إن الأمة التي تعمل تقود ولا تُقاد، تسود ولا تُساد، تتكلم فيُسمَع لها، تأمر بأمر الله فتُطاع، وتنهى بنهي الله فلا تُعصى، تذل لها الأمم وتدين لها الدول، وكانت مضرب المثل بين الأمم، ويشار إليها بالبَنان، ويتحقق لها النجاح، والهيبة والمنعة، ورحم الله الشيخ الشعراوي حين قال: حتى تكون كلمتُك من رأسك، لابد أن تكون لقمتُك من فأسك.
وهذه بعض الآثار المترتبة على نتيجة العمل الجاد:
<!-- النجاح مرتبط بالعمل
لا يذهب الظن أو الوهم بأحد، فيحسب أن ارتباط السعادة والفوز بالعمل مقصور على الآخرة وحدها، فإن قوانين الله في الجزاء واحدة، ورب الدنيا والآخرة واحد، فالله تعالى يقول: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾. [الكهف : 30]، وقوله تعالى: ﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾. [الزمر: 74]، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾. [الزلزلة: 7، 8].
وسنة الله تعالى - التي أخبرنا القرآن أنها لا تتبدل ولا تتحول - لا تسمح لفارغ أو قاعد أو كسول أن يظفر بما يريد، أو يحقق ما يأمل، بل إن سنن الله في الدنيا لا تفرق في الجزاء على العمل بين مؤمن وكافر فمن عَمِلَ أُجِر، ومن قعد حُرِم، مهما كان دينه أو اعتقاده.
وبهذا يندفع المؤمن إلى العمل دائمًا، حتى لا يُصادِم سنن الله في الكون فتصدمه، فيكون من الهالكين.
<!-- حفظ الهيبة
فالعمل مهما كان قدره ومهما كان ربحه وعائده فهو يمنع صاحبه من التبذل وسقوط ماء الوجه، وضياع هيبته بالسؤال وبذلك ينال العامل توقير المجتمع، واحترامه ويحيى عزيزًا كريمًا ويموت جليلاً حميدًا، واليد العليا خير من اليد السفلى وفي حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "لأَنْ يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه".
والمسلم عزيز النفس كريم الخلق عفيف الطبع، يكره ما يُسيئه ويشينه بعد أن أعزه الله بالإسلام، فبدلاً من أن يقعد عن العمل ويمد يده للناس سائلاً منهم المال فليعمل ليتكسب، فروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله . ﷺ .: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم". وفي هذا يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول: أله حرفةٌ؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني"، وكان إبراهيم بن أدهم إذا قيل له: كيف أنت؟ قال: بخير ما لم يتحمَّل مؤنتي غيري، ورحم الله الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، حين قال:
لنقل الصخر من تلك الجبال ..... أخفُّ عليَّ من مِنَنِ الرجالِ
يقول الناسُ: كسبٌ فيه عارٌ ..... فقلت: العارُ في ذلِّ السؤالِ
<!-- مَنَعة الأمة
إن الأمة المنتجة قوية، ولها مَنَعة ويَهابُها أعداؤها، والأمة المستهلكة ضعيفة وتكون أُلعوبة في أيد أعدائها.
لقد زار سيدنا عمر بن الخطاب بلدة فرأى أكثر الفعاليات الاقتصادية بيد غير المسلمين، فعنَّفهم أشدَّ التعنيف، فقالوا: لقد سخَّرهم الله لنا، فقال لهم - قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثين عامًا -: كيف بكم إذا أصبحتم عبيدًا عندهم؟ لقد أدرك الخليفة العملاق قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثين عامًا أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف، أصبحنا الآن نستورد كلَّ شيء من الإبرة حتي الصاروخ، لذلك يجب أن نعمل، كل إنسان منا يجب أن يفكر بعمل يخدم به أمته، لذلك قال النبي . ﷺ .: "اللهم، إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" متفق عليه عن زيد بن أرقم.
إن تقدم الأمة في الصناعات المختلفة وريادتها في الأعمال المبتكرة يحقق لها المَنَعة من الأعداء المتربصين بها والطامعين في ثرواتها وكنوزها.
وأخيرًا: إن الإسلام الحنيف رغَّب في الكدِّ والعمل والتحصيل، وذمَّ البطالة بشتى صورها، وحذَّر منها لما فيها من الجمود والاتكالية، فبقاء الفرد عاطلاً دون عمل معتمدًا على غيره يجعله ذليلاً مكسور الجناح، واضعًا نفسه تحت رحمة الخلق وشفقتهم، يرجو برَّهم وعطفهم، ويخاف شرهم وعقابهم، فهو إن لم يسايرهم منعوا عنه العطاء، ومخرجه من ذلك أن يكون عاقلاً منتجًا، وأن يوجد لنفسه مهنة، يكتسب من خلالها، وأن يكون في عداد المثمرين المنتجين، حتى لا يبقى عالة على نفسه ومجتمعه.