القيادة التحويلية Transformational Leadership
أصبح مصطلح التحويلي والإجرائي أساس لدراسة القيادة وقد استخدم في الغالب للتمييز بين الإدارة والقيادة, وقد ظهر مصطلح القيادة التحويلية 1978م, على يد Burns في كتابة القيادة، وذلك للتمييز بين أولئك القادة الذين يبنون علاقة ذات هدف وتحفيزية مع مرؤوسيهم من أولئك القادة الذين يعتمدون بشكل واسع على عملية تبادل المنافع للحصول على نتائج.
يعد المدخل التحويلي في القيادة أحد المداخل المعاصرة الذي ركزت عليه الكثير من البحوث منذ أوائل الثمانينات. والقيادة التحويلية تعتبر جزءاً من طروحات ”القيادة الجديدة“، والقيادة التحويلية هي العملية التي تغير الأفراد وتحولهم، وهي تركز على القيم والأخلاق والمعايير والأهداف طويلة الأجل، وتشمل القيادة التحويلية على تقويم دوافع الأفراد وإشباع حاجاتهم ومعاملتهم بإنسانية. وهي عملية تندرج ضمن القيادة ذات الصبغة الكاريزمية والرؤية المستقبلية.
وعرف Burns القيادة التحويلية على أنها: عملية يسعى من خلالها القائد والتابعين إلى النهوض بكل منهم الأخر, للوصول إلى أعلى مستويات الدافعية والأخلاق.
وتسعى القيادة التحويلية إلى النهوض بشعور التابعين, وذلك من خلال الاحتكام إلى أفكار وقيم أخلاقية مثل الحرية والعدالة والمساواة والسلام والإنسانية، فسلوك القيادة التحويلية يبدأ من القيم والمعتقدات الشخصية للقائد وليس على تبادل مصالح مع المرؤوسين، فالقائد التحويلي يتحرك في عمله من خلال نظم قيمية راسخة كالعدالة والاستقامة، ويسمى Burns تلك القيم بالقيم الداخلية، والقيم الداخلية قيم لا يمكن التفاوض حولها أو تبادلها بين الإفراد، ومن خلال التعبير عن تلك المعايير الشخصية يوحد القائد التحويلي أتباعه ويستطيع أن يغير معتقداتهم وأهدافهم.
فقد أتخذ Burns موقفاً متوازناً في نظريته للقيادة التحويلية, والتي ربطها بتغيرات في الجوانب التنظيمية, بالإضافة للتغيرات في فكر وحفز التابعين, وتتطلب القيادة الفعالة توافر مجموعة من الكفاءات الجوهرية. وذلك من خلال اقتراح أن القيادة التحويلية يمكن أن تنطبق على المواقف التي ليست مخرجاتها إيجابية، ومن خلال النظر إلى القيادة التبادلية والتحويلية كسلسلة متصلة واحدة، وليست كسلسلتين منفصلتين.
وقد ميز Burns بين نوعين من القيادة، القيادة الإجرائية والقيادة التحويلية, فالمبدأ الرئيس لنمط القيادة الإجرائية تبادل المنافع بين الرئيس والمرؤوس حيث يؤثر كل منهم في الآخر, وذلك بأن يحصل كل من الفريقين على شي ذو قيمة, وبعبارة أخرى فالرئيس يقدم للمرؤوسين شيء يريدون الحصول علية على سبيل المثال: زيادة في المكافآت، وفى المقابل يحصل الرئيس على أشياء يرغبون بها كزيادة الإنتاجية.
ويعتقد (Tichy and Devanna, 1990) أن القيادة التحويلية تشارك في عمليات تتضمن خطوات متتالية، وتشمل الاعتراف بالحاجة للتغيير، إيجاد رؤية جديدة، وجعل التغيير عمل مؤسسي.
وفى مراجعة (House, 1995) لأدبيات القيادة والتغيير التي تتضمن أيضاً القيادة الجاذبية والقيادة ذات الرؤية, حيث أوضح أن أغلبية النماذج تتشارك بوجه عام على أهمية إيضاح الرؤية، والإسراع في قبول أهداف الجماعة، وتقديم الدعم الفردي، وأن القائد الفعال يسعى لتغيير القيم الأساسية واتجاهات التابعين, وبالتالي يكون لديهم الاستعداد لأداء مستويات عالية تفوق المستويات التي حددتها المنظمة.
وقد طور (Bass and Avolio, 1994) استبانة متعددة العناصر "Multifactor Leadership Questionnaire" بنيت على نظرية أن القيادة التحويلية تتضمن أربعة أبعاد:
- الجاذبية (التأثير المثالي): حيث تصف سلوك القائد الذي يحظى بإعجاب واحترام وتقدير التابعين، ويتطلب ذلك المشاركة في المخاطر من قبل القائد، وتقديم احتياجات التابعين فبل الاحتياجات الشخصية للقائد، والقيام بتصرفات ذات طابع أخلاقي.
- الحفز الإلهامي: يركز هذا البعد على تصرفات وسلوكيات القائد التي تثير في التابعين حب التحدي، وتلك السلوكيات تعمل على إيضاح التوقعات للتابعين، وتصف أسلوب الالتزام للأهداف التنظيمية، واستثارة روح الفريق من خلال الحماسة والمثالية.
- الاستثارة الفكرية: وفيها يعمل القائد التحويلي على البحث عن الأفكار الجديدة وتشجيع حل المشاكل بطريقة إبداعية من قبل التابعين، ودعم النماذج الجديدة والخلاقة لأداء العمل.
- الاعتبار الفردي: وتظهر هذه الصفة من خلال أسلوب القائد الذي يستمع بلطف، ويولى اهتمام خاص لاحتياجات التابعين، وكذلك انجازاتهم من خلال تبنى استراتيجيات التقدير والإطراء.
وناقش (Schein) وبشكل مطول الوسائل التي يمكن من خلالها القائد التأثير على الثقافة، وتشمل هذه الأساليب سلوك القيادة التحويلية مثل توجيه الاهتمام للأحداث الحرجة، الاستجابة للازمات، دور المثال الذي يقتدي به، رواية القصص والخرافات والأساطير، وضمن Schein كذلك الرموز المرتبطة بمعايير توزيع المكافآت واختيار وتسريح الموظفين، وحدد Schein كذلك الثقافة التحويلية مثل تصميم النظم والإجراءات، وتصميم البناء التنظيمي، وتصميم المرافق.
ويرى كل من (Kotter and Heskett) أن من أكثر الأمور وضوحاً في التمييز بين التغيرات الثقافة الناجحة وتلك الفاشلة هو القيادة في المستويات العليا، فالقيادات التي تلهم التابعين وتساعد في تكوين ثقافة تتكيف مع المتغيرات، تمتلك كما يطلق عليها صفات القيادة التحويلية. فالقادة الناجحين هم الذين لديهم القدرة على إيصال رؤيتهم، وتسمح للأفراد بتحدي ومسائلة رسالتهم وتحفز الإدارة الوسطي بتولي زمام الأمور القيادية، وتعود تلك كل هذه الصفات للقيادة التحويلية.
وقد ركز (Bass) وبشكل أساسي على التغيير الذي يتم أحداثة في سلوكيات واتجاهات التابعين, بالإضافة إلى أن Bass أوجز أيضا في دور القائد التحويلي في تغيير الثقافة التنظيمية، إلا أن التركيز الأساسي كان في تفصيل دور القائد التحويلي في تحفيز التابعين.
أما (Tichy and Devanna) فقد ركزا بشكل أساسي على التغيرات التنظيمية، واعتبرا أن التغيرات في سلوكيات التابعين احد المتطلبات الجوهرية المرتبطة بعملية التغيير التنظيمي.
لذا فإن القيادة التحويلية تستند إلى استثارة قدرات الأفراد العاملين بالمنظمة, وتحفيزهم المستمر على تجويد الأداء, والمشاركة في وضع الأهداف والبحث عن حلول إبداعية للمشكلات التي تعترض العمل وتؤثر على تحقيق الأهداف.
إن القيادة التحويلية الفعالة والناجحة تمثل نوعاً من العلاقات التي تنشأ بين مدير المنظمة ومجموعة العاملين معه في موقف جماعي معين تهدف إحداث التأثير على العاملين حتى تتحقق الأهداف. لذا فإن القائد يستمد سلطته من رضا الجماعة عنه النابعة من إيمانهم بقدرته على قيادتهم إلى تحقيق الأهداف، مما يتطلب الطاعة والامتثال من جانب الجماعة في تنفيذ الأوامر والتعليمات.
والقيادة التحويلية مدخل شمولي يمكن استخدامه لوصف مدى واسع من القيادة، من المحاولات الدقيقة للتأثير في الأتباع على المستوى الفردي إلى المحاولات الأكثر اتساعاً للتأثير في المنظمات كلها والثقافات بأكملها. وعلى الرغم من أن القائد التحويلي يلعب دوراً محورياً في التعجيل في حدوث التغيير، إلا أن الأتباع والقادة يرتبط كل منهم بالآخر في العملية التحويلية.