أخلاقيات الوظيفة العامة والفساد الاداري
إن أخلاقيات الوظيفة العامة تتشابه إلى حد كبير من المعايير والقيم التي تركز عليها مع أخلاقيات الإدارة في شركات الإعمال, فالنزاهة والأمانة والإمتثال للقانون وغيرها هي مبادئ أخلاقية ضرورية في المؤوسسات الحكومية كما هي ضرورية في شركات الإعمال([1])
وأخلاقيات الاعمال تعبر عن كيفية قيام إدارة الشركة بإدارة علاقاتها مع كل من العاملين، العملاء، الموردين، والمنافسين على أسس قائمة على المصداقية وبناء الثقة، وذلك ضمن أربعة محاور رئيسية هي القيام بالإعمال الهادفة، وعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وعدم الخداع في أي تعاملات، وعدم التحيز في القيام بأي ممارسات لصالح طرف دون الأخر، فإذا تميز أي نشاط في المجتمع بهذه الخصائص يمكن في هذه الحالة الحكم بأخلاقيات هذا النشاط. ([2])
إن مرونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة ضرورة في المؤسسات الحكومية ليس فقط في جعل الوظيفة العامة أكثر استقامة واستجابة للتطور المهني في حقل الإدارة العامة وأداء الواجبات بطريقة فعالة بل بتقدم الخدمة العامة على الخدمة الذاتية، وهذا هو جوهر الصراع بين الفرد ومبررات قيامه للفساد حيث إن المواجهه الحقيقية للفساد لا تكون بين القواعد والنظم والإجراءات, إن ما يكمن في النفوس والاتجاهات والضمائر. إذن ما ينبغي التأكيد عليه هو اعتماد الحصانة والإستقامة والرقابة الذاتية في مواجهة الفساد والتي عادة ما تغير من القيم والمعتقدات بعيداً عن حسابات الربح والخسارة وهذا ما يتفق مع النموذج الياباني الذي يؤكد على العوامل الناعمة (القيم والمبادئ والاتجاهات، أي نقل مركز التأثير في مواجه الفساد من الجوانب الخارجية الفعلية الى الجوانب الداخلية الذاتية الناعمة– النوعية والمعيارية– إذن لا مناص من البعد الإنساني وان المؤسسة بدون التزام نفساني حي شبيه بالفرد الخالي من الروح. ([3])
في هذا السياق يمكن أن تلعب أخلاقيات الوظيفة العامة دوراً فعالاً في إدارة هذا البعد الإنساني وعوامل الروح في مواجهة الفساد حيث الأخلاقيات لا تحمي فقط الفساد وحسب بل وإنها توجد ذلك الإحساس العميق في نقوس الأفراد العاملين والمواطنين بالفخر والإعتزاز، إن دعم البعد الإنساني في الإلتزام بالقيم والمبادئ الأخلافية لابد أن يأتي بمشاركة فعالة من قبل الجمعيات المهنية الخاصة بالإدارة العامة أو الجمعيات المهنية القطاعية للموظفين الذي يعملون في قطاعات مثل: السياحة، الزراعة، النفط. إن تفعيل الإبعاد التي تم الإشارة البها أعلاه سوف يقلل من الآثار السلبية من الفساد الإداري الآتية: ([4])
1- يضيف النمو الاقتصادي الناشئ من ضعف الاستثمار.
2- الأضرار بجودة البيئة الأساسية والخدمات العامة
3- التأثير على الأداء الاقتصادي من خلال تشويه عناصر النفقات الحكومية .
4- يؤدي إلى زيادة التكاليف الإدارية بسبب الخسارة والبعض في العائدات الحكومية
وتأسيسا على ما سلف، تحاول الحكومات والإدارات مواجهة الفساد من خلال عدد من الممارسات هي: ([5])
أ- إصدار مرونة أخلاقيات الوظيفة العامة التي تتضمن مجموعة من المبادئ والقيم التوجيهية من أجل الإستقامة في الوظيفة والإرتقاء بها من حيث السمعة والنزاهة والجدارة.
ب- إعداد برامج تدريبية في مجالات أخلاقيات الوظيفية العامة, وحسب القطاعات وإلزام الموظفين العاميين بها, بما يؤدي إلى خلق الإهتمامات وإيجاد الخبرات اللازمة للإرتقاء بالوظيفة العامة والحد من أسباب ومظاهر الفساد.
ج- التقييم لمجالات الفساد في كل المؤسسات العامة من أجل توجيه الجهود اللازمة لتوعية الموظفين والحد منها.
د- إيجاد حوافز خاصة بأخلاقيات الوظيفة العامة على مستوى المؤسسات القطاع العام كله, وعلى مستوى الأفراد في كل مؤسسة حكومية.
إن جوانب السلوك الأخلاقي وضرورة العمل بأخلاقيات الأعمال لا ترتبط بمجتمعات محددة، بل إنها أصبحت موضوعاً حيوياً مهماً تواجهه منظمات الأعمال في الدول المتقدمة والنامية، فارتبط مفهوم الأخلاقيات بالعديد من المواضيع والمهمات المنظمية والموارد وطاقات بشرية كالإدارة والعاملين والعمل والقيادة والمديرين فهو يرشد ويعزز السلوك الجيد، وهذا المفهوم أصبح من الأمور المهمة لشغل الوظيفة في الشركة إذ يتم التأكيد عليها من إداراتها لأنها تعد بمثابة الرقابة الذاتية للفرد, لأنه يستطيع أن يميز بين الصواب والخطأ في سلوكه أثناء العمل. ([6])
تعد أخلاقيات الأعمال من أساسيات النجاح لأنها تعكس ثقة المنظمة بموظفيها وأجهزتها، وكذلك ثقة المجتمع الذي تعمل في خدمته، فالالتزام بالأخلاقيات سوف يقود إلى تطوير العاملين ويعكس الاهتمام الذي يوليه هؤلاء العاملين للالتزام بعناصر أخلاقيات المهنة، حيث إن عدم الالتزام سوف يؤثر بشكل مباشر على سمعة المنظمة، ولتحقيق ذلك لابد من التزام الإدارة والعاملين بالقواعد الأخلاقية والمهنية للحد من الممارسات التي تهدد مستقبل الشركة في النمو والبقاء والاستمرار. ([7])
وأخيراً بأن أخلاقيات الوظيفة العامة قد أصبحت حاجة ضرورية في مواجهة الفساد الإداري؛ تعبر عن المسؤولية المتعددة المستويات بدءاً من المسؤولية الذاتية على مستوى الفرد والمسؤولية الأخلاقية في الولاء للمثل والمسؤولية المهنية والمسؤولية العامة وصولاً إلى المسؤولية الوطنية والقومية والمسؤولية الدولية.([8])
([1]) أخلاقيات الإدارة في عالم متغير، ص 115, نجم عبود, مرجع سبق ذكره.
([2]) أثر أخلاقيات الاعمال والمسؤولية الاجتماعية في تحقيق الميزة التنافسية (دراسة ميدانية في الشركات الصناعية المدرجة في سوق عمان المالي), ص 5, خالد عطالله الطراونة, ومحمد منصور أبو جليل, المؤتمر الدولي الثاني: الفرص الإدارية والاقتصادية في بيئة الأعمال التنظيمية, بجامعة مؤتة, الأردن, للفترة من 23- 25 نيسان 2013م.
([3]) أخلاقيات الوظيفة العامة وأثرها على أداء منظمات الإعمال, ص 7, انمار أمين حاجي, و محفوظ حمدون الصواف, مجلة كلية الإدارة والإقتصاد, جامعة الموصل, العراق, 2006م.
([4]) أخلاقيات الوظيفة العامة وأثرها على أداء منظمات الإعمال, ص 8, انمار أمين حاجي, و محفوظ حمدون الصواف, مرجع سبق ذكره.
([5]) أخلاقيات الإدارة في عالم متغير، ص 117, نجم عبود, مرجع سبق ذكره.
([6]) أثر أخلاقيات الاعمال والمسؤولية الاجتماعية في تحقيق الميزة التنافسية (دراسة ميدانية في الشركات الصناعية المدرجة في سوق عمان المالي), ص 3, خالد عطالله الطراونة, ومحمد منصور أبو جليل, مرجع سبق ذكره.
([7]) أثر أخلاقيات الاعمال والمسؤولية الاجتماعية في تحقيق الميزة التنافسية (دراسة ميدانية في الشركات الصناعية المدرجة في سوق عمان المالي), ص 3, خالد عطالله الطراونة, ومحمد منصور أبو جليل, مرجع سبق ذكره.
([8]) أخلاقيات الوظيفة العامة وأثرها على أداء منظمات الإعمال, ص 8, انمار أمين حاجي, و محفوظ حمدون الصواف, مرجع سبق ذكره.