البطالة في الوطن العربي ... أسباب و تحدياتأ. الوافي الطيب، أ. بهلول لطيفة جامعة تبســة

ملخص :

تشهد المجتمعات العربية معوقات اجتماعية واقتصادية تؤدي إلى تفاقم ظاهرة البطالة، التي تعد من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاديات العربية حاليا، لذا يهـدف هذا البحث إلى تحديد حجم البطالة في الوطــن العربي و تحليل أسباب تفشي هذه الظاهرة، و ذلك من خلال توظيف البيانات الإحصائية عن مؤشرات التشغيـل و البطالة بالدول العربية. حيث تم التوصل لتحديد الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى تفاقم هذه الظاهرة، والتي اعتبر سوء التخطيط على المستوى القومي، عدم توجيه التنمية والاستثمار إلى المجالات المناسبة، عدم توافق خريجي المؤسسات التعليمية والتدريبية مع متطلبـات سوق العمـل، الوتيرة المتسارعـة لنمـو قوة العمـل العربية و انخفاض الطلب عليها عربيا و دوليـا و كذا التأثيرات السلبية للمتغيرات الدولية على وضع العمالة العربية .

مقدمـة:

يعتبر مفهوم البطالة من المفاهيم التي أخذت أهمية كبرى في المجتمعات المعاصرة من حيث البحث والتحليل؛ لذا استحوذ موضوع البطالة بشكل رئيسي على عناية أصحاب القرارات السياسية، وكذلك على اهتمام الباحثين في المجالين الاجتماعي و الاقتصادي، باعتباره موضوعاً يفرض نفسه بشكل دائم وملح على الساحة الدولية عموما و الساحة العربية خصوصا. لذا لا تكاد تصدر دورية علمية متخصصة ذات علاقة بعلم الاقتصاد والاجتماع إلا و تتعرض لموضوع البطالة بالتحليل والنقاش.
تمثل قضية البطالة في الوقت الراهن إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه معظم دول العالم العربي باختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولعل أسوأ وأبرز سمات الأزمة الاقتصادية التي توجد في الدول العربية والنامية على حد سواء هي تفاقم مشكلة البطالة أي التزايد المستمر المطرد في عدد الأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه دون أن يعثروا عليه.
إن هذا الاهتمام القديم والحديث بموضوع البطالة لم يخلو من بعض الغموض الذي اكتنف هذا المفهوم كمصطلح علمي وذلك نتيجة لتعدد التعريفات الإجرائية لمفهوم البطالة وتنوعها. و بما أن الدراسات والبحوث العلمية تستلزم قدراً أكبر من الدقة والتحديد في تعريف متغير أو متغيرات الدراسة، وذلك حتى يمكن حصرها وقياسها بدقة تتناسب مع موضوع ومشكلة وأهداف دراستنا. لذا فإن المفاهيم الأساسية المتعلقة بموضوع البطالة في هذه الدراسة و المتعلقة بالوطن العربي، سيتم تحديدها من خلال النقاط التالية:
ـ تعريف البطالة، وأنواعها؛
ـ أسباب تفشي البطالة في الوطن العربي؛
ـتراجع معدلات التشغيل في الوطن العربي و الآثار المترتبة عليها؛
ـجهود ومقترحات لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي.

أولا : تعريف البطالة و أنواعها

تعد البطالة من أخطر و أكبر المشاكل التي تهدد استقرار الأمم و الدول، و تختلف حدتها من دولة لأخرى و من مجتمع لآخر، فالبطالة تشكل السبب الرئيسي لمعظم الأمراض الاجتماعية و تمثل تهديدا واضحا على الاستقرار السياسي.
1 - تعريف البطالة
إن أي شخص يتعرض لهذا المصطلح يقر بإمكانية تعريف البطالة على أنها " عدم امتهان أي مهنة". و في حقيقة الأمر أن هذا التعريف غير واضح و غير كامل(1)، إذ لا بد من إعطاء هذه الظاهرة حجمها الاقتصادي بعيدا عن التأويلات الشخصية .
في التعريف الشاسع للبطالة الذي أوصت به منظمة العمل الدولية، والذي ينص على أن " العاطل عن العمــل هو ذلك الفرد الذي يكون فوق سن معينة بلا عمل و هو قادر على العمل و راغب فيه و يبحث عنه عند مستوى أجر سائد لكنه لا يجده "(2). بإثراء التعريف السابق يمكن أن نحدد الحالات التي لا يمكن أن يعتبر فيها الأفراد عاطلين عن العمل فيما يلي(3):
- العمال المحبطين و هم الذين في حالة بطالة فعلية و يرغبون في العمل، و لكنهم لم يحصلوا عليه و يئسوا من كثرة ما بحثوا، لذا فقد تخلوا عن عملية البحث عن عمل. و يكون عددهم كبيرا خاصة في فترات الكساد الدوري.
- الأفراد الذين يعملون مدة أقل من وقت العمل الكامل و هم يعملون بعض الوقت دون إرادتهم، في حين أنه بإمكانهم العمل كامل الوقت.
- العمال الذين لهم وظائف و لكنهم أثناء عملية إحصاء البطالة تغيبوا بصفة مؤقتة لسبب من الأسباب كالمرض العطل و غيرها من الأسباب.
- العمال الذين يعملون أعمالا إضافية غير مستقرة ذات دخول منخفضة، و هم من يعملون لحساب أنفسهم.
- الأطفال، المرضى، العجزة، كبار السن و الذين أحيلوا على التقاعد.
- الأشخاص القادرين عل العمل و لا يعملون مثل الطلبة، و الذين بصدد تنمية مهاراتهم.
- الأشخاص المالكين للثروة و المال القادرين عن العمل و لكنهم لا يبحثون عنه.
- الأشخاص العاملين بأجور معينة و هم دائمي البحث عن أعمال أخرى أفضل.
وعليه يتبين أنه ليس كل من لا يعمل عاطلا، و في ذات الوقت ليس كل من يبحث عن عمل يعد ضمن دائرة العاطلين.

2 ـ أنواع البطالة

يمكن تحديد أنواع البطالة فيما يلي:
2 ـ 1 ـ البطالة الاحتكاكية
هي البطالة التي تحدث بسبب التنقلات المستمرة للعاملين بين المناطق و المهن المختلفة الناتجة عن تغيرات في الاقتصاد الوطني. يتمتع العمال المؤهلين العاطلين بالالتحاق بفرص العمل المتاحة. و هي تحدث نتيجة لنقص المعلومات الكاملة لكل الباحثين عن فرص العمل و أصحاب الأعمال، كما تكون بحسب الوقـت الذي يقضيــه الباحثـون عن العمل(4). وقد تنشأ عندما ينتقل عامل من منطقة أو إقليم جغرافي إلى منطقة أخرى أو إقليم جغرافي آخر، أو عندما تقرر ربة البيت مثلا الخروج إلى سوق العمل بعد أن تجاوزت مرحلة تربية أطفالها و رعايتهم(5).
تفسر هذه البطالة استمرار بعض العمال في التعطل على الرغم من توفر فرص عمل تناسبهم مثل : صغار السن و خريجي المدارس و الجامعات ...الخ.
يمكن أن نحدد الأسباب التي تؤدي إلى ظهور هذا النوع من البطالة فيما يلي :
- الافتقار إلى المهارة و الخبرة اللازمة لتأدية العمل المتاح .
- صعوبة التكيف الوظيفي الناشئ عن تقسيم العمل و التخصص الدقيق(6).
- التغير المستمر في بيئة الأعمال و المهن المختلفة، الأمر الذي يتطلب اكتساب مهارات متنوعة و متجددة باستمرار.

2 ـ 2 ـ البطالة الهيكلية:
إن هذه البطالة جزئية، بمعنى أنها تقتصر على قطاع إنتاجي أو صناعي معين، و هي لا تمثل حالة عامة من البطالة في الاقتصاد . يمكن أن ينتشر هذا النوع من البطالة في أجزاء واسعة ومتعددة في أقاليم البلد الواحد.
ينشأ هذا النوع من البطالة نتيجة للتحولات الاقتصادية التي تحدث من حين لآخر في هيكل الاقتصاد كاكتشاف موارد جديدة أو وسائل إنتاج أكثر كفاءة، ظهور سلع جديدة تحل محل السلع القديمة(7).
تعرف البطالة الهيكلية على أنها البطالة التي تنشأ بسبب الاختلاف و التباين القائم بين هيكل توزيع القوى العاملـــة و هيكل الطلب عليها(8). يقترن ظهورها بإحلال الآلة محل العنصر البشري مما يؤدي إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمال، كما أنها تحدث بسبب وقوع تغيرات في قوة العمل كدخول المراهقين و الشباب إلى سوق العمل بأعداد كبيرة. قد عرفت البلدان الصناعية المتقدمة نوعا جديدا من البطالة الهيكلية بسبب إفرازات النظام العالمي الجديــد و الذي تسارعت وتيرته عبر نشاط الشركات المتعددة الجنسيات التي حولت صناعات كثيرة منها إلى الدول الناميــة بسبب ا ارتفاع معدل الربح في هذه الأخيرة . هذا الانتقال أفقد كثيرا من العمال الذين كانوا يشتغلون في هذه الدول مناصب عملهم وأحالهم إلى بطالة هيكلية طويلة المدى(9).

2 ـ 3 ـ البطالة الدورية أو الموسمية:
ينشأ هذا النوع من البطالة نتيجة ركود قطاع العمال و عدم كفاية الطلــب الكلي على العمل، كما قد تنشأ نتيجة لتذبذب الدورات الاقتصادية . يفسر ظهورها بعدم قدرة الطلب الكلــي على استيعاب أو شراء الإنتاج المتاح مما يؤدي إلى ظهور الفجوات الانكماشية في الاقتصاد المعني بالظاهرة.
تعادل البطالة الموسمية الفرق الموجود بين العدد الفعلي للعاملين و عددهم المتوقع عند مستوى الإنتاج المتــاح و عليـه فعندما تعادل البطالة الموسمية الصفر فإن ذلك يعني أن عدد الوظائف الشاغرة خلال الفترة يسـاوي عـدد الأشخـاص العاطلين عن العمل(10).
تعتبر البطالة الموسمية إجبارية على اعتبار أن العاطلون عن العمل في هذه الحالة هي على استعداد للعمل بالأجور السائـدة إلا أنهم لم يجدوا عملا.
يتقلب مستوى التوظيف و الاستخدام مع تقلب الدورات التجارية أو الموسمية بين الانكماش و التوسع ( يزيد التوظيف خلال فترة التوسع و ينخفض خلال فترة الكساد ) و هذا هو المقصود بالبطالة الدورية.

3 ـ تصنيفات أخرى للبطالة
إضافة لما تم تحديده من أنواع للبطالة، يضيف الباحثون في مجال الاقتصاد الكلي لذلك التصنيفات التالية للبطالة.

3 ـ 1 ـ البطالة الاختيارية و البطالة الإجبارية
البطالة الاختيارية هي الحالة التي ينسحب فيها شخص من عمله بمحض إرادته لأسباب معينة، أما البطالة الإجبارية فهي توافق تلك الحالة التي يجبر فيها العامل على ترك عمله أي دون إرادته مع أنه راغب و قادر على العمل عند مستوى أجر سائد، وقد تكون البطالة الإجبارية هيكلية أو احتكاكية.

3 ـ 2 ـ البطالة المقنعة و البطالة السافرة
تنشأ البطالة المقنعة في الحالات التي يكون فيها عدد العمال المشغلين يفوق الحاجة الفعلية للعمل، مما يعني وجود عمالة فائضة لا تنتج شيئا تقريبا حيث أنها إذا ما سحبت من أماكن عملها فأن حجم الإنتاج لن ينخفض. أما البطالة السافرة فتعني وجود عدد من الأشخاص القادرين و الراغبين في العمل عند مستوى أجر معين لكن دون أن يجدوه، فهم عاطلون تماما عن العمل ، قد تكون البطالة السافرة احتكاكية أو دورية(11).

3 ـ 3 ـ البطالة الموسمية و بطالة الفقر
تتطلب بعض القطاعات الاقتصادية في مواسم معينة أعدادا كبيرة من العمال مثل الزراعة، السياحة ، البناء وغيرهـا و عند نهاية الموسم يتوقف النشاط فيها مما يستدعي إحالة العاملين بهذه القطاعات ما يطلق عليه بالبطالة الموسمية، و يشبه هذا النوع إلى حد كبير البطالة الدورية و الفرق الوحيد بينهما هو أن البطالة الموسمية تكون في فترة قصيرة المدى. أما بطالة الفقر فهي تلك الناتجة بسبب خلل في التنمية و تسود هذه البطالة خاصة في الدول المنهكة اقتصاديا.

3 ـ 4 ـ البطالة الطبيعية
تشمل البطالة الطبيعية كلا من البطالة الهيكلية و البطالة الاحتكاكية و عند مستــوى العمالة الكاملـــة،و يكون الطلب على العمل مساويا لعرضه، أي أن عدد الباحثين عن العمل مساو لعدد المهن الشاغـرة أو المتوفرة، أما الذين هم في حالة بطالة هيكلية أو احتكاكية فيحتاجون لوقت حتى يتم إيجاد العمل المناسب. و عليه فإن مستوى البطالة الطبيعي يسود فقط عندما يكون التشغيل الكامل.
عندما يبتعد الاقتصاد الوطني عن التوظيف الكامل فإن معدل البطالة السائد يكون أكبر أو أقل من معدل البطالة الطبيعي، أي أنه عندما تسود حالة الانتعاش يكون معدل البطالة السائد أقل من معدل البطالة الطبيعي، أما في حالة الانكماش فإن معدل البطالة السائد يكون أكبر من معدل البطالة الطبيعي و بذلك تعم البطالة الدورية.

ثانيا : أسباب تفشي البطالة في الوطن العربي
تعتبر البطالة من اشد المخاطر التي تهدد استقرار و تماسك المجتمعات العربية، و ليس بخاف أن أسبابها تختلف من مجتمع عربي لآخر، و حتى أنها تتباين داخل نفس المجتمع من منطقة لأخرى. و يمكن في هذا الصدد أن نوعزها لأسباب اقتصادية، اجتماعية و أخرى سياسية. كل سبب من هاته الأسباب له أثره على المجتمع من حيث إسهامه في تفاقم مشكلــة البطالة. بناء عليه على ما تقدم أمكن حصر أهم الأسباب التي تقف وراء تنامي الظاهرة في البلدان العربيــة في النقاط التالية:
- إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية ؛
- نمو قوة العمل العربية سنويا؛
- انخفاض الطلب على العمالة العربية عربيا و دوليا ؛
- المنعكسات السلبية للمتغيرات الدولية على العمالة العربية.

1 ـ إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية
بالإمعان في تطور النمو الاقتصادي في البلدان العربية، نجد أنها قد جاءت مخيبة للآمال و لم تحقق ما كان منتظرا منها، فلم ترفع مستوى نصيب دخل الفرد العربي بدرجة محسوسة(12)، و أشد من هذا أن الفجوة بين الدول العربيـة و الدول الصناعية المتقدمة في تزايد مستمر لتباين معدلات النمو في كل منهـا(13)، و يمكـن تحديد أشد العقبات التي تواجه الدول العربية في هاته المسألة من تأخرها عن مساعي التنمية، حيث يوعز ذلك إلى جمود الهيكــل الاقتصادي للدول العربية إضافة إلى تأخرها في الجهود الإنمائية و الصناعية، حيث نجد أن صناعاتها الآن بالضرورة ناشئــة لا تستطيع منافسة منتجات الدول الصناعية إلا إذا توافرت لها دفع من أنواع الحماية. و ما يزيد من العقبات التي تواجههـا الدول العربية نتائج تباطؤها في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي و فشل سياساتها الاقتصادية التي كان ينتظر منها تقليــل قلاقل تفاقم أزمة البطالة بها.
إن ما نبرزه في هذا المقام هو بعــض الجوانب التي تعيق تقدم مخططات التنمية الاقتصادية في هاته الــدول، حيث تبين هذه العقبات جانبا آخر من مسـاوئ الوضع الذي تواجهه الدول العربية نتيجة تأخرها في سلم التقدم الاقتصادي ، و التي يمكن تحديدها وفقا للنسق الموالي:

1 ـ 1 ـ فشل برامج التخطيط الاقتصادي و تفاقم أزمة المديونية الخارجية
إن إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية، و خاصة بعد الوفرة النفطية التي شهدتها فترة مطلع السبعينات(14)، فقد دلت دراسة أجراها مركز دراسات الوحدة العربية أن من أبرز مظاهر خطط التنمية الاقتصاديـة هو وقـوع أغلب الدول العربيـة في مأزق المديونية الخارجية التي وصلت سنة 1995 إلى نحو 220 مليار دولار(15)، و في المقابل هروب رؤوس الأمــوال العربية إلى الخارج و التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 800 مليار دولار أمريكي(16)، و كذا وجود أزيد من 60 مليون أمـي عربي و 9 مليون طفل لا يتلقون التعليم الابتدائي(17)، و بالنظر لغالبية السكان في الدول العربية نجد أنها تقع ضمن شريحـة الدخل المتــدني و خاصة في الأرياف ، و أكثر من 10 ملايين لا يحصلون على طعـام كـاف(18).
هذا إضافة إلى غياب التخطيط الاقتصادي المنهجي و عدم تطابق برامج التعليم في معظـم الدول العربية مع حاجات سوق العمل الفعلية، كما أن التكوين التعليمي في معظم الدول العربيـة لا يتجــاوب مع التطورات التكنولوجية السريعة الجارية في عالم اليوم.

1 ـ 2 ـ تبعات تنفيذ برامج الخصخصة
أدى تطبيق هذه البرامج إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال في شركـات و مؤسسات القطاع العام. و في هذا الصدد يمكن الاستدلال بحالة الجزائر، فقد انتقل معدل البطالة من حدود 17% سنة 1986 إلى 30 % خلال السداسي الأول لسنة 1999 بسبب ما رافق الإصلاحات من تسريح للعمال و غلق للوحدات(19).
كما نشير هنا أن الحكومات العربية تخلت عن دورها التخطيطي بعد أن أصبح دورها يتركز فقـط على الإشــراف أو التوجيه عن بعد، و بالتالي غابت الأدوات الفعالة لتنفيذ الخطط التنموية و على رأسها الحد من البطالة.
نتج عن خصخصة مشروعات القطاع العام موجة تسريح هائلة من العمالة الموظفة لديها، و خاصة العمالة ذات الأجور المرتفعة أو خفض رواتب العمال الذين بقوا في وظائفهم. و قد أصبحت عمليات الخصخصة التي تجرى على نطاق واسع أكبر مصدر لنمو البطالة في البلدان العربية، و يضاعف من حرج الموقف قيام الشركات الأجنبية التي أصبحت تمتلك هذه المؤسسات بترحيل أرباحها للخارج مما يؤثر سلبا موازين المدفوعات و القدرة التراكمية للبلدان العربية(20).

1 ـ 3 ـ إخفاق برامج التصحيح الاقتصادي
باءت أغلب برامج التصحيح الاقتصادي التي طبقتها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في إحداث أي نمو اقتصادي حقيقي، و بنسب مقبولة تعمل على التخفيف من حدة البطالة في هذه الدول، بل على العكس من ذلك تماما فقد وسعت هذه البرامج الفجوة و زادت من أعداد العاطليـن عن العمل، و كذا إفقار قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة لرفع الدعم على السلع و الخدمات الأساسية. انبثق عن تطبيق هذه البرامج سياسات نقدية و مالية و توجهات اجتماعية زادت من حدة البطالة في هذه الدول، و نذكر منها :
- تخلي الدولة عن الالتزام بتعيين الخريجين و تقليص التوظيف الحكومي؛
- تقليص معدل الإنفاق العمومي الموجه للخدمات الاجتماعية أدى إلى خفض مواز في طلب الحكومة على العمالة المشتغلة بهذه الخدمات ؛
- تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي أدى إلى خفض الاستثمار الحكومي في خلق طاقات إنتاجية جديدة تستوعب الأيدي العاطلة.
نشير في هذا الصدد أن الدول العربية خاصة النفطية منها قد عادت من جديد للاهتمام بقطاعات كانت قد تخلت عنها خلال فترة انهيار أسعار النفط لتعاود دعمها من جديد، و خير مثال تستدل به هو حالة الجزائر، حيث أنها عادت من خلال طرحها لمشروع الإنعاش الاقتصادي و الذي رصدت له مبالغ مالية ضخمة .
ارتفعت معدلات البطالة في السنوات الأخيرة في البلدان العربية(21) بسبب أثر برامج التثبيت و التعديل الهيكلي التي تسارع تطبيقها. يؤكد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 1996 أن استمرار تطبيق برامج التثبيت الاقتصــادي و التكيف الهيكلي أدى إلى استمرار تفاقم المشكلة .
1 ـ 4 ـ التوجيه غير السليم للموارد المالية العربية
ذلك من خلال استنزاف معظم الموارد المالية العربية خلال فترة انتعاش أسعار النفط في الإنفاق على التسلـح و تمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة العربية، مما أدى بها إلى الوقوع في شراك المديونية و خدمتها جد المكلفة. و قد بلغت حدة هذا التأثير السلبي ذروته حينما حدث الغزو العراقي للكويـت و اندلاع حرب الخليج الثانية، ناهيك عن الأولى، حيث عادت أعداد كبيرة جدا من العمالـة المهاجـرة إلى بلدانهـا. حيث خرج في هذه الآونة مليونيـــن و 510 ألف عامل عربي بنسبة 77.7 %من جملة العمالة العائدة و في عامــي 1990 -1991 و الشطر الأكبر من هؤلاء أضيف إلى رصيد البطالة المتراكم في بلدانهم(22).

2 ـ انخفاض الطلب على العمالة العربية عربيا و دوليا
إن اخطر ما نتج عن تدهور أسعـار النفـط عالميــا في سنوات ما قبل بداية الألفية الحالية في أوضاع العمالة العربية و التشغيل في البلدان العربية غير النفطية، هو ذلك الأثـر المتمثل في انخفاض طلب دول الخليج العربية على العمالة العربية، و ذلك أن الطلب بدا يقل تدريجيا ابتداء من النصـف الثاني من الثمانينات و زاد هذا الانخفاض مع اقتراب استكمال مشروعات البنية التحتية في نهاية الثمانينات و كذا تشهد دول الخليج العربية إحلالا للعمالة العربية بالعمالة الآسيوية خاصة، و ذلك لعدة أسباب منها انخفاض أجر هذه الأخيـرة و الحد من الهجرة العربية نحو هذه الدول خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، و كذا شروع بلدان مجلس التعاون الخليجي و التي تعد من أكبر المناطق استيعابا للعمالة العربية في تطبيق سياسات توطين العمالة، و هو ما تسبب في فقدان عشرات الآلاف من العمال العرب لوظائفهم، و في المقابل قامت الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربيـة باتخـاذ إجراءات صارمة بحق الداخلين إليها، إضافة لموجة العداء و الكراهية و الاستفزاز التي سادت منذ أحداث الحادي عشـر من سبتمبر، و هو ما أثر سلبا على تحرك العمالة العربية في العالم و أدى إلى حدوث هجرة عكسية واسعة .
3 ـ نمو قوة العمل العربية
أصبحت اغلب الدول العربية تتحمل عبئا كبيرا في سبيل مواجهة تفاقم أزمة البطالة خصوصا بين الشبــاب و ذوي الشهادات العلمية و التقليل من آثارها السلبية، و ذلك بسبب تداخل عدد من العوامل ذات العلاقة المباشرة بقضية التشغيل كالنمو السكاني، نمو القوى العاملة و مستويات مهارتها و إنتاجيتها، الأداء الاقتصادي و التطورات الاجتماعية.
على الرغم من تحقيق البلدان العربية تقدما في بعض المؤشرات الاجتماعية كانخفاض معدل الوفيات، تحسن متوسط العمر المتوقع عند الولادة و في معدلات الأمية. لا تزال العديد من الدول تعاني من بعض هاته المشاكل و على رأسها نمو القوى العاملة بمعدل أكبر من معدلات نمو فرص العمل.
يقدر عدد السكان الإجمالي للدول العربية لسنة 2003 بحوالي 302 مليون نسمة مع تباين كبيـر بين هـذه الـدول إذ يتراوح بين 638 ألف نسمة في قطر و 67 مليون في مصر (23).
يقدر النمو السكاني في البلدان العربية للفترة1995- 2003 بحوالي 2.4 % ، و يعتبر هذا المعدل الأعلى بين الأقاليم الرئيسية في العالم باستثناء دول إفريقيا جنوب الصحراء(24)، كما يعتبر معدل النمو السكاني في الدول الخليجيــة و ليبيا مرتفعا مقارنة بباقي الدول العربية نتيجة زيادة عدد العمالة الوافدة إليها.
كما نشير إلى أن الفترة الممتدة بين 1970- 2001 قد تميزت بزيادة أعداد المهاجرين من الأرياف إلى المدن، حيـث تراوحت بين 25% - 50 % من سكان الريف، و ذلك بالنسبة لمعظم البلدان العربية نتيجة عدم توفر فرص العمل المناسبة و نقص الخدمات في الناطق الريفية مما أدى إلى اكتظاظ المدن و تزايد معدلا البطالة(25).
إن أهم ما يميز التوزيع السكاني في الدول العربية هو ارتفاع نسبة الفئة الأقل من 15 سنة مما يطرح مشكلـة مستقبليـة عويصة في الأجل القريب بسبب طلبهم المتوقع للعمل، حيث تتراوح هذه النسبة بين 25 % في الكويـت و 46 %في اليمن، بينما تتراوح نسبة السكان في الفئة العمرية 15 – 65 سنة بين حوالي 50% في اليمــــن و 74% في الكويت بسبب ارتفاع أعداد العمالة الوافدة إليها و التي تقع ضمن هذه الشريحة(26).
قدر حجم القوى العاملة العربية حسب إحصائيات سنة 2003 بحوالي 110 مليون مقابل 300 مليون نسمـة أي ما يعادل حوالي 37% من إجمالي سكان الدول العربية. تعود هذه الظاهرة إلى مجموعة عوامـل ديمغرافيـة و اجتماعيـة من أهمها التركيبة السكانية التي تتصف بالفتوة، حيث ترتفع نسبة السكان في الفئة العمرية 15 سنة فأكثر كما أسلفنـا الذكر إلى 50 %، إضافة إلى انخراط الشباب في مراحل التعليم المختلفة(27).
أدى النمو السكاني السريع إلى ارتفاع معدلات نمو القوى العاملة العربية بنسبة 3.1% خــلال الفترة 1995 -2001 و الذي تجاوز معدل النمو السكاني البالغ 2.5% خلال نفس الفترة الزمنية(28).
تتباين معدلات نمو القوى العاملة فيما بين الدول العربية، حيث يشير التقرير الاقتصادي العـــربي الموحد لسنة 2003 لارتفاعها عن المتوسط العام للدول العربيـة، وذلك في تسع دول هي الأردن، سوريا، اليمن، الجزائر، السعودية، العـراق، عمـان، لبنــان و ليبيــا، إذ تتراوح ما بين 3.2%و 5.5% .
من المتوقع أن يستمر نمو معدلات القوى العامة العاملة العربية لعدة عقود قادمة، مما يسمح بوصول أعداد كبيرة من العمالة لسوق العمل سنويا، ورغم ارتفاع هذه المعدلات فلا تزال نسبة مشارك المرأة منخفضة، حيث لا يتجـــاوز 29% من القوى العاملة باستثناء بعض الدول لعربية التي تتميز بمشاركة أكبر للمرأة خاصة في المجال الزراعية(29).
و ما يجـب التنبيه إليه في هذا المقام هو ما تدور حوله مشكلة البطالة في الوطن العربي هو ذلك التباين الموجود بين النمو الحادث بين قوة العمل و النمو المتواضع الذي ينمو به الطلب على العمالة سنويا، كما يمكن إيعاز هذا الاختـلال أيضا التباين الموجود بين نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية و معدل نمو قوة العمل بها.

4 ـ المنعكسات السلبية للمتغيرات الدولية على العمالة العربية
تبقى كثير من الدول العربيـة بمنأى عـن تأثيـرات و اتجاهات العولمة و الاندماج الفعلي في نظام التجارة العالمي و الأسواق العالمية باستثناء الدول العربية النفطية التي تعتمد في علاقاتها مع الأسواق العالمية عل تصدير النفط إليها و استيراد احتياجاتها من السلع الاستهلاكية و الإنتاجيـة من هذه الأسواق. كما نعلم أنه خلال العقود الثلاثة الماضية اتجهت الاستثمارات الرأسمالية العالمية بصورة أساسية إلى دول شرق آسيا و بعض دول أمريكا اللاتينية عبر الشركات المتعددة الجنسيات، و لم يكن نصيب الأقطار العربية من هذه الاستثمارات بالقدر الذي يستحق الذكر(30)، و على عكس ذلك من المفارقات العجيبة أن القسم الأكبر من الموارد المالية العربيـة و بصورة خاصة الفوائض المالية النفطية اتجهت صوب الأسواق و المصارف العالمية لتصب في دورة رأس المال العالمــي و إعادة إنتاجه في غير الدول العربية، حيث يقدر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية أنها بلغت حوالي 800 مليار دولار أمريكي سنة 1991، بعد أن كانت أضعافا قبل حرب الخليج(31).
لتأكيد تأثير المتغيرات الدولية على العمالة العربية، تجدر الإشارة إلى أن تطور التقسيـم الدولي الجديـد للعمـل، دفع بالشركات المتعددة الجنسيات للاهتمام بالدول الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية و تركيز استثماراتها في هذه الدول التي تدر أقصى ما يمكن من الأرباح، فمن أصل 500 شركة دولية كبرى تركز ثلث عددها على الفـروع الصناعيـة التي تتطلب استخداما عاليا لنتائج البحوث العلمية و التقنية(32)، و غالبا ما تحتفظ هذه الشركات بمراكز البحوث و التطوير في مقراتها الرئيسية، و ما يمكن قوله في هذا المجال و نتيجة لاتجاهات الشركات الدوليـــة و خياراتها لمناطق الاستثمار في العالم التي تحقق مصالحها، فان المنطقة العربية مازالت خارج اهتمام هذه الشركات باستثناء الشركات الدولية العاملة في مجالات النفط و مشتقاته و التي تستخدم تقنية عالية و أيدي عاملة عالية التأهيــل، و قد تكون غيـر عربيــة في كثير من الأحيان.يقدر عدد العاطلين عن لعمل في الوطن العربي حوالي 12 مليون فرد و حسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لسنة 1999 فإن عددا من الدول العربية (السودان، اليمن، الصومال، موريتانيا ) تقع في ترتيب الدول ذات التنمية المنخفضة أو ما يطلق عليه بلدان الفئة الثالثة، و التي يبلغ نصيب الفرد من الاستثمارات الإجمالية حوالي 04 دولارات فقط، بينما يزيد نصيب الفرد من الاستثمارات في بعض الدول العربية ذات الفئة الثانية (33)،وحسب نفس التقرير 31 دولارا، في حين يقارب 300 دولارا في الدول ذات الفئة الأولى.
لتبيان أثر الاتجاهات الدولية وأسواق العمل الدولية على العمالة العربية في ظل الأوضاع العربيـة الاقتصاديـة السائدة، يمكن الإشارة إلى بعض الأمثلة في بعض الدول العربية فعلى سبيل المثال بلغ عدد العاطلين عن العمـــل من الخريجين الجامعيين في مصر مليون وثمانمائة ألف عاطل عام 1995 ، كما هو معروف بدأت مصر تجربـة الانفتاح والخصخصة وتحرير التجارة والأسواق في العديد من القطاعات قبل غيرها من البلدان العربية(34).
أما في الجزائر فقد بدأت سياسات التصنيع الثقيل بواسطة الشركات الأجنبية العملاقة وانتشرت مشاريع تسليم المفتاح باليد منذ مطلــع السبعينات وحيث تم التركيز على رفع إنتاجية العمل بالاعتماد على التقنيات الحديثة دون الاهتمام بالتشغيل واستيعاب قوة العمل الفائضة.
تعم البطــالة في الجزائر بين الشبـاب والنساء، فالبطالة والفقر يمكن إرجاع سببهما لما شهدته الجزائر خلال العشرية الماضية من أعمال تخريبية. كما يمكن أيضــا الاستدلال باليمن كمثال آخر عن التأثيرات السلبية الناجمة عن الخلافات العربية بالإضافة للعوامل الداخلية، فالبطالــة والفقر تفاقما إلى حد خطير بعد عودة العمال اليمنيين من دول الخليج على إثر حرب الخليج الثانية ونتيجة لما يسمــى بسياسات الإصلاح الاقتصادي التي تفرضها قوى العولمة التي أدت إلى التضخم الهائل وارتفاع الأسعار وعجز الحكومـة عن دفع رواتـب بعض فئات العمــال و الموظفين.
إن انخراط المنطقة العربية في اتجاهات النظام العالمي الجديـد قد يـؤدي في المستقبل إلى زيادة الاستثمـارات في بعض القطاعات التي تختارها القوى الممثلة لهذه الاتجاهات وفي مقدمتها الشركات الدولية وإلى زيادة إنتاجية العمل في بعض المؤسسات الإنتاجية والخدمية المرتبطة بالأسواق العالمية، إلا أن النتيجة المتوقعة للعولمة من خلال سياسات المؤسسات والمنظمات الدولية والشركات متعددة النشاط هي زيادة معدلات البطالة وتعميق الفقر وتعميمه. إذ يستحيل التفكير بأن الرأسمالية العالمية وتيارات أسواق العمل الدولية ستكون قادرة على حـل هذه المشاكل الحالية والمتفاقمة في المستقبل. ومن الملاحظ أن أسواق العمل في الدول المتقدمة تسعى فقط إلى جـــذب الكفاءات والأدمغة النادرة القادرة على التلاؤم مع معطيات التقنيات الحديثة في هذه الدول وذلك خلافاً لما كان عليـه الحال في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث فتحت الدول الأوربية أبوابها لليد العاملة الأجنبية ومنـها العربيـة ومن مستويات مختلفـة في المهارة لإعادة الإعمار وإصلاح ما خربته الحرب.

ثالثا : تراجع معدلات التشغيل في الوطن العربي و الآثار المترتبة عليها
تمثل البطالة إحدى التحديات الكبرى التي تواجهها البلدان العربية لآثارها الاجتماعية و الاقتصادية الخطيـــرة، حيث طرحت منذ سنوات التحذيرات بشأن ما ستفرزه البطالة في واقع الدول العربية، و دق ناقوس الخطر من جـراء عواقبها السلبية على المن القومي العربي، و مع ذلك فإن معدلات البطالـة في البلـدان العربيـة تتزايد يوما بعد يوم.
سيتم في الموضع بداية تناول معدلات التشغيل في البلدان العربيـة و ذلك بهدف إعطاء صورة واضحة للقارئ عن هذه الاقتصاديات، ثم تقديم تحليل للآثار التي تفرزها مشكلة البطالة بها.

1 ـ تراجع معدلات التشغيل في الدول العربية
تعد البطالة من الظواهر السلبية التي تهدد السلم و الاستقرار الاجتماعي، باعتبار أن دخل الفرد من عمله يمثل صمــام الأمان و الاستقرار له و لمجتمعه، في حين أن البطالة و الحرمان من الدخل يولدان الاستبعاد و التهميش الاجتماعي علاوة على سائر العلل الاجتماعية الأخرى .
تعتبر معدلات البطالة في الوطن العربي الأسوأ في العالم حيث تجاوز معدلها 19.5% سنة 2001 مقارنــة بالـدول الإفريقية جنوب الصحراء (14.4 %) و البلدان الاشتراكية سابقا ( 13.5% ) و دول أمريكا اللاتينيـة (9.9% ) و بعض المناطق الآسيوية (أقل من 4.2 %).(35)
يجب أن ننوه في هذا المقام إلى تلاشي فكرة أن هناك دولا محصنة ضد البطالة كما كان يعتقد بالنسبة لحالة دول الخليـج العربية، و ما يثير الدهشة أن معدل البطالـة في أكبر دول الخليـــج العربي حجمـا و تشغيــــلا و استقبــالا للوافدين و هي المملكة العربية السعودية تقارب 9.6% بين السعودييـن وكذا الأمر بالنسبة لسلطة عمان حيث كان هذا المعدل يتجاوز 17.2% سنـة 1996 أو قطـر بنسبـة تقـدر بـ 11.6% حسب إحصائيات سنة 2001 و ليبـيا بمعــدل 11.2% لسنة 1998، و هي بطالة ذات طبيعة خاصة أقرب ما تكون إلى البطالة الهيكلية. توعز أسبابها لسياسـات التعليم و التدريب و الاستخدام المنتهجة في هذه الدول(36).
أصبح تفشي البطالة بين فئة الشباب خاصة، ظاهرة عالمية تعاني منها الدول النامية و المتقدمة على حد السواء تكـاد تكون هذه الظاهرة محورا أساسيا لكثير من النقاشات الاقتصادية و القرارات السياسية داخل كل دولة ، حيـث بلغت معدلات البطالة بين الشباب مستويات مرتفعة و بشكل متفاوت فيما بين الدول العربية، حيث بلغ هذا المعدل أقصـاه في البحرين 65% سنة 1997 و 61% في مصـر سنة 1998، و يتجــاوز ذلك في حالـة سـوريا
و تقـارب النسبة 40% في فلسطين و المغرب. أما بالنسبة للجنسين، فكان للذكور حظ ثلاثة إناث من البطـالة في الجزائر و بالعكس في حالة مصر، فللإناث حظ الذكرين و تقع لبنان بينهما، كما أن هذه النسبة تكاد تتساوى بين الجنسين في البحرين(37).
الأشد وقعا و إيلاما في بطالة الشباب هم حملة الشهادات، حيث أن مؤسسات التعليم و التدريب تبدو و كأنها مولـد للبطالة و الدخول المنخفضة وتعمل على هدر جهود التنمية البشرية. انتشرت هذه الظاهرة بداية في مصـــر و خاصة بالنسبة لحملة المؤهلات المتوسطة الذين يمثلون ما يزيد عن 70% من المتعلمين المتعطلين، و بالمقابل فإن 4.1% فقـط من المتعطلين هم من الأميين و نسبة أقل بين من يعرف القراءة و الكتابة بنسبة تقدر بـ 2.5% و هي حالة متطرفـة و غير أنها سرعان ما امتدت لتشيع بين الدول العربية الأخرى كالجزائر، المغرب، تونس، عمـــان، الأردن و سوريا...الخ(38).

2 ـ الآثار المترتبة عن البطالة في الوطن العربي
تشير المعطيات المتوافرة عن مشكلة البطالة في الوطن العربي إلى أن هذه المشكلة آخذة في التنامي سنة بعد أخرى، و أن جميع المعالجات التي رصدت لحل هذه المشكـلة من قبل الدول العربيـة باءت بالفشل الذر يع و ذلك لعدة أسباب مختلفة.
على الرغم من التأثيرات السلبية لمشكلة البطالة على الاقتصاديات العربية إلا أنها لم تبرز بشكل واضح حتى الآن رغم أن الحجم الحالي للبطالة تعتبر مثيرا للقلق، حيث أنه يسبب خسائر اقتصادية كبيرة ناهيك عن انعكاساته الاجتماعية.

2 ـ 1 ـ الآثار الاقتصادية
على الرغم من أن التأثيرات السلبية لظاهرة العولمة على الاقتصاديات العربية ومشكلاتها الكثيرة ومن ضمنها البطالة لم تظهر بشكل مباشر حتى الآن، إلا أن الحجم الحالي للبطالة يبعث على القلق أيضاً ويسبب خسائر اقتصادية كبيرة.
وفقًا للتقارير الرسمية العربية، ومن بينها التقارير الصادرة عن منظمة العمل العربية، أن هناك مؤشرات على اتساع هذه المشكلة وقصور العلاجات التي طرحت حتى الآن، سواء على المستوى القطري أو المستوى العربي؛ فتقارير المنظمة لسنة 1999 تشير إلى إن عدد الشبان العرب العاطلين عن العمل يبلغ نحو 12 مليون شخص يشكلون ما نسبته 14% من القوة العربية العاملة التي تبلغ في الوقت الحاضر نحو 98 مليون شخص. وقد أكد الأمين العام لمنظمة العمل العربية أن هناك 12 مليون شاب عربي عاطل عن العمل، في حين يعمل 6 ملايين أجنبي في الوطن العربي، كما أشار إلى وجود أكثـر من 300 مليار دولار يستثمرها العرب خارج الأقطار العربية، مضيفا أنه لو تم استثمار هذه الأموال في الوطن العربي لتم تشغيل نسبة كبيرة من اليد العاطلة ، والحد من الخسائر السنوية التي تتكبدها الدول العربية(39).
توقع الأمين العام لمنظمة العمل العربية أن يصل عدد الباحثين عن فرص عمل في المنطقة العربية سنة 2010 أكثر من 32 مليون شخص، وأضاف أن عدد السكان النشطين اقتصادياً سيرتفع من 98 مليون شخص حالياً إلى نحو 123 مليوناً سنة 2010(40). ومما يزيد في خطورة ظاهرة البطالة ارتفاع معدلاتها السنوية التي تقدرها الإحصاءات الرسمية بنحو 1.5% من حجم قوة العمالة العربية في الوقت الحاضر، تشير نفس الإحصائيات(41) إلى أن معدل نمو قوة العمل العربية كانت خلال الأعوام 1995، 1996 و 1997 نحو 3.5%، ارتفع هذا المعدل إلى نحو 4% في الوقت الحاضر، وإذا كانت الوظائف وفرص التشغيل تنمو بمعدل 2.5% سنوياً، فإن العجز السنوي سيكون 1.5% وعليه فإن عدد العمال الذين سينضمون إلى العاطلين عن العمل سنوياً سيبلغ نحو 1.5 مليون شخص.
يذكر أن منظمة العمل العربية تقدر أن كل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1% سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5%، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة إلى 1.5 %، سيرفع فاتورة الخسائر السنوية إلى أكثر 170 مليار دولار. وهذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل، وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلى ربع حجمها الحالي. ومما سيساهم في زيادة معدلات البطالة مستقبلاً، وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية والمصدرة للعمالة(42).
كما أن إحالة الكفاءات العربية ذات التكوين العالي في بعض البلدان العربية و التي تشغل مناصب عمل سواء كانت غير مناسبة لتكوينهم أو لسبب أنهم يعتبرون بمثابة عاطلين يتلقون مقابلا لا يتعدى ما تمنحه الدول المتقدمة كمنحة للعاطلين، من النتائج الخطيرة لهجرة الكفاءات العلمية في فقدان الوطن لإمكانات هذه الكفاءات العلمية والفكرية والتربوية التي انفق على تعليمها وإعدادها أموالا وجهودا كبيرة، حيث تؤدي هذه الهجرة لإعاقة عملية التقدم، وإبطاء حركة التنمية وإضعافها في هذه الدول.
تزايدت هجرة العقول العربية في العقود الثلاثة الأخيرة لأسباب كثيرة منها عدم توفير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤمن مستوى لائقا من العيش بالإضافة إلى ضعف الاهتمام بالبحث العلمي وعدم وجود مراكز البحث العلمي المطلوبة.تقدر دراسة حديثة صدرت في دمشق إلى أن الخسارة الاقتصادية للدول العربية بسبب هجـرة عقولها بـ 1.57 مليار دولار سنويا(43)، وجاء في ذات التقرير أنه وفي الوقت الذي تدفع فيه الأوضاع المعيشية والعلمية والاجتماعية إلى هجرة الأدمغة العربية، فان دول الغرب والولايات المتحدة تسعى لاستقطاب هذه الأدمغة من خلال تقديم الإغراءات المادية والحياتية الكبيرة، لكي توظفها في خدمة البحث العلمي والصناعي، وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة هذه الدول التي تسعى بجميع الوسائل للاحتفاظ باللامعين من العقول الأجنبية المتخرجة من جامعاتها، وإذا كانت الدول التي تشهد هذه الهجرة تحقق فائدة من تحويلات المغتربين في الخارج إلى ذويهم، وقد تصل هذه العائدات إلى مبالغ كبيرة كما هو الحال في اليمن ومصر ولبنان، فإن سلبيات هذه الهجرة تبقى اكبر بكثير.

2 ـ 2 ـ الآثار الاجتماعية
تبرز إلى السطح ظاهرة من اخطر الظواهر الاجتماعية في الدول العربية المتمثـــلة في البطالة وإفرازاتها الأمنية وانعكاساتها النفسية على العاطلين، الأمر الذي يتطلب معالجة سريعة ووضع برامج قصيـرة وطويلة الأجل لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين قبل أن تستفحل الظاهرة و يستعصي حلها.إن أهمية هذه القضية تأتي بلا شك من أهمية ظاهرة البطالة نفسها وما يترتب عليها من آثار جسيمة ذات مساس ببنية المجتمــع .
تشيــر الدراسـات(44) أنه يمكن للبطالة تؤثر في مدى إيمان الأفراد وقناعتهم بشرعية الامتثال للأنظمة والمبـادئ والقواعــد السلوكية المألوفة في المجتمع. وبذلك فإن البطالة لا يقتصر تأثيرها على تعزيز الدافعية والاستعداد للانحراف، إنما تعمل أيضا على إيجاد فئة من المجتمع تشعر بالحرية في الانحراف. و وفقاً لهذه القناعة والإيمـان فإن انتهاك الأنظمة والمعايير السلوكية العامة أو تجاوزها لا يعد عملاً محظوراً في نظرهم، لأنهم ليسوا ملزمين بقبـولها أو الامتثال لها. واتساقاً مع هذه النتائج تشير دراسة أخرى إلى أن الفقر والبطالة يــؤديان إلى حالة من شعور الرفض والعداء تجاه المجتمع وعدم الإيمان بشرعية أنظمته والامتثال لها، مما يؤدي إلى الانحراف والسلوك الإجرامي، وبخاصة فيما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس، ويعزز هذا الافتراض ما أشارت إليه دراسة عن حالة البطالة في المملكة العربيـــة السعودية إلى أن الفـرد العاطل قد يصاب بفقدان الشعور بالانتماء إلى المجتمع حيث يشعر بالظلم، الذي قد يدفعه إلى أن يصبح ناقمــا على المجتمع. لذا فإن ضعف الضوابط الأسرية وتأثير القيم العامة الذي ينتج من ارتفاع نسبــة البطالـة في المجتمع يؤدي إلى ضعف الاستعداد والقابلية للامتثال والتكيف مع الأنظمة والضوابط الاجتماعية، وهذا الوضــع يكون سبباً رئيساً في زيادة نسبة الجريمة خاصة جرائم الاعتداء على الأملاك.
كما أن البطالة تؤدي إلى انخفاض أواصـر الروابـــط التي يحملها الناس تجاه المؤسسات الرسمية والأنظمة والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمـع، كمـــا أنها تحـــد من فاعلية سلطة الأسرة بحيث لا تستطيع أن تقوم أو تمارس دورها في عملية الضبط الاجتماعي لأطفالها. أضـف إلى ذلك أن حالة البطالة عند الفرد يمكن أن تخلق كثيرا من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن كثيرا من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية. فمثلا يتسـم كثير من العاطلين بعـدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم .
تعد البطالة المصدر الرئيسي لمشكلة الفقر وزيادة أعداد الفقراء، جاء في دراسة علمية أعدتها الجامعة العربية ونشرتها بعض الصحف، أن نسبة الفقر في الدول العربية تزداد بمعدل 1.7%، سنوياً، بحيث يعيش ما نسبته 36% من سكــان الـدول العربية تحت خط الفقر و أن نصيب الفرد من الدخل في الدول العربية لا يتعدى 1500 دولاراً سنوياً(45).
تؤكد الدراسات الاجتماعيــة إلى أهمية دور رأس المال العربي في القضاء على معدلات الفقر المتزايدة، مبينة أن استثمار جــزء يسير من الأمـوال العربية المهاجرة خارج البلاد العربية تكفل القضاء على الفقر العربي. تشير كافة التقارير والبيانات الإحصائيـة إلى أن أزمة البطالة بدأت التنامي والتوسع وسط مجتمعات عربية متعددة كالعراق، فلسطين ،الجزائر ،مصر وسورية، ولم تعـد تنفع معها سياسات التجاهل والتغاضي السابقة. كما أن الأحداث والتطورات المتسارعة وحالة عدم الاستقـــرار التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ساعدت على زيادة تفاقم أزمة البطالة بالمنطقة. ناهيك عن مشكلة الهجرة الواسعة غير الشرعية التي تشهدها بعض الدول العربية بسبب عجزها عن توفير فرص عمل للأعداد المتزايدة الداخلة إلى سـوق العمل.
حسب تقديرات تقرير منظمة العمل الدولية، اتسعت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل ربما يفوق الهجــرة المماثــلة في التجارب الأخرى، وذلك على رغم شدة القيود المفروضة على الهجرة، مما ولد ظاهرة سميت بقوارب الموت التي تحمل المهاجرين خاصة من دول شمال إفريقيا إلى الضفة الأوربية أملا في العثور على وظيفة في هذه الـدول لكن هذه القوارب تحولت إلى مصدر للمآسي خاصة بعد الإنتشالات المتكررة لجثث المهاجرين غير الشرعيين من عرض البحر الأبيض المتوسط .ويُتوقع أن تستمر محاولات تهريب المهاجرين والإقامة غير الشرعية رغم القيود التي تزداد شدة.

رابعا : جهود و مقترحات لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي
تجاه وضع البطالة في البلدان العربية تطرح جملة تساؤلات نفسها بإلحاح، و هي تشكل تحديات جدية في الوقت الحاضر و المستقبل أمام أسواق العمل العربية، و إذا كانت هذه التحديات قد أصبحت واضحة للعيان، فلا بد من التساؤل حول ما أنجزته الدول العربية للخروج من مأزق البطالة و مواجهة تيارات العولمة و اتجاهاتها ضمن استراتيجيات علمية و واقعية لرفع مستوى العمالة الكمي و النوعي في الوطن العربي، سيتم ذلك من خلال تناول النقطتين التاليتين :
- الجهود العربية للتصدي لمشكلة البطالة؛
- المقترحات المقدمة لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي .

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 9741 مشاهدة
نشرت فى 15 يناير 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,875,493

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters