صنع القرار الاستراتيجي : العوامل المؤثرة والنتائج

 

المقدمة

 تعد عملية صنع القرار الاستراتيجي من أكثر مجالات البحوث الإدارية نشاطاً والعديد من الكتاب يشعرون أن المعرفة المتاحة عن عملية صنع القرار الاستراتيجي ما زالت محدودة بالإضافة إلى ذلك فإن البحوث التي قامت بفحص هذا المجال الهام قد نتج عنها نتائج متعارضة وربما يرجع ذلك إلى استخدام نماذج بسيطة للغاية في دراسة ظاهرة معقدة .

وتهدف الدراسة الحالية إلى معالجة هذه المشكلة وتطوير حقل المعرفة في مجال صنع القرار الاستراتيجي  من خلال التوصيات الثلاثة التالية :

1-  عمل تكامل بين وجهات النظر المختلفة الخاصة بصنع القرار الاستراتيجي من أجل تطوير نموذج أكثر اكتمالا لعملية صنع القرار الاستراتيجي .

2-   فحص أبعاد عملية صنع القرار الاستراتيجي  .

3-    تطبيق هذه الدراسة في بيئة غير أمريكية أو بريطانية .

وعلى أساس هذه التوصيات فانه تم تطوير النموذج النظري لهذه الدراسة.

وتعد الأبعاد الثلاثة لعملية صنع القرار بمثابة جوهر النموذج الخاص بهذه الدراسة .

ولقد تم فحص هذه الأبعاد  بثلاث طرق متباينة :

1-   تم معالجتهم كمتغيرات تابعة للعوامل المحددة لعمليات القرار .

2-  تم معالجتهم كمتغيرات مستقلة لفاعلية القرار لكي نستكشف إلى أي مدى يؤثر كل بعد من أبعاد عملية صنع القرار على فاعلية القرار .

3-  تم معالجتهم كمتغيرات مستقلة لفاعلية القرار آخذين في الحسبان الأدوار الوسيطة للمتغيرات الموقفية المتعلقة بوجهات النظر المختلفة الخاصة بالقرار و البيئة و المنظمة .

طرق البحث :

استخدام المنهج الاستكشافي للدراسة الحالية ضروري كأساس لاختبار  الفروض .

المرحلة الاستكشافية المبدئية لهذا البحث  قد تم إجرائها قبل الدراسة الأساسية من اجل تحقيق الأهداف التالية :

1- توضيح المفاهيم وتطوير المقاييس . 

2-   تطوير الفروض .

3-   تحديد المشاكل العملية التي يتوقع أن تواجه تنفيذ هذا البحث .

طرق تجميع البيانات :

تم استخدام طرق البحث الكمية والوصفية في مرحلتي هذه الدراسة حتى نرسم صورة أكثر اكتمالا وواقعية لعملية القرار الاستراتيجي .

المرحلة الأولى : تم تجميع 128 قائمة استقصاء تتناول 117 قرارا استراتيجيا وتم تجميع قائمتي استقصاء لكل قرار من 11 شركة لإجراء احد اختبارات الموثوقية – الاتساق بين إجابات المستقصى منهم .

المرحلة الثانية :طبقت على  الشركات الصناعية الخاصة والتي يعمل بها أكثر من 100 عامل وفي هذه المرحلة تم توزيع 400 قائمة استقصاء . وفي هذه المرحلة تم تجميع بيانات هذه الدراسة من المديرين التنفيذيين الذين اشتركوا بصورة جوهرية في صنع القرار الاستراتيجي .

أمكن من خلال هذه الدراسة استخدام أسلوب التقدير الاستقرائي لتقييم تحيز عدم الاستجابة الكلي . ولقد تم فحص البيانات الخاصة بحجم الشركة خلال المرحلة الأولى  والثانية . ولم نجد أي اختلاف معنوي بين العينتين . وتقترح هذه النتيجة ان عينة الدراسة ممثلة للمجتمع .

اختبار قائمة الاستقصاء :

لقد تم مراجعة قائمة الاستقصاء الخاصة بهذه الدراسة من خلال 4 مراحل الباحث نفسه , أكاديميين , وطلبة دكتوراه , وخمسة أعضاء هيئة تدريس و سبعة مديرين .

وحدة التحليل :

لقد استخدمت هذه الدراسة القرار الاستراتيجي كوحدة تحليل . ويرجع ذلك إلى تباين عمليات صنع القرارات  الإستراتيجية من قرار إلى آخر داخل نفس المنظمة . صممت هذه الدراسة للتركيز على مخرجات القرار بدلاً من المستوى الأكثر عمومية والخاص بأداء المنظمة ككل .

ويتجنب هذا الاختيار المشكلة الخاصة  بغموض اتجاه العلاقة السببية التي تنتج عن دراسة العلاقة بين عمليات القرار الاستراتيجي وأداء المنظمة ككل .

قياس متغيرات الدراسة :

إن نقل المفاهيم الإدارية من بلد لآخر دون أخذ تأثير المتغيرات الثقافية في الحسبان يعد مشكلة كبيرة تم إعادة تطوير المقاييس الخاصة بمتغيرات هذه الدراسة حتى تكون أكثر ملائمة للبيئة .

وساعدت هذه العملية على التركيز على الاعتبارات الخاصة بكل من موثوقية المقاييس المستخدمة في هذه الدراسة .

بعض اختبارات الموثوقية والصلاحية المستخدمة في هذه الدراسة

1-  الثبات : معاملات بيرسون تقترح هذه النتيجة وهي أن المقاييس المستخدمة في هذه الدراسة تتمتع بالثبات

2-  الاتساق والتناغم الداخلي : نتائج معاملات ألفا  تقترح  وجود درجة مرضية من الاتساق الداخلي بين مكونات كل مقياس من مقاييس هذه الدراسة .

3-  الاتساق والتناغم بين إجابات المستقصي منهم :    لقد أمكن الحصول على قائمتي استقصاء عن نفس القرار مملوءتين بواسطة شخصين مختلفين في 11 شركة خلال المرحلة الأولى من هذا البحث وفي عشر حالات كان معامل الارتباط بين إجابات المستقصي منهما في نفس الشركة عن نفس القرار معنوياٍ . عند مستوى 1% أو أفضل مما يدعم درجة الاتساق والتناغم بين إجابات المستقصي منهم .

صلاحية هيكل المقياس :

اقترح فيكس وكامبل أنه عند فحص صلاحية هيكل المقياس فإنه لابد أن نميز بين صلاحية التقارب وصلاحية التمايز وتقترح نتائج تحليل  العامل أن أدوات القياس المستخدمة تتمتع بكل من معياري صلاحية التقارب والتمايز معاً .

النتائج :

تظهر نتائج المجموعة الأولى من الفروض أن العناصر الخاصة بوجهات النظر الموقفية الثلاث في هذه الدراسة تلعب دورً مؤثراً في عملية صنع القرار الاستراتيجي .

وتقترح النتائج الخاصة بالمجموعة الثانية من الفروض أن كلا من الرشد والسلوك السياسي يؤثران بصورة كبيرة على فاعلية القرار الاستراتيجي , بينما الحدس لم يكن له تأثير ونتائج هذه الدراسة أثارت سؤالا هاما للغاية عن أسباب التعارض بين نتائج البحوث السابقة التي فحصت العلاقة بين أبعاد عملية صنع القرار الاستراتيجي والمخرجات التنظيمية .

الدراسة الحالية تقترح سبعة أسباب محتملة قد تفسر العديد من النتائج المتعارضة في البحوث السابقة  وتتمثل هذه الأسباب في :

1-   غياب المعالجة الواضحة للمتغيرات البيئية .

2-   إجراء البحوث في ثقافات متباينة .

3-   الفشل في تضمين الدراسة لأبعاد متعددة لصنع القرار الاستراتيجي .

4-   اختلافات في طرق البحث

5-   اختلافات في قياس متغيرات الإستراتيجية .

6-   اختلافات في المخرجات التنظيمية .

7-   الفشل في فحص علاقات أكثر تعقيدا بين متغيرات الدراسة .

وتظهر نتائجنا الخاصة بالمجموعة الثالثة من الفروض أن خصائص القرار الاستراتيجي لها تأثير كبير جدا على العلاقة بين عمليات القرار ونجاحه .

وقد تم تلخيص نتائج الدراسة في نموذج مقترح  لمحددات ونتائج أبعاد عملية صنع القرار الاستراتيجي  في هذا النموذج نجد أنه يرتبط الرشد معنويا بفاعلية القرار الاستراتيجي

ويعد السلوك السياسي أحد الأبعاد الهامة لصنع القرار الاستراتيجي وكذلك يرتبط السلوك السياسي سلبيا بفاعلية القرار وكل من الحافز للقرار والأداء يتوسطا العلاقة بين السلوك السياسي وفاعلية القرار .

ويبدو أن الحدس أقل أهمية من كل من الرشد والسلوك السياسي سواء كمتغير تابع أو مستقل .

خصائص القرار الاستراتيجي وخصائص المنشأة أيضاً يلعبان دور أكثر أهمية من الخصائص البيئية في صنع القرار الاستراتيجي وأخيراً فإنه بين كل المتغيرات الوسيطة يبدو الأداء الوظيفي كأهم متغير وسيط للعلاقة بين أبعاد عملية صنع القرار الاستراتيجي وفاعليته .

المساهمات النظرية والتطبيقية للدراسة :

تتكون الدراسة الحالية من أربع أجزاء :

1-   مراجعة الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع الدراسة الحالية .

2-   تصميم الدراسة .

3-   نتائج الدراسة .

4-   تفسير النتائج وتوصيات الدراسة .

ولقد تم تصميم هذه الأجزاء الأربعة من أجل تحقيق هدفين رئيسيين من وجهة نظر نظرية أو أكاديمية .

الهدف الأول : يتمثل في تطوير وبصورة تطبيقية فحص نموذج متكامل لعملية صنع القرار الاستراتيجي من أجل تقديم فهم أفضل للعوامل المؤثرة على صنع القرار الاستراتيجي ونتائج عملية صنع القرار الاستراتيجي في بيئة أمريكية أو بريطانية مما يؤدي إلى تطوير حقل المعرفة في مجال صنع القرار الاستراتيجي .

الهدف الثاني : وهو الهدف التطبيقي ويتمثل في إلقاء الضوء على مجموعة من الإرشادات التي يمكن أن تساعد صانعي القرار في الوطن العربي بصفة عامة على تحسين عملية صنع القرار الاستراتيجي وبالتالي تحسين نتائج قراراتهم وفرص نجاح منظماتهم .

المساهمات النظرية :

1-  تعد هذه الدراسة  المعنية بفحص أهمية تكامل وجهات النظر الخاصة بطبيعة مشكلة القرار الاستراتيجي , المتغيرات البيئية , وخصائص المنشأة في صنع القرار الاستراتيجي والمتغيرات الخاصة بمخرجات القرار الاستراتيجي و هذه الدراسة قامت بفحص أبعاد صنع القرار الاستراتيجي وعلاقتهم بفاعلية القرار الاستراتيجي بصورة أكثر شمولية مما قامت به الدراسات السابقة .

2-   تتمثل أحد مساهمات هذه الأطروحة في الدراسة التطبيقية لعدة أبعاد لعملية صنع القرار الاستراتيجي في نفس الوقت من أجل فحص العلاقة بين عملية القرار ونتائجه .

3-  لقد كان من المثير أن نفحص إلى أي مدى تعد نتائج هذه الدراسة متناغمة أو مختلفة مع نتائج البحوث الشبيهة في الولايات المتحدة وانجلترا  وتدعم بعض نتائج هذه الدراسة الرأي الخاص بتأثير البيئة أو الثقافة على القرار الاستراتيجي والبعض الآخر لا يدعم هذا التأثير .

4-  تعد هذه الدراسة رائدة في فحص الدور الوسيط لخصائص القرار الاستراتيجي على العلاقة بين عمليات القرار ونجاحه .

5-  تتمثل أحد التطبيقات المنهجية الهامة لهذه الدراسة في أن مقاييس المخرجات ينبغي أن تكون متسقة مع وحدة التحليل .

6-  القياس في مجال الإدارة الإستراتيجية مازال يمثل مجال بحثي محدود وأن المقاييس المستخدمة في الإدارة الإستراتيجية تعاني من ضعف معالجة الموضوعات الخاصة بالموثوقية والصلاحية .

المساهمات التطبيقية :

1-   توصلت هذه الدراسة إلى نموذج عملي صالح للتطبيق لصنع قرارات فعالة في الوطن العربي .

2-  تتمثل أحد التطبيقات الهامة هذه الدراسة في أن المديرين لديهم قوة التأثير على نجاح قراراتهم الإستراتيجية وبالتالي  أداء منظماتهم من خلال العمليات التي يستخدمونها في صنع القرارات ولذلك فإن عملية صنع القرار ينبغي أن تحظى باهتمام وتصميم خاص من جانب الإدارة .

3-  .إن المديرين الذين ينغمسون في الأساليب السياسية يصنعون قرارات أقل نجاحاً من هؤلاء الذين لا يفعلون ولذلك ينبغي أن تكون الإدارة العليا على دراية بأن الأساليب السياسية مثل تكوين التحالفات والتحكم في جداول الاجتماعات , إخفاء أو تشويه المعلومات والمساومة يمكن أن يؤدوا إلى تأخير القرار وكذلك تتمثل أحد المسؤوليات الهامة  للإدارة العليا في تحييد وإبطال مفعول الأساليب السياسية حتى تضمن اتخاذ قرارات ناجحة .

4-  نظراً لان نتائج الدراسة تظهر أن المحددات البيئية , التنظيمية وتلك لخاصة بالقرار تلعب دورا مهما في عملية القرار الاستراتيجي فإن أحد مهام المديرين تتمثل في أن يكونوا على دراية بالمتغيرات التي تواجههم عند صنع قراراتهم وأن يأخذوا هذه المتغيرات في الحسبان قبل صنع القرار .

5-  تتمثل أحد التطبيقات الهامة لهذه الدراسة أيضا في مجال تنمية وتطوير طبقة الإدارة العليا من خلال تصميم برامج إدارية ملائمة لهؤلاء الذين يقومون بصنع القرارات الإستراتيجية .

6-  المنظمات يجب أن تأخذ القرارات الإستراتيجية الأزمة لتكيفها مع البيئة المحيطة وفي هذا المجال فإنه يوجد تطبيقان عمليان للإدارة العليا يستحقان الذكر:

أ‌- يعد الفشل في التغيير والتكيف أحد الأسباب الأساسية لفشل وانهيار العديد من الشركات .

ب‌- ينبغي على الإدارة العليا أن تدرك أن احتمالات مقاومة مثل هذه القرارات ستتزايد من جانب بعض المديرين وسيترتب على ذلك قيام هؤلاء المديرين باستخدام العديد من الأساليب السياسية لدفاع عن مصالحهم الخاصة .

  بصفة عامة فإن الدليل المستخلص من هذه الدراسة يدعم الرأي المنادي بتأثير البيئة المحلية على صنع القرارات الإستراتيجية ولذلك فإن أساليب صنع القرار الأمريكية والبريطانية لا يمكن ترجمتها كما هي دون أي تعديل لبيئات مختلفة مثل تلك الخاصة بالوطن العربي عامة ومصر خاصة .

اتجاهات للبحوث المستقبلية :

1-  تفتح هذه الدراسة مجالاً واعداً جداً للبحوث المستقبلية الخاصة بعمليات ونتائج صنع القرار المقارن في الأقطار العربية .

2-  يمكن للبحوث المستقبلية  أن تأخذ في الحسبان الدور الوسيط لبعض المتغيرات الأخرى مثل خصائص الإدارة العليا وأن تستخدم بعض المتغيرات الوسيطة في الدراسة كمقاييس متعددة الأبعاد .

3-  ما زال هناك حاجة لمزيد من البحوث عن تطبيق القرارات الإستراتيجية حتى نرسم صورة أكثر شمولية عن محددات نجاح القرارات  الإستراتيجية .

4-  تتمثل أحد المجالات الواعدة أمام البحوث المستقبلية في فحص العلاقات بين كل متغير من المتغيرات الموقفية السبع في هذه الدراسة والأبعاد الثلاث لعملية صنع القرار الاستراتيجي , وأن يتم تضمين هذه العلاقات في النموذج المتكامل لصنع القرار الاستراتيجي .

5-  يمكن للبحوث المستقبلية أن تضيف للنموذج المستخدم في هذه الدراسة بعض المتغيرات التي لم يتم أخذها في الحسبان في الدراسة الحالية .

6-   يتطلب تدعيم فهمنا لعملية صنع القرار الاستراتيجي اهتماما أكبر بمقدرة العملية .

7-  ينبغي أن يهتم الباحثون بصورة أكبر بتطوير وفحص رؤى أكثر عمقا لدور السلوك السياسي في عملية صنع القرار الاستراتيجي .

8-  يمكن أيضا إضافة مزيد من المتغيرات التحكمية لنموذج الدراسة حتى نبني نموذج أكثر تكاملا للعوامل التي تؤثر على نجاح القرار الاستراتيجي .

 

المصدر: بسام مقيدم << كانول وحدة المعرفة
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 80/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 6128 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,757,766

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters