المعلومات ودورها في اتخاذ القرار الاستراتيجي
تعد المعلومات من الموارد الأساسية التي تدعم المنظمة في عملها الحالي والمستقبلي، باعتبارها عصب الحياه في المنظمة، وسر من أسرار نجاحها واستمراريتها.
لا يرتبط فعل المعلومات بالاستخدام الحالي فقط، بل يتعداه لتكون ذات أبعاد مناسبة للأحداث المحتملة والطارئة.
أصبحت المعلومات هي المورد الذي لا يكتسب قيمته من شكلها المادي الملموس، ولكن بما تعبر عنه وتعتمد عليه المنظمة في إدارة وتوجيه الموارد المادية فيها.
يجب أن تبحث إدارة المنظمة عن سبل لتحسين تعاملها مع هذا المورد، وكيفية تعظيم الاستفادة منه، لأنه يساعدها في دعم وبناء خططها وقراراتها الاستراتيجية وميزاتها التنافسية، ولأهمية هذا المبحث تم تقسيمه إلى ثلاثة مطاليب: يتضمن المطلب الأول هيكلية صنع القرار وعلاقتها بالمعلومات، والمطلب الثاني يتناول المعلومات وصناعة القرار الاستراتيجي، أما المطلب الثالث فيدرس مراحل عملية تحليل وصناعة القرار الاستراتيجي.
هيكلية صنع القرار وعلاقتها بالمعلومات
يتأثر القرار وعملية صنعه بهيكل صنع القرار الاستراتيجي (وحدة صنع القرار)، في السلوك الخارجي واتخاذه.
يعد القرار السياسي أو العسكري أحد أنواع القرارات الاستراتيجية، "يتخذه صناع السياسة الحكوميون الذين يمثلون السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية والمؤسسات التابعة لها"([1]). يتفاوت هيكل وبنيان اتخاذ القرارات في مؤسسات الدولة الواحدة بعضها عن بعض، وبالتالي فإن عملية صنع القرار تختلف داخل كل بنيان عن الأبنية الأخرى، وهذا يؤدي إلى تفاوت أنماط السياسة الناشئة عن تلك العمليات. فعلى سبيل المثال تحليل صنع السياسة الخارجية لأي دولة يتطلب تحليل مؤسسات صنع القرار في السياسة الخارجية، وعملية صنعها واتخاذها يتطلب تحليل مؤسسة صنع القرار في السياسة الخارجية الإجابة عن تساؤلات مهمة لابد منها وهي([2]):
أولاً: ماهي المؤسسة التي يعمل في إطارها صانع القرار للتوصل إلى قرار معين؟ هل يعمل بمفرده، أم يعمل في إطار مؤسسة؟ هل يتشاور مع أفراد يختارهم بنفسه؟ هل يجتمع بالأجهزة الرسمية المختلفة كثيرا أم نادرا؟
ثانياً: من يصنع قرار السياسة الخارجية للمنظمة أو الدولة؟ حيث نفرق مابين صنع القرار الرسمي وصانع القرار الفعلي؟ ثالثا: كيف يتم الاتصال وماهو شكل نظام الاتصال في داخل مؤسسة صنع القرار؟ كيف يتم تبادل المعلومات وإيصالها وتوظيفها من قبل صانع القرار؟ وكيف يتم فحصها ورد الفعل عليها؟ تتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات آنفا الحديث عن المؤسسة التي يعمل في إطارها صانع القرار، فقد تكون مؤسسة حكومية، أو جهاز، أو وزارة، أو منظمة دولية، وهذه المنظمة تصدر عنها قرارات سياسية أو عسكرية، وتصنع من قبل أشخاص خوِّل لهم القانون ممارسة الصلاحيات في الأمور الاستراتيجية التي تتأثر بها سلوكيات السياسة الخارجية لهذه المنظمة.
تعد المنظمة التي أسست وطورت في ترتيبها وأدوارها والموارد المتاحة لها، هي الهيكل الذي عرفه تشارلز هيرمان : "بأنه ترتيب معين لمجموعة من الأدوار والموارد داخل الوحده المسؤولة عن أي من مراحل حل المشكلة، أي أنه ترتيب للعلاقات بين الأفراد والمسؤولين عن اتخاذ القرار. وبصفة عامة فإن هياكل اتخاذ القرار تكون جزءا من البنيان التنظيمي البيروقراطي الحكومي المختص بمعالجة الشؤون الخارجية"([3]).
تتضح صورة هيكل صنع القرار من خلال المعلومات التي ترد صانع القرار بطرق مختلفة، ويتم توزيعها حسب الحاجة التي تتطلبها المنظمة وتختلف باختلاف المستويات الإدارية و درجة مسؤوليتها والوظائف التي تؤديها في المنظمة.
يجرى تقسيم المستويات الإدارية للمنظمة وطريقة وصول المعلومات إليها وعملية توظيفها، وكما يأتي:
أولاً: مستوى الإدارة العليا "القيادة الاستراتيجية" في المنظمة: "يتكون هذا المستوى من عدد قليل جدا من الأفراد، ويكون مسؤولا عن إدارة المنظمة وصياغة استراتيجيتها وسياستها، ويتعامل مع البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بها. تجمع المعلومات عند هذا المستوى من مصادر خارجية أو داخلية سواء كانت رسمية أو غير رسمية"([4])، وبسبب طبيعة المشاكل المعقدة التي يتعامل معها هذا المستوى، فإن المهارات المطلوبة ضمن هيكلية صنع القرار تكون مهارات معرفية أكبر من المهارات التقنية، يواجه مديري المنظمات اليوم مهمة صنع القرارات الاستراتيجية ضمن بيئات متزايده التعقيد، مما يؤثر على منظومة هيكلية القرار التقليدية، ولغرض مساعدتهم على مواجهة التحديات في عملهم قام الباحثون بتطوير نماذج لمعالجة المعلومات، ولصنع القرارات في المنظمة. بين"جاتمان واندرسن" أن تلك النماذج يجب أن تعكس منظورين متميزين هما"([5]) :
أ. الحصول على المعلومات وانسيابها في المنظمات "الاتصالات".
ب. استخدام تلك المعلومات في المنظمات لـ "صنع القرار".
ولتأمين فهم شامل لعملية معالجة المعلومات "يتطلب الأمر دمج هذين منظورين في منظور واحد"([6])،
تكون الإدارة في مستوى القيادة غالباً بعيدة عن مواقع العمل التنفيذية، وتصبح قراراتها الاستراتيجية في أكثر الأوقات مبنية على أساس المعلومات المتاحة لها، لذلك فإن خصائص المعلومات المطلوبة عند هذا المستوى هي([7]):
أ. معلومات من مصادر خارجية في الأغلب، وقسم منها داخلية.
ب. معلومات ذات أهمية كبيرة ترتبط برؤية استشراقية عن المستقبل.
ج. معلومات غير رسمية بدرجات كبيرة.
د. معلومات متعددة الأبعاد وغير محددة تكون ذات مدى واسع، وتتضمن نظرة عامة للمنظمة.
هـ. معلومات ذات نوعية خاصة تستند على أحكام وحدس تساعد الإدارة في رؤية المستقبل.
ثانياً: مستوى الإدارة الوسطى: يتمثل هذا المستوى بمدراء الأقسام في المنظمة، والذين يهتمون بالأداء الحالي والمستقبلي لأقسامهم ويشرفون عليها، ويتخذون القرارات المتوسطة والقصيرة الأجل، ويتعاملون مع المشاكل شبه الهيكلية في الغالب، "وتكون معلوماتهم المطلوبة في هذا المستوى معلومات خارجية وداخلية، رسمية وغير رسمية، كما ونوعا، وأبعادها تكون محصورة بين أبعاد المعلومات عن المستويين الإداريين الأعلى والأدنى"([8]).
ثالثا: مستوى الإدارة الدنيا: ويتمثل بالمشرفين على الأفراد العاملين في المنظمة، ويتعامل هذا المستوى من الإدارة مع الأنشطة اليومية قصيرة الأجل ذات الطبيعة الفنية والروتينية التي يمكن برمجتها، ويكون القرار المتخذ من قبلهم قرارا فنيا بالدرجة الأولى، ويستهدف ضمان تنفيذ البرامج الموضوعة بكفاءة عالية، "وتكون المعلومات عند هذا المستوى دقيقة ومفصلة، وعلى أساس يومي وأسبوعي"([9]).
تتخذ القرارت الاستراتيجية المهمة من قبل قيادة الدولة كقرار دخول الحرب لتحقيق غاية أو هدف استراتيجي، ويكون من أصعب القرارات التي تحدد صورة الأمة أمام العالم، أو ربما يكون هذا هو الأكثر أهمية، نظرا لما تواجهه الحكومة من خطورة كبيرة، ويعتبر مقياس مهم لدقة القيادة الوطنية والمهارة العالية لوحدة صنع القرار في التصميم ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
يعد قرار شن حرب الخليج الثانية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الحلفاء، عام 1991، ضد العراق وأطلق عليها "عاصفة الصحراء" خير مثال على ذلك، "كان البنتاغون المؤلف من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة وعدد كبير من المسؤولين المدنيين والعسكريين، والبالغ عددهم حوالي (23) ألف موظف لهم دور كبير في صنع قرار الحرب، ولكن تحدد دورهم في اتخاذ القرار العسكري، بالرغم من أن البنتاغون يعتبر مركز هيكلية صنع القرار للفعاليات الحربية"([10]).
كرس الرئيس الأمريكي بوش الأب ومستشاروه في البيت الأبيض اهتماما كبيرا لتلك الحرب منذ البداية. واجهت عملية اتخاذ القرار كثير من التفاعلات الإنسانية المعقدة والعقبات الداخلية للحكومة، شملت (المحادثات، والحجج، والاجتماعات، والمواقف الشخصية، والعلاقات مع دول الحلفاء)، من أجل الوصول إلى الغاية الأساسية للموافقة على قرار شن الحرب، وبالفعل تحقق الهدف وشنت الحرب.
يدور دائما غموض تاريخي حول حرب الخليج الثانية، "وقد اتخذ الرئيس ومستشاروه المقربون خلال العامين الأولين من إدارته سلسلة هامة وحاسمة أحيانا في الخيارات بشأن الجيش ودوره في هذه المرحلة"([11]).
وتأسيسا على ما تقدم، فإن الانشطة في المستويات الإدارية الثلاث المذكورة آنفا هي أنشطة متفاعلة ومتكاملة، ولا يجوز التفكير والعمل بكل منها على حدة، بل إن المعلومات التي تحصل عليها أو تولدها غايتها بلوغ النشاط المشترك والفعال للمنظمة، وسيؤثر في هيكلية صنع القرار.
إن انتماء الأعضاء أو المجموعة الصانعة للقرار إلى منظمة واحدة يجعل التناسق والتعاون وارداً وعلى عكسه في المنظمات المختلفة. يعتبر عملية صنع القرار وتهيئة مستلزماته وبدائله من واجبات هيئة الركن والمستشارين بالاعتماد على منظومة المعلومات، اما اتخاذ القرار فهو واجب من واجبات القيادة.
المعلومات وصنع القرار الاستراتيجي
أشارت كثير من البحوث الفكرية والعلمية إلى وجود عوامل ومتغيرات ذات تأثير في صنع وفاعلية القرار، وركزت في دراساتها على بعض المتغيرات وتركت الأخرى.
لم يختبر بعض الباحثين تأثير هذه المتغيرات على صناعة القرارات الاستراتيجية، أو وضعها تحت التجربة والقياس ليتم اختبارها من خلال المعايير الفاعلية التنظيمية،"وقد استطاع برنارد أن يحدد أهم العوامل المؤثرة في صنع وفاعلية القرار الاستراتيجي، وبدأها بمدى توافر المعلومات الكافية لصانع القرار، ويأتي بعدها قدرات المديرين، ويعتبر إدراكهم هو تحصيل حاصل لحجم المعلومات المتوافرة لديهم، لكونها تعطي الصورة الواضحة عن طبيعة البيئة ذات السمة الديناميكية التي يتعامل معها، ومردودها هو انعكاس على حالة اللاتأكد البيئي"([12]).
يتخذ الإنسان مجموعة من الأعمال لتحقيق قرار معين، وفي ذلك يتطلب منه أن يضع كمية وافية ونوعية عالية من المعلومات، وإن التخطيط السليم والتقويم الصحيح لأي قرار يقوم على مصداقية المعلومات. "يوصف عصرنا الحالي بعصر ثورة المعلومات، لما لها من أثر كبير على القيادة والمنظمات وفي مجمل حياتنا"([13]).
يواجه مدراء اليوم مهمة صعبة في صنع القرارات ضمن بيئات متزايده التعقيد ومضطربة. "وإن التفكير في التخطيط السليم لأي قرار يعتمد بالدرجة الأولى على دقة ومصداقية المعلومات، وفي هذه الحالة لابد أن ترتبط استراتيجية المعلومات باختبار القرارات الرئيسية والفرعية ومسارات عمل المنظمة في المستقبل"([14]).
تتوقف كفاءة صنع القرار على دقة المعلومات التي تصل إلى قيادة المنظمة وكل حسب مستواه. "يتدفق سيل كبير من المعلومات في الوقت الحاضر لوجود مؤسسات إعلامية عالمية تزودنا بالمعلومات على مدار الساعة، وتشاركنا تجارب شاملة مع مليارات الناس حول العالم، ويترتب علينا أقصى درجات الانتباه من خلال استهلاكنا لهذا الكم الهائل للمعلومات"([15]).
يتطلب من صانعي القرارعملية تدقيق هذه المعلومات أثناء الحصول عليها من أكثر من مصدر واحد، لأن الأمر أصبح مربكا بسبب زيادة المعلومات وتراكمها، ويؤدي إلى تقليل فهمنا وزيادة الحيرة لدى منظومة اتخاذ القرار.
تأتي التقارير من مصادر عديدة وخصائصها مختلفة، وتحتاج إلى تحديد مدى موثقية المعلومات الواردة فيها. "وتظهر نتائج سيل المعلومات في مفكرات الذين يتلقونها ويحللونها في هيكلية صنع القرار. يصعب توقع المستقبل اتجاه المعلومات المتغيرة بسرعة، ويمثل تحديا في هذا الفيض من المعلومات، ويتطلب من الحكمة استخراج ما هو مفيد منها لدعم وصنع القرار"([16]).
ازدادت أهمية المعلومات ودورها في عملية صنع واتخاذ القرار بسبب تعقدات المنظمات الحديثة، وتنوعت أنشطة أعمالها، وازدياد وتوسع التطور التكنولوجي والتقني وتأثيره في حياه المجتمع عامة, فضلا عما يصاحب البيئة من تغيرات كبيرة وكثيرة، وإن صلة المعلومات بعملية صناعة القرارات وخاصة الاستراتيجية تفوق العوامل الأخرى في درجة التأثير.
"بين عدد من الباحثين الدور المهم الذي تلعبه المعلومات بعملية صناعة وفعالية القرارات، باعتبارها إحدى العناصر الرئيسية التي تؤثر في إعداد وخطط وبرامج الأنشطة المختلفة للمنظمة، وتمثل مصدرا رئيسيا وشريانا حيويا لديمومة المنظمة"([17]).
تتعرض العديد من القرارات للإخفاق والفشل، ولا تحقق أهدافها بسبب اهمال تهيئة المعلومات المطلوبة التي تساعد في استكمال مقومات القرار، وغالبا ما يجري تشخيص نقاط الضعف في صناعة القرار عند المقارنة بين القرار الفاعل والقرار غير الفاعل من الزاوية التي ينظر منها إلى طبيعة نظم المعلومات التي استند إليها ذلك القرار، وقد بين "لوكاس" أن المعلومات" هي البيانات التي تم معالجتها بالشكل الذي تكون فيه ذات معنى لصانع القرار، وقيمة حقيقية يمكن تفعيلها في القرارات الحالية والمستقبلية"([18]).
تعد عملية التخطيط للفعاليات وإدارتها العنصر الأساسي لقيادة المنظمة, والتخطيط للفعاليات يتطلب توفر البيانات اللازمة لتقدير الموقف في صنع واتخاذ القرار. أما إدارة الفعاليات فيتطلب تبادل البيانات والمعلومات بين قيادة المنظمة على مختلف مستوياتها من خلال وسائل الاتصال المختلفة وإجراء معالجة لها لكي تصبح المعلومات هي بيانات مصنفة ومفسرة للاستفادة منها في صناعة القرار. و"تنبع أهمية المعلومات من الدور الذي تلعبه في بناء المنظمات واستمرارها في دنيا الأعمال، وتعد بمثابة العمود الفقري في عملية صناعة القرارات وخاصة الاستراتيجية منها"([19]).
يعد تأثير الأجهزة البيروقراطية وبطىء حركتها بالحصول على المعلومات عاملا مؤثرا في القرار، مما يجعلها تعتمد على ما هو متوفر من معلومات سابقة، أو على ما يقدمه جهاز المستشارين الموجودين على مستوى القمة.
تبرز الحاجة إلى القدرة على التنبؤ استنادا إلى معطيات المعلومات المتوفرة، "كما أن متخذ القرار يواجه عنصر الضغط النفسي بحكم ضيق الوقت المتاح في صنع القرار، والذي بدوره لا يترك فترة زمنية كافية لجمع المعلومات وتحليلها كما هي في الظروف الاعتيادية"([20]).
تقدم إدارة نظم المعلومات لصانع القرار ما يساعده على معرفة جوانب المشكلة بتبويب المعلومات القديمة للمساعدة في تفهم موقف جديد ذي صلة مع المعلومات الحديثة، وتمكنه من السيطرة على الموقف، وكذلك توظف معلوماتها لخدمة التخطيط المستقبلي.
يفيد واقع السياسة الحديثة بالتطور الهائل في حركة التفاعل الدولي وسرعة الأحداث والمفاجآت العديدة، ويتطلب الكثير من القرارات، "وكلما كانت المعلومة المتعلقة بالموقف سريعة، كلما كان الزمن بين وصولها لصانع القرار والزمن المقرر لاتخاذ القرار أقل، كلما كان القرار أقرب للنجاح مع الأخذ بنظر الاعتبار عده عوامل أخرى"([21]).
يعد موضوع صناعة القرار الاستراتيجي للمنظمة من المواضيع المهمة، لما لها من تأثير أساس وفعال في حاضر المنظمة ومستقبلها، مما يتطلب الاهتمام بصنعها ودور المعلومات فيها.
يستند تكوين القرارات في المنظمات المعاصرة على الحقائق المستمدة من الواقع، وتعتمد بدورها أساسيا على المعلومات والبيانات والأرقام والاحصائيات ودلالاتها، وما يتراكم لدى الإدارة من أمور تخدم عملية صناعة القرارات. ولتوضيح الدور الذي تلعبه المعلومات في صناعة القرار جرى تقسيمها من قبل الباحث إلى فرعين: يتضمن الفرع الأول الأساليب المتبعة في صنع القرار، ويتناول الفرع الثاني فاعلية القرار الاستراتيجي.
الأساليب المتبعة في صنع القرار
يمكن فهم عملية صناعة القرار من خلال قضيتين إداريتين أساسيتين([22]): الأولى تمثل أن أسلوب صناعة القرار عملية قد تحتوي أو لا تحتوي على مجموعة من العمليات العلمية أو الرياضية. أما الثانية فتبين أن صناعة القرار تعتمد على توزيع العملية. فهل القرارات تتم بواسطة القيادة العليا أم أنها تتم بمشاركة المستويات المختلفة في المنظمة.
لاحظ الباحثون أن هنالك سبعة مداخل يلجأ إليها القادة لصنع القرارات. وتُعدُّ المداخل "ثالثاً، رابعاً، خامساً" من المصفوفة التي جاء بها الباحثون تمثل نمط القيادة الفعالة، وتتحدد هذه المداخل بأن القيادة تعرض أفكارها وتدعو العاملين إلى المناقشة، أو تعرض قرارات مبدئية قابلة للتغيير، أو تعرض المشكلة لكي تحصل على الاقتراحات ثم تصنع القرار. وتندرج الاحتمالات السبعة في عملية صنع القرارات، وكما يلي:([23]).
أولاً: تصنع القيادة الاستراتيجية القرار وتعلنه على المرؤوسين، وتحدد المشكلة وتراجع مع نفسها الحلول البديلة، وتختار البديل الملائم الذي يؤمن حلول لها، ومن ثم تعلنه للمرؤسين لغرض التنفيذ. إن هذا النمط من القيادة لايفسح المجال للمرؤسين في صنع القرار.
ثانياً: تصنع القيادة الاستراتيجية القرار وتحاول اقناع المرؤوسين، كما في الاحتمال الأول، و تحدد القيادة المشكلة لتصل إلى قرار بشأنها، وبدل من إعلامهم بالقرار فإنها تتخذ موقف آخر ببيع القرار لأجل كسب المرؤوسين إلى جانبهم وقبولهم للقرار، وهم يفعلون ذلك لأنهم يتوقعون حصول بعض المعارضة من قبل أولئك الذين سيفاجئون بقرارهم، ولأجل تقليص حجم المعارضة يجري توضيح المكاسب التي ستعود على المرؤسين نتيجة القرار.
ثالثا: تعرض القيادة أفكارها وتدعو المرؤوسين للمناقشة، تتوصل القيادة إلى قرار مع نفسها، ولكنها لا تتخذه لأنها راغبة في الحصول على قبول المرؤوسين لقرارهم، وهذا يعطيهم فرصة للحصول على توضيحات كاملة لأفكارهم ونواياهم. وبعد عرض الأفكار تدعو إلى طرح الأسئلة ليصبحوا على بينة من الأمور التي تنوي القيادة تنفيذها. تمكن طريقة الأخذ والعطاء القيادة والمرؤوسين باستكشاف الجوانب المتعلقة بالقرارات كافة.
رابعا: تعرض القيادة قرارات مبدئية قابلة للتغيير، وتكون المبادرة هنا في المشكلة وتشخيصها. تبدأ القيادة بحثها والتوصل إلى قرار بشأنها. وتقوم بعرض الحلول والمعالجة لمشكلة موضوعه البحث على المرؤوسين، وتراقب ردود فعلهم وخاصة أولئك الذين سيتأثرون بالقرار، وتدعوهم للمناقشة، مع التذكير بأنهم يحتفظون بحقهم بالانفراد في صنع القرار. يمكِّن هذا النمط والسلوك المرؤوسين مزاولة بعض التأثيرات على القرار.
خامساً: تعرض القياده المشكلة، وتحصل على الاقترحات ويصنع القرار، وتظهر للمرؤوسين فرصه لاقتراح حلول صائبة للمشكلة، وتكون مساهمتهم في زيادة عدد الحلول والمعالجات الموجوده لدى القيادة. إن الهدف من هذا السلوك الحصول على الخبرة والمعرفة عن أولئك الذين في خضم المعركة اليومية. تقوم القياده بعد حصولها على الاقتراحات من المرؤوسين ومقارنتها مع ما لديها من بدائل، واختيار البديل الأكثر ملائمة لحل المشكلة وحسب رأيها.
سادساً: تُعين القيادة التحديدات التي يتخذها المرؤوسين في إطار القرار، وتنقل إليهم صلاحية صنعه، وتقوم بتعريف المشكلة وبيان حدودها وأبعادها وتوضيحها لهم، ولا يجوز تجاوزها عند صنع القرار، و قد تكون التحديدات مالية، أو حدود نشاطية يصعب تجاوزها.
سابعاً: تسمح القياده للمرؤسين بصنع القرار بحرية في حدود إطار متفق عليه، وتمثل موقفا متطرفا في منحهم الحرية في صنع قراراتهم، وهذا نادرا ما يحدث، ويقتصر على بعض حالات الأبحاث والمهام المحددة قصيرة الأجل. وتقوم القيادة باختيار مجموعة من المختصين للقيام بمشروع أبحاث، ويترك لهم حرية تحديد المشكلة وتشخيصها وتحديد بدائل الحلول التي يراها فريق الباحثين، واختيار البديل الأنسب. وتشمل التحديدات المفروضة على فريق العمل تلك التحديدات التي وضعتها القياده أمامهم.
تعد فاعلية القرار الاستراتيجي موضوع نقاش وجدل. يشير القرار الفاعل إلى تحقيق الأهداف التي تسعى المنظمة من تحقيقها، ويستطيع تحقيق المستوى المقبول من التناسب بين وسيلته وهدفه ضمن معطيات ظرفية معينة.
تعد عملية صنع القرار العمود الفقري للإدارة، وتعد من الأمور التي تحقق التناسب المقبول بين هدف ووسيلة تحقيق القرار في ظرف معين، وهناك قواعد يمكن التنبوء من خلالها إلى درجة التناسب التي يمكن تحقيقها بين هدف ووسيلة قرار ما، في وقت صنعه تحت ظل معطيات بيئية معينة، وتشمل([24]):
أولاً: مستوى دقة وكفاية المعلومات المتاحه لأغراض ذلك القرار.
ثانياً: مستوى المقدرة الإدارية والتحليلية المتأتية من الخبرة والإدراك لصانعي القرارات.
ثالثا: مستوى خلق الصراع الفكري من خلال المشاركة للوصول إلى أنسب القرارات.
رابعا: درجة الإقلال من المصاعب التي يواجهها القرار من البيئة التي صنع فيها، وإمكانيه التحسب لتلك البيئة.
بينما يحدد سلمان مجموعة من النقاط التي يجب أبن تقوم بها المنظمات والمؤسسات لتحقيق متطلبات القرار الإستراتيجي الفعال والتي تشمل ما يأتي([25]):
أولاً: جمع البيانات والمعلومات والمعطيات المتعلقة بالمشكلة.
ثانياً: التحسس واليقضة لأمور المستقبل.
ثالثا: حساب الاحتمالات المتوقعة.
رابعا: المرونة العالية لدى صانعي ومتخذي القرار.
خامساً: الجاذبية الفنية.
سادساً:البصيرة والشعور بالشجاعة.
بينما يشير عبوي وهشام في دراستهما المتعلقة باتخاذ القرارات ضرورة تهيئة المقومات الأساسية من قبل المنظمات لكي يكون القرار فعالاً والتي تشمل ما يأتي([26]):
أولاً: توافر المعلومات.
ثانياً: توافر الوقت وعدم التسرع.
ثالثا: إسهام القرار في تحقيق الأهداف.
رابعا: وجود نظام لمتابعة الآثار الناتجة عن القرارات المختلفة.
خامساً: الاعتراف بحتمية التغير.
سادساً: توافر عدة بدائل للاختيار.
سابعا: توافر معايير صحيحة ودقيقة.
ثامناً: قابلية القرار.
تاسعا: وجود نظام لاختيار القرارات قبل تنفيذها.
عاشرا: المرونة الذهنية.
وهنالك وسائل أخرى لتحسين الوصول إلى قرارات فعالة وجيدة، يجب أن تتعلمها القيادة واستخدامها بشكل منطقي لتقود إلى أحسن حل بأقل قدر من تضيع الوقت، والطاقة، والمال، وراحة البال......، والعملية الفعالة لاتخاذ القرارات هي التي توفي بهذه المعايير الستة([27]):
أولاً: أنها تركز على الجوانب المهمة.
ثانياً: أنها منطقية وملتصقة.
ثالثا: أنها تعترف بالعوامل الذاتية والموضوعية معا، وتجمع بين التحليلي والحدسي.
رابعا: أنها لا تحتاج من المعلومات والتحليلات إلا بالقدر اللازم لحسم مشكلة محددة.
خامساً: أنها تشجع على جمع المعلومات المفيدة والحصول على الآراء المتخصصة.
سادساً: أن تكون بسيطة، مرنة، سهلة الاستخدام، يمكن الاعتماد عليها.
وإن تراجع أي عامل من العوامل المذكورة أعلاه عادة ما يؤثر في مستوى فاعلية العوامل الأخرى، وبالتالي سيكون هنالك عجز في تحقيق التناسب المقبول بين هدف ووسيلة القرار المعني، لذلك فإن نجاح القرارات الاستراتيجية يعتمد على كفاءة الخطوات التي يستخدمها المدراء في عملية صنع القرار، والتي بدورها تؤثر في فاعلية القرار من خلال التأثير في الخيارات التي اتخذت من بين المحددات، ولاجل أن تقود عملية صنع القرار إلى قرار فاعل يجب القيام بما يأتي([28]):
أولاً: التركيز على ماهية القرار. يجب التعرف على الموضوع نفسه لفهم الخيارات المتاحة جميعا، وعدم الالتزام بأي توصيات إلا بعد التعرف على الموضوع للابتعاد عن الوقوع في أسر قرارات قد تم تكوين فكرة مسبقة عنها، وتُعدُّ هذه الخطوة من أهم الخطوات.
ثانياً: طرح ومناقشة الآراء المضادة، إذ لن يكون هنالك جواب دون الحصول على الاتفاق الجماعي، وبعد استعراض وبحث كثير من الأمور والمداخل للموضوع ومناقشة جميع الآآراء.
ثالثا: أن تؤسس على معلومات دقيقة تربط بين البدائل المناسبة لتحقيق الأهداف الناتجة من الوعي والفهم لمحددات البيئة .
رابعا: تحديد الإجراءات الخاصة، ومن سيكون مسؤولا عنها، وعلى أي مستوى يجب أن يتم ذلك.
ونتيجة لذلك، فإن مفهوم فاعلية القرار كما أشار إليه مارج وآخرون:"ذلك القرار الذي يحقق الأهداف المحددة، والذي يتخذ من قبل الإدارة في وقت صنعه"([29])، فيما أشار النظاري بأنه "ذلك القرار الذي يقود إلى نجاح المنظمة وتحقيق أهدافها اعتمادا على معلومات صحيحة وكاملة، تؤدي إلى الإحاطة بظروف المشكة جميعا (موضوع القرار)، والأخذ بالاعتبار جميع البدائل الممكنة، والاعتماد على الأساليب العلمية وتقنية المعلومات في عملية صناعة القرار"([30]). وعلى الرغم من أن الحكم على درجة فعالية القرار الاستراتيجي تتطلب معرفة وتحديد نتائج القرار، إلا أنه بإمكانه التنبوء بفاعلية القرار في لحظة صنعه من العناصر البيئة "الداخلية والخارجية" للمنظمة وتوجيهها صوب تحقيق التناسق بين هدف القرار ووسيلته.
مراحل عملية تحليل وصناعة القرار الاستراتيجي
إن عملية صنع وتحليل القرار الاستراتيجي يشمل كافة الإجراءات والقواعد والأساليب التي يستعملها المشاركون في هيكل اتخاذ وصنع القرار لتفضيل خيار أو خيارات معينة لحل مشكلة معينة, ويقصد بها كيفية تقويم الخيارات وتوفيق بين اختلاف الآراء بين مجموعة اتخاذ القرار"([31]).
لكي يكسب القرار الاستراتيجي أو غيره من القرارات مشروعية لابد أن يخضع لقانون العام للدولة، والذي يهتم أساسا بالبحث عن مشروعية القرار واحترامه للقواعد القانونية العليا، فالقرار وفق القانون العام هو: "إفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكنا عملا وجائزا قانونا وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة "([32]).
تغطي القرارات الاستراتيجية الاهتمامات الأساسية للعلوم السياسية والاقتصادية والعسكرية، لذا وجب الاهتمام الكبير بعملية صنعها واتخاذها. ومن التعريف آنفا يتضح لنا: "أن القرار في علم الإدارة يتألف من ثلاثة عناصر أساسية لابد من اجتماعها لكي تكون قرار بالمعنى الحقيقي، وتشمل: الاختيار المدرك، وجود هدف أو أهداف محددة، تعيين إجراءات التنفيذ"([33]).
تكتسب القرارات الاستراتيجية نوعا من الصعوبة لكونها معقدة، وليس في وسع أحد أن يقضي على هذا التعقيد. "وتستطيع القيادة أن تواجه هذا التعقيد بالمنطق وبنفس الكيفية التي تتسلق بها جبلا، خطوة واحدة في الوقت الواحد. فالقرارات يمكن تحليلها والوصول إلى حل لها"([34]).
تزداد حرية التصرف كلما ارتقى مستوى صانع القرار الاستراتيجي. ونجد غالبية زعماء دول العالم الثالث لديهم دور كبير في صنع القرارات الاستراتيجية المهمة، وبالأخص تلك التي تتطلب الدعم السياسي والعسكري، بالرغم من وجود المؤسسات الاختصاصية التي لها علاقة رئيسية بهيكلية صنع القرار. "أما في النظم الديمقراطية الغربية، كأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فإن عملية صنع القرار قد لا تكون بيد الرئيس، أو الملك، أو رئيس الوزراء إلا من خلال مؤسسات اختصاصية (سياسية، مخابراتية، عسكرية،.....)، لها دور أساسي في صنع القرار"([35]).
تسعى عملية تحليل وصنع واتخاذ القرارات الاستراتيجية في المنظمة إلى الحد من ثلاثة جوانب أساسية للواقع، "والتي يطلق عليها ريتشارد باسكال معطيات الوجود، وتشمل"([36]): الغموض بشأن ما يعنيه شخص أو شيء ما، والشك في نتائج الأحداث، والنقص وعدم الاكتمال في أنفسنا وفي الآخرين وفي الموقف المبدئي والنتائج. تتطلب اتخاذ القرارات الاستراتيجية المعاصرة مراجعة تصورنا الفكري التقليدي للقرارات، فالواقع التنظيمي غامض ومشكوك فيه ومعقد وغير كامل في معظم الأحيان، بمعنى أن اتخاذ القرار وخاصة الاستراتيجية منها على أساس إزالة هذه العوامل من تفكيرنا، قد يكون إجراء غير مفيد لا سيما عندما يتضمن القرار الاستراتيجي أو يؤثر على أشخاص آخرين.
يجمع علماء الإدارة والسياسة والباحثين على وجود مراحل منهجية في علمية تحليل وصناعة القرار واتخاذه، ولابد من المرور عليها قبل أن يصدر القرار، فالدكتور درويش يحددها بمرحلتين رئيسيتين تضم كل مرحلة منهما على عدة خطوات فرعية وكما ياتي([37]):-
اولاً: مرحلة تكوين المشكلة.
ثانياً: مرحلة ايضاح المشكلة وربطها بغيرها من المشاكل التي تواجه التنظيم والبحث عن الاسلوب المعالج لها.
ومنهم من يوصلها إلى تسع مراحل كالدكتور عبدالهادي وكما ياتي([38]):
اولاً: تقرير المشكلة.
ثانياً: جمع المعلومات.
ثالثاً. الترتيب والتحليل.
رابعاً. تحديد الوسائل.
margin: 0cm 0cm 0pt; text-indent: 25.5pt; line-height: normal; text-align: justify