قد لا يدرك كثير من الأشخاص أننا عندما نتحدث عن التوجيه والإرشاد المهني أننا نتحدث عن مصطلحين مختلفين وإن لم يكونا بالضرورة متعارضين أو متناقضين. ووجود هذان المصطلحان في التصاق دائـم لم يأت عبثاً وليس مجرد صياغة بلاغية أو اجترار للكلمات أو ما شابه ذلك، وإنما هو ثمرة جهود علمية متقنة وخبرة عملية عميقة.
ويعود أصل مصطلحي (التوجيه والإرشاد) من الناحية العلمية إلى التوجيه والإرشاد النفسي الذي يعتبر باباً واسعاً من أبواب علم النفس يعرف بـ "علم النفس الإرشادي"، حيث تمت استعارتهما من قبل المختصين في الحـقل المهني لوصف حالة التوعية والهداية والمساعدة على التغييـر السلوكي تجاه المهنـة وبيئة العمـل فكانت ولادة مصطلحي (التوجيه المهني) و (الإرشاد المهني).
ورغم الارتباط الوثيق بين هذين المصطلحين إلا أن هناك بعض الفروق التي تُميز كلاً منهما عن الآخر من حيث الدور والمهمة التي يمثلها كل مصطلح.
وبصورة مجملة يمكننا القول بأن التوجيه المهني يمثل البعد الاستراتيجي التخطيطي الشمولي، وهو الجانب النظري من العملية، في حين يمثل الإرشاد المهني العملية الوسيلية أو الإجرائية التي يتم بموجبها ترجمة الجانب النظري إلى الواقع العملي، وفق خطوات إجرائية معرفة تختلف باختلاف المتلقي. وكلا المصطلحين يمثل جزءاً مهماً في رسم وإعداد وبرمجة عمليات تمكين الفرد من السيطرة على الواقع الذاتي وتحديده إدراكاً واتجاهاً نفسياً وبيئياً، وكذلك توجيه مكوناته وعناصره نحو الاهتداء إلى الطريق الأكثر ملاءمة في التعامل وإلى اختيار المهنة أو المسار المناسب. ومن هنا جاء الربط بين هذين المصطلحين.
فالتوجيه والإرشاد المهني إذن عبارة عن عملية واعية مستمرة ومخططة تهدف إلى مساعدة وتشجيع الفرد لكي يعرف نفسه ويفهم ذاته ويدرس شخصيته جسيماً وعقلياً وانفعالياً، ويفهم خبراته ويحدد مشكلاته وحاجاته، ويعرف الفرص المتاحة له وان يستخدم وينمي إمكاناته بذكاء وإلى أقصى حد مستطاع، في ضوء معرفته بنفسه وميوله ورغباته، بالإضافة إلى التعليم والتدريب الخاص الذي يحصل عليه عن طريق المرشدين والمربين والوالدين في مراكز التوجيه والإرشاد وفي المدارس وفي المحيط الأسري لكي يصل إلى تحديد وتحقيق أهداف واضحة تكفل له تحقيق ذاته وتحقيق الصحة النفسية والسعادة مع نفسه ومع الآخرين في المجتمع، والتوفيق شخصياً وتربوياً ومهنياً وأسرياً.(حامد زهران: التوجيه والإرشاد التقني، 1980).
التعريف الاصطلاحي:
بينما تتفق معاجم اللغة في تحديدها لمعاني التوجيه في طلب الاستقامة بيان الطريق نحو هدف معين، والإرشاد في الهداية والاستقامة وطلب الرشد، تتعدد التعاريف الاصطلاحية للتوجيه والإرشاد وإن كانت لا تتضارب. ونأخذ من هذه التعاريف:
1) تعريف معجم مصطلحات التنمية الاجتماعية والعلوم المتصلة بها (جامعة الدول العربية، 1983): حيث يعرف التوجيه المهني على أنه نظام تعليمي يتضمن جهوداً منظمة للتأثير في الأفراد وتوفيق سلوكهم في مجال معين من أحوال مجتمعهم. ويعطي المعجم للتوجيه المهني مفهوم ودلالات التعرف على قدرات الفرد وميوله وتقديم المعلومات والإرشادات التي تساعد في تحديد نوع التعليم أو التدريب أو الوظيفة التي تلائمه. أما فيما يتعلق بالإرشاد فيشير له المعجم على أنه عبارة عن الوسائل الرامية إلى تحسين وتخفيض التكاليف بالتنظيم الفني المضطرد بحيث تصل إلى درجة الرشد التي ينخفض معها الضياع أو التبذير إلى أدني حد ممكن.
2) تعريف سلسلة دراسات التعليم المهني والتقني التي يصدرها المشروع الدولي للتعليم التقني المهني (اليونيفوك) التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو): والذي يعرف عمليتي التوجيه والإرشاد المهني على أنهما: "عملية تزويد المستهدفين بمعلومات عن أنفسهم وعن النظام التعليمي وسوق العمل بحيث يمكنهم اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلق باختياراتهم التعليمية والمهنية، وتنمية الجوانب الشخصية والاجتماعية والمهنية للفرد وذلك بأسلوب منهجي وليس فقط مجرد لقاءات ومقابلات".
فالتوجيه والإرشاد هو عملية إرشاد الفرد إلى الطرق المختلفة، التي يستطيع عن طريقها اكتشاف واستخدام إمكانياته وقدراته وميوله ورغباته، ما يمكنه من أن يعيش في أسعد حال ممكن بالنسبة لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه.
مكونات التوجيه والإرشاد المهني:
1. الحياة المهنية: ويقصد بالحياة المهنية:
أ. الأنشطة والفعاليات والأعمال المتواصلة التي يؤديها الإنسان في مسيرة حياته.
ب. الأنشطة المهنية المتخصصة والتي تحدد نمط حياة الفرد وأسلوب معيشته.
ج. مجموع التجارب والخبرات المهنية التي كونها الإنسان في مجالات الحياة المهنية.
2. التوجيه: وهو اصطلاح عام يقصد به إعانة الفرد على فهم نفسه ومشكلاته أياً كان نوعها، سواء كانت مهنية أو دراسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو زوجية أو غير ذلك، وعلى فهم البيئة الاجتماعية أو الوسط الذي يعيش فيه حتى يصبح الفرد أكثر إنتاجاً واستثماراً لإمكاناته وطاقاته وإمكانات البيئة التي يعيش فيها وينتمي إليها.
ويُقسم التوجيه في دلالاته العامة إلى التوجيه النفسي والتربوي، والتوجيه الاجتماعي، والتوجيه المهني، والتوجيه التعليمي وغيرها. ومع ذلك فإن التوجيه المهني يتداخل مع كل أنواع التوجيه على اعتبار أنه عملية مركبة تتألف من سلسلة من العمليات الثانوية أو النوعية.
3. التوجيه المهني: وهو المصطلح الذي يطلق على توجيه الحياة المهنية (Career Guidance)، ويتضمن أنشطة وفعاليات وبرامج من شأنها تمكين الأشخاص المستهدفين من معرفة وتقدير ذواتهم، وفهم متطلبات سوق العمل في المجتمع، والوعي بالعوامل التي لها أهميتها في التخطيط لمهنة المستقبل، وتعلم كيفية اتخاذ القرار في شؤون المهنة.
يعتبر التوجيه والإرشاد المهني من الدعائم الأساسية في حياة المجتمعات المعاصرة ، حيث تجد أن هذه العملية تبقى مستمرة في عملها على مدار حياة الفرد ، فمنذ التحاقه بمقاعد الدراسة في مرحلة الروضة وانتقاله في مختلف مراحل التعليم العام ، إلى أن يتخرج من مراحل التعليم العالي ، وأيضا في أثناء ممارسته لحياته العملية وحتى بعد تقاعده ، إن هذه العملية لها الأثر الهام والبناء في حياة الفرد ، حيث تحقق له الانسجام والتوافق بين عناصر شخصيته المختلفة ، وميوله واستعداداته ، وواقع الحياة ، فيؤدي ذلك إلى تطوره ونموه على الصعد المختلفة ، النفسية والاجتماعية والاقتصادية ، وكل هذا ينعكس بدوره على ازدهار وتقدم المجتمع الذي يعيش فيه هذا الفرد.
الأهداف العامة للتوجيه والإرشاد
- توجيه المتدرب وإرشاده في جميع النواحي النفسية والأخلاقية والاجتماعية والتربوية والمهنية، لكي يصبح عضوا صالحا في بناء المجتمع.
- بحث المشكلات التي يواجهها أو قد يواجهها المتدرب أثناء الدراسة، سواء كانت شخصية أو اجتماعية أو تربوية، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة التي تكفل أن يسير المتدرب في دراسته سيرا حسنا.
- العمل على اكتشاف مواهب وقدرات وميول المتدربين المتفوقين، أو غير المتفوقين على حد سواء والعمل على توجيه واستثمار تلك المواهب.
- ترغيب المتدربين بالجو التعليمي ، وتبصيرهم بنظام الوحدة التدريبية ومساعدتهم قدر المستطاع للاستفادة القصوى من البرامج المتاحة لهم.
- مساعدة المتدربين على اختيار نوع التخصص والمهنة التي تتناسب مع المجتمع.
- توجيه المتدربين بالتعاون مع المرشد الطلابي على رعاية المتدربين وحل مشكلاتهم من خلال العمل والمشاركة في المجالس واللجان بمختلف أنواعها.
ملامح التوجيه والإرشاد المهني:
من خلال العرض السابق للتعاريف المتعددة للتوجيه والإرشاد المهني، وكذلك مكونات هذه العملية، يمكننا أن نحدد أبرز ملامح التوجيه والإرشاد المهني في التالي:
ô البعد المرتبط بنوعية العلاقة من حيث نشأتها وتطورها بين الموجه أو المرشد المهني والشخص المستهدف.
ô مقتضيات الاتصال المباشر وغير المباشر وتوظيف وسائط الاتصال المتعددة في التفاعل ونقل الخبرات والمعارف والتجارب من المرشد إلى المسترشد.
ô الخيارات المهنية أمام الشخص المستهدف بالتوجيه والإرشاد وإمكانية تغيير وتعديل المواقف باعتماد الخبرات السابقة.
ô المعرفة المركزة والعميقة بالتكوين النفسي لشخصية المستهدف.
ô المعرفة الجيدة بالمهن المتوفرة في سوق العمل ومؤسسات وبرامج التدريب والتأهيل المهني المتاحة.
ô المعرفة الجيدة بسوق العمل والمتابعة الدقيقة لما يطرأ عليه من تغيرات وتطورات.