الإسلام اليوم/ الرياض
أفرزت العقود الأخيرة مشكلات تتعلق بعلاقة العمل بالحياة الخاصة. فالساعات الطويلة التي يقضيها المرء بين جدران المكتب بعيداً عن منزله وأهله بدأت تتزايد بصورة مستمرة، والكثير من الناس لا يكتفي بالبقاء في مكان العمل لثماني ساعات فقط، وإنما تمتد هذه الساعات لتصل في بعض الأحيان إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم الواحد، وهذه الساعات وإن كانت ذات نفع كبير بالنسبة للعمل فإن لها آثارها الأخرى الضارة بالبيت والحياة الأسرية، ومن هنا بدأت تظهر أهمية التوازن بين العمل المكتبي والوقت المخصص للأسرة والعائلة وللنفس.
البنى العائلية الجديدة:
بدأت العائلة التقليدية الحديثة التي يعمل فيها الأبوان أو أحدهما تشكل النمطين العائليين السائدين. ويؤثر هذا الشكلان في الطريقة التي يعمل بها الناس وفي الأسباب التي تدفعهم إلى العمل، وكذلك في الكيفية التي يعملون بها.
تأثير المرأة:
كمثال على تأثير المرأة في بعض المجتمعات هنالك في الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من كل خمس عائلات تديرها النساء، في الوقت الذي يترتب عليهن أن يعملن وأن يرعين أطفالهن. و40% من النساء المتزوجات لديهن أزواج لا تتوفر لديهم فرص الكسب الملائم، وهؤلاء النساء يعملن لغرض تحسين الوضع المالي للأسرة.
وهنالك 80% من النساء العاملات سيدخلن في طور الحمل في مرحلة ما من سنوات حياتهن في العمل، ومعظم هؤلاء النساء سيعُدن إلى العمل خلال سنة من انتهاء إجازة الأمومة.
النسبة المئوية المتزايدة بين جميع العاملين هي من النساء. والنسبة المئوية المتزايدة بين الأمهات العاملات لديهن أطفال صغار. وسوف تكون النساء اللاتي لديهن أطفال المصدر الرئيس للنمو في عدد العاملين، وهذا يتطلب "طرقًا جديدة للعمل"، وسوف تكون المرونة والتكيف بمثابة شعار للعلاقات ضمن القوة العاملة الجديدة.
المشرفون على الرعاية ينضمون إلى صفوف القوة العاملة:
القوة العاملة معرضة للهرم والشيخوخة، وتتحمل مسؤوليات أكبر في رعاية الأطفال والشيوخ. التقليديون على شؤون الرعاية الأسرية -كانوا يوفرون الرعاية للأطفال الرضع والأطفال المرضى والآباء المسنين والأزواج المرضى- هم الآن منخرطون أو سوف يكونون كذلك بشكل تام في مكان العمل.
أولويات الرجال المتغيرة:
يتزايد عدد الرجال الذين يجمعون بين مسؤوليات العمل –ومسؤوليات الرعاية الأسرية؛ لأن عددًا أكبر من النساء أصبحن جزءًا من القوة العاملة. وحيث إن أكثر من 60% من الآباء توجد زوجاتهم في مكان العمل، ويشاركون بصورة مباشرة في مسؤوليات رعاية الأسرة، فإن جداول العمل تأثرت بذلك؛ لأن هؤلاء العاملات لا تتوفر لدى الجزء الأكبر منهن القدرة على الانتقال لمسافات بعيدة، عن مكان الأسرة. ولا يتمكنّ من العمل الإضافي أو الانتقال للعمل في موقع آخر.
الاهتمام المزدوج للعمال:
لقد أصبح العامل أشد اهتمامًا بـ "نوعية الحياة" التي تشمل العمل والحياة الخاصة. ولم يعد الأمر خيارًا بين العمل أو الحياة الخاصة. ويفضل كثير من العاملين الاستمتاع بالإجازات مع عائلاتهم على تحسين مستواهم المهني. كما أصبح وقت الراحة والاستجمام سواء بالنسبة للعائلة أو للفرد أثمن مما كان عليه في أي وقت آخر عبر التاريخ في كثير من المجتمعات الإنسانية.
دع السياسات تتغير
هنالك ضغط متزايد بالنسبة لكلا الوالدين لأن يشعر بأنه لا بأس من أخذ إجازة بمناسبة ميلاد الطفل، أو لحدث طارئ يتعلق بالطفل، أو بالأنشطة المدرسية، أو بالرعاية بالمسنين دون أن يعتريهم الخوف من أن يؤثر ذلك سلبًا على أعمالهم.
إن المشكلات المتعلقة برعاية الأطفال تضطر الوالدين العاملين للتغيب عن العمل بمتوسط ثمانية أيام في السنة. ولم يعد المحتمل أن تفضل العائلات العيش بصورة متجاورة (أي بالقرب من الأجداد والأقارب). وهم بذلك يقلصون من الحجم الزائد للشبكات العائلية، وبالتالي يخفّضون العدد المطلوب للرعاية في حالات الطوارئ.
سوق العمالة المتحوّل:
يتوقع أن تكون هنالك حالات نقص في سوق العمالة للعقد القادم في بعض المجالات الحيوية، مثل قطاع الخدمات والصناعات المتقدمة. وسوف تكون الحاجة إلى توظيف عمالة تتحمل مسؤوليات في مجالات الرعاية الأسرية أمرًا ضروريًا لأجل الاحتفاظ بقوة منتجة. كما أن التنافس على توظيف العمالة الذكية والملتزمة والمتنوعة سوف يشهد زيادة ملحوظة.
الضغوط المتزايدة على العمال:
لقد أفرز الواقع الاقتصادي الجديد شركات تكافح "لتفعل الكثير باستخدام القليل"، وهي بذلك تضع ضغطًا كبيرًا على العمال الذين يحاولون تحقيق التوازن بين المسائل الحيوية المتعلقة بالعمل وبحياتهم الخاصة. كما أن عدم استقرار العمالة والتغيب المزمن للكثير من العاملين، إضافة إلى أن الارتفاع المطرد للنفقات الطبية المتعلقة بالاحتياجات الشخصية، سوف يؤثر على مستوى الأداء والإنتاج في مجال الأعمال.
وسوف يعرّف الضغط على أنه مصدر رئيس للقلق في كثير من المجتمعات، وينجم عنه الكثير من مبادرات الشركات والمبادرات القانونية، إضافة إلى إمكانية أن يسعى من يُلقبون بـ "الراحلون المسرعون من الشركات" إلى ترك العمل؛ للحفاظ على تماسك أسرهم ولتحسين نوعية حياتهم. وهذا سوف يضع المزيد من الضغط على المنظمات لكي توفر العمل بدوام جزئي. وأن تكون على قدر من المرونة وأن تسمح بوجود وظائف مشتركة بين البيت؛ ومكان العمل وأخرى تتم في البيت، وذلك لتلبية احتياجات القوة العاملة المتنوعة.