أحمد السيد كردي
الطفل كالبرعم الصغير والزهرة الجميلة إن غرست فيها الحب والخير والقيم نمى فأبدع وتميز ونفع الأخرين , فهو كائن حي أعطاه الله الكثير من السلوكيات النافعة والضارة ، وهو أيضا ذكي وحساس يستخدم أحاسيسه للتعامل مع الآخرين من حوله، ولكل مرحلة عمرية سلوكياتها الخاصة، ومن خلالها تبرز شخصيته، وكلمة التربية هي نتاج ما تعلمه الطفل من مجتمعه المحيط به واكتسبه من سلوك حسن أو سىء، فهو تعلم كيف يتعامل مع الحياة الجديدة ، والتربية ليست دروس مقننة ونقاط محددة، ولكن تجارب يومية متتابعة وأسلوب تعامل والديه وعائلته ومجتمعه معه، ومن خلال هذه التجارب يستطيع الطفل أن يعبر عن نفسه ، ومن هنا تبرز سلوكياته اليومية سواء الحسن منها أو السيئ، وسلوكيات العناد والانطواء، وسلوكيات فرض الذات على الآخرين، وسلوكيات القهر والكبت، وقد يعتقد الوالدين أنها حالة مرضية أو نقص في القدرات الفكرية، وتلك السلوكيات لا تظهر فجأة بل سلسلة مترابطة، كما أنها لا تختفي وتتلاشى في ومضة عين، بل تحتاج إلى متابعة الوالدين، والوقت الكافي لزوالها.
من أخطر وأعقد مراحل تربية الطفل هي التعامل معه في المراحل الأولى من الحياة، وخصوصاً بين السنة الأولى والثالثة من العمر، حيث يتعاملون معه كدمية أو لعبة، وأنه لا يفهم شيئاً، وهم مخطئون في ذلك، فتلك هي مرحلة البناء الأساسية، فهو قادر على الفهم والإدراك، يحس ويتأثر لكل قول أو فعل مهما صغر أو كبر، وقد لا ينتبه الوالدين لفعلهم أو يقدرون قيمة لعبهم أو مزاحهم معه أو مع أخوته، وهذه المرحلة تسمى بالطور السلبي ، حيث تتواجد العديد من السلوكيات في كل الأطفال بدرجات متفاوتة، وغالباً ما تنتهي قبل سن الثالثة أو بعدها بقليل، ويكون تعامل الوالدين والمجتمع من حوله سبب في زيادتها واستفحالها، أو التخفيف منها.
في هذه المرحلة يبدأ الطفل باكتشاف الذات والتعبير عن نفسه من خلال الحركة والكلمة، والرغبة الذاتية في الملكية الفردية، فنلاحظ أن التعبير بالكلمة في هذه المرحلة تتركز في كلمات مثل ( أنا، لي، حقي، نفسي) كما تتركز لدية الرغبة في امتلاك عواطف الوالدين وعدم الرغبة في مشاركة الآخرين، وقد نلاحظ مقاطعة الوالدين عند حديث احدهم للآخر، والرغبة أن يكون الحديث منه وله فقط.
والمرحلة السلبية لها انعكاسات متعددة، فنجد الوالدين منزعجين من طفلهم وتصرفاته، يسبب لهم الضيق والإنفعال لما يقوم به من أعمال وتصرفات، فهو عنيد لا يلبي ما يطلب منه، يعمد إلى عصيان الأوامر والطلبات، يسبب إحراجاً لوالديه بتصرفاته خصوصاً في الأماكن العامة، فقد يرمي بنفسه على الأرض، أو يقوم بالصراخ والعويل، أو يقوم بتكسير الأشياء التي أمامه، قد يقوم بتلك الأعمال بدون سبب ظاهر سوى جلب الإنتباه، وقد تكون وسيلة للضغط على الوالدين لتنفيذ طلباته ورغباته في اللعب أو شراء لعب أو حلوى، وقد يستسلم الوالدين رغبة في إنهاء الموقف والسلامة، وهنا تكمن الخطورة، فقد يتطور الأمر رويداً رويدا تدريجيا، وتزداد الطلبات وما يصاحبها من أعمال غير مرغوبة كوسيلة ضغط، لتكون لدينا طاغية صغير مدلل، يتحكم في والديه ومن في المنزل جميعاً.
ومشاكل السلوك تحدث لدى غالبية الأطفال الطبيعيين بدرجات متفاوتة، وفي مراحل سنية بأشكال مختلفة، وحدوثها لا يعني وجود أمراض نفسية لدى الطفل، ولكن تطور هذه السلوكيات قد يؤدي إلى أمراض نفسية, وعلى ما حسب تعويد الوالدين له يشب محتفظ بالسلوكيات الحسنة أو السيئة " يشب ناشىء الفتيان منا على ما كان عوده أبوه ".
وقد يلحظ الوالدين تغيرا ما في سلوك طفلهما ويظهر ذلك في عدم تكيف الطفل في بيئته الداخلية ( الاسرة ) او البيئة الخارجية ( المجتمع) وتتعدد مشكلات الاطفال وتتنوع تبعا لعدة عوامل قد تكون اما :جسمية او نفسية او اسرية اومدرسية، وكل مشكلة لها مجموعة من الاسباب التي تفاعلت وتداخلت مع بعضها وأدت بالتالي الى ظهورها لدى الطفل ، ومن الصعب الفصل بين هذه الاسباب وتحديد أي منها كمسبب للمشكلة .
قد يلجأ الوالدين لطلب استشاره نفسية عاجلة لسلوك طفله ويعتقد أن سلوك طفلة غير طبيعي اما لجهله بطبيعة نمو الطفل او لشدة الحرص على سلامة الطفل وخوفا عليه من الامراض والاضطرابات النفسية خاصة إذا كان المولود الأول, وقد يكون الطفل سلوكه عاديا وطبيعيا تبعا للمرحلة التي يمر بها لذا من المهم جدا عزيزي المربي ان تعرف متى يكون سلوك إبنك طبيعيا أو مرضيا.
إن المشاكل السلوكية التي تجابه الطفل سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة وخارجها كثيرة ومعقدة ، وأن معالجتها والتغلب عليها ليس بالأمر السهل مطلقاً، وهو يتطلب منا الخبرة الكافية في أساليب التربية وعلم النفس من جهة ، والتحلي بالحكمة والصبر والعطف الأبوي تجاه أطفالنا سواء في البيت و في المدرسة من جهة أخرى .
يحتاج هؤلاء الأطفال إضافة إلى التشخيص المناسب التدريب المناسب، فهم بحاجة لبرنامج موضوع بدقة للتعامل مع تصرفاتهم كسلوكيات يجب تعديلها- أو ما يطلق عليه تربويًّا تعديل السلوك - حيث إن كل تصرفاتنا هي في الأساس سلوكيات .
ونظرالأهمية الطفولة كحجر اساس لبناء شخصية الانسان مستقبلا وبما ان لها دور كبير في توافق الانسان في مرحلة المراهقة والرشد فقد ادرك علماء الصحة النفسية أهمية دراسة مشكلات الطفل وعلاجها في سن مبكره قبل ان تزداد وتؤدي لأنحرافات نفسية وضعف في الصحة النفسية في مراحل العمر التالية وقد تبين من دراسة الباحثين في الشخصية وعلم نفس النمو أن توافق الانسان في المراهقة والرشد مرتبط الى حد كبير بتوافقه في الطفوله فمعظم المراهقين والراشدين المتوافقين مع أنفسهم ومجتمعهم توافقا حسنا كانوا سعداء في طفولتهم قليلي المشاكل في صغرهم ، بينما كان معظم المراهقين والراشدين سيئي التوافق ، تعساء في طفولتهم ، كثيري المشاكل في صغرهم.
ثانيا: أهداف العلاج السلوكي .
يشكو كثير من الآباء والأمهات من سلوكيات غير سوية لأطفالهم, وقد يستخدم الوالدين أساليب مختلفة لمحاولة تغيير هذه السلوكيات, وفي معظم الأحيان تكون هذه الأساليب أساليب عشوائية غير منهجية, وبالتالي قد ينتج عنها من السلبيات الشيء الكثير, ونحن في هذا المقام نحاول تبيان بعض من الخطوات الهامة والأساسية التي اتفق عليها علماء التربية في تعديل سلوك الطفل تجاه المرغوب فيه, ونحاول هنا أن نصف طريقة علمية دقيقة في صورة مبسطة بحيث يستغني الوالدين بها عن زيارة الأخصائي العلاجي مبدئيا لكل سلوك سلبي يظهر من قبل الطفل, على أننا ننبه على أهمية زيارة الأخصائي العلاجي عند الشعور بتفاقم السلوك أو انتشار أثره بصورة مرضية, لذا فإن من أهم أهداف العلاج السلوكي للطفل ما يلي:-
- زيادة الوضوح فيما هو مطلوب من الطفل. - معرفة الأوامر بدقة وتوابعها من حيث العواقب والمكافأة. - مساعدة الطفل على معرفة الخطوات التي تتكون منها الأشياء المطلوب إنجازها. - زيادة النظام في حياة الطفل- وترتيب أغراضه . - زيادة قدرته على توقع ما يمكن أن يحدث : وضع جدول للإنجاز والمهام - إزالة الأشياء التي تسبب تشتت الانتباه.
ولكن يشترط لنجاح هذه الإستراتيجية في التعديل أمران:
الأول: الصبر عليه واحتماله إلى أقصى درجة، فلا للعنف معه؛ لأن استخدام العنف معه ممكن أن يتحول إلى عناد، ثم إلى عدوان مضاعف؛ ولهذا يجب أن يكون القائم بهذا التدريب مع الطفل على علاقة جيدة به، ويتصف بدرجة عالية من الصبر، والتحمل، والتفهم لحالته، فإذا لم تجدي ذلك في نفسك، فيمكن الاستعانة بمدرس لذوي الاحتياجات الخاصة ليقوم بذلك.
الثاني: يجب أن يعلم الطفل بالحافز (الجائزة)، وأن توضع أمامه لتذكِّره كلما نسي، وأن يعطى الجائزة فور تمكنه من أداء العمل ولا يقبل منه أي تقصير في الأداء، بمعنى يكون هناك ارتباط شرطي بين الجائزة والأداء على الوجه المتفق عليه - التركيز مثلاً حسب المدة المحددة... ، و إلا فلا جائزة ويخبر صراحة بذلك.
ويعد سلوك الطفل مشكلة تستدعي علاجا عندما تلاحظ التالي :
1- تكرار المشكلة :لابد ان يتكرر هذا السلوك الذي تعتقد انه غيرطبيعي اكثر من مره فظهور سلوك شاذ مره أو مرتين أو ثلاث لايدل على وجود مشكلة عند الطفل لماذا؟؟ لأنه قد يكون سلوكا عارضا يختفي تلقائيا او بجهد من الطفل أو والديه .
2-إعاقة هذا السلوك لنمو الطفل الجسمي والنفسي والاجتماعي :عندما يكون هذا السلوك مؤثرا على سير نمو الطفل ويؤدي الى اختلاف سلوكه ومشاعره عن سلوك ومشاعر من هم في سنه.
3-أن تعمل المشكلة على الحد من كفاءة الطفل في التحصيل الدراسي وفي اكتساب الخبرات وتعوقه هذه المشكلة عن التعليم .
4-عندما تسبب هذه المشكلة في اعاقة الطفل عن الاستمتاع بالحياة مع نفسه ومع الاخرين وتؤدي لشعوره بالكأبه وضعف قدرته على تكوين علاقات جيدة مع والديه واخوته واصدقاءه ومدرسيه .
ثالثا: أساليب تعديل السلوك .
هناك العديد من الاساليب المتبعة في تعديل السلوك ، والتي تتركز في ما يلي:
1. التدعيم الإيجابي للسلوك : o هو التدعيم الإيجابي اللفظي والمادي للسلوك المناسب . o يمنح الطفل مجموعة من النقاط عند التزامه بالتعليمات . o تكون محصلتها النهائية الوصول إلى عدد من النقاط تؤهله للحصول على مكافأة ، أو هدية، أو مشاركة في رحلة، أو غيرها . o هذه الأساليب لتعديل السلوك ناجحة ومجربة في كثير من السلوكيات السلبية، ومن ضمنها "النشاط الحركي الزائد". o يجب التعامل معها بجدية ووضوح حتى لا تفقد معناها وقيمتها عند الطفل، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة الطفل ، وأنه لا يمكنه الاستقرار والهدوء لفترة طويلة ، ولذلك فتستخدم في الأمور التي تجاوز حد القبول إما لضررها أو لخطرها..!! مع توضيح ذلك للطفل وذكر الحدود التي لا يمكنه تجاوزها.
2. جداول المهمات o جدولة المهام، والأعمال، والواجبات المطلوبة . o شرح المطلوب من الطفل بشكل بسيط ومناسب لسنه واستيعابه . o الاستعانة بوسائل شرح مساعدة لفظية وبصرية مثل الصور والرسومات التوضيحية والكتابة لمن يستطيعون القراءة . o عمل خطوات معينة يجب عملها تبعًا لجدول معين وفي وقت معين . o الاهتمام بالإنجاز على مراحل مجزأة مع التدعيم والمكافأة . o يتم تطبيق هذا البرنامج بواسطة اختصاصي نفسي واختصاصي تربية خاصة، بالتضافر مع الأهل، والمعلم، والطبيب .
يمكن التعامل مع الطفل في مثل هذه الحالة عن طريق وضع برنامج يومي واضح يجب أن يطبقه بدقة، والإصرار على ذلك عن طريق ما يسمَّى بـ "تكلفة الاستجابة"، وهي إحدى فنيات تعديل السلوك، وتعني هذه الطريقة (فقدان الطفل لجزء من المعززات التي لديه نتيجة سلوكه غير المقبول، وهو ما سيؤدي إلى تقليل أو إيقاف ذلك السلوك) ومثل ذلك إلغاء بعض الألعاب، بل وسحبها مقابل كل تجاوز يقوم به الطفل خارج حدود التعليمات.
o والتدريب المتكرر على القيام بنشاطات تزيد من التركيز والمثابرة، مثل تجميع الصور، وتصنيف الأشياء (حسب الشكل/ الحجم/ اللون/..)، والكتابة المتكررة، وألعاب الفك والتركيب، وغيرها.
3. العقود: يعني بذلك عقد إتفاق واضح مع الطفل على أساس قيامه بسلوكيات معينة، ويقابلها جوائز معينة، والهدف هنا تعزيز السلوك الإيجابي وتدريب الطفل عليه، ويمكننا إطالة مدة العقد مع الوقت، ويجب هنا أن تكون الجوائز المقدمة صغيرة ومباشرة، وتقدم على أساس عمل حقيقي متوافق مع الشرط والعقد المتفق عليه، ومثال ذلك العقد: (سأحصل كل يوم على " هدية " -مثلاً حسب الظروف- إضافية إذا التزَمْت بالتالي: o الجلوس بشكل هادئ أثناء تناول العشاء. o ترتيب غرفتي الخاصة قبل خروجي منها. o إكمال واجباتي اليومية في الوقت المحدد لها.
ويوقع على هذا العقد الأب والابن، ويلتزم الطرفان بما فيه، ويمكن للأب أن يقدم للطفل بعض المفاجآت الأخرى في نهاية الأسبوع، كاصطحابه في نزهة أو رحلة، أو أي عمل آخر محبب للابن إذا التزم ببنود العقد بشكل كامل، وتكون هذه المفاجآت معززًا آخر يضاف لما اتفق عليه في العقد.
4. نظام النقطة: من الإنظمة الفاعلة في تعديل السلوك نظام النقاط وهو أسلوب تربوي يقوم على ما يلي :- o يضع الأب أو المعلم جدولاً يوميًّا مقسمًا إلى خانات مربعة صغيرة أمام كل يوم . o يوضع في هذه المربعات إشارة أو نقطة عن كل عمل إيجابي يقوم به الطفل سواء إكماله لعمله أو جلوسه بشكل هادئ أو مشاركته لأقرانه في اللعب بلا مشاكل . o تحتسب له النقاط في نهاية الأسبوع . o إذا وصلت إلى عدد معين متفق عليه مع الطفل فإنه يكافأ على ذلك مكافأة رمزية. o ويمكننا إضافة النقطة السلبية التي تسجل في نفس الجدول عن أي سلوك سلبي يقوم به، وكل نقطة سلبية تزيل واحدة إيجابية، وبالتالي تجمع النقاط الإيجابية المتبقية ويحاسب عليها . o من المهم جدًّا أن تكون هذه اللوحة في مكان واضح ومشاهد للطفل حتى يراها في كل وقت . o نظام النقطة مفيد للأطفال الذين لا يستجيبون للمديح أو الإطراء . o نظام النقطة مفيدة لأنها تتتبع السلوك بشكل مباشر . o يجب فيها المبادرة بتقديم الجوائز المتفق عليها على ألا تكون مكلفة للأسرة، وأن تقدم بشكل واضح ودقيق حسب الاتفاق حتى لا تفقد معناها.
5. وضوح اللغة وإيصال الرسالة: - يجب أن يعرف الطفل ما هو متوقع منه بوضوح وبدون غضب، وتهيئته لما ينتظر منه، وتشجيعه على القيام والالتزام بذلك.
- على والده أن يذكر له السلوك اللائق في ذلك الوقت، فيقول الأب مثلاً: "إن القفز من مكان إلى آخر يمنعك من إتمام رسمك لهذه اللوحة الجميلة"، أو "إن استكمالك لهذه الواجبات سيكون أمراً رائعًا.
رابعا: دراسة السلوك المراد تعديله .
وتمثل هذه الخطوة حجر الأساس للانطلاق للعملية التشخيصية والعلاجية السليمة، حيث لا يمكن أن يستغنى عنها بحال, ففي هذه العملية نحاول تحديد السلوك المعين المراد تعديله بدقة وكذلك نحدد نوعية الشكوى السلبية التي تتسبب من جراء ذلك السلوك ويندرج تحت هذه الخطوة مجموعة من الإعدادات السابقة لها والتي تمثل أهمية كبيرة وهي على الترتيب:
1- تحديد تاريخ السلوك السلبي: فيلزم هنا أن يقف الوالدان على إجابة لعدة أسئلة هامة مثل (متى بدأ هذا السلوك لأول مرة, ما هي أهم الأسباب التي يتوقع أن تكون سببت هذا السلوك, ما مقدار تطور هذا السلوك سلبا؟, هل هناك مواقف معينة أو ظروف معينة تزداد فيها حدة هذا السلوك ومواقف أخرى تقل فيها حدته؟, هل يقوم الطفل بسلوكه السلبي ذلك وهو سعيد ومنبسط النفس أو أنه يقوم به وهو مكتئب وضيق الصدر وحزين؟, هل مارس الوالدان الضرب والزجر تجاه الطفل لينهيانه عن ذلك السلوك؟ ومتى وكيف كان الأثر؟) ويحاول الوالدان تدوين الإجابات في جدول واضح نضع عليه ترقيم (الجدول الأول).
2- تحديد السلوك المعين المراد علاجه بدقة: والمقصود هنا أن كثيراً من الآباء والأمهات تختلط عندهم الشكاوى من سلوكيات متقاربة فيجمعونها في شكوى واحده ويريدون علاجها دفعة واحدة وهو خطأ شائع ينبغي اجتنابه أثناء العلاج السلوكي للطفل, وفي هذه الخطوة ينبغي علينا تحديد السلوك المعين الذي هو سبب الشكوى وهو الذي تتفق الآراء على أن تعديله سيؤدى إلى تحقيق العلاج, ويلزم تحديد السلوك تحديدا نوعيا ولهذا فليس من المقبول مثلا أن نستخدم عبارات مثل مكتئب أو مندفع أو ضعيف الشخصية, لأن كل هذه سمات عامة وغير دقيقة ومن ثم ستصعب علينا تحديد السلوك وعلاجه واختيار طرق العلاج ووسائله, لأن المطلوب هو تحديد الشكوى في شكل مظاهر سلوكية يمكن ملاحظتها ومتابعتها وتقييم جوانب التقدم فيها (مثلا بدلا من أن يقال مكتئب يمكن أن يقال إنه يكثر من الصمت وأنه سريع الغضب وكثير البكاء وقليل الضحك والابتسام).
3- بيانات الملاحظة الشخصية: وهي خطوة أكثر تحديدا من الخطوة رقم (1) والتي قد جمعنا بياناتها في الجدول الأول سابق الذكر, فنحن هنا نجيب على أسئلة أكثر دقة وتكون غالبا ناتجة عن الملاحظة الدقيقة للطفل بعد تعريفنا للسلوك السلبي والمعين المراد علاجه, فنحن هنا نلاحظ الظروف الدقيقة التي ينشط فيها هذا السلوك لدى الطفل (مثال: الطفل يبدأ في الصراخ عند مداعبة أخيه الأصغر) أو (مثال آخر: الطفل يضرب أمه ويهجم عليها إذا انشغلت عنه بعمل ما من أعمال المنزل), ويرى المتخصصون أن هذه الخطوة يراد منها عدة أمور من أهمها متى تبدأ استثارة السلوك السلبي لدى الطفل وسبب هذه الاستثارة, وقد عقد الباحثون التربويون جدولا نموذجيا للإجابة على عدة أسئلة هامة وهي: ما هي أنواع السلوك مصدر الشكوى؟.... ما هي علامة استثارة السلوك السلبي المشكو منه؟... كم من الوقت يستغرقه السلوك السلبي؟.... مع من يحدث السلوك عادة؟...كم مرة يحدث في اليوم؟..كيف استجاب الآخرون للسلوك السلبي هذا؟..ما هي المكاسب التي جناها الطفل جراء سلوكه السلبي ذلك؟ ويتم تدوين كل ما سبق في جدول آخر نسميه (الجدول الثاني)..
خامسا: أسباب مشاكل السلوك لدى الأطفال .
مشاكل السلوك تتواجد في كل الأطفال بدرجات متفاوتة، وغالباً ما تنتهي قبل سن الثالثة أو بعدها بقليل، ويكون تعامل الوالدين والمجتمع من حوله سبب في زيادتها واستفحالها، ومن أهم الأسباب:
1· التدليل الزائد عن الحد، كأن يكون الطفل الأول لهما، أو يكون مسبوقاً ببنات إذا كان ذكرا. 2· الحماية الزائدة من طرف الوالدين أو أحدهما، بسبب أصابته بمرض أو غير ذلك. 3· عدم شعور الطفل بالأمان، وخصوصاً في الأسر كثيرة العدد، أو حصول المشاكل الأسرية 4· ولادة طفل جديد في العائلة، مما يعطيه الإحساس بعدم أهميته، من خلال التركيز على المولود الجديد بالرعاية. 5· أتباع نظام صارم وشديد في المعاملة كالتوبيخ والضرب 6· عدم إعطاء الطفل قدراً كافياً من حرية الحركة واللعب والتعبير 7· عدم إعطاء الطفل القدر الكافي من الحنان لانشغال الوالدين بالحياة اليومية والعمل 8· تقليد الآخرين وخصوصاً الأطفال في عمره.
سادسا: خطوات أساسية للتغيير السلوكي عند الأطفال.
هناك برنامج عام للعلاج بطريقة التعليم الملطف والمساندة الوجدانية للأطفال . وهذا البرنامج يهدف إلى خلق بيئة اجتماعية متقبلة للطفل ، وذلك بالعمل على :
1. زيادة الرابطة الوجدانية وتوثيق علاقات الطفل الاجتماعية ببيئته الاجتماعية في داخل الأسرة أو المدرسة أو المؤسسة.
2. التقليل من المثيرات المنفرة التي يمكن أن تعزز من ظهور السلوك المضطرب وتطوره .
3. تحسين التفاعلات الاجتماعية والتواصل مع الطفل مما يمنح الأبوين والقائمين على رعاية الطفل قدرة اكبر فيما بعد على معالجة اضطراباته والتنبؤ بها، بما في ذلك ثوراته الانفعالية والتعارك وتحطيم الأثاث ....الخ .
وكلما تحققت الأهداف السابقة أصبحت الرابطة الوجدانية بالطفل قوية ، وكلما كانت هذه الرابطة قوية تزايد فهم الطفل لبيئته ، وبالتالي يتضاءل سلوكه المضطرب بالتدريج وذلك باتباع سبع خطوات هي كالتالي :
أولا : تدعيم أي سلوك آخر عدا السلوك المضطرب : حيث يقوم العاملون على رعاية الطفل بالعمل قصدا وعمدا على خلق مواقف للتفاعل والاحتكاك الاجتماعي بالطفل لعدد يتراوح بين 2-4 مرات في الساعة ولمدة 15-30 ثانية في كل منها , ويكون هدف هذا التفاعل تدعيم ومكافأة أي سلوك آخر يقوم به الطفل يكون فيه مختلفا عن السلوك المضطرب , ويأخذ التفاعل أشكالا بسيطة كالابتسام والتحية والسؤال عن الأحوال والحوار الودي والفكاهة ....الخ
ثانيا : تدعيم أي سلوك بديل أو مناقض : حيث يطلب العاملون على رعاية الطفل من الطفل مشاركتهم في نشاط معين يتسم بالتعاون ، أو المشاركة بإنجاز عمل معين يحتاج تنفيذه إلى وقت بين 2-5 دقائق وذلك لعدة مرات في اليوم المدرسي أو في الوقت الذي يزيد فيه السلوك المضطرب . ويوصى عادة بان يتم على الأقل مرة في كل ساعة , والهدف هنا هو تدعيم أنواع السلوك البديلة للسلوك المضطرب إذ لا يمكن أن يكون الطفل مضطربا ومتعاونا في الوقت نفسه , لان المشاركة نقيض للسلوك غير اللائق الذي يثير الشكوى.
ثالثا : جدولة النشاط المدرسي : تعاون مع الطفل في وضع جدول بحيث يشمل على الأقل ساعتين للدراسة بما في ذلك إعداد الواجب المدرسي وتحضير الدرس المقبل ومراجعة المعلومات السابقة ...الخ، ويجب أن يتضمن الجدول نشاطات أخرى ممتعة تتخلل أداء النشاطات الدراسية .
الخطوات الثلاث السابقة تدعم السلوك الإيجابي وهذه الخطوات يجب أن تدعم بالخطوات التالية التي تتحكم في السلوك اللا توافقي .
رابعا : التدخل والمقاطعة : عند ظهور السلوك غير المرغوب فيه لا تترك الطفل ، بل حاول أن تتدخل لإيقاف هذا السلوك بأقل قدر ممكن من الإثارة أو التهديد ، ومن أساليب التدخل الناجحة أن تطلب منه أن يتعاون معك في نشاط معين باستخدام المدعمات المناسبة للخروج بالطفل من المواقف الانفعالية المحتدمة كالحث البدني مع توجيه انتباهه لنشاط آخر أو تشجيعه على الاستمرار في نشاط إيجابي سابق ، ونؤكد أن التدخل الناجح لمقاطعة السلوك السلبي هو الذي لا يؤدي لتزايد المشكلة والذي يساعد على الاستمرار في النشاط الايجابي وليس إلى توقفه.
خامسا : التوجيه لنشاط بديل : افعل هذا بدلا من ذلك ، وعندما يتم ذلك بنجاح يفهم الطفل أن الاستجابات السابقة التي تم إيقافها والتدخل فيها لم تعد مجدية ولا مثيرة للانتباه , وهذا الأسلوب يجب أن يستخدم بشكل متلاحم مع أسلوب التدخل والمقاطعة ، والأفضل أن يتم ذلك بصمت دون كثير من الجدل والنقاش ومن خلال الحث البدني والإيماءات مع الاستمرار في التواصل والحوار المحب .
سادسا : التجاهل : الهدف من التجاهل هو إطفاء الاستجابات غير المرغوب فيها بتجاهلها , وهنا المطلوب منك أن تتصرف كما لو كانت الاستجابة غير المرغوب فيها لم تحدث , وتجنب خلال ذلك مراقبة الطفل أو الاتصال البصري به ، وقلل قدر الإمكان الاحتكاك البدني كاللمس أو التربيت وقلل أيضا من فرص القرب الجسمي إلا إذا كان قربك منه ضروريا .
سابعا : الدعم والمكافأة : بعد التدخل في ايقاف السلوك المضطرب وتوجيه الطفل لنشاط بديل دعم استمراره في هذا النشاط من خلال مشاركته والتعاون معه ، والانتقال به من نشاط لآخر حتى تتلاشى الاستجابات المرضية وإذا كان من الصعب الانتقال بالطفل إلى النشاط البديل الايجابي الذي يرتبط بالتدعيم والمكافأة فحاول أن تركز على تجعل أي سلوك لائق يصدر عن الطفل موضوع مكافأة .
وفيما يلي قائمة بالنشاطات التي يمكن تشجيع الطفل على أدائها ثم مكافأته عندما يفعل ذلك :
- نشاطات اجتماعية : التحية باليد ، الرد على الهاتف ، رعاية طفل آخر ،المرافقة في تناول الطعام ،حديث انفرادي ،التنزه بصحبته .
- نشاطات ترفيهية : ركوب دراجة ، الذهاب للمراجيح ، الجري ، السباحة ، لعب الكرة ، قراءة مجلة أو كتاب ، مشاهدة تلفزيون ، التسوق ، الذهاب لمسرح الأطفال.
- نشاطات منزلية : تنظيم الحجرة , تغليف الكتب والكراسات ، الإسهام في تنظيف أواني المطبخ ، الإسهام في إعداد المائدة ، الإسهام في إعداد ميزانية المنزل.
وغيرها من الأنشطة المتنوعة الملائمة لظروف الطفل وبيئته .
الوقاية خير من العلاج :
يتركز العلاج في الوقاية ومنع المسببات، من خلال :- 1- معرفة السلوكيات الطبيعية لكل مرحلة عمرية، والتعامل مع أعطاء الطفل الحب والحنان، من خلال القول والعمل. 2- أظهار الأحاسيس الخاصة نحو الطفل، وأنه شيء كبير ومهم . 3- الكلام معه كشخص يستطيع الفهم، وان لم يكن كذلك، فالأحاسيس ستصل له كاملة . 4- الابتعاد عن التوبيخ والنهر والضرب فهي أساليب عقيمة وغير مجدية . 5- إذا قام الطفل بأحد السلوكيات غير المرغوب فيها، فيجب عدم الضحك له، كما عدم الالتفات له بل إهماله في وقتها. 6- عند حدوث احد السلوكيات غير المرغوب فيها في أحد الأماكن العامة أو في وجود ضيوف في المنزل، فيجب عدم الفزع أو محاولة إرضائه فهو ما يريد، والجميع لديهم أطفال وسيقدرون ما تواجهون. 7- عدم تنفيذ طلباته عندما يقوم بأحد السلوكيات غيرالمرغوب فيها، والتقرب له ومكافئته بعد ذلك.
سابعا: طرق علاج سلوك الطفل .
ومن أهم الطرق العلاجية لمساعدة الأطفال في التخلص من المشكلات السلوكية :
أ : فيما يخص الوالدين والأهل :
1 : الإرشاد والتوجيه : ( التثقيف التربوي للوالدين ) وذلك بتوعية الأهل بالرجوع للتعاليم الدينية والأساليب التربوية الصحيحة في كيفية التعامل مع الطفل وأهميتها من الناحية الصحية والنفسية له وعدم الإهمال والإهتمام به وتلبية إحتياجاته ، وتبصير الوالدين بالأضرار والآثار المستقبلية وخطورة إستخدام العنف والإهانة والإهمال على حياة الطفل ، والمبادرة بعلاج الطفل ومساعدته لتعديل سلوكه .
2 : العلاج البيئي :تهيئة الجو الأسري بالتعامل مع الطفل وبإعتدال وعدم التكلم عن المشكلة أمامه عند تعرضه لأي مشكلة ومساعدته في الخروج من الأزمة النفسية ودعمه نفسياً والعلاج النفسي للوالدين إذا كان أحد الوالدين يعاني من مشكلات نفسية أو سلوكية فلابد من التدخل العلاجي لئلا ينعكس ذلك على حياة الطفل .
ب : فيما يخص الطفل :
1 : العلاج الدوائي : أهمية الكشف الطبي للتأكد من سلامة الطفل أولاً ثم العلاج لا سيما في حالات فرط النشاط الحركي والإندفاعية الزائدة وبعض حالات التبول اللا إرادي وكذلك لمعالجة الآثار التي خلقتها بعض المشكلات السلوكية ( جروح أو قروح أو تلف بأحد الأعضاء الجسدية ) .
2 : العلاج النفسي : لا بد من عرض الطفل على الطبيب النفسي عند الحاجة للتأكد من حالة الطفل النفسية ولا بد من التدخل العلاجي حسب رؤية الطبيب النفسي لذلك في حالات القلق الزائد كإضراب النوم وفقد الشهية للأكل في الكآبة الشديدة وغيرها .
3 : العلاج السلوكي : عند عرض الطفل على الأختصاصي النفسي أو المعالج السلوكي , وعادة ما يوصي الأهل بعدة تقنيات علاجية ومنها :
1- إستخدام جدول التعزيز : فعند التقدم وتجاوب الطفل مع التعليمات وتعديل سلوكه لابد من مكافأته والقيام بالتعزيز الإيجابي وجيمع أشكال الدعم النفسيله لكي يستمر في السلوك الحسن والإبتعاد عن السلوك السيء ،
2- إستخدام بدائل العقاب : ومنها الحرمان بالشكل المعتدل والتجاهل والتعزيز السلبي فهي مفيدة جداً في العلاج السلوكي للطفل وربما تحتاج لكتيب لشرحها وتعلم تقنياتها .
3- التدريب على الإسترخاء : وهو مهم للأطفال العصبيين والحركيين ومن يعانون من التوتر والتأتأة في الكلام .
4- العلاج بالكف النقيض : تعمد تكرار المشكلة عدة مرات يومياً في أوقات يتفق عليها بين المعالج والطفل أو المريض ، أو إستخدام مادة منفرة تمنع الطفل من القيام بتكرارالمشكلة ، وهي تقنية مفيدة جداً لبعض الحالات لا سيما مع حالات قضم الأظافر والعض وغيره .
5- ممارسة الهوايات : كاللعب والرسم والكتابة من التقنيات العلاجية التي تساعد كثيراً في إخراج الطفل من أزمته النفسية .
6- تعلم توكيد الذات : وهي مهارة إجتماعية هامة للطفل للدفاع عن نفسة عند الحاجة وعلينا مساعدته في إتقانها كقول كلمة لا عند عدم مقدرته على الإنجاز أو عدم الرغبة للأمور غيرالمقبولة وغير المفيدة له وكذا وتعلم التعبير اللفطي عن مشاعره بدلاً من كبتها وهكذا .
7- العلاج بلعب الأدوار والعلاج الجماعي : بأن يقوم الأطفال بتمثيل المشكلة وكل واحد منهم يأخذ دور صاحبه ( تبادل الأدوار ) بحيث يصبح موجه له ويتكلم عن مشكلة صاحبة بالنيابة عنه ، وفيه يتم تعليم المهارات الإجتماعية الصحيحة التي يحتاجها الطفل كنموذج مصغر من المجتمع .
8- العلاج النفسي المعرفي أو الإدراكي : وذلك بحسب الآثار التي خلقتها المشكلات للطفل فلا بد من عمل جلسات نفسية تدعيمية لرفع معنويات الطفل وتحسين حالته النفسية والتغلب على حالة القلق والخوف والكآبة والتوتر عند الطفل وتبصيره بكيفية التغلب على ذلك من خلال إستخدام بعض المهارات والقناعة بإمكانياته الشخصية وتقبل ظروفه الحالية إلى أن يتم التحسن مع الوقت .