السلوك التنظيمي بين النظرية والتطبيق
خلق الله الإنسان فأكرمه وأحسن صورته ، وجعل في كل قلب من قلوب الخلق ما يشغله ، لحكمة لا يعلمها إلا الله عز وجل ، ولرسالة يؤديها الإنسان حسب حالته وطبيعته ، وفى ضوء ذلك فإننا نؤمن بوجود فروق بين الناس ونتعرف كيف ولماذا تحدث هذه الاختلافات والممارسات ، ولماذا يختلف سلوك كل منا عن الآخر؟ ليس هذا فقط بل لماذايختلف سلوكنا من حين لآخر ؟
إن السلوك الإنساني كما أفهمه هو محصلة استجابة الشخص لمثير أو لأكثر من مثير في موقف معين ، وذلك حسب طبيعة وملامح الشخصية والتي هي مجموعة أنماط السلوك المميز للفرد أو الشخص من عواطف وميول وسمات وآراء ومعتقدات واتجاهات وعادات اجتماعية ، وهو ردود فعل ظاهرة أو خفية لمثير ما سواء كانت ردود الفعل هذه عقلية أو غريزية أو غيرها ، بمعنى آخر هو عبارة عن سلسلة من الاختيارات والممارسات التي يقوم بها الفرد عند الانتقال من موقف لآخر وتكون هذه الممارسات حركية أو عقلية أو انفعالية يسعى الفرد عن طريقها أن يحقق عملية التوفيق والتأقلم بين مقومات الإطار الاجتماعي الذي يعيش بداخله وجودته ومقتضياته .
وتعرف بعض المراجع السلوك بأنه الاستجابات التي تصدر عن الفرد نتيجة لاحتكاكه بغيره من الأفراد أو نتيجة لاتصاله بالبيئة الخارجية .
بينما تعرف المنظمات بأنها تلك المؤسسات التي ينتمي الفرد إليها ، وتهدف إلى تقديم نفع وقيمة جديدة ، كالمصانع والبنوك والشركات والمصالح الحكومية والمدارس والنوادي والمستشفيات وغيرها . وهنا يمكن التمييز بين نوعين من سلوك الأفراد ، السلوك الفردي ، والسلوك الاجتماعي .
فالسلوك الفردي هو السلوك الخاص بفرد معين ، أما السلوك الاجتماعي فهو السلوك الذي يتمثل في علاقة الفرد مع غيره من الجماعة ، ويهتم علم النفس بالسلوك الفردي بينما يهتم على الاجتماع بالسلوك الاجتماعي .
ولذلك فإنني استطيع تعريف السلوك التنظيمي بأنه تفاعل علمي النفس والاجتماع مع علوم أخرى أهمها علوم الإدارة والاقتصاد والسياسة ، كما يمكننا القول إن السلوك التنظيمي هو سلوك الفرد داخل المنظمات والمقصود بها ( كما أشرت سابقا ) تلك المؤسساتالتي ينتمي إليها الفرد العامل ، كما أنه محصلة تفاعل خصائص الفرد وخصائص الجماعة والبيئة المنظمة .
بعد هذه المقدمة قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال ما الذي تتناوله محددات السلوك التنظيمي المرتبطة بالفرد والجماعة وكذلك المحددات المرتبطة بالبيئة ؟
والجواب هو إن المحددات المرتبطة بالفرد تتناول دوافع العمل ، وهيكل القيم الشخصية لدى العاملين ، وضغوط العمل لدى الأفراد والعاملين بالمنظمة . وأن علم السلوك التنظيمي يساعدك على تفسير السلوك الإنساني والتنبؤ به والسيطرة عليه .
أما محددات السلوك التنظيمي المرتبطة بالجماعة تتناول :عملية الإدراك ، وأنماط القيادة ، وطبيعة عملية صنع القرارات في المنظمة .
ومحددات السلوك التنظيمي المرتبطة بالبيئة فتتناول : إدارة التكنولوجي وطبيعة الهيكل التنظيمي في المنظمة ، وإدارة عملية التطوير التنظيمي في المنظمة.
وفي هذا المقال نتبنى المدخل الموقفي ( أي الموقف ) كإطار لتناول السلوك التنظيمي حيث يشير هذا المدخل إلى أن النمط المناسب لكل محدد من محددات السلوك التنظيمي سابقة الذكر يتوقف على طبيعة متغيرات الموقف . فما هي الأهداف المرجوة من دراسة السلوكالتنظيمي ؟
في مجال العمل ، يحتاج الرؤساء والزملاء والمرؤوسين ـ على حد سواء ـ إلى فهم بعضهم البعض ، لأن هذا الفهم يؤثر بدرجة كبيرة على نواتج العمل ، وكلما زاد الفهم كلما ارتفع أداء المنظمة، وهناك أمثلة كثيرة تحدث في العمل يوميا يتجلى فيها بوضوح أهمية فهم سلوك الآخرين ، ويمكن القول انه هناك ثلاثة أهداف ضرورية تدفعنا لدراسة السلوك التنظيمي :
1) التعرف على مسببات السلوك .
2) التنبؤ بالسلوك في حال التعرف علىالمسببات .
3) التوجيه والسيطرة والتحكم في السلوك من خلال التأثير في المسببات .
إن أهمية دراسة السلوك التنظيمي ، ودراسة محددات وعناصر وأبعاد السلوك الإنساني في المنظمات يساهم في تحقيق مجموعة من الأهداف سواء بالنسبة للفرد أو المنظمة وكذلك بالنسبة للبيئة التي تعمل فيها المنظمة ، وفيما يلي نتناولها بشيء من التوضيح .
أولا المنظمة :
حيث يمكن للمنظمة من خلال دراسة السلوك التنظيمي تحقيق ما يلي :
1. فهم وتفسير السلوك والممارسات والمبادرات وردود الأفعال التي تصدر عن العاملين من خلال فهم طبيعة الدوافع والإدراك والقيم التي تحكم السلوك وأيضا معرفة طبيعة الضغوط ومباريات ووسائل الاتصال المستخدمة ونمط القيادة المفضل .
2. إدارة السلوك وتوجيهه نحو تحقيق الهدف من خلال التدعيم الايجابي للسلوك المرغوب وبناء نظم الحوافز والتدعيم الملائم ، وكذلك اختيار نمط الاتصال وأسلوب القيادة المناسب ومحاولة تهيئة مناخ وظروف العمل لتخفيف الضغوط وجعلها عند المستوى الفعال على نحو يساهم في تحقيق أهداف المنظمة .
3. وضع استراتجيه مستقبلية لتنمية وتطوير سلوك الأفراد والجماعات واستراتيجيات التطوير والتنمية المختلفة في المنظمة .
ثانيا الفرد:
إن تحقق معرفة الفرد لمحددات وعناصر سلوكه مزايا كثيرة من أهمها تدعيم فرص الالتزام بالسلوك الصحيح ، وتجنب العوامل التي تؤدى إلى الإدراك الخاطئ للمواقف والتي تشوه عملية الاتصال أو التعرض لمستوى غير ملائم من الضغوط أو عدم التفاعل والاستجابة غير الصحيحة للزملاء والإدارة.
ثالثا البيئة:
يمكن الجزم بأن دراسة السلوك التنظيمي تساهم في التعرف بشكل أكثر دقة وشمولا على البيئة المحيطة مما يساعد في تدعيم التفاعل الإيجابي لها من خلال الاستجابة لمطالبها التي لا تتعارض مع مصالح المنظمة ، وأيضا تساعد في تجنب الآثار الضارة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ، وأيضا تحسن دراسة السلوك التنظيمي من القدرة التفاوضية للمنظمة مع البيئة من خلال توفير عناصر كثيرة أهمها :
1. تنمية مهارة الاستماع الجيد للآخرين من خلال تجنب هيمنة الافتراضات المسبقة .
2. الإلمام بأصول إقامة الحجج وكيفية استخدامها إيجابيا لصالح عملية التفاوض .
3. إدراك طبيعة ودلالات هذه الأصول والثقافات المختلفة .
4. التعرف على وظائف وديناميكية الصمت في الحوار التفاوضي .
5. تجنب أساليب المخالطات والدفاع عن الأوضاع الخاطئة أو عدم الاعتراف بالخطأ إذا وقعنا فيه.
6. وتجنب التقوقع داخل الذات والخوف من المواجهة الإيجابية مع الآخرين .
7. تحديد أولويات التفاوض والوزن النسبي لكل عنصر متغير.
8. تقييم الموقف التفاوضي دائما للتعرف على المستجدات التي حدثت أثناء العملية التفاوضية والتكيف مع هذه المستجدات .
عناصرالسلوك التنظيمي :
يمكن تقسيم العوامل والعناصر التي تؤثرفي السلوك إلى مجموعتين ، عناصر سلوك فردي ، وعناصر سلوك جماعي .
أولاً عناصرالسلوك الفردي :
وهي عبارة عن عناصر ومتغيرات تؤثر بشكل عام على سلوك الفرد فهيتختص بالفرد نفسه دونا عن الجماعة وهي :
الإدراك : وهو يمثل ما يفسره الفردلما يحصل من حوله وكيفية التفاعل مع الأحداث ، وكيف يؤثر إدراك الفرد بحكمه علىالآخرين .
التعليم : وهو عنصر يفيد المديرين في فهم مصدر قوة العاملين ، وكيفيكتسب العاملين سلوكهم ، وكيف يمكن تقوية وإضعاف أنماط معينه من السلوك لديهم .
الدافعية : وهو عنصر مهم أيضا للمديرين لمعرفة ما هي العوامل التي قد تزيد من قوةعطاء العامل و ترفع من حماسه ، والدافعية تفيد في اكتشاف تلك العوامل للعمل على التزودبكل ما يزيد من حماس ونشاط العاملين .
الشخصية : وهي نقطة مهمة أيضا حيث تمكنالمديرين من معرفة شخصية العامل وفهم مكونات وخصائص الشخصية لديه ، و طريقة تأثير هذا العنصر على سلوك الأفراد داخل أعمالهم ، وتكمن أهميته لما له من دور في تمكينالمديرين من توجيه النصح وتوجيه المرؤوسين للأداء السليم .
الاتجاهات النفسية : يفيد لمعرفة أراء ومشاعر وميول الناس للتصرف في مواقف معينة ، وكيف يمكنه من التأثير عليها لصالح العمل .
ثانيا : عناصر السلوك الجماعي :
وهي العناصروالمتغيرات المؤثرة في السلوك الجماعي للأفراد أو الجماعات ، وعناصرها هي :
الجماعات : ويتم فيها التعرف على الجماعة ، وظواهر التماسك الجماعي و علاقتهابالعمل ، كما تهتم بظاهرة اتخاذ القرارات داخل الجماعة .
القيادة : للتعرف علىكيفية اكتساب الأنماط القيادية المؤثرة على سلوك الآخرين .
الاتصال : يهم في فهم كيف يحدث الاتصال داخل العمل ، وكيف يمكن جعله يتم بدون معوقات، وكيف يمكن رفعالمستوى مهارات الاتصال بالطرق المختلفة كالاستماع ، المقابلات الشخصية ، الاجتماعات .
خلاصة القول أنه قد تكلمنا عن مفهوم السلوك التنظيمي وأنه يعني سلوك الفرد داخل المنظمات ، كما تحدثنا عن الهدف من وراء دراسة السلوك التنظيمي وأن هناك ثلاثة أهداف رئيسية من دراسة السلوك التنظيمي ألا وهي:
1. التعرف على مسببات السلوك الإنساني .
2. التنبؤ بالسلوك وذلك من خلال معرفة مسببات السلوك .
3. التوجيه والسيطرة والتحكم في السلوك من خلال التأثير في المسببات .
وبذلك يتضح لنا مدى أهمية السلوك التنظيمي فهو يركز على فهم وتوجيه سلوكيات وتفاعلات العنصر البشري ، والذي يعتبر أهم عناصر الإنتاج في المنظمة ، ونجاح المنظمة مرهون بنجاح تفعيل العنصر البشري وتحسين أدائه ، وبجانب هذه الأهمية يجب أن نعترف بصعوبة إدارة السلوك الإنساني، وذلك لتعدد المتغيرات التي تؤثر في هذا السلوك من ناحية ، ولعدم استقرار هذه المتغيرات المؤثرة فيه من ناحية أخرى ، وحتى تكون دراسة السلوك الإنساني داخل المنظمات صحيحة متكاملة تتم الدراسة على ثلاثة مستويات هـي ( الفرد و الجماعة و التنظيم الرسمي ) .
المصدر: منتديات السومريون > العلوم الأجتماعية > _الاجتماع والانثروبولوجيا_
نشرت فى 16 ديسمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,882,838