الصراع التنظيمي: عوامله وطرق إدارته
د. سعود بن محمد النمر
أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى التعرف على العوامل المؤثرة على نشوء الصراع التنظيمي والطرق الملائمة لإدارته، تم استخدام عينة عشوائية من عدد من موظفي الإدارة الوسطى في خمس من الأجهزة الحكومية الخدمية بمدينة الرياض كمجال لهذه الدراسة. أوضحت النتائج أن أفراد العينة على وعي بظاهرة الصراع التنظيمي،
وأن هناك مجموعة من العوامل تساهم في نشوئه بين العاملين لديهم، يظهر أهمها فيما يتعلق بالعوامل المادية، فرص الترقية، غموض المسئوليات توزيع السلطة، كما أشارت الدراسة كذلك إلى ظهور علاقات إحصائية معنوية بين متغيرات العمر، سنوات الخدمة، المستوى التعليمي وبين بعض العوامل مثل: توزيع الموارد، المزايا المادية، فرص الترقية، غموض المسئوليات والمشاركة في اتخاذ القرارات.
أما عن أساليب إدارة الصراع التنظيمي فقد أظهر التحليل الإحصائي وجود عدة أساليب تلجأ إليها عينة الدراسة في تسوية الصراعات بين مرؤوسيهم، يظهر أهمها في أسلوبي التوفيق والتهدئة، كما بين التحليل الإحصائي كذلك بروز علاقة إحصائية معنوية بين العمر، الحالة الاجتماعية وسنوات الخبرة وبين أسلوبي التوفيق والتهدئة. مقدمة البحث: تعد المنظمات الإدارية وفقا للاتجاهات المعاصرة في الإدارة منظمات اجتماعية،
يشكل الإنسان فيها العنصر الأول الذي يعبر عن حيويتها وتفاعلها، وبقدر ما يبذل الإنسان من جهد في أدائه وما يظهره من فعالية، فإنه ينعكس على فعالية المنظمة، إن التكوين الاجتماعي الذي تضمه منظمات اليوم أصبح موضوع اهتمام الباحثين في مجال السلوك الإنساني، فقد بذل المهتمون بالبحوث السلوكية جل اهتمامهم لمعرفة الجوانب المختلفة في سلوكيات أفراد التنظيم، وظهر الكثير من النتائج التي تبرهن على أهمية الاهتمام بالفرد والبحث عن مختلف الجوانب التي تحقق له الظروف التي يستطيع من خلالها تقديم الأداء الذي يعود بالفائدة على كل من الفرد والتنظيم.
إن المنظمات الإدارية لا تعمل في فراغ، فهي تمارس نشاطاتها المختلفة في ظل علاقات متشابكة بين الأفراد بعضهم بالبعض الآخر، تجمعهم مصالح متباينة منها ما يخص التنظيم بالإضافة إلى المصالح الشخصية، ولاختلاف طبيعة هذه المصالح بالإضافة إلى ما يوجد من فروقات فردية بين الأفراد، فإن الديناميكية التي ستعمل بها المنظمة قد توقعها في بعض الصراعات التي تنشأ نتيجة لقيام الأفراد بأدوارهم المختلفة. لذلك فإنه من الطبيعي أن يواجه الفرد الكثير من صور الصراع المتباينة،
فقد يواجه صراعا مع ذاته، بين طموحاته وقدراته واستعداداته، كما قد يعاني من صراع نتيجة لعلاقاته مع الآخرين أو بسبب الأنظمة الإدارية التي يتعامل معها، كما قد يواجه أيضا صراعات مع البيئة الخارجية نتيجة لإفرازات الأنظمة الاجتماعية البيئية المختلفة، ولعل تعامل الفرد مع هذه المستويات المختلفة من الصراعات قد يولد آثارا مختلفة على الفرد نفسه والتنظيم. لقد أصبحت ظاهرة التعامل مع الصراع التنظيمي من الأمور التي تأخذ وقتا ليس باليسير من أوقات المدير، فهو بجانب الوظائف الإدارية الأساسية التي يتولاها، فإنه أيضا يخصص جزءا من وقته للتعامل مع الصراع التنظيمي الذي أصبح ظاهرة دائمة تعايش المنظمات،
فقد أشار كل من Schmidt & Thomas (١٩٧٦: ١٩) إلى أن المديرين في مختلف المستويات التنظيمية يخصصون حوالي ٢٤٪ من أوقاتهم في إدارة الصراع، وأصبح التعامل مع الصراع التنظيمي من الواجبات الأساسية التي يضطلع بها المدير في عمله اليومي. نظرا لهذه الأهمية التي يحتلها الصراع التنظيمي في المنظمات الإدارية والنتائج التي يتركها على الفرد والتنظيم فقد حظي باهتمام الكتاب والباحثين السلوكيين على المستوى العالمي، ولكنه لم يجد نفس الاهتمام على المستوى العربي، فالدراسات حوله قد تكون نادرة أو منعدمة، وقد يعود هذا إلى قصور لا يزال يعايش منظماتنا الإدارية بأهمية السلوك الإنساني في التنظيم، أما على المستوى المحلي فلا توجد دراسات حول هذا الموضوع،
لذا فإن هذه الدراسة بمثابة محاولة في تسليط مزيد من الاهتمام بموضوع الصراع التنظيم في منظماتنا الإدارية باعتباره من الجوانب السلوكية التي يجب أن تحظى باهتمام المدير العربي. من هذا المنطلق فإن دراستنا الحالية تهدف إلى التعرف على ظاهرة الصراع التنظيمي ببحث العوامل التي تسهم في نشوئه بين الأفراد، وكذلك التعرف على الاستراتيجيات التي يمكن بموجبها توجيهه الاتجاه الذي يعود بالفائدة على الأطراف ذات العلاقة، وفي الجانب التطبيقي من هذه الدراسة فإننا سنحاول التعرف ميدانيا على رأي عينة مختارة عشوائيا من موظفي الإدارة الوسطى في بعض الأجهزة الحكومية الخدمية في المملكة العربية السعودية عن العوامل التي يعتقدون أنها تسهم في بروز ظاهرة الصراع التنظيمي في المنظمات التي يعملون فيها، وما يرونه من استراتيجيات لإدارته بوعي وعقلانية.
أسلوب الدراسة:
يرتبط الصراع التنظيمي بالدرجة الأولى بوجود المصالح المشتركة للأفراد، وحيث أن كل فرد يسعى إلى تحقيق مجموعة من الفوائد من انضمامه للتنظيم، وإن هذه الفوائد يمكن تحقيقها بواسطة السعي لتحقيق أهداف التنظيم، فإنه قد يحدث تعارض بين أهداف الفرد وأهداف التنظيم، ومن ناحية أخرى فإن الفرد يتعامل مع أنظمة وأفراد آخرين داخل التنظيم ينشأ عنها إقامة علاقات مع أفراد وجماعات تنظيميه، يمكن أن تسبب هذه العلاقات بعض الصراعات بين الفرد وغيره من الأفراد يكون لها آثار متباينة على مستوى الأداء التنظيمي، لذا فإن أهمية هذه الدراسة في شقيها النظري والميداني تكمن في الجوانب التالية:
١ إن الصراع التنظيمي قد يكون سببا في بعض المشكلات التنظيمية خاصة ما يتعلق بمشكلة الأداء المنخفض، دوران العمل، الغياب وفي بعض الأحيان ترك العمل، لذلك يمكن أن تساعد هذه الدراسة في زيادة وعي منظماتنا بهذه الآثار للصراع التنظيمي.
٢ إن هذه الدراسة هي محاولة للتعرف على أهم العوامل المسببة للصراع التنظيمي كما تراها عينة الدراسة، وبالتالي يمكن أن تساعد نتائجها في إضافة مزيد من المعرفة للمدير العربي عن العوامل الأكثر تأثيرا في نشوء الصراع التنظيمي.
٣ إن الصراع التنظيمي يمثل أحد المظاهر الحالية في التنظيمات الإدارية الحديثة، إلا إن الاهتمام به والآثار التي يتركها على الفرد ومستوى أدائه لم تنل نصيبا من البحث و التحليل وخاصة في البلاد العربية، مما جعل المدير العربي غير مدرك أهمية موضوع الصراع التنظيمي وما يخلفه من آثار على الفرد والتنظيم، لذا فإن هذه الدراسة يقصد منها إلقاء المزيد من الضوء حول الموضوع عن طريق النتائج التي يمكن التوصل إليها والتي يؤمل أن تزيد من معارف العينة التي تمثل دراستنا الحالية بأهمية الصراع التنظيم ومسبباته والاستراتيجيات التي تمكنهم من التعامل معه. الخلاصة: تبرز أهمية هذه الدراسة في تناولها لموضوع يشكل أهمية قصوى في أدبيات السلوك التنظيمي للآثار التي يتركها على أطراف العلاقة، فالصراع التنظيمي الذي أصبح يشغل وقت المديرين ظل يشغل بال الكتاب والباحثين في محاولة لمعرفة الكثير عن طبيعة الصراع التنظيمي
وقد حددنا في أهداف هذه الدراسة محاولتنا للتعرف على العوامل المسببة للصراع التنظيمي والأساليب التي تستخدم لإدارته، وكذلك هدفنا إلى توجيه المزيد من الاهتمام من قبل الكتاب والباحثين وكذلك المدير العربي بأهمية ظاهرة الصراع التنظيمي. وقد حاولنا في الجانب النظري تناول مفهوم الصراع التنظيمي من وجهات نظر بعض الكتاب العرب والأجانب، والذي اتضح من خلال وجود العديد من المفاهيم المتباينة حول الصراع التنظيمي نظرا لتداخل عدة متغيرات يحتويها مفهوم الصراع التنظيمي، كما تطرقنا إلى بعض الأدبيات النظرية والميدانية التي أوضحت مدى الأهمية التي يحظى بها الصراع التنظيمي على المستوى العالمي،
كما أوضحت نتائج الدراسات الميدانية أهمية بعض العوامل المادية والتنظيمية في نشوء الصراع التنظيمي. أما في الجانب الميداني من هذه الدراسة التي تمت على عينة مختارة عشوائيا من موظفي الإدارة الوسطى في بعض الأجهزة الحكومية بلغ عددهم(٣٥٩) موظفا، فقد تم الحصول على مجموعة من البيانات التي تم جمعها بواسطة أداة استقصاء تم تصميمها لهذا الغرض وفقا للأساليب العلمية المتعارف عليها في تصميم استمارات البحوث الميدانية.