يؤكد كثير من الباحثين ظهور الموازنة العامة منذ عصر الرسول . ﷺ .، ذلك أنه كان يكتب له كل ما يرد إليه من إيرادات، وكان يجري تقديراً لها قبل ورودها، ويتمثل ذلك في خرص الثمار وتقديرها، وكتابة الصدقات وأخماس الغنائم وكان يتولى هذه العملية أمناؤه على المال وكان يحتفظ بسجلات لكثير من أنواع النفقات التي يمكن تقديرها، ومنها سجلات بأسماء المسلمين وذرياتهم تدون كي توزع عليهم الأعطيات طبقاً لها، كما يعد العدة للنفقات غير المتوقعة، فيوفر لها جزءاً من الإيرادات العامة، لمواجهتها عند حدوثها.

ومن ثم يمكن أن تعتبر أول موازنة إسلامية عرفها المسلمون، قد ظهرت في عهد الرسول . ﷺ .، وإن كان بعض الدارسين يرى أنها ظهرت منذ عصر عمر بن الخطاب، حيث أن الواقع يثبت أن الشؤون المالية للدولة قد نظمت بشكل متناسق ومتكامل في عصر ابن الخطاب، ولكن ذلك لا ينفي أنها - أي الموازنة - ظهرت بداية في عصر الرسول . ﷺ .  وعلى ذلك تنتفي حجج من يعتقد أن الموازنة إنما بدأت في إنجلترا وفرنسا، ويثبت للتشريع الإسلامي فضل الريادة في إعداد الموازنة على العالم الغربي المتقدم.

بيد أن نقطة رئيسية تبقى، وهي البحث عن أهمية إثبات سبق الفكر الإسلامي في وجوب إعداد الموازنة، وهل تقتصر الأهمية على إثبات تفوق الفكر المالي للسلفـ الصالح تمجيداً لماض قد انتهى؟ أو أن ذلك يعني وجوب إعداد الموازنة طبقاً للمبادئ التي سبقنا بها سلفنا الصالح؟

<!-- قواعد إعداد الموازنة في النظام المالي الإسلامي

يرى الفكر المالي الوضعي ضرورة توافر عدة قواعد عند إعداد الموازنة، حيث ترتبط الأخيرة ارتباطاً وثيقاً بطبيعة إيرادات الدولة ونفقاتها وتظهر هذه القواعد في الأشكال الآتية:

القاعدة السنوية، وحدة الموازنة عدم التخصيص، وأخيراً قاعدة التوازن. ولكن إذا أردنا أن نستنبط القواعد التي تم تطبيقها فعلاً إبان عهود الدولة الإسلامية عند إعداد الموازنة، فإننا نجد التطبيقات التالية:

<!--القاعدة السنوية :يرى الفكر المالي تحديد فترة الموازنة - كقاعدة عامة - بسنة، وهو ما يتفق مع دورة الإيرادات والنفقات، أما الفترة الزمنية التي تغطيها الموازنة في الدولة الإسلامية، فتحددها الأسس التالية :

<!--يجب أن تتناسب فترة الموازنة مع طبيعة دورة الإيرادات وفتراتها الزمنية، فإذا كانت هذه الإيرادات دورية تجبى بشكل منتظم كل فترة محددة تقدر بسنة، مثل زكاة النقدين، وعروض التجارة وزكاة الأنعام، وخراج الوظيفة والجزية، كانت الموازنة المعدة لهذه الإيرادات سنوية. وإذا كانت طبيعة الإيرادات موسمية، مثل زكاة الثمار والزروع وخراج المقاسمة، فإن الموازنة المعدة لإيرادات موسمية أيضاً تتناسب مع فترات تحصيلها. وإذا كانت طبيعة الإيرادات غير عادية مثل الغنائم والنذور والهبات والتركات الشاغرة، ارتبطت أيضاً الموازنة بوقت الحصول على الإيرادات.

<!--أن السنة المقصودة في دورة الموازنة هي الحول العربي، وليست السنة الميلادية، إذ يرتبط التقويم الإسلامي في الزكاة وفي غيرها من أنواع المعاملات المختلفة بالحول الذي يبدأ من أول محرم وينتهي بآخر ذي الحجة.

<!--رأى العلماء أن الحد الأقصى الذي لا ينبغي أن تزيد عنه فترة الإنفاق، هو السنة أو الحول، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: فلا يأخذن مالاً كثيراً، بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة، فهذا أقصى ما يرخص فيه، من حيث أن السنة إذا تكررت أسباب الدخل. وعلى ذلك تكون فترة الموازنة قد امتدت من فترة ثلاثة أيام حتى تتم حولاً كاملاً، ولكن لا ينبغي أن تمتد إلى أكثر من ذلك زمنياً .

<!-- قاعدة تعدد الموازنات :إذا كان الفكر المالي الوضعي يؤمن بضرورة وحدة الموازنة التي تجمع كافة إيرادات ونفقات الدولة، فإن الفكر والتشريع المالي الإسلامي يؤمن بعكس ذلك، وهو تعدد الموازنات ويمتد هذا التعدد بالنسبة لنوع الإيراد وعلى المستوى المحلي، وتقتضي الضرورة التعرض الى هذه القاعدة بشيء من التفصيل .

<!--تعدد الموازنات طبقاً لنوع الإيراد :فصل النظام الإسلامي فصلاً تاماً بين عدة أنواع من الإيرادات، وقام بربط فكرة الإيرادات المعينة بمصارف معينة، ونظراً لتعدد أنواع هذه الإيرادات واستقلالها عن بعضها، مع تعدد مصارفها أيضاً، فالنتيجة الحتمية لذلك تعدد الموازنات التي يجب إعدادها أيضاً، للوفاء باحتياجات المجتمع الإسلامي.

<!--تعدد أنواع الموازنات على المستوى المحلي: ألزم التشريع الإسلامي ولاة الأمر بجباية الإيرادات بأنواعها، وإنفاقها بصفة أساسية على المناطق التي تم الجباية منها أي تحصيلها منها، وهو الأصل الواجب العمل به،

<!-- قاعدة التخصيص والعمومية: طبق التشريع الإسلامي كلا من قاعدة التخصيص والعمومية في نموذج واحد، وكما يوضح ذلك الشرح التالي:

<!--قاعدة التخصيص: طبقت قاعدة التخصيص تطبيقاً دقيقاً بالنسبة لبعض الإيرادات، مثل أموال الزكاة وعشور المسلمين، فمصارف الزكاة محددة بالآية الكريمة وإنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل لا ينبغي التجاوز فيها، والقاعدة الأساسية هي تخصيص هذا النوع من الإيراد لأنواع معينة من المصارف، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الإيرادات الأخرى، مثل التطور والكفارات وأربعة أخماس الغنائم، فكل هذه الإيرادات محددة المصارف تحديداً قاطعاً وواضحاً

<!--قاعدة العمومية: لم تطبق قاعدة التخصيص فقط في بعض إيرادات الدولة، ولكن طبقت

أيضاً قاعدة العمومية في سائر أنواع الإيرادات الأخرى، وأهمها الفيء الذي بتعدد أنواعة والخراج والجزية وعشور غير المسلمين.

<!--قاعدة التوازن: يبنى الفكر الوضعي على نظريتين: الأولى تتبنى فكرة التوازن المالي المطلق، بمعنى ضروريا تساوي حجم النفقات مع حجم الإيرادات بدون فائض أو عجز، إذ يتيقن الا تزيد النفقات العامة على الإيرادات العادية، وإلا أدى الأمر إلى وجود عجز في الميزانية، كما ينبغي ألا تقل النفقات العامة على الإيرادات العادية، وإلا أدى الأمر إلى وجود فائض فيها، وكلاهما أمور يجب تلاقيها.

أما النظرية الثانية، فهي تسعى لتطبيق فكرة التوازن الاجتماعي والاقتصادي، بغض النظر عن التوازن المالي، بمعنى ضرورة أن تسعى الموازنة لإحداث نوع من التوازن في الإنفاق، لإشباع حاجات المجتمع وأهدافه الاجتماعية والاقتصادية، بغض النظر عن نتيجة هذا التوازن، ومدى تأثيره على التوازن المالي، أي سواء أدى ذلك إلى فائض أو عجز في الميزانية.

والرسول كان يحرص على التوازن الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، وهو ما قد يؤدي الى حدوث عجز أو فائض كما يظهر ذلك من المعالجات التي استخدمها الرسول والخلفاء الراشدون في إحداث التوازن في كل من هاتين الحالتين كالآتي:

في حالة العجز ويتم سداده بإحدى طريقتين هما:

<!--تعجيل بعض الإيرادات وتحصيلها مقدماً قبل ميعادها، وقد ورد ذلك من علي - رضي الله عنه - عن النبي . ﷺ . أنه تعجل العباس صدقة سنتين مقدما.

<!--الاقتراض من الأفراد حتى يتم تحصيل باقي إيرادات الدولة، فيقوم بسداد القرض، وهو ما تم اتباعه أيضاً في عهد عمر بن عبد العزيز.

وفي حالة الفائض: فإن التاريخ ينبئنا أنه عندما كثرت الأموال في عهد عمر بن الخطاب. نتيجة للفتوحات الإسلامية وزيادة الضرائب، حدث فائض كبير في حقوق بيت المال يزيد عن نفقاته، مما أدى إلى حدوث اختلاف في الرأي بين الفقهاء فيما يتبع بهذا الفائض، فذهب الشافعي إلى أنه يقبض على أموال من يعم به صلاح المسلمين ولا يدخر، لأن النوائب تعين فرضها عليهم إذا حدثت، في حين ذهب أبو حنيفة إلى ضرورة ادخاره في بيت المال احترازاً لما قد ينوب المسلمين من أحداث، ومعنى ذلك أن الشافعي يذهب الى ضرورة إحداث توازن في الميزانية، بينما يرى أبو حنيفة أن الفائض ينبغي أن يستخدم كاحتياطي لسنوات العجز المتوقعة.

<!-- مقومات إعداد الموازنة العامة في الفكر الإسلامي

تتمثل مقومات إعداد الموازنة العامة في تحديد أوجه الإيرادات والنفقات العامة

القسم الأول: أنواع الإيرادات

<!--الزكاة :تناولت الآية الستون من سورة التوبة مصارف الزكاة، فحددتها بالثمانية المعروفة وهي ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾. [التوبة : 60].

وهكذا تحددت أوجه صرف الزكاة تحديداً قاطعاً بما يضع لكل ذي حق حقه، ويروي أبو داود في ذلك عن زياد بن الحارث قال: أتيت رسول الله . ﷺ .، فأتاه رجل، فقال: أعطني من الصدقة، فقال . ﷺ .: إن الله لم يرض يحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها، فجزاها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك. وعلى ذلك يجب إعداد موازنة مستقلة للزكاة، وهو ما اتفق عليه معظم المعاصرين.

<!--العشور: هي استقطاع مالي سنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - على البضائع الواردة إلى بلاد المسلمين، وهي تعتبر زكاة عروض التجارة على تجار المسلمين، وتعتبر نوعاً من أنواع الاستقطاعات المماثلة للضرائب المعاصرة بالنسبة لأهل الذمة، وضريبة مثل بالنسبة لأهل الحرب.

ويؤيد ذلك كثير من المحدثين، ولذا تضاف عشور المسلمين الى موازنة الزكاة، إذ تتفق في مصارفها، أما سائر العشور الأخرى فتدرج في الموازنة العامة مع سائر الإيرادات الأخرى العامة.

<!--الغنائم: يعرفها القرطبي بأنها "مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً.

والغنيمة في جميع ما أصابه المسلمون من شيء، قل ذلك أو كثر، إلا الأرضين، فإنها الى الإمام، إن رأى أن يخمها ويقسم أربعة أخماسها للذين ظهروا عليها فعل ذلك، وإن رأى أن يدعها فيئاً للمسلمين على حاله فعل ذلك. بعد أن يشاور في الأمر، ويجتهد برأيه، لأن الرسول. ﷺ . وقف بعض ما ظهر عليه من الأرضين فلم يقسمها، وقسم بعض ما ظهر عليه.

وقد تناولت الآيات الكريمة تخميس الغنائم وتوزيعها كما يلي: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. وعلى ذلك يكون المراد هو توزيع خمس الغنائم بين المصارف المسماة، أما الباقي فيوزع غنيمة للمقاتلة الفاتحين، وعلى ذلك يكون للغنائم ثلاثة مصارف:

<!--ويمثل80% منها، ويختص بالجيش أو المقاتلين.

<!--ويمثل 12% منها، ويختص بالفئات المسماة في الآية.

<!-- ويمثل 8% منها، ويختص بنصيب الرسول وذوي قرباه، ويرد لبيت المال.

<!--الفيء :هو ما اجتبي من أموال أهل الذمة مما صولحوا عليه من جزية رؤوسهم التي بها حقنت دماؤهم وحرمت أموالهم، ومنه خراج الأرضين التي افتتحت عنوة ثم أقرها الإمام في أيدي أهل اللغة، ومنه وظيفة أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا منها على خراج مسمى، ومنه ما يأخذه العاشر من أموال أهل اللغة التي يمرون بها عليه لتجارتهم، ومنه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام للتجارات، فكل هذا من الفيء، وهو الذي يعم المسلمين غنيهم وفقيرهم فيكون في أعطية المقاتلة، وأرزاق الذرية، وما ينوب الإمام من أمور الناس بحسن النظر للإسلام وأهله.

وكذلك يرى الماوردي أن مال الفيء هو كل ما وصل من المشركين عفواً من غير قتال، ولا إيجاف خيل ولا ركاب، فهو كمال الهدنة والجزية وأعشار متاجرهم، أو كان واصلا بسبب من جهتهم كمال الخراج. وعلى ذلك يتكون الفيء بصفة أساسية من نوعين من المال هما:

<!--كافة الأموال المنقولة والثابتة التي يحصل عليها المسلمون من المسلمين أو من غيرهم بغير قتال أو مشقة.

<!--الأراضي التي يحصل عليها المسلمون من غير المسلمين بقتال وتوقف على مصالح المسلمين.

ومن أمثلة أموال الفيء: الخراج والجزية وعشور غير المسلمين وأهل الحرب والهبات والهدايا وخمسي خمس [%۸] الغنائم المسماة للرسول ولذوي القربى...

أما مصارف الفيء فهي ما تناولته الآيات الكريمة من سورة الحشر: ﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ واليَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[7] للْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [8] وَالَّذِينَ تبوؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [9] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. [الحشر : 7 : 10].

وعلى ذلك توزع الآيات الكريمة الفيء على المهاجرين والأنصار ثم عامة المسلمين من الأمم التالية، ولقد استند أمير المؤمنين عمر على هذه الآيات عند وقف الأراضي المفتوحة، وضرب الخراج عليها، وإنفاقه على أمة المسلمين كلها، دون تخصيصها لفئة معينة.

<!--الكفارات: سنت الشريعة الإسلامية الكفارات كعلوية مالية المساعدة الفقراء والمساكين، بحيث يمكن أن تصبح مورداً لا يستهان به إن طبقت أحكام الشريعة بحق، وتقع الكفارات في الحالات الآتية :

<!--إذا حلف المسلم يميناً أن يفعل شيئاً أو يتركه، ثم يعدل عن ذلك، وفي هذه الحالة يلزم بإطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم به المسلم أهله، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، طبقاً للآية الكريمة

<!--في حالة العجز عن صوم رمضان لمرض أو لعجز مستمر يجب إطعام مسكين كل يوم .

<!--إذا تعمد المسلم الأقطار وهو قادر على الصوم في رمضان، كان عليه صوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.

<!--من يظاهر على زوجته، فعليه كفارة إطعام ستين مسكيناً، طبقاً للآية الكريمة ﴿ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾. [المجادلة : 4].

<!--إذا أخل الحاج بشرط من شروط الحج الأساسية، تكون كفارته ذبيحة تقدم للفقراء والمساكين

<!-- الأموال التي ليس لها مستحق: قد توجد أموال لا يعلم لها مستحق، وهذه الأموال التي لم يتعين مالكها هي من حقوق بیت المال، وكذلك سائر الأموال الضائعة التي لا يتعين لها مالك، كاللقطة والمال المعرض للضياع ولا يعرف صاحبه، والغصوب، والعواري، والودائع التي يتعذر معرفة أصحابها.

وبالإضافة إلى ذلك ما قد يقوم به ولي الأمر من مصادرة أموال من ينقض العهد من أهل الذمة، كما فعل الرسول . ﷺ . بيهود خيبر، وعمر ابن الخطاب في أهل الذمة الذين نقضوا العهد في خلافته، فضلا عما كان يصادره الإمام من أموال عماله الذين يشك في تصرفاتهم، كما فعل عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز في مصادرة أموال أقاربه وعمال من سبقوه من خلفاء بني أمية.

وهناك أيضاً التركات التي يموت أربابها بلا وارث شرعي، أو ما يتبقى من التركة بعد ميراث أحد الزوجين ولم يكن لهم ذو قرابة، يمكن رد باقي التركة له ، وهذه التركات تؤول لبيت المال باعتباره مالاً لا مستحق له، او باعتباره وارثاً له، مصداقاً لقول الرسول . ﷺ .: من ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له أكفل عنه، وارثه ومن المعلوم أن الرسول . ﷺ .، إنما يرث من لا وارث له باعتباره قائماً على مصالح المسلمين، فيكون ذلك دليلاً على ميراث بيت المال.

القسم لثاني: أنواع النفقات

<!--مخصصات رئيس الدولة: بدأت الدولة الإسلامية بولاية الرسول . ﷺ .، فكانت كل مظاهر الحكومة السياسية في يده، إذ كان يقود الجيوش ويفصل الخصومات ويجبي الأموال، أما باقي الأمور التي لم يتعرض لها القرآن، فكان . ﷺ . يستشير فيها كبار المهاجرين والأنصار. وقد نزلت سورة الأنفال بتخصيص الرسول وذوي قرباه من الغنيمة، كان . ﷺ . ينفق من نصيبه، وما يزيد ينفقه في شؤون الأمة، وحين تولى أبو بكر الخلافة بعد وفاة الرسول . ﷺ . لم يتمكن من الجمع بينها وبين عمله في التجارة، فشاور المسلمين في هذا الأمر، فأشاروا عليه أن يتفرغ لأمور الخلافة، وفرضوا له ستة آلاف درهم في العام، كما حدث الشي نفسه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي ما تدعى مخصصات الرئاسة في النظام المالي الحديث.

<!--رواتب وعطاءات العمال :قسمت رقعة الدولة الإسلامية إلى ولايات يتولاها عمال، ولم يكن لهؤلاء العمال مخصصات ثابتة في البداية، والغالب أن يكون مقداراً معيناً من طعام الجهة التي يتولى العامل أمرها، وأول عطاء نقدي رتب لعتاب بن أسيد حين بعله الرسول . ﷺ . عاملا مكة، وبلغ درهماً واحداً عن كل يوم، وباتساع رقعة الدولة في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تغير نظام الأعطيات، وحددت رواتب الولاة والعمال، وقدرت بما يتناسب مع صعوبة العمل وظروف البيئة وارتفاع الأسعار وانخفاضها، وهي طريقة استخدمتها نظم الخدمة المدنية الحديثة في العالم.

<!--عطاء الجند :كان الجند في عهد الرسول . ﷺ . وأبي بكر يحصلون على جزء من الغنائم إذا غزا المسلمون وغنموا، وكانت الغنائم توزع عليهم بالتساوي، وفي عهد عمر بن الخطاب كان تقدير العطاء بالكفاية التي يستغني بها الجندي عن التماس مادة تقطعه عن حماية البلاد، بمعنى الرواتب الثابتة في الخدمة المدنية الحديثة.

<!-- الأعطيات: تتفق الأعطيات مع مفهوم المعاشات في الوقت الحاضر، وهي تمنح طبقا لمعايير حددها الله سبحانه وتعالى وبينها الرسول . ﷺ .، هو والخلفاء الراشدون من بعده، وقد كان الرسول وأبو بكر يسويان بين الناس في العطاء، ولكن كان لعمر بن الخطاب رأي آخر، إذ أنه فصل بعضاً على الآخر طبقاً لمنازلهم من كتاب الله، وقسمهم من رسول الله.

<!--سائر النفقات العامة: اهتمت الدولة الإسلامية بالنفقات العامة التي تصلح من شئون الناس، وتقوم بتنمية الموارد الاقتصادية، وتسد احتياجاتهم، والأدلة على ذلك لا حصر لها، إذ امتد اهتمام الدولة الى قطاع الزراعة والري، والصناعة، والنقل والمواصلات والخدمات الصحية والتعليم والإرشاد، والثقافة، والدفاع، والأمن، والعدالة، والإنشاء والتشييد، والخدمات الاجتماعية.

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 207 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,221

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters