الآن.. حدِّق جيّداَ في صورتي

edit

 

الآن.. حدِّق جيِّداً في صورتي

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد المهدِّي

 

الآن, في يوم من الأيام
خنتُ مدينتي
ولبستُ بنطالاً جديداً
واستعرتُ من الندى نضَّارةً زرقاءَ
ثم لبستها,
ومشيتُ بعد العصر من خلف الطريق
أمام جارتنا
وفي كفِّيْ: كتابُ أبي العلاء, وهاتفي الجوال.
أدري:
هاتفي الجوال كان مُعطَّلاً
لم أتصلْ بصديقتي الأولى؛
لتسمعني التي تصغي لقلبي من وراء الباب
لكني فتحتُ حقيبتي وأخذتُ منها الكاميرا
وبدأتُ أرسم للقصيدةِ كل ما حولي:
احتفظتُ
بصورتين لمشتهى أطفال حارتنا
وهم يتشاكسون ويمرحون.
طفولتي من غير ذاكرةٍ,
كمرحلةٍ تمرُّ على الكتابِ
بلا نبيٍّ يستفزّ مربَّعاً من جدول التاريخ..
ذاكرتي البعيدةُ
لا ترى إلاَّ إلى غدها المتيم بالذهولِ,
هنا أضفتُ إلى ذهولي
صورةً روحيَّة التخييلِ
لامرأتين عابرتين ظامئتين
أيضاً صورةً لإمام مسجدنا القديم,
وصورةً لخيال مقبرةٍ تصافحُ عابرين مُدللِّين,
وصورةً لسحابةٍ سوداء من أثر الجفافِ,
ملأتُ ألبوم الحياةِ بكل ما حولي
ولكن لم أجد لي صورةً؛ لأرى شبيهي,
أو أحدِّق في ملامحِ شخصيَ الثَّانيْ.
أراني..
 لا أراني واقعياً قد أكون الآن,
خنت قصيدتي وعبثت بالألوان
فرشاتي - بكف الضَّوء – أهدابيْ
ووجهي لوحتي
وأناملي أقلامُ مَنْ (لو أنَّ ما في الأرض من شجرٍ)
وليس بوسع روحي أن تضيء الحبر أكثر من ليونته,
مسحتُ مدامعي فلمحتُ وجداً ناصعاً
يبدي لقلبي رأيه في النص:
ما أبهى فضاءك يا مُحمَّدُ
فالتفتُّ إلى علامات التعجب
واحتفيتُ بمقلتيّ وخافقي
وسكتُّ كي لا أستثيرَ عواطفي في مثل هذا الوقت,
ليس الوقت وقتي كي أقول:
الآن في يوم من الأيام
حدِّق جيداَ في صورتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

محمد المهدِّي

almhddy
- محمد علي المهدِّي. - 18/6/1984. - شاعر من اليمن. - حاصل على جائزة رئيس الجمهورية في الشعر 2008م. - صدر لـــه ديوانان شعريان: (جهات الرمل فاصلتي) 2010م. (ممالك يدركها البهلول) 2012م. - له تحت الطبع أعمال شعرية أخرى. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

7,371