تعتبر الإدارة الرشيدة من أهم سبل إصلاح المجتمع في الدولة الحديثة، ولا تقوم الإدارة الرشيدة إلا برقابة حازمة دقيقة ترد المخطئ إلى الصواب وتؤاخذ المقصر، وتثیب المجد. وهکذا کان موضوع الرقابة على أعمال الإدارة من أدق وأهم موضوعات الإدارة العامة والقانون الإداري في النظم الوضعية. وإذا کان هذا هو الحال بالنسبة للنظم الوضعية فإن الرقابة على أعمال الإدارة في النظام الإسلامي لا تقل أهمية.

فرغم أن عمال الإدارة في الدولة الإسلامية کانوا على درجة من التقوى والصلاح بما لا تستلزم رقابة دقيقة، فهم رقباء على أنفسهم لعلمهم أن الله سبحانه وتعالى مطلع على أعمالهم، إلا أن القيادة الحکیمة في الدولة الإسلامية استلزمت أن تقوم برقابة حاسمة فعالة على عمال الإدارة وعلى سلوکهم وتصرفاتهم.

للرقابة أهميتها البالغة، وأثرها الفعال في المحافظة على الموارد الاقتصادية للدول، وكذلك المحافظة على حقوق الأفراد من التعدي والمصادرة، كما أنها وسيلة فعالة لضمان توزيع الناتج القومي على فئات الشعب بصورة عادلة، والرقابة في إحدى صورها تعني التأكد من تحقيق الأهداف التي تسعى الدول لتحقيقها من خلال السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

أولى الله تعالى الرقابة اهتماما كبيرا، لذا وردت كلمة الرقيب في أكثر من موضع في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ﴾. [الأحزاب : 52]. وذلك للدلالة على أهميتها في الحفاظ على المجتمع وصيانة حقوق الأفراد.

ومن هنا كان للرقابة مكانها اللائق في فكر سيدنا علي - رضي الله عنه -، فقد كانت من أولوياته استشعارا منه لأهميتها في إنجاز الأعمال، وتحقيق العدالة، وإعادة ثقة الرعية بالراعي بعد أن أصابها التشويه فيما مضى من الأيام، لذا نراه ينبري بشدة لاسترداد ما نُهِب من أموال المسلمين، وما أُضِيع من حقوقهم، فقال قولته المشهورة في المال المأخوذ في غير حقه: " وَوَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ، وَ مُلكَ بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ".

فالمسلم مطالب بطاعة أولي الأمر، وقيادة المسلمين تخضع للتقییم، فهذا أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب يطالب الناس بتصحيح الاعوجاج الذي یمکن أن یوجد في سلوكه [من رأى منكم فیّ اعوجاجاً فليقومه]، وللقاعدة وجهة نظرها في اتخاذ القرارات يقول الله تعالى ﴿ في القرآن الكريم: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ. [الشورى: 38].

والمسؤولية في العمل تقع على الجمیع فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ وَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ.

الرقابة في اللغة: نجد في مدلولات اللغة العربية إن كلمة الرقابة وردت بمعان كثيرة منها: الحراسة والرعاية، ورقب الشيء، وراقبه أي حرسه، ورقيب القوم حارسهم، والرقيب هو الحارس والحافظ.

قال ابن منظور: رقب في أسماء الله تعالى: الرقيب: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، وفي الحديث: ارقبوا محمدا في أهل بيته، أي أحفظوه فيهم.

والرقابة في الشرع: هي القواعد المستنبطة من الشريعة الإسلامية، والتي تستخدم لمحاسبة المرء في عمله، سواء تعلق الأمر بدينه أو دنياه.

أما في الاصطلاح فتعني عملية التحقق من مدى انجاز الأهداف المرجوة، والكشف عن الصعوبات في تحقيق هذه الأهداف، والعمل على إزالتها في اقصر وقت ممكن

 ومما سبق يمكننا القول أن الرقابة الإدارية في الإسلام تعني:

<!--مراقبة الله فی جميع الأعمال الظاهرة والباطنة، ويشمل ذلک مراقبة الذات ومحاسبتها خوفاً من الله تعالى وعدلاً وإحساناً، وذلک من قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ ﴾. [آل عمران : 156]. ومراقبة الرعیّة وتحمل مسؤولیتها وذلك من قول رسول الله صلى الله علیه وسلم " أَلاَ کُلُّکُمْ رَاعٍ وَکُلُّکُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ " ومراقبة الجماعة بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من قوله تعالى ﴿ کُنتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ. [آل عمران : 110].

<!--هي وظيفة إدارية فردية وجماعية ومهمتها متابعة النشاط الإداري وفحصه داخل المنظمة بموضوعية بهدف التقويم أو التغيير عند اللزوم وذلك للتأكد من سلامة ومشروعية العملية الإدارية أداء ووسيلة وغاية، وتنفيذاً للواجب وانقياداً لقول الله تبارك وتعالى في وصف المؤمنين : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[المؤمنون : ۸]. واستشعاراً للمسؤولية وامتثالاً لقول المصطفى . ﷺ . على آله و صحبه [كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته]. 

وإيماناً بأهمية الرقابة في حفظ الأنفس والأموال، وبقيمة الفكر الرقابي لسيدنا علي – رضي الله عنه -، وما يحمل بين جنباته من مُثُل إنسانية غاية في النبل والمروءة في وقت نحن أحوج فيه إلى رقابة واعية صادقة هدفها الحفاظ على ثروات البلد، وصيانة كرامة الإنسان فنحن الآن أحوج ما نكون إلى روح سيدنا علي - رضي الله عنه -، وفكره في الحفاظ على ممتلكات الرعية وحقوقها، وحماية البلد، وصيانة كرامة الإنسان عن طريق تفعيل الدور الرقابي للدولة بحيث يُحاسَب المسؤولون والأفراد بلا تمييز، واستلهاما لنهج سيدنا علي - رضي الله عنه - في إرساء أسس الرقابة الواعية المنضبطة، ويمكن أن نخلص إلى ما يأتي:

<!--تقوية الحافز الذاتي لدى الموظفين، مما يؤدي إلى تعزيز الرقابة الذاتية، واستشعار الفرد المسلم بأن هناك رقيبا دائما عليه.

<!--اختيار أهل الصدق والأمانة والكفاءة للقيام بمهمة الرقابة.

<!--الحيادية والاستقلال للأجهزة الرقابية بحيث لا تكون منضوية تحت جهة سياسية أو طائفية معينة.

<!--رفع المستوى المعاشي للموظفين، وتوفير الحياة الكريمة لهم بحيث لا يطمع الموظف بما في يد المواطن.

<!--رفع المستوى المعاشي لمن يقوم بدور الرقيب حتى لا تسهل رشوته والتأثير فيه.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 281 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,878,886

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters