقافة عامة تخرجه من نطاقه الضيق، إلى رحاب أوسع تجعله يُشخِّص المواقف بدقة، ويعرف متطلباتها قبل اتخاذ أي قرار بشأنها لكيلا يكون عمله ارتجالياً أو انفعالياً متسرعاً.

 

دور القيادة الفعالة في إشاعة جو من الرضا والتفاؤل الوظيفي

إن القائد الإداري الحصيف يدرك تماماً أن الموظف هو حجر الزاوية لدى المؤسسة لكونه الأداة الفعالة التي تقود المؤسسة للاضطلاع بمسؤولياتها وخدمة المجتمع.

ولكن كيف يسهم هذا المدير في رفع الكفاءة الإنتاجية لأعلى درجة ويؤثر بمرؤوسيه بكل الود والحزم معاً ويحقق الرضا الوظيفي لديهم ويساعد على خلق جو مشبع بالتفاؤل.. وعند أي نمط من القيادة؟

لاشك أن نمط القيادة الديمقراطية من المؤشرات الإيجابية الفعالة في إدارة المؤسسات ويحقق الرضا والتفاؤل ويحسِّن الأداء الوظيفي للموظف ولهذه القيادة مواصفاتها، فالمدير الديمقراطي يضطلع بدور كبير في خلق روح التعاون بين الموظفين والعاملين بإدارته أو مؤسسته ويجعلهم كالفريق الواحد ليتولد لديهم الشعور بالانتماء لتحقيق الأهداف، ومن ثم ينعكس على تحقيقهم لأهدافهم الخاصة، كما أن إبراز الجانب الإنساني، لديه بمشاركته لموظفيه في مناسباتهم المختلفة وشعورهم بأن علاقاتهم معه ليست متوقفة على حدود العمل الرسمي لاشك أنها تساعد في إيجاد القبول لديهم ليؤثر فيهم وهذا هدف من أهداف القيادة الفعالة.. فاهتمامه بمشكلاتهم واحتياجاتهم له الدور الكبير في تحقيق الرضا الوظيفي، كما يرى أن مشاركة الموظف في اتخاذ القرارات بإبداء آرائه وملاحظاته أمر فعال في تحقيق أهداف العمل ويُنمي شعور الموظف بتحقيق ذاته.

إن المشرف الإداري الديمقراطية الذي يقوم بالتنظيم والتنسيق لجهود مرؤوسيه وموظفيه سيؤدي حتماً لتوحد العمل وعدم الازدواجية، كما أن توزيع المسؤولية ومنح الموظف السلطة المتكافئة مع قدراته وإمكانياته وإعطاءه قدراً من الحرية لتنفيذ العمل بالطريقة التي يرغب بها دون تأثير سالب على الآخرين، بالإضافة إلى اعتقاده بوجود الفروق الفردية بين الأفراد وأهمية القدرات والاستعدادات والميول لدى الموظفين يؤدي للتكيف في العمل والشعور بالأهمية الذاتية فيتحقق الرضا الوظيفي الذي يرافقه التفاؤل وتطوير أداء الموظف لعمله.

إن القيادة الديمقراطية التي تمنح السلطة للموظف لتنفيذ عمله بمرونة وبطريقة سريعة بعيدة عن تعقيدات الروتين "دون إلحاق ضرر" بحيث تكون مناسبة لقدراته وطموحاته تساعده على التجديد والابتكار ومن ثم الشعور بالرضا لما يقوم به من مهام، إن هذا النمط الإداري لا يعترف بحرفية الأنظمة والتعليمات ويعترف بالمرونة وليس التساهل والانفلات في العمل، وهذا يؤدي إلى استثمار طاقات الموظفين وإبراز ما لديهم من استعدادات، كما أن العدالة من المدير والقائد الإداري مطلوبة أيضاً في توزيع الأدوار وعمل دورات التطوير الذاتي من قبل المؤسسة لموظفيها بتنظيم وتنسيق دون محسوبية بحيث لا يُخل بإنتاجية العمل ليؤدي بالطبع لإكسابهم المهارات الفنية والعلمية والعملية والسلوكية التي ترتقي بالموظف في تعاملاته مع مراجعيه وزملائه ومديريه وهو بلاشك مؤد للرضا الوظيفي.

إن القيادة النشيطة الفعالة هي التي تكون قادرة على المساهمة وبقوة في تحقيق الرضا الوظيفي للفرد الذي يشق سبل السعادة للفرد ويمنحه الثقة بالذات وينير له مصابيح التفاؤل، وبهذا تصبح من أنجح الإدارات في تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة، وتحقيق الأهداف الخاصة لموظفيها وهذا لا يأتي إلا بتحري الدقة والإخلاص في اختيار المديرين المؤهلين والمتمتعين بصفات المسؤولية والأمانة والانفتاح على الآخر امتثالاً لقوله (ص): "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.."

إن القيادة الفعالة هي التي تمتلك القدرة على تقييم ذاتها، وعلى القيام بتغذية راجعة تصحح مسارها كأن تقول لنفسها.. ليس معنى أنني المدير أنني أذكى القوم.. وأنني صاحب القرار السليم دوماً، ويمكنني قيادة الناس بدفعهم من الخلف وليس دائماً يجب أن أسير أمامهم.. وأن اعترافي بخطئي فضيلة.. يجرد أعدائي من أسلحتهم ويعطي أصدقائي سلاحاً للدفاع عني.. وعندما أكون سلبياً تجاه الأفكار والآراء الخاطئة أكون إيجابياً تجاه الحقيقة ولن أكون دبلوماسياً ناجحاً.. إلا إذا واجهت رئيسي بأخطائه بأدب جم.. أنا لست أهم الموظفين.. ولكني أكبرهم مسؤولية.. إن الصعود على أكتاف الآخرين معناه السقوط من أعلى.. وأن مقياس النجاح الصحيح هو ما تعلمته من الفشل وليس مما حققته من نجاح.

وللموظف الذي يعمل تحت مظلة قيادة فعالة ناجحة ننصحه العمل بالقواعد التالية:

توقع النجاح، من خلال تركيزك على الجانب الإيجابي.

لتكن نظرتك للآخرين نظرة تفاؤل.

ألزم النفس بالتخطيط السامي لأمور الحياة.

تحويل الخطط إلى عمل دون ضياع وقت وجهد زائد.

المبادرة والمسارعة لكل خير يرتد على المؤسسة وموظفيها، وليس من أجل الحفاظ على الكرسي "الموقع الوظيفي".

امتلاك "المرونة" استعداداً للتغيير والتطوير.

توخي الواقعية والدقة في اكتشاف نقاط التميز لديك بعيداً عن التطرف والمبالغة.

لا تعتمد على الإطراء والثناء بصورة مطلقة فقد يكون هذا سبباً في الفشل، واعمل على تحقيق الهدف.

لا تخف من النقد دائماً فقد يكون وسيلة النجاح، دع الناقد يقول رأيه، واستفد منه.

إن النقد هو الذي يشعر الآخرين بأنك تعمل، كما أن الخطأ يشعرك بأنك موجود، وهذا مهم جداً فالوجود هو سر الحياة.

اللجوء لما يسمى "العلاج الروحي" وهو الإيمان بأن في داخل كل إنسان وميضاً روحياً يعمق في نفسه الأمل والتفاؤل بأنه تحت مظلة قوة الله التي إن لجأ لها لن تتخلى عنه.


المصدر : الباحثون -العدد 26 --آب 2009

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,682,140

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters