سامح جاد / القاهرة
لكل زمان ومكان مقتضياتهما من عناصر التفوق والتقدم، والقرن الحادي والعشرون هو قرن التكنولوجيا والأفكار المبتكرة غير التقليدية، قرن هندسة الإدارة ونبذ الطرق القديمة باتباع طرق جديدة مختلفة، ونعني بذلك إدخال التحسينات الجوهرية على كل عناصر الأداء من التكلفة والجودة والخدمة والسرعة.
إن تسخير الطاقات وتوجيهها بأسلوب علمي مخطط وإعادة هيكلة المؤسسات والمنظمات وفقًا للمعايير الحديثة غير النمطية هو أحد أهم أدوار الإدارة الفعالة، والمتأخر في هذا العصر ليس فقط من يفشل ولكن "من لا يتقدم يتأخر"، ولذلك فعلى المؤسسات والمنظمات الخروج من طور الحال والهياكل الوظيفية الثابتة إلى التعاطي مع المستقبل ومع متطلبات السوق الدائمة التغير.
والتفاعل مع متطلبات السوق بدوره يفرض على المنظمات الأخذ بأسلوب هندسة الإدارة الذي يُعنى باستخدام طرق جديدة في التفكير بتبني مفاهيم مختلفة، والتخلي عن الأساليب القديمة والتطلع إلى الأفضل، وأيضاً العمل على إعادة تصميم وصياغة شاملة لمختلف نواحي العمليات التي تقود لظهور المنتج أو الخدمة، وعدم الاكتفاء بالتطوير الجزئي في النواحي الوظيفية أو الهياكل التنظيمية أو المهارات السلوكية، وإنما اعتماد التطوير الكلي الشامل لمدخلات ومخرجات العملية الإنتاجية، يُضاف إلى ما سبق الأخذ في الاعتبار عناصر الابتكار والتجديد من خلال اتباع أسلوب مبتكر، وطرح الحلول الجزئية والعلاجات المؤقتة لجوانب التقصير؛ لأن ذلك بدوره يوجد التحسن الجذري الواسع، ويوجد طفرات النجاح والتفوق الطموح، واعتماد أسلوب المنافسة المستمرة مع الذات ومع المنظمات والمؤسسات الأخرى.
الحاجة الماسة للتطور
التطور ليس هدفًا في حد ذاته وإنما هو منهج لتحقيق أهداف محددة في المنظمات التي تضع نصب أعينها رضا العملاء والوصول لأفضل النتائج، ويصبح التطور حاجة ماسة للمؤسسات التي تعاني من بعض أو جملة من المشكلات مثل: انخفاض الإنتاجية وتدني مستوى الأداء وتدهور الروح المعنوية داخل المؤسسة وانخفاض المبيعات أو تحوّل المستهلكين، ويأتي التطور كذلك لحل مشكلات مثل التراجع عن مواجهة المنافسة وتراجع الكفاءة.
ويصبح الحاجة للتطور أكثر إلحاحاً عندما تريد المنظمات تحقيق درجة عالية من الكفاءة والفعالية اللذين يمثلان معيار النجاح والتفوق للمؤسسات والمنظمات والشركات، وترتبط الكفاءة بالاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بينما تعني الفاعليّة القدرة على تحقيق النتائج والوصول إلى الأهداف المحدّدة مسبقًا.
وتأتي هندسة الإدارة لتحقيق كلا العنصرين (الكفاءة والفعالية) بدرجة عالية من خلال تبني الفروض الجديدة التي تناسب العصر، وإهمال العمليات الحالية التي انخفضت كفاءتها وفاعليّتها، وتصميم عمليات إدارية جديدة تتعامل بقوانين حديثة تناسب أهداف المنظمة وظروف سوقها، قوانين تهتم بالعميل وتنظر بمنظاره وتبحث عن وسائل إرضائه، وإسعاده.
الإدارة ومتطلّبات التحديث
يختلف شكل القيادة والإدارة التي تسعى للتحديث والتطوّر عن الأنماط التقليديّة الثابتة، وفي عملية إعادة هندسة الإدارة تتلاحم القيادة والإدارة مع العاملين، مع احتفاظ كل عنصر بدوره؛ إذ تدعم القيادة الجهود الكلية المبذولة في إعادة هندسة الإدارة وتختار المستشارين من داخل المنظمة أو خارجها، كما تراقب القيادة تطبيق خطط هندسة الإدارة وتقيّم النتائج، بينما تتولى الإدارة مهام وضع خطط المؤسسة والإشراف على تنفيذها في مختلف مراحلها، وتتصل بشكل مباشر بالقيادة، وتمتلك الصلاحيات التي تمكّنها من توفير الموارد التي يحتاجها فريق إعادة هندسة الإدارة، أما الفريق الذي يتولى تنفيذ المخططات من العاملين المتخصصين فيميزه في الطرق الحديثة المشاركة الفعّالة والتعاون والرغبة في تحقيق الهدف.
يُضاف إلى العناصر السابقة في عملية إعادة هندسة الإدارة اللجنة الموجهة، وهي المسؤولة عن وضع وتطوير استراتيجيات هندسة عمليات المؤسسة، ومراقبة التنفيذ وتقييم النتائج، وغالباً ما تتكون من كبار المديرين بالمنظمة، ويتم التنسيق بين القيادة والإدارة والعاملين عبر منسّق عام لعملية التطوير، وهو الشخص الذي ينسق بين المشروعات المنفصلة، ويبحث في تطوير أساليب هندسة الإدارة لاستمرار زيادة كفاءتها وفاعليتها.
مهام الإعداد والتدريب
للإعداد والتدريب في المؤسسات التي تنتهج أسلوب إعادة الهيكلة وهندسة الإدارة شأن عظيم؛ حيث تتطلب هذه العملية نمطاً جديداً من المهارات الفنية والفكرية والسلوكية لدى العاملين تمكنهم من تجاوز الأساليب التقليدية في العمل، وتشمل عمليات الإعداد التهيئة النفسية والمعلوماتية للعاملين كما تُعنى بإبراز العيوب والمشكلات الموجودة فعلياً في المؤسسة مع بيان المجهودات المطلوبة من الأفراد.
وبعد إنجاز مرحلة الإعداد المناسب للعاملين تأتي مرحلة التدريب، ولكي تتم هندسة الإدارة بنجاح فإن التدريب اللازم للقائمين بها من مديرين وفنيين وعاملين تشمل عدة جوانب: أولها الجانب الفني، ويرتبط بالنواحي الفنية للعمل من رفع كفاءة الفرد، وتعميق مهاراته وقدراته المهنية في مجالات التسويق (دراسة المستهلك والمنافسة وأساليب الحفاظ على العميل ورضا المستهلكين والإنتاج) وتحليل البيانات والمعلومات ودور التكنولوجيا الحديثة في رفع كفاءة العمليات.
ويأتي بعد ذلك الجانب الفكري، وتنبع أهمية هذا الجانب من دوره في إيجاد القدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات وتنظيم المعلومات وتنمية التفكير الإبداعي والابتكاري؛ لأن القوة العاملة في القرن الحادي والعشرين هي رأس المال المعرفي.
أما التدريب السلوكي فبه تكتمل العملية التدريبية لتشمل تنمية قدرة المديرين والعاملين على العمل الجماعي، وكيفية العمل في فريق والتعاون المطلوب لهذا النوع من الأعمال.
خطوات هندسة الإدارة
الأعمال الناجحة لا يتم إنجازها بدون تخطيط جيد، لذلك يُعد التخطيط لعملية هندسة الإدارة من أهم المراحل لتحقيق عنصري الكفاءة والفاعلية اللذين سبق ذكرهما، وتنقسم عملية التخطيط إلى أربع مراحل هي: التشخيص والتخطيط والتنفيذ والمتابعة.
أما التشخيص فيهتم بتحديد المشكلة، وتعريف جوانبها ليأتي بعد ذلك التخطيط من خلال تحديد الأهداف، ووضع خطة متكاملة يتم بعدها السير في تنفيذ هذه الخطة حسب جدول زمني لننتهي إلى تقويم النتائج، والتعرف على درجة فاعليتها.
وقد وضع خبراء الإدارة عدة خطوات لتحقيق هندسة الإدارة وهي على التوالي؛ تحديد مجالات التطوير من خلال دراسة الوضع الحالي للمنظمة وقياس درجة رضا العملاء وما يرتبط بها من جودة السلعة أو الخدمة، وأسباب ذلك وطرق تحقيقه إن لم يكن موجوداً.
والخطوة الثانية هي إعداد خريطة العمليات الحالية، وهي أشبه بدراسات الجدوى التي تجريها المشاريع الجديدة، ويتم فيها رسم الخرائط التوضيحية للعمليات التي تؤديها المنظمة مع إعطاء مسمّيات محدّدة لهذه العمليات مثل (عملية الشراء.. عملية التخزين.. عملية التصنيع.. عملية التسويق والترويج.. عملية البيع..).
والخطوة الثالثة هي تحديد التعديلات اللازمة وهي الخطوة الأكثر صعوبة حيث تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين، وتبرز في هذه الخطوة قيمة التدريب الفني والفكري والسلوكي الذي يساهم في زيادة سرعة العمليات، واختصار عدد الخطوات للعملية الواحدة وضغط العادم، ورفع مستوى الجودة للعملية.
والخطوة الرابعة هي المقارنة مع أفضل المؤسسات والمنظمات التي تمكنت من تحقيق النجاح في عمليات هندسة الإدارة، وذلك للاسترشاد والإفادة بما حققته المنظمات التي سبقت تطوير عملياتها، وتنقلنا هذه الخطوة إلى التي تليها، وهي إعادة تصميم العمليات، والإدارة الناجحة في هذه الخطوة تحديداً تعتمد الأساليب الحديثة غير التقليدية التي تقوم على التكنولوجيا الحديثة وتكنولوجيا المعلومات والتفكير الابتكاري، لننتقل في النهاية للخطوة الأخيرة، وهي عمليات التنفيذ والمتابعة بتطبيق العمليات الجديدة، وقياس مؤشرات النجاح.
خصائص هندسة الإدارة
تتضح خصائص عمليات التطوير وإعادة هيكلة الإدارة خلال الخطوات التنفيذية لهندسة الإدارة، وتبرز هذه الخصائص في دمج عدة وظائف في وظيفة واحدة، واشتراك الموظف في اتخاذ القرارات المتعلقة بوظيفته، وتنفيذ العمل حسب ونوع وطبيعة كل نشاط، كما تتعدّد خصائص العمليات حتى تتناسب مع الأسواق المختلفة ومتطلبات العملاء.
ومن خصائص هندسة الإدارة كذلك تقليل المركزية، وخفض مستويات الرقابة والمراجعة، وتقليل الحاجة إلى مطابقة المعلومات من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات توفّر عنصري الدقة والسرعة وضغط العادم، يُضاف إلى ذلك استخدام أسلوب فرق العمل، وتطبيق أسلوب الإثراء الوظيفي من خلال توسيع صلاحيات الموظف، وتحول إعداد الموظف من مجرد التدريب إلى التعليم المستمر والفعّال.
وتتسم عمليات هندسة الإدارة بالاهتمام بالأنشطة إلى النتائج، وتحول معايير الترقية من الأداء إلى المقدرة لتحوّل ولاء الموظف نحو العميل، وليس لرئيسه وتحوّل المديرين من مشرفين أو نظّار، وتغيّر التنظيم من الشكل الهرمي إلى المستويات الرأسية وتحول المسؤولين من مراقبين إلى قياديين.
ثمرات التطور الإداري
هندسة الإدارة هي عملية دائمة ومتجدّدة، وترتبط إلى حد كبير بالمتغيرات التي تشهدها الأسواق وبتغير مستوى رضا العملاء، وهي ليست عملية تجميليّة للإدارة وإنما عملية هادفة يتم قياس مستوى نجاحها وثمرات فعاليتها، والتي تظهر جلية في سرعة إنجاز العمل وخفض التكاليف، وتقليل معدّل الأخطاء وتحسّن الأداء.
وعلى مستوى العاملين تظهر ثمرات هندسة الإدارة في رفع الروح المعنوية للعاملين، وتوسيع صلاحيات الموظف، وظهور ثمار الإبداع والأفكار الجديدة، وتنمية إحساس الموظف بالإنجاز وبالانتماء للمؤسسة، وتنويع قدرات الموظف واستمرار تطوير قدراته وزيادة تنافس الأفراد لتحقيق ما هو أفضل من خلال تحقيق العدالة والموضوعية في تقييم الأداء.
ومن ثمرات هندسة الإدارة على مستوى العملاء تحقيق نتائج أفضل للخدمة أو المنتج للوصول لرغبات العملاء مما يرفع الروح المعنوية للموظفين لإحساسهم برضا العميل، وتحسين جودة الخدمة بحيث تكون المنظمة أو المؤسسة قادرة على الإيفاء بمتطلبات السوق.