هل يمكن لكل واحد منا أن يكون قائداً؟
الشق السلبي من الإجابة: لا! فالقيادة في صفاتها الأساسية موهبة إلهية يمنحها الله لمن يشاء من الناس. أما الشق الإيجابي من الإجابة: نعم! فكثير من السمات القيادية هي مهارات مكتسبة يمكن تعلمها حتى مرحلة الإتقان. والجمع بين الشقين هو أن تلك المهارات القيادية التي يمكن اكتسابها تتطلب نوعية من الشخصيات الإنسانية قابلة للتطور والنمو. هذا بالتأكيد لا يمنع من وجود قادة بالفطرة، كما أنه لا يمنع أن يكون البعض غير قادر على القيادة حتى ولو حصل على أعلى مستويات التدريب والتأهيل!
الجميل معرفته هو أن القيادة أنماط متعددة تختلف باختلاف الشخصيات والمواقف لا كما حصرها الأولون في نمط "الرجل العظيم" الذي يمتلك شخصية كارزمية تجبر الناس على الالتفاف حولها.
حسنا، هل القيادة التطوعية تختلف عن القيادة التقليدية في الدوائر الحكومية والتجارية؟
ثمة أوجه شبه واختلاف، وسبب الاختلاف عائد إلى اختلاف طبيعة العمل التطوعي عن العمل الحكومي والتجاري، بل إنه في القطاع الخيري ذاته ثمة فرق في طريقة قيادة المتطوعين عن قيادة الموظفين. القائد التطوعي يتطلب منه العناية بثلاث دوائر في آن واحد أكثر من غيره، هذه الدوائر هي دائرة المهمة التطوعية، دائرة فريق العمل، دائرة الأفراد. ولأن ظاهرة التطوع في المجتمعات العربية تنمو في شكل فرق ومجموعات عمل، فإن على القائد التطوعي مسؤولية في الإحاطة بهذه الدوائر والاهتمام بها.
القائد التطوعي الناجح يجب عليه أن يكون قادراً على تحديد المهمة التطوعية بوضوح من خلال رؤية جذابة وأهداف واضحة وتخطيط واقعي يغري الآخرين على استثمار أوقاتهم بالتطوع من أجلها. ويكون هو أكثر من غيره إيماناً بها على الأقل في بدايات المشروع التطوعي.
ولأن كثيراً من المهام التطوعية الناجحة يصعب حالياً تنفيذها بشكل فردي فإن المهمة الثانية للقائد هي أن يكون قادراً على تشكيل فريق أو مجموعة عمل منسجمة ويهيئ لها البيئة المناسبة للعمل بروح الفريق الواحد. تبدأ هذه المهمة بالاختيار المناسب للأفراد مروراً بصهرهم في مجموعة متناغمة ذات ثقافة عمل مشتركة، وربطهم بالمهمة التطوعية بحبال وثيقة وانتهاء بالقدرة على تقييم وتقويم أداء الفريق بمجمله. أما المهمة الثالثة للقائد التطوعي فتتعلق بالأفراد أنفسهم، فلكل متطوع حاجة يريد أن يحققها من خلال تطوعه، وقد يكون تحقيق المهمة الجماعية التي تطوع من أجلها ليست هي هدفه الوحيد، ولذا فإن القائد الناجح يمتلك حاسة مرهفة تمكنه من التعرف على شخصيات المتطوعين وحاجاتهم الفردية، والقدرة على دعم هؤلاء المتطوعين لتحقيقها من خلال منح الفرص المناسبة لهم للنمو والتطور وتحقيق ما يصبون إليه.
التحدي الكبير الذي يواجه القائد التطوعي هو أن يستطيع أن يقود هذه المناطق الثلاث بطريقة متوازية من دون أن يؤدي اهتمامه بإحداها إلى إهمال الأخريات..

ملامح القائد التطوعي في البيئة العربية بصورة أكثر تحديداً -

القائد التطوعي ينظر من خلال ثلاث أعين، كما أشرنا في المقال السابق، عين على المهمة التطوعية وعين على فريق العمل وعين ثالثة على كل متطوع معه. هذا المقال يسلط الضوء على سمات للقائد التطوعي تمكنه من رؤية المنظر كاملاً بأبعاده الثلاثة.العيش في ظل ما يسمى الدولة الراعية يدعو كثيراً من أفراد المجتمعات العربية إلى الاسترخاء في انتظار الخدمات التي تقدمها الدولة لهم، لكن تعقيد الحياة وترهل الأنظمة حال دون توفير حياة كريمة لكل شرائح المجتمع، وهنا تظهر أولى سمات القائد التطوعي وهي المبادرة إلى اكتشاف مناطق الحاجة والعمل على حشد الموارد لها. كثير من المتطوعين لا يمانعون من التطوع إذا ما طرقت أبوابهم وقدمت لهم الدعوة، لكن القائد التطوعي يمتاز عن بقية المتطوعين بأنه هو من يطرق الأبواب ويوزع بطاقات الدعوة للتطوع لأجل ما يراه قضية تستحق الاهتمام. والمبادرة ما هي إلا قمة جبل من شعور بالمسؤولية يحمله القائد التطوعي تجاه المجتمع أو مبادئ يؤمن بها. وكلما تعمق الشعور بالمسؤولية تسارعت الأفكار والخواطر في التحول إلى مشاريع وبرامج تطوعية.
هذا يقودنا إلى السمة الثانية من سمات القائد التطوعي وهي سمة الإيمان العميق. فالقائد التطوعي يمتلك إيماناً عميقاً بقضيتين مهمتين الأولى هي إيمانه بالمهمة التطوعية التي يتطوع ويحشد الجموع من أجلها وإيمان ثان بالتطوع كوسيلة لتحقيق هذه المهمة. التطوع ليس طريقاً ممهداً في كثير من الأحيان، وما لم يكن لدى القائد قدر كاف من الإيمان بالتطوع والمهمة فإن نفَسَه سوف ينقطع من العثرات الأولى التي يواجهها في طريقه. هذا الإيمان العميق ينمو ويترعرع بالخبرة والمعرفة والتعايش مع التطوع والمهمة.
لكن، مهما بلغ إيمان القائد بالتطوع كوسيلة لتحقيق المهمة فإنه كالأخرس إذا لم تتوافر لديه مهارة التواصل الجيد. تواصل يعبر القائد من خلاله عن رؤيته ورسالته بشكل واضح وجذاب ليس فقط لحشد المتطوعين من حوله بل يتعدى ذلك إلى إقناعهم بتبني أهداف المشروع التطوعي والتزامهم به. تواصل يمنح القائد القدرة على الاستماع الجيد للأصوات التي حوله والتعامل معها بإيجابية. إنه التواصل الذي يراعي المشاعر ولا يؤثر في مسيرة تحقيق الأهداف ..

هذا بالفعل يحتاج إلى ذكاء تواصلي استثنائي.
أما أبرز سمات القائد التطوعي فهي قدرته على تحفيز وتشجيع المتطوعين معه بأسلوب يجعل جذوة الحماس مشتعلة فيهم حتى آخر رمق في المشروع التطوعي وربما بعده. إن على القائد التطوعي أن يرهف حواسه لكي يتعرف بصورة سريعة على شخصيات المتطوعين معه واختيار الوسيلة التحفيزية المناسبة لهم، وما قد يحفز متطوعا قد لا يحفز متطوعا آخر. إن أبرز مقومات استمرار المتطوعين هو شعورهم بأنهم ينمون مع المشروع التطوعي ويحققون أهدافهم الخاصة المشروعة من خلاله. إن هذه السمة من مفاصل الشخصية القيادية في العمل التطوعي ومن أصعبها كذلك.
هكذا إذاً القائد التطوعي مبادر، مؤمن، متواصل ومحفز، وثمة سمات تجاوزناها كالتخطيط والتفويض وغيرهما، لمحدودية المساحة المتاحة.

المصدر: إبراهيم بن سليمان الحيدري, مختص في إدارة وتنظيم العمل الخيري، جامعة كاردف http://www.arabvolunteering.org/corner/avt41025.html
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 3467 مشاهدة
نشرت فى 27 يونيو 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,883,764

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters