إنّ هذه الوظائف المتقدمة للأخبار، هي بمثابة وظائف عامّة يمكن توجيهها على أساس منهج بعينه وخدمة لأهداف محددة.
وعلى هذا يمكن تحديد وظائف الأخبار في منهج الإعلام الإسلامي على النحو التالي:
1- إحاطة المسلمين بما يجري حولهم من أمور تمس حياتهم ومصالحهم وأحوالهم وتفسير ذلك على ضوء تعاليم الإسلام وأحكامه.
2- ربط العالم الإسلامي، وتوحيد كلمة المسلمين.
3- الكشف عن الأخطار المحيقة بالمسلمين وتنبيههم إليها.
4- التعريف بالقضايا الإسلامية وإقناع الرأي العام العالمي بعدالتها وأهميّتها.
5- توجيه الرأي العام في بلاد المسلمين وفقاً لمبادئ الإسلام وبما يخدم أهدافه.
6- مناصرة وتأييد القوى الإسلامية في جهادها ضد قوى الظلم والبغي في كل مكان.
7- إبراز دور القيادات والجماعات الإسلامية في كل مجال من المجالات.
8- الإشادة بالسلوك الإسلامي، ودعم وتأييد العناصر الإسلامية القدوة.
9- التصدي للدعاوى المضللة والملحدة التي تستهدف المسلمين وديارهم.
10- التصدي للأخبار التي تشيع التخاذل واليأس في نفوس المسلمين.
11- إدانة كل أنواع السلوك الذي لا يلتزم بأحكام الإسلام والتركيز على بيان آثاره المهلكة.
12- حجب أي خبر يكون فيه إضرار بالمسلمين، أو يفيد منه أعداؤهم.. وإننا لنجد فيما جرى (يوم أُحُد).. نموذجاً يحتذى في ذلك، فالمعروف أنّ سير القتال في هذه الغزوة كان قد انقلب لغير صالح المسلمين، وقد أصيب الرسول (ص) وشاع الخبر بأنّه لقي ربّه. وقد أحدث هذا الخبر تأثيره الكبير في نفوس صحابة رسول الله إلى حد أن بعضهم ألقى السلاح وكفّ عن القتال. وكان من هؤلاء عمر بن الخطاب وطلحة بن عبدالله (رضي الله عنهما)، فقد رآهما أنس بن النضير في رجال من المهاجرين والأنصار "وقد ألقوا بأيديهم، فقال: فما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله (ص).
كان ذلك هو الأثر الذي أحدثه هذا النبأ الذي لم يكن صحيحاً.. وعندما تجلّت الحقيقة وتبيّن أنّ رسول الله (ص) كان فقط متأثراً بجراحه.. نجده عليه الصلاة والسلام يحول دون إذاعة هذا الخبر بشكل علني، حرصاً على ألا يبلغ ذلك مسامع الكفار فيعاودوا الهجوم على المسلمين مرّة أخرى، وقد كانوا في حالة لا تؤهِّلهم لإستئناف القتال. ويروي ابن إسحاق هذه الواقعة، فيقول: "كان أوّل مَن عرف رسول الله (ص) بعد الهزيمة وبعد قول الناس قتل رسول الله (ص) – كما ذكر إلى الزهري – كعب بن مالك، قال: رأيت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشروا هذا رسول الله. فأشار رسول الله (ص) أن انصت"!!
وهكذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم إذاعة الخبر بأنّه لازال على قيد الحياة.. حرصاً منه على أرواح المسلمين وضماناً لسلامتهم وتجنّباً للدخول في معركة جديدة قد تكون نتيجتها في غير صالحهم.
13- التقريب بين وجهات النظر في كل البلاد الإسلامية، والعمل على رأب الصدع ونبذ الخلافات (إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (الحجرات/ 10).
14- الإفادة من أخبار أعداء الإسلام، إذا كان فيها ما يقدِّم العون للمسلمين أو يفيدهم، وهناك العديد من المواقف للرسول (ص) تشير إلى كيفية استثمار مثل هذه الأخبار لصالح المسلمين، ومن ذلك إيفاده (ص) زيد بن حارثة ليصيب عير قريش. وتتلخصّ هذه الواقعة التي جرت بعد واقعة بدر بستة أشهر "أنّ قريشاً خافوا طريقهم التي كانوا يسلكونها إلى الشام حين كان في واقعة بدر ما كان، فسلكوا طريق العراق، فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان ومعه فضة كثيرة" – "فبعث رسول الله (ص) زيد بن حارثة فلقيهم على ماء يقال له القردة، فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال، فقدم بها على رسول الله (ص)" – "وكان سبب بعثة زيد بن حارثة إنّ نعيم بن مسعود قدم المدينة ومعه خبر هذه العير وهو على دين قومه، واجتمع بكنانة بن أبي الحقيق في بني النضير ومعهم سليط بن النعمان، فشربوا وكان ذلك قبل أن تحرم الخمر، فتحدّث بقضيّة العير نعيم بن مسعود وخروج صفوان بن أُمية فيها، وما معه من الأموال، فخرج سليط من ساعته فأعلم رسول الله (ص) عليه وسلم، فبعث من وقته زيد بن حارثة".
ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام يكتفي بأن تصله مثل هذه الأخبار عن طريق الصدفة البحتة عندما ينقلها إليه ناقل، بل كان (ص) يسأل ويستفسر عن أخبار، ويبعث الرُّسُل من أجل ذلك، لكي يأمن شر أعداء الإسلام وكيدهم ويعد العدّة لهم.
ومن ذلك ما فعله عليه الصلاة والسلام بعد رجوعه إلى المدينة عائداً من أُحُد، وحيث كان المسلمون مثخنين بالجراح على أثر ما جرى في هذه الواقعة: "قدم رجل من أهل مكة على رسول الله (ص)، فسأله عن أبي سفيان وأصحابه، فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون ويقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكة القوم وحدهم ثمّ تركتموهم ولم تبتروهم، فقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم. فأمر رسول الله (ص) بطلب العدو، ليسمعوا بذلك" – قال ابن إسحاق: "وإنما خرج رسول الله (ص) مرهباً للعدو ليبلغهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة، وأنّ الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم".
وكذلك كان عليه الصلاة والسلام يوفد الرُّسُل لإستقصاء الأخبار عن عدّة الكفّار واستعدادهم وخططهم ومواقفهم، فنجده (ص) يطلب إلى حذيفة بن اليمان أن يستطلع موقف الأعداء بعد أن جرى لهم ما جرى في غزوة الخندق.. فقد قال (ص): "يا حذيفة، قم فائتنا بخبر القوم" – "ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم على".
- الخبر والشائعة:
المعروف أنّ الشائعة تنطوي عادة على جزء صحيح من خبر، أو أنها خبر جرى تحريفه عن قصد، فأصبح "حكاية" مقدمة للتصديق وليست صادقة، والمعروف كذلك أنه – وأثناء الحروب بالذات – يقوم كل من الفرقاء المتحاربين بتحوير الأخبار، و"تلوينها" لتتحول إلى شائعات، ودعايات هدّامة، تستهدف تحطيم معنويات الخصم، وتفرقة الصفوف، وبث روح الكراهية والعداء بين أبناء الجماعة الواحدة أو الأُمّة الواحدة، ويحفل التاريخ القديم والحديث بعشرات العشرات من النماذج لهذه الأساليب التي أطلق عليها حديثاً إصطلاحات مثل "الحرب النفسيّة" و"الحرب الباردة" و"حرب الأعصاب" و"حرب القرائح والأفكار"، وما إلى ذلك.
وهنا يحضرنا سؤال هام، هو: هل يجيز الإسلام استخدام مثل هذه الأساليب؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال تحتاج ولا شك إلى بحوث ودراسات أكثر تفصيلاً، ولكن غالبية العلماء يشيرون إلى أنّ "الحرب خدعة".. ومن ثمّ يحق للمسلمين في ظروف الحرب ضد أعداء الإسلام، أن يستخدموا كل الأساليب والوسائل الحربية والعسكرية (فكرية كانت أو مادية) لتحقيق نصرة دين الله. ومن ثمّ سوف نكتفي في هذا الصدد بأن نورد أهم واقعة سجّلها التاريخ الإسلامي، وهي واقعة (نعيم بن مسعود)، وما كان من موقفه مع أعداء الإسلام.
تقول الواقعة: "إنّ نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، أتى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال رسول الله (ص): إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة.
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية، فقال: يا بني قريظة، قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصّة ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم.
فقال لهم: إنّ قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحوّلوا منه إلى غيره، وأنّ قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمّد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم عن أن تقاتلوا معهم محمّداً حتى تناجزوه.
قالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثمّ خرج حتى أتى قريشاً، فقال لأبي سفيان بن حرب ومَن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودّي لكم وفراقي محمّداً، وأنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقّاً أن أبلغكموه نصحاً لكم، فاكتموا عنِّي.
قالوا: نفعل.
قال: تعلموا أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمّد، وقد أرسلوا إليه: إنّا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثمّ نكون معك على مَن بقي منهم حتى نستأصلهم، فأرسل إليهم: أن نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.
ثمّ خرج حتى أتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان، إنكم أصلي وعشيرتي وأحبّ الناس إليَّ ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت، ما أنت عندما بمتهم. قال: فاكتموا عنِّي. قالوا: نفعل. ثمّ قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم.
فلمّا كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان من صنيع الله تعالى لرسوله (ص) أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان، فقال لهم: إنّا لسنا بدار مقام، هناك الخف والحافر، فاعدوا القتال حتى نناجز محمّداً ونفرغ ممّا بيننا وبينه.
فأرسلوا إليهم: إنّ اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً فأصابهم ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمّداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمّداً، فإنّا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتدّ عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه.
فلمّا رجعت إليهم الرُّسُل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إنّ الذي حدّثكم نعيم بن مسعود لحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنّا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرُّسُل بهذا: إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنّا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً.
فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم".
المصدر: د. كرم شلبي, كتاب الخبر الصحفي وضوابطه الإسلامية
نشرت فى 29 يونيو 2011
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,875,853