التكاتف مهم في ا لعمل الخيري
أصبح العمل التطوعي من النشاطات البارزة التي يقبل عليها الشباب والفتيات في مقتبل العمر من أجل مساعدة الغير، وإثبات ذاتهم بأنهم أعضاء فعالون في المجتمع، خاصة في أوقات الأزمات والكوارث، كل حسب طاقته وقدراته ومؤهلاته ووقته.
"مداد" تواصل مع الشباب من مختلف البلدان العربية؛ لمعرفة بعض نشاطاتهم التطوعية، وأسباب إقبالهم عليها.. ثم عرجنا على المتخصصين في شؤون وقضايا العمل الخيري من عدة بلدان خليجية؛ لنعرف آراءهم في القضية المطروحة، فكانت هذه الحصيلة.
من السعودية
تبدأ فاطمة الشيخ (24 عاماً) من السعودية حديثها قائلة: " رغم زواجي وأنا ما زلت طالبة، إلا أن العمل التطوعي له وقت مخصص عندي، مع اختلاف طبيعة هذا النشاط التطوعي وفقاً لإمكانياتي، فقد أقوم ـ أحياناً ـ برعاية بعض أيتام المنطقة التي أسكن فيها، أو القيام ببعض الترتيبات لتجميع الملابس المستعملة، ونقوم بغسلها، وكيها، ووضعها في أكياس، وبيعها بأسعار رمزية للفقراء، وإنفاق ما تم جمعه من المال على المعدمين تماماً، خاصة في وقت الشتاء والأعياد والمدارس".
من البحرين
وتقول ميساء (18 عاماً) من البحرين:" أشارك في بعض الأعمال التطوعية مع صديقاتي، فقد قمنا بحملة في مدرستنا بتجميع مبلغ مالي وشراء أشرطة دينية ومحاضرات ودروس في التنمية البشرية، وأعلنا عن استبدال كل شريط أغاني بشريط إسلامي. وبالفعل، كانت زميلاتنا تحضر لنا أشرطتها التي تحوي أغاني، وتأخذ بدلاً منها ما تحبه من أشرطه نافعة ومفيدة. وكانت هذه وسيلة دعوية تطوعية في نفس الوقت ساهمت في تنمية عقول الطالبات بما هو مفيد بدلاً من الأغاني الهابطة".
من اليمن والكويت
أما عبد الرحمن (29 عاماً) من اليمن فيقول: " أعمل طبيب أسنان في عيادتي الخاصة، وأعلنت عن يوم في الأسبوع أقدم فيه العلاج مجانا للحالات الفقيرة في الحي الذي أسكن فيه، فهذا هو المتاح وفقاً لوقتي وقدراتي".
وتتفق معه أسماء (27 عاماً) من الكويت قائلة: " قمنا بعمل فرق في الجامعة لتنظيم زيارات دورية لمستشفيات الأورام في بلدنا، كل حسب المكان الذي يقطن به، فإدخال السرور على أصحاب هذا المرض كفيل بإسعادنا نحن".
عانسات متطوعات
اليمن تشهد عملا تطوعا ملموسا
أما جهاد (37 عاماً) من عمان فلها وجهة نظر أخرى، حيث تقول:" قمت بإنشاء جمعية تهتم بالعمل الخيري التطوعي لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وجميع المتطوعات معي ممن فاتهن قطار الزواج، ولا يجدن فرص عمل مناسبة؛ فاتجهن للعمل التطوعي. وأرى أن ذلك يساعدهن في تخطي مشكلاتهن، وبذل طاقتهن، وشغل أوقات فراغهن في شيء مفيد يبعدهن عن كلام الناس".
ليس لشغل الوقت
إلا أن مريم (26 عاماً) من السعودية ترفض هذه الفكرة، قائلة:" انضممت لفريق متطوعات وجدت أعمارهن قد تجاوزت الخامسة والثلاثين، وكلهن أقبلن على العمل التطوعي في الفترة الأخيرة، فأنا أرفض فكرة العمل التطوعي لشغل وقت الفراغ، إنما يجب أن أكون مشغولة بدراستي، ودعوتي إلى الله، وممارسة هواياتي وحياتي الطبيعية، مع استخراج وقت كافٍ للعمل التطوعي، وأضع نية لذلك، ولا أترك للعمل التطوعي فتات وقتي".
تنمية التطوع
ورغم هذه الأفكار الرائعة في مجال العمل التطوعي، إلا أن محمود (32 عاماً) من السعودية يرى أن العمل التطوعي في دول الخليج العربي لم يصل للمطلوب، وأنه يعاني قصورا شديدا، حيث يوضح قائلا: " العمل التطوعي في بلادنا نتاج جهود فردية تسعى – من منطلقات إنسانية – لمساعدة الغير، متناسين ما أمر به الإسلام من عون العبد لأخيه".
تجارب مشرقة ...لكن!
وتتفق معه نهاد (29 عاماً) من البحرين قائلة: " للأسف، عند البحث في محرك google نجد فرقاً هائلاً في نتائج كلمة متطوع و Volunteer؛ وهذا يوضح أنه رغم التجارب المشرقة في مجال العمل التطوعي في مجتمعاتنا، إلا إنها قليلة بالنسبة لما وصل إليه العمل التطوعي في بلاد الغرب. وهذا يجب أن يكون حاثا للمسلمين على النهضة بالعمل التطوعي، ووضع نظام مؤسسي قوي لمتابعة نشاطات الشباب".
التطوع واكتساب المهارات
العمل الخيري السعودي أثبت جدارته وحقق رسالته
حملنا آراء الشباب وتجاربهم إلى المتخصصين؛ لتقييمها، ومعرفة الصالح منها للإفادة منها:
فمن الكويت، تقول الدكتورة: رهام سعود الحميان ـ أستاذة أكاديمية، ومدربة معتمدة، ومستشارة تدريب وتطوير، والمدير التنفيذي لمشروع سند لإنشاء وتطوير المشروعات الصغيرة ـ: "التطوع بات من الأعمال البارزة، والتي يتسابق عليها الشباب في مجتمعاتنا. ومن التطوع قامت مؤسسات ومنظمات، وأصبحت ذات كيان قانوني، وما زالت تدار من قبل متطوعين. قد يكون المتطوعون من الشباب الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة، أو من الموظفين وذوي الخبرة؛ لأن ما يميز التطوع أنه مفتوح للكل وللجميع دون استثناء، ولكل من يقدم ما يستطيع أن يقدم، ويدلي بدلوه في سبيل تحقيق الأهداف التي تم وضعها منذ البداية.
ويتطوع الشباب عبر عدة أشكل، فمنهم من يتطوع بالمال، وهناك من يتطوع بمجهوده ووقته لتقديم شيء ما، ومن يتطوع بأغراض عينية، وهكذا يختلف التطوع باختلاف الحاجة، وغالبا ما يكون التطوع عبارة عن مجهود يقوم به الشخص بما يتلاءم مع طاقته وحدود إمكاناته لتقديم يد العون لفرد أو مجموعة من الأفراد أو منظمة، دون مقابل مادي أو عيني.
والتطوع فضائله كثيرة متعددة؛ ولذلك جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، قال تعالى:" وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (73) [سورة الأنبياء]. كما يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة). متفق عليه.
فالتطوع له بالغ الأثر الإيجابي على صاحبه، حيث يبدأ بكسب الثواب من الله تعالى؛ لأنه يقدم مساعدة لغيره، وبدون مقابل. كما يفتح الباب لصاحبه للتعرف على المجتمع ومن فيه، وتكوين علاقات مع أفراد وشخصيات جديدة، كما يعمل على تطويروتنمية الفرد من خلال اكتساب مختلف المهارات والسلوكيات، وذلك من خلال ما يقوم به ويقدمه في العمل التطوعي، بالإضافة إلى اكتساب الخبرة والمعلومة المضافة. ولا ننسى أن للتطوع أثرا في توحيد الصفوف، من خلال العمل بروح الفريق الواحد، والتكافل والتعاون مع الغير. أيضا، يعمل التطوع على تهذيب الشخصيَّة، ورفع عقلية الشح، وتحويلها إلى عقلية الوفرة والكسب الأعظم؛ مصداقاً للآية الكريمة: (ومن يوقَ شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون).
قلة الإقبال لقلة الوعي
إلا أنه ـ وللأسف ـ نجد في مجتمعاتنا العربية، والخليجية على وجه الخصوص، قلة الإقبال على التطوع؛ وربما يرجع السبب في قلة الوعي لأهمية التطوع وآثاره الإيجابية على الفرد. أيضا، البعض ينظر نظرة سلبية للتطوع؛ لأنه يكون بدون مردود مالي أو عيني للمتطوع، حيث إن المجتمع تعود ألا يقدم أي شيء إلا بمقابل، وهذا بحد ذاته يتطلب تثقيف المجتمع بمعنى كلمة " متطوع"؛ لأن البعض لا يعي معناها بالصورة الصحيحة. وعليه، يجب علينا وضع الخطط المناسبة لتثقيف الفرد والأسرة بأهمية التطوع، وبيان إيجابياته من خلال الحملات على مستوى المدارس والكليات، مع تشجيع الطلبة على التطوع، من خلال تأسيس برامج وروابط وخطة محددة لجذب الشباب".
غلاء المعيشة و التطوع
النيباري
ويتفق معها الأستاذ: إبراهيم النيباري ـ مؤسس جمعية أجيال الغد الخيرية في البحرين ـ قائلاً: " العمل التطوعي الذراع التنموي الثالث للدول، الذي تقدم من خلاله مؤسسات المجتمع المدني خبرة عشرات العلماء ومئات المفكرين وملايين المشاركين والمشاركات من جميع الأعمار؛ فهو قفزة إلى الأمام، حيث يحول المجتمع كله إلى يد عليا، كل يعطي بقدر ما يملك، مهما فرغ جيبه.
كائنات نفعية
لكن ـ للأسف ـ في مجتمعاتنا العربية أصبحنا نتعجب من عمل شاب أو مجموعة بلا مقابل مادي، وكأن شبابنا أصبحوا كائنات نفعية لا تهتم إلا بما ستجنيه من مال بعد العمل الذي ستقوم به، وبالتالي لا مكان للعمل التطوعي أبداً عند مثل هؤلاء. وللأسف، انتشرت هذه القناعات؛ بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة في مختلف البلدان العربية، وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ فأصبح معظم الشباب يهلك نفسه في العمل ليل نهار لتحصيل المال الكافي الذي يساعده على الزواج، ثم إعالة الزوجة والأبناء، وبالتالي لا وقت لديه لأي أعمال تطوعية.
وعلى جانب نشاط المؤسسات، نجد العديد منها يعمل بشكل عشوائي متخبط، سواء من خلال دورها في نشر ثقافة التطوع، أو حتى استقطاب المتطوعين وتدريبهم، والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم".
ويضيف النيباري: "كما أن العمل التطوعي له دور كبير في حل مشكلة البطالة، والتي أصبحت تشكل خطراً كبيرا. وقد أوضحت دراسة صادرة عن وزارة الداخلية السعودية أن 90% من نزلاء السجون السعوديين عاطلون عن العمل، وأن 70% من هؤلاء العاطلين جامعيون تخرجوا في كليات التعليم العالي! فالعمل التطوعي يسهم في تهيئة الشباب للخروج لسوق العمل، كما أنه ينمي شخصياتهم ويصقلها، ويعطيهم الكثير من المهارات الحياتية، وفيه استثمار رائع لأوقاتهم التي قد تشغل بالباطل".
استقطاب المتطوعين
توحدي الهدف مهم في العمل الخيري
ويقترح النيباري الأمور التالية:
- إنشاء موقع ـ مثلا ـ على الإنترنت، يعمل على استقطاب المتطوعين وتصنيفهم كل حسب قدراته ومؤهلاته ورغباته في مجال تطوعي محدد يناسب مكان سكنه ومواعيد فراغه، وبالتالي ربط المتطوعين بالجهات الخيرية، وهذا سيوفر الكثير من الوقت المهدور. كما اقترح إنشاء موقع إلكتروني آخر، يتيح فرص التطوع للمتقاعدين عن العمل، الذين يعتبرهم المجتمع قد انتهت صلاحيتهم وأصبحوا خارج نطاق الخدمة!!
- احترام الطاقات المبدعة عند الشباب، وتقديرها، وتشجيع المتطوعين بالتكريم المعنوي المستمر حتى يقدم هؤلاء الشباب أفضل ما عندهم.
- البعد عن الدكتاتورية في إدارة المشروعات التطوعية، ومنح الفرص الإدارية للشباب، وبالتالي نترك فرصة للإبداع والتجديد.
- عمل حملات توعوية بأهمية التطوع في مختلف المجتمعات.
- مراسلة الجهات التعليمية بضرورة تدريس " التطوع" ضمن المناهج الدراسية منذ الصغر.
بروز أهمية العمل التطوعي
الحربي
أما الأستاذ: سعيد عبدالعالي الحربي ـ المشرف التربوي، والناشط الاجتماعي في مجال العمل التطوعي بالسعودية ـ فيقول: " الشباب العربي يتفاوت من حيث استعداده للعمل التطوعي، ويعود هذا الاستعداد كنتيجة للمستوى الثقافي للشاب حسب موقعه، حيث نجد ـ مثلا ـ في بعض الدول العربية ـ كلبنان، وتونس، والمغرب ـ حماسا لدى شبابها للعمل التطوعي، ودورا بارزا من خلال الانخراط الدائم والنشط في العديد من مؤسسات المجتمع المدني الداخلي والخارجي. ولمست هذا الشيء باحتكاكي معهم من خلال بعض المشاركات الخارجية، مثل: الجامعة الصيفية لمنبر الحرية في مراكش صيف 2010.
وعلى صعيد دول الخليج، فإن الشاب الخليجي بدأ في تفهم دوره الاجتماعي التطوعي من خلال الانفتاح العلمي والإعلامي الذي اجتاح دول الخليج في العشر السنوات الماضية؛ ما دعاهم للبحث عن مؤسسات مدنية. والمفاجأة أنهم لم يجدوا تلك المؤسسات النشطة ذات الأهداف الواضحة ووتيرة العمل المستمرة، إنما وجدوا بعض المبادرات الفردية، والتي ما تلبث أن تضمحل بعد انتهاء الهدف الآني منها، مثل ما حدث في بعض الجمعيات المدنية التي ظهرت بعد أحداث مدينة جدة في المملكة العربية السعودية عندما اجتاحت السيول بعض أجزائها.
- وفيما يخص الإحصاءات، لا أتوقع أن هناك جهة قامت بهذا البحث؛ وذلك يعود لجدة (من جديد) بروز أهمية العمل التطوعي، وواجب الشاب تجاه مجتمعه.
- فالشاب العربي في غالب الدول العربية مشغول بلقمة العيش التي تقع في أولى أولوياته؛ ما جعله يؤخر عملية الاندماج في العمل التطوعي، وهو لا يملك الوقت أولاً للعمل التطوعي، خاصة وأن مؤسسات المجتمع المدني لا تنشر برامجها التطوعية بشكل واضح ومحدد حتى يتابعها الشباب، وبالتالي ينخرطون إذا ما وجدوا الفرصة لذلك.
- كما أن الشاب الذي لديه الوقت الكافي للانخراط في هذه المؤسسات ينقصه الوعي الكامل بأهمية العمل التطوعي، ودوره كفرد عامل نشط في مجتمعه، وحق الإنسانية عليه، وهذا يعود في طبيعة الحال إلى التعليم أولاً، وعدم "منهجة" العمل التطوعي بشكل ينمي قيمة العمل التطوعي في النشء، وكذلك دور الإعلام في نشر هذه الثقافة، وأخيراً دور المؤسسات ذاتها في البحث عن متطوعين. ولن تنال هذا الشيء إلى بعد الانطلاق وفق خطط ورؤية ورسالة وأهداف بارزة وواضحة، وخطط مجدولة ومدروسة ومتوافقة مع طبيعة المنطقة وطبيعة الشباب وخصوصيتهم. كما لا أغفل دور الأسرة في تربية أبنائها على حب العمل التطوعي، وأنه شعيرة إسلامية؛ كون الإسلام دين عطاء وبذل وصدقة وأعمال خيرية محتسبة عند الله تعالى".
- ويضيف قائلاً:" أقترح مساهمة الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص في منح موظفيها فرصا للعمل التطوعي، واعتباره عنصر تميز عن أقرانه في حال أثبت انخراطه الإيجابي في العمل التطوعي. وبالتالي نوجد وقتا للعمل التطوعي في زحمة انشغال الشباب في لقمة عيشهم. ونشر ثقافة العمل التطوعي؛ وذلك من خلال مناهج التعليم العام، ووسائل الإعلام، والأسرة. والتجديد في خطط مؤسسات المجتمع المدني حيال البحث عن متطوعين، وذلك بتحفيزهم النفسي أولاً بنشر رؤيتها ورسالتها وأهدافها وبرامجها المجدولة، والأهم الالتزام بكل ذلك، والمصداقية فيه.
الكوارث توحد نبل الهدف في العمل الخيري
وأخيرا، فإن العمل التطوعي أعتبره مبادرة شخصية، تنبع من قيم ومبادئ الشخص نفسه، وهي فضيلة موجودة في داخل المتطوعين ذاتهم. وها نحن نشاهد أشخاصا في مجتمعاتنا يبذلون بلا حدود، وبلا تحفيز، وإنما دافعهم الأول هو العمل الخيري والبذل لمجتمعهم".