تعتمد مبادئ القيادة الإسلامية على المبادئ الإسلامية والأخلاقية السامية، حيث يتمحور التركيز في هذا النهج القيادي حول العدل والإنصاف والتعاطف والتسامح والصدق والشفافية والتواضع والتأدب والرحمة والتسامح، وغيرها من القيم الإسلامية السامية. وتهدف مبادئ القيادة الإسلامية إلى تعزيز الريادة والإبداع والتميز والتطوير المستمر في العمل، بالإضافة إلى تحقيق الرضا والتقدم للمجتمع وتعزيز القيم الإنسانية السامية فيه.

وتتطلب هذه المبادئ من القائد الإسلامي الاستماع والتعاطف والاهتمام بمشاعر الآخرين، واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على المصلحة العامة، وتطبيق العدل والإنصاف في جميع الأمور، والعمل بجد واجتهاد لتحقيق الأهداف المرجوة.

وينجلي أهم المبادئ القيادية في الإسلام في قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. [آل عمران : 159]. فهنا يأمر رب العزة نبيه محمد . ﷺ . بأن لا يكون غليظاً شديداً في نصحهم وإرشادهم بل أن يكون لليناً سهلاً معهم حتى يتبعوه ويقتدوا به، فلو أنه أجمع كل صفات القيادة ثم أغلظ عليهم لنفرواْ منه وما اعتبروه قائداً بالأصل.

ويُمكن توضيح أهم مبادئ القيادة الإسلامية فيما يلي:

<!-- مبدأ الشورى

الشورى لغة: مصدر شاور، أي طلب رأيه، واستخرج ما عنده، وأظهره له، والشورى والمشاورة والمشورة مصادر. والشورى في الاصطلاح الشرعي لا تخرج عن المعنى اللغوي، ولذلك جاء في "المعجم الوسيط": المستشار هو العليم الذي يؤخذ رأيه في أمر هام علمي أو فني أو سياسي أو قضائي أو نحو ذلك"، ويعرفها الفقهاء حسب المجال الذي تستعمل فيه، فعرفها بعضهم بأنها: "استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق" وهذا في الشورى الخاصة بأهل الرأي والخبرة المتخصصين في هذه المسائل، أما في المجال السياسي العام فعرفها آخرون بأنها: "استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور المتعلقة بها".

وبما أن الشورى تعم جوانب الحياة، فأفضل تعريف لها وأعمه هو التعريف اللغوي، وهو: "طلب رأي الآخر للاطلاع عليه والاستفادة منه" ليشمل جميع المجالات، وجميع الناس، ومهما كان المستشار في الأمر.

وللشورة بعض الجوانب نوضحها كما يلي:

<!--حكم الشورى

جاءت الأحاديث مؤيدة لما ورد في القرآن، من الإشادة بشأن الشورى، والحث على إتباعها، والتنويه بفضائلها. فقد حفلت السنة النبوية بكثير من النصوص، التي تدل على التزام رسول الله . ﷺ . نهج المشاورة قولاً وعملاً، حتى صارت الشورى صفة لصيقة به، لا يدانيه فيها غيره وهو المعصوم.

والشورى في الإسلام أصل في الدِّين، ومن قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، ولذلك كان حكمها العام الاستحباب، وتجب في حق ولاة الأمر. وقال بعض الفقهاء: إنها من فروض الكفايات، فتجب المشاورة، وإذا قام بها بعض الناس سقطت عن الباقين، قال ابن العربي المالكي: «المشاورة أصل في الدِّين». وسنّة الّله في العالمين، وهي حق على عامة الخليقة من الرسول على أقل خلق بعده.

فالشورى واجبة على كل مسلم، وهي أكثر وجوباً على الحاكم، وليست إحساناً منه، أو منحة أو تكرمة، وليس له فيها منّة، وهي حق شرعي للأمة لتستشير في أمورها، ويرجع إليها الحاكم فيما يهمها ويعود عليها، وذلك بمقتضى النصوص الشرعية، وبما تقتضيه المصلحة، ويوجبه العقل. ولقد وجه القرآن الكريم إلى ضرورة التزام القادة المسلمين بالشورى مع أهلِ العلم والمعرفة، وكل من له القدرة على تقديم النُّصح والإرشاد، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾. [الشورى: 38].

وقوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. [آل عمران: 159]. أي: "واستشرهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين عليه".

وبالمقابل يجب على المسلم إبداء رأيه فيما يعرض عليه، ويكون ذلك من باب النصيحة المأمور بها، وخاصة إذا تعلق بالرأي مصلحة مؤكدة للفرد أو للأمة، وإلا كان الشخص مقصراً، وذلك لكثرة النصوص التي تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتكون الشورى أيضاً أمانة ومسؤولية دينية ودنيوية، قال رسول الله . ﷺ . "الدِّين النصيحة"، وقال. ﷺ .: "المستشار مؤتمن".

<!--الترغيب بالمشاورة

<!--الشورة القولية

طلب الله تعالى المشاورة فقال عز وجل :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ. [آل عمران : 159]. وهذا أمر يفيد الوجوب، ووصف الله تعالى المؤمنين بذلك فقال عز وجل: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ. [الشورى: 38]. والتعبير بالجملة الاسمية يفيد الدوام والبت والاستمرار، وجاء الوصف بالشورى بين ركنين من أركان الإسلام وهما الصلاة والزكاة، فقال الله  تعالى: وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون، مما يوحى بأن الشورى شعيرة تعبدية، وأنها دائمة وعامة وشاملة، ووردت آيات قرآنية كثيرة تشير إلى طلب المشاورة، ومدحها، والثناء على فاعلها.

وقال رسول الله . ﷺ . في الحديث الذي رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه-:
" ما خَابَ مَنِ استخار، ولا نَدِم مَنِ استشار، ولا عالَ مَنِ اقتَصَدَ ".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ . . " إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلاَءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ".

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ . ﷺ .:" إِذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْه] "سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3737[.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ . ﷺ .: " مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ" .

وعَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ . ﷺ ." لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أَحَدًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ".

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نِعْمَ الْمُؤَازَرَةُ الْمُشَاوَرَةُ وَبِئْسَ الِاسْتِعْدَادُ الِاسْتِبْدَادُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَيُسَدِّدُهَا بِرَأْيِهِ، وَرَجُلٌ يُشَاوِرُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ حَيْثُ يَأْمُرُهُ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَرَجُلٌ حَائِرٌ بِأَمْرِهِ لَا يَأْتَمِرُ رُشْدًا وَلَا يُطِيعُ مُرْشِدًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ الْمَشُورَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَابَا رَحْمَةٍ وَمِفْتَاحَا بَرَكَةٍ لَا يَضِلُّ مَعَهُمَا رَأْيٌ وَلَا يُفْقَدُ مَعَهُمَا حَزْمٌ.

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ: مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ لَمْ يُشَاوِرْ، وَمَنْ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ كَانَ مِنْ الصَّوَابِ بَعِيدًا. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: الْمُشَاوِرُ فِي رَأْيِهِ نَاظِرٌ مِنْ وَرَائِهِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْمُشَاوَرَةُ رَاحَةٌ لَك وَتَعَبٌ عَلَى غَيْرِك. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ .وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَا خَابَ مَنْ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنْ اسْتَشَارَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ حَقِّ الْعَاقِلِ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْيِهِ آرَاءَ الْعُقَلَاءِ، وَيَجْمَعَ إلَى عَقْلِهِ عُقُولَ الْحُكَمَاءِ، فَالرَّأْيُ الْفَذُّ رُبَّمَا زَلَّ وَالْعَقْلُ الْفَرْدُ رُبَّمَا ضَلَّ.

وَقَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:

إذَا بَلَغَ الرَّأْيُ الْمَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ ... بِرَأْيِ نَصِيحٍ أَوْ نَصِيحَةِ حَازِمِ

وَلَا تَجْعَلْ الشُّورَى عَلَيْك غَضَاضَةً ... فَإِنَّ الْخَوَافِيَ قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ

<!--الشورى العملية في السنة

السنة العملية حافلة بالشواهد، التي تدل على أن رسول الله . ﷺ . كان دائم التشاور مع أصحابه، يكره الاستبداد بالرأي، وكثيراً ما نزل عند حكمهم، وإن كان رأيه في بادئ الأمر يخالف ما ذهبوا إليه. والوقائع في ذلك كثيرة:

<!--استشارته . ﷺ . لأصحابه، في الخروج إلى قتال قريش في غزوة بدر: فإنه لما بلغ الرسول . ﷺ . خروج قريش ليمنعوا غيرهم، استشار أصحابه. فقام أبو بكر الصديق، فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله . ﷺ . امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ. [المائدة : 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغمادـ موضع بناحية اليمن لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه. فقال له الرسول خيراً ودعا له به، ثم قال: أشيروا على أيها الناس، وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله إنّا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك ما نمنع به أبناءنا ونساءنا، فكان النبي . ﷺ . يتخوف ألاّ تكون الأنصار ترى عليها نصره إلاّ ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم إلى عدو خارجها، فلما قال ذلك رسول الله، قال له سعد بن معاذ، وكان سيد الخزرج من الأنصار: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. فقال: لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به من الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذه البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عيناك فسر على بركة الله. فسر رسول الله . ﷺ . ثم قال: سيروا وأبشروا.

<!--استشارته . ﷺ . لأصحابه في شأن اختيار المكان، الذي ينزل فيه المسلمون يوم بدر، وأخذه برأي الحباب بن المنذر، حين قال له: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخره؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي . ﷺ .: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال الحباب: فإن هذا ليس بمنزل وأشار على النبي . ﷺ . برأيه فوافقه.

<!--استشارته فيما يعمل بشأن من أُسروا في تلك الموقعة، وقبوله . ﷺ . من أسرى بدر الفداء نزولاً على رأي أكثر المؤمنين بعد استشارتهم. فالواقع أن الذين طلبوا منه، اختيار الفداء كثيرون، وإنما ذُكر في أكثر الروايات أبو بكر لأنه أول من استشارهم الرسول وأول من أشار بذلك، كما أنه أكبرهم مقاماً. ويوضح ذلك ما رواه ابن المنذر عن قتادة، قال في تفسير آية ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾. [الأنفال : 67]، أراد أصحاب محمد . ﷺ . يوم بدر الفداء، ففادوهم بأربعة آلاف، فعَنْ أَبي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه . ﷺ .: كُنْتُ غُلاَمًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَدْ دَخَلَنَا فَأَسْلَمْتُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ قَدْ أَسْلَمَ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَهَابُ قَوْمَهُ وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلاَمَهُ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَدُوُّ اللَّهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِكَ كَانُوا صَنَعُوا لَمْ يَتَخَلَّفْ رَجُلٌ إِلاَّ بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلاً فَلَمَّا جَاءَنَا الْخَيْرُ كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا أَنْفُسَنَا قُوَّةً قَالَ وَكَانَ فِي الأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ . ﷺ . " إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنًا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ لَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَنِي فِي فِدَاءِ أَبِيهِ وَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ لاَ تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أُسَارَاكُمْ لاَ يَتَأَرَّبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ صَدَقْتُمْ فَافْعَلُوا وَانْسَلَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ وَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ فِي فِدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْر ٍو وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ أَخُو بَنِي مَ الِكِ بْنِ عَوْفٍ".

<!--قبوله لرأي الكثرة منهم حين أشارت بالخروج يوم أحد، فكان من عاقبة شوراهم ما كان. والرسول . ﷺ . قد بلغه مجيء المشركين من قريش وأبنائهم إلى المدينة، للانتقام مما أصابهم يوم بدر فلما سمع بنزولهم أُحُداً قال لأصحابه: [أشيروا علي ما أصنع؟] فقالوا: يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب، وقالت الأنصار: يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا قط أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا [أي يرون عدم الخروج]. وكان الرسول. ﷺ .، يعجبه ذلك الرأي، ثم إنه دعا بدرعه فلبسها، فلما رأوا ذلك ندموا، وقالوا: بئس ما صنعنا، نشير على رسول الله والوحي يأتيه، فقاموا فاعتذروا إليه وقالوا: اصنع ما رأيت. فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ . ﷺ . قَالَ: " رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَرَأَيْتُ بَقَرًا يُنْحَرُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ الدِّرْعَ الْمَدِينَةُ وَأَنَّ الْبَقَرَ نَفَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ وَلَوْ أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا دُخِلَتْ عَلَيْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَتُدْخَلُ عَلَيْنَا فِي الإِسْلاَمِ قَالَ فَشَأْنَكُمْ إِذًا وَقَالَتْ الأَنْصَارُ لِبَعْضٍ رَدَدْنَا عَلَى النَّبِيِّ  . ﷺ . رَأْيَهُ فَجَاءُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنُكَ فَقَالَ الآنَ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ" فقبل رأي الكثرة التي أشارت عليه بالخروج.

<!--واستشار أصحابه قبل غزوة الأحزاب ، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة ففعل.

<!--حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ . ﷺ .: " ‏‏أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ . ﷺ . ‏‏انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ ‏ ‏قَفَلَ ‏مِنْ ‏الطَّائِفِ ‏‏فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ . ﷺ . ‏‏غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ . ﷺ . ‏‏فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏. ﷺ . ‏‏لَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ . ﷺ .‏ ‏إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا ‏ ‏عُرَفَاؤُكُمْ ‏ ‏أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ ‏ ‏عُرَفَاؤُهُمْ ‏ ‏ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏. ﷺ . ‏فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا ".

<!--عمله . ﷺ . بمشورة السّعدين: ابن معاذ وابن عبادة، إذ أشارا يوم الأحزاب بعدم مصالحة رؤساء غطفان. ففي غزوة الأحزاب عندما اشتد الأمر بالمسلمين، دارت مفاوضات بين الرسول . ﷺ . وبين المهاجمين من أهل الطائف، وتم الاتفاق على أن يرجع أهل الطائف ولهم ثلث ثمار المدينة، فسأل سعدُ بن معاذ رسولَ الله . ﷺ . إذا كان للوحي دخل في هذا الاتفاق، فقال له الرسول . ﷺ .: [إنما هو أمر صنعته لكم رجوت من ورائه الخير]، فأخذ سعد المعاهدة ومزقها، وقد كانت معدة للتوقيع، قائلا: إنهم لم ينالوا منا تمرة إلاّ قرى، أفبعد أن أعزنا الله يأخذون ثلث ثمار المدينة عنوة، لا والله، فلم يغضب رسول الله . ﷺ .، وسر بذلك المسلمون جميعاً.

<!-- مضمون الشورى

مضمون الشورى هو السعي لاستخراج الصواب بعد تعرّف آراء الآخرين، والنظر فيها، للوصول إلى معرفة الرأي الراجح، واستخراج الفكرة الصحيحة. وهي تساعد على معرفة الحق الذي يغيب عن الإنسان، وتقوم على الاطلاع على رأي وجيه، والتذكير بأمر منسي، لأن الإنسان بطبيعته ينسى.

كما تنشّط الذاكرة والفكر والعقل، وتنبّه صاحبها على ما قد يغفل عنه أو يجهله، ثم تؤدي إلى إظهار العلم بالشيء، والوصول إلى الرشاد والحق. وتتضمن عرض الأمر على الآخرين لتحصل فيه المناقشة والحوار، وتتبادل وجهات النظر حوله، وإبداء ما فيه من محاسن ومساوئ، وما يترتب عليه من نتائج، ليظهر موطن المصلحة الحقيقية، كما يتم تقليب الجوانب قبل الإقدام على اتخاذ القرار، فلا ينفرد الشخص بالتصرف بمجرد رأيه مهما أوتي من علم وخبرة، فإن فوق كل ذي علم عليماً.

وهي أيضا حوار مفتوح، ومناقشة ودّية، واستيضاح للواقع، وطرح للسؤال، واستعراض للأقوال والآراء، وتقليب العواقب، واقتراح للصواب، وأخيراً الأخذ بما تطمئن له النفس، ويقتنع به العقل، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾. [آل عمران 159].

ويجب على المستشار أن يفكر في الأمر، ويكدح ذهنه، ويشحذ عقله، ويتأنى في إبداء الرأي، ويتجنب العجلة، ليقدم أجود الآراء للمستشير.

ويختلف مضمونها بحسب المستويات المتعددة لها، في البيت والأسرة والأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والعمل والدائرة والمؤسسة والمحل التجاري والوزارة والقيادة ومجلس الأمة أو الشورى ورئاسة الدولة. كما يتفاوت مضمونها بحسب المستشار من أهل الرأي والاجتهاد في الأمور الشرعية، أو الاختصاصات الأخرى، أو أهل الخبرة والتجربة.

<!--مواطن الشورى ومجالها

دائرة الشورى في الإسلام واسعة جداً، وتشمل جميع مجالات الحياة مما يتعلق بالإنسان، ولا يخرج عن مجالها إلا ما ورد فيه الوحي مما ثبت بنص شرعي قطعي الثبوت والدلالة أو معلوم من الدِّين بالضرورة [البداهة] أو أجمعت عليه الأمة مما لا مجال فيه للاجتهاد.

فكل ما جاز فيه الاجتهاد وإبداء الرأي صحت فيه المشاورة، بل نُدبت أو وجبت، ولذلك فهي تشمل جميع الأمور الدينية التي لا قطع فيها، لأنها أصل عام لكل شؤون الناس حتى في دلالات النصوص الظنية لبيان معناها، وتحديد المراد منها، وحل إشكالها، وإزالة الغموض والإجمال فيها، مما يحتمل رأيين فأكثر.

وتتأكد الشورى في الشؤون العامة للأمة، وإذا تم تعيين مجلس الشورى للأمور العامة، فيتعين عليه بيان مشروعية الأنظمة، أو دستورية القوانين لبقاء السيادة للشرع، وإبداء الرأي في السياسة العامة للدولة، وأمور المجتمع كالحكم والتعليم والصحة والاقتصاد، ومحاسبة الحكام وجميع المسؤولين، ومراقبة أعمال الدولة، واختيار الحكام والولاة والقادة.

<!-- أشكال الشورى

الشورى في الإسلام لا تنحصر في شكل معين، ولذلك اقتصر الأمر فيها على مجرد الطلب: “وشاورهم في الأمر”، “وأمرهم شورى بينهم”، فالمهم وجودها، ويترك تحديد الشكل بحسب الزمان والمكان والأشخاص والموضوع، وحسب المستويات: فردية أو اجتماعية أو سياسية، باعتبار ذلك ترتيباً إجرائيا من دون الوقوف على هيكلية خاصة، ولذلك تعددت أشكالها في تاريخ المسلمين، فكانت عامة في العهد الراشدي مقصورة على كبار الصحابة وتتم في المسجد، واتخذ الخلفاء مستشارين خاصين، فأجبر عمر رضي الله عنه كبار الصحابة على البقاء في المدينة لتسهل مشاورتهم، ثم صارت عامة لكن محصورة بأهل الحل والعقد من كبار العلماء والفقهاء وأهل الرأي والخبرة والاجتهاد، ثم ضعفت في مجال اختيار الخليفة وولي العهد، وبقيت فاعلة في سائر شؤون الدولة وخاصة في الفتوحات والعلاقات الخارجية والولاة، وفي الأسرة والمجتمع. وفي العصر الحاضر اتجهت إلى نظام الانتخاب وتكوين مجلس الأمة، أو مجلس الشعب أو النواب أو البرلمان، ولا مانع شرعاً من الاستفادة من كل الوسائل والأساليب والأشكال ما دامت تحقق المبدأ وهدفه.

<!-- العدل

والعدل بفتح العين في اللغة هو الإنصاف وإعطاء لما له وأخذ ما عليه ويقال رجل عدل وامرأة عدلة، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة العدل في مقابل الظلم والبغي والجور واستعمله أيضا في مقابل الفسق والفجور، وقد ورد معنيين لهذه الكلمة أحدهما، العدل في الحكم والعلاقات، وهو في هذا المعنى يتعدى معناه إلى الغير فيقال عدل بين الناس أو بين النساء أو عدل في أمرهم أو نحو ذلك فالعدل بهذا المعنى صفة له علاقة بذات الشخص ولكن تتجاوز آثاره إلى الغير، وثانيهما، العدالة الذاتية: بأن يكون المتصف بها مستقيما غير فاسق وفاجر وبهذا المعنى يستعملها الفقهاء في باب الشهادات ونحوها.

<!--مفهوم العدل في الحكم

العدل في الحكم هو مبدأ أساسي في النظام السياسي والقانوني، حيث يتمثل في توزيع الحقوق والواجبات بالتساوي بين جميع أفراد المجتمع، وفي ضمان استقلالية القضاء وتحقيق العدالة في كافة الأحكام والقرارات.

وتعد مبادئ العدالة والمساواة والحرية أساساً لأي نظام سياسي يسعى لتحقيق العدل في الحكم، ويعد تطبيق هذه المبادئ من الأهداف الأساسية للقضاء والقوانين، وينص الدستور في الكثير من الدول على ضرورة تحقيق العدالة في الحكم والحفاظ على حقوق الفرد وحرياته.

ويتطلب تحقيق العدالة في الحكم توفير الظروف الملائمة لتطبيق القانون بحيادية وشفافية، وضمان مشاركة جميع المواطنين في العملية الديمقراطية، وتوفير فرص متساوية للجميع دون تمييز أو انحياز. كما يجب أن يتمتع القضاء بالاستقلالية والحرية في اتخاذ القرارات، وأن يحكم على الجميع وفقاً للقانون بدون تمييز أو تحيز.

<!-- العدل في القرآن

أوجب الله تعالى العدل وجوباً مطلقا وأمر بتحقيقه في الأقوال والأفعال والتصرفات والحكم والفطرة والتقييم والشهادة والعلاقات وتكررت كلمة العدل ومشتقاته ثمان وعشرين مرة في القرآن الكريم فتارة يذكر الله العدل الذي جاءت به الرسالات السماوية فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾، [الحديد: 25]. وتارة يذكر العدل في المعاملات بين الناس يقول تعالى على لسان رسوله محمد . ﷺ . ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾. [الشورة : 15]. وتارة يذكر العدل في الأحكام قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾. [النساء : 58]. ومرة يذكر العدل بالمساواة في المكافأة إن خيرا فخير وإن شراً فشر والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه أو بالإحسان كما قال تعالى: ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾. [فصلت : 34]. أي ادفع السيئة بالأحسن، وفي موضع أخر جعل الله العدل دليلا على التقوى فقال تعالى: ﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾. [المائدة : 8].

والعدل في القيادة الإسلامية يعني أن يكون القائد على قدر من العدل والمساواة في الحكم بين الناس وعدم القياس بمكيالين وإيقاع الظلم بين الناس وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾. [النحل : 90]. والقيادة الإسلامية تُحتِّم على القائد أنْ يتعامل مع الآخرين بالعدل والإنصاف، دون النظر إلى أجناسهم أو ألوانهم أو أصولهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾. [النساء: 58].

<!-- العدل في السنة النبوية

وقد حثت السنة النبوية الشريفة على إقامة العدل بين الناس، فمن ذلك ما رواه عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما عن النبي . ﷺ .: "إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ -وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ- الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما وَلُوا".

وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله . ﷺ .:
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: إمام عادل.

وقال النبي . ﷺ .: «يكون في آخر أمتى مسخ وقذف وخسف، ويبدأ بأهل المظالم.

وحض النبي . ﷺ . على ضرورة مقاومة الظلم، وحذر من مغبة التقاعس عن ذلك فقال: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعذاب منه.

وأبعد من هذا دلالة على وجود العدل أن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه، ففي الصحيح أن النبي . ﷺ . قال إن الله تعالى قال في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا.

ويقول ابن تيمية إن الله عز وجل: "ينتصف من العباد، ويقضى بينهم بالعدل، وإن القضاء بينهم بغير العدل ظلم يتنزه الله عنه. وأنه لا يحمل على أحد ذنب غيره".

ودعوة المظلوم مستجابة: يقول . ﷺ .: "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".

ويقول الله تعالى: "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".

ولله در القائل:

لا تظلمن إذا كنت مقتدرا   ...  فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه ...  يدعو عليك وعين الله لم تنم

هذا التقدير الكامل للعدل والإدانة الشديدة للظلم هما اللذان يفسران لنا عدل عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- الذى بلغ حدًا لا يحلم ببلوغه خيال الفلاسفة المتفائلين، ويفسران تخوف كبار فقهاء المسلمين من مناصب القضاء وتهربهم من توليها، حتى بلغ الأمر بالولاة الاضطرار إلى سجن بعض العلماء والفقهاء قسرًا على قبول منصب القضاء. والمنصور العباسي حبس الإمام أبا حنيفة - رحمه الله - وضربه بالسياط بسبب إصراره على رفض منصب القضاء، وقصة المنصور مع أبى حنيفة ليست الوحيدة في هذا الباب، والعدل يصون خيرات كثيرة عديدة أساسية وحيوية، كالحياة والمال والعرض، وغيرها.

<!-- حرية الفكر

تعد حرية الفكر إحدى المبادئ الأساسية في القيادة الحكيمة، حيث تسمح بالتعبير الحر عن الرأي والإبداع والتفكير النقدي دون خوف من العقاب أو الانتقام. وتعتبر حرية الفكر أساسًا لنظام ديمقراطي حقيقي، حيث يتمكن الأفراد من التعبير عن آرائهم بحرية والمشاركة في صنع القرارات المهمة.

وتضمن الحفاظ على حرية الفكر ضمن مبادئ القيادة توفير بيئة آمنة ومواتية للأفراد للتعبير عن آرائهم، وضمان حرية الصحافة وحرية الإعلام والنشر. كما تتطلب حرية الفكر أيضًا احترام حقوق الآخرين وتجنب الانتهاكات والإساءات اللفظية أو الجسدية.

ويعتبر دعم حرية الفكر والتعبير عنها دليلاً على قيادة حكيمة ومسؤولة، حيث يتم تمكين الأفراد من إثراء الحوار العام وتطوير الفكر والمعرفة والتقدم الاجتماعي والثقافي. على القائد المسلم أنْ يوفر لمرؤوسيه وأتباعِه المناخَ المناسب للنَّقد البنَّاء، وأن يطالب به شخصيًّا، وللأعضاء حقُّ التعبير الحر عن آرائهم، ولقد اعتبر الخليفة عمر بن الخطاب ذلك أمرًا أساسِيًّا، والحادثةُ التي حصلت بينه - رضي الله عنه - والمرأة المسنة، التي قاطعتْه وهو يَخطب بالمسجد

وتعود قصة المرأة التي وقفت في وجهه وأجبرته على تغيير حكمه له بشأن مهور النساء، أنه ذات يوم، خطب عمر بن الخطاب رضى الله عنه في الناس ونصحهم ألا يغالوا في مهور النساء، وبيّن لهم أن المغالاة في المهور لو كانت مكرمة في الدنيا أو الآخرة لفعلها الرسول . ﷺ .، ولكنه . ﷺ . ما أعطى أحدا من نسائه ولا أخذ لبناته إلا شيئا قليلا، فقامت إليه إحدى النساء وقالت في شجاعة: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله سبحانه يقول: ﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا . [النساء : 20]، فأدرك عمر صواب قول المرأة وحسن استشهادها بالآية الكريمة، فرجع عن رأيه، وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وفى رواية: فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر، وفى أخرى: امرأة أصابت ورجل أخطأ والله المستعان.

رابعاً: الصفات الواجب توافرها في القائد المسلم

تضمن كتاب الله سبحانه تعالى بين طياته سمات القائد وقد جاء هذا الكتاب لأدلة دامغة إلي سمات القائدة الذين يصلحون لقيادة مختلف المؤسسات في الأمة الإسلامية ومنها المؤسسات التربوية، وعلي مختلف المستويات الإدارية، ليكشف الغمام عن تزاحم الآراء واختيار القادة علي مختلف مؤسساتهم ومنها المؤسسات التربوية، ومن أهم الصفات التي وردت في الكتاب و السنة ما يلي:

<!-- الإيمان بالله

التي تعد أولى وأهم الصفات في القائد المسلم، كيف لا وهو يسعى إلى تحقيق أمر الله في ممارساته الإدارية مع رعيته، وأهدافه القيادية في فترة رئاسته، والتي تتمثل في نشر الإسلام، وبث روح الإيمان، ومحاربة الظلم والطغيان، ولا يكون هذا ممن لم يعمر قلبه الإيمان.

ففي حياة ذي القرنين مثلاً قد عرضت هذه الصفة في كل محاور حياته المعروضة في الآيات، التي تكشف عن المعية الإلهية له في مناسبات مختلفة تبدأ من قوله تعالى: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾. [الكهف : 84]. فالله سبحانه قد مكن له في الأرض وآتاه من الأسباب ما جعله مؤهلاً للقيادة الربانية وأوّل هذه الأسباب – بلا شك – الإيمان، فهذه العناية ما كان ليحصل عليها لولا تميزه الإيماني.

وتبين الآيات دليلاً آخر على إيمانه، تمثل في الكشف عن نوع الفكر الذي يحمله ذو القرنين، فكر إيماني يحارب الظلم والشر ويرسخ معالم التوحيد والإيمان، ويرتقي بروحانية الأتباع إلى أسمى المراتب، فها هو يرسخ الإيمان في قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾. [الكهف : 88]، بمكافأته للمؤمن أوّلاً، وثانياً ببيان أمر عقدي غيبي وهو: أنّ الجنة جزاء المؤمن، ساعيا بذلك للسمو بإيمان الأتباع، ومحرضا لهم على ربط أهدافهم برضا الله لنيل جنته.

هذه أبرز صفة يجب على القائد المسلم أن يتحلى بها، ليشعر أنّه صادق في قيادته من خلال سعيه لتحقيق مبدأ الإيمان، وهذه الصفة سبب رئيس في تحقيق التقدم والوصول للهدف، لأنّها سبب في المعية الربانية والعناية الإلهية للقائد ورعيته.

<!-- أن يكون حراً

margin-bottom: .0001pt; text-ali

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,776,903

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters