بعد العديد من البحوث والدراسات الادخارية تم التوصل إلى أن أفضل طريقة للشركات حتى تحقق مزاياها التنافسية هي العمل الجماعي بين أعضاء الجماعة أو المؤسسة.
وفي سبيل ذلك يضع القادة ومدراء الموارد البشرية العديد من النظم لدعم العمل الجماعي داخل المؤسسة بدء من تصميم هيكل تنظيمي انتهاء بإصدار قرار إداري. وأحيانا تدعم هذه النظم العمل الجماعي داخل المؤسسة وكثيرا ما تفشل.
وفي الإسلام، يعتبر العمل الجماعي والعمل في فرق فعالة ومتناسقة من أهم الطرق التي تساعد على تحقيق الأهداف وتحقيق التطور والتقدم في مختلف المجالات. فالإسلام يؤمن بأهمية العمل الجماعي والتعاون بين الأفراد في مجموعة معينة لتحقيق الهدف المشترك، ويعتبر ذلك جزءًا من العبادة والإحسان.
ويشجع الإسلام على تكوين الفرق العملية التي تتميز بالتعاون والتناغم والتفاهم والتكافل بين أفرادها، وذلك بما يتوافق مع القيم والمبادئ الإسلامية العالية. وتعتبر الفرق العملية في الإسلام وحدات عمل فعالة يتم فيها توزيع المهام والواجبات والمسؤوليات بطريقة موزعة ومتناسقة بين الأعضاء، وتحقيق الهدف المشترك بأقل جهد ووقت ممكن.
وتحرص الإدارة الإسلامية على تحفيز الفرق العملية وتنمية مهارات الأفراد وقدراتهم، والتأكيد على ضرورة الالتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية العالية، وذلك من خلال توفير بيئة عمل مناسبة ومحفزة وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف. ويؤمن الإسلام بأن التعاون والتضامن بين الأعضاء والعمل الجماعي يعدان من أهم عوامل نجاح أي مشروع أو عمل، وذلك من خلال تبادل الخبرات والمعارف والأفكار والخبرات والمهارات بين الأعضاء.
ويبقى السؤال كيف نؤسس العمل الجماعي؟
فرق العمل هي: "مجموعة من الناس مرتبطة بتحقيق هدف معين، تتكامل جهودهم وخبراتهم، ويعملون سويًا، بحيث يكون مجموع أدائهم المشترك أكبر من مجموع جهودهم الفردية في سبيل تحقيق النتيجة المنشودة".
حثَّ الإسلامُ على العمل الجماعي، وأكَّد على ذلك مرارًا وتَكرارًا، ولم يدَعْ مناسَبةً إلَّا وذكر بأنَّ العمل الجماعي هو الآليَّة المناسبة لنجاح أيِّ عمل، وأنَّها السبيل للتوفيق في الحياة للفرد وللجماعة، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
بل وحتى أهم العبادات التوقيفيَّة التي أُعطيَت خصوصيَّة فائقة، وأهمية بالغة[1]؛ وهي الصلاة، أمر الله جلَّ جلاله الناسَ أن يؤدُّوها جماعة، ثمَّ الحج، وخاطب القرآنُ الكريم - الذي هو كلام الله جل جلاله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - عمومَ النَّاس بـ: (يا أيها الناس) و(يا بَني آدم)، وخاطب المؤمنينَ: (يا أيها الذين آمنوا)، وأَثنى على أولئك المؤمنين الذين يَعملون بروح الفريق الواحد، فقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾. [المؤمنون : 109]، وانتقد فاقدي الإيمان الذين يشكِّلون فريقًا ليؤدُّوا عملًا سلبيًّا، قال تعالى: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾. [البقرة : 100].
وقد أيَّدَت التجربة العمليَّة لكبرى المؤسَّسات والشركات في العالَم الحاجةَ الماسَّة لفِرَق العمل والتنظيم الإداري لها على أساس تَوزيع المهام والواجبات، وتحديد الصَّلاحيات؛ لسبب بسيط للغاية هو أنَّ (اليد الواحدة لا تصفِّق)، وأنَّ الفرد مهما بلغَت قدراته وإمكاناته، وتعدَّدَت مهاراتُه، فإنَّه يَبقى ذلك الشخص الذي يُمكنه القيام بمهام محدَّدة، وليس المهام كافَّة.
يقول نورمان سي هيل: (يؤدِّي الموظَّفون في أي شركة واجبات متخصصة، وعندما يَزداد حجم المؤسسة فإنَّ الحاجة لتقسيم العمَل إلى نشاطاتٍ منفصلة تَزداد كذلك، وحيث إنَّ فردًا واحدًا لا يمكنه القيام بكلِّ شيء، فإنَّ الآخرين يَشتركون معه ويتم تَقسيم العمل، ولكن بمجرد تَقسيم العمل يُصبح من الضروري إيجاد الطَّريقة المثلَى لتجميعه كله في المنتج النِّهائي).
ولقد شدَّد الإسلام كثيرًا على لزوم الجماعة والسَّعي لها، والتحذير من الجنوح عنها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله . ﷺ .: "مَن خرج من الطَّاعة، وفارق الجماعة، ثمَّ مات، مات ميتةً جاهليَّة"، كما حذَّرَت الشريعةُ الإسلاميَّة من عواقب تَرك العمل الجماعي، يقول رسولُ الله محمد . ﷺ .: "وأنا آمُركم بخمسٍ أمرني اللهُ بهنَّ: الجماعة، والسَّمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، ومَن فارق الجماعةَ قِيدَ شِبرٍ، فقد خلع ربقةَ الإيمان والإسلام من رأسه، إلَّا أن يراجع".
مفهوم فرق العمل في الإسلام لا يختلف كثيراً عن المفهوم المعاصر له إلا أنه لا يتم إلا بما يوافق الشريعة الإسلامية والمبادئ السامية للإسلام.
لذا يمكننا تعريف فرق العمل في الإسلام بأنها: "مجموعة من الأفراد الذين يعملون معًا لتحقيق هدف محدد وفقًا للشريعة والأخلاق الإسلامية. وتقوم فكرة العمل الجماعي في الإسلام على أساس التعاون والتكافل بين الأفراد، وتحفيز الأعضاء للعمل بروح الفريق وتحقيق الهدف المشترك بينهم.