أسمى صفة يتحلى بها القائد هي الاستقامة، فمن بدونها لا يمكن تحقيق أي نجاح حقيقي سواء كان يقود الناس في مؤسسة أو في أسرة أو في الجيش أو في المصنع.

يحكي لنا ستيفن كوفي قصة معبرة فيقول: (طُلبت مني ذات مرة استشارة بشأن مصرف يعاني من انخفاض في معنويات الموظفين "لا أعرف أين الخلل" قال لي رئيسهم الشاب، كان لماعًا وصاحب شخصية جذابة وقد ترقى من منصب إلى آخر ليرى مؤسسته وهي تترنح، كان كل من الإنتاج والأرباح في نزول مستمر، أخذ المدير يلوم موظفيه "مهما زودتهم بالحوافز فإن ذلك لا يجدي معهم".

كان محقًا، لقد بدا الجو مسمومًا بالشك وانعدام الثقة.

عقدت عدة ورشات عمل لمدة شهرين ولكن من دون فائدة، كان أمرًا مربكًا.

"كيف يمكننا أن نثق بما يجري هنا؟" كانت العبارة التي يرددها الجميع، لكن أحدًا لم يخبرني عن مصدر انعدام الثقة، وأخيرًا وخلال مزيد من المناقشات العرضية ظهرت الحقيقة.

كانت هناك علاقة بين الرئيس المتزوج وإحدى الموظفات، وكان الجميع يعرفون هذه العلاقة، أصبح واضحًا أن أداء الشركة الضعيف سببه تصرف المدير لكن ذلك الرجل كان ينزل الضرر الأكبر بنفسه، كان يفكر في ملذاته فقط  بغض النظر عن العواقب طويلة الأمد، كما أنه كان يخون الثقة المقدسة بينه وبين زوجته، بعبارة أخرى كان الفشل في أخلاقه.

إن 90% من فشل القادة سببه فشل في الأخلاق.

عندما صارحته بأنني أعرف عن علاقته تلك وشرحت له تأثيرها على موظفيه مرر أصابعه من خلال شعره وقال: "لا أعرف من أين أبدأ".

سألته: "هل انتهت هذه العلاقة؟"

نظر إلي بحزم وقال: "نعم بشكل قاطع".

قلت له: "إذًا ابدأ بمصارحة زوجتك".

أخبر زوجته التي غفرت له زلته، ثم عقد اجتماعًا مع موظفيه بين لهم فيه سبب انخفاض معنوياتهم: "لقد وجدت سبب المشكلة، إنه أنا، أطلب منكم أن تمنحوني فرصة أخرى".

استغرق الأمر بعض الوقت، ولكن في النهاية تحسنت معنويات الموظفين، الشعور بالانفتاح التفاؤل الثقة، لقد أسدى ذلك المدير أعظم معروف إلى نفسه عندما وجد طريقه إلى الأخلاق).[العادة الثامنة، من الفعالية إلى العظمة، ستيفن كوفي، ص: 206-210].

توقعات المرءوسين:

        (إن القيادة عملية تبادلية ومشتركة بين من يتطلعون إلى القيادة وبين من يفضلون أن يسيروا وفق منهج من يقودون)[القيادة تحد، كوزس ـ بوسنر، ص46]، ومن ثم فإنه من المهم بمكان أن ينظر القائد دائما وأبدا إلى توقعات مرؤوسيه منه، فما الذي يأملونه فيه؟ وكيف يحبون أن يروا قائدهم؟

       وفي دراسة فريدة أجريت على 75 ألف شخص من مختلف أنحاء العالم، عبر عشرين سنة كاملة قام الباحثان: كوزس وبوسنر بطرح سؤال محدد على هذه العينة الكبيرة للغاية من المرؤوسين في مختلف القطاعات: ما هي القيم والصفات والإمكانات الشخصية التي تبحثون عنها وتعجبون بها في قادتكم؟ وقد شملت كل الردود التي صدرت بصدد هذا السؤال حوالي 250 صفة وقيمة، تم عرضها على محللين متخصصين، فحولوا هذه الصفات والعناصر إلى قائمة تحتوي على عشرين صفة وميزة، لكل منها عدد من المترادفات.

       كانت إجابات ونتائج هذه الاستقصاءات والاستبيانات مثيرة للدهشة، حيث إنها كانت ثابتة لا تتغير على مر الأعوام، وعلى الرغم من أن جميع الصفات قد تلقت أصواتا، حيث إن كل صفة تمثل أهمية لبعض الناس، إلا أن هناك ما أثار الدهشة ـ طوال فترة التصويت وعبر جميع القارات ـ وهو أن أربع صفات فقط حظيت باستمرار بأكثر من 50% من الأصوات، وهي : الأمانة، الكفاءة، التحفيز، التطلع للمستقبل، وكانت الأمانة دائما ما تأتي على رأس هذه الصفات.

       ولعل السبب الأهم في كون الناس تتطلع إلى صفة الأمانة في الشخص الذي يقودهم أن الشخص الأمين هو فقط الذي يستطيع أن يحوز على ثقة الآخرين، كما أن أمانة القائد تعكس استقامة وأمانة المرءوسين، كما يقول مؤلفا كتاب: القيادة تحد: ( إننا جميعا لا نرغب في أن يكذب علينا إي إنسان أو يخدعنا أي فرد، بل دائما نريد الحقيقة، إننا نريد القائد الذي يعرف التمييز بين الصواب والخطأ، نعم إننا نريد الفوز، ولكننا لا نريد أن يقودنا من يخدعنا باسم الفوز، إننا نريد أن نكون قادتنا أمناء وصادقين، حيث إن ذلك سوف يعكس بالتالي صدقنا وأمانتنا... فعندما نصبح تابيعن لشخص نؤمن بأنه كاذب أو خائن للأمانة؛ فإننا سوف ندرك أن ذلك يعرض استقامتنا للخطر، وكلما مر الوقت؛ لن نفتقد الاحترام فقط تجاه القادة، ولكن كذلك سوف نفتقد الاحترام تجاه أ نفسنا)[القيادة تحد، ص51].

المستويات الخمسة للقيادة

وتوضح بعض الدراسات كذلك أن القيادة من خلال الأمانة والنزاهة الشخصية هي أعلى مستويات القيادة، وهي أكبر سبب يجعل الناس يتبعون قائدهم:

لماذا يتبع الناس أناسًا آخرين؟

السبب أو المستوى القيادي

النتيجة

5- المركز (اللقب) "الحقوق":

يتبعك الناس لأنهم مجبرون على ذلك:

 

* لن يتعدى نفوذك مسميات وظيفتك، كلما أطلت البقاء هنا كثر عدد الذين يريدون ترك المؤسسة،ث وضعفت الروح المعنوية، يبدأ  الناس في تحجيمك ووضع حواجز من حولك، لن تستطيع البقاء هنا أكثر من عامين.

 

4- الإذن "العلاقات":

يتبعك الناس لأنهم يريدون ذلك:

 

* يتبعك الناس بعيدًا عن متناول سلطتك الرسمية، هذا المستوى يجعل من العمل متعة. تحذير: البقاء مدة أطول من اللازم في هذا المستوى دون الارتقاء لأعلى يجعل الذين لديهم حوافز قوية للعمل يصبحون قلقين.

 

3- الإنتاج "النتائج":

يتبعك الناس لأجل ما عملته للمؤسسة:

 

* هذا هو المستوى الذي يجعل معظم الناس يشعرون بالنجاح الذي تحقق. إنهم يحبونك ويحبون ما تفعله، يمكن حل المشكلات بأقل جهد ممكن بسبب قوة الدفع (لا تجعل قوة الدفع تتوقف!).

 

2- تطور البشر "تفريخ القادة":

يتبعك الناس بسبب ما عملته شخصيًّا لأجلهم:

 

تحدث هنا تنمية طويلة المدة، التزامك بتطوير القيادات سوف يضمن نموًّا مطردًا للمؤسسة وللبشر، افعل كل ما في مقدورك لتحقيق ذلك والبقاء عند هذا المستوى.

1- الشخصية "الاحترام":

يتبعك الناس بسبب شخصيتك وما تمثله:

 

* هذه الخطوة مدخرة للقادة الذين أفنوا سنوات عمرهم في تنمية الناس والمؤسسات، قليلون يحققونها، فالذين يحققونها أكبر من الحياة!

 

 

[الدكتور جون ماكسويل، تطوير القائد بداخلك، نقلا عن: أكبر عشر أخطاء يرتكبها القادة، هانز فيتزل، ص38  ]

سر هزيمة فيتنام

يقول د. ويليام كوهين، اللواء السابق بالقوات الجوية الأمريكية: ( يمكن أن نرجع فشلنا في فيتنام بشكل مباشر إلى قضية تتعلق بالأمانة، وهاك ما قاله الجنرال كولين باول في هذا الشأن: " كان كبار ضباطنا يعلمون أن الحرب تسير على نحو سيء، ومع ذلك فقد خدعوا أنفسهم، واستمروا في مزاعمهم، وإحصائياتهم الزائفة لجثث القتلى، وانخداعهم بالقرى الآمنة، وتقاريرهم الطنانة عن إحراز التقدم، فالجيش ككيان مؤسسي لم يكن صريحا مع قادته السياسيين أو مع نفسه، فلم يحدث أن ذهب كبار القادة إلى وزير الدفاع أو إلى الرئيس فقالوا: لن نكسب ما دمنا نحارب بهذه الطريقة")[فن القيادة، د.ويليام كوهين، ص33].

من معاني الأمانة:

وتعني المصداقية واستحقاق الثقة والرقابة الذاتية والمبادرة لأداء المهمة على وجهها، وتستعمل كلمة الأمانة بأكثر من معنى، ومن ذلك:

 الأمانة المعنوية: الأمانة ليست في القضايا المالية فحسب، بل هي أبعد وأشمل، ومنها عدم بخس العاملين حقوق التقدير والثناء الممزوج بالحب والرعاية، شعارهم: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27]، ومساعدهم في قضاياهم ومشاكلهم المؤرقة بقدر الاستطاعة.

 الضمير اليقظ: وهو كما يقول الغزالي: (وجود الضمير اليقظ الذي تُصان به الحقوق المتمثلة في حقوق الله والناس، وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والإهمال، فإذا ضاع الضمير فأي قيمة لترديد الآيات ودراسة السنن).[خلق المسلم، ص46].

 الإتقان: أن يحرص على أداء الواجب المنوط به بشكل متقن، وأن يستنفر كل طاقاته للإتمام، فيسهر على حقوق الناس التي وضعت بين يديه، فإذا استهان الفرد بما كُلِّف به ـ وإن كان صغيرًا تافهًا فرط فيما بعده إلى أن تستشري روح الفساد والضياع فيي كيان المؤسسة.

ولا يقوم بأداء الواجب بشكل ممل يحفظ له وظيفته من الفقدان بل يتجاوز الإتقان إلى الإبداع ملبيًا دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه).[أخرجه البيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع1/383]

 عدم الاستغلال: ألا يستغل الرجل منصبه الذي عُيَّن فيه لجر منفعة إلى شخصه أو قرابته، أو في تعويق مصالح الناس وإضاعة حقوقهم.

وقديمًا استن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ألزم نفسه بها، وهي: من استعمل رجلًا لمودة أو قرابة لا يحمله على استعماله إلا ذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.

-     استعمال الأصلح:  ففي صحيح البخاري (59)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض الناس: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: (أين السائل عن الساعة؟)، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: (إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة)، قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).[صناعة القائد، د.طارق السويدان، عمر باشراحيل،ص55-54].

القوي الأمين

وإن كانت الأمانة هي العمود الفقري الذي تنبني عليه مصداقية القائد، إلا أنها وحدها لا تكفي لحيازة الثقة الكاملة للأفراد الذين تقودهم، فلابد بجانبها أن يحوز القائد الكفاءة اللازمة للقيادة، وتتمثل في الخبرات والمهارات اللازمة لقيادة الفريق والتحرح به نحو أهدافه.

وهذا هو ما أشار إليه القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، حيث يقول الله تعالى على لسان ابنة عمران: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، وكذلك يوسف عليه السلام يقول لملك مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، فهو عليه الصلاة والسلام حفيظ أي أمين ثقة، وهو مع ذلك عليم بما يصلح لمهمة المسئولية عن الخزائن، من أمور الحساب والإدارة وغير ذلك.

وبذلك نعمل أن الأمانة والكفاءة بالنسبة للقائد كالجناحين للطائر، فلا يستطيع القائد أن يحلق في سماء الفاعلية القيادية، إلا من خلال جناحي الأمانة والكفاءة، بحيث لا تغني إحداهما عن الأخرى، يقول ستيفن كوفي: ( إن كلا من الكفاءة والأمانة ضروريتان بالطبع، ولكن إحداهما من دون الأخرى ليست كافية، عبر الجنرال إتش نورمان شوارزكوف عن ذلك بقوله: لقد قابلت في الجيش كثيرا من القادة الأكفاء الذين تنقصهم الأخلاق، كانوا لا يقومون بأي عمل جيد في الجيش إلا من أجل ترقية أو جائزة ما، من أجل أن يصعدوا على أكتاف الآخرين، من أجل قطعة أخرى من الورق تمنحهم درجة أخرى تنقلهم خطوة في الطريق إلى القمة، كما ترى لقد كان هؤلاء الأشخاص أكفاء لكن تنقصهم الأخلاق.

بالمقابل عرفت كثير من القادة الذين يتمتعون بأخلاق عالية ولكن تنقصهم الكفاءة، لم يكونوا مستعدين لدفع ثمن القيادة، لقطع ميل إضافي، لأن هذا ما يتطلبه كونك قائدا عظيما، لكي تقود في القرن الواحد والعشرين أنت بحاجة إلى الأخلاق والكفاءة معا)[العادة الثامنة، 213].

نموذج 5x10 وارتباطه بجناحي القيادة

ولعل سر التفوق في نموذج 5x10الذين نتحدث عنه في هذه السلسلة هو ارتباطه الوثيق بجناحي القائد الفعال، وهما الأمانة والاستقامة من جهة، ثم الكفاءة من جهة ثانية، فتعبر الممارسة الأولى عن جوهر مقوم الأمانة، حيث تقتضى أن تكون قدوة أمام مرؤوسيك، وأن تربط دائما ما بين أقوالك وأفعالك، ثم بقية الممارسات الخمس تعبر عن جانب الكفاءة والقوة القيادية، حيث تتضمن المهارات والخطوات العملية اللازمة لنجاح العملية القيادية، كما يتبين من الجدول التالي:

نموذج 5X10 للقائد المؤثر.

الممارسات الخمسة

الالتزامات العشرة

وضع نموذج للأداء

1- أظهر صوتك من خلال التعبير عن قيمك ومبادئك.

2-  كن قدوة عن طريق ربط الأفعال بالقيم المشتركة

الحث على الرؤية المشتركة

3- ضع رؤية للمستقبل بتخيل الإمكانات والمحفزات العظيمة.

4- اصنع رؤية مشتركة مع الآخرين، بصياغة الطموحات المشتركة.

التحدي

5- اقتنص الفرص، عن طريق إيجاد طرق مبتكرة للتغير والنمو والتحسن.

6- خض التجربة والمخاطرة من خلال التوليد الدائم للمكاسب الصغيرة، والتعلم من الأخطاء

تمكين الآخرين من التصرف

7- أوجد روحا من التعاون، وذلك بإثارة أهداف جماعية، وبناء الثقة.

8- حفز الآخرين بمشاركتهم في السلطة، وإعطائهم حرية التصرف.

التشجيع المعنوي

9- تعرف على الإسهامات، ووضح التقدير والتقييم للأفراد.

10-       احتفل بالقيم والانتصارات، وذلك عن طريق صنع روح الاتحاد.

 

وموعدنا إن شاء الله في المقال القادم لنشرع في بيان الممارسة الأولى ممن ممارسات القائد المؤثر، وهو وضع نموذج الأداء.

أهم المصادر:

1-             القيادة تحد، كوزس، بوسنر.

2-             العادة الثامنة، ستيفن كوفي.

3-             فن القيادة، د.ويليام كوهين.

4-             أكبر عشرة أخطاء يرتكبها القادة، هانز فيتزل.

5-             صناعة القائد، د.طارق السويدان، عمر باشراحيل.

 

المصدر: فريد مناع
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 109/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 2218 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,875,675

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters