عرفّت الحوكمة على أنها مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف الشركة أو المؤسسة. وبذلك فإنها تعني النظام أي وجود نظم، تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول والمسؤولية". (شبكة الإعلام العربية) وتعتبر الجامعات من المؤسسات الرئيسية والحساسة والتي يجب أن تكون السباقة في تطبيق متطلبات الحوكمة حيث أنها وجدت للبناء والتنمية وتخريج طلبة في القانون والحكم الرشيد، وتنشئة أجيال صالحة، ومنذ نشوء الجامعات في الضفة الغربية فترة السبعينات من القرن الماضي، بدأت تظهر بعض ملامح النشاط والحيوية في الاقتصاد حيث أن الجامعات لها علاقاتها التبادلية مع المجتمع.
وتساهم الجامعات في معظم دول العالم في التنمية من مختلف جوانبها، الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية والصحية وغيرها، وهي جزء هام وحيوي من المجتمع العام، كما أن لها علاقاتها التبادلية مع هذا المجتمع (النجار، 1990). ويجتهد القائمون على الجامعات في صياغة رسالة الجامعة التعليمية، التي تحدد لاحقاً الأهداف العليا للجامعة، ومهما اختلفت صيغ هذه الرسائل إلا أنها تجمع بشكل أو بآخر على أن أسمى أهداف الجامعات تتركز في هدفين أساسين الأول: تعليم جيد يتمثل بالدفع بأفواج الخريجين المؤهلين لملْ الشواغر في المؤسسات المختلفة للدولة بما يتناسب واحتياجاتها، أي أن يكون هناك توافق بين متطلبات المجتمع ونوعية الخريجين، والهدف الثاني: يعّبر عن خدمة المجتمع من خلال التفاعل بين الجامعة والمجتمع وإسهام الجامعة في حل القضايا بأنواعها المختلفة على الأصعدة من خلال الأبحاث وورش العمل الصناعية، التعليمية، الاجتماعية، الزراعية، وغيرها (سرحان وطه، 2004). وبما أن الجامعات شريان رئيس لا غنى عنه في بناء المجتمع، وتوعيته، وتعليمه ليرقى إلى أعلى مستويات العلم والحضارة، لأجيال الحاضر والمستقبل.
الحوكمة الصالحة هي كتلة متكاملة تخلق التوازن داخل العمل الذي يسبب فقدانه خللاً كبيراً في الجامعة، مثلا يشارك في الحوكمة المديرون،الأساتذة، الطلاب، البيئة من الجيران (عازوي، 2009)، كما أن للحوكمة ثلاث قواعد اساسية يجب أن تسير عليها أي مؤسسة وتطبقها بالتفصيل وبإحكام كي تحصل على شهادة الحوكمة، وهذه القواعد هي: قاعدة الشفافية والمقصود بها تصميم وتطبيق النظم والآليات والسياسات والتشريعات وغير ذلك من الأدوات التي تكفل حق المواطن، والقاعدة الثانية هي: قاعدة المساءلة، وهي تمكين المواطنين وذوي العلاقة من الأفراد والمنظمات من مراقبة العمل دون أن يؤدي ذلك الى تعطيل العمل أو الإساءة الى الغير، والقاعدة الثالثة هي: قاعدة المشاركة، أي إتاحة الفرصة للمواطنين أو الأفراد والجمعيات الأهلية للمشاركة في صنع السياسات ووضع قواعد للعمل في مختلف مجالات الحياة وبخاصة الأعمال الحكومية (خليل والعشماوي، 2008). كما تزايد الإهتمام في الآونة الأخيرة من جانب الباحثين في العلوم الإجتماعية بموضوع الحوكمة (governance) ونشير هنا إلى أن هناك أكثر من ترجمة لهذا المصطلح حيث يعرفه البعض على أنه حاكمية، حوكمة، حكمانية، إدارة شؤون الحكم، إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ويقوم على المفهوم كما عرضه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة على ثلاثة دعائم:
1. الدعامة الإقتصادية: تتضمن عمليات صنع القرار التي تؤثر على أنشطة الدولة الإقتصادية وعلاقتها بالإقتصاديات الأخرى.
2. الدعامة السياسية: وتتضمن عمليات صنع القرارات المتعلقة بصناعة وتكوين السياسات العامة.
3. الدعامة الإدارية: تتضمن النظام الخاص بتنفيذ السياسات، ويهتم بالإدارة الجيدة للدولة والمجتمع، بالإضافة إلى التركيز على إدارة الأعمال (السيد، 2006).
كما عّرفّت الحوكمة بأنها حالة، وعملية، واتجاه، وتّيار، كما أنها في الوقت ذاته مزيج من هذا وذاك، عامل صحة وحيوية، كما أنها نظام مناعة وحماية وتفعيل، نظام يحكم الحركة، ويضبط الإتجاه، ويحمي ويؤمن سلامة كافة التصرفات، ونزاهة السلوكيات داخل المؤسسات، ويصنع من أجلها سياج أمان، وحاجز حماية فعال وواضح (الخضيري، 2005).
وعّرفت الحوكمة بأنها قواعد اللعبة السياسية، بتحديد القواعد الرئيسية لها والتنظيم مجال العمل السياسي، أي أنه بذلك يكون التكلّم عن الدولة والمجتمع والمشاكل بينهم وعدم الفصل بحيث يعمل المجتمع والدولة معاً من خلال الأنظمة والقوانين.
كما يعّرفها البعض بأنها ممارسة السلطات الاجتماعية والاقتصادية الرشيدة والسياسية والإدارية الفعالة لإدارة شؤون المجتمع بفئاته المختلفة، كما يعود الفضل بظاهرة الحوكمة سواء في اقتصاد الدول المتقدمة أو النامية، إلى التشريعات والقوانين، والأنظمة البالية، وجمهور المتعاملين والتوسع العالمي في التجارة والمشاكل المالية والإدارية التي تتعلق بها، والفساد والرشوة وضعف الرقابة وعدم الإعتراف من البعض بأخلاقيات المهنة بالإضافة إلى عدم وضوح السلطة والمسؤولية في الكثير من المؤسسات والابتعاد عن الشفافية (حلاوة، صالح، 2009).
ويعتبر ضعف الحوكمة في البلدان التي تزود بالطاقة والموارد الطبيعية الأخرى يمكنه أن يعقد أمن هذه الإمدادات بعدة طرق منها: الفساد وسوء الإدارة، وعدم الإستقرار السياسي، ووجود النزاعات، مما يؤدي إلى الفساد في الموارد المالية والطبيعية، واستغلال الجهات المنتفعة، وعدم استقرار البلاد، ووجود المكاسب غير الشرعية، وغيرها مما يحتم في النهاية انهيار دولة بحالها وليست مؤسسة فقط، ثم تبدأ الإستغاثة وطلب المعونات من الطرف المنهار بكل الوسائل.
من هنا تنبع أهمية الحوكمة في الحاجة الى نظام وقائي يدافع عن السلامة ويعمل على تحقيق المصداقية، حيث ظهرت الحوكمة نتيجة بعض الأحداث و إنهيار الشركات المالية التي حدثت في جنوب شرق آسيا وشرق أوروبا وأمريكا، فمنذ عام 1997، ومع انفجار الأزمة المالية الآسيوية أخذ العالم ينظر نظرة جديدة إلى حوكمة الشركات. والأزمة المالية المشار إليها، يمكن وصفها بأنها كانت أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم نشاط الأعمال والعلاقات فيما بين منشآت الأعمال والحكومة. وقد كانت المشاكل العديدة التي برزت إلى المقدمة أثناء الأزمة تتضمن عمليات ومعاملات الموظفين الداخليين والأقارب والأصدقاء بين منشآت الأعمال وبين الحكومة، وحصول الشركات على مبالغ هائلة من الديون قصيرة الأجل، في نفس الوقت الذي حرصت فيه على عدم معرفة المساهمين بهذه الأمور، وإخفاء هذه الديون من خلال طرق ونظم محاسبية "مبتكرة"، وما إلى ذلك. كما أن الأحداث الأخيرة ابتداء بفضيحة شركة إنرون Enron وما تلا ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية، أظهر بوضوح أهمية حوكمة الشركات حتى في الدول التي كان من المعتاد اعتبارها أسواقا مالية "قريبة من الكمال".
وقد اكتسبت حوكمة الشركات أهمية أكبر بالنسبة للديمقراطيات الناشئة نظراّ لضعف النظام القانوني الذي لا يمكن معه إجراء تنفيذ العقود وحل المنازعات بطريقة فعالة. كما أن ضعف نوعية المعلومات تؤدى إلى منع الإشراف والرقابة، وتعمل على انتشار الفساد وانعدام الثقة. ويؤدى إتباع المبادئ السليمة لحوكمة الشركات إلى خلق الإحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة، مع تشجيع الشفافية في الحياة الإقتصادية، ومكافحة مقاومة المؤسسات للإصلاح (يوسف، 2007).
تعريف مفهوم الحكامة
يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينات، حيث تم استعماله لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989 الذي أعتبر الحكامة أنها:" أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الإقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية". وقد جاء استعمال البنك الدولي آنذاك لمفهوم الحكامة في إطار تأكيده على أن أزمة التنمية في إفريقيا هي إزمة حكامة بالدرجة الأولى: بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط. ويعرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنها "نسق جديد من العلاقات والمساطر والمؤسسات التي تتمفصل بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الحقوق والواجبات.
وفي تصريح لمجلس وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة مؤرخ ب 28 نوفمبر 1991 جاء فيه "يلح المجلس على أهمية الحكم الجيد، وفي حين يبقى من حق الدول ذات السيادة إقامة بنيتها الإدارية وترتيباتها الدستورية، فإن تنمية عادلة لا يمكن إنجازها فعلاً وبشكل دائم إلا بالإنضمام إلى مجموعة من المبادئ العامة للحكم: سياسات رشيدة اقتصاديا واجتماعيا، شفافية حكومية، وقابلة للمحاسبة المالية، إنشاء محيط ملائم للسوق بقصد التنمية، تدابير لمحاربة الرشوة، احترام القانون وحقوق الإنسان، حرية الصحافة والتعبير، وهذه المبادئ ستكون أساسية في علاقات التعاون الجديدة" (الندوي، 2009).
الإدارة على المكشوف
انتشرت المعرفة الإدارية وتقاربت العلوم مع بعضها البعض، ونشأت العديد من المصطلحات وما يزال الوضع في إدارات الدول النامية يشكل فجوة بين الرؤية والواقع الملموس، وأصبحت تواجه العديد من المؤسسات والتنظيمات الإدارية التي تضارب أو تعارض بين عمل الإداريين القياديين، والإداريين التنفيذيين، وهذا الوضع جعل من الصعب وجود مجال للمنافسة في عصر العولمة، والتحديات الإدارية، فظهر هناك من يطالب بالشفافية وكأنها مصباح علاء الدين السحري الذي سيحل كل المشاكل، ويذيب كل المعوقات الإدارية، وينشط من عملها، فظهر هناك مصطلح سمي (الإدارة على المكشوف). (الملكاوي، 2010).
فهل هناك فرق بين الشفافية والإدارة على المكشوف؟
الشفافية: مصطلح كثر تداوله في الجوانب السياسية والجوانب الاجتماعية، وهي مرتبطة مع تطور الديمقراطية في الدول الغربية في فترة السبعينات الذي شهد ميدان تقويم الاحتياجات والمطالبة بمراعاة الكفاءة والفاعلية (صوا، حماد، 2000).
أما الإدارة على المكشوف من ناحية إدارية: يقصد بها مشاركة العاملين في الشركة أو الهيئة في المعلومات المالية، والأرقام المتعلقة بالربح والخسارة، والحدود الدنيا لهذه الأرقام، وتطوير نظام فعّال لتمكين الموظفين من استخدام هذه المعلومات، ليطوروا أدائهم أو أداء شركاتهم والوصول إلى المستوى المقبول، ثم إلى مستويات أعلى من الربحية والرضا والمشاركة الفعّالة (أوليفر، 2004). وهناك من يعرّف الإدارة على المكشوف أو الإدارة بالرؤية، وهي الإدارة التي يتم فيها الإهتمام بالوسائل والأهداف بشكل شمولي، بحيث تنتقل رؤية المؤسسة إلى عقل وضمير ووجدان القائمين لرسالتها على اختلاف مستوياتهم التنفيذية، والإدارية، وفي هذه الحالة لا تقسُم الأهداف الاستراتيجية ولكن تقسم أدوار وأدوات الوصول إلى هذه الأهداف، وهي تنمية وتطوير الثروات البشرية بشكل حقيقي (بارج، وكيفن، 2004).
محددات الحوكمة
هناك إتفاق على أن التطبيق الجيد لحوكمة الشركات من عدمه يتوقف على مدى توافر ومستوى جودة مجموعتين من المحددات: المحددات الخارجية وتلك الداخلية ونعرض فيما يلي لهاتين المجموعتين من المحددات بشيء من التفصيل كما يلي:
ý المحددات الخارجية:
تشير إلى المناخ العام للإستثمار في الدولة، والذي يشمل على سبيل المثال: القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي (مثل قوانين سوق المال والشركات وتنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والإفلاس)، وكفاءة القطاع المالي (البنوك وسوق المال) في توفير التمويل اللازم للمشروعات، ودرجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج، وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية (هيئة سوق المال والبورصة) في إحكام الرقابة على الشركات، وذلك فضلا عن بعض المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة (ومنها على سبيل المثال الجمعيات المهنية التي تضع ميثاق شرف للعاملين في السوق، مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين والشركات العاملة في سوق الأوراق المالية وغيرها)، بالإضافة إلى المؤسسات الخاصة للمهن الحرة مثل مكاتب المحاماة والمراجعة والتصنيف الائتماني والإستشارات المالية والإستثمارية. وترجع أهمية المحددات الخارجية إلى أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة الشركة، والتي تقلل من التعارض بين العائد الإجتماعي والعائد الخاص.
ý المحددات الداخلية:
تشير إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، والتي يؤدى توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة.
نظام الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي
أوصّت معظم نتائج الدراسات المقارنة التي قام بها كل من البنك الدولي، ومنظمة اليونيسكو وسلطات التعليم الوطنية لتقييم تجارب الدول النامية في مجال التعليم العالي في عصر العلم والمعرفة إبان الألفية الثالثة، بضرورة الأخذ بعدد من التوجهات والسياسات الإصلاحية لتحقيق أهداف تطوير الأداء في ظل تراجع التمويل الحكومي وتنامي الطلب المجتمعي على التعليم العالي.
وتتلخص هذه السياسات في ضرورة تشجيع التنوع في نظم التعليم العالي وبرامجه بما في ذلك التوجه نحو التوسّع في إنشاء مؤسسات تعليم خاصة تتكامل مع منظومة التعليم العام.
ووضع نظم متطورة لتحفيز مؤسسات التعليم الحكومية على تنويع مصادر تمويلها من خلال مساهمة الطلاب في بعض الرسوم الدراسية، وإنشاء برامج أكاديمية مشتركة مع القطاع الخاص المحلي والجامعات الأجنبية، والبحث في إنشاء وحدات خدمية لتوفير دخل إضافي، وربط تخصيص التمويل الحكومي بمعدلات الأداء، وفي نفس الوقت إعادت صياغة الدور الحكومي في دعم نظم التعليم العالي وبرامجه، في ظل معطيات الوضع الراهن والتغييرات المتوقعة في مناخ التعليم العالي، مع ضرورة تطوير الأطر المؤسسية والأكاديمية بالجامعات للتفاعل مع آليات تدويل التعليم العالي وعولمة أنشطته بالإضافة إلى وضع حزمة متكاملة من السياسات توجه أساسا لإعطاء أولوية لمعياري جودة خدمات التعليم العالي وعدالة توزيعها على شرائح المجتمع.
وقد اتفقت الدراسات التحليلية لأوضاع التعليم العالي على أن تنويع النظم والمؤسسات التعليمية أصبح واحدا من الضرورات التي ستسمح للدول النامية بالخروج من مأزق تزايد الطلب الإجتماعي على خدمات التعليم العالي في ظل محدودية الموارد المالية والبشرية، والرغبة في إيجاد صيغة ملائمة تتناسب مع المتغيرات الحديثة في أسواق العمل من حيث مستويات المهارة والكفاءة المهنية والتنوع في القدرات. ومن هنا يتعين على سلطات التعليم الوطنية تشجيع التوسع في إنشاء مؤسسات التعليم غير الجامعية من ناحية، ودعم الجامعات الخاصة والأهلية من ناحية أخرى. بيد أن اختيار التوليفة المثلى للجامعات العامة والخاصة ومؤسسات التعليم غير الجامعي وهو أمر يعتمد بشكل أساسي على الخصائص المميزة لنظم التعليم العالي بالدولة المعنية، وعلى معدلات التنمية الإقتصادية والإجتماعية السائدة بها، فضلا عن حجم الموارد المالية العامة المتاحة.
كما أكدت معظم الدراسات سابقا أيضا على ضرورة ارتباط استراتيجية تنويع نظم التعليم العالي بسياسات مكملة، تهدف إلى إحداث تنوع في مصادر تمويل البرامج الدراسية والأنشطة الأكايمية بمؤسسات التعليم الحكومي، بغية الإرتقاء بمعدلات الأداء الجامعي (يوسف، 2009).
حوكمة الجامعات
ظهر مفهوم حوكمة الجامعات في الآونة الأخيرة ليعبر عن الأزمة الحقيقية التي تمر بها مؤسسة الجامعة والحلول المقترحة لها، تلك الأزمة التي تتمثل في أن هناك إدارات جامعية وضعتها السلطة التنفيذية فوق الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، لتكون مهمتها اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون هؤلاء، دون أن يكون لأي منهم (الطلاب، أعضاء هيئة التدريس) حق مناقشة هذه القرارات أو الإعتراض عليها. وهو ما يعزز استمرار ثقافة العزوف عن المشاركة في الحياة العامة سواء داخل الجامعة أو خارجها، كما يضعف تطور الجامعة بوصفها المؤسسة الأكاديمية المفترض فيها أن تعيد صياغة التوجهات الثقافية والعرفية والعلمية للمجتمع، نظراً لوضع القرار في يد طرف واحد من أطراف المؤسسة الجامعية، ووضع باقي الأطراف من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في وضع المتلقي لهذه القرارات والملتزم بتنفيذها دون مناقشة، فعلى سبيل المثال تؤخذ القرارات المتعلقة بالمناهج التعليمية دون أن يكون للطلاب حق المشاركة في صياغة خطط هذه المناهج والهدف منها، وكذلك الإتحادات والأسر الطلابية باعتبارها كيانات الهدف منها تدريب الطلاب على المشاركة في الحياة العامة وتعزيز قيم الديمقراطية واحترام الآخرين، فوفقا لتصريحات وزير التعليم العالي في مصر أن إقبال الطلاب على انتخابات إتحاد الطلاب عام 2008 لم تتجاوز 7%، والسبب في هذا العزوف هو عدم تعبير هذه الكيانات عن الطلاب بشكل حقيقي، بل إنها تحولت إلى أداة لقمع الحريات الطلابية، أيضا صندوق التكافل الإجتماعي المنصوص عليه في المواد من 116 الى 121 من اللائحة التنفيذية بقانون تنظيم الجامعات الذي يهدف إلى حل كل المشكلات التي تعوق الطلاب عن ممارسة العملية التعليمية لا يتشكل بالإنتخاب بل بالتعيين ولا يتضمن مجلس إدارته تمثيل للطلاب على الرغم من أنه خاص بالطلاب فضلاً عن غياب الشفافية في مراقبة ميزانية هذه الصناديق و عدم وجود آلية للحصول على المعلومات المتعلقة بإيرادات وأوجه إنفاق أموالها، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تدل على الطريقة الاستبدادية التي تدار بها بالمؤسسة الجامعية في مصر واستبعاد الإدارة للأطراف الأخرى –الطلاب بوجه خاص- من عملية اتخاذ القرار إنطلاقا من نظرة خاطئة إلى طبيعة الطلاب بوصفهم مجموعات من المراهقين غير القادرين على تحمل المسؤولية وأخيرا غياب الشفافية وآليات محاسبة الإدارة على قراراتها. وتهدف فكرة الحوكمة إلى وضع كافة الأطراف أمام مسؤولياتهم، وما يعنينا في هذا المقام هم الطلاب في علاقتهم بالإدارة وبأعضاء هيئة التدريس، فالطلاب هم أصحاب المصلحة الحقيقيين، لأن الجامعات بنيت من أجل تقديم الخدمة التعليمية لهم وإعدادهم على المستوى الفكري والمعرفي للمستقبل، وهم من يتأثر بشكل مباشر بكل القرارات التي تصدرها الإدارات الجامعية أو المجلس الأعلى للجامعات أو وزارة التعليم العالي، وفي ذات الوقت نجد هذه القرارات تصدر بمعزل عنهم وعليهم الإلتزام بها وتنفيذها دون أن يكونو قد شاركوا في مناقشتها أو في تحديد مساراتها، وهذا الوضع يحتاج إلى تصحيح بحيث يكون للطلاب الحق في المشاركمة في إدارة شؤونهم الخاصة وجزءا من عملية صناعة القرار داخل المؤسسة الجامعية، مما يعزز ثقتهم في أنفسم و يدربهم على تحمل المسؤولية، ويزرع فيهم روح المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وقيمة الحرية، وهذا هو مضمون عملية حوكمة الجامعات، و لكن توجد عدة معضلات تحول دون تطبيق هذا المفهوم، هذه المعضلات تحتاج إلى حلول حتى يلقى مفهوم حوكمة الجامعات مساره التطبيقي الصحيح.
ومن معوقات تطبيق مفهوم حوكمة الجامعات، الثقافة السائدة في المجتمع، المناخ السياسي العام، التشريعات الجامعية، طريقة إدارة الجامعة، غياب أعضاء هيئة التدريس عن الحياة الجامعية (عزت، 2009).