سامح جاد / القاهرة
الخلافات أمر وارد في الحياة والعمل فهي تقع لا محالة بين الأفراد و داخل المؤسسات، وتلافي وقوع الخلافات يعد أمراً غير منطقي مع وجود الأهداف والقيم المتباينة وفي ظل الفروق الفردية بين الأفراد، لكن السعي لحل الخلافات وإدارتها بطريقة فعالة هو من صميم مهارات الأشخاص الناجحين والمؤسسات الفاعلة.
ولا يحدث الخلاف بين طرفين إلا بسبب وجود أهداف يعتقد كلاهما أنها هي الأصح، وهذه الأهداف قد تكون نتيجة لحقائق موضوعية، أو قيم فردية، أو حتى وجهات نظر، وينشأ الخلاف من التعارض في وجهات النظر، وقد يتفاقم الخلاف لأشكال غير مرغوبة من العداء أو العنف، بينما ينتفي الخلاف عندما ترضى الجهات المشتركة إما بربح أو خسارة وهذا ما يحصل غالباً إلا إذا شاء الطرفان أن يستمر الخلاف، شريطة أن تكون الأطراف الراغبة في الحل تتمتع بعدد من المهارات والاستراتيجيات التي تمكنها من حسم هذا الخلاف .
طبيعة الخلافات
تتمايز الخلافات التي تقع داخل المؤسسات أو بين الدول أو الأفراد حسب شدتها ودرجة ظهورها وردود الأفعال من الأطراف، ونحن بدورنا نميز الخلاف إلى نوعين أولهما خلاف التنوع وهو خلاف يقود للنجاح وليس للفشل، فهو يثري العمل ويقود للتنمية فهو يتفق في الأسس والأهداف يختلف في الرؤى والحلول فهو يرتكز على إيجاد أكثر من طريقة لحل للمشكلة الواحدة ، وثانيهما خلاف التضاد أو التعارض وهو يعني تعارض في المنهج والهدف ووجهات النظر بما يقود لنتائج متعارضة ، وبالتالي يمكننا اعتباره خلاف هدام يقود للفشل.
وقد قسم خبراء الإدارة كذلك الخلاف إلى أنواع حسب أحوال الخلاف، وهي الخلاف الخفي وأسبابه عديدة منها الغيرة والحسد والخوف على الرزق، وكذلك الخلاف الملاحظ ويحدث حينما يدرك أحد الأطراف الداخلة في النزاع الخلاف الخفي لدى الطرف الآخر وينشأ من أجله خلاف محسوس، وعند هذه الدرجة يتحول الخلاف لما يسمى بـ "الخلاف المحسوس" والفرق بينه وبين سابقه هو كما الفرق بين رؤية الشيء والشعور به، وفي هذه المرحلة من الخلاف يمكن لطرف ثالث لم يدخل في الخلاف أن يلاحظ أن هناك نزاع بين أطراف الخلاف.
يضاف إلى ما سبق وحسب طبيعة الخلاف ما يعرف بـ "الخلاف الجلي" أو الظاهر، وهو الذي منه تظهر آثار الخلاف جلية إما بمشاعر متبادلة أو بأقوال حادة أو حتى بأعمال لا مسئولة.
إدارة الخلافات
وضع علماء الإدارة عدد من النماذج التي يمكن استغلالها لإدارة الخلافات وتندرج هذه النماذج بين الحلول السلبية وتمثلها حلول الانسحاب أو التنازل أو الإكراه أو استخدام النفوذ والحلول الإيجابية التي تعتمد على التهدئة أو التلطيف، أو التسوية والحل الوسط، ويختلف استخدام النموذج حسب طبيعة الأشخاص وحسب طبيعة المشكلة.
فالانسحاب أو الهروب على سبيل المثال يجمع بين اهتمام قليل جداً بالنتائج واهتمام قليل جداً بالعلاقة مع الناس؛ فالشخص المنسحب أو الهروبي شخص يرى الخلاف الذي نشأ هو خبرة لا نفع منها، وبالتالي فإن أحسن شيء هو الانسحاب من مصدر الخلاف – أنه مستعد لأن يذعن حتى يتلافى عدم التوافق أو التوتر، ولن يشارك أيضاً في حل نزاع بين الآخرين، وهذه السياسة إن كانت ناجحة في بعض حالات الخلاف إلا أنها تغفل أن أسباب الخلاف لا زالت قائمة واجتناب الخلاف لن يجعلها تختفي.
أما الإكراه كنموذج سلبي أيضاً فيعتمده كحل أمثل من يهتمون بالنتائج أو المهمة التي هم بصددها ولا يلقون بالاً للعلاقات مع الناس الآخرين أبداً، ورغم أن هذه السياسة تحل الخلافات بشكل سريع فإنها تؤثر على الأهداف بعيدة المدى وعلى إنتاجية الأفراد ما دام أن هناك طرفاً واحداً سيستمتع بالانتصار.
وفي المنحى الذي يراه البعض إيجابيًا يعتمد الأفراد نموذج التهدئة لإدارة الخلاف والأفراد الذين ينتهجون هذه السياسة يهتمون بالعلاقة مع الناس إلى درجة كبيرة حتى لو تصادمت مع مصالحهم وواجباتهم، وبالرغم من أن هؤلاء يقيمون علاقات ودية مع جميع الأفراد إلا أن سياستهم قد لا تفيد دائماً وخصوصاً في حالات الخلاف القوي.
والنموذج الرابع لإدارة الخلاف يتمثل في تسوية الخلافات أو إمساك العصا من المنتصف، وهي سياسة وسط بين التهدئة والإكراه، وهذه السياسة تشعر الأطراف في أي نزاع أنهم رابحون لأول وهلة مع أنهم في حقيقة الأمر خاسرون، لأن هذه السياسة تعطي بعض الكسب لكلا الطرفين بدلاً من نصر من جانب واحد، ولذا تعد هذه السياسة في معظم الخلافات سياسة مرضية.
الحلول التكاملية
لعل النموذج الأمثل في إدارة الخلافات هو الحلول التكاملية لأنها تشتمل على مزايا السياسات السابقة مجتمعة والبعض يطلق عليها "سياسة الأطراف الرابحة"، وهي سياسة تمثل قمة النجاح والفعالية لحل الخلافات إلا أنها تتطلب مهارة إدارية واتصالية عالية المستوى.
وهي طريقة مشتركة لحل المشاكل يلزم لجميع الأطراف افتراض وجود حل ما وبالتالي هم يجهدون لهزيمة المشكلة لا أنفسهم، ويفترض نجاح هذه السياسة بشكل فعال التيقن أن التعاون أفضل من التنافس وقد يكون اختلاف الآراء جزءاً هاماً من عملية التعاون، كذلك فإن عامل الثقة مهم في هذه السياسة فالأطراف التي يتوفر فيها عامل الثقة لن تخفي أو تحرف أي معلومات مفيدة لحل الخلاف، ولابد من تقليل حالات التباين بين الأطراف المختلفة، التباين في القوة أو المستويات والتي قد تسبب في فصل أو تمايز الأطراف، ويضاف إلى ذلك أن يوقن كل طرف في الخلاف بوجود حل له فإذا لم يتوفر هذا الشرط أو لم يوقن أحد الأطراف باحتمالية وجود حل فإن العملية تنقلب إلى خاسر ورابح بدلاً من رابح ورابح.
مهارات إدارة الخلاف
ولانتهاج السياسة التكاملية كسبيل أمثل لإدارة الخلافات فهناك عدد من المهارات التي يجب التمتع بها ومنها الملاحظة والدراسة الجيدة لطبيعة الخلاف ومن ثم نقوم بتعديل وتصحيح الملاحظات وقد يقودنا هذا إلى اكتشاف أن ما نراه خلافًا هو مجرد لبس أو ما نسميه "سوء في التفاهم".
القدرة على إدارة المواقف، بمعنى الحكم على المواقف نفسها حتى نتبين من نتائجها. ويصدق ذلك على المشاعر، لذا كان لزاماً علينا أن نحدد وعلى وجه الدقة مواقف ومشاعر الأطراف المتنازعة ويمكن البدء بالمشاكل سهلة الحل أولاً، فإذا حلت هذه فإن موقفاً إيجابياً قد يتطور من داخل ذلك الطرف يسهل كثيراً من حل المشاكل الأكثر تعقيداً، وقبل ذلك فعلى من يسلك النهج التكاملي لإدارة الخلاف تحدد المشكلة وذلك قبل أن يناقش الحل لأن هناك نوعاً من التداخل بين المشكلة نفسها وحلولها لذا لا بد أن نفصل محاولات تحديد المشكلة عن قائمة الحلول، ويمكن تحديد المشكلة بأسلوب رسم الأهداف التي يريدها كلا الطرفين بشرط أن تكتب بصيغة جماعية بدلاً من أن تكون أوليات فردية.
ومن جملة ما يجب أن يتمتع به أصحاب الحلول التكاملية البحث بشكل مشترك عن البدائل، والبعد عن الجمود والتمسك بالرأي الواحد، فكلما زادت الثقة والانفتاحية كلما كان الوصول للحل النهائي أكثر احتمالاً، ويتلو ذلك تقييم البدائل للخروج بالحلول النهائية عبر الموازنة بين البدائل المطروحة.
ومحصلة السياسة التكاملية هي إيجاد حل يرضي الأطراف المتنازعة بحيث يحقق هذا الحل أهدافك وأهداف الآخرين مع الإبقاء على العلاقة الجيدة، مع التيقن أن الخلافات شيئاً طبيعياً بشرط أن يتفهم كلا الطرفين أن هناك حل لما يكدر خاطرهما وذلك بإزالة أسباب الشحناء وإبعاد روح التحفز للمهاجمة، وإحلال التفاهم والتعاون كبدايات لعلاقات طيبة.