(سلسلة الاستجابات الفردية أو الجماعية التي تنتهي باختيار البديل الأنسب في مواجهة موقف معين)، هكذا يعِّرف لاندبرج القرار الإداري؛ ذلك لأن مفهوم صنع القرار لا يعني اتخاذه فحسب، وإنما هو عملية معقدة للغاية،  تتداخل فيها عوامل متعددة: نفسية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وتمر علمية اتخاذ القرار في أي مؤسسة بالعديد من الخطوات، ومن أهمها ما يلي:

أولاً: المشاركة في صنع القرار:

ومن أهم ثمارات تلك المشاركة أنها توفر أعلى مستويات الشعور بالالتزام لدى المشاركين في صنعه، بالإضافة إلى الاستفادة الكاملة من المعلومات المتوفرة عند أعضاء الاجتماع، وكذلك مهارات الإبداع المحتمل وجودها لديهم، فالقرار الجيد هو نتاج فهم المعلومات المتعلقة بالقرار، والنظر إلى جميع البدائل الممكنة لصنع القرار، وأن تأخذ في الحسبان كل العناصر الهامة المتعلقة بالقرار وهي:

 

1.    دراسة المعلومات: هي نقطة البداية لكي تتأكد أنك تتخذ القرار المناسب، وما تنفقه من وقت في هذه المرحلة هو استثمار جيد، وستكون له نتائج إيجابية فيما بعد، ولذا عليك أن تتأكد في هذه المرحلة من أنك قد توصلت إلى المعلومات الصحيحة، وأنك تملك كل الحقائق المتاحة.

2.    حدد هدفك: حدد ما الذي تريد أن تحققه، صف هدفك في صورة نتائج نهائية، وتجنب التفاصيل الدقيقة.

3.    ضع البدائل: إعداد قائمة بجميع الوسائل الممكنة والكفيلة للوصول إلى الهدف، اكتب كل البدائل حتى غير الواقعية منها؛ فكثير من الإبداعات والابتكارات بدأت بأفكار بدت للبعض أنها غير واقعية.

4.    حدد معايير التقويم: بعد تجميع كل الأفكار الممكنة، أنت بحاجة إلى وسيلة لفرز وتقييم هذه الأفكار، ويكون ذلك عن طريق وضع معايير فاصلة، تحكم بين الأفكار، وتنتقي أفضلها، وكمثال على ذلك، إذا أردت أن تختار موقع شركتك، عليك باختيار عدة معايير تكون هي الفاصلة في اختيار الموقع، مثل مدى القرب من السوق، أو مدى سهولة النقل والمواصلات، أو الهدوء، أو المناخ الجيد...إلخ.

5.    الاختيار من بين البدائل: الخطوة الأخيرة في عملية اتخاذ القرار هي اختيار البديل الأفضل بعد دراسة هذه البدائل وتقويمها.

ثانياً: الإعداد لاجتماع يخصص لاتخاذ قرار:

لكي ينعقد الاجتماع على نحو فعال، يجب أن تخصص وقتاً يسبق الاجتماع تتخذ فيه الخطوات التالية:

1.    احرص على علم  المشاركين كلهم بأن الاجتماع مخصص لاتخاذ قرار معين.

2.    اشرح لهم عملية صنع القرار التي  سوف تتبع، وكن دقيقاً في ذلك.

3.    اجمع ما لديك من آراء الخبراء، والمعلومات المساعدة، ووزعها على المشاركين؛ لكي  يتخذ كل منهم القرار عن علم وبينة.

4.    تحدث إلى المشاركين، أو اتصل بهم عبر البريد الإلكتروني، بهدف مراجعة المعلومات قبل الاجتماع؛ ليكون لدى الجميع معرفة متكافئة عند بدء الاجتماع، أو على الأقل يكون لديهم علم مسبق بما يحتاجون فيه إلى معرفة أكثر.

ثالثاً: أساليب صناعة القرار في المؤسسات:

وإليك ـ عزيزي القارئ ـ ثلاثة أساليب لصناعة القرار في المؤسسات، لكل منها فوائده وعيوبه، وما عليك سوى أن تفاضل بين الأساليب الثلاثة، لتختار الأسلوب الأمثل الذي يحتوي على أكبر قدر من الفوائد، وينضوي على أقل قدر من العيوب.

1.    القرار بالأغلبية:

إن القبول بأغلبية الأصوات هو عادةً الأسلوب المتفق عليه على نطاق واسع، وهو الأسلوب الأكثر شيوعاً لصنع القرار، وفيما يلي جدول يبين لك فوائد استخدام هذا الأسلوب وعيوبه المتوقعة:

فوائد القرار بالأغلبية

مساوئ القرار بالأغلبية

- التصويت بالأغلبية يعطيك قراراً في وقت قصير نسبياً.

- يعتقد الكثيرون أنه طريقة عادلة لاتخاذ القرار.

- قد لا يكون لدى بعض المقترعين قناعة تامة بالقرار.

 

 

 مثال من السنة النبوية:

اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه قبل غزوة أحد، وشاورهم في الخروج من المدينة للقاء العدو، أو البقاء فيها والتحصّن بداخلها، فاختار بعضهم البقاء في المدينة، ومال النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرأي، بينما اختار أغلبية المسلمين الخروج خارج المدينة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الغالبية من المسلمين مع أنه كان متبنيًا للرأي الآخر.

1.    القرار بالإجماع:

يسعى الكثيرون لاجتناب أسلوب صنع القرار بالإجماع، ويكمن سبب ذلك في عدم فهم هذه العملية، فالإجماع يعني التوصل إلى قرار يكون مفهوماً لدى الجميع، فيحظى بتأيدهم، وبالتالي يكونون على أتم الاستعداد لتطبيقه، ويحصل الإجماع الحقيقي عندما يري الأعضاء جميعاً أن هذا القرار هو الأنسب، بالرغم من أنه هناك خيارات أخري مفضلة ولكن سوف تؤدي إلى مشاكل مضاعفة.

ونعطي مثالاً لكي تتعرف ـ عزيزي القارئ ـ إذا ما كان ما لديك من الإجماع حقيقيًا أم لا، فمثلًا قد يقول أحد المجتمعين: (لقد كان لدي تحفظات حول الخيار (أ)، لكنني أعتقد أنه الطريقة المثلى للمضي في هذا الأمر)، أو يقول أخر: (الخيار (أ) ليس خياري الأول، لكنني أعتقد أنه يلبي احتياجات الجميع)، أو يقول ثالث: (لا أظن أن الخيار (أ) يحقق المعايير بنسبة 100%، لكنني مستعد لتنفيذه كاملاً قدر المستطاع)، وغيرها من التعليقات التي تدل على إجماع حقيقي.

غير أن أسلوب القرار بالإجماع مفضل في الظروف التالية :

·        عندما يتطلب التغيير اللازم فهماً تاماً لدى الجميع وقناعة من جميع الفرقاء.

·        عندما يتطلب القرار خبرة أفراد الجماعة كلهم في التصميم والتنفيذ.

·        عندما تكون الجماعة ذاتها على علم جيد بفن الإجماع في صنع القرار.

وفيما يلي جدول يضم فوائد ذلك الأسلوب وعيوبه:

فوائده

عيوبه

* ينجم عن الإجماع عادة فهم تام للقرار ومضامينه لدى المشاركين جميعاً.

* تتعزز كثيراً فرصة اقتناع الجميع به.

 

* غالباً ما يكون التوصل إلى الإجماع صعباً، وبخاصة إذا لم يكن أفراد الجماعة على علم جيد بهذه العملية.

* يستغرق اتخاذ قرار بالإجماع وقتاً أطول من غيره من أساليب صنع القرار.

* عدم التوصل إلى إجماع في الرأي يعرقل التقدم نحو القرار في بعض الأحيان.

 

ولكن من أهم الأمور التي ينبغي أن توضع في الحسبان حال استخدام هذا الأسلوب، أنه يقتضي وجود بديل، وذلك في حالة عدم توصل الأعضاء إلى إجماع حقيقي ضمن الحدود الزمنية المفروضة في وقت الاجتماع، لذلك يفضل عدم استخدام أسلوب القرار بالإجماع في الحالات الطارئة، لما تتطلبه الحالة الطارئة من سرعة في اتخاذ القرار، وذلك عكس سياسة القرار بالإجماع.

مثال من السنة:

وذلك ما كان في غزوة بدر، حينما جاءت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة أبي سفيان قد غيرت اتجاه طريقها، وأنه سيصل إلى بدر غدًا أو بعد غد، فأرسل أبو سفيان لأهل مكة بأن القافلة قد نجت، وأنه لا حاجة للمساعدة، ولكن أبا جهل ثار بغضب، وقال: (والله لا نرجع حتى نرد بدرا)، وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال: ((أشيروا على أيها الناس))، فهنا أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يخرج بقرار جماعي، فجعل النبي يصر على قوله ((أشيروا علي أيها الناس))؛ حتي تتم الموافقه من الأنصار والمهاجرين على حد سواء، وبذلك يكون قرار محاربة الكفار نابعًا عن إجماع الصحابة.

2.    القائد يتخذ القرار:

إن تقرير القائد للأمر، وحسمه للمسألة شبيه إلى حد ما بأسلوب اتخاذ القرار بالأغلبية؛ والسبب في ذلك أن القائد يستمع لآراء المشاركين، ويعرف ما يعتقدونه، ثم يتخذ القرار في نهاية الأمر، ويبين الجدول التالي فوائد هذا الأسلوب وعيوبه:

الفوائد

العيوب

- إنه الطريق الأكثر سرعة في اتخاذ القرار، وربما يكون المقاربة الأفضل حين ينقضي الوقت الكافي أو حين تقع أزمة ما.

- إذا كان المشاركون في الاجتماع يدركون جيداً أن القائد سوف يتخذ القرار، ويعلمون ما لديه من أسباب لذلك، فهم أكثر ميلاً نحو الاقتناع بالقرار، وبخاصة إذا كانوا يحترمون هذا القائد.

- قد يشعر المشاركون في الاجتماع أن آراءهم قد أهملت، وتم تجاهلها، وبخاصة إن لم يعطوا الفرصة للتعبير عن وجهات نظرهم.

- احتمالات مشاركة الاعضاء بالآراء ضئيلة بالمقارنة مع المقاربات الأخرى لصنع القرار.

 

مثال من السنة:

بعد أن انتهي الرسول صلى الله عليه وسلم من كتابة صلح الحديبية قال لأصحابه: ((قوموا فانحروا واحلقوا رؤوسكم))؛ ليتحللوا من عمرتهم ويعودوا إلى المدينة، فتباطئوا حتى قال ذلك ثلاث مرات، فدخل خيمته، وذكر لأم سلمة رضي الله عنها ما لقي من الناس، فأشارت عليه أن يخرج دون أن يكلم أحداًَ منهم، ثم ينحر ويحلق رأسه، فلما رأى المسلمون ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، قاموا ينحرون هديهم، ويحلقون، فهكذا نرى في هذا الموقف أن النبي صلي الله عليه وسلم لما رأى تباطؤ الصحابة، سارع باتخاذ القرار على مسئوليته، ونفذ القرار بحزم وحسم، مما جعل الصحابة يتبعوه على الفور.

رابعاً: إرشادات وقواعد عامة  لصنع القرار فعال:

بصرف النظر عن الأسلوب المتبع في اتخاذ القرار، توجد إرشادات وقواعد عامة من شأنها أن تساعدك في جعل أسلوب صنع  القرار فعالاً ومؤثراً:

1.    شجع جميع المشاركين  على إبداء آرائهم، حتى لو كان وقت الاجتماع لا يتسع لذلك؛ ليشعر الجميع بأن أصواتهم مسموعة.

2.    أعد ذكر الرأي الذي سمعته، وليكن تلخيصك له يبدأ بعبارة مثل: (فهمت من قولك....)، واذكر الرأي بدقة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ودون نقدك له.

3.    حاول أن توجد فهمًا مشتركًا بين الاعضاء.

4.    ضع أسساً لتطبيق القرار بعد اتخاذه، وقم بتحديد خطوات العمل، وبتحديد المسؤوليات.

5.    التحديد الجيد للهدف، وأن يكون مبسطاً، ويمكن تحقيقه.

6.     أن يكون القرار عمليًا قابلًا للقياس والتطبيق.

7.    احرص على أخذ الوقت الكافى في الدراسة؛ حتى تستطيع توفير الوقت بعد اتخاذ القرار.

8.    لا تؤجل القرارت الضرورية إلى ما لا نهاية.

9.    فكر في المشكلة جيدًا قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار.

وخلاصة القول أن عملية صنع القرار في المؤسسات عملية هامة، فاحرص دائمًا على وضعها نصب عينيك، وفاضل بين الأساليب التي ذُكِرَت، فقد يصلح أحدها في موقف دون الآخر، أو في قرار دون الآخر.

أهم المراجع:

1.    كتاب إدارة الاجتماعات حلول من الخبراء لتحديات يومية، مطبوعات كلية هارفرد لإدارة الأعمال، نقله إلي العربية وليد شحادة.

2.    إذا كنت مديراً ناجحاً كيف تكون أكثر نجاحاً، ميشيل أرمسترونج.

3.    بلا ندم  كيف تحل مشكلاتك وتتخذ القرار الفعال ؟ د. أكرم رضا.

4.    مركز التميز للدراسات غير الحكومية، تصنيف ورقم الوثيقة: مهارات تدريبية، عدد (69)، 20/9/2003.

المصدر: مفكرة الإسلام .
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 123/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 1359 مشاهدة
نشرت فى 26 نوفمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,777,497

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters