«نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة
The resource based model»
وقد قامت فكرة هذا النموذج على أساس التكامل والتفاعل والتداخل ما بين بيئة المنظمة الداخلية وبيئتها الخارجية، فمن المتعارف عليه أن بناء الاستراتيجية العامة، والاستراتيجيات الخاصة بوحدات العمل، والاستراتيجيات الخاصة بالوظائف لأي منظمة إنما يعتمد في المقام الأول على تحليل ومسح شامل للبيئتين الداخلية والخارجية للمنظمة، حيث لا تستطيع أن تحقق المنظمة استراتيجيتها إلا من خلال تحديد واضح وشامل لنقاط قوتها وضعفها (وهذا ما تقوم به عملية تحليل البيئة الداخلية)، وتحديد الفرص الاستثمارية والمخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة (وهذا ما تقوم به عملية تحليل البيئة الخارجية).
ومن المؤكد أن المنظمة القوية هي المنظمة التي تمتلك موارد كثيرة ومتنوعة، ومن أهم هذه الموارد: المورد أو العنصر البشري ذو الكفاءة والمهارة العالية، والذي عن طريقه تستطيع المنظمة أن تنفذ استراتيجيتها.
ويعتمد «نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة «على عدة ركائز منها:
أولًا: المسح والتحليل البيئي الداخلي والخارجي للمنظمة:
تتعرف منظمات الأعمال بيئتها الداخلية والخارجية، عن طريق الخبرة، وجمع البيانات الإحصائية بالوسائل التقليدية وغير التقليدية والتي استحدثت نتيجة للتطورات الهائلة في عالم تكنولوجيا الاتصالات، والتقدم التقني والعلمي بصفة عامة.
والتحليل البيئي هو استعراض وتقييم البيانات والمعلومات - التي تم الحصول عليها عن طريق مسح البيئة الداخلية والخارجية - ومن ثم تقديمها للمديرين الاستراتيجيين في منظمة الأعمال، والذين يقومون بتحليلها استراتيجيًا بهدف تحديد العوامل الاستراتيجية والتي سوف تحدد مستقبل الشركة أو منظمة الأعمال.
والطريقة الأكثر شيوعًا في تحليل البيئة الداخلية والخارجية هي طريقة SWOT Analysis، ويستخدم هذا المصطلح لتحليل البيئة الداخلية عن طريق عوامل القوة Strengths وعوامل الضعف Weaknesses، وهذه العوامل (القوة والضعف) قد لا تكون تحت سيطرة الإدارة العليا في المدى القصير، وتشتمل هذه العوامل على: ثقافة الشركة، وهيكلها، والموارد البشرية والمادية المتاحة. ومن المعلوم أن نقاط القوة داخل الشركة تشكل الخصائص والعوامل الرئيسة التي تستخدمها للحصول على الميزة التنافسية.
ويمكننا القول: إن القاعدة الأساسية في بناء استراتيجية المنظمة هي القيام بعملية المسح والتحليل البيئي والذي يتكون من:
أ– تحليل البيئة الداخلية Internal environment scan:
ويهدف هذا المسح والتحليل البيئي الداخلي إلى تحديد دقيق لجوانب القوة التي تتصف بها المنظمة وتميزها عن منافسيها، وجوانب الضعف الكامنة داخل المنظمة وتهدد أعمالها وأنشطتها، بل وقد يكون لها انعكاسات سلبية على مستقبل المنظمة.
ب– تحليل البيئة الخارجية External environment scan:
ويهدف هذا التحليل إلى تحديد الفرص الاستثمارية المتاحة أمام المنظمة والتي يجب عليها أن تقتنصها، وتحديد المخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة، والتي قد تؤثر على نشاطها بالتحجيم أو بالتوقف والزوال.
ثانيًا: الموارد المتنوعة التي تمتلكها المنظمة:
إن أية منظمة أعمال تمتلك نوعين من الموارد:
النوع الأول: الموارد المادية.
النوع الثاني: الموارد البشرية: والتي تقوم بعملية استخدام، وإدارة الموارد المادية.
ومنظمة الأعمال عن طريق هذين النوعين من الموارد - بعد أن تقوم بتحليل دقيق وشامل لهذه الموارد لتحديد مواطن القوة والضعف بها كخطوة هامة من خطوات بناء استراتيجيتها – تستطيع أن تقوم بعملية تحقيق وتنفيذ استراتيجيتها المتضمنة لرسالتها، وغاياتها، وأهدافها... إلخ.
وتتصف موارد المنظمة المادية والبشرية بعدة خصائص منها:
- موارد ذات ندرة.
- موارد ذات قيمة.
- موارد تتمتع بصفة الاستدامة.
- موارد متميزة.
- موارد ذات طاقة عالية.
- موارد يصعب بيعها أو التنازل عنها.
ثالثًا: تعليم وتدريب الموارد البشرية:
إن من المهام الأساسية التي تتبناها استراتيجية إدارة الموارد البشرية.. مهام التعلم والتدريب والتنمية للموارد البشرية المتوافرة والمتاحة، والمستهدفة للمنظمة.. بهدف إكسـابها المهارات، والخبرات اللازمة للتعامل مع خصائص موارد المنظمة المادية المتغيرة.
وعن طريق الموارد البشرية الماهرة.. ذات الكفاءة والخبرة تتمكن المنظمة من استغلال الفرص المتاحة، والتغلب من ناحية أخرى على المخاطر التي قد تتعرض لها.
وعملية التعلم والتدريب للموارد البشرية يجب أن يراعى فيها الخصائص المميزة والصفات الأساسية للموارد المادية.. فمثلا: إذا كانت الموارد أو العناصر المادية غالية الثمن – ماكينة ذات قيمة عالية – فهنا يجب أن تدرب العمالة على التعامل معها بحذر شديد.. وهكذا.
رابعًا: التقنية:
يركز نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة على أهمية تدريب الموارد البشرية على التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة.. وذلك لإكساب هذه الموارد البشرية – على اختلاف مستوياتها ومراكزها الوظيفية داخل المنظمة – المهارات، والخبرات، والمعرفة اللازمة للتعامل مع هذه التكنولوجيا كل في موقعه.. والهدف من وراء ذلك هو تحقيق التطور المطلوب للمنظمة لتواكب التقدم التكنولوجي المتوافر لدى منافسيها.. حتى يتسنى لها الحفاظ على موقعها التنافسي، وحصتها السوقية.
خامسًا: التحفيز:
يؤكد نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة على عملية تحفيز الموارد البشرية، وذلك لتحقيق الاستخدام الأمثل والأجدى لموارد المنظمة المادية، واستغلال الفرص الاستثمارية المتاحة، ومواجهة المخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة.
إن التحفيز الجيد - المبني على الأسس العلمية والواقع الحقيقي داخل المنظمة - للموارد البشرية يؤدي إلى:
1- تقوية ولاء وانتماء الموارد البشرية للمنظمة.
2- دفع وتشجيع الموارد البشرية على الإبداع والابتكار والتميز.
3- تشجيع الموارد البشرية على التفاني، والبذل والعطاء للمنظمة.
4- حـث ودفع الموارد البشرية إلى المحافظة على ممتلكات، ومكتسبات المنظمة.
نموذج ديفيد جست David Gust model
قام David Gust بوضع هذا النموذج عام 1997م وذلك بعد إجراء العديد من التجارب، والتطبيقات العملية لما يقارب عقدا من الزمان. (أنظر نموذج ديفيد جست) وقد خلص نموذج Gust إلى عدة مضامين أو مفاهيم:
أولًا: إن استراتيجية إدارة الموارد البشرية تهدف إلى:
1- تحقيق الإبداع والابتكار، وتأصيله في نفوس الموارد أو العناصر البشرية داخل المنظمة لتبدع وتبتكر كل جديد، فضلا عن التطوير المستمر للمنتجات القائمة، وتقديم الجديد والأفضل دائمًا للسوق، مما يؤدي بدوره إلى المحافظة على عملاء المنظمة، بالإضافة إلى جذب عملاء ومستهلكين جـدد، مما يعضد من مكانة المنظمة، ويعمل على زيادة حصتها السوقيـة، ومن ثم زيادة المبيعات وتحقيق المزيد من العوائد والأرباح.
2- تحقيق الجودة في المنتجات والسلع.. من خلال أداء عالي المستوى للعناصر البشرية داخل المنظمة، وهذه الجودة العالية للمنتجات والسلع تحقق بلا شك الولاء لدى عملاء المنظمة وإقبالهم على شراء هذه المنتجات، مما يؤدي أيضًا إلى زيادة الأرباح، والتمكين للمنظمة في السوق.
3- تخفيض تكلفة الإنتاج من خلال العمل على ترشيد، وتقليل النفقات والمصروفات - مع مراعاة عدم الإخلال بالعملية الإنتاجية ومتطلبات الجودة العالية - مع تحقيق أعلى معدلات أو قدر من المخرجات بأقل قدر من المدخلات.
ثانيًا: ممارسات إدارة الموارد البشرية:
هذه الممارسات تعبر عن الوظائف، والمهام التي تقوم بها وتؤديها إدارة الموارد البشرية داخل المنظمة، حيث تقوم بوضع الأنظمة، والسياسات، والبرامج، والإجراءات، وتقوم أيضًا بتنفيذ عمليات تتعلق بالوظائف، والمهام، والجوانب الآتية:
1- استقطاب أفضل، وأنسب الموارد أو العناصر البشرية المتوافرة والمتاحة في سوق العمل.
2- انتقاء أفضل، وأنسب العناصر البشرية المتقدمة لشغل الوظائف الشاغرة داخل المنظمة.
3- تعليم، وتدريب، وتنمية الموارد البشرية بصفة مستديمة.
4- وضع نظام شامل وموضوعي لتقييم أداء الموارد البشرية، والقيام بمساعدة مديري ورؤساء الإدارات والأقسام على تطبيق هذا النظام بشكل موضوعي وفعّال.
5- وضـع نظام تعويضات، وحوافز شامل وفعال.. يحقق حاجات، ومتطلبات، وآمال الموارد البشرية.
6- تهيئة وتوفير ظروف عمل مناسبة وملائمة وصحية، تحقق وتضمن السلامة والأمان للموارد البشرية، وتعمل في الوقت ذاته على حمايتهم من مخاطر العمل التي قد يتعرضون لها.
7- تهيئة وتوفير الظروف البيئية التي تعمل على تنمية الولاء والانتماء لدى الموارد البشرية تجاه المنظمة، وجعلهم يشعرون بأنهم جزء وكيان هام في المنظمة، وأن مستقبلهم مرتبط بتقدم ونمو ومستقبل المنظمة.
ثالثًا: نتائج ممارسات إدارة الموارد البشرية:
تسعى إدارة الموارد البشرية إلى النجاح في تنفيذ خططها، وأنشطتها، وتظهر نتائج هذا السعي من خلال تحقق النتائج التالية:
1- زيادة درجات الانتماء والولاء لدى الموارد البشرية للمنظمة.
2- تحقيق المرونة والانسيابية في أداء الوظائف، والأعمال، والمهام، والأنشطة التي تقوم بها العناصر البشرية.
3- شعور بالرضا، والارتياح يتولد في نفوس العناصر البشرية تجاه العمل في المنظمة.
رابعًا: نتائج سلوك الموارد البشرية:
1- تحقيق مستويات عالية وكبيرة من الدافعية لدى العناصر البشرية نحو العمل في المنظمة.
2- تحقيق درجات عالية من التفاني من قبل الموارد البشرية في العمل داخل المنظمة.
3- تحقيق درجات عالية من الالتزام في نفوس العناصر البشرية، ينعكس على سلوكهم في العمل داخل المنظمة.
4- توليد الغيرة في نفوس الموارد البشرية على المصلحة العامة والخاصة، وسمعة المنظمة.
خامسًا: نتائج الأداء الكلي للمنظمة:
1- تحقيق معدلات عالية، وزيادة كبيرة في الإنتاجية.
2- تحقيق معدلات عالية في جودة المنتجات.
3- تحقيق وتوليد الأفكار، والابتكارات، والإبداعات لدى الموارد البشرية، مما يؤدي إلى إنتاج سلع وخدمات متميزة، ومتطورة تحقق التميز، والموقع التنافسي الأفضل للمنظمة.
4- تحقيق رضا العملاء والمستهلكين، حيث توفر لهم المنظمة المنتجات بالكميات المناسبة، والجودة العالية، والتي تشبع رغباتهم وأذواقهم، وتفي باحتياجاتهم.
5- تحقيق رضا العاملين، حيث توفر لهم المنظمة بيئة العمل المناسبة، والحوافز والتعويضات، والمزايا الإضافية، والخدمات، والرعاية الاجتماعية والنفسية، ويعمل هذا الرضا من قبل العاملين على تفجير طاقاتهم، وإبداعاتهم، وابتكاراتهم.
6- انخفاض معدل دوران العمل.
7- تحقيق معدلات ربحية عالية، مما يمكن المنظمة من زيادة الاستثمارات، وزيادة قدراتها الإنتاجية، والتنافسية، فضلا عن محافظتها على نظم الحوافز والتعويضات، والعمل على زيادتها، وزيادة الاستثمار في الموارد البشرية.
8- تمكين المنظمة من وضع برامج تنموية شاملة، وطموحة للمستقبل.
9- تحقيق الاستمرارية والبقاء للمنظمة.
نموذج التطابق الاستراتيجي
The matching strategic model
إن التطابق أو التكامل أو التوافق التام بين استراتيجية إدارة الموارد البشرية، والاستراتيجية العامة للمنظمة.. أمر هام ومطلوب طبقًا لمفهوم نموذج التطابق الاستراتيجي. (أنظر الشكل التالي)
يعتمد نموذج التطابق الاستراتيجي على قاعدة تحقيق التكامل، والتوافق بين استراتيجية إدارة الموارد البشرية، واستراتيجية المنظمة العامة.
إن استراتيجية إدارة الموارد البشرية لابد أن تتوافق بشكل تام مع استراتيجية المنظمة، أي تعمل على تحقيق استراتيجية المنظمة من حيث الرسالة، والغايات، والأهداف... إلخ، وهذا يستوجب بالضرورة التنسيق التام، والتوافق والتكامل فيما بين إدارة الموارد البشرية، ونشاطاتها، وممارساتها مع كافة الإدارات الأخرى داخل المنظمة، وذلك لتجنب التضارب، والاختلاف، ومن ثم الخروج عن مسار الخطط العامة للمنظمة..! فضلا عن عدم تحقيق المنظمة ككل لاستراتيجيتها.
ووفقًا لنموذج التطابق الاستراتيجي، فإن أي تغيير في استراتيجية المنظمة يستلزم إجراء تغيير فـوري في استراتيجية إدارة الموارد البشرية، بحيث يتم الحفاظ على التوافق، والتكامل، والسير في الاتجاه المخطط له لتحقيق استراتيجية المنظمة.
إن استقرار استراتيجية إدارة الموارد البشرية يعتمد في الأساس – بل يتوقف – على استقرار استراتيجية المنظمة، حيث تمثل استراتيجية إدارة الموارد البشرية (المتغير التابع) جزءًا من استراتيجية المنظمة (المتغير المستقل) وهذا أمر طبيعي أن يتبع المتغير التابع المتغير المستقل.