من المعروف لدى الجميع أن عناصر الإنتاج هو الأرض والعمل ورأس المال والتنظيم، أما عناصر الإنتاج في الفقه الإسلامي فهو العمل ورأس المال حيث تعد الأرض في الإسلام ضمن رأس المال وجعل التنظيم ضمن العمل، وبذلك نرى بأن رأس المال في المفهوم الإسلامي كل شيء يمكن حيازته والانتفاع منه، ولا نستطيع القول أن كل السلع التي ننتفع منها هي رأس مال فالهواء وضوء الشمس لا تعتبر مالاً مع نفعهما الكبيرين والسلع التي نمتلكها ولا نستطيع الانتفاع منها لا تعتبر مالاً كالغذاء الفاسد وعليه فإن الحيازة والانتفاع شرطان ضروريان وهو ما متواجد الآن ضمن مفاهيم الفكر الاقتصادي، فالحيازة ناتجة من الندرة حيث لو لم تكن الموارد نادرة ومختلفة في أصنافها لما حصلت عليها الحيازة والتملك.

عوائد عناصر الإنتاج في الفكر الإسلامي 

الثروة في الاقتصاد الإسلامي هي كل مال نافع لا ضرر في استعماله آل إلى مالكه بالطريقة المشروعة دينياً وبنص الكتب السماوية ومصدرها ما هيأه الله في الأرض والسماء وما بينهما إلا ما حرم الله بنص القرآن والسنة النبوية. ومن ثم تعتبر الخمر والمخدرات والربا وما أخذ بالسرقة والاغتصاب ليست بثروة لضررها.

لما كان العمل والمال هم عناصر الإنتاج في الفقه الإسلامي ولما كان العمل يشتمل على كل من عمل الأجير وعمل المنظم للعملية الإنتاجية، وكذلك مفهوم المال يشتمل على رأس المال والأرض، وعليه تصبح العوائد الناتجة من العملية الإنتاجية هو الأجر الذي يعتبر العائد عن العمل المؤجر، والربح المردود الاقتصادي لصاحب المشروع المنظم لعمل المشروع والريع هو الحصيلة لصاحب الأرض نتيجة استغلالها والفائدة عائد على رأس المال في المنظور الحالي والذي يحرمها الإسلام في كل أشكالها وبشكل واضح وجلي في الكثير من الآيات القرآنية المباركة وفي الاحاديث النبوية الشريفة كقول الباري عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. [آل عمران : 130].

وتبرير التحريم هو أن الإسلام يقدس العمل ويراه الوسيلة لمضاعفة المال وسوف نتناول عوائد عناصر الإنتاج التي يقرها الإسلام وكالآتي:

<!-- الأجـر

قدس الإسلام العمل ويقاس الإنسان بعمله وكدَّه حيث قال الرسول . ﷺ . " إن أطيب ما أكلتم ما كبستم " وقد جاء في التعليمات الإسلامية أن العمل عبادة وأن العامل الذي يبذل الجهد في عمله تكون مكافئته الأجر.

وقد شدد الإسلام على إعطاء الأجير أجره وعدم تأخيره إلى وقت آخر حيث قال الرسول . ﷺ . "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، وهنا ينبغي أن يكون الأجر على قدر العمل بالاستناد إلى قول الباري تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ. [الأحقاف : 19].

ولم يتناول الإسلام تقدير الأجر الذي يستحقه العامل ولكن هناك مبدأ العمل الإسلامي والذي يعد الاطار العام في تحديد الأجور وان تحديد الأجور تركت للضمير ومدى إيمان الفرد المسلم بدينه وعدم استغلاله لأخيه المسلم، ورب العمل هو اعرف من غيره بالمنافع التي يحصل عليها والأجر الذي يدفعه.

<!-- الربـح

الربح هو عائد العمل في العملية الإنتاجية، وهو مكافئة عما يتحمله من مجازفة وخسارة، وهذا الفرق بين الأجير الذي يتقاضى أجره في حالة حصلت الخسارة في المشروع أو في حالة الربح، أما الخسارة فيتحملها مدير المشروع وكذلك الربح وان الربح هو حصة مدير المشروع سواء أكان المشروع ملكه الخاص أو ملك الغير.

الإسلام لا يعارض فكرة الحصول على الربح بل يقره ويشجع عليه كقوله تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾. [الملك : 15]. وكان المجتمع الإسلامي في الجزيرة العربية يعتمد على التجارة، والتاجر له مكان مرموق لدى عرب الجزيرة العربية، بينما نجد الإغريق والرومان الذين عاصروا الإسلام اعتبروه عمل غير نبيل، اهملوا فقهاء الإسلام تحديد الربح العادل كذلك كما هو الحال في الأجر وتحدد بشكله غير الدقيق حيث هناك بضاعة تعاد فيها دورة رأس المال بشكل سريع مثل المواد الاستهلاكية اليومية وهناك سلع كمالية، دورة رأس المال فيها بطيئة مما يجعل البضاعة تبقى في المحل لفترة أطول. 

<!-- الريـع   

جميع المسلمون يتفقون على شرعية الريع في حالة أن تستغل من قبل صاحب الأرض نفسه ويختلفون في موضوع تأجير الأرض مقابل ريع محدد القيمة يدفع مما تدره الأرض على مستأجره فيرى بعضهم أن ذلك حرام ولا يتفق مع الشريعة الإسلامية انطلاقاً من مبدأ أن الموارد الطبيعية خاضعة للظروف الطبيعية ومن الممكن حصول مشكلة أو آفة زراعية تقلل من مردود الأرض الزراعية، فاذا اشترط عليه صاحب الأرض مبلغ معين لا يستطيع دفعه نتيجة الظروف غير الطبيعية يصبح تحديد الأجر حرام من هذا المنطلق حرم الشرع إيجار الأرض وفق المفهوم الإسلامي وهذا الأمر كما هو معلوم مغاير تماماً لأدبيات الفكر الاقتصادي الغربي الذي يرنو إلى الربح أولاً وقبل كل شيء.

وبغير هذا الشرط يمكن تأجير الأرض، أي يستغل الأرض ويحدد للمؤجر ما يراه مناسباً كمبلغ لاستغلال أرضه، وقد قال الرسول . ﷺ . "من كان له ارض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ولا يؤجرها إياه" ومن هذه الأمور أن السلام يمجد العمل ويرفض الدخل غير المكتسب من جهد يبذل من قبل صاحب الحاجة للحصول عليه وقد قال الرسول . ﷺ . "أن اشرف الكسب كسب الرجل بيده"، وبصدد موضوع الربا والفائدة في الإسلام فهي محرمة وقد تكلمنا في هذا الموضوع ولا اجد ضرورة للاستزادة فيه.

رابعاً: أهمية الإنتاج في الفكر الإسلامي

الإنتاج يعد أحد القضايا الهامة في الإسلام، حيث يتعلق بمفهوم العمل والإنتاجية والاقتصاد والتجارة والتنمية الاقتصادية في المجتمع الإسلامي. وبما أن الإنتاج هو جزء أساسي من الحياة الاقتصادية في المجتمع، فإنه يلعب دورًا هامًا في تحسين معيشة الناس وتحقيق التنمية الاقتصادية بشكل عام.

وفي الإسلام، يؤمن المسلمون بأن الإنتاج يجب أن يكون من أهم الأولويات، حيث يعتبر العمل والإنتاجية جزءًا من العبادة، وينظر إليه بأنه يخدم المجتمع بشكل عام، ويعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

والقرآن الكريم، يُشجع على العمل والإنتاج، حيث يقول الله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾. [التوبة : 105]. وهذا يعني "وقل اعملوا، فسيَرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون

ويحث النبي . ﷺ . على أهمية العمل في الإسلام في الحديث المشهور عن أنس أن رجلا من الأنصار أتى النبي . ﷺ . يسأله ، فقال: " أما في بيتك شيء؟"، فقال: بلى حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء، قال: " ائتني بهما " فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله . ﷺ . بيده، وقال: " من يشتري هذين ؟ ". قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: " من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، فأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال: " اشتر بأحدهما طعاما، فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما، فائتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله . ﷺ . عودا بيده، ثم قال: " اذهب، فاحتطب، وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما " فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه، وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله . ﷺ .: " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع ". [رواه أبو داود، وروى ابن ماجه إلى قوله: " يوم القيامة "].

ويعتبر الإنتاج في الإسلام مصدرًا للثروة والرفاهية والتنمية الاقتصادية، حيث يساعد في تحسين مستوى المعيشة للأفراد والمجتمعات بشكل عام. كما أنه يعمل على توفير فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي للدول، وهذا يعزز الاستقلالية والاستقرار الاقتصادي للدول والمجتمعات.

وفي مجال الإنتاج يمكننا أن نواجه طوائف من الأحكام الشرعية التي توجه هذا النشاط بما يؤمن تحقيق الكفاءة الاقتصادية: الإنتاجية والتخصيصية، وفيما يلي استعراض لأبرز تلك الأحكام:

<!-- وجوب تعبئة الموارد للنشاط الاقتصادي

يحث الإسلام على تثوير الموارد البشرية وتجهيزها للفعالية الاقتصادية، فالإسلام يمجّد العمل وينهى عن التعطل وفي ذلك يقول تعالى موجهاً إلى الاكتساب: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾. [الملك : 15]. ويقول تعالى أيضاً: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾. [الجمعة : 9].

وقد أكدت السنة القولية التوجه ذاته وفصلته، فعلى سبيل التمثيل نذكر قول النبي . ﷺ . حين سئل عن أطيب الكسب فأجاب: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"، وقوله . ﷺ .: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"، وقولهِ . ﷺ .: "إن الله يحب العبد المؤمن المحترف". وقد عمل النبي . ﷺ . بالرعي أجيراً، واشتغل بالتجارة وشارك في بناء المسجد، وساهم في حفر الخندق، وزرع النخيل بيده الشريفة في المدينة، وما ترفع عن عمل ولم يرض أن يكفيه أحد شأناً من شؤونه كما أكدت ذلك السيرة النبوية الشريفة.

ومن سنته . ﷺ . أن لا يعطي الزكاة للقادر على العمل لان الأصل أن يكسب المرء كفايته بالعمل، فقرر . ﷺ . أن الزكاة "لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب"، وقد أضفى . ﷺ . على الكسب صفة تعبدية إذْ أوضح إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلى الهم في طلب الرزق، وذكر له زاهد ينصرف إلى العبادة فسأل . ﷺ . من يكفيه فقيل أخوه قال: "أخوه أعبد منه".

إن قدراً من الكسب يؤمِّن كفاية الإنسان وكفاية من يكلف بإعالته هو من الواجبات الشرعية لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

<!--أما بصدد الموارد الطبيعية وعلى رأسها الأرض فالإسلام يؤكد وجوب توظيفها لتأمين كفاية المجتمع من ناتجها، يتضح ذلك مما يأتي:

<!--أحكام الإحياء التي تحفز الناس لاستصلاح الأرض وذلك بتمليك الأرض الموات لمن يحيها قال . ﷺ .: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له".

<!-- أحكام الاستزراع التي تحث على زراعة الأرض أو استزراعها، قال . ﷺ .: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرِعها أخاه".

<!-- أحكام منع الاحتجاز وذلك بمصادرة حق من يحتجز الأرض سواء كان أحياها أو اقتطعها: "وليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنين".

وقد طبق سيدنا عمر - رضي الله عنه - هذا المبدأ مع بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه واسترجع منه ما جاوز قدرته على الاستغلال قائلاً: "إن رسول الله . ﷺ . لم يقطعك لتحجزه عن الناس، إنما أقطعك لتعمل، فخذ ما قدرت على عمارته ورد الباقي".

<!--أحكام التعدين التي تؤمن استغلالاً عادلاً للثروات المعدنية، فقد رتبت الشريعة حقوقاً لمن يستغلها تتناسب مع جهده ونفقته، يقول الإمام الشافعي: "ما كان فيه منفعة بلا نفقة على من حماه فليس له أن يحميه ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت".

<!-- أحكام المياه التي توجب بذل فضلها للغير، وتوجب حق إمرارها في الملك الخاص لصالح الغير حتى لا تتعطل أرضه.

<!-- وبصدد الموارد المالية وردت أحكام تدفع نحو استغلالها وتثميرها ومن ذلك:

<!--أحكام تنهى عن الاكتناز، وهو حبس النقد وعدم إخراج زكاته. إن الاكتناز يتسبب في وأد الإنتاج فنقص وسائل الشراء في محيط التداول جراء الاكتناز ينقص الطلب وبالتالي يدفع نحو البطالة، والمكتنز إذاً مضار للمجتمع ومتعسف في استخدام حقه لأنه يحرم المجتمع من وظيفة النقود الاجتماعية، وتحريم الاكتناز يرفع من مستوى الطلب ومن ثم يرفع مستوى النشاط الاقتصادي.

<!-- أحكام تحرم الربا وهي بذلك تعفى الناتج الاجتماعي من عنصر من عناصر التكلفة التي لا يقر لها الإسلام بالمشروعية.

<!-- أحكام توجب الزكاة بشروطها على الأصول النقدية بنسبة 2.5%، وهذا يمثل حافزاً للأفراد لاستثمار أموالهم حتى يدفعوا الزكاة من نماء المال لا من أصله، وقد كان هذا المعنى واضحاً في التوجيه النبوي لكافل اليتيم بقوله . ﷺ .: " ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة".

إن تعبئة الموارد البشرية والطبيعية والمالية للفعالية الاقتصادية يعني الارتقاء بكمية الناتج من السلع والخدمات لان الإنتاج كما هو معلوم دالة لمدخلاته، وبعبارة أخرى فإن إقامة هذه الأحكام تجعل الاقتصاد الإسلامي يتحرك على منحني إمكانية الإنتاج بلا أدنى هدر أو تعطيل للموارد وذلك شرط الكفاءة الإنتاجية.

<!-- وجوب تخصيص الموارد بحسب الحاجات الفعلية للمجتمع

إن إقامة الأحكام والتوجيهات السابقة تعني تجهيز كافة الموارد المتاحة وتهيئتها للإنتاج، لكن السؤال الذي تنبغي الإجابة عليه هو ماذا تنتج؟ ولمن ننتج؟. ولا شك أن الإجابة تتضمن حكماً أخلاقياً، إن اقتصاد السوق قد أعفى نفسه من هذه الإجابة وتحلل من العنصر الحكمي والأخلاقي وجعل الإنتاج محكوماً بالطلب الفعّال الذي يمثل الاقتراع النقدي لمالكي وسائل الدفع على الموارد، فلو فرضنا أن هناك استخدامان بديلان لمادة أولية واحدة أولهما لإنتاج سلعة ضرورية يطلبها الفقراء والثاني يخص كماليات الأغنياء، فإنه لن يكون هناك معيار يرجح تخصيص هذه المادة لهذا الاستخدام أو ذاك سوى الربح المتوقع من إنتاج السلعتين، وحيث أن قوى الشراء بجانب الأغنياء فإن منافسة كهذه على استخدام الموارد النادرة تحسم بالتأكيد لصالح الطلب الفعال، وهذا هو حال الإنتاج في اقتصاد السوق.

أما بالنسبة للاقتصاد الإسلامي فإن الإنتاج وتخصيص الموارد يرتبط بالحاجة الحقيقية للمجتمع، إن أساس هذا القول من الناحية النظرية هو كون الحقوق معللة بالمصالح وأن المصالح هذه مرتبة وفق سلم أولويات كما تقضي القواعد الأصولية، فلا يراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحاجي ولا يراعى حاجي إذا كان في مراعاته إخلال بضروري". وهذا يعني وحدة دالة الرفاهية الاجتماعية.

ومن الناحية الموضوعية فإن شرط تحقيق هذه الميزة متوفر في اقتصاد إسلامي فعلى حين لا يكون منطقياً أن نطلب من المشروع الفردي أن ينتج متغاضياً عن معيار الربح، فإن وجود شكل الاستخلاف العام وعلى نطاق موسع يعطي للاقتصاد القدرة على تجاوز معيار الربح الفردي إلى الربحية الاجتماعية ويضع أساساً راسخاً للاستثمارات في الخدمات العامة، ومن ناحية أخرى فإن عدالة توزيع الدخل والثروة وآليات ذلك تمنع احتكار الأغنياء لموارد المجتمع حينما تضع بيد الفقراء وسائل الدفع التي تعزز تفضيلاتهم.

فالإنتاج إذاً في اقتصاد إسلامي محكوم بإشباع الحاجة الحقيقية للمجتمع وليس بالربح، ولذلك فهو موافق للتفضيل الاجتماعي، وهذا مبرر قولنا أن ضوابط الاستخلاف تؤمن الكفاءة الاقتصادية.

<!-- ترشيد استخدام الموارد وتوكيد الرقابة النوعية على الإنتاج

إن الإسلام بمبانيه التشريعية ومنظومته القيمية يؤكد: وجوب استخدام الموارد بحدود الوظيفة التي تؤديها، وما خرج عن ذلك فهو سفه منهي عنه سواء أكان ذلك من الفرد أو المجتمع. وقد أمر النبي . ﷺ . بترشيد استخدام الماء ولو كان المرء على نهر جار، أي ولو كان الفرد لا يتحمل أي تكلفة خاصة ولا يخشى نفاداً في المورد، فكيف بالموارد الاقتصادية الأخرى؟!. إنه الحس الإسلامي المسئول إزاء الموارد بأوضح صورة سواء على صعيد الحسابات الخاصة أم الاجتماعية.

وجوب إتقان العمل فقد امتدح الله سبحانه ذاته العلية بقوله: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾. [السجدة : 7]. وبقوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾. [النمل : 88]. وأمر نبيه داود عليه السلام وهو يصنع الدروع ببلوغ الغاية وحسن التقدير ﴾. ﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. [سبأ : 11]. والنبي . ﷺ . يقول في بعض ما روي عنه: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، ويقول . ﷺ . أيضاً: "إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن".

والخلاصة، إن إقامة الأحكام السابقة توفر الفرصة لإنتاج أكبر، لأنها تجهز كل الموارد للنشاط الاقتصادي، ثم إنها تؤمن مطابقة الإنتاج للحاجات الحقيقية في المجتمع، وتلزم بتجويده والارتقاء بنوعيته، وهذه هي شروط الكفاءة الاقتصادية التي حرص الإسلام على توفيرها للإنتاج في مجتمعه.

خامساً: ضوابط الإنتاج في الإسلام

لم يترك الإسلام عملية الإنتاج لهوى المنتجين وأمزجتهم وأهوائهم وأطماعهم، بل ضبط العملية الإنتاجية بقيم وأخلاقيات تضمن سلامة الإنتاج وارتقاءه بما يحقق مصلحة المستهلك أولاً ثم مصلحة المنتج والموزع بعد ذلك.

والضوابط والقيم الأخلاقية الإسلامية التي تضبط العملية الإنتاجية كثيرة ومتنوعة، وتستهدف أولاً وأخيراً توظيف الموارد والثروات الطبيعية لمصلحة المجتمع والالتزام بخلق الأمانة في الإنتاج الزراعي والصناعي الذي يقوم به البنيان الاقتصادي لأي مجتمع.

لم يضبط أي نظام اقتصادي قيم وأخلاقيات الإنتاج كما ضبطتها الشريعة الإسلامية، فالإسلام حث على تنوع الإنتاج وألزم المنتج بمستويات جودة عالية، وحثه على العمل والإنتاج في كل الأوقات، حتى لو لم يحقق الإنتاج ما يهدف إليه المنتج.

كما حث الإسلام المنتج على تطوير أدواته، وقرر عقوبة رادعة لكل من يخل بقيمة الأمانة في الإنتاج. والمنتج المسلم الملتزم بقيم وأخلاقيات دينه يعمل بإخلاص وينتج بكفاءة ويتقن عمله ويحرص على زيادة الإنتاج وتحسينه لشعوره العميق واعتقاده الجازم أن الله يراقبه في عمله، ويراه في مزرعته أو مصنعه، ويدرك قول الحق سبحانه: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾. [التوبة : 105]. وقول رسول الله . ﷺ .: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء"، وقوله . ﷺ .: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

والمنتج المسلم الصادق يقف عند حدود الحلال والحرام، فلا ينتج محرماً ولا يغش في إنتاج سلعة أو يخدع أو يغالي في تقديم خدمة، فإنتاجه كله في دائرة الحلال وهو لا يستخدم في إنتاجه أي وسيلة ضارة بمجتمعه أو بالبيئة التي يعيش فيها، كما يحافظ على الموارد ويعمل على إحياء الموات.

كما أن الاقتصاد الإسلامي يولي عناية كبيرة بالإنتاج وينميه كماً ونوعاً، ولا يقبل تعطيل الإنتاج في ظرف من الظروف ويعاقب كل من يفعل ذلك.

وتلك الضوابط هي:

 

 

 

 

<!-- ضوابط دينية

الاقتصاد الإسلامي وضع منظومة إنتاجية أخلاقية تقوم على محاور عدة، أبرزها:

<!--الإنتاج واجب ديني وعبادة

أما كونه واجبا دينيا فيستفاد من قوله الله تعالى: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾. [هود : 61]. واستعمركم: أي طلب منكم عمارتها، والطلب المطلق من الله عز وجل يدل على الوجوب، وبالتالي يكون الإنتاج واجباً دينياً، لأن به عمارة الأرض التي فسرها العلماء بالبناء والزراعة والغرس واستخراج ما في باطنها، وكل ما يؤدي إلى الانتفاع بخيراتها من رزق الله عز وجل، ويصل الأمر إلى اعتبار الإنتاج فرض كفاية على مجموع الأمة وفرض عين على المتخصصين.

<!-- التخطيط القومي لتوزيع المشروعات على قطاعات الإنتاج المختلفة

فالإسلام وإن كان يقوم على الحرية الاقتصادية، إلا أنها حرية منضبطة بما فيه مصلحة المجتمع ومصلحة صاحب المال في توازن، وبالتالي على الحكومة واجب تشجيع المستثمرين على التوجه إلى القطاعات التي تحتاجها الأمة من خلال منح الحوافز لمن يتوجه للقطاعات المطلوبة لتحقق مصالح الخلق، بحيث لا يتركز الإنتاج في قطاع واحد وتهمل بقية القطاعات، وهذا التوجيه الذي توصل إليه علماء الاقتصاد الآن سبقهم فيه علماء المسلمين.

وعند اختيار المنتج للمشروع الذي يستثمر أمواله فيه يجب مراعاة ما يلي:

<!--المشروعية، بأن يكون المنتج الذي أنشئ المشروع لأجله حلالاً وليس محرماً أو يدخل في مكوناته خامات محرمة.

<!--أن تتم دراسة الجدوى للمشروع للتعرف بفائدته لصاحب المشروع وللمجتمع، حيث يقول الرسول . ﷺ . "إذا أقبلت على أمر فتدبر عاقبته فإن كان خيراً فأمضه، وإن كان غياً فانته عنه"، وخيرية المشروعات تتمثل في تحقيق ربح مناسب لصاحبه وسد حاجة للناس.

<!--مراعاة الترتيب الشرعي للأولويات التي تبدأ بتوجيه موارد المجتمع للضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات أو الكماليات، وهذا يحقق الخير للمجتمع ولصاحب المشروع، لزيادة الطلب على الضروريات والحاجيات أكثر من الكماليات .

<!-- معايير إسلامية

هناك جملة من الضوابط التي يجب أن يلتزم بها المسلم عند التشغيل، وهي:

<!--إتقان العمل، لقول الرسول، . ﷺ .: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، وقوله . ﷺ . أيضاً "إن الله يحب من العامل إذا ما عمل أن يحسن".

والإتقان يتسع ليشمل جودة الإنتاج وإجراء البحوث المستمرة لتطويره بما يحسن من النوعية ويخفض التكاليف.

<!-- البعد عن الغش والتدليس في المواصفات وطريقة الإنتاج، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه، يقول: "من غشنا فليس منا" ومن المعروف أن لكل صناعة ضوابط في طريقة الصنع والإخلال بها يؤدي إلى مضار عديدة، خاصة في الصناعات الغذائية، وهو ما كان يركز عليه المحتسب.

<!--عدم تطفيف الكيل والميزان، خاصة أن جميع السلع الآن تباع معلبة أو مغلفة بوزن المصنع المكتوب عليها ولا يعاد وزنها عند البيع، وبعضها يجف وتتناثر كميات منه أثناء النقل والتخزين، وتطفيف الكيل والميزان ظلم وطغيان، والله عز وجل نهى عن ذلك في آيات عدة منها قوله تعالى "ألا تطغوا في الميزان وأقيمُوا الوزن بالقسط ولا تُخسرُوا الميزان".

من صور الغش والتدليس السائدة اليوم الخداع الذي يتمثل في تقليد ماركة عالمية شهيرة وكتابة اسمها بالضبط أو بصورة خادعة، مثل زيادة أو نقص حرف منها على منتجات المؤسسة لترويجها بهذا الاسم المقلد، والغش والتدليس بهذا الشكل فيه كذب واحتيال، والكذب حرام شرعاً.

<!--مراعاة تقليل أو منع الآثار الجانبية الضارة بالبيئة عند ممارسة الإنتاج، والتي تنتج عن إلقاء مخلفات الإنتاج في مجاري المياه، أو استخدام مواد ضارة في مكونات السلعة، أو اتباع طريقة إنتاج يترتب عليها وجود مواد ضارة أو أدخنة تلوث الهواء، إلى غير ذلك من الملوثات، وعلى أن يراعى اتخاذ الإجراءات الفنية الكفيلة بمنع التلوث أو تقليله إلى الحدود المقبولة صحياً، إن كان لا يمكن تغيير طريق الإنتاج.

<!-- مراعاة التوزيع العادل بين عناصر الإنتاج، فمن المعروف أنه يساهم في العملية الإنتاجية عدة عناصر منها عنصر العمل، الذي يتم استئجار العمال للقيام به مقابل الأجر وملحقاته من حوافز ومكافآت، ثم عنصر الأرض أو رأس المال العيني مثل المباني والأراضي والآلات ووسائل النقل، فإن لم يكن مملوكا لصاحب المشروع فإنه يستأجره من ملاكه، ثم عنصر رأس المال النقدي والأصل أن يكون مملوكاً لصاحب المشروع، لكن نظراً لنظام الإنتاج الكبير وكبر حجم المشروعات فإنه إما أن يشارك فيه آخرون وبأعداد كبيرة مثل الشركات المساهمة، أو يتم الاقتراض من الغير إما من البنوك أو بموجب سندات.

وفي البداية تشترط العدالة في التوزيع الوظيفي ليحصل كل عنصر على حقه الذي يتناسب مع إسهامه في العملية الإنتاجية، وألا تنطوي عملية التوزيع على الربا كما يحدث في نصيب رأس المال النقدي المقترض، بل يشارك في الربح شأنه في ذلك شأن رأس المال المملوك، وألا يتم بخس حق العناصر الخارجية مثل العمال وملاك رأس المال العيني المستأجر لمصلحة أصحاب المشروع، كما يجب عدم ظلم صغار المساهمين لحساب كبارهم كما يحدث الآن، وأدى إلى ظهور ما يعرف ب "حوكمة الشركات" التي تعني المزيد من الضبط لمنع استئثار كبار المساهمين والمديرين بأموال الشركات على حساب صغار المساهمين.

<!--تأهيل القوى العاملة

وحرصاً على جودة الإنتاج حث الإسلام على تأهيل القوى العاملة بالتعليم والتدريب والتكوين الرأسمالي، ممثلا في استصلاح الأراضي وإقامة المباني وصناعة الآلات والمعدات وإنشاء الطرق ومجاري المياه، وكذا كل ما يحتاج إليه للاستخدام في الإنتاج مما يطلق عليه في الاقتصاد "التكوين الرأسمالي" الذي يسميه الغزالي "أمهات الصناعات"، فإنشاء هذه الطاقات مهم جداً للعملية الإنتاجية ولمواجهة احتياج الأجيال القادمة، كما يصوره الماوردي بقوله: "لولا أن الثاني يرتفق أي لو أن الجيل الثاني ينتفع بما أنشأه الأول حتى يصير به مستغنياً لافتقر أهل كل عصر إلى إنشاء ما يحتاجون إليه من منازل السكنى وأراضي الحرث، وفي ذلك من الإعواز وتعذر الإمكان ما لا خفاء به".

وبجانب ذلك فإن التكوين الرأسمالي يكون من الصدقات الجارية لأن نفعها يستمر مدة طويلة كما قال الرسول . ﷺ . في الحديث الذي رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه -  "سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو في قبرِه بعد موتِه: من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّثَ مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه".

ومن الجدير بالذكر أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه حذر من الاستغناء عن هذه الطاقات والتصرف فيها من دون أن يتم إحلال غيرها محلها، فجاء في الحديث الشريف "من باع داراً أو عقاراً فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمينا ألا يبارك فيه".

كما أمر الإسلام باستمرارية الإنتاج والتوسع فيه لمواجهة احتياجات الأجيال القادمة، فعن الاستمرارية يوجه الرسول الكريم . ﷺ . الأمة لمواصلة الإنتاج حتى نهاية الحياة الدنيا، ففي الحديث الشريف "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".

أيضاً يحث الإسلام على التعاون بين المنتجين، لأن التعاون قيمة إسلامية كما يقول الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾. [المائدة : 2].

ومن التعاون على البر المنافسة الشريفة وليست المنافسة التي تصل إلى حد الصراع القاتل مثلما يحدث الآن من ممارسات غير أخلاقية كالعبث بمنتجات الشركات المنافسة وإتلافها، وعدم التعاون على الإثم والعدوان بالاحتكار والتواطؤ والإغراق الذي زاد الآن.

وهكذا تتضح أهمية الإنتاج في الإسلام ومدى الرشد والسداد في ضوابطه الشرعية والأخلاقية والاجتماعية، والتي تراعي جميع الجوانب المجتمعية.

سادساً: نماذج عملية في الإنتاج

<!-- نماذج من السنة النبوية

السنة النبوية هي التفسير العملي للقرآن الكريم والتطبيق الواقعي للإسلام، حيث إنها تمثل المنهج التفصيلي لحياة المسلم والمجتمع المسلم والسنة بعد القرآن الكريم هي المورد الذي لا ينضب والكنز الذي لا ينفد، لذلك فقد حظيت السنة بعناية الأمة الإسلامية عناية فائقة لم تعهد في أمة من الأمم، فلا غنى للأمة الإسلامية عن السنة النبوية لفهم القرآن الكريم ومقاصده وبيان أحكامه.

فمن أقوال الرسول . ﷺ . في هذا الشأن: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه" ـ " كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده"،
" ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده".

كما تعتبر السنة النبوية من أهم المصادر المعرفية للعلوم الاجتماعية ومنها الاقتصاد الإسلامي، حيث إنها تتكامل مع القرآن الكريم تفصيلاً وتوضيحاً لكثير من الجوانب التي تحيط به والسنة النبوية بالضوابط التي ضبطها المسلمون، رواية وسندا، هي أصدق ما رواه التاريخ، كما أن اعتماد الاقتصاد الإسلامي عليها يجعله يتمتع بمصدر وثائقي لا يضاهيه فيها اقتصاد آخر.

ومنهج السنة يسير في إطار القرآن الكريم والذي يشمل مجالات الحياة كلها، الدينية والاقتصادية والسياسية والبيئية والتربوية والاجتماعية وغيرها، ففي الجانب الاقتصادي كانت المعالجات القيمية والإبداعية، حيث اهتم الهدي النبوي بالعنصر البشري، فكان أصحاب الكفاءات والخبرات على رأس من تولوا المناصب القيادية في الدولة.

كما حثت السنة النبوية على عمارة الأرض من خلال الحافز الاقتصادي، يقول . ﷺ .: "من أحيا أرضا ميتة فهي له"، كما تنزع الإقطاعات من الأفراد إذا لم يعمروها، يقول . ﷺ .: "ليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنوات". كما روى الإمام البخاري في صحيحه قال:

حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله . ﷺ . قال: "ما أكَلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود عليه السلام كان يأكُلُ من عمل يده".

وقد عالج الهدي النبوي مشكلة ترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف، فمن الخصائص الاقتصادية للإنسان المسلم أنه رشيد في تصرفاته، ففي الحديث الشريف: "ما من وعاء ملأ ابن آدم شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"، ومن الهدي النبوي ما يحثّ على العمل والإنتاج والمنزلة عند الله تعالى، قال . ﷺ .: "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"، كما كان الهدي النبوي حاضرا في مقاومة البطالة، فقال . ﷺ .: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا".

كما قال . ﷺ . حدثنا بهز، حدثنا حماد، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي . ﷺ . قال: "إن قامتْ الساعة وفي يد أحدكم فَسِيلةٌ، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرِسَها، فلْيغرسْها". باب: اصطناع المال، من كتاب الأدب المفرد، للبخاري.

وقال النبيّ. ﷺ .: "أفضلُ الكسْبِ بيعٌ مبرورٌ، وعملُ الرجلِ بيدِه"، وفيه بيان من النبيّ أنّ أفضل طرق العمل هي ما يؤدّيه الإنسان بنفسه، وبعمل يده، لأنّها سُنّة الأنبياء، كزكريّا -عليه السلام-، فقد كان نجّاراً، وألّا يكون في العمل شيء من الغشّ، والخيانة.

وقال النبيّ. ﷺ .: "والَّذي نفسي بيدِهِ لَأن يأخذَ أحدُكم حبلَهُ فيحتطِبَ على ظَهرِهِ خيرٌ لَهُ من أن يأتيَ رجلًا أعطاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ من فضلِهِ فيسألَهُ أعطاهُ أو منعَه". وفيه إشارة إلى أنّ العمل يحفظ صاحبه من سؤال الناس، وإذلال نفسه لهم، وأنّ العمل مهما كان فهو يُعَدّ من س�

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 58 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,755,209

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters