للإسلام مبادئ واضحة للنشاطات والمبادلات التجارية ولهذا فإن أمانة التاجر وصدقه تدفعه إلى مكانة الأنبياء والصديقين والشهداء، فسماحة وأمانة التشريع الإسلامي تمنع الاستعباد والاستغلال والظلم بين الناس ووضع قوانين واضحة لحماية الحقوق بين البائع والمشتري وهذه القوانين والأسس متمثلة في النقاط التالية:
<!-- الأمانة
وتعرف على أنها سكون القلب والتصديق والوفاء وهي عكس الخيانة، هذا يعني أن يطلع المشتري على حقيقة البيع، والبائع لا يخفي أي عيب في السلعة، ولا يغش في بضاعته، ولقد بين الإسلام صفة الأمانة كصفة أساسية بين البشر بشكل عام وهي صفة المسوق المسلم بشكل خاص، الذي يقوم بمختلف النشاطات التسويقية، ففي مجال التجارة في مجال البيع والشراء نهى الإسلام عن الغش وتطفيف الميزان، وإذا كانت الأمانة إحدى أركان التجارة فإن ذلك يرجع إلى وضع الله سبحانه وتعالى الأمانة في لب الدين، فمن شروط التجارة الاتصاف بالأمانة التامة لكل تاجر لطرح البركة، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾. [المؤمنون : 8]. ويقول كذلك: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا ﴾. [النساء : 58]. ويقول أيضاً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وتَخُونُواْ أَمَاناَتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. [الأنفال : 27].
من خلال النصوص الشرعية يتضح أن الله عز وجل يؤكد على أن يتصف المسلم بصفة عامة والمسوق بصفة خاصة بأن يكون أميناً بعيداً عن الخيانة في مختلف الأنشطة التي يقوم بها ومنها عمليتي البيع والشراء، ولقد تطرق الرسول . ﷺ . إلى الأمانة حيث دعا التجار إلى إظهار أي عيب أو ضرر للمنتجات وإلا حُرِّم البيع ومحقت البركة حيث روي عن الرسول. ﷺ . أنه دخل السوق ووجد طعام يباع فأدخل يده الشريفة فتبللت أصابعه فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشنا فليس منا، أي أنه لا مكان للغش في التعاملات التجارية في الإسلام.
وبهذا يتضح أنه لا مكان للغش في التعاملات التجارية في الإسلام.
<!-- التسامح والتساهل
ويقصد بالسماحة والتساهل بالمعاملة الحسنة والطيبة بلا غلظة ما بين الأفراد، فعلى التاجر أن يكون بشوشاً في تجارته وسهلاً ليناً، بل إن التسامح والتساهل من أخلاق المسلم عموماً، وذلك لأنها مجلبة للرزق موفرة ملبية لحاجات المستهلكين، وفي هذا يقول الرسول . ﷺ.: " رحم الله إمراء سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى وسمحاً إذا اقتضى "، فهذا الحديث يوضح أن المسلمين ملزمين بحسن المعاملة في البيع والشراء، فالحرص على حسن الخلق في المعاملة يكون دافع للشراء والتبادل المربح بين الطرفين، كما يظهر كذلك من هذا الحديث أن التسامح والتساهل يتمثل فيما يلي:
<!--تعد عمليتي البيع والشراء أساسيتين في التجارة لذا يتوجب على كل من البائع والمشتري أن يتميز بطلاقة الوجه والعفو على المعسر، لهذا الله البائع رحم والمشتري وبهذا تدخل على كل من البائع والمشتري خير كبير عند الله حتى ولو كانت قيمة المنفعة قليلة من هذا التعامل لدى الطرفين أو أحدهما.
<!-- إن انتظار المعسر قد يكون إزاء البائع أو إزاء المشتري ويقصد به انتظار وعدم المشقة عليه إذا لم يكن جاهزاً في الوقت المحدد، وهذا امتثال لما قاله الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. [البقرة : 280]. وقال الرسول . ﷺ .: " قال رجل: أبايع الناس، فكنت أنظر المعسر وأتجاوز في السكة فغفر له ". ويقول كذلك . ﷺ .: " من أحب أن يظله الله سبحانه في ظله فلينظر المعسر أو ليضع عنه ".
<!-- تحريم الاستغلال
حرم الإسلام الاستغلال في عمليات المبادلة بكافة صوره وأشكاله، وفي هذا يقول الله عز وجل: ﴿ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾. [الأعراف : 85]، ويقول الرسول . ﷺ .: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ". وأشكال الاستغلال والاحتكار، هذا الأخير يستهدف استغلال المستهلكين الذين يحتاجون إلى السلع من أكثر من مصدر والشراء حسب الميزة.
<!-- الصدق
يدل على قوة الشيء قولاً وفعلاً وهو خلاف الكذب، وهو مطابقة الحكم للواقع. والصدق التزام الحقيقة من طرف المسوق في القول والفعل، وجميع البيانات والمعلومات والتقديرات من أجل إعداد الحفظ على أسس واقعية. والصدق صفة من صفات المسلم بشكل عام وهو من صفات المسوق بشكل خاص، والصدق عكس الكذب، ولقد نهى الرسول . ﷺ . عن الكذب.
بل إن الرسول الله طلب من البائع أن يطمئن المشتري وألا يخدعه حيث يقول: " من بايعت فقل لا خلابة أي لا خداع "، ويقول كذلك . ﷺ .: " إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق " ، ويقول كذلك . ﷺ .: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ".
ومع كل ذلك لاتزال الأساليب التسويقية وعلى الأخص الإعلانات يشوبها الكثير من الممارسات المخالفة للقوانين، وغير الأخلاقية وهذا هو واقع التسويق المر، الذي يحتاج إصلاحه إلى العمل بكل السبل على تأكيد الالتزام الخلقي في ممارساته، وهذا لا يكون إلا بالتمسك بالقيم الدينية التي تحث على الصدق والأمانة والبعد عن الخداع والكذب والتدليس، وهذا ما يظهر واضحاً في الآتي:
<!--الحرص على الالتزام بما جاءت به النصوص الدينية التي تؤكد التزام الصدق والبعد عن الكذب، فالله عز وجل يقول: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، وفي مجال التجارة يبشر النبي الكريم من يلتزم الصدق والأمانة في قوله . ﷺ .: "التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء"، وحول الحد من إغراءات الكسب السريع بالممارسات غير الأخلاقية في التسويق، يوضح . ﷺ . الصورة بقوله: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق".
<!-- مواجهة الخداع التسويقي بالكذب والمبالغة في مواصفات السلعة بما ليس فيها، مثل تقليد الماركات العالمية ذات السمعة الحسنة، وإخفاء العيوب مثل تغيير تاريخ الصلاحية الذي انتهى، أو عدم ذكر الآثار الجانبية الضارة، وفي ذلك يقول الرسول . ﷺ . البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك في بيعتهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما فالصدق والشفافية يحققان الكسب الحلال، والكذب والخداع التسويقي وإن أديا إلى كسب مادي، فإنه يكون غير حلال ويمحق الله بقدرته بركته، أي نفعه، ويقول الرسول . ﷺ . أيضاً " لا يحل لامرئ مسلم باع من أخيه بيعاً وفيه عيب إلا بينه ".
<!-- النهي عن ترويج السلعة بالحلف كذباً، حيث عد الرسول . ﷺ . المروج لسلعته بالحلف كذباً ضمن " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". ويمكن أن يقاس على الحلف كذباً كل أسلوب يتبعه البائع ويحتوي على تأكيدات غير صادقة للتغرير والتضليل مثلما يحدث الآن بتضمين الإعلان شهادات غير حقيقية من ذوي الخبرة والمكانة في المجتمع أو من بعض المستهلكين بالاتفاق مع البائع بتوافر خصائص معينة في السلعة وهي ليست بها، وهو ما يحدث أيضاً باستئجار بعض الفنانين ولاعبي كرة القدم ليعلنوا للناس عن مزايا للسلعة وأنهم تحققوا منها وهي مجرد شهادة زور بأجر.
<!-- النهي عن النجش
نهى الرسول . ﷺ . نهى عن "النجش" فقال . ﷺ . في الحديث الشريف "لا تناجشوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا". ويعرف النجش فقهاً بأن يظهر الشخص أنه راغب في شراء السلعة بثمن معين ليس بقصد شرائها، وإنما ليخدع غيره فيشتريها، وهذا يحدث بالتواطؤ مع البائع من أجل خلق حالة صورية من الطلب على السلعة بالحيلة والخداع، وهو ما يمكن ملاحظته في العديد من الأساليب التسويقية مثل استئجار أناس للتجول في المحال، بل وحمل سلع معهم منها كأنهم اشتروها وكذا استئجار بعض الفنانين ونجوم المجتمع المعاصرين وجعلهم يتحدثون عن أنهم يستعملون سلع المنشأة، وما يتم أيضاً بالنشر في الإعلانات المرئية عن تزاحم العملاء على محال التاجر للشراء، رغم أن ذلك كله تمثيل.
والتركيز في الإعلانات على استثارة الغرائز باستخدام فتيات الإعلانات في صور مخلة وبحركات جنسية مثيرة تخالف قيم الإسلام وأحكامه.
كما أن التوسع في الإعلانات من حيث المساحة أو التكرار المستمر، خاصة في الإعلان الذي يكلف مبالغ كبيرة تضاف إلى ثمن السلعة ويدفعها المشتري الذي لا يستفيد بالجزء من الثمن الذي دفعه مقابل الإعلان، وفي ذلك شبهة أكل أموال الناس بالباطل وهو محرم شرعاً.
يتم تشجيع المستهلكين على شراء السلع التي ليست بحاجتهم الفعلية، مما يعزز الاستهلاك الزائد والإنفاق المفرط والتبذير. وعلى الرغم من أن الشراء بالتقسيط يمكن أن يكون خياراً مقبولاً عند الحاجة، إلا أنه في كثير من الأحيان يتسبب في الديون الخبيثة.
<!--العدل ورفض الظلم
هذه الصفة من ألزم صفات المسوق الناجح لأنها تعني إعطاء كل ذي حق حقه وتوفر صفة العدل ويضمن التعامل مع جميع الأطراف على أساس المساواة فينتفي التحيز وما قد يسبب من إحساس بالظلم. إن صفة العدل ورفض الظلم تعد قيمة ثابتة من قيم الحياة التي حرص الإسلام على تأكيدها في المعاملات العامة. بل حتى في جانب المعاملات التسويقية. ولقد أمر الله عز وجل في كثير من النصوص الشرعية على هذه الصفة إذ قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾. [النحل : 90].
نحن ندعوكم للتحلي بالحكمة في الشراء والاستهلاك، وتحديد احتياجاتكم الفعلية قبل اتخاذ أي قرارات.
وننتهي إلى تقرير حقيقة مهمة وهي أن معظم الممارسات التسويقية السائدة اليوم ممارسات غير أخلاقية وتخالف أحكام الإسلام وهديه والتي عاقبتها الخسران، لأنه مهما كسب المشروع من وراء ذلك فإنه كسب حرام لن ينفع صاحبه، وفي ذلك يقول الرسول . ﷺ . " لا يكسب العبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق منه بشيء فيقبل منه. ولا يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار".
وبالتالي فعلى المسلمين الالتزام بأحكام الإسلام وتوجيهاته من أجل أن يؤدي التسويق دوره المطلوب في تنشيط التجارة ونظافة الأسواق.
بخلاصة، يتميز التسويق في الإسلام بأنه يركز على الأخلاق والقيم الإسلامية في جميع جوانبه، ويسعى إلى تحقيق الربح بطرق شرعية ومشروعة.
يشجع الإسلام على التجارة والاستثمار ويعتبرها وسيلة لتحقيق الرزق والاستقلالية الاقتصادية، ولكن يتوجب على المسلمين تطبيق العدل والشفافية والأخلاق في التعاملات التجارية، وعدم الغش والتدليس والاحتيال.
وفيما يتعلق بالتسويق، فإنه يجب أن يتم بطرق شرعية ولا يسمح بالترويج للمنتجات المحرمة أو المخالفة للأخلاق الإسلامية، كما يجب عدم استغلال الناس وإغرائهم بالأسعار المبالغ فيها أو الوعود الزائفة.
ينصح التسويق الإسلامي بالتركيز على الجودة والإنصاف والمصداقية والتعامل بإخلاص مع العملاء، ويحرص على تقديم الخدمات والمنتجات التي تفي بالاحتياجات الحقيقية للعملاء وتلبي توقعاتهم.
ويتميز التسويق الإسلامي بأنه يعتمد بشكل كبير على الدعوة إلى الله وإلى القيم الإسلامية، ويستخدم التسويق الإسلامي الوسائل الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للترويج للمنتجات والخدمات المشروعة بطريقة مبتكرة وفعالة.