مفهوم السلوك التنظيمي : يعني سلوك الفرد داخل المنظمات، و الهدف من وراء دراسة السلوك التنظيمي وأن هناك ثلاثة أهداف رئيسية من دراسة السلوك التنظيمي ألا وهي:
1. التعرف على مسببات السلوك الإنساني. 2. التنبؤ بالسلوك وذلك من خلال معرفة مسببات السلوك. 3. التوجيه والسيطرة والتحكم في السلوك من خلال التأثير في المسببات.
وبذلك يتضح لنا مدى أهمية السلوك التنظيمي فهو يركز على فهم وتوجيه سلوكيات وتفاعلات العنصر البشري, والذي يعتبر أهم عناصر الإنتاج في المنظمة, ونجاح المنظمة مرهون بنجاح تفعيل العنصر البشري وتحسين أدائه. واليوم سنتحدث بإذن الله عن تاريخ نشأة هذا العلم وكيف وصل إلى ما وصل إليه الآن.
جذور تاريخية بعيدة:
المستقرئ للتاريخ يجد أن محاولات فهم السلوك الإنساني داخل المنظمات له جذور تاريخية بعيدة, ففي الحضارة الفرعونية مثلاً، وجد أنه كان هناك اعتراف فيما بينهم بضرورة الاستماع إلى شكوى العاملين, ولا شك أن الاستماع وحده يكون في أحيان كثيرة علاجاً –ولو مؤقتاً – لبعض العاملين.
وإذا طالعت التاريخ الإسلامي ستجد أن الحضارة الإسلامية قد اهتمت بالسلوك البشري داخل المنظمات اهتماماً بالغاً، فأقرت مبدأ التشاور مع المرؤوسين عند اتخاذ القرار وهذا ما يسمى حالياً بالمشاركة في اتخاذ القرارات الإدارية، كما شجعت الاتصال المباشر بين الرئيس والمرؤوس، كما أن مفاهيم الاتصال الجيدة كانت لها مجالات واسعة في الدين الإسلامي بشكل كبير.
وقد ظهر في القرن السادس عشر نموذج لمحاولة تفسير السلوك الإنساني والتحكم فيه ألا وهو النموذج الميكافيللي, حيث وضع ميكافيللي نظريته القائمة على أن سلوك الناس محفوف بعدم الثقة والشك، وأن الأسلوب الملائم للسيطرة على سلوكهم هو القسوة والخداع، أو أي وسيلة أخرى يمكن من خلالها السيطرة على هذا السلوك, وقد أودع ميكافيللي نظريته هذه في كتابه الشهير "الأمير" والذي كان قد كتبه لإرضاء حاكم إحدى المدن الإيطالية، وشرح خلال هذا الكتاب كيف يجب أن يتصرف الأمير الكفء، وكان مبدؤه الأساسي هو "الغاية تبرر الوسيلة" بمعنى أن أي وسيلة يمكن استخدامها ولو كانت غير نبيلة أو مشروعة طالما أنها ستوصل في النهاية إلى هدف نبيل, وقد أوصى ميكافيللي في كتابه بضرورة استخدام أساليب المكر والدهاء والخداع والتدليس والمراوغة، بجانب استخدام أساليب القهر والقسوة والشدة والردع لإحكام السيطرة على سلوك المرؤوسين، ولايمنع ذلك من استخدام أسلوب الحوافز والمكافآت على أن يكون في ظلال نظام الردع الوارفة, والعجيب أن بعض هذه الأساليب لازالت موجودة في بعض المنظمات إلى يومنا هذا وبخاصة السياسي منها، كما من الممكن أن نقول أن العمل السياسي يتبع العديد من مبادئ ميكافيللي التي أودعها في كتابه منذ ما يقرب من خمسة قرون !!
الفكر الإداري المعاصر:
إذا انتقلنا للكلام حول الفكر الإداري المعاصر سنجد أن أول مدرسة إدارية تكلمت حول السلوك الإنساني وكيفية السيطرة عليه بطريقة علمية حديثة هي المدرسة الكلاسيكية، وقد افترضت المدرسة الكلاسيكية بشكل عام بأن الأفراد كسالى وأنهم غير قادرين على تنظيم وتخطيط العمل وأنهم غير عقلانيين وأنهم انفعاليين، ولهذه الأسباب هم غير قادرين على أداء أعمالهم بطريقة صحيحة وفعالة, وبالتالي صارت السيطرة على هذا السلوك الغير الرشيد حتماً مقضياً، ولذا ستجد أن جميع النماذج الخارجة من المدرسة الكلاسيكية تركز على فرض نموذج عقلاني ورشيد وقوي على العاملين وذلك كمحاولة للسيطرة على سلوكهم داخل المنظمة. وسنعرض سريعاً ثلاثة نماذج من المدرسة الكلاسيكية ألا وهي: نموذج الإدارة العلمية، ونموذج العملية الإدارية، والنموذج البيروقراطي.
أولاً: نموذج الإدارة العلمية:
افتراضات هذا النموذج قائمة على اعتبار أن الأفراد كسالى، أنهم مدفوعون فقط من الناحية المادية، وأنهم غير قادرين على تخطيط وتنظيم الأعمال المنوطة بهم, وبالتالي ظهرت محاولات رواد هذه المدرسة للسيطرة على السلوك الإنساني داخل المنظمات من خلال عمل تصميم مثالي للوظائف ومن خلال الحوافز المالية، وتعتبر محاولات فريدريك تيلور هي أول المحاولات المنظمة في هذا المجال، حيث كانت له مجموعة من التجارب الإدارية في الشركات التي كان يعمل بها، وقد تبلور الفكر الناتج عن هذه التجارب في كتابه "مبادئ الإدارة العلمية ". وتلت جهود تيلور ما قام به الزوجان فرانك وليليان جيلبرث بما يسمى "دراسة الحركة والوقت"؛ حيث قاما ببحث أنواع الحركات التي يؤديها العامل في عمله ووقت كل حركة، ثم يحددون بعد ذلك ما هي أنسب حركات عليه أن يؤديها ليصل إلى أسرع وأفضل أداء ممكن. لقد اعتبر رواد هذه المدرسة أن الإنسان مثله مثل أي مورد آخر من موارد المنظمة من آلات وغيرها, وبالتالي يجب التحكم في هذا المورد عن طريق تصميم وظيفته وتدريبه وتحديد معيار علمي لقياس معدل إنتاجه، هذا بجانب تحفيزه على العمل باستخدام الحوافز المالية.
ثانياً: نموذج العملية الإدارية:
وتتشابه افتراضاتها حول السلوك الإنساني مع الافتراضات التي تبنتها الإدارة العلمية إلا أنها اختلفت معها في الأسلوب الذي يمكن أن تتخذه المنظمة للتحكم في السلوك الإنساني، فلئن كانت الإدارة العلمية قد ركزت على وجود تصميم مثالي أوحد لأداء العمل بجانب الحوافز المادية، فقد جاءت نظرية العملية الإدارية لتقول أنه يمكن السيطرة على السلوك الإنساني من خلال العملية الإدراية والقواعد والأوامر، أي من خلال تصميم محكم للعمليات الإدارية كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة, وأيضاً من خلال وضع ضوابط محددة للأداء يسيطر على السلوك الإنساني. ومن أشهر رواد هذا النموذج الفرنسي هنري فايول الذي قسم العملية الإدارية إلى خمسة أقسام: التخطيط والتنظيم والأمر والتنسيق والرقابة, وبناء على هذه الأنشطة قام بوضع أربعة عشر مبدأ إدارياً يمكن من خلالها القيام بأنشطة الإدارة على خير وجه.
ثالثاً: النظام البيروقراطي:
وقد افترض رواده أن الناس غير عقلانيين وأنهم انفعاليون في أدائهم للعمل، مما يؤدي إلى جعل الاعتبارات الشخصية سائدة في العمل وجعل الاعتبارات العقلية والموضوعية غير واردة في محيط العمل, وقد انعكس ذلك على وضعهم للنموذج البيروقراطي من أجل السيطرة على السلوك الإنساني داخل المنظمات، حيث تذكر النظرية أنه سيتم السيطرة على السلوك الإنساني من خلال وجود نظام صارم للقواعد والإجراءات داخل المنظمة. ويعتبر ماكس فيبر أشهر علماء هذه المدرسة، قد اتخذ هذا الاتجاه من خلال ملاحظته لسوء استخدام المديرين لسلطاتهم، وعدم الاتساق في أسلوب الإدارة لعدم وجود قواعد حاكمة للسلوك.
ومن الجدير بالذكر أن مبادئ البيروقراطية في ذاتها ليس فيها ما يعيبها، إلا أنه عند تطبيقها تجد العاملين يهابون من أي تصرف نظراً للخوف من عدم وجود قاعدة أو إجراء تسمح بهذا التصرف مما قد يوقعهم في العقوبة, ولذلك فالبيروقراطية الزائدة تؤدي إلى قتل روح الإبداع والابتكار؛ إذ يصير الهم الأكبر هو الالتزام بالقواعد والإجراءات فقط, دون النظر إلى التجديد والابتكار ورفع الكفاءة وزيادة الفاعلية.
وقد أدى هذا النقد الموجه إلى النماذج المختلفة من المدرسة الكلاسيسكية إلى ظهور مدرسة جديدة تهتم بالعنصر البشري في المنظمات, وتعتبره إنساناً اجتماعياً وليس فقط إنساناً اقتصادياً, وقد ظهرت نظريات تبعاً لافتراضات هذه المدرسة ومن أبرزها:
نظرية العلاقات الإنسانية:
وهي على النقيض من المدرسة الكلاسيكية افترضت بأن الإنسان مخلوق اجتماعي، يسعى إلى إنشاء علاقات أفضل مع الآخرين، وأن أفضل صفة إنسانية جماعية هي التعاون وليس التنافس، وبالتالي اختلفت سياسات هذه النظرية عن سابقتها في التعامل مع العنصر البشري للسيطرة على سلوكه، فاتجهت هذه النظرية إلى القيادة الديموقراطية ومشاركة العاملين في اتخاذ القرارات ووضع أنظمة الشكاوى والاقتراحات والرحلات والحفلات الاجتماعية, ومن العيوب التي قد تتخذ على هذه النظرية أنها أفرطت في الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، الأمر الذي قد يصل في النهاية إلى تدليل العاملين وإفسادهم.
نظرية العلوم السلوكية:
وقد جاءت نتيجة للعلوم التي ظهرت في نظرية العلاقات الإنسانية، حيث حاول بعض العلماء تطويرها ليتم استخدام كل الجوانب السلوكية لإعطاء تفسيرات أكثر دقة وشمولاً للسلوك الإنساني، ففي حين ركزت نظرية العلاقات الإنسانية على العلاقات والمشاعر، جاءت هذه النظرية تعترف بالجوانب الإيجابية والسلبية لكل من سلوك الأفراد والإدارة وتحاول أن تعطي تفسيرات أكثر واقعية للسلوك الإنساني لتتمكن من توظيف كل الطاقات السلوكية للناس في أعمالهم.
ويمكن تجميع آراء رواد هذه النظرية وتلخيصها في المبادئ التالية: 1. يختلف الناس في حاجاتهم، فبعضهم تسيطر عليه الحاجات المادية وبعضهم تسيطر عليه الحاجات الاجتماعية وبعضهم تسيطر عليه الحاجة لتحقيق الذات. 2. يسعى الأفراد لأن يكونوا ناضجين وناجحين في العمل، وهم حريصون على إبراز طاقاتهم ليشعروا بالنجاح. 3. يسعى الأفراد لكي يكونوا منضبطين في العمل، ولكن الرقابة المباشرة قد تؤذي هذا الشعور بالانضباط الذاتي، ولذلك فالرقابة الغير مباشرة من الإدارة مع إشعار العاملين بأنهم مسئولون عن أعمالهم يمكن أن يعمق الإحساس بالانضباط الذاتي وينشر حالة من الرقابة الذاتية في العمل. 4. يتميز العاملون بأن لديهم قدر من الدافعية الذاتية والطاقة الداخلية لإنجاز العمل واتقانه وعلى المنظمة أن تستغل هذه الطاقة الداخلية وتوظيفها. 5. تتدخل عناصر أخرى في التأثير على سلوك الفرد في عمله، ومن أبرزها طريقة الفهم، وأسلوب اكتساب السلوك، والاتجاهات النفسية والقدرات، وأسلوب الاتصال بالآخرين، والقدرة على القيادة، وعلى المديرين أخذ كل هذه الاعتبارات في الحسبان عند توجيه الآخرين. 6. يسعى الأفراد لتحقيق تماثل بين أهدافهم وأهداف المنظمة، ولذلك إن لم يحدث تعارض بين أهداف المنظمة وأهداف الأفراد انطلقت طاقات الفرد النفسية وقدراته الذاتية في العمل. 7. يختلف السلوك الفردي والإداري من دولة لأخرى (أو من حضارة لأخرى) وعلى كل من يمارس أعماله مع حضارات ودول مختلفة مراعاة هذه الفروق. 8. يختلف سلوك الأفراد على حسب الموقف الذي يتعرضون له, وكذلك تختلف طريقة الإدارة المثلى في التصرف مع الأفراد على حسب هذه الظروف, ولذلك يختلف النمط القيادي المفضل على حسب الموقف، فمثلاً يفضل النمط القيادي التسلطي مع الأفراد المتسيبين، بينما يفضل النمط القيادي الديموقراطي مع الأفراد المنضبطين.
ولعل النقطة الأخيرة تشير إلى المبدأ الموقفي في الإدارة، ونستطيع القول بأن هذا المبدأ – المبدأ الموقفي – هو التوجه الذي صار عليه السلوك التنظيمي اليوم. أي أن التصرفات الإدارية الصحيحة التي يجب أن تتخذ للتحكم في السلوك الإنساني تتوقف على حسب الموقف القائم والظروف المحيطة به والأشخاص المعنيين في هذا الموقف.