لقد شهدت البشرية ثلاث ثورات كبرى كانت بمثابة مراحل فاصلة ومؤثرة في حياة الإنسانية وهذه الثورات او المراحل ترتبط بطبيعة الزمن الذي يظل في صيرورة دائمة ويرتبط كذلك بطبيعة الأمم التي تشكل البشرية جمعاء حيث تكون أيضا في حركة مستمرة وهذه الصيرورة وتلك الحركة هي التي نقلت الإنسان من العصر البدائي الى العصر الصناعي الذي بلغ فيه أوج مجده. وها هي اليوم نلاحظها جليا تنقله الى عصر جديد لم تعهدها من قبل نظرا لما يحويه من تقنيات المعلوماتية فائقـة السرعة، وكل ذلك بفعل التأثيرات المتزايد لتطبيقات تقنيات الاتصالات والمعلومات على البنية المجتمعية الدولية.
لاشك إن التطورات المتسارعة تلك قد جعلت الاختلافات حول تسمية هذا العصر كبيرة والتوقعات أيضاً متباينة وإن كانت المنجزات العلمية والإبداعية قد أدت إلى تغيرات سريعة علي مختلف جوانب الحياة وميادين العمل، مفرزة بذلك تأثيرات متعددة لعل أبرزها يتضح في الاتجاهات الحديثة في مجال المكتبات والمعلومات طارحا بذلك إشكاليات ثقافية وفكرية عدة مما أدى لإحداث ثورة داخل أروقة المكتبات ، ولا يخفي علي الجميع ما نعيشه الآن من حقبة الثورة المعلوماتية والتي تعد أولى الخطوات نحو المجتمع المعلوماتي المعرفي والذي نتجه إليه بخطى متواضعة لكنها حتما فعالة وأهم ما يميزها الثبات والمعرفة، ولعل السؤال المطروح هو... كيفية للمعلوماتية التأثير على خدمات المعلومات والعمل على تنمية الثقافة بالمجتمع ؟
وتعد تقنيات المعلومات بمثابة المادة الخام التي يمكن لأي مجال متخصص تطويعها وتوظيفها بما يتناسب وطبيعته، ولعل مجال المكتبات والمعلومات من أكثر المجالات الموضوعية المتخصصة ارتباطا بالتطورات المتلاحقة في تقنيات المعلومات سواء على مستوى الوسيط Media الذي تسجل علية المعلومات أو على مستوى البرمجيات Software أو حتى على مستوى الأجهزة Hardware، هذا وبالإضافة للاستفادة من تقنيات الاتصالات خاصة بعد اندماجها وتزاوجها مع تقنيات الحاسبات.إذ لا يخفى على المتتبع الثورة التى أحدثها ذاك التزاوج الذي أدى لظهور شبكات اتصاليه بين المكتبات على المستويين المحلي والعالمي وظهور شبكة الإنترنت وأوعية معلومات فائقة القدرة التخزينية والاسترجاعية، لاشك ان هذا ذروة عصر المعلومات والمجتمع المعلوماتي الذي ناشد به العديد منذ بدايات القرن التاسع عشر، وإجمالا يمكن تناول أهم تأثيرات هذا التحول التقني المعلوماتي على الخدمات بمجتمع المكتبات والمعلومات في الآتي:ـ
-وسائل الضبط الببليوجرافي ( كانتقال نمط التسجيلة الببليوجرافية إلى نمط النص الكامل والمداخل الاسترجاعية ).
- طرق حفظ وتسجيل المعلومات ( كالتحول إلى الشكل الرقمي CD أو DVD).
- أساليب إتاحة المعلومات وانسيابها وتأثيراتها على خدمات المعلومات ( مثل الإمداد بالوثائق وتبادلها الكترونيا EDI ).
- منهجيات التعامل مع الخدمات المرتبطة بأنشطة الحياة اليومية المختلفة (كمشروع الحكومة الالكترونية ).
لاشك ان كل ذلك أدى لتحول المكتبات التقليدية الورقية إلى أنماط حديثة .. المكتبات إلكترونية.. رقمية ومن ثم .. افتراضية تتعامل في ظل عولمة كونية، اذ لم يعد تعاملها مقتصرا على فئة أو عدد محدد من المستفيدين بل تعدت الحدود الزمنية والمكانية، بمعنى أدق أصبح تعاملها مع المستفيدين يتم في أي وقت، ومن أي مكان، وبأي شكل... (...Any Time, Any Place, Any Form) ، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ... كيف ستبدو المكتبات ... في ظل تلك الاتجاهات الحديثة التى أثيرت العديد من القضايا المجتمعية (كأخلاقيات التعامل مع الانترنت) والإشكاليات ثقافية فكرية المتعددة الأوجه (مثل العولمة وقوانين حماية الملكية الفكرية وتأكيد الهوية الثقافية ...الخ)
ولاشك ان المصطلحات التى تعكسها الاتجاهات الحديثة تلك والتى انتشرت مع اعتناق الكثير من الشركات الكبرى مثل( أدوبي) و(مايكروسوفت)... الخ لتقنيات رقمنة النصوص وتوزيعها التى بدأت تنتشر انتشار سريع في المجتمعات الغربية المتقدمة ويدعمها في ذلك التطور السريع في تقنيات حفظ المعلومات ورقمنتها واستعراضها والبحث فيها ، فإنها تعد مصطلحات جديدة على مجال المكتبات والمعلومات بالوطن العربي، لذا فهنالك من يخلط بين المكتبات الإلكترونية electronic library والمكتبات الرقمية library Digital والمكتبات الافتراضية Virtual Library.
فمن الجانب المفاهيمي نلاحظ شيوع مفهوم المكتبة الإلكترونية بدخول التقنيات الإلكترونية إلى أروقة المكتبات حيث تحولت كافة أو أغلب الإجراءات إلى شكل آلي يعتمد في إجراءاته على الحاسب الآلي، بمعنى أدق ميكنة الإجراءات والعمليات المكتبية التي جعلت من نظم الإعارة والتزويد والفهرسة...الخ مميكنهAutomated بشكل موفرة للوقت والجهد. فالمستفيد يقوم بنفسه بالبحث عن أوعية المعلومات في الفهرس المتاح على شبكة أو على الخط المباشر . وعلى خلاف المكتبة الإلكترونية التي فيها الإجراءات إلكترونية ، نجد المكتبة الرقمية التي تم تحويل الوعاء ذاته لشكل إلكتروني رقمي معتمداً أساسا على الحواسيب ونظم شبكات المعلومات الرقمية من خلال عمليات المسح الضوئي Scanner أو من خلال إنشائها في شكل رقمي منذ البداية Digital Form .
ولعل من الجدير بالانتباه أنه مع ظهور هذا النمط الرقمي تطورات العديد من الخدمات المعلوماتية الجديدة التي لم يعهدها مجال المكتبات والمعلومات ، بينما عند تأملنا لمفهوم المكتبة الافتراضية نلاحظ ان المستفيد يتعامل فيها مع موقع مكتبة تخيلي ليست بمكتبة حقيقة ذات بنية تحتية ولكن يمكنه الاستفادة من خدماتها والإطلاع على أوعيتها ، فهى في الواقع عبارة عن بروتوكولات وروابط Links تم إعدادها وتنظيمها وترتيبها بشكل موضوعي أو حسب طريقة تنظيمية معينه ، تعمل على توجيه المستفيد إلى أوعية معلومات دون أن يدرك أنه قد خرج من حدود الموقع الإلكتروني أو الرقمي الذي يدعي بأنه مكتبة.
وهذه الاتجاهات الحديثة بما فيها من مؤشرات إيجابية فإنها تحمل مؤشرات سلبية تجعلنا في منعطف حرج ونتساءل الى أي مدى المجتمعات العربية مهيأة للتعامل مع البيئات الرقمية الافتراضية في مجال المكتبات ومرافق المعلومات ؟ إن الإجابة على هذا التساؤل قد تكون محرجه بسبب وجود فجوة رقمية كبيرة اذ ان معظمها مازالت تخطوا خطواتها الأولى في عالم التقنيات الحديثة نظراً لعدم توفر البنية الأساسية للشبكات الرقمية، بالإضافة على قلة الدعم التقني في المكتبات ، فمازال الفكر التقليدي والأرفف المفتوحة تسيطر على مكاتبنا العربية، ويرجع هذا القصور إلى ضعف المناهج في أقسام المكتبات والمعلومات بجامعتنا العربية مما يستوجب تحديث المناهج الأكاديمية وتكثيف دراسة المواد التقنية التي تمكننا من تخريج أخصائي مكتبات ومعلومات على مستوى وكفاءة عالية لمسايرة التطورات الحديثة في هذا العالم الرقمي المتغير وذلك إما من خلال الدورات التدريبية الخاصة بأخصائي المكتبات والعاملين في المجال على اختلاف مستوياتهم ، مع الإكثار من تنظيم ورش العمل والندوات والمؤتمرات العلمية.
اذ ان الصورة ليست كما ينبغي فعدد المكتبات من حيث المحتوى المعلوماتي أي التي تقوم برمقنة مقتنياتها في العالم العربي لا تتجاوز العشرات بأي حال من الأحوال وهو أمر نأمل أن يتغير في المستقبل القريب عن طريق التعاون مع دور النشر وشركات التقنية الرقمية، وكذلك عن طريق دعم الحكومات. ومن بين أهم تلك المكتبات التي قامت برمقنة كتبها على سبيل المثال لا الحصر (مكتبة معهد الإمارات الخاصة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية). وما دون ذلك هنالك ببعض المكتبات العربية خدمات معلوماتية على مواقع إلكترونية ولكنها تتوقف عند حدود تقنية ضيقة، حيث اعتمدت في تقديم خدماتها على أشكال تقنية بسيطة ، كاعتمادها على تقنية النصوص الفائقة، حيث يتم تكوين فقرات نصية للتعبير عن مكونات ومحتويات بعض المكتبات العربية كالفهارس المتاحة على الخط المباشر ،إضافة لوصف المكونات المادية (المقتنيات، الأثاث، المبنى وملحقاته) و المكونات المعنوية (الخدمات، الأنشطة، السياسات المتبعة ... إلخ) .
ولكن برغم قلة الاهتمام وضعف البنية التحية في عالمنا العربي ،إلا أنه هنالك مجموعة من المؤثرات التي تبقي بداخلنا الأمل بأن يحل علينا اليوم الذي نجلس فيه على حاسبنا الشخصي PC ونتمكن من التجول بمكتباتنا العربية في شكلها الافتراضي والإطلاع على مختلف أوعية المعلومات ومن تم تحقيق التنمية الثقافية.
نشرت فى 27 ديسمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,749,545