الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على مستوى المستهلكين
بجانب الفوائد والمزايا المتحصلة لقطاع الأعمال من استخدام التجارة الإلكترونية، فإن المستهلك له أيضا نصيب من التجارة الإلكترونية إذا كان مستهلكا إلكترونيا عبر شبكة الإنترنت. وتتمثل أبرز هذه الفوائد في الآتي:

أ- سرعة وسهولة التسوق: حيث يكون لدى المستهلك نطاقا أوسع للتسوق عبر شبكة الإنترنت، وعلى مدار الساعة، وفي أي يوم يريد، وأي مكان على سطح الأرض. فأي شخص لديه حاسب آلي ومتصل بالإنترنت فإن بإمكانه أن يصبح مستهلكا عالميا، وهو في منزله، وما عليه إلا أن يتعامل مع أزرار الحاسب الآلي، وتصفح المواقع التجارية الإلكترونية المفتوحة عبر الإنترنت.

ب- تعدد الخيارات: توفر التجارة الإلكترونية العديد من الخيارات للمستهلك نتيجة لإمكان الوصول إلى منتجات ومراكز تسوق لم تكن متوفرة بالقرب من المستهلك. فمع دخول المستهلك إلى التجارة الإلكترونية فإن الفرصة متاحة له بأن يبحث عن سلعته المفضلة أو التي يبحث عنها عبر المواقع التجارية في الإنترنت. بينما في حالة التسوق التقليدي فإن المستهلك ليس أمامه إلا المنتجات المعروضة في الأسواق التقليدية، ويتعذر علية البحث في أسواق أخرى لعدم توفر المعلومات لديه عن الأسواق الأخرى وكذلك لارتفاع تكاليف البحث والحصول على المنتج.

ج- انخفاض الأسعار وسرعة الحصول على المنتج: في ظل تعدد وتنوع المنتجات في المواقع التجارية الإلكترونية فإن المستهلك سوف يبحث عن المنتج الأقل سعرا والأفضل جودة، وذلك من خلال مقارنة أسعار ونوعيات المنتجات بسهولة وسرعة فائقة مما يمكن المستهلك في نهاية الأمر اختيار أفضل العروض. في حين أن الأمر أصعب في حالة التجارة التقليدية لأنه يتطلب زيارة كل موقع جغرافي من أجل مقارنة أسعار ونوعيات المنتجات. إضافة إلى ذلك، فإن أسعار المنتجات في التجارة الإلكترونية تكون أقل عن مثيلاتها في التجارة التقليدية نتيجة لانخفاض التكاليف الإدارية التي يتحملها المنتجون، وهذا من شأنه خفض أسعار المنتجات المعروضة في المواقع التجارية في الإنترنت. ومن ناحية أخرى، يتميز المستهلك الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بسرعة حصوله على المنتج الذي قام بطلبه وشرائه إلكترونيا، لاسيما إذا كانت منتجات خدمية أو منتجات قابلة للتحويل إلى منتجات رقمية مثل الكتب والأبحاث والمجلات وبرامج الحاسب الآلي والمواد الصوتية والفوتوغرافية وغيرها، حيث يتم الحصول على هذه المنتجات خلال ثوان بعد إتمام عملية الشراء من الموقع. كذلك فإن الحصول على المنتجات غير الرقمية يتم بطريقة أسرع مما لو تم الطلب بالطرق التقليدية، لأن عملية الطلب والمدفوعات وكافة المعلومات المتعلقة بالطلب تتم بطريقة إلكترونية مما يمكن المنتج من إرسال الطلب بسرعة وسهولة إلى المشتري، بينما يستغرق الأمر أسابيع وربما أشهر إذا تم الطلب تقليديا.

د- سرعة وسهولة تبادل المعلومات بين المستهلكين: حيث توفر الإنترنت إمكانية تبادل المعلومات والآراء وتجارب المستهلكين المتعلقة بالمنتجات والخدمات عبر مجتمعات إلكترونية مثل المنتديات وغيرها، الأمر الذي يوفر البيانات والمعلومات لدى المجتمع عن المنتجات الاقتصادية، ويرفع مستوى الثقافة والوعي الاستهلاكي لدى جمهور المستهلكين، في حين أن هذا قد يكون متعذرا أو يتطلب وقتا وجهدا أطول في عالم التجارة التقليدي.

الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على المستوى القومي
يمكن إبراز الفوائد المتحصلة من التجارة الإلكترونية على المستوى القومي في الآتي:
أ- دعم التجارة الخارجية: توفر التجارة الإلكترونية فرص زيادة معدلات الصادرات، وذلك من خلال سهولة الوصول إلى مراكز الاستهلاك الرئيسة، وإمكانية التسوق للسلع والخدمات عالميا وبتكلفة محدودة، والقدرة على سرعة عقد وإنهاء الصفقات التجارية، وكذلك القدرة على تحليل الأسواق والاستجابة لتغير متطلبات المستهلكين. ويظهر أثر التجارة الإلكترونية أكثر وضوحا في تجارة الخدمات بين الدول مما يؤدي بدوره إلى رفع درجة الانفتاح الاقتصادي في هذا المجال، حيث يمثل قطاع الخدمات نسبة مهمة تقدر بنحو 60 % من إجمالي الإنتاج العالمي، وبالرغم من ذلك فإن حجمه لا يتجاوز 20% من التجارة الدولية، وربما يعود ذلك إلى أن أداء كثير من الخدمات يتطلب وسيلة اتصال وكذلك القرب الجغرافي بين المستهلكين والمنتجين. ولكن مع ظهور تقنية المعلومات الحديثة فقد هيأت التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وسيلة الاتصال المفقودة بين المستهلك والمنتج، وبذلك ساهمت في زوال العقبات الجغرافية لكثير من الخدمات. وقد أثبتت إحدى الدراسات القياسية أن الزيادة في استخدام الإنترنت بمقدار 10% في الدول الأجنبية يؤدي إلى نمو صادرات وواردات الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 1.7% و 1.1% على التوالي.

ب- دعم التنمية الاقتصادية: تمثل المشروعات المتوسطة والصغيرة محورا أساسا في التنمية الاقتصادية، وتعاني هذه المشروعات من غياب الموارد الاقتصادية اللازمة للوصول إلى الأسواق العالمية. وتعد التجارة الإلكترونية واحدة من الأدوات التي تحقق للمشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم القدرة على المشاركة في حركة التجارة الدولية بفاعلية وكفاءة بما تقدمه من خفض تكاليف التسويق والدعاية والإعلان، وتوفير الوقت والمكان اللازمين لتحقيق المعاملات التجارية. وهذا ينعكس إيجابا على تفعيل نشاطات هذه المشروعات الأمر الذي يدفع عجلة التنمية الاقتصادية. كما يشير أحد الاقتصاديين إلى أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية عبر التجارة الإلكترونية فيما بين قطاعات الأعمال يمكن أن يؤدي إلى زيادة دائمة في مستوى الناتج بمتوسط 5 % في اقتصاديات الدول المتقدمة على مدى السنوات العشر القادمة، مما يعني زيادة في نمو الناتج القومي الإجمالي بنسبة 0.25 % في السنة. وتذكر وزارة التجارة الأمريكية أن التجارة الإلكترونية وقطاع تقنية المعلومات كليهما قد أسهما بحوالي 30 % من نمو الناتج المحلى الإجمالي خلال الفترة 1995-1998م.

ج- دعم التوظيف: تقدم التجارة الإلكترونية فرصا جديدة للتوظيف، حيث تتيح إقامة مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة للأفراد وربطها بالأسواق العالمية بأقل التكاليف الاستثمارية، لا سيما تجارة الخدمات التي توفر فيها التجارة الإلكترونية آلية للأفراد المتخصصين لتقديم خدماتهم على المستوى الإقليمي والعالمي دون الحاجة للانتقال، مما يفتح المجال لهم للانطلاق في الأعمال الحرة(). ومن ناحية أخرى، توفر التجارة الإلكترونية فرصا وظيفية في العديد من المجالات المختلفة ذات الصلة بتطبيقات التجارة الإلكترونية، مثل المتخصصين في إنشاء المواقع التجارية الإلكترونية، و العاملين والإداريين والفنيين في المتاجر الإلكترونية. بالإضافة إلى توفير الفرص الوظيفية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، التي تعتمد عليها التجارة الإلكترونية، من مهندسي الشبكات والبرامج اللازمة لتطبيقات التجارة الإلكترونية وغيرها.

د- دعم القطاعات التكنولوجية: يتيح انتشار التجارة الإلكترونية على المستوى القومي خلق بيئة ومناخ ملائم لظهور قطاعات متخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات، وذلك لدعم البنية التحتية الإلكترونية لتطبيقات التجارة عبر شبكة الإنترنت. ومع تطور ونمو التجارة الإلكترونية وانتشار استخدامها في التعاملات التجارية، يصبح هناك فرصا استثمارية لتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار في تطوير وتحسين وتحديث البنى التحتية الإلكترونية، والاستثمار في الخدمات المصاحبة لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أو توطين قطاعات تكنولوجية متقدمة تدعم الاقتصاد القومي.

تحديات وعقبات التجارة الإلكترونية في الدول الإسلامية:
تواجه الدول الإسلامية كغيرها من الدول النامية العديد من العقبات والتحديات في سبيل استخدامها للتجارة الإلكترونية. ويمكن تلخيص أبرز هذه التحديات حسب التقسيمات التالية:

التحديات التقنية والتكنولوجية:
تتمثل التحديات ذات العلاقة بمجال التقنية والتكنولوجيا في الآتي:
ضعف البنى التحتية الإلكترونية، مثل نوعية وسرعة وسائل الاتصالات ونقل المعلومات والربط الالكتروني ومدى توفر قطع تقنية المعلومات مثل الحاسبات والأقراص الصلبة والمرنة وأجهزة الهواتف الرقمية وغيرها، والتي تعد من الوسائل الأساس للدخول في الإنترنت وللقيام بأي تعامل تجاري إلكتروني. وقد لاحظنا بعض هذه المؤشرات خلال استعراضنا لواقع الدول الإسلامية في مجال تقنية المعلومات، وتبين مدى تأخر الدول الإسلامية في هذا المجال سواء مقارنة مع مجموعات الدول الأخرى أو مقارنة بالمعدل العالمي. وعلى أية حال فإن المشكلة التكنولوجية التي تواجه الدول الإسلامية لا سيما في حقل تقنية المعلومات والاتصالات تختلف في حدتها من دولة إسلامية إلى أخرى، فبعض الدول تعاني أساسا من انعدام القاعدة التكنولوجية والبنية التعليمية اللازمة لها، إضافة إلى عدم وجود الاستثمارات الكافية، بينما تعاني دول أخرى من قصور الإطار والهيكل القانوني والمالي والإداري المرتبط بقطاع تقنية المعلومات.
ضعف الثقافة التقنية والوعي الإلكتروني بين أفراد المجتمع، حيث تلعب الثقافة والمعرفة بالتجارة الإلكترونية دورا هاما في انتشارها وتطورها لا سيما بين المؤسسات التجارية والقطاعات الإنتاجية. ويعد مستوى ونوعية التعليم في أي بلد وسيلة مهمة في نشر الثقافة والاستخدام الالكتروني. وفي هذا الصدد تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن انتشار الحاسبات الآلية، وبالتالي فرص الدخول في الإنترنت، في المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها في الدول الإسلامية تعد محدودة وفي بعض البلدان الأخرى معدومة تماما.
قصور الكوادر البشرية المدربة والمؤهلة في مجال تقنية المعلومات وتطبيقات التجارة الإلكترونية، حيث يمثل العنصر البشري ركيزة أساسية في تسخير تقنية المعلومات لخدمة اقتصاد المجتمع وبالتالي تطوير التجارة الإلكترونية. وتتطلب التجارة الإلكترونية الأيدي العاملة المدربة في مجالات عدة مثل تطوير المواقع على الإنترنت (Websites) ومهارات البرمجة في لغات (Java, Perl, XML, HTML)، وخبراء في قواعد البيانات (Databases) وأنظمة التشغيل، بالإضافة إلى مختصين في تصميم مواقع التجارة الإلكترونية وقوائم الكتالوجات ونظم الدفع الإلكترونية وغيرها.

عقبات تجارية:
إن التحول من بيئة التجارة التقليدية إلى أنماط التجارة إلكترونية، تتم من خلالها التبادلات والأعمال والأنشطة التجارية عبر بيانات رقمية، يمثل تحديا حقيقيا أمام المؤسسات والمشروعات التجارية في الدول الإسلامية، حيث تفتقر غالبيتها قابلية التحول الجذري إلى مؤسسات الكترونية. فكثير من الشركات التجارية في البلدان الإسلامية مرتبطة ارتباطا وثيقا منذ نشأتها بأنماط التجارة التقليدية في عملياتها التجارية محليا وخارجيا، وعدم استيعابها بعد بشكل كاف لمفهوم الأعمال الإلكترونية الجديد، الأمر الذي يجعل التحول إلى التجارة الإلكترونية يتطلب أولا قناعتها بأهمية وفائدة التجارة عبر الإنترنت ومن ثم تبني سياسات ووضع استراتيجيات مرحلية للتحول إلى التجارة الإلكترونية. ويمكن تلخيص أهم العقبات التجارية في الآتي:
أ-ضعف الخبرات التجارية والمساعدات الفنية في البلدان الإسلامية اللازمة لتحويل الأعمال التجارية إلى أعمال إلكترونية.
ب-محدودية حجم التجارة الإلكترونية سواء بين الشركات التجارية نفسها، أو بينها وبين مورديها المحليين أو حتى بينها وبين المستهلكين محليا. كما أن كثيرا من المتاجر العربية الإلكترونية على سبيل المثال هي متاجر إلكترونية بصورة غير كاملة أي أنها إما أن تقوم بعمليات العرض والإعلان فقط، أو أن عمليات الدفع والتحصيل تتم بوسائل أخرى.
ج-صور أسواق رأس المال في معظم الدول الإسلامية لدعم مشروعات التجارة الإلكترونية، لأنه في ظل غياب رؤوس الأموال يصعب على الأفراد الذين لديهم الأفكار والإبداعات من الحصول على الفرص للانطلاق في مشروعاتهم التجارية الإلكترونية.

عقبات حكومية:
تتمثل التحديات الحكومية في طبيعة السياسات التي تتبناها بعض الحكومات، والتي لها تأثير مباشر أو غير مباشر على انتشار التجارة الإلكترونية. ومن هذه السياسات إصرار كثير من حكومات الدول الإسلامية على مباشرة إدارة البنى التحتية التجارية مثل الموانئ التجارية البرية والبحرية والجوية مما يجعلها متدنية الكفاءة ومرتفعة التكاليف بشكل غير مبرر، والتي لا تتناسب وبنية التجارة الإلكترونية. بالإضافة إلى عجز الاستراتيجيات الحكومية لدعم المشروعات التجارية الوطنية للمنافسة مع نظيراتها العالمية، وبالتالي حتى إذا كانت هذه المؤسسات التجارية مرتبطة بشبكة الإنترنت فإنها لن تحقق أي نجاح في المنافسة الدولية. ومن ناحية أخرى، وجود الأنظمة البيروقراطية في إجراءات التصدير والاستيراد وطول فترات إتمام وتخليص العمليات الجمركية بجانب القيود المفروضة على الصادرات والواردات مثل التراخيص ونظام الحصص والتي تمثل تحديا أمام أنشطة التجارة الإلكترونية التي تتصف بالكفاءة والسرعة.

عقبات اجتماعية:
تشكل الجوانب الاجتماعية والثقافية لبعض الأمم عوائق أمام انتشار التجارة الإلكترونية. وقد أظهرت بعض الدراسات أنه من الأسباب الرئيسة وراء تأخر بعض المشروعات التجارية الصغيرة والمتوسطة في بعض البلدان الأوربية، باستثناء البعض، وكذلك اليابانية عن نظيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى أسباب اجتماعية وثقافية. وتظهر هذه العوائق الاجتماعية أكثر حدة إذا ما أخذنا الدول الإسلامية في عين الاعتبار، حيث تتميز هذه البلدان بخصائص اجتماعية وثقافية تلعب دورا كبيرا في مناحي حياتها. ومن بين هذه التحديات عامل اللغة، حيث أن اللغة الشائعة والمستخدمة في الإنترنت بعامة على مستوى العالم هي اللغة الإنجليزية، أي بما يعادل 80% ()، ونظرا لارتفاع معدلات الأمية ورداءة النظم التعليمية في الدول الإسلامية، فإن نسبة من يستخدم الإنترنت لأغراض تجارية تظل منخفضة ومحصورة في الطبقات المثقفة. كما أن النظرة السائدة في بعض المجتمعات الإسلامية إزاء الانفتاح على العالم الخارجي وما ينطوي عليه من غزو ثقافي وفكري وأخلاقي مثل ترويج السلع المحرمة إسلاميا أو ما يلقي بالشك على الدور التقليدي للمرأة في مجتمعاتها، قد يشكل عائقا وتحديا أمام انتشار استخدام التجارة الإلكترونية في هذه المجتمعات. ومن ناحية أخرى، فإن الشكوك حول أمن المعلومات وغياب الثقة لدى بعض المجتمعات الإسلامية كما هو الحال في الدول النامية، لاسيما في عمليات البيع والشراء ودفع الثمن عبر الإنترنت يعد عائقا آخر لانتشار التجارة الإلكترونية. وقد أشارت بعض الدراسات التطبيقية على الدول النامية بما فيها الدول الإسلامية أن 26 % من هذه الدول صنفت عامل عدم الثقة أو التأقلم مع التجارة الإلكترونية كأحد أهم العوامل التي تحد من انتشار التجارة الإلكترونية.

عقبات تشريعية وقانونية:
تشكل التشريعات والقوانين المتعلقة بتنظيم التجارة الإلكترونية أحد أهم البنى التحتية لقيام ونمو التجارة الإلكترونية، وتواجه دول العالم سواء المتقدمة منها أو النامية تحديا حقيقيا في وضع التشريعات والضوابط القانونية التي تتلاءم و أنماط العمليات التجارية الإلكترونية الحديثة، سيما في ظل حداثة ظاهرة التجارة الإلكترونية وتباين أطر الأنظمة التشريعية المحلية لدول العالم. و يمكن إيجاز التحديات القانونية في بيئة التعاملات الإلكترونية وفق مراحل إتمام العملية التجارية الإلكترونية. ففي المرحلة الأولى التي تسبق عملية التعاقد، تظهر عقبات وتحديات أبرزها مدى توثق المشتري أو الزبون من حقيقة وجود الموقع والسلعة أو الخدمة المعروضة، ومشروعية ما يقدم في الموقع من حيث ملكية مواده ذات الطبيعة المعنوية ( مشكلة الملكية الفكرية )، وحماية المستهلك من عمليات الاحتيال سواء على الخط أو عبر المواقع الوهمية أو المحتوى غير المشروع للمنتجات المعروضة، وكذلك آلية احتساب الضرائب على عوائد التجارة الإلكترونية(). وفي المرحلة التالية المتمثلة في إبرام العقد حيث يتلاقى الإيجاب والقبول في العقود الإلكترونية سواء في الموقع على الويب أو عبر مراسلات البريد الالكتروني. وهنا تظهر مشكلتان: أولها مدى توثق كل طرف من صفة وشخص ووجود الطرف الآخر، أي سلامة صفة المتعاقد، وهنا تظهر ضرورة وجود طرف محايد يتوسط بين المتعاقدين ويقوم بعملية التوثق والتأكد من صفة وحقيقة كل طرف. وثانيها مدي حجية العقد الإلكتروني ومدى قبوله في الإثبات، ومن هنا ظهرت فكرة التوقيع الرقمي (Digital Signature) ليقوم بدور التوقيع العادي. أما المرحلة الثالثة والمتمثلة في إنفاذ التزامات المتعاقدين من تسليم السلعة أو الخدمة، والوفاء بالثمن، فمن ناحية تسليم السلعة فتثور مشكلة التأخير أو الإخلال بمواصفات الاتفاق، ومن ناحية الوفاء بالثمن فإن التحدي يظهر في وسائل الدفع التقنية مثل السداد بالبطاقات الائتمانية أو تزويد بيانات البطاقة عبر الهاتف. وهذه التحديات ترتبط بمشكلة أمن المعلومات عبر شبكة الإنترنت. ويضاف إلى ذلك، تحديات أخرى مثل حماية الأنشطة التجارية من تطفل مخترقي نظم الكومبيوتر والشبكات أو ما يعرف بجرائم الإنترنت، وكذلك تحدي الاختصاص القضائي في فض النزاعات التي تحدث بين الأطراف المتعاقدة سواء على المستوى المحلي أو الدولي.

وبأخذ الدول الإسلامية في عين الاعتبار، نجد أنها تواجه تحديا حقيقيا في التعامل مع مثل هذه الإشكاليات القانونية المتعلقة بتنظيم التجارة الإلكترونية، حيث أشارت إحدى الدراسات التطبيقية حول مدى توفر بيئة الاستعداد الإلكتروني لدى الدول، أن جميع الدول الإسلامية لا تزال في مرحلة الخطر في مجال البيئة القانونية والتشريعية للتجارة الإلكترونية، فيما عدا كل من الإمارات العربية المتحدة وماليزيا واللتان ظهرتا أكثر استعدادا وأقل خطورة(). وفي مواجهة هذه التحديات القانونية والتشريعية وفي سبيل توفير بيئة آمنة وبناء الثقة بين الأطراف في فضاء التجارة الإلكترونية، فإن على الدول الإسلامية وضع إستراتيجية لبناء الإطار القانوني لتشمل إبرام العقود الإلكترونية، والاختصاص والولاية القضائية باعتبار أن التجارة الإلكترونية تجارة بلا حدود، وحماية الملكية الفردية للمنتجات الرقمية ومحتوى المواقع، والتوقيع الالكتروني كإثبات قانوني، وأنظمة الدفع الالكتروني في الوفاء بثمن المشتريات الإلكترونية، والمسئولية القانونية للشركات الوسيطة في التجارة الإلكترونية مثل مزودي خدمة الإنترنت وتلك التي تقوم بتسليم أو توصيل المبيعات، والقواعد والتشريعات التي تنظم الضرائب الجمركية في بيئة التجارة الإلكترونية. ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية التي أصدرتها لجنة اليونسترال (UNICITRAL) التابعة للأمم المتحدة.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1630 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,879,371

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters