تتكامل في الشريعة الإسلامية نُظُم الحياة في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ولا شك أن القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي، وأن فيهما الخير الكثير، وفيهما من الأسرار ما لم يكشف عنه بعد، لذا فإن قضايا الموارد البشرية من ضمن القضايا الأخرى، يمكن تناولها من منظور إسلامي للوصول إلى نتائجَ مفيدة يمكن أن تقدم الكثير من العمق في التفكير لكل من يرغب في تأصيل فكره الإداري، لا سيما في طريقة تعامله مع الآخرين.
وبالرغم من أن مفهوم إدارة الموارد البشرية مفهوم حديث نسبياً، ألا إن فجوى هذا المفهوم جاءت في الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمان. فقد وضح الإسلام أهمية الإنسان كنواة للموارد البشرية فقال تعالى في كتابه الكريم ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾. [الإسراء : 70].
ومعنى هذه الآية الكريمة، أن الله تعالى فضل هذا الإنسان على كثير من مخلوقاته، وبذلك فعندما نتكلم عن الموارد البشرية فإننا نتكلم عن أهم وأكثر المخلوقات تكريماً في كوننا هذا بعد الأنبياء.
كما أن الدافع الأساسي لاهتمام الإدارة الإسلامية بالموارد البشرية جاء أساسا من اهتمام الإسلام بالإنسان، حيث نظر الإسلام إليه بأنه خليفة الله في الأرض في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائكَةِ إِنِّي جَاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة ﴾ [البقرة : 30]. وبالتالي كان الإنسان المحور المركزي في الإدارة الإسلامية المستندة أصولها على القرآن والسنة، فكان هو الهدف في كل مبادئها وتعاليمها.
وقد اهتم الإسلام بالعمل والفرد العامل اهتماما كبيرا وحث على العمل بجدية وإتقان، حيث قال رسول الله . ﷺ .: " إِنَّ اللَّه تعالى يحبْ إِذا عَمِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلاً أَنْ يَثْقِنَه ". [رواه الإمام البيهقي]. كذلك جمع الإسلام بين الجانبين الروحي والمادي في العمل لما له من أثر بالغ في زيادة فعالية أداء العاملين وثقتهم فيه، ورفع قيمة العمل عاليا واعتباره قيمة في الدنيا والآخرة، قال تعالى ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتَرَدُّونَ إِلَى عالم الغيب والشَّهَادَةِ فَيُنبئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. [المائدة : 105]. فوضع بذلك المبادئ والأسس التي تحكم أداء الأفراد، وحدد في ذلك العلاقة بين الرئيس والمرؤوس من خلال تحديد الضوابط والأسس التي تحكم عمليات الاختيار والتعيين والتطوير والتدريب وأنظمة التعويض والمكافأة وغيرها من ممارسات إدارة الموارد البشرية التي ترتبط بالفرد العامل في المنظمات.
فلذلك فإن إدارة الموارد البشرية هي مجال مهم في الإدارة الإسلامية، ويهدف إلى تحقيق الأهداف الشرعية والتطلعات المتعلقة بتطوير وتحسين العاملين في المؤسسات والمنظمات الإسلامية. يتمحور دور إدارة الموارد البشرية في الإسلام حول تطوير العاملين وتحسين أدائهم، وذلك بما يتوافق مع القيم والمبادئ الإسلامية والتوجهات الإيجابية في هذا المجال.
كما تعتمد إدارة الموارد البشرية في الإسلام على العدل والإنصاف والمساواة والتعاون، وتهدف إلى تحقيق الأهداف الإسلامية الرفيعة في مجال التنمية البشرية، وتطوير وتحسين الأداء الفردي والجماعي، وتطوير المؤسسات والمنظمات وجعلها أكثر فعالية وكفاءة.
وتتضمن إدارة الموارد البشرية في الإسلام العديد من المهام والوظائف، مثل التوظيف والتدريب والتطوير وتقييم الأداء وتحديد المكافآت والحوافز وإدارة العلاقات العاملية وحل النزاعات. ويتم تحقيق هذه الأهداف والمهام من خلال العمل على تحسين بيئة العمل وتطوير الموظفين وتنمية قدراتهم وتحسين العلاقات العاملية، وذلك بما يتوافق مع القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية.