ليلى بيومي
هل تفضل الفتاة الدراسات العلمية أم الزواج؟ هل تختار أن تكون زوجة وأُماً أَم أن تكون من حملة الماجستير أو الدكتوراه؟… وهل الفتاة اليوم تختلف عن الفتيات في الماضي فيما يتعلق بنظرتها للحياة والزواج والأسرة والأمومة؟
* تقول منى صالح: لقد تقدم لي العديد من الشباب للزواج أثناء دراستي بكلية الهندسة، ولم يكونوا مناسبين لي، أو بمعنى أصح كنت أنتظر الأفضل، وعندما تخرجت من قسم الاتصالات بكلية الهندسة؛ لم يتقدم أيضًا العريس المناسب، والتحقت بعمل جيد، وازداد الأمر تعقيدًا؛ لأن مواصفاتي للزوج المناسب صارت أكثر صعوبة، وأنا الآن تجاوزت السابعة والعشرين، ولم أتزوج بعد، ومازلت مصممة على موقفي ولن أتنازل.
* أما مي رشدي، الطالبة في نهائي كلية الصيدلة، فتقول: أمي طبيبة، وقد خُطِبَت لأبي أثناء دراستها الجامعية؛ لأن جدتي قد ربتها على ذلك، فأهم شيء في هذه العائلة هو زواج البنات، ولذا فإنني تأثرت لا إراديًا بتلك الفكرة، وعندما تقدم لي شاب وهو خريج كلية الإعلام، ويعمل بالعلاقات العامة بإحدى الشركات، وظروفه المادية مناسبة، وافقت أسرتي، وسوف يكون الزواج بعد التخرج مباشرة.
ترفض الإجبار
* أمينة محمد، خريجة كلية الفنون الجميلة قسم عمارة وتقوم بإعداد رسالة الماجستير بجانب عملها في إحدى الشركات، تقول: لقد تعبت كثيرًا حتى وُفّقت لهذا العمل، والحمد لله أواصل دراساتي العلمية، وقد تقدم لي أحد أقاربي، وهو يعمل طبيباً، وكان سعيدًا بأنني أعمل، وذلك في بداية الأمر، وفي أول جلسات التعارف كان يحدثني عن الطموحات العلمية وعن تفاصيل عملي، وعندما بدأنا في إجراءات الخطبة، طلب مني أن أترك العمل والدراسات؛ لكي أتفرغ فقط لمسؤوليات الزوجية وأقف بجانبه، لكنني بعد تفكير وتشاور مع أسرتي رفضت هذا الأمر؛ لأن مستقبلي في عملي ودراساتي.
الانشغال في الدراسة أفضل
* فاطمة الطيب، جامعية وربة منزل، تقول: لدي ثلاث بنات على مستوى كبير من الجمال والتدين، تخرجت اثنتان منهن، ونحن نعيش في أحد أحياء القاهرة الراقية، ولم يتقدم لبناتي العريس المناسب؛ ولذا وجدت أنه من الأفضل لكي يشغلن أوقاتهن أن يلتحقن بالدراسات العلمية، فابنتي الكبرى والحمد لله، بعد أن حصلت على الماجستير التحقت بالعمل في التدريس بإحدى الجامعات الخاصة، والأخرى مازالت تمهد للماجستير، فهذا في رأيي أفضل من الانتظار لأجل غير مسمى.
* سلوى عبد القادر، طالبة بكلية التربية تفضل زواج الطالبة أثناء الدراسة، وهي ترى أن الدراسة لا تؤثر على الفتاة المتزوجة، بل إن الزواج يمكن أن يكون عامل نجاح واستقرار لها، وآثار الزواج إيجابية لتقديمه حافزاً للزوجة للوصول إلى قمة النجاح، والبعض لا يمكنهم إكمال الدراسة إلاّ بعد الزواج؛ لأن الظروف الزوجية تؤهل للنجاح والسعادة الحقيقية.
وتؤكد سلوى على وجود شريحة من الفتيات يكرهن الدراسة، والحل الأفضل لهن هو الزواج لكي يقضي على ما لديهن من فراغ.
* وتحكي فايزة عاطف تجربتها الشخصية فتقول: تجربتي ناجحة جداً وموفقة بفضل الله تعالى؛ إذ تزوجت وأنا في الثانوية العامة، ومع هذا نجحت والتحقت بكلية الآداب، وأنا الآن في السنة الثالثة وأنجبت طفلين، والحمد لله أوفق بين دراستي وأسرتي، وزوجي يساعدني ،ولا يعوق دراستي حينما علم بتصميمي عليها.
التعليم صمام أمان
* وترى د. حنان سالم أستاذ علم الاجتماع أن الطبقة المتوسطة حريصة على تعليم أبنائها، حتى أن طموحاتهم لأبنائهم في التعليم أهم من الزواج؛ لأنه يمثل صمام الأمان بالنسبة لهم؛ إذ تأتي نظرة البنت للزواج في المرتبة الثالثة بعد التعليم والعمل.
وتؤكد د. حنان سالم أن الإحصاءات في مصر تؤكد وجود ستة ملايين شاب وفتاة من الذين يزيد عمرهم فوق سن الـ (35) عامًا غير متزوجين، وهو ما نطلق عليه ظاهرة (العازفون عن الزواج والعازفات)، وأن من بين هؤلاء الذي يبلغ عددهم ستة ملايين يوجد مليونان يعتلون مناصب عليا، وعلى درجة كبيرة من الجمال، و على الرغم من ذلك نجدهم تنحوا تمامًا عن هذه الفكرة؛ لأن لديهم اهتمامات كثيرة أكبر وأهم من وجهة نظرهم.
* ترى د. إلهام فرج أستاذة علم الاجتماع أن فطرة المرأة هي التطلع للحياة الزوجية، فالطفلة وهي صغيرة تحلم بأن تكون عروساً، وتلعب بالدمية على أنها طفل صغير، وكذلك معظم الأمهات مهما بلغت بناتهن الدرجات العلمية، يحلمن باليوم الذي ترتدي فيه بناتهن رداء العروس، لكن الواقع يفرض بعض الأمور، وهي أن كل فتاة وكل أم تتطلع إلى زوج المستقبل بكثير من المثالية، وأيضًا يغالين في طلباتهن المادية، وعندما تكون الفتاة ذات جمال وحاصلة على درجة علمية جيدة؛ فإنها من الصعب أن تجد فتى الأحلام المناسب، ولذا فإن كثيرًا من الفتيات المتميزات ثقافيًا وعلميًا يتأخرن في الزواج، عكس الفتيات ذوات التعليم المتوسط، اللاتي حدّدن من البداية هدفهن في الحياة، وهو الحصول على زوج والتيسير في ذلك، حتى لو أدّى الأمر أن تتزوج الفتاة ذات التعليم المتوسط والأسرة المتوسطة بمن هو دونها في التعليم، أو بمعنى أصح قد لا يكون متعلمًا في الأصل.
وإذا كان لكل قاعدة شواذ؛ فإن ما يحدث الآن من تغيرات اجتماعية أحدث انقلابًا في الموازين، فنجد مثلاً فتاة تتزوج رئيسها في العمل، أو أخرى تتزوج من هو أكبر منها بعشرات السنوات لماله.
* أما د. علي رضوان أستاذ علم النفس فيقول: ما يحدث الآن ليس مسألة اختيارية بالنسبة للفتاة، فعروض الزواج بالنسبة لكثير من الفتيات أصبحت قليلة، وزادت معدلات العنوسة؛ ولذا تتجه هؤلاء الفتيات إلى استكمال تعليمهن، ومن الملاحظ أن نسبة العنوسة بين عضوات هيئة التدريس في الجامعات، وبين الطبيبات والمهندسات أكبر من غيرهن من خريجات الجامعات الأخرى.
الزواج والأمومة أهم
ومن جانبه يؤيد الدكتور أحمد المجدوب الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فكرة تزويج الفتاة إذا كانت طالبة مع وجود الفرصة المناسبة، ويعلل ذلك بأن الإسلام الذي نظَّم حياة المسلمين أعطى القِوامة للرجل، وبناء على ذلك يلتزم بالإنفاق، مما يلزم المجتمع أن يوفر العمل لهذا الشاب الذي ينفق على أسرته.
* بينما يؤكد د. رأفت عثمان الأستاذ بكلية الشريعة أن الحديث النبوي (إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) هو توجيه نبوي يجب أن نستوعبه جيدًا، فمهما وصلت المرأة للمكانة العلمية؛ فالزواج والأمومة بالنسبة لها أمر حيوي، لكن إن لم يأت الزوج المناسب فالعلم والدراسة والتفقه في الدين، والاستزادة من العلوم سواء أكانت دينية أو علمية بحتة، فهذا شيء طيب أفضل من الفراغ الذي يجلب المشاكل، ويرهق الفتاة والأسرة معاً.
* ويفسر د. إسماعيل الصفتي أستاذ التربية امتناع بعض الأسر عن تزويج بناتهم في سن الدراسة بالخوف على مستقبلهن، وخوفهم هذا نابع من تخوفهم من عدم استطاعة بناتهم تحمّل الكثير من المسؤوليات وخاصة تربية الأولاد.
وهو يرى أنه لا بأس من الزواج المبكر إذا كان هناك نضوج عقلي وجسدي؛ لأن الزواج المتأخر وإنجاب الأطفال في وقت متأخر يسبب حالة فراغ بين الآباء وأبنائهم.
ونظرة الفتيات للزواج تختلف من واحدة لأخرى، وترتبط بطريقة التربية التي تلقتها الفتاة داخل بيئتها الأسرية، فبعض الفتيات ترى الزواج هروباً من واقع المنزل، وأخريات مغلوبات على أمرهن ليس لهن إرادة ولا قرار، والبعض يرفض آباؤهن منحها فرصة الدراسة.
ويؤكد د. إسماعيل الصفتي أن تهيئة الفتاة في مرحلة الدراسة للحياة الزوجية ومقوماتها شيء ضروري لا يمكن إغفاله، كما أن الزواج يضيف للفتاة نضجاً وثقافة، إلاّ أنه في سن مبكرة وخلال فترة الدراسة يكون مليئاً بالضغوطات لصغر السن وضعف التجربة الحياتية.
ويطالب د. إسماعيل بضرورة الإسراع في زواج الفتاة في بعض الحالات كتعرضها للتفكك الأسري، وبالتالي تكون معرضة للانحراف، وقد يكون لدى الفتاة جنوح وتخشى عليها الأسرة من الانحراف.