الـدكـتـور نـبـيـل طـعـمـة

فكر حضاري امتلكته مجتمعاتنا، وتنبهت لأهميته حتى وقت قريب، حيث يكمن فيها جوهر الإحساس، وغايتها تطوير الحس المعنوي والمادي والحفاظ عليه، وأكثر من ذلك زيادته وتطويره؛ من أجل تقديم صورة اجتماعية تليق بفرد اجتماعي، وبمجتمع ينتمي إلى جغرافية تتمتع بصورة وطن يختص بأمة، وافتقدناها نتيجة تسطُّح مجتمعات دول العالم الثالث بأكملها، وتداخلها بالتكاثف الهائل، بعد أن كانت أهم نجاحاتها الإنسانية؛ قد قامت على أسس اللهفة والمحبة والاحترام والإحساس بالآخر، وتقدير الاحتياجات المادية والمعنوية. بمعنى أدق هي: لغة إدارة الموجود وتدبيره ضمن معرفة حاجات التجمعات الصغيرة لبعضها، والشعور السائد ضمنها بضرورة المساندة. فماذا أقصد بهذا العنوان الرقيق والمحبب إلى قلوب وعقول الإنسانية؟، أُعرِّفه بأنه الحاجة إلى فهم الواقع المشاهد، وإدخاله تحت المظلة العلمية كي يحدث التقبّل الفردي والأسري المؤسس في الفكر الاجتماعي، دون التداخل مع مشاريع العقائد الفكرية، وأقصد أن هذه المعرفة يجب أن تربط التجمعات الصغيرة ببعضها كالأحياء، فتتشكل منها المدينة، وملاحظة التعرف على المدن والبلدان القريبة والبعيدة ضمن نظام الدولة، بالتعرف على تكوينات الآخر، وتبادل هذه المعرفة من أجل إحداث التطور الاجتماعي، وبشكل آخر(هي التدقيق في الواقع الحقيقي للمجتمع البسيط ورفعه، بتقديم ما ينقصه من علم باحتياجاته ونظم إدارته بغاية ربطه ببعضه)، وحينما اخترت هذا العنوان ليكون بحثاً، حيث دعتني الضرورة للأخذ به، واستعادة ما كنا به وعليه من ترابط اجتماعي وألفة إنسانية لا بشرية، حيث سادت العلاقات لغة الفهم وبساطة التراكبية الإنسانية، وأقصد بها لحظة إنشاء قواعد وأسس تكوين العمل الاجتماعي، وانتقاله من النمط الوراثي التجاري، والصناعي، والزراعي، إلى ظهور التخصص الوظيفي، والتقنيات السريعة التي حولت الفرد إلى الانضواء تحت سلطة القرار الناظم لحركة المجتمع، ومع الوصول إلى لغة العلم التخصُّصي وتحوّله إلى الفردية الوظيفية؛ التي قلصت ذلك التداخل الاجتماعي الذي كان سائداً، وأبعدته عن المعرفة بواقعه، ألغت النشاط الاجتماعي المهم لتكوين المعرفة وتعميمها على المجتمع، فالمجتمع الوظيفي الذي لا يمتلك المعرفة الاجتماعية مجتمع قاس بطيء التقدم .

من أجل ذلك كلِّه، تعتبر المعرفة الاجتماعية مكوناً رئيساً من مكونات الشخصية الثقافية المتعددة المحاور، ولا أقصد بها المعرفة الكلية أو الشاملة بأقسام العلوم والفلسفة والأديان؛ إنما تلك التي آمنت بحضانة الكلِّ للفرد والفرد للكلِّ؛ ضمن المحاور الاجتماعية المؤسِّسة له، والتي تنشئ دوائر تعرف أو تتعرف على بعضها من خلال حاجاتها البنيوية، وحينما ميَّزتُ الفهم على العلم قصدتُ الربط بينهما، بكون الفهم حديقة العلم، به كان المجتمع يدير مكوناته ضمن دوائر صغيرة تلتقي مع بعضها، يتشكل من مجموعها مجتمع وأمة، هذه الدوائر الصغيرة تعرفت على الإشكالات التي رافقت قضية الإنسان الفرد- الأسرة- المجتمع الصغير ضمن ما يسمى الحي- المجموع أوجد صورة اجتماعية محببة وقريبة جداً من الفكر الإنساني، من هذا الفكر كانت التفاسير والدعوات لظهور المجتمع المتناسق الواعي الممتلك للشخصية الثقافية، المؤمنة بالفنون السبعة، والممتلِكة من خلالها لعناصر الجمال، المسؤولة عن الصورة الحضارية لأي مجتمع يريد الحضور والظهور المكتمل، والمؤمن بحقيقة وجوده.

هذه الصورة التي نسعى إليها تحمل غاية بناء مجتمع مترابط لا مفكك، شكله شكل النسيج، وصناعته فسيفسائية ألوانها قوس قزح، تولّد بعضها، وتغوص منصهرة مثل اللون الواحد المولّد له، فمجموع السياق الحركي والثابت الدلالي، والتاريخ والسلوك والأخلاق الفردي والعام يشكل النشاط الإنساني، المتكون من مجريات تاريخ الأمم والشعوب، كما أن الأساطير والقصص والصور تحمل إرادة التوجه الظاهر، في مجموعه هو صورة الفهم الذي يتحد مع فهم الصورة ، يتكون الفهم من الإشكالات الاجتماعية، ونظم إيجاد حلولها، أي: أن المعرفة الاجتماعية دعوة لفهم الحالات التي تسوده، ومقتضيات إيجاد الحلول لها، وتبدأ من الأسرة، وتنطلق إلى المجتمع المحيط الصغير المنقسم إلى: المدرسة، والمهنة، والمدينة والريف التي تعيشها الأسرة منفصلة أو مجتمعة، حيث يظهر دور النظام القيادي؛ الذي ينبغي عليه أن يكون عارفاً بمكونات تكوينه، وجدول الأولويات حينما يسعى إلى التطور، فالمعرفة أساس حركة المادة، والعلم صناعتها، وما بينهما نجد أن التأهيل هو أساس العلم، أي: أن التعريف به يؤدي إليه .

الدخول إلى هكذا بحث مدعاة للتساؤل عن ماهية القصد منه، وحينما نأخذ مثالاً اجتماعياً من واقع المجتمعات التاريخية كأنموذج لما نطرحه حول المعرفة الاجتماعية، مستمدين من تاريخه مسارات هذا المجتمع الموغلة في القدم وحتى اللحظة المعاشة، حيث أنجز فيه معرفة المهن اليدوية الدقيقة: كمشغولات الحديد- والنحاس- والذهب- والفضة- والنجارة- والأقمشة عبر الأنوال- وأيضاً نظم الزراعة بآليات الري عبر القنوات- واحترام المقادير- والتجارة- والصيد البحري- وتربية الماشية- ومفاهيم قوة الكلمة المتداولة بين الناس- واحتضان الأسرة لبعضها، واجتماعها اليومي، وتداول الاحتياجات ضمنها، ومن ثم انعكاسها على جوارها في ( حيِّها )، فالمعرفة الاجتماعية التي كانت تسود الأحياء بالفطرة والفهم سطَّرت سلوكيات خاصة اعتُبرت أُسُساً لما نبحث فيه، فالدعوة التي نمثلها بيانياً من أجل إظهارها هي تمتعه التاريخي بها، واستحضارها يعني الكثير لنا، وغايتنا إعادة تفعيلها بعد أن ظهرت بها الشوائب، والتي تحتاج الاستئصال والعلاج السريع، وتعميمه من خلال هذا النموذج الواقعي على الأمة، لماذا اخترتُ هذا الحيِّز من الصورة التي أدعو لها بالانتشار، التدبير والتدبّر والتعامل، البيئة والأسس والأبواب المفتوحة، البيانات الموثقة، الأفكار، ثقافة الحب الانصهار في البوتقة الأزلية، جمل السلوك والأخلاق، امتلاء الجغرافيا بالتداخل، وأعني به السومريين- الأكاديين- الآشوريين- الفينيقيين- الإغريق- الرومان- الحثيين- الفراعنة- الحروب والغزوات- المغول- التتار- الصليبيين، محيط غني أنجز بيانات ومعلومات وسجلات، حينما تطَّلع عليها ترشدك إلى نظم المعرفة، والأفكار المغروسة في عمق هذا الإنسان، وما يحمل في اللاشعور من رموز يعيها أو لا، فهو تاريخي أوابده من أوابد السياق التاريخي الإنساني.

إذاً، المعرفة الاجتماعية تتضمن مفاهيم صحيحة وسليمة ودقة عالية، تتمتع بها المجتمعات السابقة، يكمن بها الحفاظ والمحافظة على المجتمع ونتاجاته، وإدارة إنتاجه، وإنسانه تحت هذا المسمى، وعلى الرغم من صعوبة الحاضر المتحوِّل إلى التخصص العلمي العالي والمادي، نتاج التزايد السكاني الهائل، والانشغال بالمادة، كي يحصل على استمراره الحياتي، حيث أضاع الكثير من المعرفة، وفقد الكثير أيضاً من الوقت بانشغاله بهمومه اليومية واللحظية، وتحوِّل التخصُّص إلى قسوة قلصت الحالة الإنسانية في داخل الإنسان، محوِّلة إياه إلى مستهلِك، تُخضعه للاستهلاك، وتشغله بمحاولات تطويره كفرد دون الانتباه إلى المجموع، فإذا لم نعد إلى واقع المعرفة، وإدراك حقيقتها، وأنها الحالة المثلى للحفاظ على المجتمع وتطويره، وإبعاده عن الانقسامات؛ فلا داعي مثلاً: للخوض في تفاصيل الإثنيات التي تسبب الخلاف والاختلاف، إنما ننظر- وأقصد حين امتلاك المعرفة الاجتماعية- إلى الأفراد واحتياجاتهم، وتبادل الحاجات، بسعيها إلى خلق حالة التوازن والتساوي قدر الإمكان في الأسرة أولاً، وارتباطها بالمجتمع وربطها بالنظام العام .

المعرفة الاجتماعية حين انتشارها أو عودتها إلى الساحة الاجتماعية تمنح أيَّ مجتمع مقدرة هائلة لعلاج قضاياه العالقة والمتحركة، والتي تأتيه من محيطه القريب أو البعيد، وإني لأعني بشكل أوضح تعلم حلِّ العقد الصغيرة، "بدءاً من الخلايا الأولى: الأسر والأحياء وتقسيمات المدن"، كما تخلق مناخاً مهماً للعمل التطوعي؛ الذي ينمو به حبُّ الجماعة، والسعي من خلالها إلى رسم صورة عن المجتمع بأنه مترابط ومتماسك، يعالج قضاياه باحترام، وبشفافية نوعية تخصُّصه دون تدخّله بتخصص القضايا الكبرى؛ التي تشمل القوانين والسياسة والاقتصاد المدارة من قبل الأنظمة، وهنا لا أدعو إلى المعرفة الشاملة التي لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا بعد أن تمتلك المعرفة الاجتماعية، وأسسها، إدراك وفهم المشكلات، والاحتياجات، وطرق التعامل معها، وبدونها تنشأ الهوات والفجوات الكبيرة، فتمنع اللقاء والالتقاء، وبالتالي يتباطأ التطور، هذا يدعونا للعودة إلى الاستفادة من مجتمعاتنا المحلية التي سادتها بساطة العلاقات، وكانت سائدة إلى وقت قريب. وعليه أقول: إن هذا العنوان ليس بمشروع فكري جديد؛ وإنما أن نعود إلى إحيائه بالاستفادة من مكونات المفاهيم التي ساعدته في مسيرته، وإضافتها ونشرها وتعميمها، إلى جانب التطور العلمي الهائل وعلى جميع محاوره، نستذكر أن الوظيفة والقومية وفهم العدالة الاجتماعية كانت قوية جداً ضمن مفهوم المعرفة الاجتماعية التي امتلكتها مجتمعاتنا، فالدعوة للحرب على الأمِّية وامتلاك العلم، والتخلّص من الآثار الاستعمارية، وشعارات النهضة، وتحسين الواقع،هي مفاهيم اجتماعيه قبل انتشار العلم الكثيف والمعرفة الكثيفة، وتطور أدواتها.

إن تبسيط مفهوم المعرفة الاجتماعية يؤدي إلى زيادة التشاركية الاجتماعية، خاصة في زمننا الحديث، والذي تطورت فيه وسائط الاتصال كثيراً، حيث غدا الناس أقرب إلى بعضهم، وتحول العالم الكروي إلى قرية صغيرة، والجميع يستطيع تبادل الآراء والتحدّث، وتطوير الأفكار والحوارات، أزيلت الحواجز والعوائق من خلال التسارع الذي أوجدته الأدوات، و أتاحت أيضاً هذه الآليات فرص التنافس، بالإضافة والحزم أي: تحول الفرد من متلقٍ إلى فاعل، مما أدى إلى خلق وإنجاز أفكار اجتماعية مهمة وجديدة، وبعد أن كانت المعرفة الاجتماعية تخصُّ المجتمعات البسيطة؛ نجد أن الحاجة لها اليوم أكثر بكثير مما كانت عليه، نظراً لظهور المجتمعات المركبة هرمياً، التي تقاد بالنظم المتعددة في العودة إليها، تعني العودة إلى التقسيمات الاجتماعية؛ نظراً لامتلاكها علوم وخبرات كبيرة، وأيضاً من أجل إنجاز عمليات إدارة شؤون المجتمع، الذي لا يكتمل نجاحه إلا بمعرفة قضاياه الاجتماعية، وتحليلها وبرمجتها ضمن مشروع نهضوي، يراد منه إظهار الشخصية الثقافية والحضور الحضاري، كما أن تعزيز الرغبة، وتنمية أفكارها حول المعرفة الاجتماعية يجب أن يتم بالتوافق مع احترام العادات الاجتماعية الإيجابية، ومساعدة الثوابت أيضاً، مثل: السلطة الدينية، والسلطة السياسية، والتنفيذية في تعزيز دور المعرفة الاجتماعية ونشرها، وإفساح المجال لتطويرها بربط السياسة والدين بالمعرفة، وتسليط الضوء عليها بقوة من خلال وسائل الإعلام التي تسهم في إنضاج الوعي بها، وتولد شعور التواصل الاجتماعي الإنساني، فمعرفة الفرد لمكونات مجتمعه الجغرافية والتاريخية، وأسباب وجوده يؤدي إلى تفعيل روابطه الاجتماعية أكثر، بكونه ينتمي إليها، وإذا تم تطوير شعور الافتخار بها كان نجاحها مهماً جداً، حيث ستؤدي هذه المعرفة إلى متابعة الاحتياجات، وآليات جريان الأمور، والجديد المسقط عليها، ومعه نرى الوحدة الاجتماعية التي تربط الحاجات العلمية إلى الحاجات الاجتماعية ما يعطينا نتائج مهمة تظهر في القرارات السليمة .

غاية المعرفة الاجتماعية تخفيف مشاكل المجتمع، وتقليص الهوة بين التخلف والتقدم، وربط الطبقات الاجتماعية ببعضها ربطاً حقيقياً، من خلال تعرف البعض على الكل والكل على البعض؛ ضمن عملية النسبة والتناسب، التي تؤدي إن تحققت واقتربت من مفهومها إلى حقيقة التطور لا إلى خياله المعاش .

لم تتطور أوروبا لولا امتلاكها لمفهوم المعرفة الاجتماعية؛ الذي ومن خلاله أوصلها إلى الشخصية الثقافية التي قادت عصر النهضة والثورة الصناعية الكبرى، وحافظت حتى اللحظة على التقسيمات الإدارية التي حملت مسؤولية جمالية الأحياء الباريسية- واللندنية- والرومانية- والألمانية- واليونانية- وحتى الروسية، رغم اعتبارها مجتمعات حديثة وصورها المطلقة مجتمعات مادية، إلا أنها حافظت على مفهوم الحي والدائرة السكانية والبلدية، وأناس الأحياء هم الذين يحافظون على تنوعهم الثقافي وأصالة شخصيتهم الثقافية، وصورهم الجمالية، وبحثهم الدائم عن تطوير مفهوم المعرفة الاجتماعية، فالأدب، والموسيقا، والرسم، والنحت، والسينما، والمسرح، والتمثيل، واحترام الأديان والفصل والدمج بينهما دون تداخل وفي استقلالية تامة، ومع التشجيع المتبادل لإدارة النظام بينهما، والتسهيلات المقدمة من قبل الأنظمة، كل هذا ما كان ليظهر ويُنجز إلا بعد امتلاك المعرفة الاجتماعية الوراثية والتقليدية والمثالية التي ربطت المعرفة بالثقافة بالعلم بالمادة بالتنوع، فحدث التراكم المعرفي، وحصل التطوّر العلمي، وفازت تلك المجتمعات بالصورة المثلى التي نحاول تقليدها، ولن ننجح بكونها تدعو للتخلي عن ثقافتنا، والرأي أن الاطلاع عليها والإفادة منها من حيث المفيد الذي يتوافق مع موروثنا الاجتماعي التاريخي الحضاري والذي سبق تلك المجتمعات .

أين نحن اليوم من هذه المعرفة الاجتماعية التي سادت مجتمعاتنا حتى أوقات قريبة من منتصف القرن الماضي؟ على الرغم من وجود محاور التخلف المتنوع نتاج الاحتلالات السابقة، وضغط الرؤية الدينية على المعرفة، وترييف المدن وضعف تمدين الأرياف، تمت المحافظة على الموروث الاجتماعي السائد في تلك الحقب مثل: الأسرة الكبيرة التي امتلكت الاحترام فيما بينها وبين جوارها، والألفة والنخوة، والشهامة، وكرامة الحي، وكرامة المدينة المتحولة من حالة معرفة اجتماعية إلى فردية؛ تضعف في حقيقة الأمر أمام الضغط المادي واللهاث خلف لقمة العيش؛ تستنهض بعض هذه المعارف عند حدوث الظروف الطارئة بكونها شعوباً طيبة .

الحاجة للمعرفة الاجتماعية اليوم أكثر من ضرورة، وأكثر من العلم، بكونها تهيئ له الحضور المتجانس، ولا أقصد هنا إعادة بناء المجتمع؛ إنما إحياء مفاهيمها وإعطائها الأولوية، بكونها موجودة بين المادي واللامادي، أي: بين العلم والمكونات؛ لكنها تحتاج إلى تفعيل، وتحويل جزءٍ من الاستثمار في هذين المحورين إلى الاستثمار في المعرفة الاجتماعية، بعد إحداث التأمُّل الموضوعي في ربط المكونات وحاجتنا إليها، فنلاحظ هنا أن المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على القرار التنظيمي؛ الذي يحتاجها، والتنفيذي الذي ينشرها، والمتلقي الذي يستوعبها بالتأهيل والتدريب الممنهج من أجل إدارة المكونات، والمأسسة الفاعلة المؤمنة بالعمل الاجتماعي التطوعي، أي: تأهيل وتدريب طبقة الإدارة الوظيفية، وإفساح المجال للمثقفين والأدباء والمفكرين والشعراء للفت نظر المشتغلين بالفنون السبعة، والعودة إلى رجالات الأحياء والمخاتير والبلديات - بعد طرح هذا العنوان - وتأهيلهم للعب دور في نشره، وتحميلهم المسؤولية أيضاً، مثلاً: مفاهيم النسل واستيعاب لغة تحديده، والجنس والتحدث به تحت مسمّى الحاجة والغاية، أي: أهدافه لدى البنية الاجتماعية التحتية، التعليم بالمراحل الأولى والتي يظهر بها التأسيس الفكري للمفاهيم التي يجب أن تسود عالم المعرفة الاجتماعية القادمة، الإعلام بكافة تنوعاته، بنود الثقافة أي: الفنون السبعة، ونشرها منفردة ضمن التجمعات الصغيرة، ومجتمعة ضمن مراكز كبيرة، التشجيع الدائم على فهم المكونات والاحتياجات ونظم إدارتها بتقديم الخدمات لها، وإيجاد أشخاص يؤمنون بحقيقة نشر المعرفة الاجتماعية، من خلال الحثِّ على القراءة والمطالعة ومتابعة المدوَّنات، والتحليل، وقبول الرأي والرأي الآخر الذي يؤدي إلى تخفيف العنف ولغة التشدد الفردية؛ التي تنتقل إلى حوارات محترمة تتعلق بأطر الجماعة .

المعرفة الاجتماعية تنهي حالة الفوضى الفكرية والأسرية، تزيد الروابط، تمنع التفكُّك، وتسدُّ النقص قدر الإمكان أينما وجد، وتسارع إلى ملء الفجوات، وتُصلح الخلل من خلال التعاون المعرفي فيما يمتلكه كل فرد، وتضع المجتمع على مسارات التنظيم الخلاق بتطويرها لعناصر الذوق العام، وتفعيلها لسلوكيات اللباقة واللياقة التي تغني فسيفسائيته دون النظر إلى المنابع الروحية والاشتقاقات، تنظر فقط إلى الموجود في الدائرة الاجتماعية، حيث يتجلّى فيها همُّها الأول، تنطلق منها إلى تحفيز الوعي ضمن دائرتها الأولى وحلِّ مشاكلها، ومعها تحثُّ على امتلاك العلم، وتعلِّم آليات الخروج من الأنفاق، موجهة إياه لحمل الشمعة من أول النفق؛ إن كان هناك ضرورة للمرور منه، وليس للفرد بمفرده؛ إنما الإيمان بأن حامل الشمعة يساعد نفسه وغيره،.. رسالة اجتماعية كلماتها المعرفة، وتطوير أدواتها التي تطور الحواس السبع، أي: المادية الخمس، واللامادية: العاقلة والناطقة، ترقِّقها تهذِّبها وترسم لها صورة حضارية، غايتها حماية ذاتها الاجتماعية وتكوينها الاجتماعي، ضمن المشروع الحضاري الواعد بالمعرفة الاجتماعية .

 

المصدر : الباحثون العدد 31 - كانون الثاني 2010
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 2075 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,882,143

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters